Walain saaltahum man khalaqahum layaqoolunna Allahu faanna yufakoona
تفسير الآية 87
ولئن سألت -أيها الرسول- هؤلاء المشركين من قومك مَن خلقهم؟ ليقولُنَّ: الله خلقنا، فكيف ينقلبون وينصرفون عن عبادة الله، ويشركون به غيره؟
«ولئن» لام قسم «سألتهم من خلقهم ليقولنَّ الله» حذف منه نون الرفع وواو الضمير «فأنَّى يؤفكون» يصرفون عن عبادة الله.
ثم قال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقهم لَيَقُولُنَّ اللَّهُ أي: ولئن سألت المشركين عن توحيد الربوبية، ومن هو الخالق، لأقروا أنه اللّه وحده لا شريك له. فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ أي: فكيف يصرفون عن عبادة اللّه والإخلاص له وحده؟!فإقرارهم بتوحيد الربوبية، يلزمهم به الإقرار بتوحيد الألوهية، وهو من أكبر الأدلة على بطلان الشرك.
ثم قال : ( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون ) أي : ولئن سألت هؤلاء المشركين بالله العابدين معه غيره ( من خلقهم ليقولن الله ) أي : هم يعترفون أنه الخالق للأشياء جميعها ، وحده لا شريك له في ذلك ، ومع هذا يعبدون معه غيره ، ممن لا يملك شيئا ولا يقدر على شيء ، فهم في ذلك في غاية الجهل والسفاهة وسخافة العقل ; ولهذا قال : ( فأنى يؤفكون )
ثم بين- سبحانه- ما كان عليه المشركون من تناقض بين أقوالهم وأفعالهم فقال:وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ، فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ.أى: والله لئن سألت- يا محمد- هؤلاء الكافرين عمن خلقهم وخلق من يعبدونهم من دون الله، ليقولن: الله هو الخالق لكل المخلوقات.وقوله: فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ استفهام قصد به التعجب من أحوالهم المتناقضة أى: ما دمتم قد اعترفتم بأن الخالق لكم ولغيركم هو الله، فكيف انصرفتم عن عبادة الله إلى عبادة غيره.وكيف أشركتم معه غيره في ذلك مع اعترافكم بأنه- سبحانه- هو الخالق لكل شيء.يقال: أفك فلان فلانا يأفك إفكا- من باب طرب وعلم- إذا صرفه وقلبه عن الشيء.وسميت قرى قوم لوط بالمؤتفكات لأن جبريل جعل عاليها سافلها بأمر الله- تعالى-.
" ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون "، يصرفون عن عبادته.
قوله تعالى : ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون .قوله تعالى : ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله أي لأقروا بأن الله خلقهم بعد أن لم يكونوا شيئا . فأنى يؤفكون أي كيف ينقلبون عن عبادته وينصرفون حتى أشركوا به غيره رجاء شفاعتهم له . يقال : أفكه يأفكه أفكا ، أي : قلبه وصرفه عن الشيء . ومنه قوله تعالى : قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا . وقيل : أي : ولئن سألت الملائكة وعيسى من خلقهم ؟ لقالوا الله . فأنى يؤفكون أي : فأنى يؤفك هؤلاء في ادعائهم إياهم آلهة .
القول في تأويل قوله تعالى : وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87)يقول تعالى ذكره: ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين بالله من قومك: من خلقهم؟ ليقولنّ: الله خلقنا.( فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ) فأي وجه يصرفون عن عبادة الذي خلقهم, ويحرمون إصابة الحقّ في عبادته.
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87)بعد أن أمعن في إبطال أن يكون إله غير الله بما سِيق من التفصيلات ، جاء هنا بكلمة جامعة لإبطال زعمهم إلهية غير الله بقوله : { ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله } أي سألتهم سؤال تقرير عمن خلقهم فإنه يُقرّون بأن الله خلقهم ، وهذا معلوم من حال المشركين كقول ضِمام بن ثعلبة للنبيء صلى الله عليه وسلم « أسألك بربّك وربّ من قبلك آلله أرسلك » ولأجل ذلك أُكِّد إنهم يقرون لله بأنه الخالق فقال : { ليقولن الله } ، وذلك كاففٍ في سفاهة رأيهم إذ كيف يكون إلها من لم يخلق ، قال تعالى : { أفمن يخلق كمَن لا يخلق أفلا تذكرون } [ النحل : 17 ] .والخطاب في قوله : { سألتهم } للنبيء صلى الله عليه وسلم ويجوز أن يكون لغير معيّن ، أي إن سألهم من يتأتى منه أن يسأل . وفرع على هذا التقرير والإقرار الإنكارُ والتعجيبُ من انصرافهم من عبادة الله إلى عبادة آلهة أخرى بقوله : { فأنى يؤفكون } .و ( أنّى ) اسم استفهام عن المكان فمحله نصب على الظرفية ، أي إلى أيِّ مكان يصرفون . و { يؤفكون } يُصْرَفون : يقال : أفكَه عن كذا ، يأفِكه من بابْ ضَرب ، إذا صرفه عنه ، وبُني للمجهول إذ لم يصرفهم صارف ولكن صرفوا أنفسهم عن عبادة خالقهم ، فقوله : { فأنى يؤفكون } هو كقول العرب : أين يُذهَب بك ، أي أين تذهب بنفسك إذ لا يريدون أن ذاهباً ذهب به يسألونه عنه ولكن المراد : أنه لم يذهب به أحد وإنما ذهب بنفسه .