سورة الزخرف: الآية 33 - ولولا أن يكون الناس أمة...

تفسير الآية 33, سورة الزخرف

وَلَوْلَآ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ

الترجمة الإنجليزية

Walawla an yakoona alnnasu ommatan wahidatan lajaAAalna liman yakfuru bialrrahmani libuyootihim suqufan min fiddatin wamaAAarija AAalayha yathharoona

تفسير الآية 33

ولولا أن يكون الناس جماعة واحدة على الكفر، لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سُقُفا من فضة وسلالم عليها يصعدون.

«ولولا أن يكون الناس أمة واحدة» على الكفر «لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم» بدل من لمن «سَقْفاً» بفتح السين وسكون القاف وبضمهما جمعاً «من فضة ومعارج» كالدرج من فضة «عليها يظهرون» يعلون إلى السطح.

يخبر تعالى بأن الدنيا لا تسوى عنده شيئا، وأنه لولا لطفه ورحمته بعباده، التي لا يقدم عليها شيئا، لوسَّع الدنيا على الذين كفروا توسيعا عظيما، ولجعل لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ أي: درجا من فضة عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ على سطوحهم.

ثم قال تعالى : ( ولولا أن يكون الناس أمة واحدة ) أي : لولا أن يعتقد كثير من الناس الجهلة أن إعطاءنا المال دليل على محبتنا لمن أعطيناه ، فيجتمعوا على الكفر لأجل المال - هذا معنى قول ابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، والسدي ، وغيرهم - ( لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ) أي سلالم ودرجا من فضة - قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والسدي : وابن زيد ، وغيرهم - ( عليها يظهرون ) ، أي : يصعدون .

ثم ختم- سبحانه- هذا التهوين لحطام الدنيا فقال: وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً، لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ، وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ.ولَوْلا حرف امتناع لامتناع. والكلام على حذف مضاف. والمراد بالأمة الواحدة:أمة الكفر. والمعارج جمع معرج وهي المصاعد التي يصعد عليها إلى أعلى.أى: ولولا كراهة أن يكون الناس جميعا أمة واحدة مجتمعة على الكفر حين يشاهدون سعة الرزق، ورفاهية العيش، ظاهرة بين الكافرين..لولا كراهية ذلك. لجعلنا بمشيئتنا وقدرتنا، لمن يكفر بالرحمن، الشيء الكثير من حطام الدنيا، بأن نجعل لبيوتهم سقفا من فضة، ولجعلنا لهم مصاعد فخمة عليها يرقون إلى أعلى مساكنهم.

( ولولا أن يكون الناس أمة واحدة ) أي : لولا أن يصيروا كلهم كفارا فيجتمعون على الكفر ( لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ) قرأ ابن كثير ، وأبو جعفر ، وأبو عمرو : " سقفا " بفتح السين وسكون القاف على الواحد ، ومعناه الجمع كقوله تعالى : " فخر عليهم السقف من فوقهم " ( النحل 26 ) ، وقرأ الباقون بضم السين والقاف على الجمع ، وهي جمع " سقف " مثل : رهن ورهن . قال أبو عبيدة : ولا ثالث لهما . وقيل : هو جمع سقيف . وقيل : جمع سقوف جمع الجمع . ( ومعارج ) مصاعد ودرجا من فضة ( عليها يظهرون ) يعلون ويرتقون . يقال : ظهرت على السطح إذا علوته .

قوله تعالى : ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون فيه خمس مسائل : الأولى : قال العلماء : ذكر حقارة الدنيا وقلة خطرها ، وأنها عنده من الهوان بحيث كان يجعل بيوت الكفرة ودرجها ذهبا وفضة لولا غلبة حب الدنيا على القلوب ؛ فيحمل ذلك على الكفر . قال الحسن : المعنى لولا أن يكفر الناس جميعا بسبب ميلهم إلى الدنيا وتركهم الآخرة لأعطيناهم في الدنيا ما وصفناه ، لهوان الدنيا عند الله عز وجل . وعلى هذا أكثر المفسرين ابن عباس والسدي وغيرهم . وقال ابن زيد : ( ولولا أن يكون الناس أمة واحدة ) في طلب الدنيا واختيارها على الآخرة ( لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ) . وقال الكسائي : المعنى لولا أن يكون في الكفار غني وفقير وفي المسلمين مثل ذلك لأعطينا الكفار من الدنيا هذا لهوانها .الثانية : قرأ ابن كثير وأبو عمرو ( سقفا ) بفتح السين وإسكان القاف على الواحد ومعناه الجمع ، اعتبارا بقوله تعالى : فخر عليهم السقف من فوقهم . وقرأ الباقون بضم السين والقاف على الجمع ، مثل رهن ورهن . قال أبو عبيد : ولا ثالث لهما . وقيل : هو جمع سقيف ، مثل كثيب وكثب ، ورغيف ورغف ، قاله الفراء . وقيل : هو جمع سقوف ، فيصير جمع الجمع : سقف وسقوف ، نحو فلس وفلوس . ثم جعلوا فعولا كأنه اسم واحد فجمعوه على فعل . وروي عن مجاهد ( سقفا ) بإسكان القاف . وقيل : اللام في ( لبيوتهم ) بمعنى على ، أي : على بيوتهم . وقيل : بدل ، كما تقول : فعلت هذا لزيد لكرامته ، قال الله تعالى : ولأبويه لكل واحد منهما السدس كذلك قال هنا : لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم .الثالثة : قوله تعالى : ومعارج يعني الدرج ، قال ابن عباس وهو قول الجمهور . واحدها معراج ، والمعراج السلم ، ومنه ليلة المعراج . والجمع معارج ومعاريج ، مثل مفاتح ومفاتيح ، لغتان . ( ومعاريج ) قرأ أبو رجاء العطاردي وطلحة بن مصرف ، وهي المراقي والسلاليم . قال الأخفش : إن شئت جعلت الواحد معرج ومعرج ، مثل مرقاة ومرقاة . ( عليها يظهرون ) أي : على المعارج يرتقون ويصعدون ، يقال : ظهرت على البيت أي : علوت سطحه . وهذا لأن من علا شيئا وارتفع عليه ظهر للناظرين . ويقال : ظهرت على الشيء أي : علمته . وظهرت على العدو أي : غلبته . وأنشد نابغة بني جعدة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوله :علونا السماء عزة ومهابة وإنا لنرجو فوق ذلك مظهراأي : مصعدا ، فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : إلى أين ؟ قال إلى الجنة ، قال : أجل إن شاء الله . قال الحسن : والله لقد مالت الدنيا بأكثر أهلها وما فعل ذلك! فكيف لو فعل ؟ ! .الرابعة : استدل بعض العلماء بهذه الآية على أن السقف لا حق فيه لرب العلو ; لأن الله تعالى جعل السقوف للبيوت كما جعل الأبواب لها . وهذا مذهب مالك رحمه الله . قال ابن العربي : وذلك لأن البيت عبارة عن قاعة وجدار وسقف وباب ، فمن له البيت فله أركانه . ولا خلاف أن العلو له إلى السماء . واختلفوا في السفل ، فمنهم من قال هو له ، ومنهم من قال ليس له في باطن الأرض شيء . وفي مذهبنا القولان . وقد بين حديث الإسرائيلي الصحيح فيما تقدم : أن رجلا باع من رجل دارا فبناها فوجد فيها جرة من ذهب ، فجاء بها إلى البائع فقال : إنما اشتريت الدار دون الجرة ، وقال البائع : إنما بعت الدار بما فيها ، وكلهم تدافعها فقضى بينهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يزوج أحدهما ولده من بنت الآخر ويكون المال لهما . والصحيح أن العلو والسفل له إلا أن يخرج عنهما بالبيع ، فإذا باع أحدهما أحد الموضعين فله منه ما ينتفع به وباقيه للمبتاع منه .الخامسة : من أحكام العلو والسفل . إذا كان العلو والسفل بين رجلين فيعتل السفل أو يريد صاحبه هدمه ؛ فذكر سحنون عن أشهب أنه قال : إذا أراد صاحب السفل أن يهدم ، أو أراد صاحب العلو أن يبني علوه فليس لصاحب السفل أن يهدم إلا من ضرورة ، ويكون هدمه له أرفق لصاحب العلو ، لئلا ينهدم بانهدامه العلو ، وليس لرب العلو أن يبني على علوه شيئا لم يكن قبل ذلك إلا الشيء الخفيف الذي لا يضر بصاحب السفل . ولو انكسرت خشبة من سقف العلو لأدخل مكانها خشبة ما لم تكن أثقل منها ويخاف ضررها على صاحب السفل . قال أشهب : وباب الدار على صاحب السفل . قال : ولو انهدم السفل أجبر صاحبه على بنائه ، وليس على صاحب العلو أن يبني السفل ، فإن أبى صاحب السفل من البناء قيل له بع ممن يبني . وروى ابن القاسم عن مالك في السفل لرجل والعلو لآخر فاعتل السفل ، فإن صلاحه على رب السفل وعليه تعليق العلو حتى يصلح سفله ; لأن عليه إما أن يحمله على بنيان أو على تعليق ، وكذلك لو كان على العلو فتعليق العلو الثاني على صاحب الأوسط . وقد قيل : إن تعليق العلو الثاني على رب العلو حتى يبني الأسفل . وحديث النعمان بن بشير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا أصل في هذا الباب . وهو حجة لمالك وأشهب . وفيه دليل على أن صاحب السفل ليس له أن يحدث على صاحب العلو ما يضر به ، وأنه إن أحدث عليه ضررا لزمه إصلاحه دون صاحب العلو ، وأن لصاحب العلو منعه من الضرر ، لقوله - عليه السلام - : فإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا ولا يجوز الأخذ إلا على يد الظالم أو من هو ممنوع من إحداث ما لا يجوز له في السنة . وفيه دليل على استحقاق العقوبة بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقد مضى في ( الأنفال ) وفيه دليل على جواز القرعة واستعمالها ، وقد مضى في ( آل عمران ) فتأمل كلا في موضعه تجده مبينا ، والحمد لله .

القول في تأويل قوله تعالى : وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33)يقول تعالى ذكره: ( وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً ) : جماعة واحدة.ثم اختلف أهل التأويل في المعنى الذي لم يؤمن اجتماعهم عليه, لو فعل ما قال جلّ ثناؤه, وما به لم يفعله من أجله, فقال بعضهم: ذلك اجتماعهم على الكفر. وقال: معنى الكلام: ولولا أن يكون الناس أمة واحدة على الكفر, فيصيرَ جميعهم كفارا( لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ ).* ذكر من قال ذلك.حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: ( وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ) يقول الله سبحانه: لولا أن أجعل الناس كلهم كفارا, لجعلت للكفار لبيوتهم سقفا من فضة.حدثنا ابن بشار, قال: ثنا هوذة بن خليفة, قال: ثنا عوف, عن الحسن, في قوله: ( وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ) قال: لولا أن يكون الناس كفارا أجمعون, يميلون إلى الدنيا, لجعل الله تبارك وتعالى الذي قال, ثم قال: والله لقد مالت الدنيا بأكثر أهلها, وما فعل ذلك, فكيف لو فعله.حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ) : أي كفارا كلهم.حدثنا محمد بن عيد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ( وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ) قال: لولا أن يكون الناس كفارا.حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال. ثما أسباط, عن السديّ( وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ) يقول: كفارا على دين واحد.وقال آخرون: اجتماعهم على طلب الدنيا وترك طلب الآخرة. وقال: معنى الكلام: ولولا أن يكون الناس أمة واحدة على طلب الدنيا ورفض الآخرة.* ذكر من قال ذلك:حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ) قال: لولا أن يختار الناس دنياهم على دينهم, لجعلنا هذا لأهل الكفر.وقوله: ( لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ ) يقول تعالى ذكره: لجعلنا لمن يكفر بالرحمن فى الدنيا سقفا, يعني أعالي بيوتهم, وهي السطوح فضة .كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ ) السقف: أعلى البيوت.واختلف أهل العربية فى تكرير اللام التي في قوله: ( لِمَنْ يَكْفُرُ ) وفي قوله: ( لِبُيُوتِهِمْ ), فكان بعض نحويي البصرة يزعم أنها أدخلت في البيوت على البدل. وكان بعض نحويي الكوفة يقول: إن شئت حملتها في ( لِبُيُوتِهِمْ ) مكرّرة، كما في يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ وإن شئت جعلت اللامين مختلفتين, كأن الثانية في معنى على, كأنه قال: جعلنا لهم على بيوتهم سقفا. قال: وتقول العرب للرجل في وجهه: جعلت لك لقومك الأعطية: أي جعلته من أجلك لهم.واختلفت القرّاء في قراءة قوله: " سُقُفًا " فقرأته عامة قرّاء أهل مكة وبعض المدنيين وعامة البصريين ( سَقْفا ) بفتح السين وسكون القاف اعتبارا منهم ذلك بقوله: فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وتوجيها منهم ذلك إلى أنه بلفظ واحد معناه الجمع. وقرأه بعض قرّاء المدينة وعامة قرّاء الكوفة ( سُقُفًا ) بضم السين والقاف، ووجهوها إلى أنها جمع سقيفة أو سقوف. وإذا وجهت إلى أنها جمع سقوف كانت جمع الجمع, لأن السقوف: جمع سقف, ثم تجمع السقوف سقفا, فيكون ذلك نظير قراءة من قرأه " فَرُهُنٌ مَقْبُوضَةٌ" بضم الراء والهاء, وهي الجمع, واحدها رهان ورهون, وواحد الرهون والرهان: رهن.وكذلك قراءة من قرأ " كُلُوا مِنْ ثُمُرِهِ" بضم الثاء والميم, ونظير قول الراجز:حتى إذَا ابْتَلَّتْ حَلاقِيمُ الحُلُقْ (2)وقد زعم بعضهم أن السُّقُف بضم السين والقاف جمع سقف, والرُّهُن بضم الراء والهاء جمع رهن, فأغفل وجه الصواب في ذلك, وذلك أنه غير موجود في كلام العرب اسم على تقدير فعل بفتح الفاء وسكون العين مجموعا على فعل, فيجعل السُّقُف والرُّهُن مثله.والصواب من القول في ذلك عندي, أنهما قراءتان متقاربتا المعنى, معروفتان في قراءة الأمصار, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.وقوله: ( وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ) يقول: ومراقي ودَرَجا عليها يصعدون, فيظهرون على السقف والمعارج: هي الدرج نفسها, كما قال المثنى بن جندل?يا رَبّ ربَّ البَيْتِ ذي المَعَارِج (3)وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني عليّ, قال: ثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس ( وَمَعَارِجَ ) قال: معارج من فضة, وهي درج.حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ): أي دَرجا عليها يصعدون.حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ( وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ) قال: المعارج: المراقي.حدثنا محمد, قال: ثنا ابن ثور, عن حمر, عن قتادة, في قوله: ( وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ) قال: درج عليها يرفعون.حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن ابن عباس قوله: ( وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ) قال: درج عليها يصعدون إلى الغرف.حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: ( وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ) قال: المعارج: درج من فضة.------------------------الهوامش:(2) البيت في ( اللسان : حلق ) ، ولم ينسبه ، ولعله لرؤبة . قال : الحلق : مساغ الطعام والشراب في المريء ، والجمع القليل : أحلاق ، والكثير : حلوق ، وحلق . الأخيرة ككتب عزيزة . أنشد الفارسي :* حتى إذا ابتلت حلاقيم الحلق *وفي معاني القرآن للفراء ( الورقة 295) قال عند قوله تعالى : ( لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا ) : والسقف قرأها عاصم والأعمش" سقفا" ( أي بضم السين والقاف ) . وإن شئت جعلت واحدها" سقيفة" ، وإن شئت جعلت" سقوفا" ، فيكون جمع الجمع ، كما قال الشاعر :* حتى إذَا بُلَّتْ حَلاقِيمُ الحُلُقْ ** أهْوَى لأدْنى فَقْرَةٍ عَلى شَفَقٍ *ومثله قراءة من قرأ :" كلوا من ثمره" ( بضم الثاء والميم ) ، وهو جمع ، وواحده : ثمار وكقول من قرأ :" فرهن مقبوضة" واحدها" رهان" و" رهون" . ا ه .(3) البيت نسبه المؤلف إلى المثنى بن جندل . ونسبه أبو عبيدة في مجاز القرآن ، ( الورقة 220 - ب ) إلى جندل بن المثنى ، وهو الصواب ، وهو جندل بن المثنى الطهوي ، كما في سمط اللآلي ( 702 ) . والمعارج : جمع معراج ، وهي كما في ( اللسان : عرج ) المصاعد والدرج . واستشهد به المؤلف عند قوله تعالى : ( ومعارج عليها يظهرون ) . قال أبو عبيدة : المعارج : الدرج . قال جندل ابن المثنى :* يا رب رب البيت ذي المعارج *

وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) { ولولا } حرف امتناع لوجود ، أي حرف شرط دلّ امتناع وقوععِ جوابها لأجل وقوع شرطها ، فيقتضي أن الله أراد امتناع وقوع أن يكون الناس أمة واحدة ، أي أراد الاحتراز من مضمون شرطها .لما تقرر أن مِن خُلُقهم تعظيمَ المال وأهل الثراء وحُسْبانَهم ذلك أصل الفضائل ولم يَهتموا بزكاء النّفوس ، وكان الله قد أبطل جعلهم المال سبب الفضل بإبطالين ، بقوله : { أهم يقسمون رحمة ربك } [ الزخرف : 32 ] وقوله : { ورحمة ربك خير مما يجمعون } [ الزخرف : 32 ] ، أعقب ذلك بتعريفهم أن المال والغنى لاَ حَظّ لهما عند الله تعالى فإن الله أعطى كل شيء خلقه وجعل للأشياء حقائقها ومقاديرها فكثيراً ما يكون المال للكافرين ومن لا خلاق لهم من الخير ، فتعين أن المال قسمة من الله على النّاس جعل له أسباباً نظمها في سلك النظُم الاجتماعية وجعل لها آثاراً مناسبة لها ، وشتان بينها وبين مواهب النفوس الزكية والسرائر الطيبة ، فالمال في الغالب مصدر لإرضاء الشهوات ومرصد للتفاخر والتطاول . وأما مواهب النفوس الطيّبة فمَصَادرُ لنفع أصحابها ونفع الأمة ، ففي أهل الشر أغنياء وفقراء وفي أهل الخير أمثال ذلك ، فظهر التباين بين آثار كسب المال وآثار الفضائل النفسانية .ويحصل من هذا التحقير للمال إبطال ثالث لما أسسوا عليه قولهم : { لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم } [ الزخرف : 31 ] ، فهذه الجملة عطف على جملة { ورحمت ربك خير مما يجمعون } [ الزخرف : 32 ] .والنّاس يحتمل أن يراد به جميع النّاس ، فيكون التعريف للاستغراق ، أي جميع البشر . والأمة : الجماعة من البشر المتميزة عن غيرها باتحاد في نسب أو دين أو حالة معرّف بها فمعنى أن يكون النّاس أمة واحدة يحتمل أن لولا أن يصير البشر على دين واحد وهو الغالب عليهم يومئذٍ ، أي الكفر ونبذ الفكرة في الآخرة وعلى هذا تفسير ابن عباس والحسن وقتادة والسدي .فالمعنى عليه : لَوْلاَ أن يَصير النّاس كلّهم كفاراً لخصصنا الكافرين بالمال والرفاهية وتركنا المسلمين لِمَا ادّخرنا لهم من خيرات الآخرة ، فيحسب ضعفاء العقول أن للكفر أثراً في حصول المال جعله الله جزاء لمن سماهم بالكافرين فيتبعوا دين الكفر لِتخيّلهم الملازمة بين سعادة العيش وبين الكفرِ ، وقد كان النّاس في الأجيال الأولى أصحاب أوهام وأغلاط يجعلون للمقارنة حكم التسبب فيؤول المعنى إلى : لولا تجنب ما يفضي إلى عموم الكفر وانقراضضِ الإيمان ، لجعلنا المال لأهل الكفر خاصة ، أي والله لا يحب انقراض الإيمان من النّاس ولم يقدِّر اتحاد النّاس على ملة واحدة بقوله : { ولا يزالون مختلفين إلاّ من رحم ربّك ولذلك خلقهم } [ هود : 118 ، 119 ] أي أن الله لطف بالعباد فعطّل ما يفضي بهم إلى اضمحلال الهدى من بينهم ، أي أبقى بينهم بصيصاً من نور الهدى .ويحتمل وهو الأولى عندي : أن يكون التعريف في { الناس } للعهد مراداً به بعض طوائف البشر وهم أهل مكة وجمهورهم على طريقة الاستغراق العرفي وعلى وزان قوله تعالى :{ إن النّاس قد جمعوا لكم } [ آل عمران : 173 ] ويكون المراد بكونهم أمّة واحدة اتحادهم في الثراء .والمعنى : لولا أن تصير أمة من الأمم أهل ثروة كلهم أي وذلك مخالف لما قدره الله من اشتمال كل بلد وكل قبيلة وكل أمة على أغنياء ومحاويج لإقامة نظام العمران واحتياج بعضهم لبعض ، هذا لمالِه ، وهذا لصناعته ، وآخر لمقدرة بدنه لجعلنا من يكفر بالرحمان وهم أهل مكة سواء في الثراء والرفاهية . وعلى كلا الاحتمالين يتلخص من المعنى أن الثراء والرفاهية لا يقيم المدبر الحكيم لهما وزناً فلا يمسكهما عن الناكبين عن طريق الحق والكمال ، فصار الكلام يقتضي مقدَّراً محذوفاً تقديره لكن لا يكون النّاس سَواء في الغِنى لأنّا لم نجعل ذلك لأنا قدرنا في نظام الكون البشري أن لا تكون أمة من الأمم أو قبيلة أو أهل بلدة أغنياء ليس فيهم محاويج لأنّه يفضي إلى انحرام نظام الاجتماع وارتفاع احتياج بعضهم لبعض فيهلك مجتمعهم ، والله أراد بقاءهم إلى أجل هم بالغوه .ويرجح هذا جعل متعلق فعل { يكفر } خصوص وصف الرحمان فإن مشركي مكة أنكروا وصف الرحمان { قالوا وما الرحمن } [ الفرقان : 60 ] وقد تكرر التورّك عليهم بذلك في آي كثيرة .ومعنى { لجعلنا لمن يكفر } لَقدَّرنا في نظام المجتمع البشري أسبابَ الثراء متصلةً بالكفر بالله بحيث يكون الكفر سبباً ومجلبة للغنى ، ولو أراد الله ذلك لهيّأ له أسبابه في عقول النّاس وأساليب معاملاتهم المالية فدل هذا على أن الله منع أسباب تعميم الكفر في الأرض لطفاً منه بالإيمان وأهله وإن كان لم يمنع وقوع كفر جزئي قليل أو كثير حفظاً منه تعالى لناموس ترتيب المسببات على أسبابها . وهذا من تفاريع التفرقة بين الرضى والإرادة فلا يرضى لعباده الكفر ولو شاء ربّك ما فعلوه .
الآية 33 - سورة الزخرف: (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون...)