سورة الطور: الآية 20 - متكئين على سرر مصفوفة ۖ...

تفسير الآية 20, سورة الطور

مُتَّكِـِٔينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ ۖ وَزَوَّجْنَٰهُم بِحُورٍ عِينٍ

الترجمة الإنجليزية

Muttakieena AAala sururin masfoofatin wazawwajnahum bihoorin AAeenin

تفسير الآية 20

كلوا طعامًا هنيئًا، واشربوا شرابًا سائغًا؛ جزاء بما عملتم من أعمال صالحة في الدنيا. وهم متكئون على سرر متقابلة، وزوَّجناهم بنساء بيض واسعات العيون حسانهنَّ.

(متكئين) حال من الضمير المستكن في قوله "" في جنات "" (على سرر مصفوفة) بعضها إلى جنب بعض (وزوجناهم) عطف على جنات، أي قرناهم (بحور عين) عظام الأعين حسانها.

مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ الاتكاء: هو الجلوس على وجه التمكن والراحة والاستقرار، والسرر: هي الأرائك المزينة بأنواع الزينة من اللباس الفاخر والفرش الزاهية.ووصف الله السرر بأنها مصفوفة، ليدل ذلك على كثرتها، وحسن تنظيمها، واجتماع أهلها وسرورهم، بحسن معاشرتهم، ولطف كلام بعضهم لبعض فلما اجتمع لهم من نعيم القلب والروح والبدن ما لا يخطر بالبال، ولا يدور في الخيال، من المآكل والمشارب [اللذيذة]، والمجالس الحسنة الأنيقة، لم يبق إلا التمتع بالنساء اللاتي لا يتم سرور بدونهن فذكر الله أن لهم من الأزواج أكمل النساء أوصافا وخلقا وأخلاقا، ولهذا قال: وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ وهن النساء اللواتي قد جمعن من جمال الصورة الظاهرة وبهاءها، ومن الأخلاق الفاضلة، ما يوجب أن يحيرن بحسنهن الناظرين، ويسلبن عقول العالمين، وتكاد الأفئدة أن تطيش شوقا إليهن، ورغبة في وصالهن، والعين: حسان الأعين مليحاتها، التي صفا بياضها وسوادها.

وقوله : ( متكئين على سرر مصفوفة ) قال الثوري ، عن حصين ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : السرر في الحجال .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو اليمان ، حدثنا صفوان بن عمرو ; أنه سمع الهيثم بن مالك الطائي يقول : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن الرجل ليتكئ المتكأ مقدار أربعين سنة ما يتحول عنه ولا يمله ، يأتيه ما اشتهت نفسه ولذت عينه " .وحدثنا أبي ، حدثنا هدبة بن خالد ، عن سليمان بن المغيرة ، عن ثابت قال : بلغنا أن الرجل ليتكئ في الجنة سبعين سنة ، عنده من أزواجه وخدمه وما أعطاه الله من الكرامة والنعيم ، فإذا حانت منه نظرة فإذا أزواج له لم يكن رآهن قبل ذلك ، فيقلن : قد آن لك أن تجعل لنا منك نصيبا .ومعنى ) مصفوفة ) أي : وجوه بعضهم إلى بعض ، كقوله : ( على سرر متقابلين ) [ الصافات : 44 ] . ( وزوجناهم بحور عين ) أي : وجعلناهم قرينات صالحات ، وزوجات حسانا من الحور العين .وقال مجاهد : ( وزوجناهم ) : أنكحناهم بحور عين ، وقد تقدم وصفهن في غير موضع بما أغنى عن إعادته .

وقوله: مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ منصوب على الحال من فاعل كُلُوا أو من الضمير المستكن في قوله جَنَّاتٍ.أى: هم في جنات عظيمة، حالة كونهم متكئين فيها على سرر موضوعة على صفوف منتظمة، وعلى خطوط مستوية، والسّرر: جمع سرير وهو ما يجلس عليه الإنسان للراحة.وقوله: وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ بيان لنعمة أخرى من النعم التي يتلذذون بها.أى: وفضلا عن كل ذلك، فقد زوجناهم بنساء جميلات.وبذلك نرى أن هؤلاء المتقين، قد أكرمهم الله- تعالى- بكل أنواع النعيم، من مسكن طيب، ومأكل كريم، ومشرب هنيء، وأزواج مطهرات من كل سوء.

( متكئين على سرر مصفوفة ) موضوعة بعضها إلى جنب بعض ( وزوجناهم بحور عين ) .

قوله تعالى : متكئين على سرر سرر جمع سرير وفي الكلام حذف تقديره : متكئين على نمارق سرر .مصفوفة قال ابن الأعرابي : أي موصولة بعضها إلى بعض حتى تصير صفا . وفي الأخبار أنها تصف في السماء بطول كذا وكذا ; فإذا أراد العبد أن يجلس عليها تواضعت له ; فإذا جلس عليها عادت إلى حالها . قال ابن عباس : هي سرر من ذهب مكللة بالزبرجد والدر والياقوت ، والسرير ما بين مكة وأيلة .وزوجناهم بحور عين أي قرناهم بهن . قال يونس بن حبيب : تقول العرب زوجته امرأة وتزوجت امرأة ; وليس من كلام العرب تزوجت بامرأة . قال : وقول الله عز وجل : وزوجناهم بحور عين أي قرناهم بهن ; من قول الله تعالى : احشروا الذين ظلموا وأزواجهم أي وقرناءهم . وقال الفراء : تزوجت بامرأة لغة في أزد شنوءة . وقد مضى القول في معنى الحور العين .

وقوله: ( مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ ) قد جعلت صفوفا, وترك قوله: على نمارق, اكتفاء بدلالة ما ذكر من الكلام عليه.وقوله: ( وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ ) يقول تعالى ذكره: وزوّجنا الذكور من هؤلاء المتقين أزواجا بحور عين من النساء, يقول الرجل: زوّج هذا الخلف الفرد أو النعل الفرد بهذا الفرد, بمعنى: اجعلهما زوجا. وقد بينَّا معنى الزوج فيما مضى بما أغنى عن إعادته هاهنا , والحُور: جمع حَوْراء, وهي الشديدة بياض مقلة العين في شدة سواد الحدقة.وقد ذكرت اختلاف أهل التأويل في ذلك, وبيَّنت الصواب فيه عندنا بشواهده المغنية عن إعادتها في هذا الموضع, والعين: جمع عَيْنَاء, وهي العظيمة العَيْن في حُسن وسعة.

مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20(حال من ضمير { كلوا واشربوا } [ الطور : 19 ] ، أي يقال لهم كلوا واشربوا حال كونهم متكئين ، أي وهم في حال إكلة أهل الترف المعهود في الدنيا ، فقد كان أهل الرفاهية يأكلون متكئين وقد وصف القرآن ذلك في سورة يوسف ( 31 ( بقوله : { أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكئاً وءاتت كل واحدة منهن سكيناً } أي لَحز الطعام والثمار . وفي الحديث « أمَّا أنا فلا آكل متكئاً » وكان الأكاسرة ومرازبة الفُرس يأكلون متكئين وكذلك كان أَباطرة الرومان وكذلك شأنهم في شُرب الخمر ، قال الأعشى :نَازَعْتهُم قُضب الريحان متكئاً ... وخمرةً مُزة رَاوُوقها خضلوالسَّرر : جمع سرير ، وهو ما يُضطجع عليه .والمصفوفة : المتقابلة ، والمعنى : أنهم يأكلون متكئين مجتمعين للتأنس كقوله تعالى : { على سرر متقابلين } [ الصافات : 44 ] .وجملة { وزوجناهم } عطف على { متكئين } فهي في موضع الحال .ومعنى { زوجناهم } : جعلنا كل فرد منهم زوجاً ، أي غير مفرد ، أي قرنَّاهم بنساء حُور عيننٍ . والباء للمصاحبة ، أي جعلنا حُوراً عِيناً معهم ، ولم يُعد فعل { زوجناهم } إلى { حور } بنفسه على المفعولية كما في قوله تعالى : { زوجناكها } [ الأحزاب : 37 ] ، لأن ( زوجنا ( في هذه الآية ليس بمعنى : أنكحناهم ، إذ ليس المراد عقد النكاح لنُبوّ المراد عن هذا المعنى ، فالتزويج هنا وارد بمعناه الحقيقي في اللغة وهو جعل الشيء المفرد زوجاً وَليس وارداً بمعناه المنقول عنه في العرف والشرع ، وليس الباء لتعدية فعل { زوجناهم } بتضمينه معنى : قرنَّا ، ولا هو على لغة أزد شنوة فإنه لم يسمع في فصيح الكلام : تزوج بامرأة .وحور : صفة لنساء المؤمنين في الجنة ، وهنّ النساء اللاتي كنّ أزواجاً لهم في الدنيا إن كنّ مؤمنات ومن يخلقهن الله في الجنة لنعمة الجنة وحكم نساء المؤمنين اللاتي هن مؤمنات ولم يكن في العمل الصالح مثل أزواجهن في لحاقهن بأزواجهن في الدرجات في الجنة تقدم عند قوله تعالى : { ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون } في سورة الزخرف ( 70 ( وما يقال فيهن يقال في الرجال من أزواج النساء الصالحات .وعين } صفة ثانية ، وحقها أن تعطف ولكن كثر ترك العطف .
الآية 20 - سورة الطور: (متكئين على سرر مصفوفة ۖ وزوجناهم بحور عين...)