سورة النور: الآية 22 - ولا يأتل أولو الفضل منكم...

تفسير الآية 22, سورة النور

وَلَا يَأْتَلِ أُو۟لُوا۟ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤْتُوٓا۟ أُو۟لِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينَ وَٱلْمُهَٰجِرِينَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ۖ وَلْيَعْفُوا۟ وَلْيَصْفَحُوٓا۟ ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ ۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ

الترجمة الإنجليزية

Wala yatali oloo alfadli minkum waalssaAAati an yutoo olee alqurba waalmasakeena waalmuhajireena fee sabeeli Allahi walyaAAfoo walyasfahoo ala tuhibboona an yaghfira Allahu lakum waAllahu ghafoorun raheemun

تفسير الآية 22

ولا يحلف أهل الفضل في الدين والسَّعَة في المال على ترك صلة أقربائهم الفقراء والمحتاجين والمهاجرين، ومنعهم النفقة؛ بسبب ذنب فعلوه، ولْيتجاوزوا عن إساءتهم، ولا يعاقبوهم. ألا تحبون أن يتجاوز الله عنكم؟ فتجاوزوا عنهم. والله غفور لعباده، رحيم بهم. وفي هذا الحثُّ على العفو والصفح، ولو قوبل بالإساءة.

«ولا يأتل» يحلف «أولوا الفضل» أصحاب الغنى «منكم والسعة أن» لا «يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله» نزلت في أبي بكر حلف أن لا ينفق على مسطح وهو ابن خالته مسكين مهاجر بدري لما خاض في الإفك بعد أن كان ينفق عليه، وناس من الصحابة أقسموا أن لا يتصدقوا على من تكلم بشيء من الإفك «وليعفوا وليصفحوا» عنهم في ذلك «ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم» للمؤمنين قال أبو بكر: بلى أنا أحب أن يغفر الله لي ورجع إلى مسطح ما كان ينفقه عليه.

وَلَا يَأْتَلِ أي: لا يحلف أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا كان من جملة الخائضين في الإفك " مسطح بن أثاثة " وهو قريب لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكان مسطح فقيرا من المهاجرين في سبيل الله، فحلف أبو بكر أن لا ينفق عليه، لقوله الذي قال.فنزلت هذه الآية، ينهاهم عن هذا الحلف المتضمن لقطع النفقة عنه، ويحثه على العفو والصفح، ويعده بمغفرة الله إن غفر له، فقال: أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ إذا عاملتم عبيده، بالعفو والصفح، عاملكم بذلك، فقال أبو بكر - لما سمع هذه الآية-: بلى، والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع النفقة إلى مسطح، وفي هذه الآية دليل على النفقة على القريب، وأنه لا تترك النفقة والإحسان بمعصية الإنسان، والحث على العفو والصفح، ولو جرى عليه ما جرى من أهل الجرائم.

يقول تعالى : ( ولا يأتل ) من الألية ، [ وهي : الحلف ] أي : لا يحلف ( أولو الفضل منكم ) أي : الطول والصدقة والإحسان ) والسعة ) أي : الجدة ( أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله ) أي : لا تحلفوا ألا تصلوا قراباتكم المساكين والمهاجرين . وهذه في غاية الترفق والعطف على صلة الأرحام; ولهذا قال : ( وليعفوا وليصفحوا ) أي : عما تقدم منهم من الإساءة والأذى ، وهذا من حلمه تعالى وكرمه ولطفه بخلقه مع ظلمهم لأنفسهم .وهذه الآية نزلت في الصديق ، حين حلف ألا ينفع مسطح بن أثاثة بنافعة بعدما قال في عائشة ما قال ، كما تقدم في الحديث . فلما أنزل الله براءة أم المؤمنين عائشة ، وطابت النفوس المؤمنة واستقرت ، وتاب الله على من كان تكلم من المؤمنين في ذلك ، وأقيم الحد على من أقيم عليه - شرع تبارك وتعالى ، وله الفضل والمنة ، يعطف الصديق على قريبه ونسيبه ، وهو مسطح بن أثاثة ، فإنه كان ابن خالة الصديق ، وكان مسكينا لا مال له إلا ما ينفق عليه أبو بكر ، رضي الله عنه ، وكان من المهاجرين في سبيل الله ، وقد ولق ولقة تاب الله عليه منها ، وضرب الحد عليها . وكان الصديق ، رضي الله عنه ، معروفا بالمعروف ، له الفضل والأيادي على الأقارب والأجانب . فلما نزلت هذه الآية إلى قوله : ( ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم ) أي : فإن الجزاء من جنس العمل ، فكما تغفر عن المذنب إليك نغفر لك ، وكما تصفح نصفح عنك . فعند ذلك قال الصديق : بلى ، والله إنا نحب - يا ربنا - أن تغفر لنا . ثم رجع إلى مسطح ما كان يصله من النفقة ، وقال : والله لا أنزعها منه أبدا ، في مقابلة ما كان قال : والله لا أنفعه بنافعة أبدا ، فلهذا كان الصديق هو الصديق [ رضي الله عنه وعن بنته ] .

ثم حض - عز وجل - أصحاب النفوس النقية الطاهرة ، على المواظبة على ما تعودوه من سخاء وسماحة ، فقال : ( وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ الفضل مِنكُمْ والسعة أَن يؤتوا أُوْلِي القربى والمساكين والمهاجرين فِي سَبِيلِ الله وَلْيَعْفُواْ وليصفحوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) .وقد صح أن هذه الآية الكريمة نزلت فى شأن أبى بكر - رضى الله عنه - عندما أقسم أن لا يعطى مسطح بن أثاثة شيئا من النفقة أو الصدقة .وكان مسطح قريبا لأبى بكر . وكان من الفقراء الذين تعهد - أبو بكر رضى الله عنه - بالإنفاق عليهم لحاجتهم وهجرتهم وقرابتهم منه .وقوله : ( وَلاَ يَأْتَلِ ) أى : ولا يحلف . يقال : آلى فلان وائتلى . إذا حلف ومنه قوله - تعالى - : ( لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ . . . ) أى : يحلفون .أى : ولا يحلف " أولوا الفضل منكم والسعة " أى أصحاب الزيادة منكم فى قوة الدين . وفى سعة المال " أن يؤتوا أولى القربى . . " أى : على أن لا يعطوا أولى القربى والمساكين والمهاجرين فى سبيل الله ، شيئا من أموالهم .فالكلام فى قوله : " أن يؤتوا " على تقدير حرف الجر ، أى : لا يحلفوا على أن لا يؤتوا ، وحذف حرف الجر قبل المصدر المنسبك من أن وصلتهما مطرد ، ومفعول " يؤتوا " الثانى محذوف . أى : أن يؤتوا أولى القرى والمساكين والمهاجرين فى سبيل الله ، النفقة التى تعودوا أن يقدموها لهم .وقوله - تعالى - : ( وَلْيَعْفُواْ وليصفحوا ) تحريض على العفو والصفح .والعفو معناه : التجاوز عن خطأ المخطىء ونسيانه ، مأخوذ من عفت الريح الأثر ، إذا طمسته وأزالته .والصفح : مقابلة الإساءة بالإحسان ، فهو أعلى درجة من العفو .أى : قابلوا - أيها المؤمنون - إساءة المسىء بنسيانها ، وبمقابلتها بالإحسان .وقوله : ( أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ الله لَكُمْ ) أى : ألا تحبون - أيها المؤمنون أن يغفر الله لكم ذنوبكم ، بسبب عفوكم وصفحكم عمن أساء إليكم؟فالجملة الكريمة ترغيب فى العفو والصفح بأبلغ أسلوب ، وقد صح أن أبا بكر - رضى الله عنه - لما سمع الآية قال : بلى والله يا ربنا ، إنا لنحب أن تغفر لنا ، وأعاد إلى مسطح نفقته ، وفى رواية : أنه - رضى الله عنه - ضاعف لمسطح نفقته .قال الآلوسى : " وفى الآية من الحث على مكارم الأخلاق ما فيها . واستدل بها على فضل الصديق - رضى الله عنه - لأنه داخل فى أولى الفضل قطعا ، لأنه وحده أو مع جماعة سبب النزول ، ولا يضر فى ذلك الحكم لجميع المؤمنين كما هو الظاهر . . . " .ثم ختم - سبحانه - الأية الكريمة بما يرفع من شأن العفو والصفح فقال : ( والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) .أى : والله - تعالى - كثيرة المغفرة ، وواسع الرحمة بعباده ، فكونوا - أيها المؤمنون - أصحاب عفو وصفح عمن أساء إليكم .

قوله - عز وجل - ( ولا يأتل ) أي : ولا يحلف ، وهو يفتعل من الألية وهي القسم ، وقرأ أبو جعفر : " يتأل " بتقديم التاء وتأخير الهمزة ، وهو يتفعل من الألية . ( أولو الفضل منكم والسعة ) يعني أبا بكر الصديق ( أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله ) يعني مسطحا ، وكان مسكينا مهاجرا بدريا ابن خالة أبي بكر ، حلف أبو بكر أن لا ينفق عليه ، ( وليعفوا وليصفحوا ) عنهم خوضهم في أمر عائشة ، ( ألا تحبون ) يخاطب أبا بكر ، ( أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم ) فلما قرأها النبي - صلى الله عليه وسلم - على أبي بكر قال : بلى أنا أحب أن يغفر الله لي ، ورجع إلى مسطح نفقته التي كان ينفق عليه ، وقال : والله لا أنزعها منه أبدا .وقال ابن عباس والضحاك : أقسم ناس من الصحابة فيهم أبو بكر أن لا يتصدقوا على رجل تكلم بشيء من الإفك ولا ينفعوهم ، فأنزل الله هذه الآية .

قوله تعالى : ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة الآية . المشهور من الروايات أن هذه الآية نزلت في قصة أبي بكر بن أبي قحافة - رضي الله عنه - ومسطح بن أثاثة . وذلك أنه كان ابن بنت خالته ، وكان من المهاجرين البدريين المساكين . وهو مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف . وقيل : اسمه عوف ، ومسطح لقب . وكان أبو بكر - رضي الله عنه - ينفق عليه لمسكنته وقرابته ؛ فلما وقع أمر الإفك ، وقال فيه مسطح ما قال ، حلف أبو بكر ألا ينفق عليه ، ولا ينفعه بنافعة أبدا ، فجاء مسطح فاعتذر ، وقال : إنما كنت أغشى مجالس حسان فأسمع ولا أقول . فقال له أبو بكر : لقد ضحكت ، وشاركت فيما قيل ؛ ومر على يمينه ، فنزلت الآية . وقال الضحاك ، وابن عباس : إن جماعة من المؤمنين قطعوا منافعهم عن كل من قال في الإفك ، وقالوا : والله لا نصل من تكلم في شأن عائشة ؛ فنزلت الآية في جميعهم . والأول أصح ؛ غير أن الآية تتناول الأمة إلى يوم القيامة بألا يغتاظ ذو فضل وسعة فيحلف ألا ينفع من هذه صفته غابر الدهر . روي في الصحيح أن الله تبارك وتعالى لما أنزل : إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم العشر آيات ، قال أبو بكر وكان ينفق على مسطح لقرابته وفقره : والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ؛ فأنزل الله تعالى : ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة إلى قوله : ألا تحبون أن يغفر الله لكم . قال عبد الله بن المبارك : هذه أرجى آية في كتاب الله تعالى ؛ فقال أبو بكر : والله إني لأحب أن يغفر الله لي ؛ فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال : لا أنزعها منه أبدا .في هذه الآية دليل على أن القذف وإن كان كبيرا لا يحبط الأعمال ؛ لأن الله تعالى وصف مسطحا بعد قوله بالهجرة والإيمان ؛ وكذلك سائر الكبائر ؛ ولا يحبط الأعمال غير الشرك بالله ، قال الله تعالى : لئن أشركت ليحبطن عملك .من حلف على شيء لا يفعله فرأى فعله أولى منه أتاه وكفر عن يمينه ، أو كفر عن يمينه وأتاه ؛ كما تقدم في ( المائدة ) . ورأى الفقهاء أن من حلف ألا يفعل سنة من السنن أو مندوبا وأبد ذلك أنها جرحة في شهادته ؛ ذكره الباجي في المنتقى .قوله تعالى : ولا يأتل أولوا الفضل ولا يأتل معناه يحلف ؛ وزنها يفتعل ، من الألية وهي اليمين ؛ ومنه قوله تعالى : للذين يؤلون من نسائهم وقد تقدم في ( البقرة ) . وقالت فرقة : معناه يقصر ؛ من قولك : ألوت في كذا إذا قصرت فيه ؛ ومنه قوله تعالى : لا يألونكم خبالا .قوله تعالى : ألا تحبون أن يغفر الله لكم تمثيل وحجة أي كما تحبون عفو الله عن ذنوبكم فكذلك اغفروا لمن دونكم ؛ وينظر إلى هذا المعنى قوله - عليه السلام - : من لا يرحم لا يرحم .قال بعض العلماء : هذه أرجى آية في كتاب الله تعالى ، من حيث لطف الله بالقذفة العصاة بهذا اللفظ . وقيل . أرجى آية في كتاب الله - عز وجل - قوله تعالى : وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا . وقد قال تعالى في آية أخرى : والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير ؛ فشرح الفضل الكبير في هذه الآية ، وبشر به المؤمنين في تلك . ومن آيات الرجاء قوله تعالى : قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم . وقوله تعالى : الله لطيف بعباده . وقال بعضهم : أرجى آية في كتاب الله - عز وجل - : ولسوف يعطيك ربك فترضى ؛ وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يرضى ببقاء أحد من أمته في النار .السابعة والعشرون : قوله تعالى : أن تؤتوا أي ألا يؤتوا ، فحذف ( لا ) ؛ كقول القائل [ امرؤ القيس ] :فقلت يمين الله أبرح قاعدا [ ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي ]ذكره الزجاج . وعلى قول أبي عبيدة لا حاجة إلى إضمار ( لا ) . وليعفوا من عفا الربع أي درس ، فهو محو الذنب حتى يعفو كما يعفو أثر الربع .

يقول تعالى ذكره: ولا يحلف بالله ذوو الفضل منكم، يعني: ذوي التفضل والسَّعة، يقول: وذوو الجِدَه.واختلف القرّاء في قراءة قوله: ( ولا يَأْتَلِ ) فقرأته عامة قرّاء الأمصار.( وَلا يَأْتَلِ ) بمعنى: يفتعل من الألَيَّة، وهي القسم بالله، سوى أبي جعفر وزيد بن أسلم، فإنه ذكر عنهما أنهما قرآ ذلك " وَلا يَتألّ" بمعنى: يتفعل، من الألِية.والصواب من القراءة في ذلك عندي، قراءة من قرأ: ( ولا يَأْتَلِ ) بمعنى: يفتعل من الألية، وذلك أن ذلك في خطّ المصحف كذلك، والقراءة الأخرى مخالفة خطّ المصحف، فاتباع المصحف مع قراءة جماعة القرّاء وصحّة المقروء به أولى من خلاف ذلك كله، وإنما عُنِي بذلك أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه في حلفه بالله لا ينفق على مِسْطَح، فقال جلّ ثناؤه: ولا يحلف من كان ذا فضل من مال وسعة منكم أيها المؤمنون بالله ألا يُعْطُوا ذَوي قَرابتهم، فيصلوا به أرحامهم، كمِسْطح، وهو ابن خالة أبي بكر ( والمسَاكِين ) يقول: وذوي خَلَّة الحاجة، وكان مِسْطح منهم؛ لأنه كان فقيرا محتاجا( وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) وهم الذين هاجروا من ديارهم وأموالهم في جهاد أعداء الله، وكان مِسْطَح منهم; لأنه كان ممن هاجر من مكة إلى المدينة، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا( وَلْيَعْفُوا ) يقول: وليعفوا عما كان منهم إليهم من جُرم، وذلك كجرم مِسطَح إلى أبي بكر في إشاعته على ابنته عائشة ما أشاع من الإفك ، ( وَلْيَصْفَحُوا ) يقول: وليتركوا عقوبتهم على ذلك، بحرمانهم ما كانوا يؤتونهم قبل ذلك، ولكن ليعودوا لهم إلى مثل الذي كانوا لهم عليه من الإفضال عليهم ، ( أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ) يقول: ألا تحبون أن يستر الله عليكم ذنوبكم بإفضالكم عليهم، فيترك عقوبتكم عليها( واللهُ غَفُورٌ ) لذنوب من أطاعه واتبع أمره، ( رَحِيمٌ ) بهم أن يعذبهم مع اتباعهم أمره، وطاعتهم إياه على ما كان لهم من زلة وهفوة قد استغفروه منها، وتابوا إليه من فعلها.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن الزهريّ، عن عَلقمة بن وقاص الليثيّ، وعن سعيد بن المسيب، وعن عروة بن الزبير، وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة، قال: وثني ابن إسحاق، قال: ثنا يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة، قال: وثني ابن إسحاق، قال: ثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة، قالت: لما نزل هذا، يعني قوله: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ في عائشة، وفيمن قال لها ما قال قال أبو بكر، وكان ينفق على مسطح لقرابته وحاجته: والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا، ولا أنفعه بنفع أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال، وأدخل عليها ما أدخل، قالت: فأنزل الله في ذلك ( وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ )... الآية. قالت: فقال أبو بكر: والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجَّع إلى مسطح نفقته التي كان يُنْفِق عليه، وقال: والله لا أنزعها منه أبدا.حدثني عليّ، قال ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ ) يقول: لا تقسموا ألا تنفعوا أحدا.حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ )... إلى آخر الآية، قال: كان ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رَمَوا عائشة بالقبيح، وأفشَوا ذلك وتكلموا به، فأقسم ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيهم أبو بكر، ألا يتصدّق على رجل تكلم بشيء من هذا ولا يصله، فقال: لا يُقْسِم أولو الفضل منكم والسعة أن يصلوا أرحامهم، وأن يعطوهم من أموالهم كالذي كانوا يفعلون قبل ذلك. فأمر الله أن يُغْفَر لهم وأن يُعْفَى عنهم.حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: ( وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ ) : لما أنزل الله تعالى ذكره عذر عائشة من السماء، قال أبو بكر وآخرون من المسلمين، والله لا نصل رجلا منهم تكلم بشيء من شأن عائشة ولا ننفعه، فأنزل الله ( وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ ) يقول: ولا يحلف.حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: ( وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى ) قال: كان مِسْطَح ذا قرابة.( وَالْمَسَاكِينَ ) قال: كان مسكينا( والمهاجرين في سبيل الله ) كان بدْريا.حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ( وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ ) قال: أبو بكر حلف أن لا ينفع يتيما في حِجْره كان أشاع ذلك، فلما نزلت هذه الآية قال: بلى أنا أحب أن يغفر الله لي، فلأكوننّ ليتيمي خيرَ ما كنت له قطُّ.

وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)عطف على جملة : { لا تتبعوا خطوات الشيطان } [ النور : 21 ] عطف خاص على عام للاهتمام به لأنه قد يخفى أنه من خطوات الشيطان فإن من كيد الشيطان أن يأتي بوسوسة في صورة خواطر الخير إذا علم أن الموسوس إليه من الذين يتوخون البر والطاعة ، وأنه ممن يتعذر عليه ترويج وسوسته إذا كانت مكشوفة .وإن من ذيول قصة الإفك أن أبا بكر رضي الله عنه كان ينفق على مسطح بن أثاثة المُطَّلبي إذ كان ابن خالة أبي بكر الصديق وكان من فقراء المهاجرين فلما علم بخوضه في قضية الإفك أقسم أن لا ينفق عليه . ولما تاب مسطح وتاب الله عليه لم يزل أبو بكر واجداً في نفسه على مسطح فنزلت هذه الآية . فالمراد من أولي الفضل ابتداء أبو بكر ، والمراد من أولي القربى ابتداء مسطح بن أثاثة ، وتعم الآية غيرهما ممن شاركوا في قضية الإفك وغيرهم ممن يشمله عموم لفظها فقد كان لمسطح عائلة تنالهم نفقة أبي بكر . قال ابن عباس : إن جماعة من المؤمنين قطعوا منافعهم عن كل من قال في الإفك وقالوا : والله لا نصل مَن تكلَّم في شأن عائشة . فنزلت الآية في جميعهم .ولما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية إلى قوله : { ألا تحبون أن يغفر الله لكم } قال أبو بكر : بلى أحب أن يغفر الله لي . ورجّع إلى مسطح وأهله ما كان ينفق عليهم . قال ابن عطية : وكفّر أبو بكر عن يمينه ، رواه عن عائشة .وقرأ الجمهور : { ولا يأتل } . والايتلاء افتعال من الإلية وهي الحلف وأكثر استعمال الإلية في الحلف على امتناع ، يقال : آلى وائتلى . وقد تقدم عند قوله تعالى : { للذين يؤلون من نسائهم } في سورة البقرة ( 226) . وقرأه أبو جعفر { ولا يتألّ } من تألّى تفعّل من الأليّة .والفضل : أصله الزيادة فهو ضد النقص ، وشاع إطلاقه على الزيادة في الخير والكمال الديني وهو المراد هنا . ويطلق على زيادة المال فوق حاجة صاحبه وليس مراداً هنا لأن عطف { والسعة } عليه يبعد ذلك . والمعنيّ من أولي الفضل ابتداء أبو بكر الصديق .والسعة : الغنى . والأوصاف في قوله : { أولى القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله } مقتضية المواساة بانفرادها ، فالحلف على ترك مواساة واحد منهم سد لباب عظيم من المعروف وناهيك بمن جمع الأوصاف كلها مثل مسطح الذي نزلت الآية بسببه .والاستفهام في قوله : { ألا تحبون } إنكاري مستعمل في التحضيض على السعي فيما به المغفرة وذلك العفو والصفح في قوله : { وليعفوا وليصفحوا } . وفيه إشعار بأنه قد تعارض عن أبي بكر سبب المعروف وسبب البر في اليمين وتجهم الحنث وأنه أخذ بجانب البر في يمينه وترك جانب ما يفوته من ثواب الإنفاق ومواساة القرابة وصلة الرحم وكأنه قدم جانب التأثم على جانب طلب الثواب فنبهه الله على أنه يأخذ بترجيح جانب المعروف لأن لليمين مخرجاً وهو الكفارة .وهذا يؤذن بأن كفارة اليمين كانت مشروعة من قبل هذه القصة ولكنهم كانوا يهابون الإقدام على الحنث كما جاء في خبر عائشة . أن لا تكلم عبد الله بن الزبير حين بلغها قوله : إنه يحجر عليها لكثرة إنفاقها المال . وهو في «صحيح البخاري» في كتاب الأدب باب الهجران .وعُطف { والله غفور رحيم } على جملة : { ألا تحبون أن يغفر الله لكم } زيادة في الترغيب في العفو والصفح وتطميناً لنفس أبي بكر في حنثه وتنبيها على الأمر بالتخلق بصفات الله تعالى .
الآية 22 - سورة النور: (ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله ۖ وليعفوا وليصفحوا ۗ ألا...)