سورة النساء: الآية 151 - أولئك هم الكافرون حقا ۚ...

تفسير الآية 151, سورة النساء

أُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْكَٰفِرُونَ حَقًّا ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَٰفِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا

الترجمة الإنجليزية

Olaika humu alkafiroona haqqan waaAAtadna lilkafireena AAathaban muheenan

تفسير الآية 151

أولئك هم أهل الكفر المحقَّق الذي لا شك فيه، وأعتدنا للكافرين عذابًا يخزيهم ويهينهم.

«أولئك هم الكافرون حقا» مصدر مؤكد لمضمون الجملة قبله «وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا» ذا إهانة وهو عذاب النار.

( أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا ) وذلك لئلا يتوهم أن مرتبتهم متوسطة بين الإيمان والكفر.ووجه كونهم كافرين - حتى بما زعموا الإيمان به- أن كل دليل دلهم على الإيمان بمن آمنوا به موجود هو أو مثله أو ما فوقه للنبي الذي كفروا به، وكل شبهة يزعمون أنهم يقدحون بها في النبي الذي كفروا به موجود مثلها أو أعظم منها فيمن آمنوا به.فلم يبق بعد ذلك إلا التشهي والهوى ومجرد الدعوى التي يمكن كل أحد أن يقابلها بمثلها، ولما ذكر أن هؤلاء هم الكافرون حقا ذكر عقابا شاملا لهم ولكل كافر فقال: ( وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا ) كما تكبروا عن الإيمان بالله، أهانهم بالعذاب الأليم المخزي.

ثم أخبر تعالى عنهم ، فقال : ( أولئك هم الكافرون حقا ) أي : كفرهم محقق لا محالة بمن ادعوا الإيمان به ; لأنه ليس شرعيا ، إذ لو كانوا مؤمنين به لكونه رسول الله لآمنوا بنظيره ، وبمن هو أوضح دليلا وأقوى برهانا منه ، لو نظروا حق النظر في نبوته .وقوله : ( وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا ) أي : كما استهانوا بمن كفروا به إما لعدم نظرهم فيما جاءهم به من الله ، وإعراضهم عنه وإقبالهم على جمع حطام الدنيا مما لا ضرورة بهم إليه ، وإما بكفرهم به بعد علمهم بنبوته ، كما كان يفعله كثير من أحبار اليهود في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث حسدوه على ما آتاه الله من النبوة العظيمة ، وخالفوه وكذبوه وعادوه وقاتلوه ، فسلط الله عليهم الذل الدنيوي الموصول بالذل الأخروي : ( وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله ) [ البقرة : 61 ] في الدنيا والآخرة .

وقوله أُوْلَٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً إخبار عن سوء مصيرهم، وشناعة عاقبتهم.أى: أولئك الموصوفون بتلك الصفات القبيحة هم الكافرون الكاملون فى الكفر، الراسخون فى ظلماته، وأعتدنا أى وهيأنا وادخرنا للكافرين جميعا عذابا يهينهم ويذلهم جزاء كفرهم وجحودهم.وقوله حَقّاً مصدر مؤكد لمضمون الجملة قبله، وعامله محذوف أى: أولئك الكافرون حق ذلك حقا. ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف. أى أولئك هم الكافرون كفرا حقا أى: كفرا كاملا لا شك فى وقوعه منهم وانغماسهم فيه.هذا هو شأن الكافرين بالله ورسله، وتلك هى عاقبتهم أما المؤمنين الصادقون فقد بشرهم الله بقوله:

أولئك هم الكافرون حقا ) حقق كفرهم ليعلم أن الكفر ببعضهم كالكفر بجميعهم ( وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا )

قوله تعالى : أولئك هم الكافرون حقا تأكيد يزيل التوهم في إيمانهم حين وصفهم بأنهم يقولون نؤمن ببعض ، وأن ذلك لا ينفعهم إذا كفروا برسوله ؛ وإذا كفروا برسوله فقد كفروا به عز وجل ، وكفروا بكل رسول مبشر بذلك الرسول ؛ فلذلك صاروا الكافرين حقا . وللكافرين يقوم مقام المفعول الثاني ل " أعتدنا " ؛ أي أعتدنا لجميع أصنافهم عذابا مهينا أي مذلا .

فقال جل ثناؤه لعباده، منبهًا لهم على ضلالتهم وكفرهم: " أولئك هم الكافرون حقًّا " ، يقول: أيها الناس، هؤلاء الذين وصفت لكم صفتهم، هم أهل الكفر بي، المستحقون عذابي والخلود في ناري حقًّا. فاستيقنوا ذلك، ولا يشككنَّكم في أمرهم انتحالهم الكذب، ودعواهم أنهم يقرُّون بما زعموا أنهم به مقرُّون من الكتب والرسل، فإنهم في دعواهم ما ادعوا من ذلك كَذَبَةٌ. وذلك أن المؤمن بالكتب والرسل، هو المصدّق بجميع ما في الكتاب الذي يزعم أنه به مصدق، وبما جاء به الرسول الذي يزعم أنه به مؤمن. فأما من صدّق ببعض ذلك وكذَّب ببعض، فهو لنبوة من كذب ببعض ما جاء به جاحد، ومن جحد نبوة نبي فهو به مكذب. وهؤلاء الذين جحدوا نبوة بعض الأنبياء، وزعموا أنهم مصدقون ببعض، مكذبون من زعموا أنهم به مؤمنون، لتكذيبهم ببعض ما جاءهم به من عند ربهم، فهم بالله وبرسله= الذين يزعمون أنهم بهم مصدقون، والذين يزعمون أنهم بهم مكذبون= كافرون، (21) فهم الجاحدون وحدانية الله ونبوّة أنبيائه حق الجحود، المكذبون بذلك حق التكذيب. فاحذروا أن تغتروا بهم وببدعتهم، فإنا قد أعتدنا لهم عذابًا مهينًا.* * *وأما قوله: " وأعتدنا للكافرين عذابًا مهينًا "، فإنه يعني: " وأعتدنا " لمن جحد بالله ورسوله جحودَ هؤلاء الذين وصفت لكم، أيها الناس، أمرَهم من أهل الكتاب، ولغيرهم من سائر أجناس الكفار (22) =" عذابًا "، في الآخرة=" مهينًا "، يعني: يهين من عُذِّب به بخلوده فيه. (23)* * *وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك:10765- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرِّقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا * أولئك هم الكافرون حقًّا وأعتدنا للكافرين عذابًا مهينًا "، أولئك أعداء الله اليهود والنصارى. آمنت اليهود بالتوراة وموسى، وكفروا بالإنجيل وعيسى. وآمنت النصارى بالإنجيل وعيسى، وكفروا بالقرآن وبمحمد صلى الله عليه وسلم. فاتخذوا اليهودية والنصرانية، وهما بدعتان ليستا من الله، وتركوا الإسلام وهو دين الله الذي بعث به رُسله.10766- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله "، يقولون: محمد ليس برسولٍ لله! وتقول اليهود: عيسى ليس برسولٍ لله! (24) فقد فرَّقوا بين الله وبين رسله=" ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض "، فهؤلاء يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض.10767- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج قوله: " إن الذين يكفرون بالله ورسله " إلى قوله: " بين ذلك سبيلا "، قال: اليهود والنصارى. آمنت اليهود بعُزَير وكفرت بعيسى، وآمنت النصارى بعيسى وكفرت بعزَير. وكانوا يؤمنون بالنبيّ ويكفرون بالآخر=" ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا "، قال: دينًا يدينون به الله.---------------الهوامش :(21) سياق هذه الجملة: "فهم بالله وبرسله ... كافرون" ، وما بينها فصل في صفة هؤلاء الرسل.(22) انظر تفسير"أعتد" فيما سلف 8 : 103 ، 355.(23) انظر تفسير"مهين" فيما سلف: ص163 ، تعليق : 4 ، والمراجع هناك.(24) في الموضعين ، في المخطوطة والمطبوعة: "برسول الله" ، والسياق يقتضي ما أثبت.

وقوله : { أولئك هم الكافرون حقاً } الجملة خبر إنّ والإشارة إلى أصحاب تلك الصلة الماضية ، وموقع الإشارة هنا لقصد التنبيه على أنّ المشار إليهم لاستحضارهم بتلك الأوصاف أحرياء بما سيحكم عليهم من الحكم المعاقِب لاسم الإشارة .وأفاد تعريف جزأي الجملة والإتيانُ بضمير الفصل تأكيدَ قصرِ صفة الكفر عليهم ، وهو قصر ادّعائي مجازيّ بتنزيل كفر غيرهم في جانب كفرهم منزلة العدم ، كقوله تعالى في المنافقين : { هم العدوّ } [ المنافقون : 4 ] . ومثل هذا القصر يدلّ على كمال الموصوف في تلك الصفة المقصورة .ووجه هذه المبالغة : أنّ كفرهم قد اشتمل على أحوال عديدة من الكفر ، وعلى سفالة في الخُلُق ، أو سفاهة في الرأي بمجموع ما حكي عنهم من تلك الصِلات ، فإنّ كلّ خصلة منها إذا انفردت هي كفر ، فكيف بها إذا اجتمعت .و { حقّا مصدر مؤكِّد لمضمون الجملة التي قبله ، أي حُقَّهم حقّا أيّها السامع بالِغين النهاية في الكفر ، ونظير هذا قولهم : ( جِدّاً ) . والتوكيد في مثل هذا لمضمون الجملة التي قبله على ما أفادته الجملة ، وليس هو لرفع المجاز ، فهو تأكيد لما أفادته الجملة من الدلالة على معنى النهاية لأنّ القَصْر مستعمل في ذلك المعنى ، ولم يقصد بالتوكيد أن يصير القصر حقيقيّاً لظهور أنّ ذلك لا يستقيم ، فقول بعض النحاة ، في المصدر المؤكّد لمضمون الجملة : إنَّه يفيد رفع احتمال المجاز ، بناء منهم على الغالب في مفاد التأكيد .وأعتدنا } معناه هيّأنا وقدّرنا ، والتاء في { أعتدنا } بدل من الدال عند كثير من علماء اللغة ، وقال كثير منهم : التاء أصلية ، وأنّه بناء على حدة هو غير بناء عَدّ . وقال بعضهم : إنّ عَتد هو الأصل وأنّ عدّ أدغمّت منه التاء في الدال ، وقد ورد البناءان كثيراً في كلامهم وفي القرآن .
الآية 151 - سورة النساء: (أولئك هم الكافرون حقا ۚ وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا...)