سورة النمل: الآية 59 - قل الحمد لله وسلام على...

تفسير الآية 59, سورة النمل

قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَٰمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰٓ ۗ ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ

الترجمة الإنجليزية

Quli alhamdu lillahi wasalamun AAala AAibadihi allatheena istafa allahu khayrun amma yushrikoona

تفسير الآية 59

قل -أيها الرسول-: الثناء والشكر لله، وسلام منه، وأَمَنَةٌ على عباده الذين تخيرهم لرسالته، ثم اسأل مشركي قومك هل الله الذي يملك النفع والضر خير أو الذي يشركون من دونه، ممن لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعًا ولا ضرًا؟

«قل» يا محمد «الحمد لله» على هلاك الكفار من الأمم الخالية «وسلام على عباده الذين اصطفى» هم «آلله» بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ألفاً وتسهليها وإدخال ألف بين المسهلة والأخرى وتركه «خير» لمن يعبده «أمّا تشركون» بالتاء والياء أي أهل مكة به الآلهة خير لعابديها.

أي: قل الحمد لله الذي يستحق كمال الحمد والمدح والثناء لكمال أوصافه وجميل معروفه وهباته وعدله وحكمته في عقوبته المكذبين وتعذيب الظالمين، وسلم أيضا على عباده الذين تخيرهم واصطفاهم على العالمين من الأنبياء والمرسلين وصفوة الله من العالمين، وذلك لرفع ذكرهم وتنويها بقدرهم وسلامتهم من الشر والأدناس، وسلامة ما قالوه في ربهم من النقائص والعيوب. آللَّهُ خَيْرٌ أمَا يُشْرِكُونَ ْ وهذا استفهام قد تقرر وعرف، أي: الله الرب العظيم كامل الأوصاف عظيم الألطاف خير أم الأصنام والأوثان التي عبدوها معه، وهي ناقصة من كل وجه، لا تنفع ولا تضر ولا تملك لأنفسها ولا لعابديها مثقال ذرة من الخير فالله خير مما يشركون.ثم ذكر تفاصيل ما به يعرف ويتعين أنه الإله المعبود وأن عبادته هي الحق وعبادة [ما] سواه هي الباطل فقال:

يقول تعالى آمرا رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يقول : ( الحمد لله ) أي : على نعمه على عباده ، من النعم التي لا تعد ولا تحصى ، وعلى ما اتصف به من الصفات العلى والأسماء الحسنى ، وأن يسلم على عباد الله الذين اصطفاهم واختارهم ، وهم رسله وأنبياؤه الكرام ، عليهم من الله الصلاة والسلام ، هكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وغيره : إن المراد بعباده الذين اصطفى : هم الأنبياء ، قال : وهو كقوله تعالى : ( سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ) [ الصافات : 180 - 182 ] .وقال الثوري ، والسدي : هم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - رضي [ الله ] عنهم أجمعين ، وروي نحوه عن ابن عباس .ولا منافاة ، فإنهم إذا كانوا من عباد الله الذين اصطفى ، فالأنبياء بطريق الأولى والأحرى ، والقصد أن الله تعالى أمر رسوله ومن اتبعه بعدما ذكر لهم ما فعل بأوليائه من النجاة والنصر والتأييد ، وما أحل بأعدائه من الخزي والنكال والقهر ، أن يحمدوه على جميع أفعاله ، وأن يسلموا على عباده المصطفين الأخيار .وقد قال أبو بكر البزار : حدثنا محمد بن عمارة بن صبيح ، حدثنا طلق بن غنام ، حدثنا الحكم بن ظهير ، عن السدي - إن شاء الله - عن أبي مالك ، عن ابن عباس : ( وسلام على عباده الذين اصطفى ) قال : هم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - اصطفاهم الله لنبيه ، رضي الله عنهم .وقوله : ( آلله خير أم ما يشركون ) : استفهام إنكار على المشركين في عبادتهم مع الله آلهة أخرى .

قال صاحب البحر المحيط: لما فرغ- سبحانه- من قصص هذه السورة، أمر رسوله صلّى الله عليه وسلم بحمده- تعالى- والسلام على المصطفين، وأخذ في مباينة واجب الوجود وهو الله- تعالى- ومباينة الأصنام والأديان التي أشركوها مع الله وعبدوها، وابتدأ في هذا التقرير لقريش وغيرهم بالحمد لله، وكأنها صدر خطبة، لما يلقى من البارهين الدالة على الوحدانية والعلم والقدرة. وقد اقتدى بذلك المسلمون في تصانيف كتبهم، وخطبهم، ووعظهم، فافتتحوا بتحميد الله، والصلاة على رسوله صلّى الله عليه وسلم وتبعهم المتراسلون في أوائل كتب الفتوح والتهاني والحوادث التي لها شأن .والمعنى: قل- أيها الرسول الكريم- للناس: الْحَمْدُ لِلَّهِ- تعالى- وحده، فهو- سبحانه- صاحب النعم والمنن على عباده، وهو- عز وجل- الذي له الخلق والأمر وليس لأحد سواه.وقل- أيضا- سَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى أى: أمان وتحية لعباده الذين اصطفاهم واختارهم- سبحانه- لحمل رسالته وتبليغ دعوته، والاستجابة لأمره ونهيه، والطاعة له في السر والعلن.والاستفهام في قوله آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ للإنكار والتقريع، والألف منقلبة عن همزة الاستفهام.أى: وقل لهم- أيها الرسول الكريم- آلله الذي له الخلق والأمر، والذي أنعم عليكم بالنعم التي لا تحصى، خير، أم الآلهة الباطلة التي لا تنفع ولا تضر، والتي يعبدها المشركون من دون الله- تعالى-. إن كل من عنده عقل، لا يشك في أن المستحق للعبادة والطاعة، هو الله رب العالمين.ولفظ خَيْرٌ ليس للتفضيل، وإنما هو من باب التهكم بهم، إذ لا خير في عبادة الأصنام أصلا. وقد حكى عن العرب أنهم يقولون: السعادة أحب إليك أم الشقاوة، مع أنه لا خير في الشقاوة إطلاقا.قال الآلوسى: وقوله آللَّهُ بالمد لقلب همزة الاستفهام ألفا، والأصل أألله؟ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ والظاهر أن ما موصولة، والعائد محذوف أى: آلله الذي ذكرت شئونه العظيمة خير أم الذي يشركونه من الأصنام وخَيْرٌ أفعل تفضيل، ومرجع الترديد إلى التعريض بتبكيت الكفرة من جهته- عز وجل- وتسفيه آرائهم الركيكة، والتهكم بهم، إذ ن البين أنه ليس فيما أشركوه به- سبحانه- شائبة خير، حتى يمكن أن يوازن بينه وبين من هو خير محض.. .

قوله تعالى : ( قل الحمد لله ) هذا خطاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يحمد الله على هلاك كفار الأمم الخالية . وقيل : على جميع نعمه . ( قل الحمد لله ) هذا خطاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يحمد الله على هلاك كفار الأمم الخالية . وقيل : على جميع نعمه . ( وسلام على عباده الذين اصطفى ) قال مقاتل : هم الأنبياء والمرسلون دليله قوله - عز وجل - : " وسلام على المرسلين " .وقال ابن عباس في رواية أبي مالك هم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - . وقال الكلبي : هم أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - . وقيل : هم كل المؤمنين من السابقين واللاحقين ( آلله خير أم ما يشركون ) قرأ أهل البصرة وعاصم : ( يشركون ) بالياء ، وقرأ الآخرون بالتاء ، يخاطب أهل مكة ، وفيه إلزام الحجة على المشركين بعد هلاك الكفار ، يقول : آلله خير لمن عبده ، أم الأصنام لمن عبدها ؟ والمعنى : أن الله نجى من عبده من الهلاك ، والأصنام لم تغن شيئا عن عابديها عند نزول العذاب .

قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى قال الفراء : قال أهل المعاني : قيل للوط قل الحمد لله على هلاكهم . وخالف جماعة من العلماء الفراء في هذا وقالوا : هو مخاطبة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ; أي قل الحمد لله على هلاك كفار الأمم الخالية . قال النحاس : وهذا أولى ، لأن القرآن منزل على النبي صلى الله عليه وسلم ، وكل ما فيه فهو مخاطب به عليه السلام إلا ما لم يصح معناه إلا لغيره . وقيل : المعنى ; أي قل يا محمد الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى يعني أمته عليه السلام . قال الكلبي : اصطفاهم الله بمعرفته وطاعته . وقال ابن عباس وسفيان : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتلو هذه الآيات الناطقة بالبراهين على وحدانيته وقدرته على كل شيء وحكمته ، وأن يستفتح بتحميده والسلام على أنبيائه والمصطفين من عباده . وفيه تعليم حسن ، وتوقيف على أدب جميل ، وبعث على التيمن بالذكرين والتبرك بهما ، والاستظهار بمكانهما على قبول ما يلقى إلى السامعين ، وإصغائهم إليه ، وإنزاله من قلوبهم المنزلة التي يبغيها المستمع . ولقد توارث العلماء والخطباء والوعاظ كابرا عن كابر هذا الأدب ، فحمدوا الله وصلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام كل علم مفاد ، وقبل كل عظة وفي مفتتح كل خطبة ، وتبعهم المترسلون فأجروا عليه أوائل كتبهم في الفتوح والتهاني ، وغير ذلك من الحوادث التي لها شأن .قوله تعالى : الذين اصطفى اختار ; أي لرسالته وهم الأنبياء عليهم السلام ; دليله قوله تعالى : وسلام على المرسلين . ( آلله خير ) وأجاز أبو حمزة ( أألله خير ) بهمزتين . النحاس : ولا نعلم أحدا تابعه على ذلك ; لأن هذه المدة إنما جيء بها فرقا بين الاستفهام والخبر ، وهذه ألف التوقيف ، و ( خير ) هاهنا ليس بمعنى أفضل منك ، وإنما هو مثل قول الشاعر [ حسان بن ثابت ] :أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداءفالمعنى : فالذي فيه الشر منكما للذي فيه الخير الفداء . ولا يجوز أن يكون بمعنى ( من ) لأنك إذا قلت : فلان شر من فلان . ففي كل واحد منهما شر . وقيل : المعنى : الخير في هذا أم في هذا الذي تشركونه في العبادة ! وحكى سيبويه : السعادة أحب إليك أم الشقاء ; وهو يعلم أن السعادة أحب إليه . وقيل : هو على بابه من التفضيل ، والمعنى : آلله خير أم ما تشركون ; أي أثوابه خير أم عقاب ما تشركون . وقيل : قال لهم ذلك لأنهم كانوا يعتقدون أن في عبادة الأصنام خيرا فخاطبهم الله عز وجل على اعتقادهم . وقيل : اللفظ لفظ الاستفهام ومعناه الخبر . وقرأ أبو عمرو وعاصم ويعقوب : ( يشركون ) بياء على الخبر . الباقون بالتاء على الخطاب ، وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم ; فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرأ هذه الآية يقول : بل الله خير وأبقى وأجل وأكرم .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ( قُلِ ) يا محمد (الْحَمْدُ لِلَّهِ ) على نعمه علينا, وتوفيقه إيانا لما وفِّقنا من الهداية، (وَسَلامٌ ) يقول: وأمنة منه من عقابه الذي عاقب به قوم لوط, وقوم صالح, على الذين اصطفاهم, يقول: الذين اجتباهم لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم, فجعلهم أصحابه ووزراءه على الدِّين الذي بعثه بالدعاء إليه دون المشركين به, الجاحدين نبوّة نبيه.وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك, قال أهل التأويل.*ذكر من قال ذلك:حديث أبو كُرَيب, قال: ثنا طلق, يعني ابن غنام, عن ابن ظهير, عن السديّ, عن أبي مالك, عن ابن عباس: (وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى ) قال: أصحاب محمد اصطفاهم الله لنبيه.حدثنا عليّ بن سهل, قال: ثنا الوليد بن مسلم, قال: قلت لعبد الله بن المبارك: أرأيت قول الله (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى ) من هؤلاء؟ فحدثني عن سفيان الثوري, قال: هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .وقوله: (آللَّهُ خَيْرٌ أَمْ مَا يُشْرِكُونَ ) يقول تعالى ذكره; قل يا محمد لهؤلاء الذين زيَّنا لهم أعمالهم من قومك فهم يعمهون: آلله الذي أنعم على أوليائه هذه النعم التي قصَّها عليكم في هذه السورة, وأهلك أعداءه بالذي أهلكهم به من صنوف العذاب التي ذكرها لكم فيها خير, أما تشركون من أوثانكم التي لا تنفعكم ولا تضرّكم, ولا تدفع عن أنفسها، ولا عن أوليائها سوءً , ولا تجلب إليها ولا إليهم نفعا؟ يقول: إن هذا الأمر لا يشكل على من له عقل, فكيف تستجيزون أن تشركوا عبادة من لا نفع عنده لكم, ولا دفع ضرّ عنكم في عبادة من بيده النفع والضرّ, وله كل شيء؟ ثم ابتدأ تعالى ذكره تعديد نعمه عليهم, وأياديه عندهم, وتعريفهم بقلة شكرهم إياه على ما أولاهم من ذلك, فقال: أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ .

قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59){ المنذرين * قُلِ الحمد لِلَّهِ وسلام على عِبَادِهِ }لما استوفى غرض الاعتبار والإنذار حقه بذكر عواقب بعض الأمم التي كذبت الرسل وهي أشبه أحوالاً بأحوال المكذبين بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالكتاب الذي أنزل عليه ، وفي خلال ذلك وحَفَافيه تسلية النبي صلى الله عليه وسلم على ما يلقاه من قومه أقبل الله بالخطاب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يلقنه ماذا يقوله عقب القصص والمواعظ السالفة استخلاصاً واستنتاجاً منها ، وشكر الله على المقصود منها .فالكلام استئناف والمناسبة ما علمت . أمر الرسول بالحمد على ما احتوت عليه القصص السابقة من نجاة الرسل من العذاب الحال بقومهم وعلى ما أعقبهم الله على صبرهم من النصر ورفعة الدرجات . وعلى أن أهلك الأعداء الظالمين كقوله { فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين } [ الأنعام : 45 ] ونظيره قوله في سورة العنكبوت ( 63 ) { قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون } وقوله في آخر هذه السورة ( 93 ) { وقل الحمد لله سيريكم } الآية . فأمر الرسول بحمد الله على ذلك باعتبار ما أفاده سوق تلك القصص من الإيماء إلى وعد الرسول بالنصر على أعدائه . فقوله قل الحمد لله } أمر للرسول صلى الله عليه وسلم بإنشاء حمد الله . وقد تقدمت صيغة الحمد في أول الفاتحة .وعطف على المأمور بأن يقوله من الحمد أمر بأن يتبعه بالسلام على الرسل الذين سبقوه قدراً لقدر ما تجشموه في نشر الدين الحق .وأصل { سلام } سلمت سلاماً ، مقصود منه الإنشاء فحذف الفعل وأقيم مفعوله المطلق بدلاً عنه . وعدل عن نصب المفعول المطلق إلى تصييره مبتدأ مرفوعا للدلالة على الثبات والدوام كما تقدم عند قوله { الحمد لله } في أول سورة الفاتحة ( 2 ) .والسلام في الأصل اسم يقوله القائل لمن يلاقيه بلفظ : سلام عليك ، أو السلام عليك . ومعناه سلامة وأمنٌ ثابت لك لا نكول فيه ، لما تؤذن به ( على ) من الاستعلاء المجازي المراد به التمكن كما في { أولئك على هدى من ربهم } [ البقرة : 5 ] .وأصل المقصود منه هو التأمين عند اللقاء إذ قد تكون بين المتلاقين إحَن أو يكون من أحدهما إغراء بالآخر ، فكان لفظ ( السلام عليك ) كالعهد بالأمان . ثم لما كانت المفاتحة بذلك تدل على الابتداء بالإكرام والتلطف عند اللقاء ونية الإعانة والقرى ، شاع إطلاق كلمة : السلام عليك ، ونحوها عند قصد الإعراب عن التلطف والتكريم وتنوسي ما فيها من معنى بذل الأمن والسلامة ، فصار الناس يتقاولونها في غير مظان الريبة والمخافة فشاعت في العرب في أحيائهم وبيوتهم وصارت بمنزلة الدعاء الذي هو إعراب عن إضمار الخير للمدعو له بالسلامة في حياته . فلذلك قال تعالى { فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة } كما تقدم في سورة النور ( 61 ) وصار قول : السلام ، بمنزلة قول : حياك الله ، ولكنهم خصُّوا كلمة : ( حياك الله ) بملوكهم وعظمائهم فانتقلت كلمة ( السلام عليكم ) بهذا إلى طور آخر من أطوار استعمالها من عهد الجاهلية وقد قيل إنها كانت تحية للبشر من عهد آدم .ثم ذكر القرآن السلام من عند الله تعالى على معنى كونه معاملة منه سبحانه بكرامة الثناء وحسن الذكر للذين رضي الله عنهم من عباده في الدنيا كقوله حكاية عن عيسى إذ أنطقه بقوله { والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت } [ مريم : 33 ] . وكذلك في الآخرة وما في معناها من أحوال الأرواح بعد الموت كقوله عن عيسى { ويوم أبعث حياً } [ مريم : 33 ] ، وقوله عن أهل الجنة { لهم فيها فاكهة ولهم ما يدعون سلام قولاً من رب رحيم } [ يس : 57 ، 58 ] .وجاء في القرآن السلام على خمسة من الأنبياء في سورة الصافات . وأيضاً أمر الله الأمة بالسلام على رسولها فقال { يأ أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً } [ الأحزاب : 56 ] أي قولوا : السلام عليك أيها النبي لأن مادة التفعيل قد يُؤتى بها للدلالة على قول منحوب من صيغة التفعيل ، فقوله : { سلّموا تسليماً معناه : قولوا كلمة السلام . مثل بسمل ، إذا قال : بسم الله ، وكبر ، إذا قال : الله أكبر . وفي الحديث تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين .ومعنى وسلام على عباده الذين اصطفى } إنشاء طلب من الله أن يسلم على أحد المصطفين ، أي أن يجعل لهم ذكراً حسناً في الملأ الأعلى .فإذا قال القائل : السلام على فلان؛ وفلان غائب أو في حكم الغائب كان ذلك قرينة على أن المقصود الدعاء له بسلام من الله عليه . فقد أزيل منه معنى التحية لا محالة وتعين للدعاء ، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين . عن أن يقولوا في التشهد : السلام على الله السلام على النبي السلام على فلان وفلان . فقال لهم " إن الله هو السلام " أي لا معنى للسلام على الله في مقام الدعاء لأن الله هو المدعو بأن يسلم على من يطلب له ذلك .فلما أمر تعالى في هذه السورة رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول { سلام على عباده الذين اصطفى } فقد عيّن له هذه الجملة ليقولها يسأل من الله أن يكرم عباده الذين اصطفى بالثناء عليهم في الملأ الأعلى وحسن الذكر ، إذ قصارى ما يستطيعه الحاضر من جزاء الغائب على حسن صنيعه أن يبتهل إلى الله أن ينفحه بالكرامة .والعباد الذين اصطفاهم الله في مقدمتهم الرسل والأنبياء ويشمل ذلك الصالحين من عباده كما في صيغة التشهد : «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» . وسيأتي الكلام على التسليم على النبي صلى الله عليه وسلم في سورة الأحزاب .{ اصطفى ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا }4 هذا مما أمر الرسول عليه الصلاة والسلام أن يقوله فأمر أن يقول : { الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى } تمهيداً لقوله : { آللَّه خير أما تشركون } لأن العباد الذين اصطفاهم الله جاؤوا كلهم بحاصل هذه الجملة .وأمر أن يشرع في الاستدلال على مسامع المشركين فيقول لهم هذا الكلام ، بقرينة قوله { أما تشركون } بصيغة الخطاب في قراءة الجمهور ، ولأن المناسب للاستفهام أن يكون موجهاً إلى الذين أشركوا بالله ما لا يخلق ولا يرزق ولا يفيض النعم ولا يستجيب الدعاء ، فليس هذا لقصد إثبات التوحيد للمسلمين .والاستفهام مستعمل في الإلجاء وإلزام المخاطب بالإقرار بالحق وتنبيهه على خطئه . وهذا دليل إجمالي يقصد به ابتداء النظر في التحقيق بالإلهية والعبادة . فهذا من قبيل ما قال الباقلاني وإمام الحرمين وابن فورك إن أول الواجبات أول النظر أو القصد إلى النظر ثم تأتي بعده الأدلة التفصيلية ، وقد ناسب إجماله أنه دليل جامع لما يأتي من التفاصيل فلذلك جيء فيه بالاسم الجامع لمعاني الصفات كلها ، وهو اسم الجلالة . فقيل : { آللَّه خير } . وجيء فيما بعد بالاسم الموصول لما في صلاته من الصفات .وجاء { خير } بصيغة التفضيل لقصد مجاراة معتقدهم أن أصنامهم شركاء الله في الإلهية بحيث كان لهم حظ وافر من الخير في زعمهم ، فعبّر ب { خير } لإيهام أن المقام لإظهار رجحان إلهية الله تعالى على أصنامهم استدراجاً لهم في التنبيه على الخطأ مع التهكم بهم إذ آثروا عبادة الأصنام على عبادة الله . والعاقل لا يؤثر شيئاً على شيء إلا لداع يدعو إلى إيثاره ، ففي هذا الاستفهام عن الأفضل في الخير تنبيه لهم على الخطأ المفرط والجهل المورط لتنفتح بصائرهم إلى الحق إن أرادوا اهتداء . والمعنى : ءالله الحقيق بالإلهية أم ما تشركونهم معه .والاستفهام على حقيقته بقرينة وجود { أم } المعادلة للهمزة فإن التهكم يبنى على الاستعمال الحقيقي .وهذا الكلام كالمقدمة للأدلة الآتية جميعها على هذا الدليل الإجمالي كما ستعلمه . .وقرأ الجمهور { تشركون } بتاء الخطاب . وقرأه أبو عمرو وعاصم ويعقوب بياء الغيبة فيكون القول الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم محكياً بالمعنى روعي فيه غيبة المشركين في مقام الخطاب بالأمر .و { ما } موصولة والعائد محذوف . والتقدير : ما يشركونها إياه ، أي أصنامكم .
الآية 59 - سورة النمل: (قل الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ۗ آلله خير أما يشركون...)