سورة النجم: الآية 23 - إن هي إلا أسماء سميتموها...

تفسير الآية 23, سورة النجم

إِنْ هِىَ إِلَّآ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَٰنٍ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَمَا تَهْوَى ٱلْأَنفُسُ ۖ وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلْهُدَىٰٓ

الترجمة الإنجليزية

In hiya illa asmaon sammaytumooha antum waabaokum ma anzala Allahu biha min sultanin in yattabiAAoona illa alththanna wama tahwa alanfusu walaqad jaahum min rabbihimu alhuda

تفسير الآية 23

أتجعلون لكم الذَّكر الذي ترضونه، وتجعلون لله بزعمكم الأنثى التي لا ترضونها لأنفسكم؟ تلك إذًا قسمة جائرة. ما هذه الأوثان إلا أسماء ليس لها من أوصاف الكمال شيء، إنما هي أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم بمقتضى أهوائكم الباطلة، ما أنزل الله بها مِن حجة تصدق دعواكم فيها. ما يتبع هؤلاء المشركون إلا الظن، وهوى أنفسهم المنحرفة عن الفطرة السليمة، ولقد جاءهم من ربهم على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، ما فيه هدايتهم، فما انتفعوا به.

«إن هي» أي ما المذكورات «إلا أسماء سميتموها» أي سميتم بها «أنتم وآباؤكم» أصناما تعبدونها «ما أنزل الله بها» أي بعبادتها «من سلطان» حجة وبرهان «إن» ما «يتبعون» في عبادتها «إلا الظن وما تهوى الأنفس» مما زين لهم الشيطان من أنها تشفع لهم عند الله تعالى «ولقد جاءهم من ربهم الهدى» على لسان النبي صلى الله عليه وسلم بالبرهان القاطع فلم يرجعوا عما هم عليه.

إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ أي: من حجة وبرهان على صحة مذهبكم، وكل أمر ما أنزل الله به من سلطان، فهو باطل فاسد، لا يتخذ دينا، وهم -في أنفسهم- ليسوا بمتبعين لبرهان، يتيقنون به ما ذهبوا إليه، وإنما دلهم على قولهم، الظن الفاسد، والجهل الكاسد، وما تهواه أنفسهم من الشرك، والبدع الموافقة لأهويتهم، والحال أنه لا موجب لهم يقتضي اتباعهم الظن، من فقد العلم والهدى، ولهذا قال تعالى: وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى أي: الذي يرشدهم في باب التوحيد والنبوة، وجميع المطالب التي يحتاج إليها العباد، فكلها قد بينها الله أكمل بيان وأوضحه، وأدله على المقصود، وأقام عليه من الأدلة والبراهين، ما يوجب لهم ولغيرهم اتباعه، فلم يبق لأحد عذر ولا حجة من بعد البيان والبرهان، وإذا كان ما هم عليه، غايته اتباع الظن، ونهايته الشقاء الأبدي والعذاب السرمدي، فالبقاء على هذه الحال، من أسفه السفه، وأظلم الظلم، ومع ذلك يتمنون الأماني، ويغترون بأنفسهم.

ثم قال منكرا عليهم فيما ابتدعوه وأحدثوه من الكذب والافتراء والكفر ، من عبادة الأصنام وتسميتها آلهة : ( إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ) أي : من تلقاء أنفسكم ( ما أنزل الله بها من سلطان ) أي : من حجة ، ( إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ) أي : ليس لهم مستند إلا حسن ظنهم بآبائهم الذين سلكوا هذا المسلك الباطل قبلهم ، وإلا حظ نفوسهم في رياستهم وتعظيم آبائهم الأقدمين ، ( ولقد جاءهم من ربهم الهدى ) أي : ولقد أرسل الله إليهم الرسل بالحق المنير والحجة القاطعة ، ومع هذا ما اتبعوا ما جاءوهم به ، ولا انقادوا له .

ثم بين لهم- سبحانه- وجه الحق في هذه الأصنام فقال: إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ، ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ.... أى: ما هذه الأصنام التي عبدتموها من دون الله، أو توهمتم أنها تشفع لكم عنده- تعالى-. ما هي إلا أسماء محضة، ليس فيها شيء أصلا من صفات الألوهية، وأنتم وآباؤكم سميتموها آلهة من تلقاء أنفسكم، دون أن يكون معكم على هذه التسمية شيء من الحجة أو الدليل أو البرهان ...فالضمير «هي» يعود إلى اللات والعزى ومناة وغيرها من الآلهة الباطلة.والمراد بقوله: أَسْماءٌ: أنها ليس لها من الألوهية التي أثبتوها لها سوى اسمها، وأما معناها وحقيقتها فهي أبعد ما تكون عن ذلك..وجملة «سميتموها» صفة للأسماء، والهاء هي المفعول الثاني، والمفعول الأول محذوف، والتقدير: إن هي إلا أسماء سميتموها الأصنام، أى: سميتم بها الأصنام.والمراد بالسلطان: الحجة والدليل، والمراد بالإنزال: الإخبار بأنها آلهة و «من» مزيدة لتوكيد عدم الإنزال على سبيل القطع والبت..أى: ما أخبر الله- تعالى- عنها بأنها آلهة، بأى لون من ألوان الإخبار، ولا توجد حجة من الحجج حتى ولو كانت واهية تشير إلى ألوهيتها ...ثم يهمل- سبحانه- خطابهم بعد ذلك، ويذرهم في أوهامهم يعمهون، ويلتفت بالحديث عنهم حتى كأنهم لا وجود لهم، فيقول: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ....أى: ما يتبع هؤلاء الجاهلون في عبادتهم لتلك الآلهة الباطلة، إلا الظنون الكاذبة، وإلا ما تشتهيه أنفسهم الأمارة بالسوء، وتقليد للآباء بدون تفكر أو تدبر..فالمراد بالظن هنا: الظن الباطل الذي يقوم على الاعتقاد الفاسد، كما في قوله- تعالى-: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ.والتعريف في قوله- سبحانه-: وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ عوض عن المضاف إليه.وما موصولة والعائد محذوف. أى: والذي تهواه أنفسهم التي استحوذ عليها الشيطان..وجملة: وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى حالية من فاعل «يتبعون» ، وجيء بها لزيادة التعجب من حالهم.أى: هم ما يتبعون إلا الظنون وما تهواه أنفسهم المحجوبة عن الحق، والحال أنه قد جاء إليهم، ووصل إلى مسامعهم من ربهم، ما يهديهم إلى الصواب لو كانوا يعقلون.وأكد- سبحانه- هذه الجملة بلام القسم وقد، لتأكد الخبر، ولزيادة التعجب من أحوالهم التي بلغت الغاية في الغرابة..والتعبير بقوله: جاءَهُمْ يشعر بأن الحق قد وصل إليهم بدون عناء منهم، ولكنهم مع ذلك رفضوه وأعرضوا عنه.والتعريف في لفظ «الهدى» يدل على كماله وسموه. أى. ولقد جاءهم من ربهم الهدى الكامل الذي ينتهى بمن يتبعه إلى الفوز والسعادة.والمراد به: ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من قرآن كريم ومن سنة مطهرة..

( إن هي ) ما هذه الأصنام ( إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان ) حجة بما تقولون إنها آلهة . ثم رجع إلى الخبر بعد المخاطبة فقال : ( إن يتبعون إلا الظن ) في قولهم إنها آلهة ( وما تهوى الأنفس ) وما زين لهم الشيطان ( ولقد جاءهم من ربهم الهدى ) البيان بالكتاب والرسول أنها ليست بآلهة ، فإن العبادة لا تصلح إلا لله الواحد القهار .

قوله تعالى : إن هي إلا أسماء سميتموها أي ما هي يعني هذه الأوثان إلا أسماء سميتموها يعني نحتموها وسميتموها آلهة . أنتم وآباؤكم أي قلدتموهم في ذلك .ما أنزل الله بها من سلطان أي ما أنزل الله بها من حجة ولا برهان .إن يتبعون إلا الظن عاد من الخطاب إلى الخبر أي ما يتبع هؤلاء إلا الظن .وما تهوى الأنفس أي تميل إليه . وقراءة العامة يتبعون بالياء . وقرأ عيسى بن عمر وأيوب وابن السميفع " تتبعون " بالتاء على الخطاب . وهي قراءة ابن مسعود وابن عباس .ولقد جاءهم من ربهم الهدى أي : البيان من جهة الرسول أنها ليست بآلهة .

وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله ( قِسْمَةٌ ضِيزَى ) قال أهل التأويل, وإن اختلفت ألفاظهم بالعبارة عنها, فقال بعضهم: قِسْمة عَوْجاء.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله ( تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى ) قال: عوجاء.وقال آخرون: قسمة جائرة.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى ) يقول: قسمة جائرة.حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: ثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة ( قِسْمَةٌ ضِيزَى ) قال: قسمة جائرة.حدثنا محمد بن حفص أبو عبيد الوصائي (6) قال: ثنا ابن حُميد, قال: ثنا ابن لهيعة, عن ابن عمرة, عن عكرمة, عن ابن عباس, في قوله: ( تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى ) قال: تلك إذا قسمة جائرة لا حقّ فيها.وقال آخرون: قسمة منقوصة.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن حُميد, قال: ثنا مهران, عن سفيان ( تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى ) قال: منقوصة.وقال آخرون: قسمة مخالفة.* ذكر من قال ذلك:حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله ( تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى ) قال: جعلوا لله تبارك وتعالى بنات, وجعلوا الملائكة لله بنات, وعبدوهم, وقرأ أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُمْ بِالْبَنِينَ * وَإِذَا بُشِّرَ ... الآية, وقرأ وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ ... إلى آخر الآية, وقال: دعوا لله ولدا, كما دعت اليهود والنصارى, وقرأ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قال: والضيزى في كلام العرب: المخالفة, وقرأ إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ .----------------الهوامش :(6) لم أجده في الخلاصة ، ولا في التاج ولا أعلم على أي شيء نسب .

إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (23({وكون العزَّى ومناة عندهم انثتين ظاهر من صيغة اسميهما ، وأما اللات فبقطع النظر عن اعتبار التاء في الاسم علامة تأثيث أو أصلاً من الكلمة فهم كانوا يتوهمون اللات أنثى ، ولذلك قال أبو بكر رضي الله عنه لعُروة بن مسعود الثقفي يوم الحُديبية «امصُصْ أو اعضُضْ بَظْرَ اللات» .وتقديم المجرورين في { ألكم الذكر وله الأنثى } للاهتمام بالاختصاص الذي أفادته اللام اهتماماً في مقام التهكم والتسفيه على أن في تقديم { وله الأنثى } «إفادة الاختصاص» أي دون الذكر .وجملة { تلك إذا قسمة ضيزى } تعليل للإنكار والتهكم المفاد من الاستفهام في { ألكم الذكر وله الأنثى } ، أي قد جرتُم في القسمة وما عدلتم فأنتم أحقاء بالإِنكار .والإِشارة ب { تلك } إلى المذكور باعتبار الإِخبار عنه بلفظ { قسمة } فإنه مؤنث اللفظ .و { إذن } حرف جواب أريد به جواب الاستفهام الإِنكاري ، أي ترتب على ما زعمتم أن ذلك قسمة ضِيزى ، أي قسمتم قسمة جائرة .و { ضيزى } : وزنه فُعْلى بضم الفاء من ضازة حَقَّه ، إذا نقصه ، وأصل عين ضاز همزة ، يقال : ضَأَزه حقه كمنعه ثم كثر في كلامهم تخفيف الهمزة فقالوا : ضَازهُ بالألف . ويجوز في مضارعه أن يكون يائي العين أو واويها قال الكسائي : يجوز ضَاز يضِيز ، وضَاز يضُوز . وكأنه يريد أن لك الخيار في المهموز العين إذا خفف أن تُلحقه بالواو أو الياء ، لكن الأكثر في كلامهم اعتبار العين ياء فقالوا : ضَازه حقه ضَيْزاً ولم يقولوا ضَوْزاً لأن الضوز لوك التمر في الفم ، فأرادوا التفرقة بين المصدرين ، وهذا من محاسن الاستعمال وعن المؤرّج السَّدُوسي كرهوا ضم الضاد في ضوزى فقالوا : ضيزى . كأنه يريد استثقلوا ضم الضاد ، أي في أول الكلمة مع أن لهم مندوحة عنه بالزنة الأخرى .ووزن { ضيزى } : فُعْلى اسم تفضيل ( مثل كُبْرى وطُوبى ( أي شديدة الضيز فلما وقعت الياء الساكنة بعد الضمة حرّكوه بالكسر محافظة على الياء لئلا يقلبوها واواً فتصير ضوزى وهو ما كرهوه كما قال المؤرج . وهذا كما فعلوا في بيض جمع أبيض ولو اعتبروه تفضيلاً من ضاز يضوز لقالوا : ضُوزى ولكنهم أهملوه .وقيل : وزن { ضِيزى } فِعلى بكسر الفاء على أنه اسم مثل دِفلى وشِعْرى ، ويبعِّد هذا أنه مشتق فهو بالوصفية أجدر . قال سيبويه : لا يوجد فِعلَى بكسر الفاء في الصفات ، أو على أنه مصدر مثل ذِكرى وعلى الوجهين كسرته أصلية .وقرأ الجمهور { ضيزى } بياء ساكنة بعد الضاد . وقرأه ابن كثير بهمزة ساكنة بعد الضاد مراعاة لأصل الفعل كما تقدم آنفاً . وهذا وسم لهم بالجور زيادة على الكفر لأن التفكير في الجور كفعله فإن تخيلات الإِنسان ومعتقداته عنوان على أفكاره وتصرفاته .وجملة { إن هي إلا أسماء سميتموها } استئناف يكر بالإِبطال على معتقدهم من أصله بعد إبطاله بما هو من لوازمه على مجاراتهم فيه لإِظهار اختلال معتقدهم وفي هذه الجملة احتراس لئلا يتوهم مُتَوَهم إنكار نسبتهم البنات لله إنه إنكار لتخصيصهم الله بالبنات وأن له أولاداً ذكوراً وإناثاً أو أن مصب الإِنكار على زعمهم أنها بنات وليست ببنات فيكون كالإِنكار عليهم في زعمهم الملائكة بنات . والضمير { هي } عائد إلى اللات والعزى ومناةَ . وَمَا صدق الضمير الذات والحقيقة ، أي ليست هذه الأصنام إلا أسماءُ لا مسمّياتتٍ لها ولا حقائق ثابتة وهذا كقوله تعالى : { ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها } [ يوسف : 40 ] .والقصر إضافي ، أي هي أسماء لا حقائق عاقِلة متصرفة كما تزعمون ، وليس القصر حقيقياً لأنّ لهاته الأصنام مسميات وهي الحجارة أو البيوت التي يقصدونها بالعبادة ويجعلون لها سدنة .وجملة { ما أنزل الله بها من سلطان } تعليل لمعنى القصر بطريقة الاكتفاء لأن كونها لا حقائق لها في عالم الشهادة أمر محسوس إذ ليست إلا حجارة .وأما كونها لا حقائق لها من عالم الغيب فلأن عالم الغيب لا طريق إلى إثبات ما يحتويه إلا بإعلام من عالم الغيب سبحانه ، أو بدليل العقل كدلالة العالم على وجود الصانع وبعض صفاته والله لم يخبر أحداً من رسله بأن للأصنام أرواحاً أو ملائكة ، مثل ما أخبر عن حقائق الملائكة والجن والشياطين .والسلطان : الحجة ، وإنزالها من الله : الإِخبار بها ، وهذا كناية عن انتفاء أن تكون عليها حجة لأن وجود الحجة يستلزم ظهورها ، فنفي إنزال الحجة بها من باب :على لاحب لا يهتدي بمناره ... أي لا منار له فيهتدى به .وعبر عن الإِخبار الموحَى به بفعل ( أنزل ( لأنه إخبار يَرد من العالم العلوي فشُبّه بإدلاء جسم من أعلى إلى أسفل .وكذلك عُبّر عن إقامة دلائل الوجود بالإِنزال لأن النظر الفكري من خلق الله فشبه بالإِنزال كقوله : { هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين } [ الفتح : 4 ] ، فاستعمال { ما أنزل الله بها من سلطان } من استعمال اللفظ في معنييه المجازيَيْن . وفي معنى هذه الآية قوله تعالى : { ويعبدون من دون اللَّه ما لم ينزل به سلطاناً وما ليس لهم به علم } في سورة الحج ( 71 ( ، وتقدم في سورة يوسف ( 40 ( قوله : { ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل اللَّه بها من سلطان } وأكد نفي إنزال السلطان بحرف ( من ( الزائدة لتوكيد نفي الجنس .{ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن وَمَا تَهْوَى الانفس وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الهُدَى } .هذا تحويل عن خطاب المشركين الذي كان ابتداؤه من أول السورة وهو من ضروب الالتفات ، وهو استئناف بياني فضمير { يتبعون } عائد إلى الذين كان الخطاب موجهاً إليهم .أعقب نفي أن تكون لهم حجة على الخصائص التي يزعمونها لأصنافهم أو على أن الله سماهم بتلك الأسماء بإثبات أنهم استندوا فيما يزعمونه إلى الأوهام وما تحبه نفوسهم من عبادة الأصنام ومحبة سدنتها ومواكب زيارتها ، وغرورهم بأنها تسعى في الوساطة لهم عند الله تعالى بما يرغبونه في حياتهم فتلك أوهام وأمانيَّ محبوبة لهم يعيشون في غرورها .وجيء بالمضارع في { يتبعون } للدلالة على أنهم سيسمرُّون على اتباع الظن وما تهواه نفوسهم وذلك يدل على أنهم اتبعوا ذلك من قبل بدلالة لحن الخطاب أو فحواه .وأصل الظن الاعتقاد غير الجازم ، ويطلق على العلم الجازم إذا كان متعلقاً بالمغيبات كما في قوله تعالى : { الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم } في سورة البقرة ( 46 ( ، وكثر إطلاقه في القرآن على الاعتقاد الباطل كقوله تعالى : { إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون }في سورة الأنعام ( 116 ( ، ومنه قول النبي : إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث وهو المراد هنا بقرينة عطف وما تهوى الأنفس } عليه كما عطف { وإن هم إلا يخرصون } على نظيره في سورة الأنعام ، وهو كناية عن الخطأ باعتبار لزومه له غالباً كما قال تعالى : { يأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم } [ الحجرات : 12 ] .وهذا التفنن في معاني الظن في القرآن يشير إلى وجوب النظر في الأمر المظنون حتى يلحقه المسلم بما يناسبه من حُسن أو ذم على حسب الأدلة ، ولذلك استنبط علماؤنا أن الظن لا يغني في إثبات أصول الاعتقاد وأن الظن الصائب تناط به تفاريع الشريعة .والمراد ب { ما تهوى الأنفس } : ما لا باعث عليه إلا الميل الشهواني ، دون الأدلة فإن كان الشيء المحبوب قد دلت الأدلة على حقيقته فلا يزيده حُبه إلا قبولاً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم « ورجلان تحابَّا في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه ، ورجل قلبه معلق بالمساجد » وقال : « وجعلت قُرّة عيني في الصلاة » . فمناط الذم في هذه الآية هو قصر اتباعهم على ما تهواه أنفسهم .ثم إن للظن في المعاملات بين الناس والأخلاق النفسانية أحكاماً ومراتب غير ما له في الديانات أصولها وفروعها ، فمنه محمود ومنه مذموم ، كما قال تعالى : { إن بعض الظن إثم } وقيل : الحزم سوء الظن بالناس .والتعريف في { الأنفس } عوض عن المضاف إليه ، أي وما تهواه أنفسهم و { ما } موصولة .وعطف { وما تهوى الأنفس } على الظن عطف العلة على المعلول ، أي الظن الذي يبعثهم على إتباعه أنه موافق لهداهم وإلفهم .وجملة { ولقد جاءهم من ربهم الهدى } حالية مقررة للتعجيب من حالهم ، أي يستمرون على اتباع الظن والهوى في حال أن الله أرسل إليهم رسولاً بالهدى .ولام القسم لتأكيد الخبر للمبالغة فيما يتضمنه من التعجيب من حالهم كأن المخاطب يشك في أنه جاءهم ما فيه هدى مقنع لهم من جهة استمرارهم على ضلالهم استمراراً لا يظن مثله بعاقل .والتعبير عن الجلالة بعنوان { ربهم } لزيادة التعجيب من تصاممهم عن سماع الهدى مع أنه ممن تجب طاعته فكان ضلالهم مخلوطاً بالعصيان والتمرد على خالقهم .والتعريف في { الهدى } للدلالة على معنى الكمال ، أي الهدى الواضح .
الآية 23 - سورة النجم: (إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان ۚ إن يتبعون إلا الظن وما تهوى...)