سورة النحل: الآية 7 - وتحمل أثقالكم إلى بلد لم...

تفسير الآية 7, سورة النحل

وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا۟ بَٰلِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ ٱلْأَنفُسِ ۚ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ

الترجمة الإنجليزية

Watahmilu athqalakum ila baladin lam takoonoo baligheehi illa bishiqqi alanfusi inna rabbakum laraoofun raheemun

تفسير الآية 7

وتحمل هذه الأنعام ما ثَقُل من أمتعتكم إلى بلد بعيد، لم تكونوا مستطيعين الوصول إليه إلا بجهد شديد من أنفسكم ومشقة عظيمة، إن ربكم لَرؤوف رحيم بكم، حيث سخَّر لكم ما تحتاجون إليه، فله الحمد وله الشكر.

«وتحمل أثقالكم» أحمالكم «إلى بلدٍ لم تكونوا بالغيه» واصلين على غير الإبل «إلا بشق الأنفس» بجهدها «إن ربكم لرءُوف رحيم» حيث خلقها لكم.

وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ من الأحمال الثقيلة، بل وتحملكم أنتم إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ ولكن الله ذللها لكم.فمنها ما تركبونه، ومنها ما تحملون عليه ما تشاءون من الأثقال إلى البلدان البعيدة والأقطار الشاسعة، إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ إذ سخر لكم ما تضطرون إليه وتحتاجونه، فله الحمد كما ينبغي لجلال وجهه، وعظيم سلطانه وسعة جوده وبره.

وتحمل أثقالكم ) وهي الأحمال المثقلة التي تعجزون عن نقلها وحملها ، إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس ) وذلك في الحج والعمرة والغزو والتجارة ، وما جرى مجرى ذلك ، تستعملونها في أنواع الاستعمال ، من ركوب وتحميل ، كما قال تعالى : ( وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون وعليها وعلى الفلك تحملون ) [ المؤمنون : 21 ، 22 ] وقال تعالى : ( الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون ) [ غافر : 79 ، 81 ] ولهذا قال هاهنا بعد تعداد هذه النعم : ( إن ربكم لرءوف رحيم ) أي : ربكم الذي قيض لكم هذه الأنعام وسخرها لكم ، كما قال : ( أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ) [ يس : 71 ، 72 ] وقال : ( وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ) [ الزخرف : 12 - 14 ] .قال ابن عباس : ( لكم فيها دفء ) أي : ثياب ، والمنافع : ما تنتفعون به من الأطعمة والأشربة .وقال عبد الرزاق : أخبرنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( دفء ومنافع ) نسل كل دابة .وقال مجاهد : ( لكم فيها دفء ) قال : لباس ينسج ، ومنافع تركب ، ولحم ولبن .وقال قتادة : ( دفء ومنافع ) يقول : لكم فيها لباس ، ومنفعة ، وبلغة .وكذا قال غير واحد من المفسرين بألفاظ متقاربة .

ثم بين- سبحانه- منفعة ثالثة من منافع الأنعام، التي سخرها الله- تعالى- للإنسان فقال: وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ.والضمير في قوله «وتحمل» يعود إلى الإبل خاصة، لأنها هي التي يحمل عليها.والأثقال: جمع ثقل. وهو ما يثقل الإنسان حمله من متاع وغيره.والمراد بالبلد جنسه ولأن الارتحال قد يكون إلى الشام أو إلى اليمن أو إلى غيرهما.والشق- بالكسر- المشقة: ومن كل شيء نصفه، والباء للملابسة. أى: إلا بمشقة شديدة، كأن نفوسكم قد ذهب نصفها خلال تلك الرحلة الطويلة الشاقة التي لم تستخدموا فيها الأنعام.قال القرطبي: وشق الأنفس: مشقتها وغاية جهدها. وقراءة العامة بكسر الشين.قال المهدوى: وكسر الشين وفتحها في «شق» متقاربان. وهما بمعنى المشقة.وقرأ أبو جعفر «إلا بشق الأنفس» - بفتح الشين- وهما لغتان مثل رق ورق.والشق- أيضا- بالكسر- النصف. وقد يكون المراد من الآية هذا المعنى. أى: لم تكونوا بالغيه إلا بنقص من القوة وذهاب شق منها ... » .والمعنى: ومن فوائد هذه الأنعام- أيضا- أنها تحمل أمتعتكم وأثقالكم من بلد إلى بلد آخر بعيد، هذا البلد الآخر البعيد. لم تكونوا واصلين إليه بدونها، إلا بعد تعب شديد، وجهد مضن، وكلفة يذهب معها نصف قوتكم.والتنكير في «بلد» لإفادة معنى البعد، لأن بلوغ المسافر إليه بمشقة، هو من شأن البلد البعيد، الذي يصعب الوصول إليه بدون راحلة.وجملة «لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس» التي هي صفة لبلد، تشير إلى هذا المعنى.وشبيه بهذه الآية قوله تعالى-: اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ. وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ .وقوله- سبحانه-: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ. وَذَلَّلْناها لَهُمْ، فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ .وجملة «إن ربكم لرءوف رحيم» تعليل لخلقه- سبحانه- الأنعام لخدمة الإنسان.أى: خلق لكم هذه الأنعام لأنه رءوف رحيم بكم، حيث لم يترككم تحملون أثقالكم بأنفسكم، وتقطعون المسافات الطويلة على أرجلكم، بل أوجد هذه الأنعام لمنافعكم ومصالحكم.

( وتحمل أثقالكم ) أحمالكم ، ( إلى بلد ) آخر غير بلدكم . قال عكرمة : البلد مكة ، ( لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس ) أي : بالمشقة والجهد . والشق : النصف أيضا أي : لم تكونوا بالغيه إلا بنقصان قوة النفس وذهاب نصفها .وقرأ أبو جعفر ( بشق ) بفتح الشين ، وهما لغتان ، مثل : رطل ورطل .( إن ربكم لرءوف رحيم ) بخلقه حيث جعل لهم هذه المنافع .

قوله تعالى : وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم فيه ثلاث مسائل :الأولى : قوله - تعالى - : وتحمل أثقالكم الأثقال أثقال الناس من متاع وطعام وغيره ، وهو ما يثقل الإنسان حمله . وقيل : المراد أبدانهم ; يدل على ذلك قوله - تعالى - : وأخرجت الأرض أثقالها . والبلد مكة ، في قول عكرمة . وقيل : هو محمول على العموم في كل بلد مسلكه على الظهر . وشق الأنفس : مشقتها وغاية جهدها . وقراءة العامة بكسر الشين . قال الجوهري : والشق المشقة ; ومنه قوله - تعالى - : لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس وهذا قد يفتح ، حكاه أبو عبيدة . قال المهدوي : وكسر الشين وفتحها في " شق " متقاربان ، وهما بمعنى المشقة ، وهو من الشق في العصا ونحوها ; لأنه ينال منها كالمشقة من الإنسان . وقال الثعلبي : وقرأ أبو جعفر إلا بشق الأنفس وهما لغتان ، مثل رق ورق وجص وجص ورطل ورطل . وينشد قول الشاعر بكسر الشين وفتحها :وذي إبل يسعى ويحسبها له أخي نصب من شقها ودؤوبويجوز أن يكون بمعنى المصدر ، من شققت عليه أشق شقا . والشق أيضا بالكسر النصف ، يقال : أخذت شق الشاة وشقة الشاة . وقد يكون المراد من الآية هذا المعنى ; أي لم تكونوا بالغيه إلا بنقص من القوة وذهاب شق منها ، أي لم تكونوا تبلغوه إلا بنصف قوى أنفسكم وذهاب النصف الآخر . والشق أيضا الناحية من الجبل . وفي حديث أم زرع : وجدني في أهل غنيمة بشق . قال أبو عبيد : هو اسم موضع . والشق أيضا : الشقيق ، يقال :هو أخي وشق نفسي . وشق اسم كاهن من كهان العرب . والشق أيضا : الجانب ; ومنه قول امرئ القيس :إذا ما بكى من خلفها انصرفت له بشق وتحتي شقها لم يحولفهو مشترك .الثانية : من الله سبحانه بالأنعام عموما ، وخص الإبل هنا بالذكر في حمل الأثقال على سائر الأنعام ; فإن الغنم للسرح والذبح ، والبقر للحرث ، والإبل للحمل . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : بينما رجل يسوق بقرة له قد حمل عليها التفتت إليه البقرة فقالت إني لم أخلق لهذا ولكني إنما خلقت للحرث فقال الناس سبحان الله تعجبا وفزعا أبقرة تكلم ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : وإني أومن به وأبو بكر وعمر . فدل هذا الحديث على أن البقر لا يحمل عليها ولا تركب ، وإنما هي للحرث وللأكل والنسل والرسل .الثالثة : في هذه الآية دليل على جواز السفر بالدواب وحمل الأثقال عليها . ولكن على قدر ما تحتمله من غير إسراف في الحمل مع الرفق في السير . وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالرفق بها والإراحة لها ومراعاة التفقد لعلفها وسقيها . وروى مسلم من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا سافرتم في الخصب فأعطوا الإبل حظها من الأرض وإذا سافرتم في السنة فبادروا بها نقيها رواه مالك في الموطأ عن أبي عبيد عن خالد بن معدان . وروى معاوية بن قرة قال : كان لأبي الدرداء جمل يقال له دمون ، فكان يقول : يا دمون ، لا تخاصمني عند ربك . فالدواب عجم لا تقدر أن تحتال لنفسها ما تحتاج إليه ، ولا تقدر أن تفصح بحوائجها ، فمن ارتفق بمرافقها ثم ضيعها من حوائجها فقد ضيع الشكر وتعرض للخصومة بين يدي الله - تعالى - . وروى مطر بن محمد قال : حدثنا أبو داود قال حدثنا ابن خالد قال حدثنا المسيب بن آدم قال . رأيت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ضرب جمالا وقال : تحمل على بعيرك ما لا يطيق .

وقوله ( وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الأنْفُسِ ) يقول: وتحمل هذه الأنعام أثقالكم إلى بلد آخر لم تكونوا بالغيه إلا بجهد من أنفسكم شديد ، ومشقة عظيمة. كما حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: ثنا أبو أحمد، قال: ثنا شريك، عن جابر، عن عكرمة ( وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الأنْفُسِ ) قال: لو تكلفونه لم تبلغوه إلا بجهد شديد.حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن سماك، عن عكرمة ( إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الأنْفُسِ ) قال: لو كلفتموه لم تبلغوه إلا بشقّ الأنفس.حدثني المثنى، قال: ثنا الحماني، قال: ثنا شريك، عن سماك، عن عكرمة ( إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الأنْفُسِ ) قال: البلد: مكة.حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء وحدثني المثنى، قال: أخبرنا أبو حُذيفة، قال: ثنا شبل وحدثني المثنى ، قال: أخبرنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله ( إِلا بِشِقِّ الأنْفُسِ ) قال: مشقة عليكم.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد ، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الأنْفُسِ ) يقول: بجهد الأنفس.حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر ، عن قتادة، بنحوه.واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامَّة قرّاء الأمصار بكسر الشين ( إِلا بِشِقِّ الأنْفُسِ ) سوى أبي جعفر القارئ، فإن المثنى حدثني، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الرحمن بن أبي حماد، قال: ثني أبو سعيد الرازي، عن أبي جعفر قارئ المدينة، أنه كان يقرأ " لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس " بفتح الشين، وكان يقول: إنما الشقّ: شقّ النفس. وقال ابن أبي حماد: وكان معاذ الهرّاء يقول: هي لغة، تقول العرب بشَقّ وبشِقّ، وبرَق وبرِق.والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار وهي كسر الشين، لإجماع الحجة من القرّاء عليه وشذوذ ما خالفه ، وقد يُنشد هذا البيت بكسر الشين وفتحها، وذلك قول الشاعر:وذِي إبِلٍ يَسْعَى وَيحْسِبُها لَهُأخِي نَصَبٍ مِنْ شَقِّها ودُءُوبِ (1)و " من شَقِها " أيضا بالكسر والفتح ، وكذلك قول العجاج:أصبحَ مَسْحُولٌ يُوَازِي شَقًّا (2)و " شقا " بالفتح والكسر. ويعني بقوله " يوازي شَقا ": يقاسي مشقة. وكان بعض أهل العربية يذهب بالفتح إلى المصدر من شققت عليه أشقّ شقا، وبالكسر إلى الاسم. وقد يجوز أن يكون الذين قرءوا بالكسر أرادوا إلا بنقص من القوّة وذهاب شيء منها حتى لا يبلغه إلا بعد نقصها، فيكون معناه عند ذلك: لم تكونوا بالغيه إلا بشقّ قوى أنفسكم ، وذهاب شقها الآخر ، ويحكى عن العرب: خذ هذا الشَّقَّ: لشقة الشاة بالكسر، فأما في شقت عليك شقا فلم يحك فيه إلا النصب.وقوله ( إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ) يقول تعالى ذكره: إن ربكم أيها الناس ذو رأفة بكم ، ورحمة ، من رحمته بكم، خلق لكم الأنعام لمنافعكم ومصالحكم، وخلق السموات والأرض أدلة لكم على وحدانية ربكم ومعرفة إلهكم، لتشكروه على نعمه عليكم، فيزيدكم من فضله.------------------------الهوامش:(1) البيت للنمر بن تولب العكلي ( اللسان : شقق ) وقال أبو عبيدة في معاني القرآن ( 1 : 356 ) " إلا بشق الأنفس " بكسر أوله وبفتح ، ومعناه : بمشقة الأنفس . وفي اللسان : الشق المشقة . قال ابن بري شاهد الكسر قول النمر بن تولب : وذي إبل ... البيت .(2) البيت في ديوان العجاج ( طبع ليبسج سنة 1903 ص 440 ) وهو شاهد على أن الشق بالكسر بمعنى المشقة . ومسحول : يعني بعيره ، ويوازي : يقاسي .

وجملة { وتحمل أثقالكم } معطوفة على { ولكم فيها جمال } فهي في موضع الحال أيضاً . والضمير عائد إلى أشهر الأنعام عندهم وهي الإبل ، كقولها في قصّة أم زرع «رَكب شَرياً وأخذَ خطيّاً فأراح علي نعماً ثرياً» ، فإن النعم التي تؤخذ بالرمح هي الإبل لأنها تؤخذ بالغارة .وضمير { وتحمل } عائد إلى بعض الأنعام بالقرينة . واختيار الفعل المضارع بتكرر ذلك الفعل .والأثقال : جمع ثَقَل بفتحتين وهو ما يثقل على الناس حمله بأنفسهم .والمراد ب { بلد } جنس البلد الذي يرتحلون إليه كالشام واليمن بالنسبة إلى أهل الحجاز ، ومنهم أهل مكة في رحلة الصيف والشتاء والرحلة إلى الحجّ .وقد أفاد { وتحمل أثقالكم } معنى تحملكم وتبلغكم ، بطريقة الكناية القريبة من التصريح . ولذلك عقب بقوله تعالى : { لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس }.وجملة { لم تكونوا بالغيه } صفة ل { بلد } ، وهي مفيدة معنى البعد ، لأن بلوغ المسافر إلى بلد بمشقّة هو من شأن البلد البعيد ، أي لا تبلغونه بدون الأنعام الحاملة أثقالكم .والشِّقّ بكسر الشين في قراءة الجمهور : المشقة . والباء للملابسة . والمشقة : التعب الشّديد .وما بعد أداة الاستثناء مستثنى من أحوال لضمير المخاطبين .وقرأ أبو جعفر { إلا بشق الأنفس } بفتح الشين وهو لغة في الشِق المكسور الشين .وقد نفت الجملة أن يكونوا بالغيه إلا بمشقّة ، فأفاد ظاهرها أنهم كانوا يبلغونه بدون الرواحل بمشقّة وليس مقصوداً ، إذ كان الحمل على الأنعام مقارناً للأسفار بالانتقال إلى البلاد البعيدة ، بل المراد : لم تكونوا بالغيه لولا الإبل أو بدون الإبل ، فحذف لقرينة السياق .وجملة { إن بكم لرؤوف رحيم } تعليل لجملة { والأنعام خلقها } ، أي خلقها لهذه المنافع لأنه رؤوف رحيم بكم .
الآية 7 - سورة النحل: (وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس ۚ إن ربكم لرءوف رحيم...)