سورة النحل: الآية 54 - ثم إذا كشف الضر عنكم...

تفسير الآية 54, سورة النحل

ثُمَّ إِذَا كَشَفَ ٱلضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ

الترجمة الإنجليزية

Thumma itha kashafa alddurra AAankum itha fareequn minkum birabbihim yushrikoona

تفسير الآية 54

ثم إذا كشف عنكم البلاء والسقم، إذا جماعة منكم بربهم المُنْعِم عليهم بالنجاة يتخذون معه الشركاء والأولياء.

«ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون».

تفسير الآيتين 53 و 54 :والله المنفرد بالعطاء والإحسان وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ ظاهرة وباطنة فَمِنَ اللَّهِ لا أحد يشركه فيها، ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ من فقر ومرض وشدة فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ أي: تضجون بالدعاء والتضرع لعلمكم أنه لا يدفع الضر والشدة إلا هو، فالذي انفرد بإعطائكم ما تحبون، وصرف ما تكرهون، هو الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده. ولكن كثيرا من الناس يظلمون أنفسهم، ويجحدون نعمة الله عليهم إذا نجاهم من الشدة فصاروا في حال الرخاء أشركوا به بعض مخلوقاته الفقيرة

وقال هاهنا : ( ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون ليكفروا بما آتيناهم )قيل : " اللام " هاهنا لام العاقبة . وقيل : لام التعليل ، بمعنى : قيضنا لهم ذلك ليكفروا ، أي : يستروا ويجحدوا نعم الله عليهم ، وأنه المسدي إليهم النعم ، الكاشف عنهم النقم .ثم توعدهم قائلا ) فتمتعوا ) أي : اعملوا ما شئتم وتمتعوا بما أنتم فيه قليلا ( فسوف تعلمون ) أي : عاقبة ذلك .

و «إذا» الأولى في قوله «ثم إذا كشف..» شرطية والثانية وهي قوله «إذا فريق منكم..» فجائية، وهي جواب الأولى.وهذا التعبير يشير إلى مسارعة فريق من الناس، إلى جحود نعم الله- تعالى- بمجرد أن يكشف عنهم الضر بدون تريث أو تمهل.وقال- سبحانه- فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ لتسجيل الشرك على هذا الفريق ولإنصاف غيره من المؤمنين الصادقين، الذين يشكرون الله- تعالى- في جميع الأحوال، ويواظبون على أداء ما كلفهم به في السراء والضراء.وهذا المعنى الذي تضمنته هاتان الآيتان، قد جاء ما يشبهه في آيات كثيرة منها قوله- تعالى: وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ، وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ .وقوله- سبحانه-: وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ، أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ، مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ.. .فهذه الآيات الكريمة تصور الطبائع البشرية أكمل تصوير وأصدقه، إذ الناس- إلا من عصم الله- يجأرون إلى الله- تعالى- بالدعاء عند الشدائد والمحن، وينسونه عند السراء والرخاء.

" ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون " .

ثم إذا كشف الضر عنكم أي البلاء والسقم .إذا فريق منكم بربهم يشركون بعد إزالة البلاء وبعد الجؤار . فمعنى الكلام التعجيب من الإشراك بعد النجاة من الهلاك ، وهذا المعنى مكرر في القرآن ، وقد تقدم في " الأنعام ويونس " ويأتي في " سبحان " وغيرهما وقال الزجاج : هذا خاص بمن كفر .

يقول تعالى ذكره: ثم إذا وهب لكم ربكم العافية، ورفع عنكم ما أصابكم من المرض في أبدانكم ، ومن الشدة في معاشكم، وفرّج البلاء عنكم (إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ) يقول : إذا جماعة منكم يجعلون لله شريكا في عبادتهم، فيعبدون الأوثان ، ويذبحون لها الذبائح شكرا لغير من أنعم عليهم بالفرج مما كانوا فيه من الضرِّ .

وأتبع هذه بنعمة أخرى وهي نعمة كاشف الضرّ عن الناس بقوله تعالى : { ثم إذا كشف الضر عنكم } الآية .و { ثُمّ } للترتيب الرتبي كما هو شأنها في عطف الجمل . وجيء بحرف { ثُمّ } لأنّ مضمون الجملة المعطوفة أبعد في النّظر من مضمون المعطوف عليها فإن الإعراض عن المنعم بكشف الضرّ وإشراك غيره به في العبادة أعجب حالاً وأبعد حُصولاً من اللجأ إليه عند الشدّة .والمقصود تسجيل كفران المشركين ، وإظهار رأفة الله بالخلق بكشف الضرّ عنهم عند التجائهم إليه مع علمه بأن من أولئك من يُشرك به ويستمرّ على شركه بعد كشف الضرّ عنه .و { إذَا } الأولى مضمنة معنى الشرط ، وهي ظرف . و { إذا } الثانية فجائية . والإتيان بحرف المفاجأة للدّلالة على إسراع هذا الفريق بالرجوع إلى الشرك وأنه لا يتريث إلى أن يبعد العهد بنعمة كشف الضرّ عنه بحيث يفجأون بالكفر دفعة دون أن يترّقبه منهم مترّقب ، فكان الفريق المعني في قوله تعالى : { إذا فريق منكم } فريق المشركين .
الآية 54 - سورة النحل: (ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون...)