سورة النازعات: الآية 19 - وأهديك إلى ربك فتخشى...

تفسير الآية 19, سورة النازعات

وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ

الترجمة الإنجليزية

Waahdiyaka ila rabbika fatakhsha

تفسير الآية 19

حين ناداه ربه بالوادي المطهَّر المبارك "طوى"، فقال له: اذهب إلى فرعون، إنه قد أفرط في العصيان، فقل له: أتودُّ أن تطهِّر نفسك من النقائص وتحليها بالإيمان، وأُرشدك إلى طاعة ربك، فتخشاه وتتقيه؟

«وأهديك إلى ربك» أدلك على معرفته ببرهان «فتخشى» فتخافه.

وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ أي: أدلك عليه، وأبين لك مواقع رضاه، من مواقع سخطه. فَتَخْشَى الله إذا علمت الصراط المستقيم، فامتنع فرعون مما دعاه إليه موسى.

وأهديك إلى ربك أي أدلك إلى عبادة ربك فتخشى أي فيصير قلبك خاضعا له مطيعا خاشعا بعدما كان قاسيا خبيثا بعيدا من الخير.

قال صاحب الكشاف : قوله : ( وَأَهْدِيَكَ إلى رَبِّكَ . . . ) أى : وأرشدك إلى معرفة الله ، أى : أنبهك عليه فتعرفه ( فتخشى ) لأن الخشية لا تكون إلا بالمعرفة . . وذكر الخشية ، لأنها ملاك الأمر ، من خشى الله أتى منه كل خير ، ومن أمن اجترأ على كل شئ . ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : " من خاف أدلج ، - أى : سار فى أول الليل - ومن أدلج بلغ المنزل " .بدأ مخاطبته بالاستفهام الذى معناه العرض ، كما يقول الرجل لضيفه : هل لك أن تنزل بنا؟ وأردفه الكلام الرقيق ليستدعيه بالتلطف فى القول ، ويستنزله بالمداراة من عتوه ، كما أمر بذلك فى قوله - تعالى - ( فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يخشى . . . ) والحق أن هاتين الآيتين فيهما أسمى ألوان الإِرشاد إلى الدعوة إلى الحق بالحكمة والموعظة الحسنة .

"وأهديك إلى ربك فتخشى"، أي: أدعوك إلى عبادة ربك وتوحيده فتخشى عقابه.

" وأهديك إلى ربك " أي وأرشدك إلى طاعة ربك " فتخشى " أي تخافه وتتقيه .وقال صخر بن جويرية : لما بعث الله موسى إلى فرعون قال له : " اذهب إلى فرعون " إلى قوله " وأهديك إلى ربك فتخشى " ولن يفعل , فقال : يا رب , وكيف أذهب إليه وقد علمت أنه لا يفعل ؟ فأوحى الله إليه أن امض إلى ما أمرتك به , فإن في السماء اثني عشر ألف ملك يطلبون علم القدر , فلم يبلغوه ولا يدركوه .

القول في تأويل قوله تعالى : وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19)يقول تعالى ذكره لنبيه موسى: قل لفرعون: هل لك إلى أن أرشدك إلى ما يرضي ربك، وذلك الدين القيم ( فَتَخْشَى ) يقول: فتخشى عقابه بأداء ما ألزمك من فرائضه، واجتناب ما نهاك عنه من معاصيه.

وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19)ولذلك أعقبه بعطف { وأهديك إلى ربك فتخشى } أي إن كان فيك إعداد نفسك للتزكية يكن إرشادي إياك فتخشى ، فكان ترتيب الجمل في الذكر مراعىً فيه ترتبها في الحصول فلذلك لم يحتج إلى عطفه بفاء التفريع ، إذ كثيراً ما يستغنى بالعطف بالواو مع إرادة الترتيب عن العطف بحرف الترتيب لأن الواو تفيد الترتيب بالقرينة ، ويستغنى بالعطف عن ذكر حرف التفسير في العطف التفسيري الذي يكون الواو فيه بمعنى ( أي ) التفسيرية فإنَّ { أن تزكى وأهديك } في قوة المفرد . والتقدير : هل لك في التزكية وهدايتي إياك فخشيتك الله تعالى .والهداية الدلالة علء الطريق الموصل إلى المطلوب إذا قبلها المَهْدي .وتفريع { فتخشى } على { أهديك } إشارة إلى أن خشية الله لا تكون إلا بالمعرفة قال تعالى : { إنما يخشى اللَّه من عبادة العلماء } [ فاطر : 28 ] ، أي العلماء به ، أي يخشاه خشية كاملة لا خطأ فيها ولا تقصير .قال الطيبي : وعن الواسطي : أوائل العلم الخشية ، ثم الإِجلال ، ثم التعظيم ، ثم الهيبة ، ثم الفناء .وفي الاقتصار على ذكر الخشية إيجاز بليغ لأن الخشية ملاك كل خير . وفي «جامع الترمذي» عن أبي هريرة قال : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من خَافَ أدْلَج ومن أَدْلَج بلغ المنزل " .وذُكِر له الإله الحق بوصف { ربك } دون أن يذكر له اسمُ الله العلم أو غيره من طرق التعريف إلطافاً في الدعوة إلى التوحيد وتجنباً لاستطارة نفسه نفوراً ، لأنه لا يعرف في لغة فرعون اسم لله تعالى ، ولو عَرَّفه له باسمه في لغة إسرائيل لنَفر لأن فرعون كان يعبد آلهة باطلة ، فكان في قوله : { إلى ربك } وفرعون يعلم أن له رباً إطماع له أن يرشده موسى إلى ما لا ينافي عقائده فيُصغي إليه سمعه حتى إذا سمع قوله وحجته داخَلهُ الإِيمان الحق مدرَّجاً ، ففي هذا الأسلوب استنزالٌ لطائره .والخشية : الخوف فإذا أطلقت في لسان الشرع يراد بها خشية الله تعالى ، ولهذا نُزل فعلها هنا منزلة اللازم فلم يذكر له مفعول لأن المخشي معلوم مثل فعل الإِيمان في لسان الشرع يقال : آمَن فلان ، وفلان مؤمن ، أي مؤمن بالله ووحدانيته .
الآية 19 - سورة النازعات: (وأهديك إلى ربك فتخشى...)