سورة المجادلة: الآية 10 - إنما النجوى من الشيطان ليحزن...

تفسير الآية 10, سورة المجادلة

إِنَّمَا ٱلنَّجْوَىٰ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ لِيَحْزُنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ شَيْـًٔا إِلَّا بِإِذْنِ ٱللَّهِ ۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ

الترجمة الإنجليزية

Innama alnnajwa mina alshshaytani liyahzuna allatheena amanoo walaysa bidarrihim shayan illa biithni Allahi waAAala Allahi falyatawakkali almuminoona

تفسير الآية 10

إنما التحدث خفية بالإثم والعدوان من وسوسة الشيطان، فهو المزيِّن لها، والحامل عليها؛ ليُدْخِل الحزن على قلوب المؤمنين، وليس ذلك بمؤذي المؤمنين شيئًا إلا بمشيئة الله تعالى وإرادته. وعلى الله وحده فليعتمد المؤمنون به.

«إنما النجوى» بالإثم ونحوه «من الشيطان» بغروره «ليحزن الذين آمنوا وليس» هو «بضارهم شيئا إلا بإذن الله» أي إرادته «وعلى الله فليتوكل المؤمنون».

يقول تعالى: إِنَّمَا النَّجْوَى أي: تناجي أعداء المؤمنين بالمؤمنين، بالمكر والخديعة، وطلب السوء من الشيطان، الذي كيده ضعيف ومكره غير مفيد. لِيَحزن الَّذِينَ آمَنُوا هذا غاية هذا المكر ومقصوده، وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فإن الله تعالى وعد المؤمنين بالكفاية والنصر على الأعداء، وقال تعالى: وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فأعداء الله ورسوله والمؤمنين، مهما تناجوا ومكروا، فإن ضرر ذلك عائد إلى أنفسهم، ولا يضر المؤمنين إلا شيء قدره الله وقضاه، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ أي: ليعتمدوا عليه ويثقوا بوعده، فإن من توكل على الله كفاه، وتولى أمر دينه ودنياه

ثم قال تعالى : ( إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) أي : إنما النجوى - وهي المسارة - حيث يتوهم مؤمن بها سوءا ( من الشيطان ليحزن الذين آمنوا ) يعني : إنما يصدر هذا من المتناجين عن تسويل الشيطان وتزيينه ، ( ليحزن الذين آمنوا ) أي : ليسوءهم ، وليس ذلك بضارهم شيئا إلا بإذن الله ، ومن أحس من ذلك شيئا فليستعذ بالله وليتوكل على الله ، فإنه لا يضره شيء بإذن الله .وقد وردت السنة بالنهي عن التناجي حيث يكون في ذلك تأذ على مؤمن ، كما قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، وأبو معاوية قالا : حدثنا الأعمش ، عن أبي وائل ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجين اثنان دون صاحبهما ، فإن ذلك يحزنه " . وأخرجاه من حديث الأعمشوقال عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا كنتم ثلاثة فلا يتناج اثنان دون الثالث إلا بإذنه ; فإن ذلك يحزنه " . انفرد بإخراجه مسلم عن أبي الربيع ، وأبي كامل ، كلاهما عن حماد بن زيد ، عن أيوب به

والمراد بالنجوى في قوله- تعالى- بعد ذلك: إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا..: نجوى المنافقين فيما بينهم، وهي التي عبر عنها- سبحانه- قبل ذلك بقوله:وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ.فأل في قوله- تعالى-: النَّجْوى للعهد، أى: إنما النجوى المعهودة التي كان يتناجى المنافقون بها فيما بينهم، كائنة من الشيطان لا من غيره، لأنه هو الذي حرضهم وأغراهم، بأن يتساروا بالإثم والعدوان.وقوله: لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا قرأ الجمهور: لِيَحْزُنَ- بفتح الياء وضم الزاى- مضارع حزن، فيكون الَّذِينَ آمَنُوا فاعل، والحزن: الهم والغم.أى: زين الشيطان للمنافقين هذه النجوى السيئة، لكي يحزن المؤمنون ويغتموا، بسبب ظنهم أن من وراء هذه النجوى أخبارا سيئة تتعلق بهم أو بذوبهم.وقرأ نافع لِيَحْزُنَ- بضم الياء وكسر الزاى- فيكون الَّذِينَ آمَنُوا مفعولا.أى: فعل الشيطان ما فعل مع المنافقين، لكي يدخل الحزن والغم على المؤمنين.وأسند- سبحانه- النجوى إلى الشيطان، باعتبار أنه هو الذي يوسوس بها، ويزينها في قلوب هؤلاء المنافقين وأشباههم.وجملة: وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ معترضة لتثبيت المؤمنين، وتسليتهم عما أصابهم من المنافقين.واسم ليس: الشيطان أو التناجي، والاستثناء مفرغ من أهم الأحوال، و «شيئا» منصوب على المفعول المطلق.أى: لا تحزنوا- أيها المؤمنون- لمسالك المنافقين معكم، ولا تخافوا من تناجيهم فيما بينهم، فإنها نجوى زينها لهم الشيطان، واعلموا أن كيد الشيطان لن يضركم شيئا من الضرر في حال من الأحوال إلا في حال إرادة الله- تعالى- ومشيئته.وما دام الأمر كما بينت لكم، فاجعلوا توكلكم- أيها المؤمنون- على الله- تعالى- وحده، ولا تبالوا بالمنافقين، ولا بتناجيهم، ولا بما يسوله الشيطان لهم من قبائح، فإن كل شيء بقضاء الله وقدره.قال الآلوسى ما ملخصه: وحاصل هذا الكلام أن ما يتناجى المنافقون به مما يحزن المؤمنين. إن وقع فهو إرادة الله- تعالى- ومشيئته، ولا دخل للمنافقين فيه، وما دام الأمر كذلك، فلا يكترث المؤمنون بتناجيهم، وليتوكلوا على الله- عز وجل- ولا يخافوا من تناجيهم.ثم إن التناجي بين المؤمنين قد يكون منهيا عنه، فقد أخرج الشيخان وغيرهما عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كنتم ثلاثة، فلا يتناجى اثنان دون الآخر، حتى تختلطوا بالناس من أجل أن ذلك يحزنه» .ومثل التناجي في ذلك، أن يتكلم اثنان بحضور ثالث بلغة لا يفهمها الثالث، إن كان يحزنه ذلك .وروى الإمام مسلم عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث إلا بإذنه، فإن ذلك يحزنه» .والخلاصة أن تعاليم الإسلام، تنهى عن التناجي في الحالات التي توقع الريبة في القلوب، وتزعزع الثقة بين الأفراد والجماعات.وهذا النهى لون من الأدب الحكيم الذي يحفظ للمؤمنين مودتهم ومحبتهم ويبعد عن نفوسهم الشكوك والريب، ويطرد عن قلوبهم نزغات الشيطان الذي يجرى من ابن آدم مجرى الدم.

"إنما النجوى من الشيطان"، أي من تزيين الشيطان ( ليحزن الذين آمنوا ) أي إنما يزين لهم ذلك ليحزن المؤمنين ( وليس ) التناجي ( بضارهم شيئا ) وقيل : ليس الشيطان بضارهم شيئا ( إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون )أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري أخبرنا جدي أبو سهل عبد الصمد بن عبد الرحمن البزار أخبرنا أبو بكر محمد بن زكريا العذافري أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الدبري حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث إلا بإذنه فإن ذلك يحزنه " .

قوله تعالى : إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنونفيه مسألتان :الأولى : قوله تعالى : إنما النجوى من الشيطان أي : من تزيين الشياطين ليحزن الذين آمنوا إذ توهموا أن المسلمين أصيبوا في السرايا ، أو إذا أجروا اجتماعهم على مكايدة المسلمين ، وربما كانوا يناجون النبي صلى الله عليه وسلم فيظن المسلمون أنهم ينتقصونهم عند النبي صلى الله عليه وسلموليس بضارهم أي : التناجي شيئا إلا بإذن الله أي : بمشيئته وقيل : بعلمه . وعن ابن عباس : بأمره .وعلى الله فليتوكل المؤمنون أي : يكلون أمرهم إليه ، ويفوضون جميع شئونهم إلى عونه ، ويستعيذون به من الشيطان ومن كل شر ، فهو الذي سلط الشيطان بالوساوس ابتلاء للعبد وامتحانا ولو شاء لصرفه عنه .الثانية : في الصحيحين عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا كان ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الواحد . وعن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس من أجل أن يحزنه فبين في هذا الحديث غاية المنع وهي أن يجد الثالث من يتحدث معه كما فعل ابن عمر ، ذلك أنه كان يتحدث مع رجل فجاء آخر يريد أن يناجيه فلم يناجه حتى دعا رابعا ، فقال له وللأول : تأخرا وناجى الرجل الطالب للمناجاة . خرجه الموطأ . وفيه أيضا التنبيه على التعليل بقوله : من أجل أن يحزنه أي : يقع في نفسه ما يحزن لأجله . وذلك بأن يقدر في نفسه أن الحديث عنه بما يكره ، أو أنه لم يروه أهلا ليشركوه في حديثهم ، إلى غير ذلك من ألقيات الشيطان وأحاديث النفس . وحصل ذلك كله من بقائه وحده ، فإذا كان معه غيره أمن ذلك ، وعلى هذا يستوي في ذلك كل الأعداد ، فلا يتناجى أربعة دون واحد ولا عشرة ولا ألف مثلا ؛ لوجود ذلك المعنى في حقه ، بل وجوده في العدد الكثير أمكن وأوقع ، فيكون بالمنع أولى . وإنما خص الثلاثة بالذكر ، لأنه أول عدد يتأتى ذلك المعنى فيه . وظاهر الحديث يعم جميع الأزمان والأحوال ، وإليه ذهب ابن عمر ومالك والجمهور . وسواء أكان التناجي في مندوب أو مباح أو واجب فإن الحزن يقع به . وقد ذهب بعض الناس إلى أن ذلك كان في أول الإسلام ، لأن ذلك كان في حال المنافقين فيتناجى المنافقون دون المؤمنين ، فلما فشا الإسلام سقط ذلك . وقال بعضهم : ذلك خاص بالسفر في المواضع التي لا يأمن الرجل فيها صاحبه ، فأما في الحضر وبين العمارة فلا ، فإنه يجد من يعينه ، بخلاف السفر فإنه مظنة الاغتيال وعدم المغيث . والله أعلم .

القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10)يقول تعالى ذكره: إنما المناجاة من الشيطان، ثم اختلف أهل العلم في النجوى التي أخبر الله أنها من الشيطان، أيّ ذلك هو، فقال بعضهم: عُنِيَ بذلك مناجاة المنافقين بعضهم بعضًا.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ( إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا ): كان المنافقون يتناجون بينهم، وكان ذلك يغيظ المؤمنين، ويكبر عليهم، فأنزل الله في ذلك القرآن: ( إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا ) ... الآية.&; 23-242 &;وقال آخرون بما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قول الله عزّ وجلّ( إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ ) قال: كان الرجل يأتي رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يسأله الحاجة، ليرى الناس أنه قد ناجى رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم، قال: وكان النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم لا يمنع ذلك من أحد. قال: والأرض يومئذ حرب على أهل هذا البلد، وكان إبليس يأتي القوم فيقول لهم: إنما يتناجون في أمور قد حضرت، وجموع قد جمعت لكم وأشياء، فقال الله: ( إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا ) ... إلى آخر الآية.حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، قال: كان المسلمون إذا رأوا المنافقين خلوا يتناجون، يشقّ عليهم، فنزلت: ( إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا ) .وقال آخرون: عُنِي بذلك أحلام النوم التي يراها الإنسان في نومه فتحزنه.* ذكر من قال ذلك:حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا يحيى بن داود البلخي، قال: سئل عطية، وأنا أسمع الرؤيا، فقال: الرؤيا على ثلاث منازل، فمنها وسوسة الشيطان، فذلك قوله: ( إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ )، ومنها ما يحدّث نفسه بالنهار فيراه بالليل، ومنها كالأخذ باليد.وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عُنِي به مناجاة المنافقين بعضهم بعضًا بِالإثْمِ والعدوان، وذلك أن الله جلّ ثناؤه تقدم بالنهي عنها بقوله: إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ ، ثم عما في ذلك من المكروه على أهل الإيمان، وعن سبب نهيه إياهم عنه، فقال: ( إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا )، فبيَّن بذلك (1) ، إذ كان النهي عن رؤية المرء في &; 23-243 &; منامه كان كذلك، وكان عقيب نهيه عن النجوى بصفة أنه من صفة ما نهى عنه.وقوله: ( وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ ) يقول تعالى ذكره: وليس التناجي بضارّ المؤمنين شيئا إلا بإذن الله، يعني بقضاء الله وقدره.وقوله: ( وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) يقول تعالى ذكره: وعلى الله فليتوكل في أمورهم أهل الإيمان به، ولا يحزنوا من تناجي المنافقين ومن يكيدهم بذلك، وأن تناجيهم غير ضارّهم إذا حفظهم ربهم.

إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (10)تسلية للمؤمنين وتأنيس لنفوسهم يزال به ما يلحقهم من الحزن لمشاهدة نجوى المنافقين لاختلاف مذاهب نفوسهم إذا رأوا المتناجين في عديد الظنون والتخوفات كما تقدم . فالجملة استئناف ابتدائي اقتضته مناسبة النهي عن النجوى ، على أنها قد تكون تعليلاً لتأكيد النهي عن النجوى .والتعريف في { النجوى } تعريف العهد لا محالة . أي نجوى المنافقين الذين يتناجون بالإِثم والعدوان ومعصية الرسول صلى الله عليه وسلم .والحصر المستفاد من { إنما } قصر موصوف على صفة و { من } ابتدائية ، أي قصر النجوى على الكون من الشيطان ، أي جائية لأن الأغراض التي يتناجون فيها من أكبر ما يوسوس الشيطان لأهل الضلالة بأن يفعلوه ليحزن الذين آمنوا بما يتطرقهم من خواطر الشر بالنجوى . وهذه العلة ليست قيداً في الحصر فإن للشيطان عللاً أخرى مثل إلقاء المتناجين في الضلالة ، والاستعانة بهم على إلقاء الفتنة ، وغير ذلك من الأغراض الشيطانية .وقد خصت هذه العلة بالذكر لأن المقصود تسلية المؤمنين وتصبرهم على أذى المنافقين ولذلك عقب بقوله : { وليس بضارهم شيئاً } ليطمئن المؤمنون بحفظ الله إياهم من ضر الشيطان . وهذا نحو من قوله تعالى : { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } [ الحجر : 42 ]وقرأ نافع وحده { ليُحزن } بضم الياء وكسر الزاي فيكون { الذين آمنوا } مفعولاً . وقرأه الباقون بفتح الياء وضم الزاي مضارع حزم فيكون { الذين آمنوا } فاعلاً وهما لغتان .وجملة { وليس بضارهم } الخ معترضة .وضمير الرفع المستتر في قوله : { بضارهم } عائد إلى { الشيطان } .والمعنى : أن الشيطان لا يضرّ المؤمنين بالنجوى أكثر من أنه يحزنهم . فهذا كقوله تعالى : { لن يضروكم إلى أذى } [ آل عمران : 111 ] أو عائد إلى النجوى بتأويله بالتناجي ، أي ليس التناجي بضارّ المؤمنين لأن أكثره ناشىء عن إيهام حصول ما يتقونه في الغزوات .وعلى كلا التقديرين فالاستثناء بقوله : { إلا بإذن الله } استثناء من أحوال والباء للسببية ، أي إلا في حال أن يكون الله قدّر شيئاً من المضرة من هزيمة أو قتل . والمراد بالإِذن أمر التكوين .وانتصب { شيئاً } على المفعول المطلق ، أي شيئاً من الضر .ووقوع { شيئاً } وهو ذكره في سياق النفي يفيد عموم نفي كل ضرّ من الشيطان ، أي انتفى كل شيء من ضر الشيطان عن المؤمنين ، فيشمل ضر النجوى وضر غيرها ، والاستثناء في قوله تعالى : { إلا بإذن الله } من عموم { شيئاً } الواقع في سياق النفي ، أي لا ضراً ملابساً لإِذن الله في أن يسلط عليهم الشيطان ضره فيه ، أي ضر وسوسته .واستعير الإِذن لما جعله الله في أصل الخلقة من تأثر النفوس بما يسوّل إليها . وهو معنى قوله تعالى : { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين } [ الحجر : 42 ] فإذا خلى الله بين الوسوسة وبين العبد يكون اقتراب العبد من المعاصي الظاهرة والباطنة في كل حالة يبتعد فيها المؤمن عن مراقبة الأمر والنهي الشرعيين .وهذا الضر هو المعبر عنه بالسلطان في قوله تعالى في شأن الشيطان { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلاّ من اتّبعك من الغاوين } أي فلك عليه سلطان . وهذه التصاريف الإلهية جارية على وفق حكمة الله تعالى وما يعلمه من أحوال عباده وسرائرهم وهو يعلم السر وأخفى .ولهذا ذيل بقوله : { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } لأنهم إذا توكلوا على الله توكلاً حقاً بأن استفرغوا وسعهم في التحرز من كيد الشيطان واستعانوا بالله على تيسير ذلك لهم فإن الله يحفظهم من كيد الشيطان قال تعالى : { ومن يتوكل على الله فهو حسبه } [ الطلاق : 3 ] .ويجوز أن يكون عموم { شيئاً } مراداً به الخصوص ، أي ليس بضارّهم شيئاً مما يوهمه تناجي المنافقين من هزيمة أو قتل إلا بتقدير الله حصول هزيمة أو قتل .والمعنى : أن التناجي يوهم الذين آمنوا ما ليس واقعاً فأعلمهم الله أن لا يحزنوا بالنجوى لأن الأمور تجري على ما قدره الله في نفس الآمر حتى تأتيهم الأخبار الصادقة .وتقديم الجار والمجرور في قوله تعالى : { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } للاهتمام بمدلول هذا المتعلق .
الآية 10 - سورة المجادلة: (إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله ۚ وعلى الله فليتوكل المؤمنون...)