سورة المائدة: الآية 91 - إنما يريد الشيطان أن يوقع...

تفسير الآية 91, سورة المائدة

إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَٰنُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَٰوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ فِى ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلَوٰةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ

الترجمة الإنجليزية

Innama yureedu alshshaytanu an yooqiAAa baynakumu alAAadawata waalbaghdaa fee alkhamri waalmaysiri wayasuddakum AAan thikri Allahi waAAani alssalati fahal antum muntahoona

تفسير الآية 91

إنما يريد الشيطان بتزيين الآثام لكم أن يُلقِي بينكم ما يوجد العداوة والبغضاء، بسبب شرب الخمر ولعب الميسر، ويصرفكم عن ذكر الله وعن الصلاة بغياب العقل في شرب الخمر، والاشتغال باللهو في لعب الميسر، فانتهوا عن ذلك.

«إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر» إذا أتيتموهما لما يحصل فيهما من الشر والفتن «ويصدَّكم» بالاشتغال بهما «عن ذكر الله وعن الصلاة» خصها بالذكر تعظيما لها «فهل أنتم منتهون» عن إتيانهما أي انتهوا.

تفسير الآيتين 90 و 91 : يذم تعالى هذه الأشياء القبيحة، ويخبر أنها من عمل الشيطان، وأنها رجس. فَاجْتَنِبُوهُ أي: اتركوه لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ فإن الفلاح لا يتم إلا بترك ما حرم الله، خصوصا هذه الفواحش المذكورة، وهي الخمر وهي: كل ما خامر العقل أي: غطاه بسكره، والميسر، وهو: جميع المغالبات التي فيها عوض من الجانبين، كالمراهنة ونحوها، والأنصاب التي هي: الأصنام والأنداد ونحوها، مما يُنصب ويُعبد من دون الله، والأزلام التي يستقسمون بها، فهذه الأربعة نهى الله عنها وزجر، وأخبر عن مفاسدها الداعية إلى تركها واجتنابها. فمنها: أنها رجس، أي: خبث، نجس معنى، وإن لم تكن نجسة حسا. والأمور الخبيثة مما ينبغي اجتنابها وعدم التدنس بأوضارها. ومنها: أنها من عمل الشيطان، الذي هو أعدى الأعداء للإنسان. ومن المعلوم أن العدو يحذر منه، وتحذر مصايده وأعماله، خصوصا الأعمال التي يعملها ليوقع فيها عدوه، فإنها فيها هلاكه، فالحزم كل الحزم البعد عن عمل العدو المبين، والحذر منها، والخوف من الوقوع فيها. ومنها: أنه لا يمكن الفلاح للعبد إلا باجتنابها، فإن الفلاح هو: الفوز بالمطلوب المحبوب، والنجاة من المرهوب، وهذه الأمور مانعة من الفلاح ومعوقة له. ومنها: أن هذه موجبة للعداوة والبغضاء بين الناس، والشيطان حريص على بثها، خصوصا الخمر والميسر، ليوقع بين المؤمنين العداوة والبغضاء. فإن في الخمر من انغلاب العقل وذهاب حجاه، ما يدعو إلى البغضاء بينه وبين إخوانه المؤمنين، خصوصا إذا اقترن بذلك من السباب ما هو من لوازم شارب الخمر، فإنه ربما أوصل إلى القتل. وما في الميسر من غلبة أحدهما للآخر، وأخذ ماله الكثير في غير مقابلة، ما هو من أكبر الأسباب للعداوة والبغضاء. ومنها: أن هذه الأشياء تصد القلب، ويتبعه البدن عن ذكر الله وعن الصلاة، اللذين خلق لهما العبد، وبهما سعادته، فالخمر والميسر، يصدانه عن ذلك أعظم صد، ويشتغل قلبه، ويذهل لبه في الاشتغال بهما، حتى يمضي عليه مدة طويلة وهو لا يدري أين هو. فأي معصية أعظم وأقبح من معصية تدنس صاحبها، وتجعله من أهل الخبث، وتوقعه في أعمال الشيطان وشباكه، فينقاد له كما تنقاد البهيمة الذليلة لراعيها، وتحول بين العبد وبين فلاحه، وتوقع العداوة والبغضاء بين المؤمنين، وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة؟" فهل فوق هذه المفاسد شيء أكبر منها؟" ولهذا عرض تعالى على العقول السليمة النهي عنها، عرضا بقوله: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ لأن العاقل -إذا نظر إلى بعض تلك المفاسد- انزجر عنها وكفت نفسه، ولم يحتج إلى وعظ كثير ولا زجر بليغ.

ثم قال تعالى : ( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ) وهذا تهديد وترهيب .ذكر الأحاديث الواردة في [ بيان ] تحريم الخمر :قال الإمام أحمد : حدثنا سريج ، حدثنا أبو معشر ، عن أبي وهب مولى أبي هريرة ، عن أبي هريرة قال : حرمت الخمر ثلاث مرات ، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وهم يشربون الخمر ويأكلون الميسر ، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما ، فأنزل الله : ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس ) إلى آخر الآية [ البقرة : 219 ] . فقال الناس : ما حرم علينا ، إنما قال : ( فيهما إثم كبير ) وكانوا يشربون الخمر ، حتى كان يوما من الأيام صلى رجل من المهاجرين ، أم أصحابه في المغرب ، خلط في قراءته ، فأنزل الله [ عز وجل ] آية أغلظ منها : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ) [ النساء : 43 ] وكان الناس يشربون ، حتى يأتي أحدهم الصلاة وهو مفيق . ثم أنزلت آية أغلظ من ذلك : ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ) قالوا : انتهينا ربنا . وقال الناس : يا رسول الله ، ناس قتلوا في سبيل الله ، [ وناس ] ماتوا على سرفهم كانوا يشربون الخمر ويأكلون الميسر ، وقد جعله الله رجسا من عمل الشيطان؟ فأنزل الله تعالى : ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ) إلى آخر الآية ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لو حرم عليهم لتركوه كما تركتم " . انفرد به أحمد .وقال الإمام أحمد : حدثنا خلف بن الوليد ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة عن عمر بن الخطاب [ رضي الله عنه ] أنه قال : لما نزل تحريم الخمر قال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا . فنزلت هذه الآية التي في البقرة : ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ) فدعي عمر فقرئت عليه ، فقال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا . فنزلت الآية التي في سورة النساء : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ) فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقام الصلاة نادى : ألا يقربن الصلاة سكران . فدعي عمر فقرئت عليه ، فقال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا . فنزلت الآية التي في المائدة ، فدعي عمر فقرئت عليه فلما بلغ : ( فهل أنتم منتهون ) قال عمر : انتهينا .وهكذا رواه أبو داود والترمذي والنسائي من طرق ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي وعن أبي ميسرة - واسمه عمرو بن شرحبيل الهمداني - عن عمر ، به . وليس له عنه سواه ، قال أبو زرعة : ولم يسمع منه . وصحح هذا الحديث علي بن المديني والترمذي .وقد ثبت في الصحيحين عن عمر بن الخطاب أنه قال في خطبته على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيها الناس ، إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة : من العنب ، والتمر ، والعسل ، والحنطة ، والشعير ، والخمر ما خامر العقل .وقال البخاري : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن بشر ، حدثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ، حدثني نافع عن ابن عمر قال : نزل تحريم الخمر وإن بالمدينة يومئذ لخمسة أشربة ما فيها شراب العنب .حديث آخر : قال أبو داود الطيالسي : حدثنا محمد بن أبي حميد ، عن المصري - يعني أبا طعمة قارئ مصر - قال : سمعت ابن عمر يقول : نزلت في الخمر ثلاث آيات ، فأول شيء نزل : ( يسألونك عن الخمر والميسر ) الآية [ البقرة : 219 ] فقيل : حرمت الخمر . فقالوا : يا رسول الله ، ننتفع بها كما قال الله تعالى . قال : فسكت عنهم ثم نزلت هذه الآية : ( لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ) [ النساء : 43 ] . فقيل : حرمت الخمر ، فقالوا : يا رسول الله ، إنا لا نشربها قرب الصلاة ، فسكت عنهم ثم نزلت : ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حرمت الخمر " .حديث آخر : قال الإمام أحمد : ، حدثنا يعلى ، حدثنا محمد بن إسحاق ، عن القعقاع بن حكيم ; أن عبد الرحمن بن وعلة قال : سألت ابن عباس عن بيع الخمر ، فقال : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم صديق من ثقيف - أو : من دوس - فلقيه يوم الفتح براوية خمر يهديها إليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا فلان ، أما علمت أن الله حرمها؟ " فأقبل الرجل على غلامه فقال : اذهب فبعها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا فلان ، بماذا أمرته؟ " فقال : أمرته أن يبيعها . قال : " إن الذي حرم شربها حرم بيعها " . فأمر بها فأفرغت في البطحاء .رواه مسلم من طريق ابن وهب ، عن مالك ، عن زيد بن أسلم . ومن طريق ابن وهب أيضا ، عن سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد كلاهما - عن عبد الرحمن بن وعلة ، عن ابن عباس ، به . ورواه النسائي ، عن قتيبة ، عن مالك ، به .حديث آخر : قال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ، حدثنا أبو بكر الحنفي ، حدثنا عبد الحميد بن جعفر ، عن شهر بن حوشب عن تميم الداري أنه كان يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية من خمر ، فلما أنزل الله تحريم الخمر جاء بها ، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك وقال : " إنها قد حرمت بعدك " . قال : يا رسول الله ، فأبيعها وأنتفع بثمنها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لعن الله اليهود ، حرم عليهم شحوم البقر والغنم ، فأذابوه ، وباعوه ، والله حرم الخمر وثمنها " .وقد رواه أيضا الإمام أحمد فقال : حدثنا روح ، حدثنا عبد الحميد بن بهرام قال : سمعت شهر بن حوشب قال : حدثني عبد الرحمن بن غنم : أن الداري كان يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل عام راوية من خمر ، فلما كان عام حرمت جاء براوية ، فلما نظر إليه ضحك ، فقال : أشعرت أنها حرمت بعدك؟ " فقال : يا رسول الله ، ألا أبيعها وأنتفع بثمنها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لعن الله اليهود ، انطلقوا إلى ما حرم عليهم من شحم البقر والغنم فأذابوه ، فباعوا به ما يأكلون ، وإن الخمر حرام وثمنها حرام ، وإن الخمر حرام وثمنها حرام ، وإن الخمر حرام وثمنها حرام " .حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا ابن لهيعة ، عن سليمان بن عبد الرحمن عن نافع بن كيسان أن أباه أخبره أنه كان يتجر في الخمر في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنه أقبل من الشام ومعه خمر في الزقاق ، يريد بها التجارة ، فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إني جئتك بشراب طيب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا كيسان ، إنها قد حرمت بعدك " . قال : فأبيعها يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنها قد حرمت وحرم ثمنها " . فانطلق كيسان إلى الزقاق ، فأخذ بأرجلها ثم هراقها .حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا يحيي بن سعيد ، عن حميد عن أنس قال : كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح وأبي بن كعب وسهيل بن بيضاء ، ونفرا من أصحابه عند أبي طلحة وأنا أسقيهم ، حتى كاد الشراب يأخذ منهم ، فأتى آت من المسلمين فقال : أما شعرتم أن الخمر قد حرمت؟ فما قالوا : حتى ننظر ونسأل ، فقالوا : يا أنس ، اكف ما بقي في إنائك ، فوالله ما عادوا فيها ، وما هي إلا التمر والبسر ، وهي خمرهم يومئذ .أخرجاه في الصحيحين - من غير وجه - عن أنس وفي رواية حماد بن زيد ، عن ثابت عن أنس قال : كنت ساقي القوم يوم حرمت الخمر في بيت أبي طلحة ، وما شرابهم إلا الفضيخ البسر والتمر ، فإذا مناد ينادي ، قال : اخرج فانظر . فإذا مناد ينادي : ألا إن الخمر قد حرمت ، فجرت في سكك المدينة ، قال : فقال لي أبو طلحة : اخرج فأهرقها . فهرقتها ، فقالوا - أو : قال بعضهم : قتل فلان وفلان وهي في بطونهم . قال : فأنزل الله : ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ) الآية .وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار ، حدثني عبد الكبير بن عبد المجيد ، حدثنا عباد بن راشد ، عن قتادة عن أنس بن مالك قال : بينما أنا أدير الكأس على أبي طلحة وأبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وسهيل بن بيضاء وأبي دجانة ، حتى مالت رؤوسهم من خليط بسر وتمر . فسمعت مناديا ينادي : ألا إن الخمر قد حرمت! قال : فما دخل علينا داخل ولا خرج منا خارج ، حتى أهرقنا الشراب ، وكسرنا القلال ، وتوضأ بعضنا واغتسل بعضنا ، وأصبنا من طيب أم سليم ، ثم خرجنا إلى المسجد ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ : ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ) إلى قوله : ( فهل أنتم منتهون ) فقال رجل : يا رسول الله ، فما منزلة من مات وهو يشربها؟ فأنزل الله : ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا [ إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ] ) الآية ، فقال رجل لقتادة : أنت سمعته من أنس بن مالك ؟ قال : نعم . وقال رجل لأنس بن مالك : أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال : نعم - أو : حدثني من لم يكذب ، ما كنا نكذب ، ولا ندري ما الكذب .حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق ، أخبرني يحيى بن أيوب ، عن عبيد الله بن زحر ، عن بكر بن سوادة ، عن قيس بن سعد بن عبادة ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن ربي تبارك وتعالى حرم علي الخمر ، والكوبة ، والقنين . وإياكم والغبيراء ، فإنها ثلث خمر العالم " .حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، حدثنا فرج بن فضالة ، عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن رافع عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله حرم على أمتي الخمر والميسر والمزر ، والكوبة والقنين . وزادني صلاة الوتر " . قال يزيد : القنين : البرابط . تفرد به أحمد .وقال أحمد أيضا : حدثنا أبو عاصم - وهو النبيل - أخبرنا عبد الحميد بن جعفر ، حدثنا يزيد بن أبي حبيب ، عن عمرو بن الوليد ، عن عبد الله بن عمرو ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من جهنم " . قال : وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله حرم الخمر والميسر والكوبة والغبيراء ، وكل مسكر حرام " . تفرد به أحمد أيضا .حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ، عن أبي طعمة - مولاهم - وعن عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي أنهما سمعا ابن عمر يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لعنت الخمر على عشرة وجوه : لعنت الخمر بعينها وشاربها ، وساقيها ، وبائعها ، ومبتاعها ، وعاصرها ، ومعتصرها ، وحاملها ، والمحمولة إليه ، وآكل ثمنها " .ورواه أبو داود وابن ماجه ، من حديث وكيع ، به .وقال أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا أبو طعمة ، سمعت ابن عمر يقول : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المربد ، فخرجت معه فكنت عن يمينه ، وأقبل أبو بكر فتأخرت عنه ، فكان عن يمينه وكنت عن يساره . ثم أقبل عمر فتنحيت له ، فكان عن يساره . فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم المربد ، فإذا بزقاق على المربد فيها خمر - قال ابن عمر - : فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدية - قال ابن عمر : وما عرفت المدية إلا يومئذ - فأمر بالزقاق فشقت ، ثم قال : " لعنت الخمر وشاربها ، وساقيها ، وبائعها ، ومبتاعها وحاملها ، والمحمولة إليه ، وعاصرها ، ومعتصرها ، وآكل ثمنها " .وقال أحمد : حدثنا الحكم بن نافع ، حدثنا أبو بكر بن أبي مريم ، عن ضمرة بن حبيب قال : قال عبد الله بن عمر : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آتيه بمدية وهي الشفرة ، فأتيته بها فأرسل بها فأرهفت ثم أعطانيها ، وقال : " اغد علي بها " . ففعلت فخرج بأصحابه إلى أسواق المدينة ، وفيها زقاق الخمر قد جلبت من الشام ، فأخذ المدية مني فشق ما كان من تلك الزقاق بحضرته ، ثم أعطانيها وأمر أصحابه الذين كانوا معه أن يمضوا معي وأن يعاونوني ، وأمرني أن آتي الأسواق كلها فلا أجد فيها زق خمر إلا شققته ، ففعلت ، فلم أترك في أسواقها زقا إلا شققته .حديث آخر : قال عبد الله بن وهب : أخبرني عبد الرحمن بن شريح وابن لهيعة والليث بن سعد عن خالد بن يزيد ، عن ثابت بن يزيد الخولاني أخبره : أنه كان له عم يبيع الخمر ، وكان يتصدق ، فنهيته عنها فلم ينته ، فقدمت المدينة فتلقيت ابن عباس ، فسألته عن الخمر وثمنها ، فقال : هي حرام وثمنها حرام . ثم قال ابن عباس ، رضي الله عنه : يا معشر أمة محمد ، إنه لو كان كتاب بعد كتابكم ، ونبي بعد نبيكم ، لأنزل فيكم كما أنزل فيمن قبلكم ، ولكن أخر ذلك من أمركم إلى يوم القيامة ، ولعمري لهو أشد عليكم ، قال ثابت : فلقيت عبد الله بن عمر فسألته عن ثمن الخمر ، فقال : سأخبرك عن الخمر ، إني كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ، فبينما هو محتب حل حبوته ثم قال : " من كان عنده من هذه الخمر فليأتنا بها " . فجعلوا يأتونه ، فيقول أحدهم : عندي راوية . ويقول الآخر : عندي زق أو : ما شاء الله أن يكون عنده ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اجمعوه ببقيع كذا وكذا ثم آذنوني " . ففعلوا ، ثم آذنوه فقام وقمت معه ، فمشيت عن يمينه وهو متكئ علي ، فألحقنا أبو بكر ، رضي الله عنه ، فأخرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعلني عن شماله ، وجعل أبا بكر في مكاني . ثم لحقنا عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه فأخرني ، وجعله عن يساره ، فمشى بينهما . حتى إذا وقف على الخمر قال للناس : " أتعرفون هذه ؟ قالوا : نعم يا رسول الله ، هذه الخمر . قال : " صدقتم " . قال : " فإن الله لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها ، وشاربها وساقيها ، وحاملها والمحمولة إليه ، وبائعها ومشتريها وآكل ثمنها " . ثم دعا بسكين ، فقال : " اشحذوها " . ففعلوا ، ثم أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرق بها الزقاق ، قال : فقال الناس : في هذه الزقاق منفعة ، قال : " أجل ، ولكني إنما أفعل ذلك غضبا لله ، عز وجل ، لما فيها من سخطه " . فقال عمر : أنا أكفيك يا رسول الله؟ قال : " لا " .قال ابن وهب : وبعضهم يزيد على بعض في قصة الحديث . رواه البيهقي .حديث آخر : قال الحافظ أبو بكر البيهقي : أنبأنا أبو الحسين بن بشران ، أنبأنا إسماعيل بن محمد الصفار ، حدثنا محمد بن عبيد الله المنادي ، حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا شعبة ، عن سماك ، عن مصعب بن سعد ، عن سعد ، قال : أنزلت في الخمر أربع آيات ، فذكر الحديث . قال : وضع رجل من الأنصار طعاما ، فدعانا فشربنا الخمر قبل أن تحرم حتى انتشينا ، فتفاخرنا ، فقالت الأنصار : نحن أفضل . وقالت قريش : نحن أفضل . فأخذ رجل من الأنصار لحي جزور ، فضرب به أنف سعد ففزره ، وكان أنف سعد مفزورا . فنزلت آية الخمر : ( إنما الخمر والميسر [ والأنصاب والأزلام ] ) إلى قوله تعالى : ( فهل أنتم منتهون ) أخرجه مسلم من حديث شعبة .حديث آخر : قال البيهقي : وأخبرنا أبو نصر بن قتادة ، أنبأنا أبو علي الرفاء ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا حجاج بن منهال ، حدثنا ربيعة بن كلثوم ، حدثني أبي ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : إنما نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار ، شربوا فلما أن ثمل القوم عبث بعضهم ببعض ، فلما أن صحوا جعل الرجل يرى الأثر بوجهه ورأسه ولحيته ، فيقول : صنع هذا بي ، أخي فلان - وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن - والله لو كان بي رؤوفا رحيما ما صنع هذا بي ، حتى وقعت الضغائن في قلوبهم فأنزل الله هذه الآية : ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان [ فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة ] فهل أنتم منتهون ) فقال ناس من المتكلفين : هي رجس ، وهي في بطن فلان ، وقد قتل يوم أحد ، فأنزل الله : ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا [ إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين ] )ورواه النسائي في التفسير عن محمد بن عبد الرحيم صاعقة ، عن حجاج بن منهال .حديث آخر : قال ابن جرير : حدثني محمد بن خلف ، حدثنا سعيد بن محمد الجرمي ، عن أبي تميلة ، عن سلام مولى حفص أبي القاسم ، عن أبي بريدة ، عن أبيه قال : بينا نحن قعود على شراب لنا ، ونحن رملة ، ونحن ثلاثة أو أربعة ، وعندنا باطية لنا ، ونحن نشرب الخمر حلا إذ قمت حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه ، إذ نزل تحريم الخمر : ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر ) إلى آخر الآيتين ( فهل أنتم منتهون ) ؟ فجئت إلى أصحابي فقرأتها إلى قوله : ( فهل أنتم منتهون ) ؟ قال : وبعض القوم شربته في يده ، قد شرب بعضها وبقي بعض في الإناء ، فقال بالإناء تحت شفته العليا ، كما يفعل الحجام ، ثم صبوا ما في باطيتهم ، فقالوا : انتهينا ربنا .حديث آخر : قال البخاري : حدثنا صدقة بن الفضل أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو عن جابر قال : صبح ناس غداة أحد الخمر ، فقتلوا من يومهم جميعا شهداء ، وذلك قبل تحريمها .هكذا رواه البخاري في تفسيره من صحيحه وقد رواه الحافظ أبو بكر البزار في مسنده : حدثنا أحمد بن عبدة ، حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار سمع جابر بن عبد الله يقول : اصطبح ناس الخمر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قتلوا شهداء يوم أحد ، فقالت اليهود : فقد مات بعض الذين قتلوا وهي في بطونهم .فأنزل الله : ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ) ثم قال : وهذا إسناد صحيح . وهو كما قال ، ولكن في سياقته غرابة .حديث آخر : قال أبو داود الطيالسي : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال : لما نزل تحريم الخمر قالوا : كيف بمن كان يشربها قبل أن تحرم؟ فنزلت : ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ) الآية .ورواه الترمذي ، عن بندار غندر ، عن شعبة ، به نحو . وقال : حسن صحيح .حديث آخر : قال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا جعفر بن حميد الكوفي ، حدثنا يعقوب القمي ، عن عيسى بن جارية ، عن جابر بن عبد الله قال : كان رجل يحمل الخمر من خيبر إلى المدينة فيبيعها من المسلمين ، فحمل منها بمال ، فقدم بها المدينة ، فلقيه رجل من المسلمين فقال : يا فلان ، إن الخمر قد حرمت فوضعها حيث انتهى على تل ، وسجى عليها بأكسية ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، بلغني أن الخمر قد حرمت؟ قال : " أجل " قال : لي أن أردها على من ابتعتها منه؟ قال : " لا يصلح ردها " . قال : لي أن أهديها إلى من يكافئني منها؟ قال : " لا " . قال : فإن فيها مالا ليتامى في حجري؟ قال : " إذا أتانا مال البحرين فأتنا نعوض أيتامك من مالهم " . ثم نادى بالمدينة ، فقال رجل : يا رسول الله ، الأوعية ننتفع بها؟ . قال : " فحلوا أوكيتها " . فانصبت حتى استقرت في بطن الوادي هذا حديث غريب .حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن السدي ، عن أبي هبيرة - وهو يحيى بن عباد الأنصاري - عن أنس بن مالك أن أبا طلحة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام في حجره ورثوا خمرا فقال : " أهرقها " . قال : أفلا نجعلها خلا؟ قال : " لا " .ورواه مسلم وأبو داود والترمذي ، من حديث الثوري ، به نحوه .حديث آخر : قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن رجاء ، حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة ، حدثنا هلال بن أبي هلال ، عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عمرو قال : إن هذه الآية التي في القرآن : ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ) قال : هي في التوراة : " إن الله أنزل الحق ليذهب به الباطل ، ويبطل به اللعب ، والمزامير ، والزفن ، والكبارات - يعني البرابط - والزمارات - يعني به الدف - والطنابير ، والشعر ، والخمر مرة لمن طعمها . أقسم الله بيمينه وعزة حيله من شربها بعد ما حرمتها لأعطشنه يوم القيامة ، ومن تركها بعد ما حرمتها لأسقينه إياها في حظيرة القدس " .وهذا إسناد صحيح .حديث آخر : قال عبد الله بن وهب : أخبرني عمرو بن الحارث ; أن عمرو بن شعيب حدثهم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من ترك الصلاة سكرا مرة واحدة ، فكأنما كانت له الدنيا وما عليها فسلبها ، ومن ترك الصلاة سكرا أربع مرات ، كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال " . قيل : وما طينة الخبال؟ قال : " عصارة أهل جهنم " .ورواه أحمد ، من طريق عمرو بن شعيب .حديث آخر : قال أبو داود : حدثنا محمد بن رافع ، حدثنا إبراهيم بن عمر الصنعاني ، قال : سمعت النعمان - هو ابن أبي شيبة الجندي - يقول عن طاوس ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كل مخمر خمر ، وكل مسكر حرام ، ومن شرب مسكرا بخست صلاته أربعين صباحا ، فإن تاب تاب الله عليه ، فإن عاد الرابعة كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال " . قيل : وما طينة الخبال يا رسول الله ؟ قال : " صديد أهل النار ، ومن سقاه صغيرا لا يعرف حلاله من حرامه ، كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال "تفرد به أبو داود .حديث آخر : قال الشافعي ، رحمه الله : أنبأنا مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من شرب الخمر في الدنيا ، ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة " .أخرجه البخاري ومسلم ، من حديث مالك ، به .وروى مسلم ، عن أبي الربيع ، عن حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل مسكر خمر ، وكل مسكر حرام ، ومن شرب الخمر فمات وهو يدمنها ولم يتب منها لم يشربها في الآخرة " .حديث آخر : قال ابن وهب : أخبرني عمر بن محمد ، عن عبد الله بن يسار ; أنه سمع سالم بن عبد الله يقول : قال عبد الله بن عمر : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة العاق لوالديه ، والمدمن الخمر ، والمنان بما أعطى " .ورواه النسائي ، عن عمر بن علي ، عن يزيد بن زريع ، عن عمر بن محمد العمري ، به .وروى أحمد ، عن غندر ، عن شعبة ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن مجاهد ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يدخل الجنة منان ولا عاق ، ولا مدمن خمر " .ورواه أحمد أيضا ، عن عبد الصمد ، عن عبد العزيز بن مسلم ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن مجاهد ، به . وعن مروان بن شجاع ، عن خصيف ، عن مجاهد ، به ورواه النسائي ، عن القاسم بن زكريا ، عن الحسين الجعفي ، عن زائدة ، عن ابن أبي زياد ، عن سالم بن أبي الجعد ومجاهد ، كلاهما عن أبي سعيد ، به .حديث آخر : قال أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن جابان ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يدخل الجنة عاق ، ولا مدمن خمر ، ولا منان ، ولا ولد زنية " .وكذا رواه عن يزيد ، عن همام ، عن منصور ، عن سالم ، عن جابان ، عن عبد الله بن عمرو به ، وقد رواه أيضا عن غندر وغيره ، عن شعبة ، عن منصور ، عن سالم ، عن نبيط بن شريط ، عن جابان ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يدخل الجنة منان ، ولا عاق والديه ، ولا مدمن خمر " .ورواه النسائي ، من حديث شعبة كذلك ، ثم قال : ولا نعلم أحدا تابع شعبة ، عن نبيط بن شريط .وقال البخاري : لا يعرف لجابان سماع من عبد الله ولا لسالم من جابان ولا نبيط .وقد روي هذا الحديث من طريق مجاهد ، عن ابن عباس - ومن طريقه أيضا ، عن أبي هريرة ، فالله أعلم .وقال الزهري : حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، أن أباه قال : سمعت عثمان بن عفان يقول : اجتنبوا الخمر ، فإنها أم الخبائث ، إنه كان رجل فيمن خلا قبلكم يتعبد ويعتزل الناس ، فعلقته امرأة غوية ، فأرسلت إليه جاريتها فقالت : إنا ندعوك لشهادة . فدخل معها ، فطفقت كلما دخل بابا أغلقته دونه ، حتى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام وباطية خمر ، فقالت : إني والله ما دعوتك لشهادة ولكن دعوتك لتقع علي أو تقتل هذا الغلام ، أو تشرب هذا الخمر . فسقته كأسا ، فقال : زيدوني ، فلم يرم حتى وقع عليها ، وقتل النفس ، فاجتنبوا الخمر فإنها لا تجتمع هي والإيمان أبدا إلا أوشك أحدهما أن يخرج صاحبه .رواه البيهقي وهذا إسناد صحيح . وقد رواه أبو بكر بن أبي الدنيا في كتابه " ذم المسكر " عن محمد بن عبد الله بن بزيع ، عن الفضيل بن سليمان النميري ، عن عمر بن سعيد ، عن الزهري ، به مرفوعا والموقوف أصح ، والله أعلم .وله شاهد في الصحيحين ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق سرقة حين يسرقها وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن " .وقال أحمد بن حنبل : حدثنا أسود بن عامر ، أخبرنا إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما حرمت الخمر قال أناس : يا رسول الله ، أصحابنا الذين ماتوا وهم يشربونها؟ فأنزل الله : ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ) الآية . قال : ولما حولت القبلة قال أناس : يا رسول الله ، أصحابنا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزل الله : ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) [ البقرة : 143 ] .وقال الإمام أحمد : حدثنا داود بن مهران الدباغ ، حدثنا داود - يعني العطار - ، عن ابن خثيم ، عن شهر بن حوشب ، عن أسماء بنت يزيد ، أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " من شرب الخمر لم يرض الله عنه أربعين ليلة ، إن مات مات كافرا ، وإن تاب تاب الله عليه . وإن عاد كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال " . قالت : قلت : يا رسول الله ، وما طينة الخبال؟ قال : " صديد أهل النار " .وقال الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما نزلت : ( ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا ) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " قيل لي : أنت منهم " .وهكذا رواه مسلم والترمذي والنسائي ، من طريقه .وقال عبد الله بن الإمام أحمد : قرأت على أبي ، حدثنا علي بن عاصم ، حدثنا إبراهيم الهجري ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إياكم وهاتان الكعبتان الموسمتان اللتان تزجران زجرا ، فإنهما ميسر العجم " .

ثم أكد سبحانه تحريم الخمر والميسر ببيان مفاسدهما الدنيوية والدينية فقال تعالى إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ.أى: إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ بتزيينه المنكرات لكم أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ بأن يقطع ما بينكم من صلات، ويثير في نفوسكم الأحقاد والضغائن بسبب تعاطيكم للخمر والميسر، وذلك لأن شارب الخمر إذا ما استولت الخمر على عقله أزالت رشده. وأفقدته وعيه، وتجعله قد يسيء إلى من أحسن إليه، ويعتدى على صديقه وجليسه. وذلك يورث أشد ألوان العداوة والبغضاء بين الناس.ولأن متعاطى الميسر كثيرا ما يخسر ما له على مائدة الميسر. والمال كما نعلم شقيق الروح، فإذا ما خسره هذا المقامر صار عدوا لمن سلب ماله منه عند المقامرة، وأصبح يضمر له السوء. وقد يؤدى به الحال إلى قتله حتى يشفى غيظه منه، لأنه قد جعله فقيرا بائسا مجردا من أمواله بعد أن كان مالكها وفي ذلك ما فيه من تولد العداوة والبغضاء وإيقاد نار الفتن والشرور بين الناس.فقوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ إشارة إلى مفاسدهما الدنيوية.أما مفاسدهما الدينية فقد أشار إليها سبحانه بقوله: وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ.أى: ويريد الشيطان أيضا بسبب تعاطيكم للخمر والميسر- أن يصدكم أى يشغلكم ويمنعكم عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ أى: عن طاعته ومراقبته والتقرب إليه وَعَنِ الصَّلاةِ التي هي الركن الثاني من أركان الإسلام.وذلك لأن شارب الخمر يمنعه ما حل به من نشوة كاذبة، ومن فقدان لرشده عن طاعة الله وعن أداء ما أوجبه عليه من صلاة وغيرها.ولأن متعاطى الميسر بسبب استحلاله لكسب المال عن هذا الطريق الخبيث، ويسبب فقدانه للعاطفة الدينية السليمة صار لا يفكر في القيام بما أوجبه الله عليه من عبادات.ورحم الله الآلوسى، فقد قال عند تفسيره لهذه الآية: ووجه صد الشيطان لهم عن ذكر الله وعن الصلاة بسبب تعاطيهم للخمر والميسر أن الخمر لغلبة السرور بها والطرب على النفوس.والاستغراق في الملاذ الجسمانية، تلهى عن ذكر الله تعالى- وعن الصلاة.وأن الميسر إن كان اللاعب به غالبا، انشرحت نفسه، وصده حب الغلب والقهر والكسب عما ذكر، وإن كان مغلوبا حصل له من الانقباض والقهر ما يحثه على الاحتيال لأن يصير غالبا فلا يخطر بقلبه غير ذلك.وقد شاهدنا كثيرا ممن يلعب بالشطرنج يجرى بينهم من اللجاج والحلف الكاذب والغفلة عن ذكر الله تعالى ما ينفر منه الفيل وتكبو له الفرس ويحار لشناعته الفهم وتسود رقعة الأعمال .وجمع- سبحانه- الخمر والميسر مع الأنصاب والأزلام في الآية الأولى ثم أفردهما بالذكر في هذه الآية، لأن الخطاب للمؤمنين، والمقصود نهيهم عن الخمر والميسر، وإظهار أن هذه الأربعة متقاربة في القبح والمفسدة، أى أن مجيء الأنصاب والأزلام مع الخمر والميسر إنما هو لتقبيح تعاطيهما، وتأكيد حرمتهما، حتى لكأن متعاطى الخمر والميسر يفعل أفعال أهل الجاهلية، وأهل الشرك بالله- تعالى- وكأنه- كما يقول الزمخشري-: لا مباينة بين من عبد صنما وأشرك بالله في علم الغيب، وبين من شرب خمرا أو قامر.وخص الصلاة بالذكر مع أنها لون من ألوان ذكر الله، تعظيما لشأنها، كما هو الحال في ذكر الخاص بعد العام، وإشعارا بأن الصاد عنها كالصاد عن الإيمان، لما أنها عماد الدين والفارق بين المسلم وبين الكافر.والاستفهام في قوله فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ لإنكار استمرارهم على الخمر والميسر بعد أن بين لهم ما بين من مضارهما الدنيوية والدينية ولحضهم على ترك تعاطيهما فورا، أى: انتهوا سريعا عنهما فقد بينت لكم ما يدعو إلى ذلك.ولقد لبى الصحابة- رضى الله عنهم- هذا الأمر فقالوا: «انتهينا يا رب انتهينا يا رب» وألقوا ما عندهم من خمر في طرقات المدينة.

( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ) أما العدواة في الخمر فإن الشاربين إذا سكروا عربدوا وتشاجروا ، كما فعل الأنصاري الذي شج سعد بن أبي وقاص بلحي الجمل أما العداوة في الميسر ، قال قتادة : كان الرجل يقامر على الأهل والمال ثم يبقى حزينا مسلوب الأهل والمال مغتاظا على حرفائه . ( ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة ) وذلك أن من اشتغل بشرب الخمر أو القمار ألهاه ذلك عن ذكر الله ، وشوش عليه صلاته كما فعل بأضياف عبد الرحمن بن عوف ، تقدم رجل ليصلي بهم صلاة المغرب بعدما شربوا فقرأ " قل ياأيها الكافرون " : أعبد ما تعبدون ، بحذف لا ( فهل أنتم منتهون ) أي : انتهوا ، استفهام ومعناه أمر ، كقوله تعالى : " فهل أنتم شاكرون " ؟ ( سورة الأنبياء 80 ) .

قوله تعالى : إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر الآية . أعلم الله تعالى عباده أن الشيطان إنما يريد أن يوقع العداوة والبغضاء بيننا بسبب الخمر وغيره ، فحذرنا منها ، ونهانا عنها . روي أن قبيلتين من الأنصار شربوا الخمر وانتشوا ، فعبث بعضهم ببعض ، فلما صحوا رأى بعضهم في وجه بعض آثار ما فعلوا ، وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن ، فجعل بعضهم يقول : لو كان أخي بي رحيما ما فعل بي هذا ، فحدثت بينهم الضغائن ; فأنزل الله : إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء الآية .قوله تعالى : ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة يقول : إذا سكرتم لم تذكروا الله ولم تصلوا ، وإن صليتم خلط عليكم كما فعل بعلي ، وروي : بعبد الرحمن كما تقدم في " النساء " ، وقال عبيد الله بن عمر : سئل القاسم بن محمد عن الشطرنج أهي ميسر ؟ وعن النرد أهو ميسر ؟ فقال : كل ما صد عن ذكر الله وعن الصلاة فهو ميسر . قال أبو عبيد : تأول قوله تعالى : ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة .قوله تعالى : فهل أنتم منتهون لما علم عمر رضي الله عنه أن هذا وعيد شديد زائد على معنى انتهوا قال : انتهينا ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم مناديه أن ينادي في سكك المدينة ، ألا إن الخمر قد حرمت ; فكسرت الدنان ، وأريقت الخمر حتى جرت في سكك المدينة .

القول في تأويل قوله : إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إنما يُريد لكم الشيطانُ شربَ الخمر والمياسرةَ بالقِدَاح، ويحسِّن ذلك لكم، إرادةً منه أن يوقع بينكم العَداوَة والبغضاءَ في شربكم الخمر ومياسرتكم بالقداح، (5) ليعادي بعضكم بعضًا، ويبغِّض بعضَكم إلى بعض، فيشتِّت أمركم بعد تأليف الله بينكم بالإيمان، وجمعه بينكم بأخوّة الإسلام =" ويصدّكم عن ذكر الله "، يقول: ويصرفكم بغلبة هذه الخمر بسكرها إياكم عليكم، (6) وباشتغالكم بهذا الميسر، عن ذكر الله الذي به صلاح دنياكم وآخرتكم =" وعن الصلاة "، التي فرضها عليكم ربكم =" فهل أنتم منتهون "، يقول: فهل أنتم منتهون عن شرب هذه، والمياسرة بهذا، (7) وعاملون بما أمركم به ربُّكم من أداء ما فرَض عليكم من الصلاة لأوقاتها، ولزوم ذكره الذي به نُجْح طلباتكم في عاجل دنياكم وآخرتكم؟.* * *واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله نزلت هذه الآية.فقال بعضهم: نزلت بسبب كان من عمر بن الخطاب، وهو أنه ذكر مكروهَ عاقبة شربها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وسأل الله تحريمَها. (8)ذكر من قال ذلك:12512 - حدثنا هناد بن السريّ، قال، حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة قال، قال عمر: اللهمّ بيِّنْ لنا في الخمر بيانًا شافيًا! قال: فنزلت الآية التي في" البقرة ": يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ، [سورة البقرة: 219]. قال: فدُعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا! فنزلت الآية التي في" النساء ": لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ [سورة النساء: 43]. قال: وكان مُنَادِي النبي صلى الله عليه وسلم يُنادي إذا حضرت الصلاة: لا يقربنّ الصلاة السكران! قال: فدُعِي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا! قال: فنزلت الآية التي في" المائدة ": يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ إلى قوله: " فهل أنتم منتهون ". فلما انتهى إلى قوله: " فهل أنتم منتهون " قال عمر: انتهينا انتهينا !! (9)12513 - حدثنا هناد قال، حدثنا ابن أبي زائدة قال، حدثنا أبى، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة قال، قال عمر: اللهم بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا، فإنها تَذْهب بالعقل والمال! = ثم ذكر نحو حديث وكيع. (10)12514 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن زكريا، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة قال، قال عمر بن الخطاب: اللهم بيِّن لنا، فذكر نحوه.12515 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبيه = وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، عن عمر بن الخطاب، مثله.12516 - حدثنا هناد قال، حدثنا يونس بن بكير، قال، حدثنا زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، عن عمر بن الخطاب، مثله. (11)12517 - حدثنا هناد قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثني أبو معشر المدني، عن محمد بن قيس، قال: لما قدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، أتاه الناس وقد كانوا يشربون الخمر ويأكلون الميسِر، فسألوه عن ذلك، فأنزل الله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [سورة البقرة: 219]، فقالوا: هذا شيء قد جاء فيه رخْصة، نأكل الميسر ونشرَب الخمر، ونستغفر من ذلك!. حتى أتى رجلٌ صلاةَ المغرب، فجعل يقرأ: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ [سورة الكافرون]. فجعل لا يجوز ذلك، (12)ولا يدري ما يقرأ، فأنزل الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى [سورة النساء: 43]. فكان الناس يشربون الخمرَ، حتى يجيء وقت الصلاة فيدعون شربها، فيأتون الصلاة وهم يعلمون ما يقولون. فلم يزالوا كذلك حتى أنزل الله تعالى ذكره: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ إلى قوله: " فهل أنتم منتهون "، فقالوا: انتهينا يا رب ! (13)* * *وقال آخرون: نزلت هذه الآية بسبب سعد بن أبي وقاص. وذلك أنه كان لاحَى رجلا على شراب لهما، فضربه صاحبه بلَحْيَىْ جمل، ففَزَر أنفه، فنزلت فيهما. (14)ذكر الرواية بذلك:12518 - حدثنا محمد بن المثني قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد، عن أبيه سعد أنه قال: صنع رجلٌ من الأنصار طعامًا، فَدَعانا. قال: فشربنا الخمرَ حتى انتشينا، فتفاخرت الأنصار وقريش، فقالت الأنصار: نحن أفضلُ منكم! قال: فأخذ رجل من الأنصار لَحْيَى جملٍ فضرب به أنف سعد ففَزَره، فكان سعد أفزَرَ الأنف. قال: فنزلت هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ إلى آخر الآية. (15)12519 - حدثنا هناد قال، حدثنا أبو الأحوص، قال حدثنا شعبة، عن سماك، عن مصعب بن سعد قال، قال سعد: شربتُ مع قوم من الأنصار، فضربت رجلا منهم = أظنّ بفكّ جمل = فكسرته، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فلم ألبث أن نزل تحريم الخمر: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ ، إلى آخر الآية. (16)12520 - حدثنا هناد قال، حدثنا ابن أبي زائدة قال، حدثنا إسرائيل، عن سماك، عن مصعب بن سعد، عن أبيه قال: شربت الخمر مع قوم من الأنصار، فذكر نحوه. (17)12521 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني عمرو بن الحارث، أن ابن شهاب أخبره، أن سالم بن عبد الله حدَّثه: أن أول ما حُرِّمت الخمر، أن سعد بن أبي وقاص وأصحابًا له شربوا فاقتتلوا، فكسروا أنف سعدٍ، فأنزل الله: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ ، الآية. (18)* * *وقال آخرون: نزلت في قبيلتين من قبائل الأنصار.ذكر من قال ذلك:12522 - حدثنا الحسين بن علي الصدائي قال، حدثنا حجاج بن المنهال قال، حدثنا ربيعة بن كلثوم عن جبر، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار شرِبوا. حتى إذا ثملوا، عبث بعضهم على بعض. (19) فلما أن صَحوْا جعل الرجل منهم يرى الأثر بوجهه ولحيته فيقول: فعل بي هذا أخي فلان! = وكانوا إخوة، ليس في قلوبهم ضغائن = والله لو كان بي رءوفًا رحيمًا ما فعل بي هذا! حتى وقعت في قلوبهم ضغائن، (20) فأنزل الله: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ إلى قوله: " فهل أنتم منتهون "! فقال ناس من المتكلِّفين: رجْسٌ في بطن فلانُ قتل يوم بدر، (21) وقتل فلان يوم أحُدٍ! فأنزل الله: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا [سورة المائدة: 93]، . الآية. (22)12523 - حدثنا محمد بن خلف قال، حدثنا سعيد بن محمد الجرمي، عن أبي تميلة، عن سلام مولى حفص بن أبي القاسم، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: بينما نحن قعود على شرابٍ لنا، [ونحن على رَمْلة، ونحن ثلاثة أو أربعة، وعندنا باطِيةٌ لنا]، ونحن نشرب الخمر حِلا إذ قمت حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه، وقد نزل تحريم الخمر: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ، إلى آخر الآيتين،" فهل أنتم منتهون "، فجئت إلى أصحابي فقرأتها عليهم إلى قوله: " فهل أنتم منتهون "؟ قال: وبعض القوم شربته في يده، قد شرب بعضًا وبقي بعضٌ في الإناء، فقال بالإناء تحت شفته العليا كما يفعل الحجّام. ثم صبوا ما في باطيهتهم، فقالوا: انتهينا ربّنا! انتهينا ربَّنا! (23)* * *وقال آخرون: إنما كانت العداوة والبغضاء، كانت تكون بين الذين نزلت فيهم هذه الآية بسبب الميسر، لا بسبب السُّكر الذي يحدث لهم من شرب الخمر. فلذلك نهاهم الله عن الميسر.ذكر من قال ذلك:12524 - حدثنا بشر قال، حدثنا جامع بن حماد قال، حدثنا يزيد بن زريع = قال بشر: وقد سمعته من يزيد وحدثنيه = قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: كان الرجل في الجاهلية يقامِر على أهله وماله، فيقعد حَرِيبًا سليبًا ينظر إلى ماله في يَدَي غيره، (24) فكانت تُورِث بينهم عداوة وبغضاءَ، فنهى الله عن ذلك وقدَّم فيه. والله أعلم بالذي يصلح خلقه. (25)* * *قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال، إنّ الله تعالى قد سمَّى هذه الأشياء التي سمّاها في هذه الآية " رجسًا "، وأمر باجتنابها.وقد اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله نزلت هذه الآية، وجائز أن يكون نزولها كان بسبب دُعاء عمر رضى الله عنه في أمر الخمر = وجائز أن يكون ذلك كان بسبب ما نالَ سعدًا من الأنصاري عند انتِشائهما من الشراب = وجائز أن يكون كان من أجل ما كان يلحق أحدَهم عند ذهاب ماله بالقمار من عداوة من يَسَرَه وبغضِه، (26) وليس عندنا بأيِّ ذلك كان، خيرٌ قاطع للعذر. غير أنه أيّ ذلك كان، فقد لزم حكم الآية جميعَ أهل التكليف، وغيرُ ضائرهم الجهل بالسبب الذي له نزلت هذه الآية. فالخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان، فرضٌ على جميع من بلغته الآية من التكليفُ اجتنابُ جميع ذلك، كما قال تعالى: فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ .-----------------الهوامش :(5) انظر تفسير"البغضاء" فيما سلف 7: 145/10: 136.(6) انظر تفسير"الصد" فيما سلف 9: 489 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.(7) انظر تفسير"الانتهاء" فيما سلف 482 ، تعليق: 3 ، والمراجع هناك.(8) انظر ما سلف في تحريم الخمر 4: 330-336/8: 376 ، 377.(9) الأثر: 12512 -"أبو ميسرة" هو: "عمرو بن شرحبيل الهمداني" ، سمع عمر ، وعبد الله بن مسعود ، وغيرهما من الصحابة. مضى برقم: 2839 ، 2840 ، 9228. وهذا الخبر رواه أبو جعفر من خمس طرق ، عن أبي إسحق ، عن أبي ميسرة.ورواه أحمد في مسنده رقم: 378 من طريق إسرائيل ، عن أبي إسحق ، بمثله ، وأبو داود في سننه 3 : 444 رقم: 3670 ، بمثله ، وفيه: "بيانًا شفاء". والنسائي في سننه 8 : 286 ، 287 ، بمثله. والترمذي في سننه في كتاب التفسير من طريق محمد بن يوسف ، عن إسرائيل ، مرفوعًا ، ثم من طريق أبي كريب محمد بن العلاء ، عن وكيع. عن إسرائيل ، مرسلا. ولكن جاء هنا في رواية هناد بن السري ، عن وكيع ، مرفوعًا. وقال الترمذي بعد ذكر رواية أبي كريب: "وهذا أصح من حديث محمد بن يوسف" ، يعني أنه أصح مرسلا. وانظر ما سيأتي في باقي التخريج.ورواه الحاكم في المستدرك 2 : 278 ، من طريق عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل بمثله ، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه" ، ووافقه الذهبي.ورواه البيهقي في السنن 8 : 285 ، من طريق عبيد الله بن موسى أيضًا ، ومن طريق إسمعيل بن جعفر ، عن إسرائيل ، بمثله.ورواه أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ: 39 ، من طريق محمد بن يوسف ، عن إسرائيل ، (كطريق الترمذي) وفيه زيادة: "فإنها تذهب العقل والمال" ، الآتية في رقم: 12513 ، وليس في رواية الترمذي.ورواه الواحدي في أسباب النزول: 154 ، من طريق أحمد بن حنبل ، عن خلف بن وليد ، عن إسرائيل ، بمثل ما في المسند.وخرجه ابن كثير في تفسيره 1 : 499 ، 500/ ثم 3 : 225 ، وقد صحح أخي السيد أحمد هذا الحديث في المسند رقم: 378 ، ثم قال: "وذكره ابن كثير في التفسير 1 : 499 ، 500/3: 226 وقال: هكذا رواه أبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، من طرق عن أبي إسحق. وكذا رواه ابن أبي حاتم ، وابن مردويه من طريق الثوري ، عن أبي إسحق ، عن أبي ميسرة ، واسمه عمرو بن شرحبيل الهمداني الكوفي ، عن عمر ، وليس له عنه سواه. ولكن قال أبو زرعة: لم يسمع منه. والله أعلم. وقال علي بن المديني: "هذا إسناد صالح صحيح. وصححه الترمذي. وزاد ابن أبي حاتم بعد قوله: انتهينا - إنها تذهب المال وتذهب العقل".قال أخي السيد أحمد: "وقول أبي زرعة أن أبا ميسرة لم يسمع من عمر ، لا أجد له وجهًا. فإن أبا ميسرة لم يذكر بتدليس ، وهو تابعي قديم مخضرم ، مات سنة 63. وفي طبقات ابن سعد 6 : 73 ، عن أبي إسحق قال: أوصى أبو ميسرة أخاه الأرقم: لا تؤذن بي أحدًا من الناس ، وليصل علي شريح قاضي المسلمين وإمامهم = وشريح الكندي ، استقضاه عمر على الكوفة ، وأقام على القضاء ستين سنة ، فأبو ميسرة أقدم منه".أقول: ولم يذكر أحد غير أبي زرعة فيما بحثت ، أن أبا ميسرة لم يسمع من عمر ، بل كلهم ذكر سماعه من عمر.(10) الأثر: 12513 - هذه الزيادة: "فإنها تذهب العقل والمال" ، أشرت إليها في التعليق السالف في رواية أبي جعفر النحاس ، وذكرها ابن كثير ، من رواية ابن أبي حاتم.(11) الآثار : 12514 - 12516 - انظر التخريج في رقم: 12512.(12) في المطبوعة ، والدر المنثور: "لا يجود ذلك" (بتشديد الواو المكسورة) ، وفي المخطوطة كما أثبته غير منقوطة ، وهو الصواب إن شاء الله.(13) الأثر: 15217 - ذكره السيوطي في الدر المنثور 2 : 318 ، ولم ينسبه لغير ابن جرير.(14) "لاحاه يلاحيه ملاحاة ولحاء": إذا نازعه وشاتمه = و"لحي الجمل" (بفتح اللام وسكون الحاء): وهما"لحيان": وهما العظمان اللذان فيهما الأسنان من داخل الفم. يقال: لحي الجمل ، ولحي الإنسان ، وغيرهما. وكان في المطبوعة: "لحي" بالإفراد ، وأثبت ما في المخطوطة بالتثنية: "لحيي" = و"فزر الشيء": صدعه. و" فزر أنفه": شقه.(15) الأثر: 12518 - رواه أبو جعفر بثلاثة أسانيد. كلها صحيح.فرواه من هذه الطريق الأولى أحمد في مسنده رقم: 1567 ، 1614 ، مطولا. ورواه أبو داود الطيالسي ، عن شعبة في مسنده: 28 ، رقم: 208.ورواه مسلم من طريق أبي جعفر هذه ، عن محمد بن المثنى نفسه (15 : 186 ، 187) وفيه"وكان أنف سعد مفزورًا" ، بخلاف رواية أبي جعفر"أفزر الأنف". ورواه مطولا بغير هذا اللفظ من طريق"الحسن بن موسى ، عن زهير ، عن سماك".ورواه البيهقي في السنن 8 : 285 ، من طريق وهب بن جرير ، عن شعبة.ورواه أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ: 40 ، من طريق زهير ، عن سماك.ورواه الواحدي في أسباب النزول: 154.وخرجه ابن كثير في تفسيره 3 : 230 ، والسيوطي في الدر المنثور 2 : 315 ، وقصر في نسبته ، وزاد أيضًا نسبته إلى ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه.وكان في المخطوطة: "صنع رجل من الأنصار فدعانا" ، أسقط"طعامًا" ، وهي ثابتة في المطبوعة ، وفي جميع روايات الخبر. ولذلك أثبتها.وقوله: "فكان سعد أفرز الأنف" ، في جميع الروايات: "مفزور الأنف" ، أي مشقوقه ، كما سلف في التعليق: 2 ، ص569 ولم تقيد كتب اللغة: "أفزر الأنف" ، على"أفعل". وهذا مما يثبت صحته ، وهو جائز في العربية.(16) الأثر: 12519 - في المطبوعة: "قال حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك" ، وهو خطأ لا شك فيه وكان في المخطوطة في آخر الصفحة: "قال حدثنا أبو الأحوص قال" ثم بدأ في الصفحة التالية: "عن سماك..." ، فنسى الناسخ في نسخة فأسقط"حدثنا شعبة" ، وبدأ: "عن سماك".(17) الأثر: 12520 - هذا الأثر والذي قبلها طريقان أخريان للأثر رقم: 12518 ، انظر التخريج في التعليق عليه.(18) الأثر: 12521 - خرجه السيوطي في الدر المنثور 2 : 315 ، ولم ينسبه لغير ابن جرير.(19) في المطبوعة: "عبث بعضهم ببعض" ، وهكذا جاء في جمبع روايات الأثر ، فيما بين يدي من الكتب ، ولكنها في المخطوطة كما أثبتها ، وهي صحيحة إن شاء الله.(20) في المطبوعة: "في قلوبهم الضغائن" ، وأثبت ما في المخطوطة.(21) في المطبوعة: "هي رجس ، وهي في بطن فلان" ، وهكذا في سائر المراجع ، وأثبت ما في المخطوطة ، وكأنه صواب أيضا.(22) الأثر: 12522 -"ربيعة بن كلثوم بن جبر الديلي البصري" ، روى له مسلم والنسائي ، متكلم فيه ، وهو ثقة. مضى برقم: 6240. وكان في المطبوعة: "ربيعة بن كلثوم عن جبير ، عن أبيه" ، وهو خطأ. وفي المخطوطة"ربيعة بن كلثوم عن جبر ، عن أبيه" ، وهو خطأ أيضًا ، وإن كان فيها"جبر" على الصواب. وجاء في المستدرك خطأ"جبير" وهو خطأ يصحح. مترجم في التهذيب ، والكبير 2/1/266 ، ولم يذكر فيه جرحًا ، وابن أبي حاتم 1/2/477 ، 478 ، وثقه يحيى بن معين. وفيه عن علي بن المديني ، قال: "سمعت يحيى بن سعيد يقول ، قلت: "لربيعة بن كلثوم في حديث ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ، هو: عن ابن عباس؟ قال: وهل كان يروي سعيد بن جبير إلا عن ابن عباس؟".وأبوه"كلثوم بن جبر بن مؤمل الديلي" ، ثقة ، وثقه أحمد مضى برقم: 6240 ، مترجم في التهذيب ، والكبير 4/1/227 ، وابن أبي حاتم 3/2/164.وهذا الخبر رواه البيهقي في السنن 8 : 285 ، 286 ، والحاكم في المستدرك 4 : 141 ، ولم يذكر فيه شيئًا ، ولكن قال الذهبي في تعليقه على المستدرك: "قلت: صحيح على شرط مسلم". وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 7 : 18 ، وقال: "رواه الطبراني ، ورجاله رجال الصحيح". ورواه أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ: 40 مختصرًا ، بغير إسناد.وخرجه ابن كثير في تفسيره 3 : 230 ، من رواية البيهقي في السنن ، وقال: "ورواه النسائي في التفسير ، عن محمد بن عبد الرحيم صاعقة ، عن حجاج بن منهال".وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2 : 315. وزاد نسبته إلى عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه.(23) الأثر: 12523 -"محمد بن خلف بن عمار العسقلاني" ، شيخ الطبري ، مضى برقم: 126 ، 6534."سعيد بن محمد بن سعيد الجرمي". كوفي ثقة. روى عنه البخاري ومسلم. قال أبو زرعة: "ذاكرت عنه أحمد بأحاديث ، فعرفه" وقال: صدوق ، وكان يطلب معنا الحديث". مترجم في التهذيب ، والكبير 2/1/471 ، وابن أبي حاتم 2/1/59.و"أبو تميلة" ، هو: "يحيى بن واضح الأنصاري" مضى مرارًا ، آخرها رقم: 9009.و"سلام ، مولى حفص ، أبو القاسم الليثي" ، مروزي ، مترجم في الكبير 2/2/134 ، وابن أبي حاتم 2/1/262. وقال البخاري في الكبير: "سمع عبد الله بن بريدة ، عن أبيه: نزلت في تحريم الخمر" ، قاله سعيد الجرمي: سمع يحيى بن واضح ، سمع سلاما" ، إشارة إلى هذا الخبر. ولم يذكر البخاري فيه جرحًا. وقال المعلق على الجرح والتعديل لابن أبي حاتم: "وفي الثقات: سلام الليثي ، والد أبي عبيد القاسم بن سلام". وكان في المطبوعة هنا: "مولى حفص بن أبي قيس" لا أدري كيف استحل لنفسه تغيير ما كان في المخطوطة صوابًا ، إلى خطأ لا ندري ما هو.و"ابن بريدة" ، هو"عبد الله بن بريدة بن الحصيب الأسلمي" قاضي مرو ، أخوه: "سليمان بريدة" ، كانا توأمين. روى عن أبيه ، وابن عباس ، وابن عمرو ، وابن عمر ، وابن مسعود ، وغيرهم من الصحابة. تكلم فيه أحمد بن حنبل. قال الجوزجاني: "قلت لأبي عبد الله: سمع عبد الله من أبيه شيئًا؟ قال: ما أدري ، عامة ما يروى عن بريدة عنه. وضعف حديثه". ووثقه ابن معين وأبو حاتم. مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 2 / 2 / 13. وكان في المطبوعة"أبي بريدة" ، وهو خطأ محض ، صوابه في المخطوطة.وأبوه"بريدة بن الحصيب الأسلمي" ، صحابي قديم الإسلام ، قبل بدر. استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات قومه.وهذا الخبر ذكره ابن كثير في تفسيره 3 : 230 ، من رواية أبي جعفر ، وفيه"عن أبي بريدة" كخطأ المطبوعة. والسيوطي في الدر المنثور 2 : 315.والزيادة التي بين القوسين من تفسير ابن كثير ، وهو لم ينقل هذا عن غير الطبري ، فلذلك زدتها ، والظاهر أنها سقطت من ناسخ نسختنا. وإن كان السيوطي قد ذكر الأثر بغير هذه الزيادة.وقوله: "ونحن على رملة" ، يعني ، في رملة منبتة مريعة. و"الباطية": ناجود الخمر ، وهي إناء عظيم من زجاج ، تملأ من الشراب ، وتوضع بين الشرب يغرفون منها ويشربون. وقوله: "قال بالإناء" ، يعني: أماله ثم نزعه ، كفعل الحجام وهو ينزع كأس الحجامة.(24) في المطبوعة: "حزينًا سليبًا" ، وهي في المخطوطة غير منقوطة ، وصواب قراءتها ما أثبت."حرب الرجل ماله ، فهو محروب وحريب": إذا أخذ حريبته ، وهو ماله الذي يعيش به ، وتركه بلا شيء.(25) الأثر: 12524-"جامع بن حماد" ، انظر ما علقته على الأثر رقم: 12344.واذكر أن هذا الأثر قد مضى قبل ، ولكن خفي علي مكانه.(26) "يسره" ، يعني: غلبه في الميسر ، وأخذ ماله. قال الزمخشري: "من المجاز: أسروه ، ويسروا ماله. وتياسرت الأهواء قلبه ، قال ذو الرمة:بِتَفْرِيقِ أَظْعَانٍ تيايَسَرْنَ قَلْبَهُوَخَانَ العَصَا مِنْ عَاجِلِ البَيْنِ قَادِحُوهذا اللفظ كما استعمله أبو جعفر ، لم تقيده كتب اللغة ، ولكن مقالة الزمخشري دالة على صوابه ، كما قالوا من"القمار": "قمره".

وأثار ما في الطباع من بغض الشيطان بقوله : { إنّما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء } . ثم قال { فهل أنتم منتهون } ، فجاء بالاستفهام لتمثيل حال المخاطبين بحال من بيَّن له المتكلّم حقيقة شيء ثم اختبر مقدار تأثير ذلك البيان في نفسه .وصيغة : هل أنت فاعل كذا . تستعمل للحثّ على فعل في مقام الاستبطاء ، نبّه عليه في «الكشاف» عند قوله تعالى : { وقيل للنّاس هَلْ أنتم مُجتمعون } في سورة [ الشعراء : 39 ] ، قال : ومنه قول تأبّط شرّاً :هل أنتَ باعثُ دينار لحاجتنا ... أو عَبْدِ ربّ أخَا عَوْننِ بننِ مِخْرَاقِ( دينار اسم رجل ، وكذا عبد ربّ . وقوله : أخا عون أو عوف نداء ، أي يا أخا عون ) . فتحريم الخمر متقرّر قبل نزول هذه السورة ، فإنّ وفد عبد القيس وفدوا قبل فتح مكة في سنة ثمان ، فكان ممّا أوصاهم به رسول الله أن لا ينتبذوا في الحَنتم والنقير والمُزَفَّت والدّبَّاءِ ، لأنَّها يسرع الاختمار إلى نبيذها .والمراد بالأنصاب هنا عبادة الأنصاب . والمراد بالأزلام الاستقسام بها ، لأنّ عطفها على الميسر يقتضي أنّها أزلام غير الميسر . قال في الكشاف } : ذكر الأنصاب والأزلام مع الخمر والميسر مقصود منه تأكيد التحريم للخمر والميسر . وتقدّم الكلام على الخمر والميسر في آية سورة البقرة ، وتقدم الكلام على الأنصاب عند قوله تعالى : { وما ذُبح على النّصُب } [ المائدة : 3 ] ، والكلام على الأزلام عند قوله : { وأن تستقسموا بالأزلام } في أول هذه السورة [ 3 ] . وأكّد في هذه الآية تحريم ما ذُبح على النُصب وتحريم الاستقسام بالأزلام وهو التحريم الوارد في أوّل السورة والمقرّر في الإسلام من أوّل البعثة .والمرادُ بهذه الأشياء الأربعة هنا تعاطيها ، كلّ بما يُتعاطى به من شُرْب ولعب وذَبح واستِقسام . والقصرُ المستفاد من إنّما } قصرُ موصوف على صفة ، أي أنّ هذه الأربعة المذكورات مقصورة على الاتّصاف بالرجس لا تتجاوزه إلى غيره ، وهو ادّعائي للمبالغة في عدم الاعتداد بما عدا صفة الرجس من صفات هذه الأربعة . ألا ترى أنّ الله قال في سورة [ البقرة : 219 ] في الخمر والميسر { قل فيهما إثم كبير ومَنَافع للناس } ، فأثبت لهما الإثم ، وهو صفة تساوي الرجس في نظر الشريعة ، لأنّ الإثم يقتضي التباعد عن التلبّس بهما مثل الرجس . وأثبت لهما المنفعة ، وهي صفة تساوي نقيض الرجس ، في نظر الشريعة ، لأنّ المنفعة تستلزم حرصَ الناس على تعاطيهما ، فصحّ أنّ للخمر والميسر صفتين . وقد قُصر في آية المائدة على ما يساوي إحدى تينك الصفتين أعني الرجس ، فما هو إلاّ قَصْر ادّعائي يشير إلى ما في سورة [ البقرة : 219 ] من قوله : { وإثمُهما أكبر من نفعهما } ، فإنّه لمّا نبّهنا إلى ترجيح ما فيهما من الإثم على ما فيهما من المنفعة فقد نبّهنا إلى دحض ما فيهما من المنفعة قُبالة ما فيهما من الإثم حتّى كأنّهما تمحّضا للاتّصاف ب{ فيهما إثم } [ البقرة : 219 ] ، فصحّ في سورة المائدة أن يقال في حقّهما ما يفيد انحصارهما في أنّهما فيهما إثم ، أي انحصارهما في صفة الكون في هذه الظرفية كالانحصار الذي في قوله : { إنْ حسابُهم إلاّ على رَبِّي } [ الشعراء : 113 ] ، أي حسابهم مقصور على الاتّصاف بكونه على ربّي ، أي انحصر حسابهم في معنى هذا الحرف . وذلك هو ما عبّر عنه بعبارة الرجس .والرجس الخبث المستقذر والمكروه من الأمور الظاهرة ، ويطلق على المذمّات الباطنة كما في قوله : { وأمّا الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم } [ التوبة : 125 ] ، وقوله : { إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت } [ الأحزاب : 33 ] . والمراد به هنا الخبيث في النفوس واعتبارِ الشريعة . وهو اسم جنس فالإخبار به كالإخبار بالمصدر ، فأفاد المبالغة في الاتّصاف به حتّى كأنّ هذا الموصوف عين الرجس . ولذلك أيضاً أفرد ( رجس ) مع كونه خبراً عن متعدّد لأنّه كالخبر بالمصدر .ومعنى كونها من عمل الشيطان أن تعاطيَها بما تُتعاطى لأجله من تسويله للناس تعاطيها ، فكأنّه هو الذي عملها وتعاطاها ، وفي ذلك تنفير لمتعاطيها بأنّه يعمل عمل الشيطان ، فهو شيطان ، وذلك ممّا تأباه النفوس .والفاء في { فاجتنبوه } للتفريع وقد ظهر حُسن موقع هذا التفريع بعد التقدّم بما يوجب النفرة منها . والضمير المنصوب في قوله { فاجتنبوه } عائد إلى الرجس الجامع للأربعة . و { لعلّكم تفلحون } رجاء لهم أن يفلحوا عند اجتناب هذه المنهيات إذا لم يكونوا قد استمرّوا على غيرها من المنهيات . وتقدّم القول في نظيره عند قوله تعالى : { يأيّها الناس اعبدوا ربّكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلّكم تتّقون } [ البقرة : 21 ] . وقد بيّنت ما اخترته في محل ( لعلّ ) وهو المطّرد في جميع مواقعها ، وأمّا المحامل التي تأوّلوا بها ( لعلّ ) في آية سورة البقرة فبعضها لا يتأتّى في هذه الآية فتأمّلْه .واجتناب المذكورات هو اجتناب التلبّس بها فيما تقصد له من المفاسد بحسب اختلاف أحوالها؛ فاجتناب الخمر اجتناب شربها؛ والميسر اجتناب التقامر به ، والأنصاب اجتناب الذبح عليها؛ والأزلام اجتناب الاستقسام بها واستشارتها . ولا يدخل تحت هذا الاجتناب اجتناب مسّها أو إراءتها للناس للحاجة إلى ذلك من اعتبار ببعض أحوالها في الاستقطار ونحوه ، أو لمعرفة صورها ، أو حفظها كآثار من التاريخ؛ أو ترك الخمر في طور اختمارها لِمن عَصَر العنب لاتّخاذه خلاً ، على تفصيل في ذلك واختلاف في بعضه .فأمّا اجتناب مماسّة الخمر واعتبارها نجسة لمن تلطّخ بها بعض جسده أو ثوبه فهو ممّا اختلف فيه أهل العلم؛ فمنهم من حملوا الرجس في الآية بالنسبة للخمر على معنييه المعنوي والذاتي ، فاعتبروا الخمر نجس العين يجب غسلها كما يجب غسل النجاسة ، حملاً للفظ الرجس على جميع ما يحتمله .وهو قول مالك . ولم يقولوا بذلك في قداح الميسر ولا في حجارة الأنصاب ولا في الأزلام والتفرقة بين هذه الثلاث وبين الخمر لا وجه لها من النظر . وليس في الأثر ما يحتجّ به لنجاسة الخمر . ولعلّ كون الخمر مائعة هو الذي قرّب شبهها بالأعيان النجسة ، فلمّا وُصفت بأنّها رجس حُمل في خصوصها على معنييه . وأمّا ما ورد في حديث أنس أنّ كثيراً من الصحابة غسلوا جرار الخمر لما نودي بتحريم شربها لذلك من المبالغة في التبرّىء منها وإزالة أثرها قبل التمكّن من النظر فيما سوى ذلك ، ألا ترى أنّ بعضهم كسر جرارها ، ولم يَقُل أحد بوجوب كسر الإناء الذي فيه شيء نجس . على أنّهم فعلوا ذلك ولم يُؤمروا به من الرسول صلى الله عليه وسلموذهب بعض أهل العلم إلى عَدم نجاسة عين الخمر . وهو قول ربيعة بن أبي عبد الرحمان ، والليث بن سعد ، والمُزني من أصحاب الشافعي ، وكثير من البغداديين من المالكية ومن القيروانيين؛ منهم سعيد بن الحَدّاد القيرواني . وقد استدلّ سعيد بن الحدّاد على طهارتها بأنّها سُفِكت في طرق المدينة ، ولو كانت نجساً لنهوا عنه ، إذ قد ورد النهي عن إراقة النجاسة في الطرق . وذكر ابن الفرس عن ابن لبابة أنّه أقام قولاً بطهارة عين الخمر من المذهب .وأقول : الذي يقتضيه النظر أنّ الخمر ليستْ نَجَس العين ، وأنّ مسَاق الآية بعيد عن قصد نجاسة عينها ، إنّما القصد أنّها رجس معنوي ، ولذلك وصفه بأنّه من عَمَل الشيطان ، وبيّنه بعدُ بقوله : { إنّما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة } ، ولأنّ النجاسة تعتمد الخباثة والقذارة وليست الخمر كذلك ، وإنّما تنزّه السلف عن مقاربتها لتقرير كراهيتها في النفوس .وجملة { إنّما يريد الشيطان } بيان لكونها من عمل الشيطان . ومعنى يريد يحبّ وقد تقدّم بيان كون الإرادة بمعنى المحبّة عند قوله تعالى : { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلّوا السبيل } في سورة [ النساء : 44 ] .وتقدّم الكلام على العداوة والبغضاء عند قوله تعالى : { وألقينا بينهم العداوة والبغضاء } في هذه السورة [ 64 ] .وقوله : في الخمر والميسر } أي في تعاطيهما ، على متعارف إضافة الأحكام إلى الذوات ، أي بما يحدث في شرب الخمر من إثارة الخصومات والإقدام على الجرائم ، وما يقع في الميسر من التحاسد على القامر ، والغيظ والحسرة للخاسر ، وما ينشأ عن ذلك من التشاتم والسباب والضرب . على أنّ مجرّد حدوث العداوة والبغضاء بين المسلمين مفسدة عظيمة ، لأنّ الله أراد أن يكون المؤمنون إخوة إذ لا يستقيم أمْر أمّة بين أفرادها البغضاء . وفي الحديث : « لا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخواناً »و ( في ) من قوله { في الخمر والميسر } للسبيبة أو الظرفية المجازية ، أي في مجالس تعاطيهما .وأمّا الصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة فلِما في الخمر من غيبوبَة العقل ، وما في الميسر من استفراغ الوقت في المعاودة لتطلّب الربح .وهذه أربع علل كلّ واحدة منها تقتضي التحريم ، فلا جرم أن كان اجتماعها مُقتضياً تغليظ التحريم . ويلحق بالخمر كلّ ما اشتمل على صفتها من إلقاء العداوة والبغضاء والصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة . ويلحق بالميسر كلّ ما شاركه في إلقاء العداوة والبغضاء والصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة ، وذلك أنواع القمار كلّها أمّا ما كان من اللهو بدون قِمار كالشطرنج دون قِمار ، فذلك دون الميسر ، لأنّه يندر أن يصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة ، ولأنّه لا يوقع في العداوة والبغضاء غالباً ، فتدخل أحكامه تحت أدلّة أخرى .والذّكر المقصود في قوله : { عن ذكر الله } يحتمل أنّه من الذكر اللسان فيكون المراد به القرآن وكلام الرسول عليه الصلاة والسلام الذي فيه نفعهم وإرشادهم ، لأنّه يشتمل على بيان أحكام ما يحتاجون إليه فإذا انغمسوا في شرب الخمر وفي التقامر غابوا عن مجالس الرسول وسماععِ خُطبه ، وعن ملاقاة أصحابه الملازمين له فلم يسمعوا الذكر ولا يتلقّوه من أفواه سامعيه فيجهلوا شيئاً كثيراً فيه ما يجب على المكلّف معرفته . فالسيء الذي يصدّ عن هذا هو مفسدة عظيمة يستحقّ أن يحرّم تعاطيه ، ويحتمل أنّ المراد به الذكر القلبي وهو تذكّر ما أمر الله به ونهَى عنه فإنّ ذكر ذلك هو ذكر الله كقول عمر بن الخطاب : أفضلُ من ذكر الله باللسان ذِكرُ الله عند أمره ونهيه . فالشيء الذي يصدّ عن تذكّر أمر الله ونهيه هو ذريعة للوقوع في مخالفة الأمر وفي اقتحام النهي . وليس المقصود بالذكر في هذه الآية ذكر الله باللسان لأنّه ليس شيء منه بواجب عدا ما هو من أركان الصلاة فذلك مستغنى عنه بقوله : { وعن الصلاة } .وقوله : { فهل أنتم منتهون } الفاء تفريع عن قوله : { إنّما يريد الشيطان } الآية ، فإنّ ما ظهر من مفاسد الخمر والميسر كاف في انتهاء الناس عنهما فلم يبق حاجة لإعادة نهيهم عنهما ، ولكن يستغنى عن ذلك باستفهامهم عن مبلغ أثر هذا البيان في نفوسهم ترفيعاً بهم إلى مقام الفَطن الخبير ، ولو كان بعد هذا البيان كلّه نهاهم عن تعاطيها لكان قد أنزلهم منزلة الغبي ، ففي هذا الاستفهام من بديع لطف الخطاب ما بلغ به حد الإعجاز .ولذلك اختير الاستفهام ب { هل } التي أصل معناها ( قد ) . وكثر وقوعها في حيّز همزة الاستفهام ، فاستغنوا ب { هل } عن ذكر الهمزة ، فهي لاستفهاممٍ مضمَّن تحقيقَ الإسناد المستفهَم عنه وهو { أنتم منتهون } ، دون الهمزة إذ لم يقل : أتنتهون ، بخلاف مقام قوله { وجَعَلنا بعضَكم لبعض فتنة أتصبرون } [ الفرقان : 20 ] . وجعلت الجملة بعد { هل } اسمية لدلالتها على ثبات الخبر زيادة في تحقيق حصول المستفهم عنه ، فالاستفهام هنا مستعمل في حقيقته ، وأريد معها معناه الكنائي ، وهو التحذير من انتفاء وقوع المستفهم عنه .ولذلك روي أنّ عمر لمّا سمع الآية قال : «انتهينا انتهينا» . ومن المعلوم للسامعين من أهل البلاغة أنّ الاستفهام في مثل هذا المقام ليس مجرّداً عن الكناية . فما حكي عن عمرو بن معد يكرب من قوله «إلاّ أنّ الله تعالى قال { فهل أنتم منتهون } فقلْنا : لا» إن صحّ عنه ذلك . ولي في صحته شكّ ، فهو خطأ في الفهم أو التأويل . وقد شذّ نفر من السلَف نقلت عنهم أخبار من الاستمرار على شرب الخمر ، لا يُدرى مبلغها من الصحّة . ومحملها ، إنْ صحّت ، علَى أنّهم كانوا يتأوّلون قوله تعالى { فهل أنتم منتهون } على أنّه نهي غير جازم . ولم يَطُل ذلك بينهم .قيل : إنّ قُدامَة بن مظْعون ، مِمَّن شهد بدراً ، ولاّه عُمر على البحرين ، فشهد عليه أبو هريرة والجارود بأنّه شرب الخمر ، وأنكر الجارود ، وتمّت الشهادة عليه برجل وامرأة . فلمّا أراد عمر إقامة الحدّ عليه قال قدامة : لو شربتُها كما يقولون ما كان لك أن تجلدني . قال عُمر : لِمَ ، قال : لأنّ الله يقول : { ليس على الذين آمنوا وعَملوا الصالحات جُناح فيما طعموا إذا ما اتّقوا وآمنوا وعملوا الصالحات } [ المائدة : 93 ] ، فقال عمر : أخطأت التأويل إنّك إذا اتّقيت الله اجتنبت ما حَرّم عليك» . ويروى أنّ وحشياً كان يشرب الخمر بعد إسلامه ، وأنّ جماعة من المسلمين من أهل الشام شربوا الخمر في زمن عمر ، وتأوّلوا التحريم فتلوا قوله تعالى : { ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا } [ المائدة : 93 ] ، وأنّ عمر استشار عليّاً في شأنهم ، فاتّفقا على أن يستتابوا وإلاّ قُتلوا . وفي صحة هذا نظر أيضاً . وفي كتب الأخبار أنّ عُيينة بنَ حِصن نزل على عمرو بن معد يكرب في محلّة بني زُبيد بالكوفة فقدّم له عَمْرو خَمراً ، فقال عيينةُ : أو ليس قد حرّمها الله . قال عَمْرو : أنتَ أكبَرُ سِنّاً أم أنا ، قال عيينة : أنتَ . قال : أنتَ أقدَمُ إسلاماً أم أنا ، قال : أنتَ . قال : فإنّي قد قرأتُ ما بين الدفتين ، فوالله ما وجدت لها تحريماً إلاّ أنّ الله قال : فهل أنتم منتهون ، فقلنا : لا» . فبات عنده وشربَا وتنادما ، فلمّا أراد عيينة الانصراف قال عيينة بن حصن :جُزيت أبَا ثَوْر جَزَاء كرامةٍ ... فنِعْم الفتى المُزْدَار والمُتَضَيِّفقَرَيْتَ فأكْرَمتَ القِرى وأفدْتَنَا ... تَحِيَّةَ عِلْم لم تَكن قبلُ تُعرفوقلتَ : حلال أن ندِير مُدامة ... كَلَوْن انعِقَاققِ البَرْققِ والليلُ مُسدفوقَدّمْتَ فيها حُجَّة عربيَّة ... تَرُدّ إلى الإنصاف مَن ليس يُنْصِفُوأنتَ لنا واللّهِ ذي العرش قُدوَة ... إذا صدّنا عن شُرْبها المُتكَلِّفُنَقُول : أبُو ثَوْر أحَلّ شَرَابَهَا ... وقولُ أبي ثَوْر أسَدّ وأعْرفوحذف متعلّق { منتهون } لظهوره ، إذ التقدير : فهل أنتم منتهون عنهما ، أي عن الخمر والميسر ، لأنّ تفريع هذا الاستفهام عن قوله : { إنّما يريد الشيطان } يعيّن أنّهما المقصود من الانتهاء .واقتصار الآية على تبيين مفاسد شرب الخمر وتعاطي الميسر دون تبيين ما في عبادة الأنصاب والاستقسام بالأزلام من الفساد ، لأنّ إقلاع المسلمين عنهما قد تقرّر قبل هذه الآية من حين الدخول في الإسلام لأنّهما من مآثر عقائد الشرك ، ولأنّه ليس في النفوس ما يدافع الوازع الشرعي عنهما بخلاف الخمر والميسر فإنّ ما فيهما من اللذات التي تزجي بالنفوس إلى تعاطيهما قد يدافع الوزاع الشرعي ، فلذلك أكّد النهي عنهما أشدّ ممّا أكّد النهي عن الأنصاب والأزلام .
الآية 91 - سورة المائدة: (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة ۖ فهل أنتم...)