سورة الكهف: الآية 7 - إنا جعلنا ما على الأرض...

تفسير الآية 7, سورة الكهف

إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا

الترجمة الإنجليزية

Inna jaAAalna ma AAala alardi zeenatan laha linabluwahum ayyuhum ahsanu AAamalan

تفسير الآية 7

إنَّا جعلنا ما على وجه الأرض من المخلوقات جَمالا لها، ومنفعة لأهلها؛ لنختبرهم: أيُّهم أحسن عملا بطاعتنا، وأيهم أسوأ عملا بالمعاصي، ونجزي كلا بما يستحق.

«إنا جعلنا ما على الأرض» من الحيوان والنبات والشجر والأنهار وغير ذلك «زينة لها لنبلوهم» لنختبر الناس ناظرين إلى ذلك «أيهم أحسن عملاً» فيه أي أزهد له.

يخبر تعالى: أنه جعل جميع ما على وجه الأرض، من مآكل لذيذة، ومشارب، ومساكن طيبة، وأشجار، وأنهار، وزروع، وثمار، ومناظر بهيجة، ورياض أنيقة، وأصوات شجية، وصور مليحة، وذهب وفضة، وخيل وإبل ونحوها، الجميع جعله الله زينة لهذه الدار، فتنة واختبارا. لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا أي: أخلصه وأصوبه، ومع ذلك سيجعل الله جميع هذه المذكورات، فانية مضمحلة، وزائلة منقضية.

ثم أخبر تعالى أنه جعل الدنيا دارا فانية مزينة بزينة زائلة . وإنما جعلها دار اختبار لا دار قرار ، فقال : ( إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا ) .قال قتادة ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الدنيا خضرة حلوة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر ماذا تعملون ، فاتقوا الدنيا ، واتقوا النساء ، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء "

وقوله- تعالى-: إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا، وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً تعليل للنهى المقصود من الترجي في قوله: فَلَعَلَّكَ باخِعٌ ... وزيادة في تسليته صلى الله عليه وسلم عما أصابه من غم وحزن بسبب إصرار الكافرين على كفرهم.أى: إنا بمقتضى حكمتنا- أيها الرسول الكريم- قد جعلنا ما على الأرض من حيوان ونبات وأنهار وبنيان.. زينة لها ولأهلها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا أى: لنختبرهم عن طريق ما جعلنا زينة للأرض ولأهلها: أيهم أتبع لأمرنا ونهينا، وأسرع في الاستحابة لطاعتنا، وأبعد عن الاغترار بشهواتها ومتعها. وإنا- أيضا- بمقتضى حكمتنا، لجاعلون ما عليهم من هذه الزينة في الوقت الذي نريده لنهاية هذه الدنيا، «صعيدا» ، أى: ترابا «جرزا» أى: لا نبات فيه، يقال أرض جرز، أى: لا تنبت، أو كان بها نبات ثم زال.ويقال: جرزت الأرض: إذا ذهب نباتها بسبب القحط، أو الجراد الذي أتى على نباتها قال تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ، فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ.والمقصود من الآيتين: الزيادة في تثبيت قلب النبي- صلى الله عليه وسلم- وفي تسليته عما لحقه من حزن بسبب إصرار الكافرين على كفرهم.فكأنه- سبحانه- يقول له: امض أيها الرسول الكريم في تبليغ ما أوحيناه إليك، ولا تبال بإصرار الكافرين على كفرهم، ولا تذهب نفسك عليهم حسرات، فإن حكمتنا قد اقتضت أن نجعل ما على الأرض من كل ما يصلح أن يكون زينة لها ولهم موضع ابتلاء واختبار للناس، ليتميز المحسن من المسيء، كما اقتضت حكمتنا- أيضا أن نصير ما على هذه الأرض عند انقضاء عمر الدنيا ترابا قاحلا لا نبات فيه، ويعقب ذلك الجزاء على الأعمال، وسننتقم لك من أعدائك فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا. إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً.وفي التعبير عما على الأرض بالزينة، إشارة إلى أن ما عليها مهما حسن شكله، وعظم ثمنه.. فهو إلى زوال، شأنه في ذلك شأن ما يتزين به الرجال والنساء من ملابس وغيرها، يتزينون بها لوقت ما ثم يتركونها وتتركهم.وقوله لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا تعليل لما اقتضته حكمته من جعل ما على الأرض زينة لها.أى: فعلنا ذلك لنختبر الناس على ألسنة رسلنا، أيهم أحسن عملا، بحيث يكون عمله مطابقا لما جئت به- أيها الرسول الكريم-، وخالصا لوجهنا، ومبنيا على أساس الإيمان والعقيدة الصحيحة.قال تعالى: بارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا.وفي الحديث الشريف: «إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون، واتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بنى إسرائيل كانت في النساء» .

( إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها ) فإن قيل : أي زينة في الحيات والعقارب والشياطين؟قيل : فيها زينة على معنى أنها تدل على وحدانية الله تعالى .وقال مجاهد : أراد به الرجال خاصة وهم زينة الأرض . وقيل : أراد بهم العلماء والصلحاء وقيل : الزينة بالنبات والأشجار والأنهار كما قال : " حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت " ( يونس - 24 ) .( لنبلوهم ) لنختبرهم ( أيهم أحسن عملا ) أي : أصلح عملا . وقيل : أيهم أترك للدنيا .

قوله تعالى : إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا قوله تعالى : إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها فيه مسألتان :الأولى : قوله - تعالى - : ما وزينة مفعولان . والزينة كل ما على وجه الأرض ; فهو عموم لأنه دال على بارئه . وقال ابن جبير عن ابن عباس :أراد بالزينة الرجال ; قال مجاهد . وروى عكرمة عن ابن عباس أن الزينة الخلفاء والأمراء . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس في قوله - تعالى - : إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها قال العلماء : زينة الأرض . وقالت فرقة : أراد النعم والملابس والثمار والخضرة والمياه ، ونحو هذا مما فيه زينة ; ولم يدخل فيه الجبال الصم وكل ما لا زينة فيه كالحيات والعقارب . والقول بالعموم أولى ، وأن كل ما على الأرض فيه زينة من جهة خلقه وصنعه وإحكامه . والآية بسط في التسلية ; أي لا تهتم يا محمد للدنيا وأهلها فإنا إنما جعلنا ذلك امتحانا واختبارا لأهلها ; فمنهم من يتدبر ويؤمن ، ومنهم من يكفر ، ثم يوم القيامة بين أيديهم ; فلا يعظمن عليك كفرهم فإنا نجازيهم .الثانية : معنى هذه الآية ينظر إلى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : إن الدنيا خضرة حلوة والله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون . وقوله - صلى الله عليه وسلم - : إن أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا قال : وما زهرة الدنيا ؟ قال : بركات الأرض خرجهما مسلم وغيره من حديث أبي سعيد الخدري . والمعنى : أن الدنيا مستطابة في ذوقها معجبة في منظرها كالثمر المستحلى المعجب المرأى ; فابتلى الله بها عباده لينظر أيهم أحسن عملا . أي من أزهد فيها وأترك لها ; ولا سبيل للعباد إلى معصية ما زينه الله إلا [ أن ] يعينه على ذلك . ولهذا كان عمر يقول فيما ذكر البخاري : اللهم إنا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زينته لنا ، اللهم إني أسألك أن أنفقه في حقه . فدعا الله أن يعينه على إنفاقه في حقه . وهذا معنى قوله - عليه السلام - : فمن أخذه بطيب نفس بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس كان كالذي يأكل ولا يشبع . وهكذا هو المكثر من الدنيا لا يقنع بما يحصل له منها بل همته جمعها ; وذلك لعدم الفهم عن الله - تعالى - ورسوله ; فإن الفتنة معها حاصلة وعدم السلامة غالبة ، وقد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما أتاه .وقال ابن عطية : كان أبي - رضي الله عنه - يقول في قوله أحسن عملا : أحسن العمل أخذ بحق وإنفاق في حق مع الإيمان وأداء الفرائض واجتناب المحارم والإكثار من المندوب إليه .قلت : هذا قول حسن ، وجيز في ألفاظه بليغ في معناه ، وقد جمعه النبي - صلى الله عليه وسلم - في لفظ واحد وهو قوله لسفيان بن عبد الله الثقفي لما قال : يا رسول الله ، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك - في رواية : غيرك . قال : قل آمنت بالله ثم استقم خرجه مسلم . وقال سفيان الثوري : أحسن عملا أزهدهم فيها . وكذلك قال أبو عصام العسقلاني : أحسن عملا أترك لها . وقد اختلفت عبارات العلماء في الزهد ; فقال قوم : قصر الأمل وليس بأكل الخشن ولبس العباء ; قاله سفيان الثوري . قال علماؤنا : وصدق - رضي الله عنه - فإن من قصر أمله لم يتأنق في المطعومات ولا يتفنن في الملبوسات ، وأخذ من الدنيا ما تيسر ، واجتزأ منها بما يبلغ . وقال قوم : بغض المحمدة وحب الثناء . وهو قول الأوزاعي ومن ذهب إليه . وقال قوم : ترك الدنيا كلها هو الزهد ; أحب تركها أم كره . وهو قول فضيل . وعن بشر بن الحارث قال : حب الدنيا حب لقاء الناس ، والزهد في الدنيا الزهد في لقاء الناس . وعن الفضيل أيضا : علامة الزهد في الدنيا الزهد في الناس . وقال قوم : لا يكون الزاهد زاهدا حتى يكون ترك الدنيا أحب إليه من أخذها ; قاله إبراهيم بن أدهم . وقال قوم : الزهد أن تزهد في الدنيا بقلبك ; قاله ابن المبارك . وقالت فرقة : الزهد حب الموت . والقول الأول يعم هذه الأقوال بالمعنى فهو أولى .

القول في تأويل قوله : (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا) يقول عز ذكره: إنا جعلنا ما على الأرض زينة للأرض (لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا) يقول: لنختبر عبادنا أيهم أترك لها وأتبع لأمرنا ونهينا وأعمل فيها بطاعتنا.وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى " ح " ، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد (مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا) قال: ما عليها من شيء.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، مثله.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا) ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " إنَّ الدُّنْيا خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، وَإنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفَكُمْ فِيها، فَناظِرٌ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فاتَّقُوا الدُّنْيا، واتَّقُوا النِّساء ".وأما قوله: (لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا) فإن أهل التأويل قالوا في تأويله نحو قولنا فيه.* ذكر من قال ذلك:حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو عاصم العسقلاني، قال: (لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا) قال: أترك لها.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا) اختبارا لهم أيهم أتبع لأمري وأعمل بطاعتي.
الآية 7 - سورة الكهف: (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا...)