سورة الكهف: الآية 11 - فضربنا على آذانهم في الكهف...

تفسير الآية 11, سورة الكهف

فَضَرَبْنَا عَلَىٰٓ ءَاذَانِهِمْ فِى ٱلْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا

الترجمة الإنجليزية

Fadarabna AAala athanihim fee alkahfi sineena AAadadan

تفسير الآية 11

فألقينا عليهم النوم العميق، فبقوا في الكهف سنين كثيرة.

«فضربنا على آذانهم» أي أنمناهم «في الكهف سنين عددا» معدودة.

فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ أي أنمناهم سِنِينَ عَدَدًا وهي ثلاث مائة سنة وتسع سنين، وفي النوم المذكور حفظ لقلوبهم من الاضطراب والخوف، وحفظ لهم من قومهم وليكون آية بينة.

وقوله : ( فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا ) أي : ألقينا عليهم النوم حين دخلوا إلى الكهف ، فناموا سنين كثيرة )

ثم بين- سبحانه- ما حدث لهؤلاء الفتية بعد أن لجئوا إلى الكهف، وبعد أن دعوا الله بهذا الدعاء الشامل لكل خير. فقال: فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً.وأصل الضرب في كلام العرب يرجع إلى معنى التقاء ظاهر جسم، بظاهر جسم آخر بشدة.يقال: ضرب فلان بيده الأرض إذا ألصقها بها بشدة، وتفرعت عن هذا المعنى معان أخرى ترجع إلى شدة اللصوق.والمراد بالضرب هنا النوم الطويل الذي غشاهم الله- تعالى- به فصاروا لا يحسون شيئا مما حولهم، ومفعول ضربنا محذوف.والمعنى: بعد أن استقر هؤلاء الفتية في الكهف، وتضرعوا إلينا بهذا الدعاء العظيم، ضربنا على آذانهم وهم في الكهف حجابا ثقيلا مانعا من السماع، فصاروا لا يسمعون شيئا يوقظهم، واستمروا في نومهم العميق هذا سِنِينَ ذات عدد كثير، بينها- سبحانه- بعد ذلك في قوله: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً.وخص- سبحانه- الآذان بالضرب، مع أن مشاعرهم كلها كانت محجوبة عن اليقظة، لأن الآذان هي الطريق الأول للتيقظ. ولأنه لا يثقل النوم إلا عند ما تتعطل وظيفة السمع.وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم عند ما علم أن رجلا لا يستيقظ مبكرا أن قال في شأنه:«ذلك رجل قد بال الشيطان في أذنه» أى: فمنعها من التبكير واليقظة قبل طلوع الشمس.والتعبير بالضرب- كما سبق أن أشرنا- للدلالة على قوة المباشرة، وشدة اللصوق واللزوم، ومنه قوله تعالى- وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ أى: التصقتا بهم التصاقا لا فكاك لهم منه، ولا مهرب لهم عنه.

( فضربنا على آذانهم ) أي : أنمناهم وألقينا عليهم النوم . وقيل : معناه منعنا نفوذ الأصوات إلى مسامعهم فإن النائم إذا سمع الصوت ينتبه ( في الكهف سنين عددا ) أي : أنمناهم سنين معدودة وذكر العدد على سبيل التأكيد وقيل : ذكره يدل على الكثرة فإن القليل لا يعد في العادة .

قوله تعالى : فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا عبارة عن إلقاء الله - تعالى - النوم عليهم . وهذه من فصيحات القرآن التي أقرت العرب بالقصور عن الإتيان بمثله . قال الزجاج : أي منعناهم عن أن يسمعوا ; لأن النائم إذا سمع انتبه . وقال ابن عباس : ضربنا على آذانهم بالنوم ; أي سددنا آذانهم عن نفوذ الأصوات إليها . وقيل : المعنى فضربنا على آذانهم أي فاستجبنا دعاءهم ، وصرفنا عنهم شر قومهم ، وأنمناهم . والمعنى كله متقارب . وقال قطرب : هذا كقول العرب ضرب الأمير على يد الرعية إذا منعهم الفساد ، وضرب السيد على يد عبده المأذون له في التجارة إذا منعه من التصرف . قال الأسود بن يعفر وكان ضريرا :ومن الحوادث لا أبا لك أنني ضربت علي الأرض بالأسدادوأما تخصيص الآذان بالذكر فلأنها الجارحة التي منها عظم فساد النوم ، وقلما ينقطع نوم نائم إلا من جهة أذنه ، ولا يستحكم نوم إلا من تعطل السمع . ومن ذكر الأذن في النوم قوله - صلى الله عليه وسلم - : ذاك رجل بال الشيطان في أذنه خرجه الصحيح . أشار - عليه السلام - إلى رجل طويل النوم ، لا يقوم الليل . وعددا نعت للسنين ; أي معدودة ، والقصد به العبارة عن التكثير ; لأن القليل لا يحتاج إلى عدد لأنه قد عرف . والعد المصدر ، والعدد اسم المعدود كالنفض والخبط . وقال أبو عبيدة : عددا نصب على المصدر . ثم قال قوم : بين الله - تعالى - عدد تلك السنين من بعد فقال : ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا .

القول في تأويل قوله تعالى : فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11)يعني جل ثناؤه بقوله: (فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ) : فضربنا على آذانهم بالنوم في الكهف : أي ألقينا عليهم النوم، كما يقول القائل لآخر: ضربك الله بالفالج، بمعنى ابتلاه الله به، وأرسله عليه. وقوله: (سِنِينَ عَدَدًا) يعني سنين معدودة، ونصب العدد بقوله (فَضَرَبْنَا).
الآية 11 - سورة الكهف: (فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا...)