سورة الإسراء: الآية 43 - سبحانه وتعالى عما يقولون علوا...

تفسير الآية 43, سورة الإسراء

سُبْحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا

الترجمة الإنجليزية

Subhanahu wataAAala AAamma yaqooloona AAuluwwan kabeeran

تفسير الآية 43

تنزَّه الله وتقدَّس عَمَّا يقوله المشركون وتعالى علوًا كبيرًا.

«سبحانه» تنزيها له «وتعالى عما يقولون» من الشركاء «علوا كبيرا».

سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أي: تقدس وتنزه وعلت أوصافه عَمَّا يَقُولُونَ من الشرك به واتخاذ الأنداد معه عُلُوًّا كَبِيرًا فعلا قدره وعظم وجلت كبرياؤه التي لا تقادر أن يكون معه آلهة فقد ضل من قال ذلك ضلالا مبينا وظلم ظلما كبيرا.لقد تضاءلت لعظمته المخلوقات العظيمة وصغرت لدى كبريائه السماوات السبع ومن فيهن والأرضون السبع ومن فيهن والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه وافتقر إليه العالم العلوي والسفلي فقرا ذاتيا لا ينفك عن أحد منهم في وقت من الأوقات.هذا الفقر بجميع وجوهه فقر من جهة الخلق والرزق والتدبير، وفقر من جهة الاضطرار إلى أن يكون معبودهم ومحبوبهم الذي إليه يتقربون وإليه في كل حال يفزعون

ثم نزه نفسه الكريمة وقدسها فقال ( سبحانه وتعالى عما يقولون ) أي هؤلاء المشركون المعتدون الظالمون في زعمهم أن معه آلهة أخرى ( علوا كبيرا ) أي تعاليا كبيرا بل هو الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد

( سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً ) .أى : تنزه الله - تعالى - عما يقوله المشركون فى شأنه وتباعد ، وعلا علوا كبيرا ، فإنه - جل شأنه - لا ولد له ، فلا شريك له . . .قال - تعالى - : ( قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ الله الصمد لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ ) والتعبير بقوله - سبحانه - : ( إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إلى ذِي العرش سَبِيلاً ) يشير إلى الارتفاع والتسامى على تلك الآلهة المزعومة ، وأنها دون عرشه - تعالى - وتحته ، وليست معه . .

ثم نزه نفسه فقال عز من قائل : ( سبحانه وتعالى عما يقولون ( قرأ حمزة والكسائي " تقولون " بالتاء والآخرون بالياء ( علوا كبيرا

سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا نزه - سبحانه - نفسه وقدسه ومجده عما لا يليق به . والتسبيح : التنزيه . وقد تقدم .

وهذا تنزيه من الله تعالى ذكره نفسه عما وصفه به المشركون، الجاعلون معه آلهة غيره، المضيفون إليه البنات، فقال: تنزيها لله وعلوّا له عما تقولون أيها القوم، من الفرية والكذب، فإن ما تضيفون إليه من هذه الأمور ليس من صفته، ولا ينبغي أن يكون له صفة.كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ( سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا ) يسبح نفسه إذ قيل عليه البهتان. وقال تعالى (عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا) ولم يقل: تعاليا، كما قال وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا كما قال الشاعر:أَنْتَ الفِدَاءُ لكَعْبَةٍ هَدَّمْتَهاوَنَقَرْتَها بِيَدَيْكَ كُلَّ مَنَقَّرمُنِعَ الحَمامُ مَقِيلَهُ مِنْ سَقْفِهاومِنَ الحَطِيم فَطَارَ كُلَّ مُطَيَّرِ (1)-------------------الهوامش :(1) البيتان شاهدان على أن المصدرين منقر ومطير المضافين إلى كل المعرب مفعولا مطلقا ليس من لفظ الفعل السابق عليهما ، لأن المنقر من نقر بتشديد القاف ، والمطير من طير بتشديد الياء ، مع أن الفعلين السابقين ثلاثيان . ولكن العرب تجيز وضع المصادر المختلفة عن الأفعال السابقة عليها ، ومنه في القرآن : " وتبتل إليه تبتيلا " ومصدر تبتل : هو التبتل لا التبتيل ، ولكن ذلك جائز لأن الحروف الأصول مشتركة في الأفعال والمصادر التي تليها .

إنشاء تنزيه لله تعالى عما ادعوه من وجود شركاء له في الإلهية .وهذا من المقول اعتراض بين أجزاء المقول ، وهو مستأنف لأنه نتيجة لبطلان قولهم : إن مع الله آلهة ، بما نهضت به الحجة عليهم من قوله : { إذا لابتغوا إلى ذى العرش سبيلاً }. وقد تقدم الكلام على نظيره في قوله تعالى : { سبحانه وتعالى عمّا يصفون } في سورة [ الأنعام : 100 ].والمراد بما يقولون ما يقولونه مما ذكر آنفاً كقوله تعالى : ونرثه ما يقول .و { علوا } مفعول مطلق عامله { تعالى }. جيء به على غير قياس فعله للدلالة على أن التعالي هو الاتصاف بالعلو بحق لا بمجرد الادعاء كقول سعدة أم الكميت بن معر:تعاليت فوق الحق عن آل فَقعس...ولم تَخش فيهم ردة اليوم أو غد ... وقوله سبحانه : { ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم } [ المؤمنون : 24 ] ، أي يدعي الفضل ولا فضل له . وهو منصوب على المفعولية المطلقة المبينة للنوع .والمراد بالكبير الكامل في نوعه . وأصل الكبير صفة مشبهة : الموصوف بالكبر . والكبر : ضخامة جسم الشيء في متناول الناس ، أي تعالى أكمل علو لا يشوبه شيء من جنس ما نسبوه إليه ، لأن المنافاة بين استحقاق ذاته وبين نسبة الشريك له والصاحبة والولد بلغت في قوة الظهور إلى حيث لا تحتاج إلى زيادة لأن وجوب الوجود والبقاء ينافي آثار الاحتياج والعجز .وقرأ الجمهور { عما يقولون } بياء الغيبة . وقرأه حمزة ، والكسائي ، وخلف بتاء الخطاب على أنه التفات ، أو هو من جملة المقول من قوله : { قل لو كان معه آلهة } [ الإسراء : 42 ] على هذه القراءة .
الآية 43 - سورة الإسراء: (سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا...)