سورة الإسراء: الآية 106 - وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس...

تفسير الآية 106, سورة الإسراء

وَقُرْءَانًا فَرَقْنَٰهُ لِتَقْرَأَهُۥ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَٰهُ تَنزِيلًا

الترجمة الإنجليزية

Waquranan faraqnahu litaqraahu AAala alnnasi AAala mukthin wanazzalnahu tanzeelan

تفسير الآية 106

وأنزلنا إليك -أيها الرسول- قرآنًا بيَّناه وأحكمناه وفَصَّلناه فارقًا بين الهدى والضلال والحق والباطل؛ لتقرأه على الناس في تؤدة وتمهُّل، ونَزَّلْناه مفرَّقًا، شيئًا بعد شيء، على حسب الحوادث ومقتضيات الأحوال.

«وقرآنا» منصوب بفعل يفسره «فرقناه» نزلناه مفرقا في عشرين سنة أو ثلاث «لتقرأه على الناس على مكث» مهل وتؤدة ليفهموه «ونزلناه تنزيلا» شيئا بعد شيء على حسب المصالح.

أي: وأنزلنا هذا القرآن مفرقًا، فارقًا بين الهدى والضلال، والحق والباطل. لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ أي: على مهل، ليتدبروه ويتفكروا في معانيه، ويستخرجوا علومه. وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا أي: شيئًا فشيئًا، مفرقًا في ثلاث وعشرين سنة.

وقوله : ( وقرآنا فرقناه ) أما قراءة من قرأ بالتخفيف ، فمعناه : فصلناه من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا ، ثم نزل مفرقا منجما على الوقائع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث وعشرين سنة ؛ قاله عكرمة عن ابن عباس .وعن ابن عباس أيضا أنه قال ) فرقناه ) بالتشديد ، أي : أنزلناه آية آية ، مبينا مفسرا ؛ ولهذا قال : ( لتقرأه على الناس ) أي : لتبلغه الناس وتتلوه عليهم ) على مكث ) أي : مهل ) ونزلناه تنزيلا ) أي : شيئا بعد شيء .

ثم بين- سبحانه- الحكم التي من أجلها أنزل القرآن مفصلا ومنجما، فقال: وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا.ولفظ: قُرْآناً منصوب بفعل مضمر أى: وآتيناك قرآنا.وقوله: فَرَقْناهُ أى: فصلناه. أو فرقنا فيه بين الحق والباطل. أو أنزلناه منجما مفرقا.قال الجمل: وقراءة العامة فَرَقْناهُ بالتخفيف. أى: بينا حلاله وحرامه ...وقرأ على وجماعة من الصحابة وغيرهم بالتشديد وفيه وجهان: أحدهما: أن التضعيف للتكثير. أى: فرقنا آياته بين أمر ونهى وحكم وأحكام. ومواعظ وأمثال وقصص وأخبار.والثاني: أنه دال على التفريق والتنجيم».وقوله عَلى مُكْثٍ أى: على تؤدة وتمهل وحسن ترتيل، إذ المكث التلبث في المكان، والإقامة فيه انتظارا لأمر من الأمور.والمعنى: «ولقد أنزلنا إليك- أيها الرسول- هذا القرآن، مفصلا في أوامره ونواهيه، وفي أحكامه وأمثاله ... ومنجما في نزوله لكي تقرأه على الناس على تؤدة وتأن وحسن ترتيل، حتى يتيسر لهم حفظه بسهولة، وحتى يتمكنوا من تطبيق تشريعاته وتوجيهاته تطبيقا عمليا دقيقا.وهكذا فعل الصحابة- رضى الله عنهم-: فإنهم لم يكن القرآن بالنسبة لهم متعة عقلية ونفسية فحسب، وإنما كان القرآن بجانب حبهم الصادق لقراءته وللاستماع إليه منهجا لحياتهم، يطبقون أحكامه وأوامره ونواهيه وآدابه ... في جميع أحوالهم الدينية والدنيوية.قال أبو عبد الرحمن السلمى: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن، أنهم كانوا يستقرئون عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يتركوها حتى يعملوا بما فيها «فتعلمنا القرآن والعمل جميعا» .وقوله- سبحانه-: وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا أى: ونزلناه تنزيلا مفرقا منجما عليك يا محمد في مدة تصل إلى ثلاث وعشرين سنة، على حسب ما تقتضيه حكمتنا، وعلى حسب الحوادث والمصالح، وليس من أجل تيسير حفظه فحسب.

( وقرآنا فرقناه ) قيل : معناه : أنزلناه نجوما لم ينزل مرة واحدة بدليل قراءة ابن عباس : ( وقرآنا فرقناه ) بالتشديد . وقراءة العامة بالتخفيف أي : فصلناه وقيل : بيناه وقال الحسن : معناه فرقنا به بين الحق والباطل ( لتقرأه على الناس على مكث ) أي : على تؤدة وترتيل وترسل في ثلاث وعشرين سنة ( ونزلناه تنزيلا )

قوله تعالى : وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا قوله تعالى : وقرآنا فرقناه مذهب سيبويه أن قرآنا منصوب بفعل مضمر يفسره الظاهر . وقرأ جمهور الناس فرقناه بتخفيف الراء ، ومعناه بيناه وأوضحناه ، وفرقنا فيه بين الحق والباطل ; قاله الحسن . وقال ابن عباس : فصلناه . وقرأ ابن عباس وعلي وابن مسعود وأبي بن كعب وقتادة وأبو رجاء والشعبي " فرقناه " بالتشديد ، أي أنزلناه شيئا بعد شيء لا جملة واحدة ; إلا أن في قراءة ابن مسعود وأبي " فرقناه عليك " . واختلف في كم نزل القرآن من المدة ; فقيل : في خمس وعشرين سنة . ابن عباس : في ثلاث وعشرين . أنس : في عشرين . وهذا بحسب الخلاف في سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا خلاف أنه نزل إلى السماء الدنيا جملة واحدة . وقد مضى هذا في [ البقرة ] .على مكث أي تطاول في المدة شيئا بعد شيء . ويتناسق هذا القرآن على قراءة ابن مسعود ، أي أنزلناه آية آية وسورة سورة . وأما على القول الأول فيكون على مكث أي على ترسل في التلاوة وترتيل ; قاله مجاهد وابن عباس وابن جريج . فيعطي القارئ القراءة حقها من ترتيلها وتحسينها وتطييبها بالصوت الحسن ما أمكن من غير تلحين ولا تطريب مؤد إلى تغيير لفظ القرآن بزيادة أو نقصان فإن ذلك حرام على ما تقدم أول الكتاب . وأجمع القراء على ضم الميم من مكث إلا ابن محيصن فإنه قرأ مكث بفتح الميم . ويقال : مكث ومكث ومكث ; ثلاث لغات . قال مالك : على مكث على تثبت وترسل .قوله تعالى : ونزلناه تنزيلا مبالغة وتأكيد بالمصدر للمعنى المتقدم ، أي أنزلناه نجما بعد نجم ; ولو أخذوا بجميع الفرائض في وقت واحد لنفروا .

( وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ ) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء الأمصار (فَرَقْناهُ) بتخفيف الراء من فرقناه، بمعنى: أحكمناه وفصلناه وبيناه ، وذكر عن ابن عباس، أنه كان يقرؤه بتشديد الراء " فَرَّقْناهُ" بمعنى: نزلناه شيئا بعد شيء، آية بعد آية، وقصة بعد قصة.وأولى القراءتين بالصواب عندنا، القراءة الأولى، لأنها القراءة التي عليها الحجة مجمعة، ولا يجوز خلافها فيما كانت عليه مجمعة من أمر الدين والقرآن ، فإذا كان ذلك أولى القراءتين بالصواب، فتأويل الكلام: وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا، وفصلناه قرآنا، وبيَّناه وأحكمناه، لتقرأه على الناس على مكث.وبنحو الذي قلنا في ذلك من التأويل، قال جماعة من أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ ) يقول: فصلناه.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي جعفر، عن أبي الربيع عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعب أنه قرأ ( وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ ) مخففا: يعني بيناه.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عباس ( وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ ) قال: فصلناه.حدثنا ابن المثنى، قال : ثنا بدل بن المحبر، قال: ثنا عباد، يعني ابن راشد، عن داود، عن الحسن أنه قرأ ( وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ ) خفَّفها: فرق الله بين الحقّ والباطل.وأما الذين قرءوا القراءة الأخرى، فإنهم تأوّلوا ما قد ذكرت من التأويل.ذكر من قال ما حكيت من التأويل عن قارئ ذلك كذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، قال: كان ابن عباس يقرؤها: " وَقُرآنا فَرَّقْناهُ" مثقلة، يقول: أنزل آية آية.حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا داود، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة القدر، ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة، قال وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ، " وَقُرآنا فَرَّقْناهُ لِتَقْرأَهُ عَلى النَّاسِ على مُكْثٍ وَنزلْناهُ تَنزيلا ".حدثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: " وَقُرآنا فَرَّقْناهُ لِتَقْرأَهُ عَلى النَّاسِ" لم ينزل جميعا، وكان بين أوّله وآخره نحو من عشرين سنة.حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله : ( وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ ) قال: فرّقه: لم ينزله جميعه. وقرأ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ... حتى بلغ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا يَنْقُض عليهم ما يأتون به.وكان بعض أهل العربية من أهل الكوفة يقول: نصب قوله ( وَقُرآنا ) بمعنى: ورحمة، ويتأوّل ذلك ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ) ورحمة، ويقول: جاز ذلك، لأن القرآن رحمة، ونصبه على الوجه الذي قلناه أولى، وذلك كما قال جلّ ثناؤه وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ وقوله ( لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ ) يقول: لتقرأه على الناس على تُؤَدة، فترتله وتبينه، ولا تعجل في تلاوته، فلا يفهم عنك.وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا محمد بن بشار، قال : ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن عبيد المكُتِب (1) قال: قلت لمجاهد: رجل قرأ البقرة وآل عمران، وآخر قرأ البقرة، وركوعهما وسجودهما واحد، أيهما أفضل؟ قال: الذي قرأ البقرة، وقرأ ( وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ ) .حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ ) يقول: على تأييد.حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ؛ وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن ، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ( عَلَى مُكْثٍ ) قال: على ترتيل.حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله ( لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ ) قال: في ترتيل.حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله ( لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ ) قال: التفسير الذي قال الله وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا : تفسيره.حدثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال : أخبرنا الثوري، عن عبيد، عن مجاهد، قوله ( لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ ) على تؤدة ، وفي المُكث للعرب لغات: مُكث، ومَكث، ومِكث ومِكِّيثَى مقصور، ومُكْثانا، والقراءة بضمّ الميم.وقوله ( وَنزلْنَاهُ تَنزيلا ) يقول تعالى ذكره: فرقنا تنزيله، وأنزلناه شيئا بعد شيء.كما حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، قال: حدثنا، عن أبي رجاء ؛ قال: تلا الحسن: " وَقُرآنا فَرَّقْناهُ لِتَقْرأَهُ عَلى النَّاسِ على مُكْثٍ وَنزلْنَاهُ تَنزيلا " قال: كان الله تبارك وتعالى ينزل هذا القرآن بعضه قبل بعض لما علم أنه سيكون ويحدث في الناس، لقد ذكر لنا أنه كان بين أوّله وآخره ثماني عشرة سنة، قال: فسألته يوما على سخطة، فقلت: يا أبا سعيد " وقرآنا فرقناه " فثقلها أبو رجاء، فقال الحسن: ليس فرّقناه، ولكن فَرقناه، فقرأ الحسن مخففة ، قلت: من يُحدثك هذا يا أبا سعيد أصحاب محمد ، قال: فمن يحدّثنيه ، قال: أنزل عليه بمكة قبل أن يهاجر إلى المدينة ثماني سنين، وبالمدينة عشر سنين.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنزلْنَاهُ تَنزيلا ) لم ينزل في ليلة ولا ليلتين، ولا شهر ولا شهرين، ولا سنة ولا سنتين، ولكن كان بين أوّله وآخره عشرون سنة، وما شاء الله من ذلك.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن الحسن، قال: كان يقول: أنزل على نبيّ الله القرآن ثماني سنين، وعشرا بعد ما هاجر. وكان قتادة يقول: عشرا بمكة، وعشرا بالمدينة.

عطف على جملة { أنزلناه } [ الإسراء : 105 ].وانتصب { قرآناً } على الحال من الضمير المنصوب في { فرقناه } مقدمة على صاحبها تنويهاً الكون قرآناً ، أي كونه كتاباً مقروءاً . فإن اسم القرآن مشتق من القراءة ، وهي التلاوة ، إشارة إلى أنه من جنس الكلام الذي يحفظ ويتلى ، كما أشار إليه قوله تعالى : { تلك آيات الكتاب وقرآن مبين } [ الحجر : 1 ] ، وقد تقدم بيانه . فهذا الكتاب له أسماء باختلاف صفاته فهو كتاب ، وقرآن ، وفرقان ، وذكر ، وتنزيل .وتجري عليه هذه الأوصاف أو بعضها باختلاف المقام ، ألا ترى إلى قوله تعالى : { وقرآن الفجر } [ الإسراء : 78 ] وقوله : { فاقرأوا ما تيسر من القرآن } [ المزمل : 20 ] باعتبار أن المقام للأمر بالتلاوة في الصلاة أو مطلقاً ، وإلى قوله : { تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا } [ الفرقان : 1 ] في مقام كونه فارقاً بين الحق والباطل ، ولهذا لم يوصف من الكتب السماوية بوصف القرآن غيرُ الكتاب المنزل على محمد .ومعنى { فرقناه } جعلناه فِرَقاً ، أي أنزلناه منجماً مفرقاً غير مجتمع صبُرة واحدة . يقال : فرق الأشياء إذا باعد بينها ، وفرق الصبرة إذا جزأها . ويطلق الفرق على البيان لأن البيان يشبه تفريق الأشياء المختلطة ، فيكون { فرقناه } محتملاً معنى بيناه وفصلناه ، وإذ قد كان قوله : { قرآناً } حالاً من ضمير { فرقناه } آل المعنى إلى : أنا فرقناه وأقرأناه .وقد عُلل بقوله : { لتقرأه على الناس على مكث }. فهما علتان : أن يُقرأ على الناس وتلك علة لجعله قرآناً ، وأن يقرأ على مُكْث ، أي مَهل وبطء وهي علة لتفريقه .والحكمة في ذلك أن تكون ألفاظه ومعانيه أثبت في نفوس السامعين .وجملة { ونزلناه تنزيلاً } معطوفة على جملة { وقرآنا فرقناه }. وفي فعل { نزلناه } المضاعف وتأكيده بالمفعول المطلق إشارة إلى تفريق إنزاله المذكور في قوله : { وبالحق أنزلناه } [ الإسراء : 105 ].وطوي بيان الحكمة للاجتزاء بما في قوله : { لتقرأه على الناس على مكث } من اتحاد الحكمة . وهي ما صَرح به قوله تعالى : { كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا } [ الفرقان : 32 ].ويجوز أن يراد : فرقنا إنزاله رعياً للأسباب والحوادث . وفي كلام الوجهين إبطال لشبهتهم إذ قالوا : { لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة } [ الفرقان : 32 ].
الآية 106 - سورة الإسراء: (وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا...)