سورة الحجر: الآية 31 - إلا إبليس أبى أن يكون...

تفسير الآية 31, سورة الحجر

إِلَّآ إِبْلِيسَ أَبَىٰٓ أَن يَكُونَ مَعَ ٱلسَّٰجِدِينَ

الترجمة الإنجليزية

Illa ibleesa aba an yakoona maAAa alssajideena

تفسير الآية 31

فسجد الملائكة كلهم أجمعون كما أمرهم ربهم لم يمتنع منهم أحد، لكن إبليس امتنع أن يسجد لآدم مع الملائكة الساجدين.

«إلا إبليس» هو أبو الجن كان بين الملائكة «أبى» امتنع من «أن يكون مع الساجدين».

إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ وهذه أول عداوته لآدم وذريته

وقد روى ابن جرير هاهنا أثرا غريبا عجيبا من حديث شبيب بن بشر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما خلق الله الملائكة قال : إني خالق بشرا من طين ، فإذا سويته فاسجدوا له ، قالوا : لا نفعل ، فأرسل عليهم نارا فأحرقتهم ، ثم خلق ملائكة فقال لهم مثل ذلك [ فقالوا : لا نفعل ، فأرسل عليهم نارا فأحرقتهم . ثم خلق ملائكة أخرى فقال : إني خالق بشرا من طين ، فإذا أنا خلقته فاسجدوا له فأبوا ، فأرسل عليهم نارا فأحرقتهم . ثم خلق ملائكة فقال : إني خالق بشرا من طين ، فإذا أنا خلقته فاسجدوا له ] قالوا سمعنا وأطعنا ، إلا إبليس كان من الكافرين الأولينوفي ثبوت هذا عنه بعد ، والظاهر أنه إسرائيلي ، والله أعلم .

وقوله إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ بيان لموقف إبليس من أمر الله- تعالى-. وإبليس: اسم مشتق من الإبلاس، وهو الحزن الناشئ عن شدة اليأس، وفعله أبلس، والراجح أنه اسم أعجمى، ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة. وهو كائن حي، وقد أخطأ من حمله على معنى داعي الشر الذي يخطر في النفوس، لأنه ليس من المعقول أن يكون الأمر كذلك مع أن القرآن أخبرنا بأنه يرى الناس ولا يرونه.قال- تعالى- إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ ... .وقوله أَبى من الإباء وهو الامتناع عن فعل الشيء مع القدرة على فعله، بسبب الغرور والتكبر والتعاظم.أى: فسجد الملائكة كلهم أجمعون، امتثالا وطاعة لله- تعالى-، إلا إبليس فإنه امتنع عن أن يكون مع الساجدين. تكبرا وغرورا وعصيانا لأمر الله- تعالى-.وللعلماء في كون إبليس من الملائكة، أم لا، قولان:أحدهما: أنه كان منهم، لأنه- سبحانه- أمرهم بالسجود لآدم، ولولا أنه كان منهم لما توجه إليه الأمر بالسجود، ولو لم يتوجه إليه الأمر بالسجود لما كان عاصيا، ولما استحق الطرد واللعنة، ولأن الأصل في المستثنى أن يكون داخلا تحت اسم المستثنى منه، حتى يقوم دليل على أنه خارج عنه. وعلى هذا الرأى الذي اختاره ابن عباس وابن مسعود وغيرهما يكون الاستثناء متصلا.والثاني: أنه لم يكن من الملائكة، لقوله- تعالى-: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ، فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ.. فهو أصل الجن، كما أن آدم أصل الإنس، ولأنه خلق من نار، والملائكة خلقوا من نور، ولأن له ذرية، والملائكة لا ذرية لهم..وعلى هذا الرأى الذي اختاره الحسن وقتادة وغيرهما يكون الاستثناء منقطعا.قال الشيخ القاسمى: «وقد حاول الإمام ابن القيم- رحمه الله- أن يجمع بين الرأيين فقال: والصواب التفصيل في هذه المسألة، وأن القولين في الحقيقة قول واحد. فإن إبليس كان مع الملائكة بصورته وليس منهم بمادته وأصله فإن أصله من نار وأصل الملائكة من نور، فالنافي كونه من الملائكة والمثبت كونه منهم لم يتواردا على محل واحد» .والذي نميل إليه في هذه المسألة أن إبليس لم يكن من الملائكة، بدليل الحديث الصحيح الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «خلقت الملائكة من نور. وخلقت الجان من مارج من نار، وخلق بنو آدم مما وصف لكم» والآية الكريمة- وهي قوله- تعالى- إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ صريحة في أنه كان من الجن ولم يكن من الملائكة.ومع هذا فإن الأمر بالسجود يشمله، بدليل قوله- تعالى- قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ... .فهذه الآية تدل دلالة صريحة على أن الله- تعالى- قد أمر إبليس بالسجود لآدم ...ووجود إبليس مع الملائكة لا يستلزم أن يكون منهم، ومثل ذلك كمثل أن تقول: حضر بنو فلان إلا محمدا، ومحمد ليس من بنى فلان هؤلاء، وإنما هو معهم بالمجاورة أو المصاحبة أو غير ذلك.هذا ما نختاره ونميل إليه، استنادا إلى ظاهر الآيات وظاهر الأحاديث، والله- تعالى- أعلم.

"إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين".

الاستثناء من الجنس غير الجنس صحيح عند الشافعي ، حتى لو قال : لفلان علي دينار إلا ثوبا ، أو عشرة أثواب إلا قفيز حنطة ، وما جانس ذلك كان مقبولا ، ولا يسقط عنه من المبلغ قيمة الثوب والحنطة . ويستوي في ذلك المكيلات والموزونات والمقدرات . وقال مالك وأبو حنيفة - رضي الله عنهما - : استثناء المكيل من الموزون والموزون من المكيل جائز ، حتى لو استثنى الدراهم من الحنطة والحنطة من الدراهم قبل . فأما إذا استثنى المقومات من المكيلات أو الموزونات ، والمكيلات من المقومات ، مثل أن يقول : علي عشرة دنانير إلا ثوبا ، أو عشرة أثواب إلا دينارا لا يصح الاستثناء ، ويلزم المقر جميع المبلغ . وقال محمد بن الحسن : الاستثناء من غير الجنس لا يصح ، ويلزم المقر جملة ما أقر به . والدليل لقول الشافعي أن لفظ الاستثناء يستعمل في الجنس وغير الجنس ; قال الله - تعالى - : لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما فاستثنى السلام من جملة اللغو . ومثله فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس وإبليس من جملة الملائكة ; قال الله - تعالى - : إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه وقال الشاعر :وبلدة ليس بها أنيس إلا اليعافير وإلا العيسفاستثنى اليعافير وهي ذكور الظباء ، والعيس وهي الجمال البيض من الأنيس ; ومثله قول النابغة :حلفت يمينا غير ذي مثنوية ولا علم إلا حسن ظن بصاحب

إلا إبليس، فإنه أبى أن يكون مع الساجدين في سجودهم لآدم حين سجدوا، فلم يسجد له معهم تكبرا وحسدا وبغيا .

وقوله : { إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين } تقدم القول على نظيره في سورة البقرة وسورة الأعراف .وقوله هنا { أن يكون مع الساجدين } بيان لقوله في سورة البقرة ( 34 ) { واستكبر } لأنه أبى أن يسجد وأن يساوي الملائكة في الرضى بالسجود . فدلّ هذا على أنه عصى وأنه ترفّع عن متابعة غيره .
الآية 31 - سورة الحجر: (إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين...)