سورة الحج: الآية 35 - الذين إذا ذكر الله وجلت...

تفسير الآية 35, سورة الحج

ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَٱلصَّٰبِرِينَ عَلَىٰ مَآ أَصَابَهُمْ وَٱلْمُقِيمِى ٱلصَّلَوٰةِ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ

الترجمة الإنجليزية

Allatheena itha thukira Allahu wajilat quloobuhum waalssabireena AAala ma asabahum waalmuqeemee alssalati wamimma razaqnahum yunfiqoona

تفسير الآية 35

هؤلاء المتواضعون الخاشعون مِن صفاتهم أنهم إذا ذُكِر الله وحده خافوا عقابه، وحَذِروا مخالفته، وإذا أصابهم بأس وشدة صبروا على ذلك مؤملين الثواب من الله عز وجل، وأدَّوْا الصلاة تامة، وهم مع ذلك ينفقون مما رزقهم الله في الواجب عليهم مِن زكاة ونفقة عيال، ومَن وَجَبَتْ عليهم نفقته، وفي سبيل الله، والنفقات المستحبة.

«الذين إذا ذكر الله وجلت» خافت «قلوبهم والصابرين على ما أصابهم» من البلايا «والمقيمي الصلاة» في أوقاتها «ومما رزقناهم ينفقون» يتصدقون.

الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ أي: خوفا وتعظيما، فتركوا لذلك المحرمات، لخوفهم ووجلهم من الله وحده، وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ من البأساء والضراء، وأنواع الأذى، فلا يجري منهم التسخط لشيء من ذلك، بل صبروا ابتغاء وجه ربهم، محتسبين ثوابه، مرتقبين أجره، وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ أي: الذين جعلوها قائمة مستقيمة كاملة، بأن أدوا اللازم فيها والمستحب، وعبوديتها الظاهرة والباطنة، وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وهذا يشمل جميع النفقات الواجبة، كالزكاة، والكفارة، والنفقة على الزوجات والمماليك، والأقارب، والنفقات المستحبة، كالصدقات بجميع وجوهها، وأتي ب من المفيدة للتبعيض، ليعلم سهولة ما أمر الله به ورغب فيه، وأنه جزء يسير مما رزق الله، ليس للعبد في تحصيله قدرة، لولا تيسير الله له ورزقه إياه. فيا أيها المرزوق من فضل الله، أنفق مما رزقك الله، ينفق الله عليك، ويزدك من فضله.

( الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ) أي : خافت منه قلوبهم ، ( والصابرين على ما أصابهم ) أي : من المصائب .قال الحسن البصري : والله لتصبرن أو لتهلكن .( والمقيمي الصلاة ) : قرأ الجمهور بالإضافة . السبعة ، وبقية العشرة أيضا . وقرأ ابن السميقع : " والمقيمين الصلاة " بالنصب .وقال الحسن البصري : ( والمقيمي الصلاة ) ، وإنما حذفت النون هاهنا تخفيفا ، ولو حذفت للإضافة لوجب خفض الصلاة ، ولكن على سبيل التخفيف فنصبت .أي : المؤدين حق الله فيما أوجب عليهم من أداء فرائضه ، ( ومما رزقناهم ينفقون ) أي : وينفقون ما آتاهم الله من طيب الرزق على أهليهم وأرقائهم وقراباتهم ، وفقرائهم ومحاويجهم ، ويحسنون إلى خلق الله مع محافظتهم على حدود الله . وهذه بخلاف صفات المنافقين ، فإنهم بالعكس من هذا كله ، كما تقدم تفسيره في سورة " براءة " [ فلله الحمد والمنة ] .

ثم مدحهم- سبحانه- بأربع صفات فقال: الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ...أى: بشر هؤلاء المخبتين الذين من صفاتهم أنهم إذا سمعوا ذكر الله- تعالى- وصفاته، وحسابه لعباده يوم القيامة، خافت قلوبهم، وحذرت معصيته- تعالى-.والذين من صفاتهم كذلك: الصبر على ما يصيبهم من مصائب ومحن في هذه الحياة، والمداومة على أداء الصلاة في مواقيتها بإخلاص وخشوع، والإنفاق مما رزقهم الله- تعالى- على الفقراء والمحتاجين.فإن قيل: كيف نجمع بين هذه الآية التي وصفت المؤمنين الصادقين بأنهم إذا ذكر الله وجلت قلوبهم. وبين قوله- تعالى- في آية أخرى: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ.فالجواب: أنه لا تنافى بين الآيتين، لأن من شأن المؤمن الصادق أنه إذا استحضر وعيد الله وحسابه لعباده يوم القيامة، امتلأ قلبه بالخشية والخوف والوجل.فإذا ما استحضر بعد ذلك رحمته- سبحانه- وسعة عفوه، اطمأن قلبه وسكن روعه، وثبت يقينه، وانشرح صدره، واستسلم لقضاء الله وقدره بدون تردد أو تشكك أو جزع.فالوجل والاطمئنان أمران يجدهما المؤمن في قلبه، في وقتين مختلفين. وفي حالتين متمايزتين.ويؤخذ من هاتين الآيتين: أن التواضع لله- تعالى-، والمراقبة له- سبحانه- والصبر على بلائه، والمحافظة على فرائضه.. كل ذلك يؤدى إلى رضاه- عز وجل-، وإلى السعادة الدنيوية والأخروية.

( الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم ) من البلاء والمصائب ( والمقيمي الصلاة ) أي : المقيمين للصلاة في أوقاتها ، ( ومما رزقناهم ينفقون ) يتصدقون .

قوله تعالى : الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقونفيه مسألتان :الأولى : قوله تعالى : وجلت قلوبهم أي خافت وحذرت مخالفته . فوصفهم بالخوف والوجل عند ذكره ، وذلك لقوة يقينهم ومراعاتهم لربهم ، وكأنهم بين يديه ، ووصفهم بالصبر وإقامة الصلاة وإدامتها . وروي أن هذه الآية قوله : وبشر المخبتين نزلت في أبي بكر ، وعمر ، وعلي رضوان الله عليهم . وقرأ الجمهور ( الصلاة ) بالخفض على الإضافة ، وقرأ أبو عمرو ( الصلاة ) بالنصب على توهم النون ، وأن حذفها للتخفيف لطول الاسم . وأنشد سيبويه :الحافظو عورة العشيرة [ لا يأتيهم من ورائنا نطفالثانية : هذه الآية نظير قوله تعالى : إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون ، وقوله تعالى : الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله . هذه حالة العارفين بالله ، الخائفين من سطوته وعقوبته ؛ لا كما يفعله جهال العوام والمبتدعة الطغام من الزعيق والزئير ، ومن النهاق الذي يشبه نهاق الحمير ، فيقال لمن تعاطى ذلك وزعم أن ذلك وجد وخشوع : إنك لم تبلغ أن تساوي حال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا حال أصحابه في المعرفة بالله تعالى ، والخوف منه ، والتعظيم لجلاله ؛ ومع ذلك فكانت حالهم عند المواعظ الفهم عن الله والبكاء خوفا من الله . وكذلك وصف الله تعالى أحوال أهل المعرفة عند سماع ذكره وتلاوة كتابه ، ومن لم يكن كذلك فليس على هديهم ولا على طريقتهم ؛ قال الله تعالى : وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين . فهذا وصف حالهم ، وحكاية مقالهم ؛ فمن كان مستنا فليستن ، ومن تعاطى أحوال المجانين والجنون فهو من أخسهم حالا ؛ والجنون فنون . روى الصحيح عن أنس بن مالك أن الناس سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أحفوه في المسألة ، فخرج ذات يوم فصعد المنبر فقال : سلوني لا تسألوني عن شيء إلا بينته لكم ما دمت في مقامي هذا فلما سمع ذلك القوم أرموا ورهبوا أن يكون بين أمر قد حضر . قال أنس : فجعلت ألتفت يمينا وشمالا فإذا كل إنسان لاف رأسه في ثوبه يبكي . وذكر الحديث . وقد مضى القول في هذه المسألة بأشبع من هذا في سورة ( الأنفال ) والحمد لله .

فهذا من نعت المخبتين; يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وبشّر يا محمد المخبتين الذين تخشع قلوبهم لذكر الله وتخضع من خشيته وجلا من عقابه وخوفا من سخطه.كما:حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد في قوله: ( الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ) قال: لا تقسو قلوبهم.( والصَّابِرينَ عَلى ما أصَابَهُمْ ) من شدّة في أمر الله, ونالهم من مكروه في جنبه ( والمُقِيمي الصَّلاةِ ) المفروضة ( وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ ) من الأموال (يُنْفِقُونَ) في الواجب عليهم إنفاقها فيه, في زكاة ونفقة عيال ومن وجبت عليه نفقته وفي سبيل الله.

الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (35). والمراد من الإنفاق الإنفاق على المحتاجين الضعفاء من المؤمنين لأنّ ذلك هو دأب المخبتين . وأما الإنفاق على الضيف والأصحاب فذلك مما يفعله المتكبرون من العرب كما تقدّم عند قوله تعالى : { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين } [ البقرة : 180 ]. وهو نظير الإنفاق على الندماء في مجالس الشراب . ونظير إتمام الإيسار في مواقع الميسر ، كما قال النّابغة :أني أتمم أيساري وأمنحهم ... مثنَى الأيادي وأكسوا الجفنة الأُدماوالمراد بالصبر : الصبر على ما يصيبهم من الأذى في سبيل الإسلام . وأما الصبر في الحروب وعلى فقد الأحبّة فمما تتشرك فيه النفوس الجلْدة من المتكبرين والمخبتين . وفي كثير من ذلك الصبر فضيلة إسلامية إذا كان تخلقاً بأدب الإسلام قال تعالى : { وبشّر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون } [ البقرة : 155156 ] الآية .
الآية 35 - سورة الحج: (الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون...)