سورة الحاقة: الآية 47 - فما منكم من أحد عنه...

تفسير الآية 47, سورة الحاقة

فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَٰجِزِينَ

الترجمة الإنجليزية

Fama minkum min ahadin AAanhu hajizeena

تفسير الآية 47

ولو ادَّعى محمد علينا شيئًا لم نقله، لانتقمنا وأخذنا منه باليمين، ثم لقطعنا منه نياط قلبه، فلا يقدر أحد منكم أن يحجز عنه عقابنا. إن هذا القرآن لعظة للمتقين الذين يمتثلون أوامر الله ويجتنبون نواهيه.

«فما منكم من أحد» هو اسم ما ومن زائدة لتأكيد النفي ومنكم حال من أحد «عنه حاجزين» مانعين خبر ما وجمع لان أحدا في سياق النفي بمعنى الجمع وضمير عنه للنبي صلى الله عليه وسلم، أي لا مانع لنا عنه من حيث العقاب.

فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ أي: لو أهلكه، ما امتنع هو بنفسه، ولا قدر أحد أن يمنعه من عذاب الله.

وقوله : ( فما منكم من أحد عنه حاجزين ) أي : فما يقدر أحد منكم على أن يحجز بيننا وبينه إذا أردنا به شيئا من ذلك . والمعنى في هذا بل هو صادق بار راشد ; لأن الله ، عز وجل ، مقرر له ما يبلغه عنه ، ومؤيد له بالمعجزات الباهرات والدلالات القاطعات .

ثم بين- سبحانه- أن أحدا لن يستطيع منع عقابه فقال: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ.أى: فما منكم من أحد- أيها المشركون- يستطيع أن يدفع عقابنا عنه، أو يحول بيننا وبين ما نريده، فالضمير في «عنه» يعود إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.قال صاحب الكشاف عند تفسيره لهذه الآيات: التقول: افتعال القول، كأن فيه تكلفا من المفتعل، وسمى الأقوال المتقولة «أقاويل» ، تصغيرا بها وتحقيرا، كقولك: الأعاجيب والأضاحيك، كأنها جمع أفعولة من القول.والمعنى: ولو ادعى علينا شيئا لم نقله لقتلناه صبرا، كما يفعل الملوك بمن يتكذب عليهم.معاجلة بالسخط والانتقام، فصور قتل الصبر بصورته ليكون أهول، وهو أن يؤخذ بيده، وتضرب رقبته.وخص اليمين عن اليسار، لأن القاتل إذا أراد أن يوقع الضرب في قفا المقتول أخذ بيساره، وإذا أراد أن يوقعه في جيده وأن يكفحه بالسيف- وهو أشد على المصبور لنظره إلى السيف- أخذ بيمينه.ومعنى: لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ: لأخذنا بيمينه. كما أن قوله: ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ: لقطعنا وتينه، والوتين: نياط القلب، وهو حبل الوريد، إذا قطع مات صاحبه .وفي هذه الآيات الكريمة أقوى الأدلة على أن هذا القرآن من عند الله- تعالى- لأنه لو كان- كما زعم الزاعمون أنه من تأليف الرسول صلى الله عليه وسلم لما نطق بهذه الألفاظ التي فيها ما فيها من تهديده ووعيده.كما أنها كذلك فيها إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم لم يتقول شيئا.. وإنما بلّغ هذا القرآن عن ربه- عز وجل- دون أن يزيد حرفا أو ينقص حرفا.. لأن حكمة الله- تعالى- قد اقتضت أن يهلك كل من يفترى عليه الكذب، ومن يزعم أن الله- تعالى- أوحى إليه، مع أنه- سبحانه- لم يوح إليه.

. ( فما منكم من أحد عنه حاجزين ) مانعين يحجزوننا عن عقوبته ، والمعنى : أن محمدا لا يتكلف الكذب لأجلكم مع علمه بأنه لو تكلفه لعاقبناه ولا يقدر أحد على دفع عقوبتنا عنه ، وإنما قال : " حاجزين " بالجمع وهو فعل واحد ردا على معناه كقوله : " لا نفرق بين أحد من رسله " ( البقرة - 285 ) .

قوله تعالى : فما منكم من أحد عنه حاجزين " ما " نفي و " أحد " في معنى الجمع ، فلذلك نعته بالجمع ; أي فما منكم قوم يحجزون عنه كقوله تعالى : لا نفرق بين أحد من رسله هذا جمع ، لأن " بين " لا تقع إلا على اثنين فما زاد . قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لم تحل الغنائم لأحد سود الرءوس قبلكم " . لفظه واحد ومعناه الجمع . و " من " زائدة . والحجز : المنع . و " حاجزين " يجوز أن يكون صفة لأحد على المعنى كما ذكرنا ; فيكون في موضع جر . والخبر منكم . ويجوز أن يكون منصوبا على أنه خبر و " منكم " ملغى ، ويكون متعلقا ب " حاجزين " . ولا يمنع الفصل به من انتصاب الخبر في هذا ; كما لم يمتنع الفصل به في " إن فيك زيدا راغب " .

القول في تأويل قوله تعالى : فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)يقول تعالى ذكره: فما منكم أيها الناس من أحد عن محمد لو تقوّل علينا بعض الأقاويل، فأخذنا منه باليمين، ثم لقطعنا منه الوتين، حاجزين يحجزوننا عن عقوبته، وما نفعله به. وقيل: حاجزين، فجمع، وهو فعل لأحد، وأحد في لفظ واحد ردّا على معناه، لأن معناه الجمع، والعرب تجعل أحدا للواحد والاثنين والجمع، كما قيل لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وبين: لا تقع إلا على اثنين فصاعدا.

فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)و { منه } صفة للوتين ، أو متعلق ب ( قطعنا ) ، أي أزلناه منه .وبينَ { منه } الأولى و { منه } الثانية محسِّن الجناس .وأما موقع تفريع قوله : { فما منكم من أحد عنه حاجزين } فهو شديد الاتصال بما استتبعه فرض التقوُّل من تأييسهم من أن يتقول على الله كلاماً لا يسوءَهم ، ففي تلك الحالة من أحوال التَقوُّل لو أخذنَا منه باليمين فقطعنا منه الوتين ، لا يستطيع أحد منكم أو من غيركم أن يحجز عنه ذلك العقاب ، وبدون هذا الاتصال لا يَظهر معنى تعجيزهم عن نصره إذ ليسوا من الولاء له بمظنة نصره ، فمعنى هذه الآية يحوم حول معنى قوله : { وإن كادُوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذن لاتخذوك خليلاً ولولا أن ثبتناك لقد كدتَ تركَنُ إليهم شيئاً قليلاً إذنْ لأذقناك ضِعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً } [ الإسراء : 73 75 ] .والخطاب في قوله : { منكم } للمشركين .وإنما أخبر عن { أحد } وهو مفرد ب { حاجزين } جمعاً لأن { أحد } هنا وإن كان لفظه مفرداً فهو في معنى الجمع لأن { أحد } إذا كان بمعنى ذات أو شخص لا يقع إلاّ في سياق النفي مثل عَريب ، ودَيّار ونحوهما من النكرات التي لا تستعمل إلاّ منفية فيفيد العموم ، أي كل واحد لا يستطيع الحجز عنه ويستوي في لفظه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث قال تعالى : { لا نُفرق بين أحد من رسله }[ البقرة : 285 ] وقال : { لَسْتُنَّ كأحدٍ من النساء } [ الأحزاب : 32 ] .والمعنى : ما منكم أناس يستطيعون الحجز عنه .والحجز : الدفع والحيلولة ، أي لا أحد منكم يحجزنا عنه . والضمير عائد إلى { رسول كريم } [ الحاقة : 40 ] .و { مِن } في قوله : { مِن أحد } مزيدة لتأكيد النفي وللتنصيص على العموم . وذِكر { منكم } مع { عنه } تجنيس محرّف .وهذه الآية دليل على أن الله تعالى لا يُبقي أحداً يدعي أن الله أوحى إليه كلاماً يبلغه إلى الناس ، وأنه يعجل بهلاكه .فأما من يدعي النبوءة دون ادعاء قوللٍ أُوحي إليه ، فإن الله قد يهلكه بعد حين كما كان في أمر الأسود العنسي الذي ادعى النبوءة باليَمن ، ومُسيلمة الحنفي الذي ادعى النبوءة في اليَمامة ، فإنهما لم يأتيا بكلام ينسبانه إلى الله تعالى ، فكان إهلاكهما بعد مدة ، ومثْلهما من ادعَوا النبوءة في الإِسلام مثل ( بَابك ومازيّار ) .وقال الفخر : «قيل : اليمين بمعنى القُوة والقدرة ، والمعنى : لأخذنا منه اليمينَ ، أي سلبنا عنه القوة ، والباء على هذا التقدير صلة زائدة . واعلم أن حاصل هذا أنه لو نسب إلينا قولاً لم نقله لمنعناه عن ذلك : إِما بواسطة إقامة الحجة فإنا نقيض له من يعارضه فيه وحينئذٍ يظهر للناس كذبه فيه فيكون ذلك إبطالاً لدعواه وهدْماً لكلامه ، وإما بأن نسلب عنه القدرة على التكلم بذلك القول ، وهذا هو الواجب في حكمة الله تعالى لئلا يشتبه الصادق بالكاذب» اه . فركّب من تفسير اليمين بمعنى القوة ، أن المراد قوة المتقوِّل لا قوة الله وانتزع من ذلك تأويل الباء على معنى الزيادة ولم يسبقه بهذا التأويل أحد من المفسرين ولا تَبعه فيه مَن بعده فيما رأينا . وفيه نظر ، وقد تبين بما فسرنا به الآية عدم الاحتجاج إلى تأويل الفخر .
الآية 47 - سورة الحاقة: (فما منكم من أحد عنه حاجزين...)