سورة غافر: الآية 9 - وقهم السيئات ۚ ومن تق...

تفسير الآية 9, سورة غافر

وَقِهِمُ ٱلسَّيِّـَٔاتِ ۚ وَمَن تَقِ ٱلسَّيِّـَٔاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُۥ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ

الترجمة الإنجليزية

Waqihimu alssayyiati waman taqi alssayyiati yawmaithin faqad rahimtahu wathalika huwa alfawzu alAAatheemu

تفسير الآية 9

واصرف عنهم سوء عاقبة سيئاتهم، فلا تؤاخذهم بها، ومن تصْرِف عنه السيئات يوم الحساب فقد رحمته، وأنعمت عليه بالنجاة من عذابك، وذلك هو الظَّفَر العظيم الذي لا فوز مثله.

«وقهم السيئات» أي عذابها «ومن تق السيئات يومئذ» يوم القيامة «فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم».

وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ أي: الأعمال السيئة وجزاءها، لأنها تسوء صاحبها. وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ أي: يوم القيامة فَقَدْ رَحِمْتَهُ لأن رحمتك لم تزل مستمرة على العباد، لا يمنعها إلا ذنوب العباد وسيئاتهم، فمن وقيته السيئات وفقته للحسنات وجزائها الحسن. وَذَلِكَ أي: زوال المحذور بوقاية السيئات، وحصول المحبوب بحصول الرحمة، هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ الذي لا فوز مثله، ولا يتنافس المتنافسون بأحسن منه.وقد تضمن هذا الدعاء من الملائكة كمال معرفتهم بربهم، والتوسل إلى الله بأسمائه الحسنى، التي يحب من عباده التوسل بها إليه، والدعاء بما يناسب ما دعوا الله فيه، فلما كان دعاؤهم بحصول الرحمة، وإزالة أثر ما اقتضته النفوس البشرية التي علم الله نقصها واقتضاءها لما اقتضته من المعاصي، ونحو ذلك من المبادئ والأسباب التي قد أحاط الله بها علمًا توسلوا بالرحيم العليم.وتضمن كمال أدبهم مع الله تعالى بإقرارهم بربوبيته لهم الربوبية العامة والخاصة، وأنه ليس لهم من الأمر شيء وإنما دعاؤهم لربهم صدر من فقير بالذات من جميع الوجوه، لا يُدْلِي على ربه بحالة من الأحوال، إن هو إلا فضل الله وكرمه وإحسانه.وتضمن موافقتهم لربهم تمام الموافقة، بمحبة ما يحبه من الأعمال التي هي العبادات التي قاموا بها، واجتهدوا اجتهاد المحبين، ومن العمال الذين هم المؤمنون الذين يحبهم الله تعالى من بين خلقه، فسائر الخلق المكلفين يبغضهم الله إلا المؤمنين منهم، فمن محبة الملائكة لهم دعوا الله، واجتهدوا في صلاح أحوالهم، لأن الدعاء للشخص من أدل الدلائل على محبته، لأنه لا يدعو إلا لمن يحبه.وتضمن ما شرحه الله وفصله من دعائهم بعد قوله: وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا التنبيه اللطيف على كيفية تدبر كتابه، وأن لا يكون المتدبر مقتصرًا على مجرد معنى اللفظ بمفرده، بل ينبغي له أن يتدبر معنى اللفظ، فإذا فهمه فهمًا صحيحًا على وجهه، نظر بعقله إلى ذلك الأمر والطرق الموصلة إليه وما لا يتم إلا به وما يتوقف عليه، وجزم بأن الله أراده، كما يجزم أنه أراد المعنى الخاص، الدال عليه اللفظ.والذي يوجب له الجزم بأن الله أراده أمران:أحدهما: معرفته وجزمه بأنه من توابع المعنى والمتوقف عليه.والثاني: علمه بأن الله بكل شيء عليم، وأن الله أمر عباده بالتدبر والتفكر في كتابه.وقد علم تعالى ما يلزم من تلك المعاني. وهو المخبر بأن كتابه هدى ونور وتبيان لكل شيء، وأنه أفصح الكلام وأجله إيضاحًا، فبذلك يحصل للعبد من العلم العظيم والخير الكثير، بحسب ما وفقه الله له وقد كان في تفسيرنا هذا، كثير من هذا من به الله علينا.وقد يخفى في بعض الآيات مأخذه على غير المتأمل صحيح الفكرة، ونسأله تعالى أن يفتح علينا من خزائن رحمته ما يكون سببًا لصلاح أحوالنا وأحوال المسلمين، فليس لنا إلا التعلق بكرمه، والتوسل بإحسانه، الذي لا نزال نتقلب فيه في كل الآنات، وفي جميع اللحظات، ونسأله من فضله، أن يقينا شر أنفسنا المانع والمعوق لوصول رحمته، إنه الكريم الوهاب، الذي تفضل بالأسباب ومسبباتها.وتضمن ذلك، أن المقارن من زوج وولد وصاحب، يسعد بقرينه، ويكون اتصاله به سببًا لخير يحصل له، خارج عن عمله وسبب عمله كما كانت الملائكة تدعو للمؤمنين ولمن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم، وقد يقال: إنه لا بد من وجود صلاحهم لقوله: وَمَنْ صَلَحَ فحينئذ يكون ذلك من نتيجة عملهم والله أعلم.

( وقهم السيئات ) أي : فعلها أو وبالها ممن وقعت منه ، ( ومن تق السيئات يومئذ ) أي : يوم القيامة ، ( فقد رحمته ) أي : لطفت به ونجيته من العقوبة ، ( وذلك هو الفوز العظيم ) .

وَقِهِمُ يا ربنا السَّيِّئاتِ أى: احفظهم يا ربنا من ارتكاب الأعمال السيئات، ومن العقوبات التي تترتب على ذلك، بأن تتجاوز عن خطاياهم.وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ أى: في يوم القيامة الذي تجازى فيه كل نفس مما كسبت فَقَدْ رَحِمْتَهُ أى: فقد رحمته برحمتك الواسعة من كل سوء.وَذلِكَ الذي تقدم من رحمتهم ومن إدخالهم الجنة، ومن وقايتهم السوء.هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ الذي لا يضارعه فوز، والظفر الكبير الذي لا يقاربه ظفر، والأمل الذي لا مطمع وراءه لطامع.وبذلك نرى هذه الآيات الكريمة، قد أخبرتنا أن الملائكة المقربين يدعون للمؤمنين بما يسعدهم في دنياهم وآخرتهم.وكعادة القرآن الكريم في قرن الترغيب بالترهيب أو العكس: جاء الحديث بعد ذلك عن الكافرين. مبينا انقطاعهم عن كل من يشفع لهم، أو يدعو لهم بخير- كما دعا الملائكة للمؤمنين- فقال- تعالى-:

( وقهم السيئات ) العقوبات ، ( ومن تق السيئات ) أي : ومن تقه السيئات يعني العقوبات ، وقيل : جزاء السيئات ، ( يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم ) .

قوله تعالى : وقهم السيئات قال قتادة : أي : وقهم ما يسوءهم ، وقيل : التقدير وقهم عذاب السيئات ، وهو أمر من : وقاه الله يقيه وقاية بالكسر ، أي : حفظه . ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته أي بدخول الجنةوذلك هو الفوز العظيم أي النجاة الكبيرة .

* القول في تأويل قوله تعالى : وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)يعني تعالى ذكره بقوله مخبرا عن قيل ملائكته: وقِهِم: اصرف عنهم سوء عاقبة سيئاتهم التي كانوا أتوها قبل توبتهم وإنابتهم, يقولون: لا تؤاخذهم بذلك, فتعذبهم به ( وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ ) يقول: ومن تصرف عنه سوء عاقبة سيئاته بذلك يوم القيامة, فقد رحمته, فنجيته من عذابك ( وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) لأنه من نجا من النار وأدخل الجنة فقد فاز, وذلك لا شك هو الفوز العظيم.وبنحو الذي قلنا في معنى السيئات قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة ( وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ ) : أي العذاب .حدثنا ابن بشار, قال: ثنا معمر بن بشير, قال: ثنا ابن المبارك, عن معمر, عن قتادة وعن مطرف قال: وجدنا أنصح العباد للعباد ملائكة وأغش العباد للعباد الشياطين, وتلا الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ... الآية.حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قال: قال مطرف: وجدنا أغشّ عباد الله لعباد الله الشياطين, ووجدنا أنصح عباد الله لعباد الله الملائكة.

وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)بقولهم : { وَقِهِم السيئات } وهو دعاء جامع إذ السيئات هنا جمع سيئة وهي الحالة أو الفعلة التي تسوء من تعلقت به مثل ما في قوله : { فوقاه اللَّه سيئات ما مكروا } [ غافر : 45 ] وقوله تعالى : { وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه } [ الأعراف : 131 ] صيغت على وزن فَيْعَلَة للمبالغة في قيام الوصف بالموصوف مثل قيّم وسيّد وصيقل ، فالمعنى : وقِهِمْ من كل ما يسوءهم .فالتعريف في { السَّيّئَاتِ } للجنس وهو صالح لإِفادة الاستغراق ، فوقوعه في سياق ما هو كالنفي وهو فعل الوقاية يفيد عموم الجنس ، على أن بساط الدعاء يقتضي عموم الجنس ولو بدون لام نفي كقول الحريري: ... يا أهلَ ذا المغنى وُقيتم ضُراوفي الحديث « اللهم أعط منفقاً خَلفاً ، ومُمسكاً تلَفاً » أي كلّ منفق ومُمسك .والمراد : إبلاغ هؤلاء المؤمنين أعلى درجات الرضى والقبول يومَ الجزاء بحيث لا ينالهم العذاب ويكونون في بحبوحة النعيم ولا يعتريهم ما يكدرهم من نحو التوبيخ والفضيحة . وقد جاء هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله : { فوقاهم اللَّه شر ذلك اليوم } [ الإنسان : 11 ] .وجملة { ومن تَققِ السَّيئات يومئذ فقد رحمته } تذييل ، أي وكل من وقي السيئات يوم القيامة فقد نالته رحمة الله ، أي نالته الرحمة كاملة ففعل { رحمته } مراد به تعظيم مصدره .وقد دل على هذا المراد في هذه الآية قوله : { وذلك هُوَ الفَوْزُ العَظِيم } إذ أشير إلى المذكور من وقاية السيئات إشارةً للتنويه والتعظيم . ووصف الفوز بالعظيم لأنه فوز بالنعيم خالصاً من الكدرات التي تنقص حلاوة النعمة .وتنوين { يومئذ } عوض عن المضاف إليه ، أي يوم إذ تدخلهم جنات عدن .
الآية 9 - سورة غافر: (وقهم السيئات ۚ ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته ۚ وذلك هو الفوز العظيم...)