سورة غافر: الآية 20 - والله يقضي بالحق ۖ والذين...

تفسير الآية 20, سورة غافر

وَٱللَّهُ يَقْضِى بِٱلْحَقِّ ۖ وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِۦ لَا يَقْضُونَ بِشَىْءٍ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ

الترجمة الإنجليزية

WaAllahu yaqdee bialhaqqi waallatheena yadAAoona min doonihi la yaqdoona bishayin inna Allaha huwa alssameeAAu albaseeru

تفسير الآية 20

والله سبحانه يقضي بين الناس بالعدل فيما يستحقونه، والذين يُعبدون من دون الله من الآلهة لا يقضون بشيء؛ لعجزهم عن ذلك. إن الله هو السميع لما تنطق به ألسنتكم، البصير بأفعالكم وأعمالكم، وسيجازيكم عليها.

«والله يقضي بالحق والذين يدعون» يعبدون، أي كفار مكة بالياء والتاء «من دونه» وهم الأصنام «لا يقضون بشيءٍ» فكيف يكونون شركاء لله «إن الله هو السميع» لأقوالهم «البصير» بأفعالهم.

وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ لأن قوله حق، وحكمه الشرعي حق، وحكمه الجزائي حق وهو المحيط علمًا وكتابة وحفظا بجميع الأشياء، وهو المنزه عن الظلم والنقص وسائر العيوب، وهو الذي يقضي قضاءه القدري، الذي إذا شاء شيئًا كان وما لم يشأ لم يكن، وهو الذي يقضي بين عباده المؤمنين والكافرين في الدنيا، ويفصل بينهم بفتح ينصر به أولياءه وأحبابه. وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ وهذا شامل لكل ما عبد من دون الله لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ لعجزهم وعدم إرادتهم للخير واستطاعتهم لفعله. إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ لجميع الأصوات، باختلاف اللغات، على تفنن الحاجات. الْبَصِيرُ بما كان وما يكون، وما نبصر وما لا نبصر، وما يعلم العباد وما لا يعلمون.قال في أول هاتين الآيتين وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ ثم وصفها بهذه الأوصاف المقتضية للاستعداد لذلك اليوم العظيم، لاشتمالها على الترغيب والترهيب.

وقوله : ( والله يقضي بالحق ) أي : يحكم بالعدل .وقال الأعمش : عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس [ رضي الله عنهما ] في قوله : ( والله يقضي بالحق ) قادر على أن يجزي بالحسنة الحسنة ، وبالسيئة السيئة ( إن الله هو السميع البصير ) .وهذا الذي فسر به ابن عباس في هذه الآية كقوله تعالى : ( ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ) [ النجم : 31 ] . وقوله : ( والذين يدعون من دونه ) أي : من الأصنام والأوثان والأنداد ، ( لا يقضون بشيء ) أي : لا يملكون شيئا ولا يحكمون بشيء ( إن الله هو السميع البصير ) أي : سميع لأقوال خلقه ، بصير بهم ، فيهدي من يشاء ، ويضل من يشاء ، وهو الحاكم العادل في جميع ذلك .

ثم بين- سبحانه- أن القضاء الحق في هذا اليوم مرده إليه وحده فقال: وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ....أى: والله- تعالى- يقضى بين عباده قضاء ملتبسا بالحق الذي لا يحوم حوله باطل.وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ.. أى: والآلهة الذين يعبدهم الكفار من دون الله- تعالى- لا يقضون بشيء أصلا، لأنهم لا يعلمون شيئا، ولا يقدرون على شيء، وإذا فهم أعجز وأتفه من أن يلتفت إليهم.إِنَّ اللَّهَ- تعالى- هُوَ السَّمِيعُ لكل شيء الْبَصِيرُ بكل شيء، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.

( والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه ) يعني الأوثان ( لا يقضون بشيء ) لأنها لا تعلم شيئا ولا تقدر على شيء ، قرأ نافع وابن عامر : " تدعون " بالتاء ، وقرأ الآخرون بالياء . ( إن الله هو السميع البصير ) .

والله يقضي بالحق أي يجازي من غض بصره عن المحارم ، ومن نظر إليها ، ومن عزم على مواقعة الفواحش إذا قدر عليها . والذين يدعون من دونه يعني الأوثان لا يقضون بشيء لأنها لا تعلم شيئا ولا تقدر عليه ولا تملك . وقراءة العامة بالياء على الخبر عن الظالمين وهي اختيار أبي عبيد وأبي حاتم . وقرأ نافع وشيبة وهشام : " تدعون " بالتاء .إن الله هو السميع البصير هو زائدة فاصلة . ويجوز أن تكون في موضع رفع بالابتداء وما بعدها خبر ، والجملة خبر إن .

( وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ ) يقول: والله تعالى ذكره يقضي في الذي خانته الأعين بنظرها, وأخفته الصدور عند نظر العيون بالحق, فيجزي الذين أغمضوا أبصارهم, وصرفوها عن محارمه حذارَ الموقف بين يديه, ومسألته عنه بالحُسنى, والذين ردّدوا النظر, وعزمت قلوبهم على مواقعة الفواحش إذا قدّرت, جزاءها.وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني عبد الله بن أحمد المَرْوَزِيّ, قال: ثنا عليّ بن حسين بن واقد قال: ثني أبي, قال: ثنا الأعمش, قال: ثنا سعيد بن جبير, عن ابن عباس ( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ ) إذا نظرت إليها تريد الخيانة أم لا( وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ) إذا قدرت عليها أتزني بها أم لا؟ قال: ثم سكت, ثم قال: ألا أخبركم بالتي تليها؟ قلت نعم, قال: ( وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ ) قادر على أن يجزي بالحسنة الحسنة, وبالسيئة السيئة ( إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) قال الحسن: فقلت للأعمش: حدثني الكلبيّ, إلا أنه قال: إن الله قادر على أن يجزي بالسيئة السيئة, وبالحسنة عشرا. وقال الأعمش: إن الذي عند الكلبيّ عندي, ما خرج مني إلا بحقير.حدثني محمد بن عمرو, قال: ثنا أبو عاصم, قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال: ثنا الحسن, قال: ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد ( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ ) قال: نظر الأعين إلى ما نهى الله عنه.حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ( خَائِنَةَ الأعْيُنِ ) : أي يعلم همزه بعينه, وإغماضه فيما لا يحبّ الله ولا يرضاه.وقوله: ( وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ ) يقول: والأوثان والآلهة التي يعبدها هؤلاء المشركون بالله من قومك من دونه لا يقضون بشيء, لأنها لا تعلم شيئا, ولا تقدر على شيء, يقول جلّ ثناؤه لهم: فاعبدوا الذي يقدر على كل شيء, ولا يخفى عليه شيء من أعمالكم, فيجزي محسنكم بالإحسان, والمسيء بالإساءة, لا ما لا يقدر على شيء ولا يعلم شيئا, فيعرف المحسن من المسيء, فيثيب المحسن, ويعاقب المسيء.وقوله: ( إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) يقول: إن الله هو السميع لما تنطق به ألسنتكم أيها الناس, البصير بما تفعلون من الأفعال, محيط بكل ذلك محصيه عليكم, ليجازي جميعكم جزاءه يوم الجزاء.واختلفت القرّاء في قراءة قوله: ( وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ) فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة: " وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ" بالتاء على وجه الخطاب. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة بالياء على وجه الخبر.والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.

وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20)كان مقتضى الظاهر أن يؤتَى بجملة { يقضي بالحق } معطوفة بالواو على جملة { يعلم خائنة الأعين } [ غافر : 19 ] فيقال : ويقضى بالحق ولكن عدل عن ذلك لما في الاسم العلم لله تعالى من الإِشعار بما يقتضيه المسمى به من صفات الكمال التي منها العدل في القضاء ، ونظيره في الإِظهار في مقام الإِضمار قوله تعالى : { أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه } [ الرعد : 41 ] . وليحصل من تقديم المسند إليه على المسند الفعلي تقوِّي المعنى ، ومنه قوله تعالى : { إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون } [ الأنفال : 36 ] أعيد الموصول ولم يؤت بضمير { الذين كفروا } ليُفيد تقديمُ الاسم على الفعل تقوّي الحكم .والجملة من تمام الغرض الذي سيقت إليه جملة { يعلم خائنة الأعين } [ غافر : 19 ] كما تقدم ، وكلتاهما ناظرة إلى قوله : { ما للظالمين من حميم ولا شفيع } [ غافر : 18 ] أي أن ذلك من القضاء بالحق .وأما جملة { والذين تدعون من دونه لا يقضون بشيء } فناظرة إلى جملة { ما للظالمين من حميم ولا شفيع } [ غافر : 18 ] فبعد أن نُفي عن أصنامهم الشفاعة ، نُفيَ عنها القضاءُ بشيء مَّا بالحق أو بالباطل وذلك إظهار لعجزِها . ولا تحْسِبنَّ جملةَ { والذين تدعون من دونه لا يقضون بشيء } مسوقةً ضميمة إلى جملة : { والله يقضي بالحق } ليفيد مجموع الجملتين قصر القضاء بالحق على الله تعالى قَصْرَ قلب ، أي دون الأصنام ، كما أفيد القصر من ضم الجملتين في قول السمَوْأل أو عبد الملك الحارثي: ... تَسيل على حد الظُّبات نفوسناوليست على غير الظُّبات تسيل ... لأن المنفي عن آلهتهم أعمّ من المثبت لله تعالى ، وليس مثل ذلك مما يضاد صيغة القصر لكفى في إفادته تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي بحَمْله على إرادة الاختصاص في قوله : { والله يقضي بالحق } . فالمراد من قوله : { والذين تدعون من دونه لا يقضون بشيء } التذكير بعجز الذين يدعونهم وأنهم غير أهل للإِلهية ، وهذه طريقة في إثبات صفة لموصوف ثم تعقيب ذلك بإظهار نقيضه فيما يُعدّ مساوياً له كما في قول أمية بن أبي الصلت: ... تلك المكارمُ لا قَعْبَاننِ من لَبَنشيباً بماءٍ فصار فيما بعدُ أبوالا ... وإلاَّ لما كان لعطف قوله : لا قَعْباننِ من لبن ، مناسبة .والدعاء يجوز أن يكون بمعنى النداء وأن يكون بمعنى العبادة كما تقدم آنفاً .وجملة { إن الله هو السميع البصير } مقررة لجمل { يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور } إلى قوله : { لا يَقْضُون بشيء } [ غافر : 19 ، 20 ] . فتوسيط ضمير الفصل مفيد للقصر وهو تعريض بأن آلهتهم لا تسمع ولا تبصر فكيف ينسبون إليها الإِلهية ، وإثبات المبالغة في السمع والبصر لله تعالى يُقرر معنى { يَقْضِي بالحق } لأن العالم بكل شيء تتعلق حكمته بإرادة الباطل ولا تخطىء أحكامه بالعثار في الباطل . وتأكيد الجملة بحرف التأكيد تحقيق للقصر . وقد ذكر التفتزاني في «شرح المفتاح» في مبحث ضمير الفصل أن القصر يُؤكَّد .وقرأ نافع وهشام عن ابن عامر { تدعُون بتاء الخطاب على الالتفات من الغيبة إلى الخطاب لقرع أسماع المشركين بذلك . وقرأ الجمهور بياء الغيبة على الظاهر .
الآية 20 - سورة غافر: (والله يقضي بالحق ۖ والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء ۗ إن الله هو السميع البصير...)