سورة البقرة: الآية 54 - وإذ قال موسى لقومه يا...

تفسير الآية 54, سورة البقرة

وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِۦ يَٰقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلْعِجْلَ فَتُوبُوٓا۟ إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَٱقْتُلُوٓا۟ أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ

الترجمة الإنجليزية

Waith qala moosa liqawmihi ya qawmi innakum thalamtum anfusakum biittikhathikumu alAAijla fatooboo ila bariikum faoqtuloo anfusakum thalikum khayrun lakum AAinda bariikum fataba AAalaykum innahu huwa alttawwabu alrraheemu

تفسير الآية 54

واذكروا نعمتنا عليكم حين قال موسى لقومه: إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل إلهًا، فتوبوا إلى خالقكم: بأن يَقْتل بعضكم بعضًا، وهذا خير لكم عند خالقكم من الخلود الأبدي في النار، فامتثلتم ذلك، فمنَّ الله عليكم بقَبول توبتكم. إنه تعالى هو التواب لمن تاب مِن عباده، الرحيم بهم.

«وإذ قال موسى لقومه» الذين عبدوا العجل «يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل» إلهاً «فتوبوا إلى بارئكم» خالقكم من عبادته «فاقتلوا أنفسكم» أي ليقتل البريءُ منكم المجرم «ذلكم» القتل «خير لكم عند بارئكم» فوفقكم لفعل ذلك وأرسل عليكم سحابة سوداء لئلا يبصر بعضكم بعضا فيرحمه حتى قتل منكم نحو سبعين ألفا «فتاب عليكم» قبل توبتكم «أنه هو التواب الرحيم».

تفسير الآيات من 50 الى 55 : ثم ذكر منته عليهم بوعده لموسى أربعين ليلة لينزل عليهم التوراة المتضمنة للنعم العظيمة والمصالح العميمة، ثم إنهم لم يصبروا قبل استكمال الميعاد حتى عبدوا العجل من بعده, أي: ذهابه. وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ عالمون بظلمكم, قد قامت عليكم الحجة, فهو أعظم جرما وأكبر إثما. ثم إنه أمركم بالتوبة على لسان نبيه موسى بأن يقتل بعضكم بعضا فعفا الله عنكم بسبب ذلك لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ الله.

هذه صفة توبته تعالى على بني إسرائيل من عبادة العجل ، قال الحسن البصري ، رحمه الله ، في قوله تعالى : ( وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل ) فقال ذلك حين وقع في قلوبهم من شأن عبادتهم العجل ما وقع حين قال الله تعالى : ( ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا ) الآية [ الأعراف : 149 ] .قال : فذلك حين يقول موسى : ( يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل )وقال أبو العالية ، وسعيد بن جبير ، والربيع بن أنس : ( فتوبوا إلى بارئكم ) أي إلى خالقكم .قلت : وفي قوله هاهنا : ( إلى بارئكم ) تنبيه على عظم جرمهم ، أي : فتوبوا إلى الذي خلقكم وقد عبدتم معه غيره .وروى النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم ، من حديث يزيد بن هارون ، عن الأصبغ بن زيد الوراق عن القاسم بن أبي أيوب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قال الله تعالى : إن توبتهم أن يقتل كل رجل منهم كل من لقي من ولد ووالد فيقتله بالسيف ، ولا يبالي من قتل في ذلك الموطن . فتاب أولئك الذين كانوا خفي على موسى وهارون ما اطلع الله من ذنوبهم ، فاعترفوا بها ، وفعلوا ما أمروا به فغفر الله تعالى للقاتل والمقتول . وهذا قطعة من حديث الفتون ، وسيأتي في تفسير سورة طه بكماله ، إن شاء الله .وقال ابن جرير : حدثني عبد الكريم بن الهيثم ، حدثنا إبراهيم بن بشار ، حدثنا سفيان بن عيينة ، قال : قال أبو سعيد : عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال موسى لقومه : ( فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم ) قال : أمر موسى قومه - من أمر ربه عز وجل - أن يقتلوا أنفسهم قال : واحتبى الذين عبدوا العجل فجلسوا ، وقام الذين لم يعكفوا على العجل ، فأخذوا الخناجر بأيديهم ، وأصابتهم ظلة شديدة ، فجعل يقتل بعضهم بعضا ، فانجلت الظلة عنهم ، وقد أجلوا عن سبعين ألف قتيل ، كل من قتل منهم كانت له توبة ، وكل من بقي كانت له توبة .وقال ابن جريج : أخبرني القاسم بن أبي بزة أنه سمع سعيد بن جبير ومجاهدا يقولان في قوله تعالى : ( فاقتلوا أنفسكم ) قالا قام بعضهم إلى بعض بالخناجر فقتل بعضهم بعضا ، لا يحنو رجل على قريب ولا بعيد ، حتى ألوى موسى بثوبه ، فطرحوا ما بأيديهم ، فكشف عن سبعين ألف قتيل . وإن الله أوحى إلى موسى : أن حسبي ، فقد اكتفيت ، فذلك حين ألوى موسى بثوبه ، [ وروي عن علي رضي الله عنه نحو ذلك ] .وقال قتادة : أمر القوم بشديد من الأمر ، فقاموا يتناحرون بالشفار يقتل بعضهم بعضا ، حتى بلغ الله فيهم نقمته ، فسقطت الشفار من أيديهم ، فأمسك عنهم القتل ، فجعل لحيهم توبة ، وللمقتول شهادة .وقال الحسن البصري : أصابتهم ظلمة حندس ، فقتل بعضهم بعضا [ نقمة ] ثم انكشف عنهم ، فجعل توبتهم في ذلك .وقال السدي في قوله : ( فاقتلوا أنفسكم ) قال : فاجتلد الذين عبدوه والذين لم يعبدوه بالسيوف ، فكان من قتل من الفريقين شهيدا ، حتى كثر القتل ، حتى كادوا أن يهلكوا ، حتى قتل بينهم سبعون ألفا ، وحتى دعا موسى وهارون : ربنا أهلكت بني إسرائيل ، ربنا البقية البقية ،فأمرهم أن يضعوا السلاح وتاب عليهم ، فكان من قتل منهم من الفريقين شهيدا ، ومن بقي مكفرا عنه ؛ فذلك قوله : ( فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم )وقال الزهري : لما أمرت بنو إسرائيل بقتل أنفسها ، برزوا ومعهم موسى ، فاضطربوا بالسيوف ، وتطاعنوا بالخناجر ، وموسى رافع يديه ، حتى إذا أفنوا بعضهم ، قالوا : يا نبي الله ، ادع الله لنا . وأخذوا بعضديه يسندون يديه ، فلم يزل أمرهم على ذلك ، حتى إذا قبل الله توبتهم قبض أيديهم ، بعضهم عن بعض ، فألقوا السلاح ، وحزن موسى وبنو إسرائيل للذي كان من القتل فيهم ، فأوحى الله ، جل ثناؤه ، إلى موسى : ما يحزنك ؟ أما من قتل منكم فحي عندي يرزقون ، وأما من بقي فقد قبلت توبته . فسر بذلك موسى ، وبنو إسرائيل .رواه ابن جرير بإسناد جيد عنه .وقال ابن إسحاق : لما رجع موسى إلى قومه ، وأحرق العجل وذراه في اليم ، خرج إلى ربه بمن اختار من قومه ، فأخذتهم الصاعقة ، ثم بعثوا ، فسأل موسى ربه التوبة لبني إسرائيل من عبادة العجل . فقال : لا إلا أن يقتلوا أنفسهم قال : فبلغني أنهم قالوا لموسى : نصبر لأمر الله . فأمر موسى من لم يكن عبد العجل أن يقتل من عبده . فجلسوا بالأفنية وأصلت عليهم القوم السيوف ، فجعلوا يقتلونهم ، وبكى موسى ، وبهش إليه النساء والصبيان ، يطلبون العفو عنهم ، فتاب الله عليهم ، وعفا عنهم وأمر موسى أن ترفع عنهم السيوف .وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : لما رجع موسى إلى قومه ، وكان سبعون رجلا قد اعتزلوا مع هارون العجل لم يعبدوه . فقال لهم موسى : انطلقوا إلى موعد ربكم . فقالوا : يا موسى ، ما من توبة ؟ قال : بلى ، ( فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم ) الآية ، فاخترطوا السيوف والجرزة والخناجر والسكاكين . قال : وبعث عليهم ضبابة . قال : فجعلوا يتلامسون بالأيدي ، ويقتل بعضهم بعضا . قال : ويلقى الرجل أباه وأخاه فيقتله ولا يدري . قال : ويتنادون [ فيها ] : رحم الله عبدا صبر نفسه حتى يبلغ الله رضاه ، قال : فقتلاهم شهداء ، وتيب على أحيائهم ، ثم قرأ : ( فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم )

ثم ذكرهم - سبحانه - بنعمة جليلة ، وهي إرشادهم إلى ما به يتخلصون من ذنوبهم وإخبارهم بقبول توبتهم ، فقال تعالى :( وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ . . . )المعنى : واذكروا يا بني إسرائيل - لتنتفعوا وتعتبروا - وقت أن قال موسى لقومه الذين عبدوا العجل حين كان يناجي ربه بعيداً عنهم : يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم وهبطتم بها إلى الحضيض بعبادتكم غير الله - تعالى - فإذا أردتم التكفير عن خطاياكم . فتوبوا إلى ربكم توبة صادقة نصوحاً ، واقتلوا أنفسكم لتنالوا عفو ربكم ، فذلكم خير لكم عند خالقكم من الإِقامة على المعصية ، ففعلتم ذلك فقبل الله توبتكم؛ لأنه هو الذي يقبل التوبة عن عباده على كثرة ما يصدر عنهم من ذنوب؛ لأنه هو الواسع الرحمة لمن ينيب إليه ويستقيم على صراطه الواضح .وفي نداء موسى - عليه السلام - لهم بقوله : " يا قوم " تلطف في الخطاب ليجذب قلوبهم إلى سماعه ، وليحملهم على تلقي أوامره بحسن الطاعة ، وليشعرهم بأنهم قومه فهو منهم وهم منه ، والشأن فيمن كان كذلك ألا يكذب عليهم أو يخدعهم ، وإنما يريد لهم الخير .والبارئ هو الخالق للمخلوقات بدون تفاوت أو اضطراب ، فهو أخص من الخالق ، ولذا قال تعالى : ( هُوَ الله الخالق البارىء المصور ) وفي هذا التعبير الحكيم ، تحريض لهم على التوبة والاستجابة للبارئ الذي أحسن كل شيء خلقه ، وفيه أيضاً تقريع لهم على غباوتهم ، حيث تركوا عبادة بديع السموات والأرض ، وعبدوا عجلا ضرب به المثل في الغباوة فقالوا " أبلد من ثور " فكأنه - سبحانه - يقول لهم : لقد اتخذتم هذا العجل إلهاً لتشابهكم معه في البلادة وضيق الأفق .قال صاحب الكشاف : " فإن قلت : من أين اختص هذا الموضع بذكر البارئ؟ قلت : البارئ هو الذي خلق الخلق بريئاً من التفاوت ( مَّا ترى فِي خَلْقِ الرحمن مِن تَفَاوُتٍ ) ومتميزاً بعضه عن بعض بالأشكال المختلفة والصور المتباينة ، فكان فيه تقريع بما ان منهم من ترك عبادة العالم الحكيم الذي برأهم بلطف وحكمته على الأشكال المختلفة ، أبرياء من التفاوت والتنافر إلى عبادة البقر التي هي مثل في البعاوة والبلادة ، حتى عرضوا أنفسهم لسخط الله ونزول أمره بأن يفك ما ركبه من خلقهم ، ونثر ما نظم من صورهم وأشكالهم ، حين لم يشكروا النعمة في ذلك ، وغمطوها بعبادة ما لا يقدر على شيء منها " اه .وقوله تعالى : ( فاقتلوا أَنفُسَكُمْ ) أمر من موسى - عليه السلام - لهم بقتلهم أنفسهم حتى تكون توبتهم مقبولة ، وهذا الأمر بلغه موسى إياهم عن ربه ، إذ مثل هذا الأمر لا يصدر إلا عن وحي لأنه تشريع من الله - تعالى - .والمراد بقتلهم أنفسهم أن يقتل من لم يعبد العجل منهم عابديه ، فيكون المعنى : ليقتل بعضكم بعضاً ، كما في قوله تعالى : ( فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ على أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ الله مُبَارَكَةً طَيِّبَةً )أي فليسلم بعضكم على بعض .وقيل : المراد أن يقتل كل من عبد العجل نفسه قتلا حقيقياً حتى يكفر عن ردته بعبادته لغير الله ، وقد ورد أنهم فعلوا ذلك ، وأن الله - تعالى - رفع عنهم القتل وعفا عمن بقي منهم على قيد الحياة كرما منه وفضلا ، وهذا هو معنى التوبة في قوله تعالى ( فَتَابَ عَلَيْكُمْ ) ، ومعنى العفو في قوله تعالى : في الآية السابقة ( ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) وقد ساق ابن كثير وغيره من المفسرين كثيراً من الآثار التي تحدثت عن كيفية حصول هذا القتل ، من ذلك ما رواه سعيد بن جبير عن ابن عياس ، أنه قال : " قال تعالى لموسى : إن توبة عبدة العجل أن يقتل كل واحد منهم من لقي من والد وولد فيقتله بالسيف ولا يبالي من قتل في ذلك الموطن فتاب أولئك الذين كانوا خفى على موسى وهارون ، ما اطلع الله على ذنوبهم فاعترفوا بها . وفعلوا ما أمروا به ، فغفر الله للقاتل والمقتول " .وأخرج ابن جرير عن ابن شهاب الزهري أنه قال : " لما أمر بنو إسرائيل بقتل أنفسهم برزوا ومعهم موسى ، فتضاربوا بالسيوف ، وتطاعنوا بالخناجر وموسى رافع يديه ، حتى إذا فتروا أتاه بعضهم ، فقال له : يا نبي الله ادع الله لنا ، وأخذوا بعضديه يشدون يديه . فلم يزل أمرهم على ذلك حتى إذا قبل الله توبتهم قبض أيدي بعضهم عن بعض ، فألقوا السلاح ، وحزن موسى وبنو إسرائيل للذي كان من القتل فيهم ، فأوحى الله - جل ثناؤه - إلى موسى ( لاَ تَحْزَنْ ) أما من قتل فحى عندي يرزق ، وأما من بقي ، فقد قبلت توبته ، فسر بذلك موسى وبنو إسرائيل " .وجملة ( ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ ) تعليله ، جيء بها لتحريضهم على الامتثال والطاعة لما أمرهم به نبيهم - عليه السلام - واسم الإِشارة ( ذَلِكُمْ ) يعود إلى التوبة والقتل المفهومين مما تقدم .وجملة ( فَتَابَ عَلَيْكُمْ ) جواب لشرط محذوف للإِيجار ، أي فامتثلتم ما أمرتم به ، فقيل الباري توبتكم ، وهي خطاب من الله - تعالى - لبني إسرائيل على لسان موسى ، فيه تذكير بنعمته ، وإرشاد لهم إلى موطن المنة والفضل وهو قبول توبتهم .وعطفت هذه الجملة ( فَتَابَ عَلَيْكُمْ ) جواب لشرط محذوف للإِيجار ، أي فامتثلتم ما أمرتم به ، فقيل الباري توبتكم ، وهي خطاب من الله - تعالى - لبني إسرائيل على لسان موسى ، فيه تذكير بنعمته ، وإرشاد لهم إلى موطن المنة والفضل وهو قبول توبتهم .وعطفت هذه الجملة ( فَتَابَ عَلَيْكُمْ ) بالفاء ، لإِشعارهم بأنه - سبحانه - لم يتركهم ليستأصلوا أنفسهم جميعاً بالقتل ، بل تداركهم بلطفه ورحمته ، فقبل توبتهم ، ورفع عقوبة القتل عمن بقي منهم .وقوله تعالى : ( إِنَّهُ هُوَ التواب الرحيم ) إخبار وثناء على الله - تعالى - بما هو أهثله من عفو ورحمة .وأكدها - سبحانه - بتنزيلهم منزلة من يشك في قبول توبته ، لعظم جريمتهم وضخامة خطيئتهم وسيرهم إلى أمد بعيد في طريق الشيطان .وهذه الآية الكريمة قد تضمنت نعمة كبرى على بني إسرائيل فإن الله - تعالى - لطف بهم ، ورحمهم ، وقبل توبتهم ، وعفا عن قتلهم أنفسهم ، بعد أن صدر منهم ما يدل على صدقهم في توبتهم ، كما تضمنت - أيضاً - تذكير بني إسرائيل المعاصرين للعهد النبوي بنعم الله عليهم ، لأنه لولا عفوه - سبحانه - عن آبائهم لما وجدوا هم ، وفيها - كذلك - إشارة إلى سماحة الشريعة التي أتى بها محمد صلى الله عليه وسلم وإغراء لليهود المعاصرين له بالدخول في الإِسلام لأنه إذا كان آباؤهم لم تقبل توبتهم إلا بقتلهم أنفسهم فإن شريعة الإِسلام تقول لهم : لقد جاءكم النبي الذي رفع عنكم إصركم والأغلال التي كانت على أسلافكم ، فآمنوا به واتبعوه لعلكم ترحمون .سابعاً : نعمة بعثهم من بعد موتهم :

وإذ قال موسى لقومه الذين عبدوا العجل.يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم ضررتم بأنفسكم.باتخاذكم العجل إلهاً قالوا: فأي شيء نصنع؟ قال:فتوبوا فارجعواإلى بارئكم خالقكم. قالوا: كيف نتوب؟ قال:فاقتلوا أنفسكم يعني ليقتل البريء منكم المجرم.ذلكم أي القتل.خير لكم عند بارئكم فلما أمرهم موسى بالقتل قالوا: نصبر لأمر الله فجلسوا بالأفنية محتبين وقيل لهم: من مد حبوته أو مد طرفه إلى قاتله أو اتقاه بيد أو رجل فهو ملعون مردودة توبته، وأصلت القوم عليهم الخناجر، فكان الرجل يرى ابنه وأباه وأخاه وقريبه وصديقه وجاره فلم يمكنهم المضي لأمر الله تعالى، قالوا: يا موسى كيف نفعل؟ فأرسل الله تعالى عليهم ضبابة وسحابة سوداء لا يبصر بعضهم بعضاً فكانوا يقتلونهم إلى المساء، فلما كثر القتل دعا موسى وهارون عليهما السلام وبكيا وتضرعا وقالا: يارب هلكت بنو إسرائيل، البقية البقية، فكشف الله تعالى السحابة وأمرهم أن يكفوا عن القتل فتكشفت عن ألوف من القتلى.روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: "كان عدد القتلى سبعين ألفاً فاشتد ذلك على موسى فأوحى الله تعالى إليه: أما يرضيك أن أدخل القاتل والمقتول في الجنة، فكان من قتل شهيداً، ومن بقي مكفراً عنه ذنوبه، فذلك قوله تعالى:فتاب عليكم أي ففعلتم ما أمرتم به فتاب عليكم فتجاوز عنكم.إنه هو التواب القابل التوبة.الرحيم بخلقه.

قوله تعالى : وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيمقوله تعالى : وإذ قال موسى لقومه القوم الجماعة الرجال دون النساء قال الله تعالى لا يسخر قوم من قوم ثم قال ولا نساء من نساء وقال زهير :وما أدري وسوف إخال أدري أقوم آل حصن أم نساءوقال تعالى ولوطا إذ قال لقومه أراد الرجال دون النساء وقد يقع القوم على الرجال والنساء قال الله تعالى إنا أرسلنا نوحا إلى قومه وكذا كل نبي مرسل إلى النساء والرجال جميعاقوله تعالى : يا قوممنادى مضاف وحذفت الياء في يا قوم ؛ لأنه موضع حذف والكسرة تدل عليها ، وهي بمنزلة التنوين فحذفتها كما تحذف التنوين من المفرد ويجوز في غير القرآن إثباتها ساكنة فتقول يا قومي ؛ لأنها اسم وهي في موضع خفض وإن شئت فتحتها وإن شئت ألحقت معها هاء فقلت يا قوميه وإن شئت أبدلت منها ألفا ؛ لأنها أخف فقلت يا قوما وإن شئت قلت يا قوم بمعنى يا أيها القوم وإن جعلتهم نكرة نصبت ونونت وواحد القوم امرؤ على غير اللفظ وتقول قوم وأقوام وأقاوم جمع الجمع والمراد هنا بالقوم عبدة العجل وكانت مخاطبته عليه السلام لهم بأمر من الله تعالى .قوله تعالى : إنكم ظلمتم أنفسكم استغنى بالجمع القليل عن الكثير ، والكثير نفوس وقد يوضع الجمع الكثير موضع جمع القلة والقليل موضع الكثرة قال الله تعالى ثلاثة قروء وقال وفيها ما تشتهيه الأنفس ويقال لكل من فعل فعلا يعود عليه ضرره إنما أسأت إلى نفسك ، وأصل الظلم وضع الشيء في غير موضعه . ثم قال تعالى : باتخاذكم العجل قال بعض أرباب المعاني عجل كل إنسان نفسه فمن أسقطه وخالف مراده فقد برئ من ظلمه والصحيح أنه هنا عجل على الحقيقة عبدوه كما نطق به التنزيل والحمد للهقوله تعالى : فتوبوا إلى بارئكم لما قال لهم فتوبوا إلى بارئكم قالوا كيف ؟ قال فاقتلوا أنفسكم قال أرباب الخواطر ذللوها بالطاعات وكفوها عن الشهوات والصحيح أنه قتل على الحقيقة هنا ، والقتل إماتة الحركة وقتلت الخمر كسرت شدتها بالماء قال سفيان بن عيينة التوبة نعمة من الله أنعم الله بها على هذه الأمة دون غيرها من الأمم وكانت توبة بني إسرائيل القتل وأجمعوا على أنه لم يؤمر كل واحد من عبدة العجل بأن يقتل نفسه بيده قال الزهري لما قيل لهم فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم قاموا صفين وقتل بعضهم بعضا حتى قيل لهم كفوا فكان ذلك شهادة للمقتول وتوبة للحي على ما تقدم ، وقال بعض المفسرين : أرسل الله عليهم ظلاما ففعلوا ذلك وقيل : وقف الذين عبدوا العجل صفا ودخل الذين لم يعبدوه عليهم بالسلاح فقتلوهم وقيل قام السبعون الذين كانوا مع موسى فقتلوا - إذ لم يعبدوا العجل - من عبد العجل . ويروى أن يوشع بن نون خرج عليهم وهم محتبون فقال ملعون من حل حبوته أو مد طرفه إلى قاتله أو اتقاه بيد أو رجل فما حل أحد منهم حبوته حتى قتل منهم يعني من قتل ، وأقبل الرجل يقتل من يليه . ذكره النحاس وغيره ، وإنما عوقب الذين لم يعبدوا العجل بقتل أنفسهم على القول الأول ; لأنهم لم يغيروا المنكر حين عبدوه ، وإنما اعتزلوا وكان الواجب عليهم أن يقاتلوا من عبده ، وهذه سنة الله في عباده إذا فشا المنكر ، ولم يغير عوقب الجميع روى جرير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أعز منهم وأمنع لا يغيرون إلا عمهم الله بعقاب أخرجه ابن ماجه في سننه ، وسيأتي الكلام في هذا المعنى إن شاء الله تعالى فلما استحر فيهم القتل ، وبلغ سبعين ألفا عفا الله عنهم قاله ابن عباس وعلي رضي الله عنهما ، وإنما رفع الله عنهم القتل ؛ لأنهم أعطوا المجهود في قتل أنفسهم فما أنعم الله على هذه الأمة نعمة بعد الإسلام هي أفضل من التوبة ، وقرأ قتادة " فأقيلوا أنفسكم " من الإقالة أي استقبلوها من العثرة بالقتل .وله تعالى : بارئكم البارئ الخالق وبينهما فرق ، وذلك أن البارئ هو المبدع المحدث والخالق هو المقدر الناقل من حال إلى حال والبرية الخلق ، وهي فعيلة بمعنى مفعولة غير أنها لا تهمز وقرأ أبو عمرو " بارئكم " بسكون الهمزة ويشعركم وينصركم ويأمركم واختلف النحاة في هذا فمنهم من يسكن الضمة والكسرة في الوصل ، وذلك في الشعر وقال أبو العباس المبرد : لا يجوز التسكين مع توالي الحركات في حرف الإعراب في كلام ولا شعر وقراءة أبي عمرو لحن قال النحاس وغيره : وقد أجاز ذلك النحويون القدماء الأئمة وأنشدواإذا اعوججن قلت صاحب قوم بالدو أمثال السفين العوموقال امرؤ القيسفاليوم أشرب غير مستحقب إثما من الله ولا واغلوقال آخرقالت سليمى اشتر لنا سويقاوقال الآخررحت وفي رجليك ما فيهما وقد بدا هنك من المئزرفمن أنكر التسكين في حرف الإعراب فحجته أن ذلك لا يجوز من حيث كان علما للإعراب . قال أبو علي : وأما حركة البناء فلم يختلف النحاة في جواز تسكينها مع توالي الحركات ، وأصل برأ من تبرى الشيء من الشيء ، وهو انفصاله منه فالخلق قد فصلوا من العدم إلى الوجود ومنه برأت من المرض برءا ( بالفتح ) كذا يقول أهل الحجاز وغيرهم يقول برئت من المرض برءا ( بالضم ) وبرئت منك ومن الديون والعيوب براءة ومنه المبارأة للمرأة . وقد بارأ شريكه وامرأتهقوله تعالى : فتاب عليكم في الكلام حذف تقديره ففعلتم فتاب عليكم أي فتجاوز عنكم أي على الباقين منكم .إنه هو التواب الرحيم تقدم معناه ، والحمد لله .

القول في تأويل قوله تعالى ذكره وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54)وتأويل ذلك: اذكروا أيضا إذ قال موسى لقومه من بني إسرائيل: يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم . وظلمهم إياها، كان فعلَهم بها ما لم يكن لهم أن يفعلوه بها، مما أوجب لهم العقوبة من الله تعالى. وكذلك كل فاعل فعلا يستوجب به العقوبة من الله تعالى فهو ظالم لنفسه بإيجابه العقوبة لها من الله تعالى . وكان الفعل الذي فعلوه فظلموا به أنفسهم , هو ما أخبر الله عنهم: من ارتدادهم باتخاذهم العجل ربا بعد فراق موسى إياهم.ثم أمرهم موسى بالمراجعة من ذنبهم، والإنابة إلى الله من ردتهم، بالتوبة إليه , والتسليم لطاعته فيما أمرهم به. وأخبرهم أن توبتهم من الذنب الذي ركبوه قتلهم أنفسهم .* * *وقد دللنا فيما مضى على أن معنى " التوبة ": الأوبة مما يكرهه الله إلى ما يرضاه من طاعته. (120)* * *فاستجاب القوم لما أمرهم به موسى من التوبة مما ركبوا من ذنوبهم إلى ربهم، على ما أمرهم به، كما:-934 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة بن الحجاج , عن أبي إسحاق , عن أبي عبد الرحمن أنه قال في هذه الآية: (فاقتلوا أنفسكم) قال: عمدوا إلى الخناجر , فجعل يطعن بعضهم بعضا.935 - حدثني عباس بن محمد قال، حدثنا حجاج بن محمد، قال ابن جريج , أخبرني القاسم بن أبي بزة أنه سمع سعيد بن جبير ومجاهدا قالا قام بعضهم إلى بعض بالخناجر يقتل بعضهم بعضا لا يحن رجل على رجل قريب ولا بعيد , (121) حتى ألوى موسى بثوبه , (122) فطرحوا ما بأيديهم , فتكشف عن سبعين ألف قتيل. وإن الله أوحى إلى موسى: أن حسبي فقد اكتفيت ! فذلك حين ألوى بثوبه . (123)936 - حدثني عبد الكريم بن الهيثم قال، حدثنا إبراهيم بن بشار قال، حدثنا سفيان بن عيينة قال، قال أبو سعيد , عن عكرمة , عن ابن عباس قال: قال موسى لقومه: (توبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم). قال: أمر موسى قومه عن أمر ربه عز وجل - أن يقتلوا أنفسهم , قال: فاحتبى الذين عكفوا على العجل فجلسوا , (124) &; 2-74 &; وقام الذين لم يعكفوا على العجل، وأخذوا الخناجر بأيديهم، وأصابتهم ظلمة شديدة , فجعل يقتل بعضهم بعضا، فانجلت الظلمة عنهم وقد أجلوا عن سبعين ألف قتيل , (125) كل من قتل منهم كانت له توبة , وكل من بقي كانت له توبة.937 - وحدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط , عن السدي قال: لما رجع موسى إلى قومه قال: يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا إلى قوله: فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ [ طه: 86-87]. فألقى موسى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي [ طه: 94]. فترك هارون ومال إلى السامري , ف قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ إلى قوله: ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا [ طه: 95-97] ثم أخذه فذبحه , ثم حرقه بالمبرد , (126) ثم ذراه في اليم , فلم يبق بحر يجري يومئذ إلا وقع فيه شيء منه . ثم قال لهم موسى: اشربوا منه . فشربوا , فمن كان يحبه خرج على شاربيه الذهب . فذلك حين يقول: وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ [ البقرة: 93] . فلما سقط في أيدي بني إسرائيل حين جاء موسى , ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا: لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ . فأبى الله أن يقبل توبة بني إسرائيل، إلا بالحال التي كرهوا أن يقاتلهم حين عبدوا العجل , (127) فقال لهم موسى: (يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم). قال: فصفوا صفين، ثم اجتلدوا بالسيوف . فاجتلد الذين عبدوه &; 2-75 &; والذين لم يعبدوه بالسيوف , فكان من قتل من الفريقين شهيدا , حتى كثر القتل، حتى كادوا أن يهلكوا حتى قتل بينهم سبعون ألفا , وحتى دعا موسى وهارون (128) ربنا هلكت بنو إسرائيل! ربنا البقية البقية! (129) ! فأمرهم أن يضعوا السلاح , وتاب عليهم . فكان من قتل شهيدا , ومن بقي كان مكفرا عنه . فذلك قوله: (فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم). (130)938 - حدثني محمد بن عمرو الباهلي قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى , عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد في قول الله تعالى: (باتخاذكم العجل)، قال: كان موسى أمر قومه - عن أمر ربه - أن يقتل بعضهم بعضا بالخناجر, فجعل الرجل يقتل أباه ويقتل ولده , فتاب الله عليهم.939 - وحدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " باتخاذكم العجل " ، قال : كان أمر موسى قومه - عن أمر ربه - أن يقتل بعضهم بعضا، ولا يقتل الرجل أباه ولا أخاه. فبلغ ذلك في ساعة من نهار سبعين ألفا. (131)940 - وحدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر , عن الربيع , عن أبي العالية في قوله: (وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم) الآية ، قال: فصاروا صفين, فجعل يقتل بعضهم بعضا, فبلغ القتلى ما شاء الله , ثم قيل لهم: قد تيب على القاتل والمقتول.941 - حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني عقيل , عن ابن شهاب قال، لما أمرت بنو إسرائيل بقتل أنفسها، برزوا &; 2-76 &; ومعهم موسى , فاضطربوا بالسيوف, (132) وتطاعنوا بالخناجر , وموسى رافع يديه . حتى إذا فتر، أتاه بعضهم فقالوا: يا نبي الله ادع الله لنا. وأخذوا بعضديه يسندون يديه . (133) فلم يزل أمرهم على ذلك، حتى إذا قبل الله توبتهم قبض أيدي بعضهم عن بعض, فألقوا السلاح. وحزن موسى وبنو إسرائيل للذي كان من القتل فيهم, فأوحى الله جل ثناؤه إلى موسى: ما يحزنك؟, (134) أما من قتل منكم، فحي عندي يرزق؛ وأما من بقي، فقد قبلت توبته! فبشر بذلك موسى بني إسرائيل (135) .942 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن الزهري وقتادة في قوله: (فاقتلوا أنفسكم)، قال: قاموا صفين يقتل بعضهم بعضا، (136) حتى قيل لهم كُفوا. قال قتادة: كانت شهادة للمقتول وتوبة للحي.943 - حدثنا القاسم بن الحسن قال، حدثنا الحسين بن داود قال، حدثني حجاج , عن ابن جريج قال، قال لي عطاء: سمعت عبيد بن عمير يقول: قام بعضهم إلى بعض، يقتل بعضهم بعضا, ما يترابأ الرجل أخاه ولا أباه ولا ابنه ولا أحدا حتى نزلت التوبة. (137)قال ابن جريج, وقال ابن عباس: بلغ قتلاهم سبعين ألفا, ثم رفع الله عز وجل عنهم القتل, وتاب عليهم. قال ابن جريج: قاموا صفين فاقتتلوا بينهم, فجعل الله القتل لمن قتل منهم شهادة , وكانت توبة لمن بقي . وكان قتل بعضهم بعضا أن الله علم أن ناسا منهم علموا أن العجل باطل، فلم يمنعهم أن ينكروا عليهم إلا مخافة القتال , فلذلك أمر أن يقتل بعضهم بعضا .944 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة , عن ابن إسحاق قال: لما رجع موسى إلى قومه , وأحرق العجل وذراه في اليم، (138) وخرج إلى ربه بمن اختار من قومه , فأخذتهم الصاعقة , ثم بعثوا - سأل موسى ربه التوبة لبني إسرائيل من عبادة العجل , فقال: لا إلا أن يقتلوا أنفسهم . قال: فبلغني أنهم قالوا لموسى: نصبر لأمر الله! فأمر موسى من لم يكن عبد العجل أن يقتل من عبده. فجلسوا بالأفنية، وأَصْلَتَ عليهم القوم السيوف , (139) فجعلوا يقتلونهم. وبكى موسى، وبهش إليه النساء والصبيان يطلبون العفو عنهم , (140) فتاب عليهم وعفا عنهم , وأمر موسى أن ترفع عنهم السيوف . (141)945 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: لما رجع موسى إلى قومه , وكان سبعون رجلا قد اعتزلوا مع هارون العجل لم يعبدوه، فقال لهم موسى: انطلقوا إلى موعد ربكم . فقالوا: يا موسى، أما من توبة؟ قال: بلى!(اقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم) &; 2-78 &; الآية . فاخترطوا السيوف والجِرَزَة والخناجر والسكاكين . (142) قال: وبعث عليهم ضبابة , قال: فجعلوا يتلامسون بالأيدي , ويقتل بعضهم بعضا. قال: ويلقى الرجل أباه وأخاه فيقتله ولا يدري , ويتنادون فيها: رحم الله عبدا صبر نفسه حتى يبلغ الله رضاه . (143) وقرأ قول الله جل ثناؤه: وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الآيَاتِ مَا فِيهِ بَلاءٌ مُبِينٌ [ الدخان: 33]. قال: فقتلاهم شهداء , وتيب على أحيائهم، وقرأ: (فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم) . (144) .* * *فالذي ذكرنا -عمن روينا عنه الأخبار التي رويناها- كان توبة القوم من الذنب الذي أتوه فيما بينهم وبين ربهم، بعبادتهم العجل مع ندمهم على ما سلف منهم من ذلك.* * *وأما معنى قوله: (فتوبوا إلى بارئكم)، فإنه يعني به: ارجعوا إلى طاعة خالقكم، وإلى ما يرضيه عنكم، كما: -946 - حدثني به المثنى بن إبراهيم قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر , عن الربيع , عن أبي العالية: (فتوبوا إلى بارئكم)، أي: إلى خالقكم.* * *وهو من " برأ الله الخلق يبرؤه فهو بارئ" . و " البرية ": الخلق. وهي" فعيلة " بمعنى " مفعولة " , غير أنها لا تهمز. كما لا يهمز " ملك " وهو من " لأك " , لكنه جرى بترك الهمزة كذلك (145) قال نابغة بني ذبيان:إلا سليمان إذ قال المليك لهقم في البرية فاحدُدْها عن الفَنَد (146)وقد قيل: إن " البرية " إنما لم تهمز لأنها " فعيلة " من " البَرَى " , والبَرَى: التراب . فكأن تأويله على قول من تأوله كذلك أنه مخلوق من التراب.* * *وقال بعضهم: إنما أخذت " البرية " من قولك " بريت العود ". فلذلك لم يهمز .* * *قال أبو جعفر: وترك الهمز من " بارئكم " جائز , والإبدال منها جائز. فإذ كان ذلك جائزا في" باريكم " فغير مستنكر أن تكون " البرية " من: " برى الله الخلق " بترك الهمزة.* * *وأما قوله: (ذلكم خير لكم عند بارئكم)، فإنه يعني بذلك: توبتكم بقتلكم أنفسكم وطاعتكم ربكم، خير لكم عند بارئكم، لأنكم تنجون بذلك من عقاب الله في الآخرة على ذنبكم, وتستوجبون به الثواب منه.* * *وقوله: (فتاب عليكم)، أي: بما فعلتم مما أمركم به من قتل بعضكم بعضا. وهذا من المحذوف الذي استغني بالظاهر منه عن المتروك . لأن معنى الكلام: فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم , ذلكم خير لكم عند بارئكم , فتبتم، فتاب عليكم. فترك ذكر قوله: " فتبتم "، إذ كان في قوله: (فتاب عليكم) دلالة بينة على اقتضاء الكلام " فتبتم ".* * *ويعني بقوله: (فتاب عيكم) رَجَعَ لكم ربكم إلى ما أحببتم: من العفو عن ذنوبكم وعظيم ما ركبتم , والصفح عن جرمكم، (إنه هو التواب الرحيم) يعني: الراجع لمن أناب إليه بطاعته إلى ما يحب من العفو عنه. ويعني ب " الرحيم "، العائد إليه برحمته المنجية من عقوبته.-----------------الهوامش :(120) انظر ما سلف 1 : 547 .(121) حن عليه : عطف عليه . وفي ابن كثير 1 : 169"لا يحنو" ، وهو مثله في المعنى .(122) ألوى بثوبه : لمع به أشار . يأمرهم موسى بالكف عما هم فيه .(123) في المطبوعة : "قد اكتفيت ، فذلك حين ألوى . . . " وفي المخطوطة"بذلك" ، واخترت ما نقله ابن كثير 1 : 169 .(124) في المخطوطة : "فاختبأ الذي عكفوا . . . " ، وفي ابن كثير 1 : 169"فأخبر" ، وهو خطأ محض . واحتبى بثوبه : ضم رجليه إلى يطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره ، يشده عليها ، وقد يكون الاحتباء باليدين عوض الثوب . وانظر البغوي 1 : 169 ، فهو دال على صواب ما استظهرته في قراءة الكلمة .(125) أجلى عن كذا : انكشف عنه .(126) حرق الحديد بالمبرد حرقا ، وحرقه (بتشديد الراء) : برده وحك بعضه ببعض . وكذلك جاء عن ابن إسحاق في تاريخ الطبري 1 : 220 قال : "سمعت بعض أهل العلم يقول : إنما كان إحراقه سحلة" . والسحل : السحق والحك بالمبرد .(127) في المطبوعة : "أن يقاتلوهم" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وتاريخ الطبري .(128) في المخطوطة والمطبوعة : " وحتى دعا موسى" ، وأثبت ما في التاريخ بحذف واو العطف .(129) البقية : الإبقاء عليهم ، يدعوان ربهما أن يبقى بقية ، فلا يستأصلهم بقتل أنفسهم .(130) الأثر : 937 - في تاريخ الطبري 1 : 219 .(131) الأثر : 939 - سقط هذا الأثر كله من المطبوعة .(132) في المطبوعة : "فتضاربوا" وأثبت ما في المخطوطة وابن كثير 1 : 170 . وتضارب الرجلان بسيفيهما واضطربا : تجالدا بالسيف ، بمعنى واحد .(133) في المطبوعة : "يشدون" ، والصواب من المخطوطة وابن كثير . يريد : يسندون يديه وموسى رافع يديه يدعو الله .(134) في المطبوعة : "لا يحزنك" ، والصواب من المخطوطة وابن كثير .(135) في المطبوعة وابن كثير : "فسر بذلك موسى وبنو إسرائيل" .(136) في المطبوعة : " فقتل بعضهم بعضا : ، ليست بشيء .(137) في المطبوعة"ما يتوقى الرجل" ، وفي المخطوطة"ما يترانا" . ورابأت فلانا : اتقيته واتقاني ومن مادته : "أربأ بك عن كذا" . أي أرفعك عنه ولا أرضاه لك . ويقال : "ما عبأت به ولا ربأت" : أي ما باليت به ولا حفلت . فقوله : "ما يترابأ" أي ما يبالي الرجل أن يقتل أخاه .(138) في صدر هذا الخبر من التاريخ 1 : 220 أن إحراق العجل : سحله ، كما مضى في ص : 70 تعليق : 1 .(139) في المطبوعة : "وسلت القوم عليهم السيوف" . وأثبت ما في تاريخ الطبري وابن كثير 1 : 170 وأصلت السيف : جرده من غمده .(140) بهش إليه : أقبل عليه وأسرع إليه ، وتهيأ للبكاء .(141) الأثر 944 - في تاريخ الطبري 1 : 221 ، وابن كثير 1 : 170 ، وفي التاريخ وحده : "أن يرفع عنهم السيف" .هذا ، وفي النسخة المخطوطة التي اعتمدناها ، خرم من عند قوله في هذا الأثر : "سأل ربه التوبة لبني إسرائيل من عبادة" - إلى أن يأتي قوله : " القول في تأويل قوله تعالى : "ثم بعثناكم من بعد موتكم" . وهو أول المجلد الثاني من هذه النسخة ، وتدل وثيقة الوقف التي كتبت على ظهر هذا المجلد ، أن هذه النسخة مجزأة في اثنين وعشرين جزءا .(142) اخترط السيف : سله . والجرزة (بكسر الجيم وفتح الزاي) جمع جرز (بضم فسكون) ، وهو عمود من الحديد ، سلاح يقاتل به .(143) في المطبوعة : "صبر حتى يبلغ" بحذف"نفسه" . والزيادة من ابن كثير 1 : 170(144) الأثر : 945 - في ابن كثير 1 : 170(145) انظر ما مضى 1 : 444 - 447 .(146) ديوانه : 29 ، من قصيدته التي قالها يذكر النعمان ويعتذر إليه ، وقبل البيت :ولا أرى فاعلا في الناس يشبههولا أحاشي من الأقوام من أحدحَدَدْتُ فلانا عن الشر : منعته وحبسته . والفند : الخطأ في الرأى وفي القول .
الآية 54 - سورة البقرة: (وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند...)