سورة البقرة: الآية 285 - آمن الرسول بما أنزل إليه...

تفسير الآية 285, سورة البقرة

ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِۦ ۚ وَقَالُوا۟ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ

الترجمة الإنجليزية

Amana alrrasoolu bima onzila ilayhi min rabbihi waalmuminoona kullun amana biAllahi wamalaikatihi wakutubihi warusulihi la nufarriqu bayna ahadin min rusulihi waqaloo samiAAna waataAAna ghufranaka rabbana wailayka almaseeru

تفسير الآية 285

صدَّق وأيقن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بما أوحي إليه من ربه وحُقَّ له أن يُوقن، والمؤمنون كذلك صدقوا وعملوا بالقرآن العظيم، كل منهم صدَّق بالله رباً وإلهًا متصفًا بصفات الجلال والكمال، وأن لله ملائكة كرامًا، وأنه أنزل كتبًا، وأرسل إلى خلقه رسلا لا نؤمن -نحن المؤمنين- ببعضهم وننكر بعضهم، بل نؤمن بهم جميعًا. وقال الرسول والمؤمنون: سمعنا يا ربنا ما أوحيت به، وأطعنا في كل ذلك، نرجو أن تغفر -بفضلك- ذنوبنا، فأنت الذي ربَّيتنا بما أنعمت به علينا، وإليك -وحدك- مرجعنا ومصيرنا.

«آمن» صدق «الرسول» محمد صلى الله عليه وسلم «بما أنزل إليه من ربه» من القرآن «والمؤمنون» عطف عليه «كل» تنوين عوض من المضاف إليه «آمن بالله وملائكته وكتبه» بالجمع والإفراد «ورسله» يقولون «لا نفرق بين أحد من رسله» فنؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعل اليهود والنصارى «وقالوا سمعنا» أي ما أمرنا به سماع قبول «وأطعنا» نسألك «غفرانك ربنا وإليك المصير» المرجع بالبعث، ولما نزلت الآية التي قبلها شكا المؤمنون من الوسوسة وشق عليهم المحاسبة بها فنزل.

يخبر تعالى عن إيمان الرسول والمؤمنين معه، وانقيادهم وطاعتهم وسؤالهم مع ذلك المغفرة، فأخبر أنهم آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله، وهذا يتضمن الإيمان بجميع ما أخبر الله به عن نفسه، وأخبرت به عنه رسله من صفات كماله ونعوت جلاله على وجه الإجمال والتفصيل، وتنزيهه عن التمثيل والتعطيل وعن جميع صفات النقص، ويتضمن الإيمان بالملائكة الذين نصت عليهم الشرائع جملة وتفصيلا وعلى الإيمان بجميع الرسل والكتب، أي: بكل ما أخبرت به الرسل وتضمنته الكتب من الأخبار والأوامر والنواهي، وأنهم لا يفرقون بين أحد من رسله، بل يؤمنون بجميعهم، لأنهم وسائط بين الله وبين عباده، فالكفر ببعضهم كفر بجميعهم بل كفر بالله ( وقالوا سمعنا ) ما أمرتنا به ونهيتنا ( وأطعنا ) لك في ذلك، ولم يكونوا ممن قالوا سمعنا وعصينا، ولما كان العبد لا بد أن يحصل منه تقصير في حقوق الله تعالى وهو محتاج إلى مغفرته على الدوام، قالوا ( غفرانك ) أي: نسألك مغفرة لما صدر منا من التقصير والذنوب، ومحو ما اتصفنا به من العيوب ( وإليك المصير ) أي: المرجع لجميع الخلائق فتجزيهم بما عملوا من خير وشر.

ذكر الأحاديث الواردة في فضل هاتين الآيتين الكريمتين نفعنا الله بهما .الحديث الأول : قال البخاري : حدثنا محمد بن كثير ، أخبرنا شعبة ، عن سليمان ، عن إبراهيم ، عن عبد الرحمن ، عن أبي مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من قرأ بالآيتين " ، وحدثنا أبو نعيم ، حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن أبي مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه " .وقد أخرجه بقية الجماعة من طريق سليمان بن مهران الأعمش ، بإسناده ، مثله . وهو في الصحيحين من طريق الثوري ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن عبد الرحمن ، عنه ، به . وهو في الصحيحين أيضا عن عبد الرحمن ، عن علقمة عن أبي مسعود قال عبد الرحمن : ثم لقيت أبا مسعود ، فحدثني به .وهكذا رواه أحمد بن حنبل : حدثنا يحيى بن آدم ، حدثنا شريك ، عن عاصم ، عن المسيب بن رافع ، عن علقمة ، عن أبي مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلته كفتاه " .الحديث الثاني : قال الإمام أحمد : حدثنا حسين ، حدثنا شيبان ، عن منصور ، عن ربعي ، عن خرشة بن الحر ، عن المعرور بن سويد ، عن أبي ذر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعطيت خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش ، لم يعطهن نبي قبلي " .وقد رواه ابن مردويه ، من حديث الأشجعي ، عن الثوري ، عن منصور ، عن ربعي ، عن زيد بن ظبيان ، عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعطيت خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش " .الحديث الثالث : قال مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا أبو أسامة ، حدثنا مالك بن مغول ( ح ) وحدثنا ابن نمير ، وزهير بن حرب جميعا ، عن عبد الله بن نمير وألفاظهم متقاربة قال ابن نمير : حدثنا أبي ، حدثنا مالك بن مغول ، عن الزبير بن عدي عن طلحة ، عن مرة ، عن عبد الله ، قال : لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهي به إلى سدرة المنتهى ، وهي في السماء السادسة إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض فيقبض منها ، وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها ، قال : ( إذ يغشى السدرة ما يغشى ) [ النجم : 16 ] ، قال : فراش من ذهب . قال : وأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا : أعطي الصلوات الخمس ، وأعطي خواتيم سورة البقرة ، وغفر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئا المقحمات .الحديث الرابع : قال أحمد : حدثنا إسحاق بن إبراهيم الرازي ، حدثنا سلمة بن الفضل ، حدثني محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن مرثد بن عبد الله اليزني ، عن عقبة بن عامر الجهني قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اقرأ الآيتين من آخر سورة البقرة فإني أعطيتهما من تحت العرش " . هذا إسناد حسن ، ولم يخرجوه في كتبهم .الحديث الخامس : قال ابن مردويه : حدثنا أحمد بن كامل ، حدثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي ، أخبرنا مسدد أخبرنا أبو عوانة ، عن أبي مالك ، عن ربعي ، عن حذيفة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فضلنا على الناس بثلاث ، أوتيت هؤلاء الآيات من آخر سورة البقرة من بيت كنز تحت العرش ، لم يعطها أحد قبلي ، ولا يعطاها أحد بعدي " .ثم رواه من حديث نعيم بن أبي هندي ، عن ربعي ، عن حذيفة ، بنحوه .الحديث السادس : قال ابن مردويه : حدثنا عبد الباقي بن نافع ، أنبأنا إسماعيل بن الفضل ، أخبرنا محمد بن حاتم بن بزيع ، أخبرنا جعفر بن عون ، عن مالك بن مغول ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي قال : لا أرى أحدا عقل الإسلام ينام حتى يقرأ خواتيم سورة البقرة ، فإنها كنز أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم من تحت العرش .ورواه وكيع عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمير بن عمرو الخارفي ، عن علي قال : ما أرى أحدا يعقل ، بلغه الإسلام ، ينام حتى يقرأ آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة ، فإنها من كنز تحت العرش .الحديث السابع : قال أبو عيسى الترمذي : حدثنا بندار ، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن أشعث بن عبد الرحمن الجرمي عن أبي قلابة ، عن أبي الأشعث الصنعاني ، عن النعمان بن بشير ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله كتب كتابا قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام ، أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة ، ولا يقرأن في دار ثلاث ليال فيقربها شيطان " . ثم قال : هذا حديث غريب . وهكذا رواه الحاكم في مستدركه من حديث حماد بن سلمة به ، وقال : صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه .الحديث الثامن : قال ابن مردويه : حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن مدين ، أخبرنا الحسن بن الجهم ، أخبرنا إسماعيل بن عمرو ، أخبرنا ابن أبي مريم ، حدثني يوسف بن أبي الحجاج ، عن سعيد ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ آخر سورة البقرة وآية الكرسي ضحك ، وقال : " إنهما من كنز الرحمن تحت العرش " . وإذا قرأ : ( من يعمل سوءا يجز به ) [ النساء : 123 ] ، ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى ) [ النجم : 3941 ] ، استرجع واستكان .الحديث التاسع : قال ابن مردويه : حدثنا عبد الله بن محمد بن كوفي ، حدثنا أحمد بن يحيى بن حمزة ، حدثنا محمد بن بكر حدثنا مكي بن إبراهيم ، حدثنا عبد الله بن أبي حميد ، عن أبي مليح ، عن معقل بن يسار ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أعطيت فاتحة الكتاب ، وخواتيم سورة البقرة من تحت العرش ، والمفصل نافلة " .الحديث العاشر : قد تقدم في فضائل الفاتحة ، من رواية عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده جبريل ; إذ سمع نقيضا فوقه ، فرفع جبريل بصره إلى السماء ، فقال : هذا باب قد فتح من السماء ما فتح قط . قال : فنزل منه ملك ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أبشر بنورين قد أوتيتهما ، لم يؤتهما نبي قبلك : فاتحة الكتاب ، وخواتيم سورة البقرة ، لن تقرأ حرفا منهما إلا أوتيته ، رواه مسلم والنسائي ، وهذا لفظه .[ الحديث الحادي عشر : قال أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي في مسنده : حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا صفوان ، حدثنا أيفع بن عبد الله الكلاعي قال : قال رجل : يا رسول الله ، أي آية في كتاب الله أعظم ؟ قال : " آية الكرسي : ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) قال : فأي آية في كتاب الله تحب أن تصيبك وأمتك ؟ قال : " آخر سورة البقرة ، ولم يترك خيرا في الدنيا والآخرة إلا اشتملت عليه " ] .فقوله تعالى : ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه ) إخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك .قال ابن جرير : حدثنا بشر ، حدثنا يزيد ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما نزلت هذه الآية : " ويحق له أن يؤمن " .وقد روى الحاكم في مستدركه : حدثنا أبو النضر الفقيه : حدثنا معاذ بن نجدة القرشي ، حدثنا خلاد بن يحيى ، حدثنا أبو عقيل ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أنس بن مالك ، قال : لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه ) قال النبي صلى الله عليه وسلم : " حق له أن يؤمن " . ثم قال الحاكم : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه . .وقوله : ( والمؤمنون ) عطف على ) الرسول ) ثم أخبر عن الجميع فقال : ( كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله ) فالمؤمنون يؤمنون بأن الله واحد أحد ، فرد صمد ، لا إله غيره ، ولا رب سواه . ويصدقون بجميع الأنبياء والرسل والكتب المنزلة من السماء على عباد الله المرسلين والأنبياء ، لا يفرقون بين أحد منهم ، فيؤمنون ببعض ويكفرون ببعض ، بل الجميع عندهم صادقون بارون راشدون مهديون هادون إلى سبل الخير ، وإن كان بعضهم ينسخ شريعة بعض بإذن الله ، حتى نسخ الجميع بشرع محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين ، الذي تقوم الساعة على شريعته ، ولا تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين .وقوله : ( وقالوا سمعنا وأطعنا ) أي : سمعنا قولك يا ربنا ، وفهمناه ، وقمنا به ، وامتثلنا العمل بمقتضاه ، ( غفرانك ربنا ) سؤال للغفر والرحمة واللطف .قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن حرب الموصلي ، حدثنا ابن فضيل ، عن عطاء بن السائب ،عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قول الله : ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون ) إلى قوله : ( غفرانك ربنا ) قال : قد غفرت لكم ، ( وإليك المصير ) أي : إليك المرجع والمآب يوم يقوم الحساب .قال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا جرير ، عن بيان ، عن حكيم عن جابر قال : لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ) قال جبريل : إن الله قد أحسن الثناء عليك وعلى أمتك ، فسل تعطه . فسأل : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) إلى آخر الآية .

وقوله: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ استئناف قصد به الإخبار عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين بما يشرفهم ويعلى من أقدارهم ومنازلهم.أى: صدق الرسول صلّى الله عليه وسلّم بما أنزل إليه من ربه في هذه السورة وغيرها من العقائد والأحكام والسنن والبينات والهدايات تصديق إذعان وإقرار وإطمئنان، وكذلك المؤمنون الذين صدقوه واتبعوه آمنوا بما آمن به رسولهم وداعيهم إلى الحق صلّى الله عليه وسلّم.وقد قرن- سبحانه- إيمان المؤمنين بإيمان رسولهم صلّى الله عليه وسلّم تشريفا لهم وللإشارة إلى أنهم متى صدقوا في إيمانهم كانت منزلتهم عند الله- تعالى- قريبة من منازل الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام-.وفي تأخيرهم في الذكر إشارة إلى تأخر التابع عن المتبوع، وإشارة إلى أن النبي صلّى الله عليه وسلّم هو أول من آمن بما أوحى إليه من ربه، وهو أقوى الناس إيمانا، وأصدقهم يقينا. وأكثرهم استجابه لأوامر الله.وقوله: كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ بيان للإيمان الكامل الذي اعتقدوه وصدقوا به.أى: كل فريق من هذين الفريقين وهما الرسول والمؤمنون آمن إيمانا تاما بوجود الله- تعالى- ووحدانيته، وكمال صفاته، ووجوب الخضوع والعبادة له، وبوجود الملائكة وأنهم عباد مكرمون لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ كما آمنوا بكتب الله التي أنزلها لسعادة البشر، وبرسله الذين أرسلهم لإخراج الناس من الظلمات إلى النور.ثم بين- سبحانه- أن من صفات هؤلاء الأخيار أنهم لا يفرقون بين رسل الله- تعالى فقال: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ أى يقولون لا نفرق في الإيمان بين رسل الله- تعالى- وإنما نؤمن بهم جميعا، ونصدق برسالة كل رسول أرسله الله- تعالى- ولا نقول كما قال الضالون نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ.ثم حكى- سبحانه- ما قالوه مما يدل على صدق إيمانهم، ونقاء نفوسهم وطهارة قلوبهم فقال: «وقالوا سمعنا وأطعنا» أى: وقالوا سمعنا قولك وفهمناه، وامتثلنا أمرك- يا الهنا- واستقمنا عليه، وصبرنا على تكاليفه بكل رضا واستسلام. «غفرانك ربنا» أى اغفر لنا غفرانك الذي هو من فضل رحمتك ونعمك فأنت ربنا وخالقنا والعليم بأحوالنا وبضعفنا.فقوله: غُفْرانَكَ مصدر منصوب على المفعول المطلق والعامل فيه مقدر أى: اغفر غفرانك. وقوله: وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ أى: وإليك وحدك المرجع والمآب، ومنك وحدك يكون الحساب والثواب والعقاب، يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.وبذلك نرى أن هذه الآية الكريمة قد مدحت الرسول صلّى الله عليه وسلّم مدحا عظيما، ومدحت أتباعه المؤمنين الصادقين لاستجابتهم لأوامر الله ونواهيه، وتضرعهم إليه بخالص الدعاء أن يغفر لهم ما فرط منهم.

قوله تعالى : ( آمن الرسول ) أي صدق ( بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله ) يعني كل واحد منهم ولذلك وحد الفعل ( وملائكته وكتبه ورسله ) قرأ حمزة والكسائي : كتابه على الواحد يعني القرآن وقيل معناه الجمع وإن ذكر بلفظ التوحيد كقوله تعالى : " فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب " ( 213 - البقرة ) وقرأ الآخرون : وكتبه بالجمع كقوله تعالى : " وملائكته وكتبه ورسله " ( 136 - النساء ( لا نفرق بين أحد من رسله ) فنؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعلت اليهود والنصارى وفيه إضمار تقديره يقولون : لا نفرق وقرأ يعقوب لا يفرق بالياء فيكون خبرا عن الرسول أو معناه لا يفرق الكل وإنما قال " بين أحد " ولم يقل بين آحاد لأن الأحد يكون للواحد والجمع قال الله تعالى : " فما منكم من أحد عنه حاجزين " ( 47 - الحاقة ( وقالوا سمعنا ) قولك ( وأطعنا ) أمرك .روي عن حكيم عن جابر رضي الله عنهما أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم حين نزلت هذه الآية : إن الله قد أثنى عليك وعلى أمتك فسل تعطه فسأل بتلقين الله تعالى فقال ( غفرانك ) وهو نصب على المصدر أي اغفر غفرانك أو نسألك غفرانك ( ربنا وإليك المصير لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) ظاهر الآية قضاء الحاجة وفيها إضمار السؤال كأنه قال : وقالوا لا تكلفنا إلا وسعنا وأجاب أي لا يكلف الله نفسا إلا وسعها أي طاقتها والوسع : اسم لما يسع الإنسان ولا يضيق عليه واختلفوا في تأويله فذهب ابن عباس رضي الله عنه وعطاء وأكثر المفسرين إلى أنه أراد به حديث النفس الذي ذكر في قوله تعالى ( وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه ) كما ذكرنا وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : هم المؤمنون خاصة وسع عليهم أمر دينهم ولم يكلفهم فيه إلا ما يستطيعون كما قال الله تعالى : " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " ( 185 - البقرة ) وقال الله تعالى : " وما جعل عليكم في الدين من حرج " ( 78 - الحج )

قوله : آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصيرفيه مسائل : الأولى : قوله تعالى : آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه روي عن الحسن ومجاهد والضحاك : أن هذه الآية كانت في قصة المعراج ، وهكذا روي في بعض الروايات عن ابن عباس ، وقال بعضهم : جميع القرآن نزل به جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسلم إلا هذه الآية فإن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي سمع ليلة المعراج . وقال بعضهم : لم يكن ذلك في قصة المعراج ؛ لأن ليلة المعراج كانت بمكة وهذه السورة كلها مدنية ، فأما من قال إنها كانت ليلة المعراج قال : لما صعد النبي صلى الله عليه وسلم وبلغ في السماوات في مكان مرتفع ومعه جبريل حتى جاوز سدرة المنتهى فقال له جبريل : إني لم أجاوز هذا الموضع ولم يؤمر بالمجاوزة أحد هذا الموضع غيرك فجاوز النبي صلى الله عليه وسلم حتى بلغ الموضع الذي شاء الله ، فأشار إليه جبريل بأن سلم على ربك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : التحيات لله والصلوات والطيبات . قال الله تعالى : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون لأمته حظ في السلام فقال : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فقال جبريل وأهل السماوات كلهم : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . قال الله تعالى : آمن الرسول على معنى الشكر أي صدق الرسول بما أنزل إليه من ربه فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يشارك أمته في الكرامة والفضيلة فقال : والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله يعني يقولون آمنا بجميع الرسل ولا نكفر بأحد منهم ولا نفرق بينهم كما فرقت اليهود والنصارى ، فقال له ربه كيف قبولهم بآي الذي أنزلتها ؟ وهو قوله : إن تبدوا ما في أنفسكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير يعني المرجع . فقال الله تعالى عند ذلك : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها يعني طاقتها ويقال : إلا دون طاقتها . لها ما كسبت من الخير وعليها ما اكتسبت من الشر ، فقال جبريل عند ذلك : سل تعطه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا يعني إن جهلنا أو أخطأنا يعني إن تعمدنا ، ويقال : إن عملنا بالنسيان ، والخطأ . فقال له جبريل : قد أعطيت ذلك قد رفع عن أمتك الخطأ والنسيان . فسل شيئا آخر فقال : ربنا ولا تحمل علينا إصرا يعني ثقلا كما حملته على الذين من قبلنا وهو أنه حرم عليهم الطيبات بظلمهم ، وكانوا إذا أذنبوا بالليل وجدوا ذلك مكتوبا على بابهم ، وكانت الصلوات عليهم خمسين ، فخفف الله عن هذه الأمة وحط عنهم بعدما فرض خمسين صلاة . ثم قال : ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به يقول : لا تثقلنا من العمل ما لا نطيق فتعذبنا . ويقال : ما تشق علينا ؛ لأنهم لو أمروا بخمسين صلاة لكانوا يطيقون ذلك ولكنه يشق عليهم ولا يطيقون الإدامة عليه واعف عنا من ذلك كله واغفر لنا وتجاوز عنا ، ويقال : واعف عنا من المسخ واغفر لنا من الخسف وارحمنا من القذف ؛ لأن الأمم الماضية بعضهم أصابهم المسخ وبعضهم أصابهم الخسف وبعضهم القذف ثم قال : أنت مولانا يعني : ولينا وحافظنا فانصرنا على القوم الكافرين فاستجيبت دعوته . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : نصرت بالرعب مسيرة شهر ويقال إن الغزاة : إذا خرجوا من ديارهم بالنية الخالصة وضربوا بالطبل وقع الرعب والهيبة في قلوب الكفار مسيرة شهر في شهر ، علموا بخروجهم أو لم يعلموا ، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع أوحى الله هذه الآيات ، ليعلم أمته بذلك . ولهذه الآية تفسير آخر ، قال الزجاج : لما ذكر الله تعالى في هذه السورة فرض الصلاة والزكاة وبين أحكام الحج وحكم الحيض والطلاق والإيلاء وأقاصيص الأنبياء وبين حكم الربا ، ذكر تعظيمه سبحانه بقوله سبحانه وتعالى : لله ما في السماوات وما في الأرض ثم ذكر تصديق نبيه صلى الله عليه وسلم ثم ذكر تصديق المؤمنين بجميع ذلك فقال : آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه أي صدق الرسول بجميع هذه الأشياء التي جرى ذكرها وكذلك المؤمنون كلهم صدقوا بالله وملائكته وكتبه ورسله .وقيل سبب نزولها الآية التي قبلها وهي : لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير فإنه لما أنزل هذا على النبي صلى الله عليه وسلم اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بركوا على الركب فقالوا : أي رسول الله ، كلفنا من الأعمال ما نطيق : الصلاة والصيام والجهاد والصدقة ، وقد أنزل الله عليكم هذه الآية ولا نطيقها . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير فقالوا : سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير . فلما اقترأها القوم ذلت بها ألسنتهم فأنزل الله في إثرها : آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير . فلما فعلوا ذلك نسخها الله ، فأنزل الله عز وجل : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا قال : " نعم " ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا قال : ( نعم ) ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به قال : ( نعم ) واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين قال : ( نعم ) . أخرجه مسلم عن أبي هريرة .قال علماؤنا : قوله في الرواية الأولى ( قد فعلت ) وهنا قال : ( نعم ) دليل على نقل الحديث بالمعنى ، وقد تقدم . ولما تقرر الأمر على أن قالوا : سمعنا وأطعنا ، مدحهم الله وأثنى عليهم في هذه الآية ، ورفع المشقة في أمر الخواطر عنهم ، وهذه ثمرة الطاعة والانقطاع إلى الله تعالى ، كما جرى لبني إسرائيل ضد ذلك من ذمهم وتحميلهم المشقات من الذلة والمسكنة والانجلاء إذ قالوا : سمعنا وعصينا ، وهذه ثمرة العصيان والتمرد على الله تعالى ، أعاذنا الله من نقمه بمنه وكرمه . وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له : إن بيت ثابت بن قيس بن شماس يزهر كل ليلة بمصابيح ؟ قال : ( فلعله يقرأ سورة البقرة ) فسئل ثابت قال : قرأت من سورة البقرة " آمن الرسول " نزلت حين شق على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما توعدهم الله تعالى به من محاسبتهم على ما أخفته نفوسهم ، فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( فلعلكم تقولون سمعنا وعصينا كما قالت بنو إسرائيل ) قالوا : بل سمعنا وأطعنا ، فأنزل الله تعالى ثناء عليهم : آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه فقال صلى الله عليه وسلم : ( وحق لهم أن يؤمنوا ) .الثانية : قوله تعالى : " آمن " : أي صدق ، وقد تقدم . والذي أنزل هو القرآن . وقرأ ابن مسعود " وآمن المؤمنون كل آمن بالله " على اللفظ ، ويجوز في غير القرآن " آمنوا " على المعنى . وقرأ نافع وابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر ( وكتبه ) على الجمع . وقرءوا في " التحريم " " كتابه " على التوحيد . وقرأ أبو عمرو هنا وفي " التحريم " و " كتبه " على الجمع . وقرأ حمزة والكسائي " وكتابه " على التوحيد فيهما . فمن جمع أراد جمع كتاب ، ومن أفرد أراد المصدر الذي يجمع كل مكتوب كان نزوله من عند الله . ويجوز في قراءة من وحد أن يراد به الجمع ، يكون الكتاب اسما للجنس فتستوي القراءتان ، قال الله تعالى : فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب قرأت الجماعة ( ورسله ) بضم السين ، وكذلك " رسلنا ورسلكم ورسلك " إلا أبا عمرو فروي عنه تخفيف " رسلنا ورسلكم " ، وروي عنه في " رسلك " التثقيل والتخفيف . قال أبو علي : من قرأ " رسلك " بالتثقيل فذلك أصل الكلمة ، ومن خفف فكما يخفف في الآحاد مثل : عنق وطنب . وإذا خفف في الآحاد فذلك أحرى في الجمع الذي هو أثقل ، وقال معناه مكي . وقرأ جمهور الناس ( لا نفرق ) بالنون ، والمعنى يقولون لا نفرق ، فحذف القول ، وحذف القول كثير ، قال الله تعالى : والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم ؛ أي يقولون سلام عليكم . وقال : ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا ؛ أي يقولون : ربنا ، وما كان مثله . وقرأ سعيد بن جبير ويحيى بن يعمر وأبو زرعة بن عمرو بن جرير ويعقوب " لا يفرق " بالياء ، وهذا على لفظ ( كل ) . قال هارون : وهي في حرف ابن مسعود " لا يفرقون " . وقال ( بين أحد ) على الإفراد ولم يقل آحاد ؛ لأن الأحد يتناول الواحد والجميع ، كما قال تعالى : فما منكم من أحد عنه حاجزين ف " حاجزين " صفة لأحد ؛ لأن معناه الجمع . وقال صلى الله عليه وسلم : ما أحلت الغنائم لأحد سود الرءوس غيركم وقال رؤبة :إذا أمور الناس دينت دينكا لا يرهبون أحدا من دونكاومعنى هذه الآية : أن المؤمنين ليسوا كاليهود والنصارى في أنهم يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض .الثالثة : قوله تعالى : وقالوا سمعنا وأطعنا فيه حذف ، أي سمعنا سماع قابلين . وقيل : سمع بمعنى قبل ، كما يقال : سمع الله لمن حمده فلا يكون فيه حذف . وعلى الجملة فهذا القول يقتضي المدح لقائله . والطاعة قبول الأمر . وقوله : ( غفرانك ) مصدر كالكفران والخسران ، والعامل فيه فعل مقدر ، تقديره : اغفر غفرانك ، قاله الزجاج . وغيره : نطلب أو أسأل غفرانك .( وإليك المصير ) إقرار بالبعث والوقوف بين يدي الله تعالى . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت عليه هذه الآية قال له جبريل : ( إن الله قد أحل الثناء عليك وعلى أمتك فسل تعطه ) فسأل إلى آخر السورة .

القول في تأويل قوله تعالى : آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِقال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: صدق الرسول = يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقر =" بما أنزل إليه "، يعني: بما أوحي إليه من ربه من الكتاب، وما فيه من حلال وحرام، ووعد وعيد، وأمر ونهي، وغير ذلك من سائر ما فيه من المعاني التي حواها.* * *وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية عليه قال: يحق له.6499 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه "، ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية قال: ويحق له أن يؤمن. (52)* * *وقد قيل: إنها نزلت بعد قوله: وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، لأن المؤمنين برسول الله من أصحابه شق عليهم ما توعدهم الله به من محاسبتهم على ما أخفته نفوسهم، فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعلكم تقولون: " سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا " كما قالت بنو إسرائيل! فقالوا: بل نقول: " سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا "! فأنزل الله لذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم وقول أصحابه: "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله "، يقول: وصدق المؤمنون أيضا مع نبيهم بالله وملائكته وكتبه ورسله، الآيتين. وقد ذكرنا قائلي ذلك قبل. (53)* * *قال أبو جعفر: واختلفت القرأة في قراءة قوله: " وكتبه ".فقرأ ذلك عامة قرأة المدينة وبعض قرأة أهل العراق (وكتبه) على وجه جمع " الكتاب "، على معنى: والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وجميع كتبه التي أنزلها على أنبيائه ورسله.* * *وقرأ ذلك جماعة من قرأة أهل الكوفة: (وكتابه)، بمعنى: والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وبالقرآن الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.* * *وقد روي عن ابن عباس أنه كان يقرأ ذلك: " وكتابه "، ويقول: الكتاب أكثر من الكتب. وكأن ابن عباس يوجه تأويل ذلك إلى نحو قوله: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ [سورة العصر: 1-2]، بمعنى جنس " الناس " وجنس " الكتاب "، كما يقال: " ما أكثر درهم فلان وديناره "، ويراد به جنس الدراهم والدنانير. (54) وذلك، وإن كان مذهبا من المذاهب معروفا، فإن الذي هو أعجب إلي من القراءة في ذلك أن يقرأ بلفظ الجمع. لأن الذي قبله جمع، والذي بعده كذلك - أعني بذلك: " وملائكته وكتبه ورسله " - فإلحاق " الكتب " في الجمع لفظا به، أعجب إلي من توحيده وإخراجه في اللفظ به بلفظ الواحد، ليكون لاحقا في اللفظ والمعنى بلفظ ما قبله وما بعده، وبمعناه.* * *القول في تأويل قوله تعالى : لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِقال أبو جعفر: وأما قوله: " لا نفرق بين أحد من رسله "، فإنه أخبر جل ثناؤه بذلك عن المؤمنين أنهم يقولون ذلك. ففي الكلام في قراءة من قرأ: " لا نفرق بين أحد من رسله " بالنون، متروك، قد استغني بدلالة ما ذكر عنه. وذلك المتروك هو " يقولون ". وتأويل الكلام: والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، يقولون: لا نفرق بين أحد من رسله. وترك ذكر " يقولون " لدلالة الكلام عليه، كما ترك ذكره في قوله: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ [سورة الرعد: 23-24]، بمعنى: يقولون: سلام.* * *وقد قرأ ذلك جماعة من المتقدمين: ( لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ) ب " الياء "، بمعنى: والمؤمنون كلهم آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، لا يفرق الكل منهم بين أحد من رسله، فيؤمن ببعض ويكفر ببعض، ولكنهم يصدقون بجميعهم، ويقرون أن ما جاءوا به كان من عند الله، وأنهم دعوا إلى الله وإلى طاعته، ويخالفون في فعلهم ذلك اليهود الذين أقروا بموسى وكذبوا عيسى، والنصارى الذين أقروا بموسى وعيسى وكذبوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وجحدوا نبوته، ومن أشبههم من الأمم الذين كذبوا بعض رسل الله، وأقروا ببعضه، كما:-6500 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: " لا نفرق بين أحد من رسله "، كما صنع القوم - يعني بني إسرائيل - قالوا: فلان نبي، وفلان ليس نبيا، وفلان نؤمن به، وفلان لا نؤمن به.* * *قال أبو جعفر: والقراءة التي لا نستجيز غيرها في ذلك عندنا بالنون: " لا نفرق بين أحد من رسله "، لأنها القراءة التي قامت حجتها بالنقل المستفيض، (55) الذي يمتنع معه التشاعر والتواطؤ والسهو والغلط= (56) بمعنى ما وصفنا من: يقولون لا نفرق بين أحد من رسله= (57) ولا يعترض بشاذ من القراءة، على ما جاءت به الحجة نقلا ووراثة. (58)* * *القول في تأويل قوله تعالى : وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: وقال الكل من المؤمنين: " سمعنا " قول ربنا وأمره إيانا بما أمرنا به، ونهيه عما نهانا عنه =" وأطعنا "، يعني: أطعنا ربنا فيما ألزمنا من فرائضه، واستعبدنا به من طاعته، وسلمنا له = وقوله: " غفرانك ربنا "، يعني: وقالوا: " غفرانك ربنا "، بمعنى: اغفر لنا ربنا غفرانك، كما يقال: " سبحانك "، بمعنى: نسبحك سبحانك.* * *وقد بينا فيما مضى أن " الغفران " و " المغفرة "، الستر من الله على ذنوب من غفر له، وصفحة له عن هتك ستره بها في الدنيا والآخرة، وعفوه عن العقوبة - عليه. (59)* * *وأما قوله: " وإليك المصير "، فإنه يعني جل ثناؤه أنهم قالوا: وإليك يا ربنا مرجعنا ومعادنا، فاغفر لنا ذنوبنا. (60)* * *قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: فما الذي نصب قوله: " غفرانك "؟قيل له: وقوعه وهو مصدر موقع الأمر. وكذلك تفعل العرب بالمصادر والأسماء إذا حلت محل الأمر، وأدت عن معنى الأمر نصبتها، فيقولون: " شكرا لله يا فلان "، و " حمدا له "، بمعنى: اشكر الله واحمده." والصلاة، الصلاة ". بمعنى: صلوا. ويقولون في الأسماء: " الله الله يا قوم "، ولو رفع بمعنى: هو الله، أو: هذا الله - ووجه إلى الخبر وفيه تأويل الأمر، كان جائزا، كما قال الشاعر: (61)إن قوما منهم عمير وأشباه عمير ومنهم السفاح (62)لجديرون بالوفاء إذا قال أخو النجدة: السلاح السلاح ! !ولو كان قوله: " غفرانك ربنا " جاء رفعا في القراءة، لم يكن خطأ، بل كان صوابا على ما وصفنا. (63)* * *وقد ذكر أن هذه الآية لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثناء من الله عليه وعلى أمته، قال له جبريل صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل قد أحسن عليك وعلى أمتك الثناء، فسل ربك.6501 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن بيان، عن حكيم بن جابر قال: لما أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير "، قال جبريل: إن الله عز وجل قد أحسن الثناء عليك، وعلى أمتك، فسل تعطه! فسأل: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا إلى آخر السورة. (64)--------------الهوامش :(52) الأثر : 6499- أخرج الحاكم في المستدرك 2 : 287 من طريق خلاد بن يحيى ، عن أبي عقيل ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أنس قال : "لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم : "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه" قال النبي صلى الله عليه وسلم : وأحق له أن يؤمن" . ثم قال الحاكم : "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" واستدرك عليه الذهبي فقال : "منقطع" .(53) انظر ما سلف رقم : 6477 .(54) انظر ما سلف 4 : 263 .(55) في المطبوعة : "التي قامت حجة . . . " ، وفي المخطوطة : "التي قامت حجته" ، وصواب قراءتها ما أثبت .(56) في المطبوعة : "التشاغر" بغين معجمة ، وهو خطأ غث . والصواب من المخطوطة . و"تشاعروا الأمر ، أو على الأمر" ، أي تعالموه بينهم . من قولهم : "شعر" أي"علم" . وهي كلمة قلما تجدها في كتب اللغة ، ولكنها دائرة في كتب الطبري ومن في طبقته من القدماء . وانظر الرسالة العثمانية للجاحظ : 3 ، وتعلق : 5 ، ثم ص : 263 ، وصواب شرحها ما قلت . وانظر ما سيأتي ص : 155 ، تعليق 1 .(57) في المطبوعة : "يعني ما وصفنا" ، والصواب من المخطوطة .(58) في المطبوعة : "نقلا ورواية" ، وفي المخطوطة"نقلا وراثة" ، وهي الصواب ، وآثرت زيادة الواو قبلها ، فإني أرجح أنها كانت كذلك . وقد أكثر الطبري استعمال"وراثة" و"موروثة" فيما سلف ، من ذلك فيما مضى في 4 : 33" . . . بالحجة القاطعة العذر ، نقلا عن نبينا صلى الله عليه وسلم وراثة . . . " / ثم في 5 : 238"لخلافها القراءة المستفيضة الموروثة . . . " . وانظر ما سيأتي ص : 155 ، تعليق : 1 .(59) انظر ما سلف 2 : 109 ، 110 .(60) انظر ما سلف في تفسير"المصير" 3 : 56 .(61) لم أعرف قائله .(62) معاني القرآن للفراء 1 : 188 ، وشواهد العيني (بهامش الخزانة) 4 : 306 . ولم أستطع تعييني"عمير" و"السفاح" ، فهما كثير .(63) أكثر هذا من معاني القرآن للفراء 1 : 188 .(64) الحديث : 6501- بيان : هو ابن بشر الأحمسي ، مضت ترجمته في : 259 . "حكيم بن جابر بن طارق بن عوف الأحمسي" : تابعي كبير ثقة ، أرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم . روى عن أبيه ، وعمر ، وابن مسعود ، وطلحة ، وعبادة بن الصامت . وروى عنه إسماعيل ابن أبي خالد ، و"بيان" . ثقة . مات في آخر إمارة الحجاج . وقيل سنة 82 ، وقيل سنة 95 . مترجم في التهذيب ، والكبير 2/1/12 . وصرح بأنه سمع عمر .فهذا الحديث مرسل .وذكره السيوطي 1 : 376 ، ونسبه أيضًا لسعيد بن منصور ، وابن أبي حاتم .ونقله ابن كثير 2 : 89 ، عن هذا الموضع من الطبري . ولكن وقع فيه تحريف في الإسناد ، من ناسخ أو طابع - هكذا : "عن سنان ، عن حكيم ، عن جابر"؛ فصار الإسناد موهما أنه حديث متصل من رواية جابر بن عبد الله الصحابي . فيصحح من هذا الموضع .

قال الزجاج : «لما ذكر الله في هذه السورة أحكاماً كثيرةً ، وقصصاً ، ختمها بقوله : { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه } تعظيماً لنبيّه صلى الله عليه وسلم وأتباعه ، وتأكيداً وفذلكة لجميع ذلك المذكور من قبل» . يعني : أنّ هذا انتقال من المواعظ ، والإرشاد ، والتشريع ، وما تخلّل ذلك : ممّا هو عون على تلك المقاصد ، إلى الثناء على رسوله والمؤمنين في إيمانهم بجميع ذلك إيماناً خالصاً يتفرّع عليه العمل؛ لأنّ الإيمان بالرسول والكتاب ، يقتضي الامتثالَ لما جاء به من عمل . فالجملة استئناف ابتدائي وضعت في هذا الموقع لمناسبة ما تقدم ، وهو انتقال مؤذن بانتهاء السورة لأنّه لما انتقل من أغراض متناسبة إلى غرض آخر : هو كالحاصل والفذلكة ، فقد أشعر بأنّه استوفى تلك الأغراض . وورد في أسباب النزول أنّ قوله : { آمن الرسول } يرتبط بقوله : { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه } [ البقرة : 284 ] كما تقدم آنفاً .وأل في الرسول للعد . وهو عَلَم بالغلبة على محمد صلى الله عليه وسلم في وقت النزول قال تعالى : { وهمّوا بإخراج الرسول } [ التوبة : 13 ] . و { المؤمنون } معطوف على { الرسول } ، والوقف عليه .والمؤمنون هنا لَقَب للذين استجابوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلذلك كان في جعله فاعلاً لقوله : { آمن } فائدةٌ ، مع أنّه لا فائدةَ في قولك : قامَ القائمون .وقوله : { كل آمن بالله } جمع بعد التفصيل ، وكذلك شأن ( كلَ ) إذا جاءت بعد ذكر متعدّد في حُكْم ، ثم إرادة جمعه في ذلك ، كقول الفضل بن عباس اللَّهَبِي ، بعد أبيات: ... كُلٌّ له نِيَّةٌ في بغض صاحبهبنعمة الله نقليكم وتَقْلُونا ... وإذ كانت ( كلّ ) من الأسماء الملازمة الإضافة فإذا حذف المضاف إليه نوّنت تنوينَ عوض عن مفرد كما نبّه عليه ابن مالك في «التسهيل» . ولا يعكر عليه أنّ ( كل ) اسم معرب لأنّ التنوين قد يفيد الغرضين فهو من استعمال الشيء في معنييه . فمن جوّز أن يكون عَطْفُ { المؤمنون } عطفَ جملة وجعل { المؤمنون } مبتدأ وجعل { كلٌّ } مبتدأ ثانياً { وآمن } خبره ، فقد شذّ عن الذوق العربي .وقرأ الجمهور { وكتبه } بصيغة جمع كتاب ، وقرأه حمزة ، والكسائي : وكِتَابِه ، بصيغة المفرد على أنّ المراد القرآن أو جنس الكتاب . فيكون مساوياً لقوله : { وكتبه } ، إذ المراد الجنس ، والحقُّ أنّ المفرد والجمع سواء في إرادة الجنس ، ألا تراهم يقولون : إنّ الجمع في مدخول أل الجنسية صوري ، ولذلك يقال : إذا دَخلت ألْ الجنسية على جمع أبطلت منه معنى الجمعية ، فكذلك كل ما أريد به الجنس كالمضاف في هاتين القراءتين ، والإضافة تأتي لما تأتي له اللام ، وعن ابن عباس أنّه قال ، لما سئل عن هذه القراءة : «كتابِه أكثر من كُتبِه أو الكتاب أكثر من الكتب» فقيل أراد أنّ تناول المفرد المراد به الجنس أكثر من تناول الجمع حين يراد به الجنس ، لاحتمال إرادة جنس الجموع ، فلا يسري الحكم لما دون عدد الجمع من أفراد الجنس ، ولهذا قال صاحب «المفتاح» «استغراق المفرد أشمل من استغراق الجمع» .والحقُّ أنّ هذا لا يقصده العرب في نفي الجنس ولا في استغراقه في الإثبات . وأنّ كلام ابن عباس إن صح نقله عنه فتأويله أنّه أكْثَر لمساواته له معنى ، مع كونه أخصر لفظاً ، فلعلّه أراد بالأكثر معنى الأرجح والأقوى .وقوله : { لا نفرق بين أحد من رسله } قرأه الجمهور بنون المتكلم المشارَك ، وهو يحتمل الالتفات : بأن يكون من مقول قول محذوففٍ دل عليه السياق وعطف { وقالوا } عليه . أو النون فيه للجلالة أي آمَنُوا في حَال أنّنا أمرناهم بذلك ، لأنّنا لا نفرّق فالجملة معترضة . وقيل : هو مقول لقول محذوف دل عليه آمَن؛ لأنّ الإيمان اعتقاد وقول . وقرأه يعقوب بالياء : على أنّ الضمير عائد على { كلُّ آمن بالله } .والتفريق هنا أريد به التفريق في الإيمان به والتصديق : بأن يؤمن ببعض ويكفر ببعض .وقوله : { لا نفرق بين أحد من رسله } تقدم الكلام على نظيره عند قوله تعالى : { لا نفرّق بين أحد منهم ونحن له مسلمون } [ البقرة : 136 ] .{ وقالوا سمعنا وأطعنا } عطف على { آمن الرسول } والسمع هنا كناية عن الرضا ، والقبول ، والامتثال ، وعكسه لا يَسمعون أي لا يطيعون وقال النابغة: ... تَناذَرَهَا الرّاقُون مِنْ سُوءِ سَمْعِهاأي عدم امتثالها للرُّقْيَا . والمعنى : إنَّهم آمنوا ، واطمأنّوا وامتثلوا ، وإنّما جيء بلفظ الماضي ، دون المضارع ، ليدلوا على رسوخ ذلك؛ لأنّهم أرادوا إنشاء القبول والرضا ، وصيغ العقود ونحوها تقع بلفظ الماضي نحو بعْت .وغفرانك نُصب على المفعول المطلق : أي اغفِرْ غفرانك ، فهو بدل من فعله . والمصير يحتمل أن يكون حقيقة فيكون اعترافاً بالبعث ، وجعل منتهياً إلى الله لأنّه منتهٍ إلى يوم ، أو عالَم ، تظهر فيه قدرة الله بالضرورة . ويحتمل أنّه مجاز عن تمام الامتثال والإيمان . كأنّهم كانوا قبل الإسلام آبقين ، ثم صاروا إلى الله ، وهذا كقوله تعالى : { ففروا إلى اللَّه } [ الذاريات : 50 ] . وجعل المصير إلى الله تمثيلاً للمصير إلى أمره ونهيه : كقوله : { ووجد اللَّه عنده فوفاه حسابه } [ النور : 39 ] وتقديم المجرور لإفادة الحصر : أي المصير إليك لا إلى غيرك ، وهو قصر حقيقي قصدوا به لازم فائدته ، وهو أنّهم عالِمون بأنّهم صائرون إليه ، ولا يصيرون إلى غيره ممّن يعبدهم أهل الضّلال .
الآية 285 - سورة البقرة: (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون ۚ كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من...)