سورة البقرة: الآية 279 - فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب...

تفسير الآية 279, سورة البقرة

فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا۟ فَأْذَنُوا۟ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَٰلِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ

الترجمة الإنجليزية

Fain lam tafAAaloo fathanoo biharbin mina Allahi warasoolihi wain tubtum falakum ruoosu amwalikum la tathlimoona wala tuthlamoona

تفسير الآية 279

فإن لم ترتدعوا عما نهاكم الله عنه فاستيقنوا بحرب من الله ورسوله، وإن رجعتم إلى ربكم وتركتم أَكْلَ الربا فلكم أَخْذُ ما لكم من ديون دون زيادة، لا تَظْلمون أحدًا بأخذ ما زاد على رؤوس أموالكم، ولا يظلمكم أحد بنقص ما أقرضتم.

«فإن لم تفعلوا» ما أمرتم به «فأذنوا» اعلمَوا «بحرب من الله ورسوله» لكم فيه تهديد شديد لهم ولما نزلت قالوا لا بد لنا بحربه «وإن تبتم» رجعتم عنه «فلكم رءوس» أصول «أموالكم لاتَظلمون» بزيادة «ولا تُظلمون» بنقص.

وأما من لم ينزجر بموعظة الله ولم يقبل نصيحته فإنه مشاق لربه محارب له، وهو عاجز ضعيف ليس له يدان في محاربة العزيز الحكيم الذي يمهل للظالم ولا يهمله حتى إذا أخذه، أخذه أخذ عزيز مقتدر وإن تبتم عن الربا فلكم رءوس أموالكم أي: أنزلوا عليها لا تظلمون من عاملتموه بأخذ الزيادة التي هي الربا ولا تظلمون بنقص رءوس أموالكم.

وتقدم من رواية ربيعة بن كلثوم ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : يقال يوم القيامة لآكل الربا : خذ سلاحك للحرب .ثم قرأ : ( فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله )وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ) فمن كان مقيما على الربا لا ينزع عنه فحق على إمام المسلمين أن يستتيبه ، فإن نزع وإلا ضرب عنقه .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا عبد الأعلى ، حدثنا هشام بن حسان ، عن الحسن وابن سيرين ، أنهما قالا : والله إن هؤلاء الصيارفة لأكلة الربا ، وإنهم قد أذنوا بحرب من الله ورسوله ، ولو كان على الناس إمام عادل لاستتابهم ، فإن تابوا وإلا وضع فيهم السلاح . وقال قتادة : أوعدهم الله بالقتل كما تسمعون ، وجعلهم بهرجا أينما أتوا ، فإياكم وما خالط هذه البيوع من الربا ; فإن الله قد أوسع الحلال وأطابه ، فلا تلجئنكم إلى معصيته فاقة . رواه ابن أبي حاتم .وقال الربيع بن أنس : أوعد الله آكل الربا بالقتل . رواه ابن جرير .وقال السهيلي : ولهذا قالت عائشة لأم محبة ، مولاة زيد بن أرقم ، في مسألة العينة : أخبريه أن جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بطل ، إلا أن يتوب ، فخصت الجهاد ; لأنه ضد قوله : ( فأذنوا بحرب من الله ورسوله ) قال : وهذا المعنى ذكره كثير . قال : ولكن هذا إسناده إلى عائشة ضعيف .ثم قال تعالى : ( وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ) أي : بأخذ الزيادة ( ولا تظلمون ) أي : بوضع رؤوس الأموال أيضا ، بل لكم ما بذلتم من غير زيادة عليه ولا نقص منه .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن الحسين بن إشكاب ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، عن شيبان ، عن شبيب بن غرقدة البارقي ، عن سليمان بن الأحوص عن أبيه قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فقال : " ألا إن كل ربا كان في الجاهلية موضوع عنكم كله ، لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ، وأول ربا موضوع ربا العباس بن عبد المطلب ، موضوع كله " كذا وجدته : سليمان بن الأحوص .وقد قال ابن مردويه : حدثنا الشافعي ، حدثنا معاذ بن المثنى ، أخبرنا مسدد ، أخبرنا أبو الأحوص ، حدثنا شبيب بن غرقدة ، عن سليمان بن عمرو ، عن أبيه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع ، فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون " .وكذا رواه من حديث حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن أبي حرة الرقاشي ، عن عمرو هو ابن خارجة فذكره .

ثم هدد الله- تعالى كل من يتعامل بالربا تهديدا عنيفا فقال: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.أى: فإن لم تتركوا الربا وأخذتم منه شيئا بعد نهيكم عن ذلك، فكونوا على علم ويقين بحرب كائنة من الله- تعالى- ورسوله، ومن حاربه الله ورسوله لا يفلح أبدا.وقوله: فَأْذَنُوا من أذن بالشيء يأذن إذا علمه. وقرئ فآذنوا من آذنه الأمر وآذنه به:أعلمه إياه: أى أعلموا من لم ينته عن الربا بحرب من الله ورسوله.وتنكير «حرب» للتهويل والتعظيم أى فكونوا على علم ويقين من أن حربا عظيمة ستنزل عليكم من الله ورسوله.قال بعضهم: والمراد المبالغة في التهديد دون نفس الحرب. وقال آخرون: المراد نفس الحرب بمعنى أن الإصرار على عمل الربا إن كان من شخص وقدر عليه الإمام قبض عليه وأجرى فيه حكم الله من الحبس والتعزير إلى أن تظهر منه التوبة. وإن وقع ممن يكون له عسكر وشوكة، حاربه الإمام كما يحارب الفئة الباغية، وكما حارب أبو بكر الصديق ما نعى الزكاة.وقال ابن عباس: من تعامل بالربا يستتاب فإن تاب فبها وإلا ضرب عنقه .ثم بين- سبحانه- ما يجب عليهم عند توبتهم عن التعامل بالربا فقال: وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ.أى: وإن تبتم عن التعامل بالربا الذي يوجب الحرب عليكم من الله ورسوله، فلكم رءوس أموالكم أى أصولها بأن تأخذوها ولا تأخذوا سواها، وبذلك لا تكونون ظالمين لغرمائكم، ولا يكونون ظالمين لكم، لأن من أخذ رأس ماله بدون زيادة كان مقسطا ومتفضلا، ومن دفع ما عليه بدون إنقاص منه كان صادقا في معاملته.

( فإن لم تفعلوا ) أي إذا لم تذروا ما بقي من الربا ( فأذنوا بحرب من الله ورسوله ) قرأ حمزة وعاصم برواية أبي بكر فآذنوا بالمد على وزن آمنوا أي فأعلموا غيركم أنكم حرب لله ورسوله وأصله من الأذن أي أوقعوا في الآذان وقرأ الآخرون فأذنوا مقصورا بفتح الذال أي فاعلموا أنتم وأيقنوا بحرب من الله ورسوله وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما : يقال لآكل الربا يوم القيامة خذ سلاحك للحرب ، قال أهل المعاني : حرب الله : النار وحرب رسول الله : السيف .( وإن تبتم ) أي تركتم استحلال الربا ورجعتم عنه ( فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ) بطلب الزيادة ( ولا تظلمون ) بالنقصان عن رأس المال فلما نزلت الآية قال بنو عمرو الثقفي ومن كان يعامل بالربا من غيرهم : بل نتوب إلى الله فإنه لا يدان لنا بحرب الله ورسوله فرضوا برأس المال فشكا بنو المغيرة العسرة وقالوا : أخرونا إلى أن تدرك الغلات فأبوا أن يؤخروا

-فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله هذا وعيد إن لم يذروا الربا ، والحرب داعية القتل . وروى ابن عباس أنه يقال يوم القيامة لآكل الربا : خذ سلاحك للحرب . وقال ابن عباس أيضا : من كان مقيما على الربا لا ينزع عنه فحق على إمام المسلمين أن يستتيبه ، فإن نزع وإلا ضرب عنقه . وقال قتادة : أوعد الله أهل الربا بالقتل فجعلهم بهرجا أينما ثقفوا . وقيل : المعنى إن لم تنتهوا فأنتم حرب لله ولرسوله ، أي : أعداء . وقال ابن خويزمنداد : ولو أن أهل بلد اصطلحوا على الربا استحلالا كانوا مرتدين ، والحكم فيهم كالحكم في أهل الردة ، وإن لم يكن ذلك منهم استحلالا جاز للإمام محاربتهم ، ألا ترى أن الله تعالى قد أذن في ذلك فقال : فأذنوا بحرب من الله ورسوله . وقرأ أبو بكر عن عاصم " فآذنوا " على معنى فأعلموا غيركم أنكم على حربهم .- ذكر ابن بكير قال : جاء رجل إلى مالك بن أنس فقال : يا أبا عبد الله ، إني رأيت رجلا سكرانا يتعاقر يريد أن يأخذ القمر ، فقلت : امرأتي طالق إن كان يدخل جوف ابن آدم أشر من الخمر . فقال : ارجع حتى أنظر في مسألتك . فأتاه من الغد فقال له : ارجع حتى أنظر في مسألتك فأتاه من الغد فقال له : امرأتك طالق ، إني تصفحت كتاب الله وسنة نبيه فلم أر شيئا أشر من الربا ؛ لأن الله أذن فيه بالحرب .- دلت هذه الآية على أن أكل الربا والعمل به من الكبائر ، ولا خلاف في ذلك على ما نبينه . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : يأتي على الناس زمان لا يبقى أحد إلا أكل الربا ومن لم يأكل الربا أصابه غباره وروى الدارقطني عن عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لدرهم ربا أشد عند الله تعالى من ست وثلاثين زنية في الخطيئة وروي عنه عليه السلام أنه قال : الربا تسعة وتسعون بابا أدناها كإتيان الرجل بأمه يعني الزنا بأمه . وقال ابن مسعود آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهده ملعون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم . وروى البخاري عن أبي جحيفة قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الدم وثمن الكلب وكسب البغي ولعن آكل الربا وموكله والواشمة والمستوشمة والمصور . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : اجتنبوا السبع الموبقات . . . - وفيها - وآكل الربا . وفي مصنف أبي داود عن ابن مسعود قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهده .- قوله تعالى : وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم الآية . روى أبو داود عن سليمان بن عمرو عن أبيه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع : ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع ، لكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وذكر الحديث . فردهم تعالى مع التوبة إلى رءوس أموالهم وقال لهم : لا تظلمون في أخذ الربا ولا تظلمون في أن يتمسك بشيء من رءوس أموالكم فتذهب أموالكم . ويحتمل أن يكون لا تظلمون في مطل ؛ لأن مطل الغني ظلم ، فالمعنى أنه يكون القضاء مع وضع الربا ، وهكذا سنة الصلح ، وهذا أشبه شيء بالصلح . ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أشار إلى كعب بن مالك في دين ابن أبي حدرد بوضع الشطر فقال كعب : نعم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للآخر : ( قم فاقضه ) . فتلقى العلماء أمره بالقضاء سنة في المصالحات . وسيأتي في ( النساء ) بيان الصلح وما يجوز منه وما لا يجوز ، إن شاء الله تعالى .- قوله تعالى : وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم تأكيد لإبطال ما لم يقبض منه وأخذ رأس المال الذي لا ربا فيه . فاستدل بعض العلماء بذلك على أن كل ما طرأ على البيع قبل القبض مما يوجب تحريم العقد أبطل العقد ، كما إذا اشترى مسلم صيدا ثم أحرم المشتري أو البائع قبل القبض بطل البيع ؛ لأنه طرأ عليه قبل القبض ما أوجب تحريم العقد ، كما أبطل الله تعالى ما لم يقبض ؛ لأنه طرأ عليه ما أوجب تحريمه قبل القبض ، ولو كان مقبوضا لم يؤثر . هذا مذهب أبي حنيفة ، وهو قول لأصحاب الشافعي . ويستدل به على أن هلاك المبيع قبل القبض في يد البائع وسقوط القبض فيه يوجب بطلان العقد خلافا لبعض السلف ، ويروى هذا الخلاف عن أحمد . وهذا إنما يتمشى على قول من يقول : إن العقد في الربا كان في الأصل منعقدا ، وإنما بطل بالإسلام الطارئ قبل القبض . وأما من منع انعقاد الربا في الأصل لم يكن هذا الكلام صحيحا ، وذلك أن الربا كان محرما في الأديان ، والذي فعلوه في الجاهلية كان عادة المشركين ، وأن ما قبضوه منه كان بمثابة أموال وصلت إليهم بالغصب والسلب فلا يتعرض له . فعلى هذا لا يصح الاستشهاد على ما ذكروه من المسائل . واشتمال شرائع الأنبياء قبلنا على تحريم الربا مشهور مذكور في كتاب الله تعالى ، كما حكي عن اليهود في قوله تعالى وأخذهم الربا وقد نهوا عنه . وذكر في قصة شعيب أن قومه أنكروا عليه وقالوا : أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء فعلى هذا لا يستقيم الاستدلال به . نعم ، يفهم من هذا أن العقود الواقعة في دار الحرب إذا ظهر عليها الإمام لا يعترض عليها بالفسخ إن كانت معقودة على فساد .- ذهب بعض الغلاة من أرباب الورع إلى أن المال الحلال إذا خالطه حرام حتى لم يتميز ثم أخرج منه مقدار الحرام المختلط به لم يحل ولم يطب لأنه يمكن أن يكون الذي أخرج هو الحلال والذي بقي هو الحرام . قال ابن العربي : وهذا غلو في الدين فإن كل ما لم يتميز فالمقصود منه ماليته لا عينه ولو تلف لقام المثل مقامه والاختلاط إتلاف لتمييزه كما أن الإهلاك إتلاف لعينه والمثل قائم مقام الذاهب وهذا بين حسا بين معنى . والله أعلم .قلت : قال علماؤنا إن سبيل التوبة مما بيده من الأموال الحرام إن كانت من ربا فليردها على من أربى عليه ويطلبه إن لم يكن حاضرا فإن أيس من وجوده فليتصدق بذلك عنه . وإن أخذه بظلم فليفعل كذلك في أمر من ظلمه . فإن التبس عليه الأمر ولم يدر كم الحرام من الحلال مما بيده فإنه يتحرى قدر ما بيده مما يجب عليه رده حتى لا يشك أن ما يبقى قد خلص له فيرده من ذلك الذي أزال عن يده إلى من عرف ممن ظلمه أو أربى عليه . فإن أيس من وجوده تصدق به عنه . فإن أحاطت المظالم بذمته وعلم أنه وجب عليه من ذلك ما لا يطيق أداءه أبدا لكثرته فتوبته أن يزيل ما بيده أجمع إما إلى المساكين وإما إلى ما فيه صلاح المسلمين حتى لا يبقى في يده إلا أقل ما يجزئه في الصلاة من اللباس وهو ما يستر العورة وهو من سرته إلى ركبتيه وقوت يومه لأنه الذي يجب له أن يأخذه من مال غيره إذا اضطر إليه وإن كره ذلك من يأخذه منه وفارق هاهنا المفلس في قول أكثر العلماء لأن المفلس لم يصر إليه أموال الناس باعتداء بل هم الذين صيروها إليه ، فيترك له ما يواريه وما هو هيئة لباسه . وأبو عبيد وغيره يرى ألا يترك للمفلس اللباس إلا أقل ما يجزئه في الصلاة وهو ما يواريه من سرته إلى ركبته ، ثم كلما وقع بيد هذا شيء أخرجه عن يده ولم يمسك منه إلا ما ذكرنا ، حتى يعلم هو ومن يعلم حاله أنه أدى ما عليه .هذا الوعيد الذي وعد الله به في الربا من المحاربة ، قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله في المخابرة . وروى أبو داود قال : أخبرنا يحيى بن معين قال : أخبرنا ابن رجاء قال ابن خيثم : حدثني عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من لم يذر المخابرة فليؤذن بحرب من الله ورسوله . وهذا دليل على منع المخابرة وهي أخذ الأرض بنصف أو ثلث أو ربع ، ويسمى المزارعة . وأجمع أصحاب مالك كلهم والشافعي وأبو حنيفة وأتباعهم وداود ، على أنه لا يجوز دفع الأرض على الثلث والربع ، ولا على جزء مما تخرج ؛ لأنه مجهول ، إلا أن الشافعي وأصحابه وأبا حنيفة قالوا بجواز كراء الأرض بالطعام إذا كان معلوما ، لقوله عليه السلام : فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به خرجه مسلم . وإليه ذهب محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، ومنعه مالك وأصحابه ، لما رواه مسلم أيضا عن رافع بن خديج قال : ( كنا نحاقل بالأرض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنكريها بالثلث والربع والطعام المسمى ، فجاءنا ذات يوم رجل من عمومتي فقال : نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمر كان لنا نافعا ، وطواعية الله ورسوله أنفع لنا ، نهانا أن نحاقل بالأرض فنكتريها على الثلث والربع والطعام المسمى ، وأمر رب الأرض أن يزرعها أو يزارعها . وكره كراءها وما سوى ذلك ) . قالوا : فلا يجوز كراء الأرض بشيء من الطعام مأكولا كان أو مشروبا على حال ؛ لأن ذلك في معنى بيع الطعام بالطعام نسيئا . وكذلك لا يجوز عندهم كراء الأرض بشيء مما يخرج منها وإن لم يكن طعاما مأكولا ولا مشروبا ، سوى الخشب والقصب والحطب ؛ لأنه عندهم في معنى المزابنة . هذا هو المحفوظ عن مالك وأصحابه . وقد ذكر ابن سحنون عن المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي المدني أنه قال : لا بأس بإكراء الأرض بطعام لا يخرج منها . وروى يحيى بن عمر عن المغيرة أن ذلك لا يجوز ، كقول سائر أصحاب مالك . وذكر ابن حبيب ، أن ابن كنانة كان يقول : لا تكرى الأرض بشيء إذا أعيد فيها نبت ، ولا بأس أن تكرى بما سوى ذلك من جميع الأشياء مما يؤكل ومما لا يؤكل خرج منها أو لم يخرج منها ، وبه قال يحيى بن يحيى ، وقال : إنه من قول مالك . قال : وكان ابن نافع يقول : لا بأس بأن تكرى الأرض بكل شيء من طعام وغيره خرج منها أو لم يخرج ، ما عدا الحنطة وأخواتها فإنها المحاقلة المنهي عنها . وقال مالك في الموطأ : فأما الذي يعطي أرضه البيضاء بالثلث والربع مما يخرج منها فذلك مما يدخله الغرر ؛ لأن الزرع يقل مرة ويكثر أخرى ، وربما هلك رأسا فيكون صاحب الأرض قد ترك كراء معلوما ، وإنما مثل ذلك مثل رجل استأجر أجيرا لسفر بشيء معلوم ، ثم قال الذي استأجر للأجير : هل لك أن أعطيك عشر ما أربح في سفري هذا إجارة لك . فهذا لا يحل ولا ينبغي . قال مالك : ولا ينبغي لرجل أن يؤاجر نفسه ولا أرضه ولا سفينته ولا دابته إلا بشيء معلوم لا يزول . وبه يقول الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما . وقال أحمد بن حنبل والليث والثوري والأوزاعي والحسن بن حي وأبو يوسف ومحمد : لا بأس أن يعطي الرجل أرضه على جزء ، مما تخرجه نحو الثلث والربع ، وهو قول ابن عمر وطاوس . واحتجوا بقصة خيبر وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل أهلها على شطر ما تخرجه أرضهم وثمارهم . قال أحمد : حديث رافع بن خديج في النهي عن كراء المزارع مضطرب الألفاظ ولا يصح ، والقول بقصة خيبر أولى وهو حديث صحيح . وقد أجاز طائفة من التابعين ومن بعدهم أن يعطي الرجل سفينته ودابته ، كما يعطي أرضه بجزء مما يرزقه الله في العلاج بها . وجعلوا أصلهم في ذلك القراض المجمع عليه على ما يأتي بيانه في " المزمل " إن شاء الله تعالى عند قوله تعالى : وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وقال الشافعي في قول ابن عمر : كنا نخابر ولا نرى بذلك بأسا حتى أخبرنا رافع بن خديج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها ، أي كنا نكري الأرض ببعض ما يخرج منها . قال : وفي ذلك نسخ لسنة خيبر .قلت : ومما يصحح قول الشافعي في النسخ ما رواه الأئمة واللفظ للدارقطني عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة وعن الثنيا إلا أن تعلم . صحيح . وروى أبو داود عن زيد بن ثابت قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة . قلت : وما المخابرة ؟ قال : أن تأخذ الأرض بنصف أو ثلث أو ربع .: في القراءات . قرأ الجمهور " ما بقي " بتحريك الياء ، وسكنها الحسن ، ومثله قول جرير :هو الخليفة فارضوا ما رضي لكم ماضي العزيمة ما في حكمه جنفوقال عمر بن أبي ربيعة :كم قد ذكرتك لو أجزى بذكركم يا أشبه الناس كل الناس بالقمرإني لأجذل أن أمسي مقابله حبا لرؤية من أشبهت في الصور، أصله " ما رضي " و " أن أمسي " فأسكنها ، وهو في الشعر كثير . ووجهه أنه شبه الياء بالألف فكما لا تصل الحركة إلى الألف فكذلك لا تصل هنا إلى الياء . ومن هذه اللغة ( أحب أن أدعوك ) ، ( وأشتهي أن أقضيك ) ، بإسكان الواو والياء . وقرأ الحسن " ما بقى " بالألف ، وهي لغة طيئ ، يقولون للجارية : جاراة ، وللناصية : ناصاة ، وقال الشاعر :لعمرك لا أخشى التصعلك ما بقى على الأرض قيسي يسوق الأباعراوقرأ أبو السمال من بين جميع القراء " من الربو " بكسر الراء المشددة وضم الباء وسكون الواو . وقال أبو الفتح عثمان بن جني : شذ هذا الحرف من أمرين ، أحدهما الخروج من الكسر إلى الضم ، والآخر وقوع الواو بعد الضم في آخر الاسم . وقال المهدوي . وجهها أنه فخم الألف فانتحى بها نحو الواو التي الألف منها ، ولا ينبغي أن يحمل على غير هذا الوجه ، إذ ليس في الكلام اسم آخره واو ساكنة قبلها ضمة . وأمال الكسائي وحمزة " الربا " لمكان الكسرة في الراء . الباقون بالتفخيم لفتحة الباء .وقرأ أبو بكر عن عاصم وحمزة " فآذنوا " على معنى فآذنوا غيركم ، فحذف المفعول . وقرأ الباقون فأذنوا أي كونوا على إذن ، من قولك : إني على علم ، حكاه أبو عبيد عن الأصمعي . وحكى أهل اللغة أنه يقال : أذنت به إذنا ، أي علمت به . وقال ابن عباس وغيره من المفسرين : معنى فأذنوا فاستيقنوا الحرب من الله تعالى ، وهو بمعنى الإذن . ورجح أبو علي وغيره قراءة المد قال : لأنهم إذا أمروا بإعلام غيرهم ممن لم ينته عن ذلك علموا هم لا محالة . قال : ففي إعلامهم علمهم وليس في علمهم إعلامهم . ورجح الطبري قراءة القصر ؛ لأنها تختص بهم . وإنما أمروا على قراءة المد بإعلام غيرهموقرأ جميع القراء ( لا تظلمون ) بفتح التاء ( ولا تظلمون ) بضمها . وروى المفضل عن عاصم " لا تظلمون " " ولا تظلمون " بضم التاء في الأولى وفتحها في الثانية على العكس . وقال أبو علي : تترجح قراءة الجماعة بأنها تناسب قوله : ( وإن تبتم ) في إسناد الفعلين إلى الفاعل ، فيجيء " تظلمون " بفتح التاء أشكل بما قبله .

القول في تأويل قوله تعالى : فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِقال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (فإن لم تفعلوا) فإن لم تذَروا ما بقي من الربا.* * *واختلف القرأة في قراءة قوله: " فأذنوا بحرب من الله ورسوله ".فقرأته عامة قرأة أهل المدينة: " فَأْذَنُوْا " بقصر الألف من " فآذنوا "، وفتح ذالها، بمعنى: كونوا على علم وإذن.* * *وقرأه آخرون وهي قراءة عامة قرأة الكوفيين: " فَآذِنُوا " بمدّ الألف من قوله: " فأذنوا " وكسر ذالها، بمعنى: فآذنوا غيرَكم، أعلمُوهم وأخبروهم بأنكم علىَ حرْبهم.* * *قال أبو جعفر : وأولى القراءتين بالصواب في ذلك قراءة من قرأ: " فأذَنوا " بقصر ألفها وفتح ذالها، بمعنى: اعلموا ذلك واستيقنوه، وكونوا على إذن من الله عز وجل لكم بذلك.وإنما اخترنا ذلك، لأن الله عز وجل أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن ينبذ إلى من أقام على شركه الذي لا يُقَرُّ على المقام عليه، وأن يقتُل المرتدّ عن الإسلام منهم بكل حال إلا أن يراجع الإسلام، آذنه المشركون بأنهم على حربه أو لم يُؤذنوه. (29) فإذْ كان المأمور بذلك لا يخلو من أحد أمرين، إما أن يكون كان مشركا مقيمًا على شركه الذي لا يُقَرُّ عليه، أو يكون كان مسلمًا فارتدَّ وأذن بحرب. فأي الأمرين كان، فإنما نُبذ إليه بحرب، لا أنه أمر بالإيذان بها إن عَزَم على ذلك. (30) لأن الأمر إن كان إليه، فأقام على أكل الربا مستحلا له ولم يؤذن المسلمون بالحرب، لم يَلزمهم حرْبُه، وليس ذلك حُكمه في واحدة من الحالين، فقد علم أنه المأذون بالحرب لا الآذن بها.وعلى هذا التأويل تأوله أهل التأويل.ذكر من قال ذلك:6261 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس في قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا ، إلى قوله: (فأذنوا بحرب من الله ورسوله): فمن كان مقيمًا على الرّبا لا ينزعُ عنه، فحقٌّ على إمام المسلمين أن يستتيبه، فإن نزع، وإلا ضَرب عنقه.6262 - حدثني المثنى قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا ربيعة بن كلثوم قال، حدثني أبي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: يُقال يوم القيامة لآكل الرّبا: " خذ سلاحك للحرْب ". (31)6263- حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج، قال، حدثنا ربيعة بن كلثوم، قال: حدثنا أبي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مثله.6264 - حدثنا بشر، قال، حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ أوْعدهم الله بالقتل كما تسمعون، فجعلهم بَهْرَجًا أينما ثقفوا. (32)6265 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، مثله.6266 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: " فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله "، أوعد الآكلَ الرّبا بالقتل. (33)6267 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: قوله: (فأذنوا بحرب من الله ورسوله) فاستيقنوا بحرب من الله ورسوله.* * *قال أبو جعفر: وهذه الأخبار كلها تنبئ عن أن قوله: (فأذنوا بحرب من الله) إيذان من الله عز وجل لهم بالحرب والقتل، لا أمر لهم بإيذان غيرهم.* * *القول في تأويل قوله تعالى : وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْقال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك: " إن تبتم " فتركتم أكلَ الربا وأنبتم إلى الله عز وجل =" فلكم رؤوس أموالكم " من الديون التي لكم على الناس، دون الزيادة التي أحدثتموها على ذلك ربًا منكم، كما:6268 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم "، والمال الذي لهم على ظهور الرجال، (34) جعل لهم رءوس أموالهم حين نزلت هذه الآية، فأما الربح والفضل فليس لهم، ولا ينبغي لهم أن يأخذوا منه شيئًا.6269 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، حدثنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك قال: وضع الله الرّبا، وجعل لهم رءوس أموالهم.6270 - حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة في قوله: " وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم " ، قال: ما كان لهم من دَين، فجعل لهم أن يأخذوا رءوس أموالهم، ولا يزدادُوا عليه شيئًا.6271- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم " الذي أسلفتم، وسقط الربا.6272 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: ذكر لنا أنّ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم الفتح: " ألا إن ربا الجاهلية موضوعٌ كله، وأوَّل ربا أبتدئ به ربا العباس بن عبد المطلب ".6273- حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته: " إنّ كل ربا موضوع، وأول ربًا يوضع ربا العباس ". (35) .* * *القول في تأويل قوله تعالى : لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (279)قال أبو جعفر: يعني بقوله: " لا تَظلمون " بأخذكم رؤوس أموالكم التي كانت لكم قبل الإرباء على غُرمائكم منهم، دون أرباحها التي زدتموها ربًا على من أخذتم ذلك منه من غرمائكم، فتأخذوا منهم ما ليس لكم أخذُه، أو لم يكن لكم قبلُ=" ولا تُظلمون "، يقول: ولا الغريم الذي يعطيكم ذلك دون الرّبا الذي كنتم ألزمتموه من أجل الزيادة في الأجل، يبخسُكم حقًّا لكم عليه فيمنعكموه، لأن ما زاد على رؤوس أموالكم لم يكن حقًّا لكم عليه، فيكون بمنعه إياكم ذلك ظالما لكم.* * *وبنحو الذي قلنا في ذلك كان ابن عباس يقول، وغيرُه من أهل التأويل.ذكر من قال ذلك:6274 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: " وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون "، فتُربون،" ولا تظلمون " فتنقصون.6275 - وحدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون "، قال: لا تنقصون من أموالكم، ولا تأخذون باطلا لا يحلُّ لكم.----------------(29) في المطبوعة : "أذنه المشركون بأنهم على حربه أو لم يأذنوه" . وهو خطأ في الرسم ، وفساد في المعنى بهذا الرسم . وصواب رسمه في المخطوطة ، وهو صواب المعنى .(30) في المخطوطة : "بالإنذار بها إن عزم على ذلك" ، وهي صواب في المعنى ، ولكن ما في المطبوعة عندي أرجح .(31) الأثر : 6262- انظر الأثر السالف رقم : 6241 ، والتعليق عليه .(32) البهرج : الشيء المباح . والمكان بهرج : غير حمى . وبهرج دمه : أهدره وأبطله . وفي الحديث : أنه بهرج دم ابن الحارث .(33) في المطبوعة والمخطوطة : "أوعد لآكل الربا . . . " وهو لا شيء ، والصواب ما أثبت .(34) في المطبوعة : "المال الذي لهم" بإسقاط الواو ، وأثبت ما في المخطوطة وسيأتي على الصواب رقم : 6297 . وفي المخطوطة"ظهور الرحال" بالحاء .(35) الأثران : 6272 ، 6273- حديث خطبته صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، رواه مسلم 8 : 182 ، 183 في حديث جابر بن عبد الله في حجة الوداع . وسنن البيهقي 5 : 274 ، 275 . وخرجه السيوطي في الدر المنثور 1 : 367 ، وقال"أخرج أبو داود والترمذي وصححه ، والنسائي ، وابن ماجه ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في سننه عن عمرو بن الأحوص أنه شهد حجة الوداع . . . " ، وانظر ابن كثير 2 : 65 .

وقوله : { فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله } يعني إن تمسكتم بالشرط فقد انتقض الصلح بيننا ، فاعلموا أنّ الحرب عادت جذعة ، فهذا كقوله : «وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء» . وتَنكير حرب لقصد تعظيم أمرها؛ ولأجل هذا المقصد عدل عن إضافة الحرب إلى الله وجيء عوضاً عنها بمن ونسبت إلى الله؛ لأنّها بإذنه على سبيل مجاز الإسناد ، وإلى رسوله لأنّه المبلغ والمباشر ، وهذا هو الظاهر . فإذا صح ما ذكر في سبب نزولها فهو من تجويز الاجتهاد للنبيء صلى الله عليه وسلم في الأحكام إذْ قبل من ثقيف النزول على اقتضاء ما لَهم من الربا عند أهل مكة ، وذلك قبل أن ينزل قوله تعالى : { وذروا ما بقى من الربوا } ؛ فيحتمل أنّ النبي صلى الله عليه وسلم رأى الصلح مع ثقيف على دخولهم في الإسلام مع تمكينهم مما لهم قبل قريش من أموال الربا الثابتة في ذممهم قبل التحريم مصلحة ، إذ الشأن أنّ ما سبق التشريع لا ينقض كتقرير أنكحة المشركين ، فلم يُقِرّه الله على ذلك وأمر بالانكفاف عن قبض مال الربا بعد التحريم ولو كان العقد قبل التحريم ، ولذلك جعلهم على خيرة من أمرهم في الصلح الذي عقدوه .ودلت الآية على أنّ مجرد العقد الفاسد لا يوجب فوات التدارك إلاّ بعد القبض ، ولذلك جاء قبلها «فله ما سلف» وجاء هنا { وذروا ما بقي من الربوا } إلى قوله { وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم } .وهذه الآية أصل عظيم في البيوع الفاسدة تقتضي نقضها ، وانتقالَ الضمان بالقبض ، والفواتَ بانتقال الملك ، والرجوع بها إلى رؤوس الأموال أو إلى القيم إن فاتت ، لأنّ القيمة بدل من رأس المال .ورؤوس الأموال أصولها ، فهو من إطلاق الرأس على الأصل ، وفي الحديث " رأس الأمر الإسلام " .ومعنى { لا تظلِمون ولا تظلَمون } لا تأخذون مال الغير ولا يأخذ غيركم أموالكم .وقرأ الجمهور { فاذَنوا } بهمزة وصل وفتح الذاللِ أمراً من أذِنَ ، وقرأه حمزة وأبو بكر وخلف { فآذِنوا } بهمزة قطع بعدها ألف وبذال مكسورة أمرا من آذن بكذا إذا أعلم به أي فآذنوا أنفسكم ومن حولكم .
الآية 279 - سورة البقرة: (فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ۖ وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون...)