سورة البقرة: الآية 208 - يا أيها الذين آمنوا ادخلوا...

تفسير الآية 208, سورة البقرة

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱدْخُلُوا۟ فِى ٱلسِّلْمِ كَآفَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا۟ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيْطَٰنِ ۚ إِنَّهُۥ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ

الترجمة الإنجليزية

Ya ayyuha allatheena amanoo odkhuloo fee alssilmi kaffatan wala tattabiAAoo khutuwati alshshaytani innahu lakum AAaduwwun mubeenun

تفسير الآية 208

يا أيها الذين آمنوا بالله ربًا وبمحمد نبيًا ورسولا وبالإسلام دينًا، ادخلوا في جميع شرائع الإسلام، عاملين بجميع أحكامه، ولا تتركوا منها شيئًا، ولا تتبعوا طرق الشيطان فيما يدعوكم إليه من المعاصي. إنه لكم عدو ظاهر العداوة فاحذروه.

ونزل في عبد الله بن سلام وأصحابه لما عظموا السبت وكرهوا الإبل بعد الإسلام «يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السَّلم» بفتح السين وكسرها الإسلام «كافة» حال من السلم أي في جميع شرائعه «ولا تتبعوا خطوات» طرق «الشيطان» أي تزيينه بالتفريق «إنه لكم عدو مبين» بيِّن العداوة.

هذا أمر من الله تعالى للمؤمنين أن يدخلوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً أي: في جميع شرائع الدين, ولا يتركوا منها شيئا, وأن لا يكونوا ممن اتخذ إلهه هواه, إن وافق الأمر المشروع هواه فعله, وإن خالفه, تركه، بل الواجب أن يكون الهوى, تبعا للدين, وأن يفعل كل ما يقدر عليه, من أفعال الخير, وما يعجز عنه, يلتزمه وينويه, فيدركه بنيته. ولما كان الدخول في السلم كافة, لا يمكن ولا يتصور إلا بمخالفة طرق الشيطان قال: وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ أي: في العمل بمعاصي الله إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ والعدو المبين, لا يأمر إلا بالسوء والفحشاء, وما به الضرر عليكم.

يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين به المصدقين برسوله : أن يأخذوا بجميع عرى الإسلام وشرائعه ، والعمل بجميع أوامره ، وترك جميع زواجره ما استطاعوا من ذلك .قال العوفي ، عن ابن عباس ، ومجاهد ، وطاوس ، والضحاك ، وعكرمة ، وقتادة ، والسدي ، وابن زيد ، في قوله : ( ادخلوا في السلم ) يعني : الإسلام .وقال الضحاك ، عن ابن عباس ، وأبو العالية ، والربيع بن أنس : ( ادخلوا في السلم ) يعني : الطاعة . وقال قتادة أيضا : الموادعة .وقوله : ( كافة ) قال ابن عباس ، ومجاهد ، وأبو العالية ، وعكرمة ، والربيع ، والسدي ، ومقاتل بن حيان ، وقتادة والضحاك : جميعا ، وقال مجاهد : أي اعملوا بجميع الأعمال ووجوه البر .وزعم عكرمة أنها نزلت في نفر ممن أسلم من اليهود وغيرهم ، كعبد الله بن سلام ، وثعلبة وأسد بن عبيد وطائفة استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يسبتوا ، وأن يقوموا بالتوراة ليلا . فأمرهم الله بإقامة شعائر الإسلام والاشتغال بها عما عداها . وفي ذكر عبد الله بن سلام مع هؤلاء نظر ، إذ يبعد أن يستأذن في إقامة السبت ، وهو مع تمام إيمانه يتحقق نسخه ورفعه وبطلانه ، والتعويض عنه بأعياد الإسلام .ومن المفسرين من يجعل قوله : ( كافة ) حالا من الداخلين ، أي : ادخلوا في الإسلام كلكم . والصحيح الأول ، وهو أنهم أمروا [ كلهم ] أن يعملوا بجميع شعب الإيمان وشرائع الإسلام ، وهي كثيرة جدا ما استطاعوا منها . وقال ابن أبي حاتم : أخبرنا علي بن الحسين ، أخبرنا أحمد بن الصباح ، أخبرني الهيثم بن يمان ، حدثنا إسماعيل بن زكريا ، حدثني محمد بن عون ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : ( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ) كذا قرأها بالنصب يعني مؤمني أهل الكتاب ، فإنهم كانوا مع الإيمان بالله مستمسكين ببعض أمر التوراة والشرائع التي أنزلت فيهم ، فقال الله : ( ادخلوا في السلم كافة ) يقول : ادخلوا في شرائع دين محمد صلى الله عليه وسلم ولا تدعوا منها شيئا وحسبكم بالإيمان بالتوراة وما فيها .وقوله : ( ولا تتبعوا خطوات الشيطان ) أي : اعملوا الطاعات ، واجتنبوا ما يأمركم به الشيطان ف ( إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) [ البقرة : 169 ] ، و ( إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ) [ فاطر : 6 ] ; ولهذا قال : ( إنه لكم عدو مبين ( قال مطرف : أغش عباد الله لعبيد الله الشيطان .

السِّلْمِ- بكسر السين وفتحها مع إسكان اللام- بمعنى واحد، ويطلقان على الإسلام وعلى المسالمة. وبعضهم فرق بين اللفظين فجعل «السلّم» بكسر السين- للإسلام، و «السلّم» - بفتحها- للمسالمة، وأنكر المبرد هذه التفرقة.قال الفخر الرازي: وأصل هذه الكلمة من الانقياد. قال- تعالى-: إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ. والإسلام إنما سمى إسلاما لهذا المعنى. وغلب اسم السلّم على الصلح وترك الحرب، وهذا أيضا راجع إلى هذا المعنى. لأن عند الصلح ينقاد كل واحد إلى صاحبه»وكَافَّةً أى جميعا. وهي في الأصل صفة من كف بمعنى منع، واستعملت بمعنى الجملة والجميع بعلاقة أنها مانعة من التفرق وهي حال من قوله: السِّلْمِ أى: يا أيها المؤمنون ادخلوا في الإسلام والتزموا بكل تعاليمه، ونفذوا جميع أحكامه وآدابه، واعملوا بكل أوامره ونواهيه، ولا تكونوا ممن يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض. فالمقصود التزام جميع شرائع الإسلام وأحكامه وآدابه.وبعضهم يرى أن قوله: كَافَّةً حال من فاعل ادخلوا وهو ضمير الجماعة والمعنى عليه:ادخلوا في الإسلام جميعا، وانقادوا لأحكامه مجتمعين غير متفرقين، لأنه الدين الذي ألف الله به بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا.وسواء أكان لفظ كَافَّةً حالا من السِّلْمِ أو من فاعل ادْخُلُوا فالمقصود من الآية دعوة المؤمنين إلى التمسك بجميع شعب الإسلام وشرائعه مع التزامهم برباط الإخاء الذي ربط الله به بين قلوبهم بسبب اتباعهم لهذا الدين الحنيف.وإذا كان المراد بكلمة السِّلْمِ المسالمة والمصالحة كان المعنى: يا أيها الذين آمنوا إن إيمانكم يوجب عليكم فيما بينكم أن تكونوا متصالحين غير متعادين، متحابين غير متباغضين، متجمعين غير متفرقين، كما أنه يوجب عليكم بالنسبة لغيركم ممن هو ليس على دينكم أن تسالموه متى سالمكم، وأن تحاربوه متى اعتدى عليكم، فإن دينكم ما جاء للحرب والخصام وإنما جاء للهداية وللسلام العزيز القوى الذي يرد الاعتداء بمثله.هذا هو المعنى الذي نراه ظاهرا في الآية، وهو ما سار عليه المحققون من المفسرين.وبعضهم ذكر أن الخطاب في الآية لمؤمنى أهل الكتاب، لما روى عن ابن عباس أنه قال:نزلت في عبد الله بن سلام وأصحابه، وذلك أنهم حين آمنوا بالنبي صلّى الله عليه وسلّم وآمنوا بشرائعه وشرائع موسى عليه السلام- فعظموا السبت وكرهوا لحم الإبل وألبانها بعد أن أسلموا، فأنكر عليهم المسلمون، فقالوا، إنا نقوى على هذا وهذا وقالوا للنبي صلّى الله عليه وسلّم إن التوراة كتاب الله فدعنا فلنعمل بها فأنزل الله هذه الآية. فالخطاب لمؤمنى أهل الكتاب .وبعضهم ذكر أن المراد بالآية المنافقون والتقدير: يا أيها الذين آمنوا بألسنتهم ادخلوا بكليتكم في الإسلام ولا تتبعوا خطوات الشيطان. وهذان القولان ضعفهما ظاهر، إذ لا سند لهما يعتمد عليه، ولا يؤيدهما سياق الآية الكريمة، لأن الآية الكريمة صريحة في دعوة المؤمنين إلى التمسك بجميع تعاليم الإسلام، وإلى الإخاء الجامع ونبذ التفرق والاختلاف والاعتداء.وقوله: وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ تحذير لهم مما يصدهم عن الدخول في السلّم.أى: أدخلوا في السلّم واحذروا أن تتبعوا مدارج الشيطان وطرقه إنه لكم عدو ظاهر العداوة بحيث لا تخفى عداوته على عاقل.والخطوات. جمع خطوة- بفتح الخاء وضمها- وهي ما بين قدمي من يخطو.وفي قوله: وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إشعار بأن الشيطان كثيرا ما يجر الإنسان إلى الشر خطوة فخطوة ودرجة فدرجة حتى يجعله يألفه ويقتحمه بدون تردد، وبذلك يكون ممن استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله. والعاقل من الناس هو الذي يبتعد عن كل ما هو من نزغات الشيطان ووساوسه، فإن صغير الذنوب قد يوصل إلى كبيرها، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه.وقوله: إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ جملة تعليلية، مؤكدة للنهى ومبينة لحكمته.

قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ) قرأ أهل الحجاز والكسائي السلم هاهنا بفتح السين وقرأ الباقون بكسرها وفي سورة الأنفال " وإن جنحوا للسلم " بالكسر وقرأ أبو بكر والباقون بالفتح وفي سورة محمد صلى الله عليه وسلم بالكسر حمزة وأبو بكر .نزلت هذه الآية في مؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سلام النضيري وأصحابه وذلك أنهم كانوا يعظمون السبت ويكرهون لحمان الإبل وألبانها بعدما أسلموا وقالوا : يا رسول الله إن التوراة كتاب الله فدعنا فلنقم بها في صلاتنا بالليل فأنزل الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ) أي في الإسلام قال مجاهد في أحكام أهل الإسلام وأعمالهم ) ( كافة ) أي جميعا وقيل : ادخلوا في الإسلام إلى منتهى شرائعه كافين عن المجاوزة إلى غيره وأصل السلم من الاستسلام والانقياد ولذلك قيل للصلح سلم قال حذيفة بن اليمان في هذه الآية : الإسلام ثمانية أسهم فعد الصلاة والزكاة والصوم والحج والعمرة ، والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقال : قد خاب من لا سهم له .( ولا تتبعوا خطوات الشيطان ) أي آثاره فيما زين لكم من تحريم السبت ولحوم الإبل وغيره ( إنه لكم عدو مبين )أخبرنا محمد بن الحسن المروزي أخبرنا أبو العباس الطحان أخبرنا أبو أحمد محمد بن قريش أخبرنا علي بن عبد العزيز المكي أخبرنا أبو عبيد القاسم بن سلام أخبرنا هشيم أخبرنا مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم حين أتاه عمر فقال : إنا نسمع أحاديث من يهود فتعجبنا أفترى أن نكتب بعضها؟ فقال : " أمتهوكون أنتم كما تهوكت اليهود والنصارى؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية ولو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي " .

قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبينلما بين الله سبحانه الناس إلى مؤمن وكافر ومنافق فقال : كونوا على ملة واحدة ، واجتمعوا على الإسلام واثبتوا عليه . فالسلم هنا بمعنى الإسلام ، قاله مجاهد ، ورواه أبو مالك عن ابن عباس . ومنه قول الشاعر الكندي :دعوت عشيرتي للسلم لما رأيتهم تولوا مدبريناأي إلى الإسلام لما ارتدت كندة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم مع الأشعث بن قيس الكندي ، ولأن المؤمنين لم يؤمروا قط بالدخول في المسالمة التي هي الصلح ، وإنما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم أن يجنح للسلم إذا جنحوا له ، وأما أن يبتدئ بها فلا ، قاله الطبري . وقيل : أمر من آمن بأفواههم أن يدخلوا فيه بقلوبهم . وقال طاوس ومجاهد : ادخلوا في أمر الدين . سفيان الثوري : في أنواع البر كلها . وقرئ السلم بكسر السين .قال الكسائي : السلم والسلم بمعنى واحد ، وكذا هو عند أكثر البصريين ، وهما جميعا يقعان للإسلام والمسالمة . وفرق أبو عمرو بن العلاء بينهما ، فقرأها هنا : ادخلوا في السلم وقال هو الإسلام . وقرأ التي في " الأنفال " والتي في سورة " محمد " صلى الله عليه وسلم " السلم " بفتح السين ، وقال : هي بالفتح المسالمة . وأنكر المبرد هذه التفرقة . وقال عاصم الجحدري : السلم الإسلام ، والسلم الصلح ، والسلم الاستسلام . وأنكر محمد بن يزيد هذه التفريقات وقال : اللغة لا تؤخذ هكذا ، وإنما تؤخذ بالسماع لا بالقياس ، ويحتاج من فرق إلى دليل . وقد حكى البصريون : بنو فلان سلم وسلم وسلم ، بمعنى واحد . قال الجوهري : والسلم الصلح ، يفتح ويكسر ، ويذكر ويؤنث ، وأصله من الاستسلام والانقياد ، ولذلك قيل للصلح : سلم . قال زهير :وقد قلتما إن ندرك السلم واسعا بمال ومعروف من الأمر نسلمورجح الطبري حمل اللفظة على معنى الإسلام بما تقدم . وقال حذيفة بن اليمان في هذه الآية : الإسلام ثمانية أسهم ؛ الصلاة سهم ، والزكاة سهم ، والصوم سهم ، والحج سهم ، والعمرة سهم ، والجهاد سهم ، والأمر بالمعروف سهم ، والنهي عن المنكر سهم ، وقد خاب من لا سهم له في الإسلام . وقال ابن عباس : ( نزلت الآية في أهل الكتاب ، والمعنى ، يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى ادخلوا في الإسلام بمحمد صلى الله عليه وسلم كافة ) . وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار . و " كافة " معناه جميعا ، فهو نصب على الحال من السلم أو من ضمير المؤمنين ، وهو مشتق من قولهم : كففت أي منعت ، أي لا يمتنع منكم أحد من الدخول في الإسلام . والكف المنع ، ومنه كفة القميص - بالضم - لأنها تمنع الثوب من الانتشار ، ومنه كفة الميزان - بالكسر - التي تجمع الموزون وتمنعه أن ينتشر ، ومنه كف الإنسان الذي يجمع منافعه ومضاره ، وكل مستدير كفة ، وكل مستطيل كفة . ورجل مكفوف البصر ، أي منع عن النظر ، فالجماعة تسمى كافة لامتناعهم عن التفرق .ولا تتبعوا نهي . خطوات الشيطان مفعول ، وقد تقدم . وقال مقاتل : استأذن عبد الله بن سلام وأصحابه بأن يقرءوا التوراة في الصلاة ، وأن يعملوا ببعض ما في التوراة ، فنزلت : ولا تتبعوا خطوات الشيطان فإن اتباع السنة أولى بعدما بعث محمد صلى الله عليه وسلم من خطوات الشيطان . وقيل : لا تسلكوا الطريق الذي يدعوكم إليه الشيطان .إنه لكم عدو ظاهر العداوة ، وقد تقدم .

القول في تأويل قوله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةًقال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى السلم في هذا الموضع.فقال بعضهم: معناه: الإسلام.* ذكر من قال ذلك:4008 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: " ادخلوا في السِّلم "، قال: ادخلوا في الإسلام.4009 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة قوله: " ادخلوا في السلم "، قال: ادخلوا في الإسلام.4010 - حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " ادخلوا في السلم كافة "، قال: السلم: الإسلام.4011 - حدثني موسى بن هارون، قال: أخبرنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " ادخلوا في السلم "، يقول: في الإسلام.4012 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن النضر بن عربي، عن مجاهد: ادخلوا في الإسلام.4013 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: " ادخلوا في السلم ". قال: السلم: الإسلام.4014 - حدثت عن الحسين بن فرج، قال: سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد، قال: حدثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول: " ادخلوا في السلم " : في الإسلام.* * *وقال آخرون: بل معنى ذلك: ادخلوا في الطاعة.* ذكر من قال ذلك:4015 - حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: " ادخلوا في السلم "، يقول: ادخلوا في الطاعة.* * *وقد اختلف القرأة في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء أهل الحجاز: " ادخلوا في السَّلم " بفتح السين، وقرأته عامة قرأة الكوفيين بكسر السين.فأما الذين فتحوا " السين " من " السلم "، فإنهم وجهوا تأويلها إلى المسالمة، بمعنى: ادخلوا في الصلح والمساومة وترك الحرب وإعطاء الجزية.وأما الذين قرءوا ذلك بالكسر من " السين " فإنهم مختلفون في تأويله.فمنهم من يوجهه إلى الإسلام، بمعنى ادخلوا في الإسلام كافة، ومنهم من يوجّهه إلى الصلح، بمعنى: ادخلوا في الصلح، ويستشهد على أن " السين " تكسر، وهي بمعنى الصلح بقول زهير بن أبي سلمى:وَقَدْ قُلْتُمَا إنْ نُدْرِكِ السِّلْمَ وَاسِعًابِمَالٍ وَمَعْرُوفٍ مِنَ الأمْرِ نَسْلَمِ (61)وأولى التأويلات بقوله: " ادخلوا في السلم "، قول من قال: معناه: ادخلوا في الإسلام كافة.وأمّا الذي هو أولى القراءتين بالصواب في قراءة ذلك، فقراءة من قرأ بكسر " السين " لأن ذلك إذا قرئ كذلك - وإن كان قد يحتمل معنى الصلح - فإن معنى الإسلام: ودوام الأمر الصالح عند العرب، أغلبُ عليه من الصلح والمسالمة، وينشد بيت أخي كندة:دَعَوْتُ عَشِيرَتِي لِلسِّلْمِ لَمّارَأَيْتُهُمُ تَوَلَّوْا مُدْبِرينَا (62)بكسر السين، بمعنى: دعوتهم للإسلام لما ارتدُّوا، وكان ذلك حين ارتدت كندة مع الأشعث (63) بعد وَفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.وقد كان أبو عمرو بن العلاء يقرأ سائر‍َ ما في القرآن من ذكر " السلم " بالفتح سوى هذه التي في سورة البقرة، فإنه كان يخصُّها بكسر سينها توجيهًا منه لمعناها إلى الإسلام دون ما سواها.وإنما اخترنا ما اخترنا من التأويل في قوله: " ادخلوا في السلم " وصرفنا معناه إلى الإسلام، لأن الآية مخاطب بها المؤمنون، فلن يعدوَ الخطاب إذ كان خطابًا للمؤمنين من أحد أمرين:إما أن يكون خطابًا للمؤمنين بمحمد المصدقين به وبما جاء به، فإن يكن ذلك كذلك، فلا معنى أن يقال لهم وهم أهل الإيمان: " ادخلوا في صلح المؤمنين ومسالمتهم "، لأن المسالمة والمصالحة إنما يؤمر بها من كان حربًا بترك الحرب، فأما الموالي فلا يجوز أن يقال له: " صالح فلانا "، ولا حرب بينهما ولا عداوة.= أو يكون خطابًا لأهل الإيمان بمن قبل محمد صلى الله عليه وسلم من الأنبياء المصدِّقين بهم، وبما جاءوا به من عند الله المنكرين محمدًا ونبوته، فقيل لهم: " ادخلوا في السلم "، يعني به الإسلام، لا الصُّلح. لأن الله عز وجل إنما أمر عباده بالإيمان به وبنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به، وإلى الذي دعاهم دون المسالمة والمصالحة. بل نهى نبيه صلى الله عليه وسلم في بعض الأحوال عن دعاء أهل الكفر إلى الصلح (64) فقال: فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ [محمد: 35] وإنما أباحَ له صلى الله عليه وسلم في بعض الأحوال إذا دعَوه إلى الصلح ابتداءَ المصالحة، فقال له جل ثناؤه: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا [الأنفال: 61] فأما دعاؤهم إلى الصُّلح ابتداءً، فغير موجود في القرآن، فيجوزُ توجيه قوله: " ادخلوا في السلم " إلى ذلك.* * *قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: فأيّ هذين الفريقين دعي إلى الإسلام كافة ؟قيل قد اختلف في تأويل ذلك.فقال بعضهم: دعي إليه المؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم، وما جاء به.* * *وقال آخرون: قيل: دُعي إليه المؤمنون بمن قبل محمد صلى الله عليه وسلم من الأنبياء المكذبون بمحمد.* * *فإن قال: فما وجه دعاء المؤمن بمحمد وبما جاء به إلى الإسلام ؟قيل: وجه دُعائه إلى ذلك الأمرُ له بالعمل بجميع شرائعه، وإقامة جميع أحكامه وحدوده، دون تضييع بعضه والعمل ببعضه. وإذا كان ذلك معناه، كان قوله " كافة " من صفة " السلم "، ويكون تأويله: ادخلوا في العمل بجميع معاني السلم، ولا تضيعوا شيئًا منه يا أهل الإيمان بمحمد وما جاء به.وبنحو هذا المعنى كان يقول عكرمة في تأويل ذلك.4016 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة قوله: " ادخلوا في السلم كافة " ، قال: نزلت في ثعلبة، وعبد الله بن سلام وابن يامين وأسد وأسَيْد ابني كعب وسَعْيَة بن عمرو (65) وقيس بن زيد- كلهم من يهود- قالوا: يا رسول الله، يوم السبت يومٌ كنا نعظمه، فدعنا فلنُسبِت فيه! وإن التوراة كتاب الله، فدعنا فلنقم بها بالليل ! فنزلت: " يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان " (66)* * *فقد صرح عكرمة بمعنى ما قلنا في ذلك من أن تأويل ذلك دعاء للمؤمنين إلى رَفض جميع المعاني التي ليست من حكم الإسلام، والعمل بجميع شرائع الإسلام، والنهي عن تضييع شيء من حدوده.* * *وقال آخرون: بل الفريق الذي دُعي إلى السلم فقيل لهم: " ادخلوا فيه " بهذه الآية هم أهل الكتاب، أمروا بالدخول في الإسلام.* ذكر من قال ذلك:4017 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال. قال ابن عباس في قوله: " ادخلوا في السلم كافة "، يعني أهل الكتاب.4018 - حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قول الله عز وجل: " ادخلوا في السلم كافة "، قال: يعني أهل الكتاب.* * *قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله جل ثناؤه أمر الذين آمنوا بالدخول في العمل بشرائع الإسلام كلها، وقد يدخل في" الذين آمنوا " المصدِّقون بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبما حاء به، والمصدقون بمن قبله من الأنبياء والرسل، وما جاءوا به، وقد دعا الله عز وجل كلا الفريقين إلى العمل بشرائع الإسلام وحدوده، والمحافظة على فرائضه التي فرضها، ونهاهم عن تضييع شيء من ذلك، فالآية عامة لكل من شمله اسم " الإيمان "، فلا وجه لخصوص بعض بها دون بعض.وبمثل التأويل الذي قلنا في ذلك كان مجاهد يقول.4019 - حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: " ادخلوا في السلم كافة "، قال: ادخلوا في الإسلام كافة، ادخلوا في الأعمال كافة.* * *القول في تأويل قوله تعالى : كَافَّةًقال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله (67) " كافة " عامة، جميعًا، كما:-4020 - حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة قوله: " في السلم كافة " قال: جميعًا.4021 - حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي: " في السلم كافة "، قال: جميعًا.4022 - حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع " في السلم كافة "، قال: جميعًا= وعن أبيه، عن قتادة مثله.4023 - حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع بن الجراح، عن النضر، عن مجاهد، ادخلوا في الإسلام جميعًا.4024 - حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، قال: قال ابن جريج، قال ابن عباس: " كافة "، : جميعًا.4025 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: " كافة " جميعًا، وقرأ. وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً [التوبة: 36] جميعًا.4026 - حدثت عن الحسين، قال. سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: " ادخلوا في السلم كافة "، قال: جميعًا.* * *القول في تأويل قوله تعالى : وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208)قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه. بذلك: اعملوا أيها المؤمنون بشرائع الإسلام كلها، وادخلوا في التصديق به قولا وعملا ودعوا طرائق الشيطان وآثاره أن تتبعوها فإنه لكم عدو مبين لكم عداوته. (68) وطريقُ الشيطان الذي نهاهم أن يتبعوه هو ما خالف حكم الإسلام وشرائعه، ومنه تسبيت السبت وسائر سنن أهل الملل التي تخالف ملة الإسلام.* * *وقد بينت معنى " الخطوات " بالأدلة الشاهدة على صحته فيما مضى ، فكرهت إعادته في هذا المكان. (69)-------------------الهوامش :(61) ديوانه : 16 من معلقته النبيلة . والضمير في"قلتما" للساعيان في الصلح وهما الحارث ابن عوف وهرم بن سنان ، وذلك في حرب عبس وذبيان . وقوله : "واسعًا" أي : قد استقر الأمرواطمأنت النفوس فاتسع للناس فيه ما لا يتسع لهم في زمن الحرب . وكان الحارث وهرم قد حملا الحمالة في أموالهما ، ليصطلح الناس .(62) من أبيات لامرئ القيس بن عابس الكندي وتروى لغيره . المؤتلف والمختلف : 9 والوحشيات : 75 وغيرهما وكان امرؤ القيس قد وفد على رسول الله صلى اله عليه وسلم ولم يرتد في أيام أبي بكر ، وأقام على الإسلام وكان له في الردة غناء وبلاء ، وقد قال الأبيات في زمن الردة وقبل البيت :أَلاَ أَبْلِغْ أبَا بَكْرٍ رَسُولاًوَأَبْلِغْهَا جَمِيعَ المُسْلِمِينَافَلَسْتُ مُجَاوِرًا أَبَدًا قَبِيلاًبِمَا قَالَ الرَّسُولُ مُكَذِّبِينَادَعَوْتُ عَشِيرَتِي لِلسِّلْمِ حَتَّى رَأَيْتُهُمُ أَغَارُوا مُفْسِدينَا(63) هو الأشعث بن قيس الكندين وكان وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة في سبعين راكبا من كندة ثم ارتد فيمن ارتد من العرب . وقاتل في الردة حتى هزم ثم استسلم وأسر وقدموا به على أبي بكر فقال له أبو بكر : ماذا تراني أصنع بك؟ فإنك قد فعلت ما علمت قال الأشعث : تمن علي فتفكني من الحديد وتزوجني أختك فإني قد راجعت وأسلمت . فقال أبو بكر : قد فعلت! فزوجه ام فروة بنت أبي قحافة ، فكان بالمدينة حتى فتح العراق . ثم شهد الفتوح حتى مات سنة 40 ، وله ثلاث وستون سنة .(64) في المطبوعة : " . . عن دعاء أهل الكفر إلى الإسلام" وهو خطأ لا شك فيه ، سبق قلم الكاتب فوضع"الإسلام" مكان"الصلح" ومحال أن ينهى الله نبيه عن دعاء أحد إلى الإسلام والسياق دال على الصواب كما ترى .(65) في المطبوعة : "شعبة" وفي الدر المنثور : "سعيد" والذي في أسماء يهود : "سعية" و"سعنة" وأكثر هذه الأسماء من أسماء يهود مما يصعب تحقيقها ويطول ، لكثرة الاختلاف فيها .(66) الأثر : 4016 - في الدر المنثور 1 : 241 .(67) في المطبوعة : "جل ثناؤه : كافة" بإسقاط"بقوله" وهذا سياق الكلام .(68) انظر تفسير"عدو مبين" فيما سلف 3 : 300 .(69) انظر ما سلف 3 : 301 ، 302 .

استئناف على طريقة الاعتراض انتهازاً للفرصة بالدعوة إلى الدخول في السلم ، ومناسبة ذكره عقب ما قبله أن الآيات السابقة اشتملت على تقسيم الناس تجاه الدين مراتب ، أعلاها { من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله } [ البقرة : 207 ] لأن النفس أغلى ما يبذل ، وأقلها { من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام } [ البقرة : 204 ] أي يضمر الكيد ويفسد على الناس ما فيه نفع الجميع وهو خيرات الأرض ، وذلك يشتمل على أنه اعتدى على قوم مسالمين فناسب بعد ذلك أن يدعى الناس إلى الدخول فيما يطلق عليه اسم السلم وهذه المناسبة تقوى وتضعف بحسب تعدد الاحتمالات في معنى طلب الدخول في السلم .والخطاب بيأيها الذين آمنوا خطاب للمسلمين على عادة القرآن في إطلاق هذا العنوان ، ولأن شأن الموصول أن يكون بمنزلة المعرف بلام العهد .و ( الدخول ) حقيقته نفوذ الجسم في جسم أو مكان محوط كالبيت والمسجد ، ويطلق مجازاً مشهوراً على حلول المكان الواسع يقال دخل بلاد بني أسد وهو هنا مستعار للاتباع والالتزام وشدة التلبس بالفعل .و ( السَّلم ) بفتح السين وكسرها مع سكون اللام ، قرأ نافع وابن كثير والكسائي وأبو جعفر بفتح السين وقرأ باقي العشرة بكسر السين ، ويقال سلم بفتح السين واللام قال تعالى : { ولا تقولوا لمن ألقى إليم السلم لست مؤمناً } [ النساء : 94 ] وحقيقة السلم الصلح وترك الحرب قال عباس بن مرداس :السَّلْمُ تأْخُذُ منها ما رَضِيتَ به ... والحَرْبُ تَكْفِيك من أَنْفَاسِها جُزَعوشواهد هذا كثيرة في كلامهم وقال زهير :وقد قلتما إن ندرك السِّلم واسعاً ... بكسر السين واشتقاقه من السلامة وهي النجاة من ألم أو ضر أو عناد يقال أسلم نفسه لفلان أي أعطاه إياها بدون مقاومة ، واستسلم طلب السِّلم أي ترك المقاومة ، وتقول العرب : أسلم أم حرب ، أي أأنت مسالم أم محارب ، وكلها معان متولد بعضها من بعض فلذلك جزم أئمة اللغة بأن السلم بكسر السين وفتحها وبالتحريك يستعمل كل واحد منها فيما يستعمل فيه الآخر .قالوا ويطلق السلم بلغاته الثلاث على دين الإِسلام ونسب إلى ابن عباس ومجاهد وقتادة وأنشدوا قول امرىء القيس بن عابس الكندي في قضية ردة قومه :دَعَوْت عشيرتي للسَّلْم لَمَّا ... رأيتهمو تَوَلَّوْا مُدبرينافلستُ مبدِّلاً بالله ربا ... ولا مستبدلاً بالسَّلم ديناوهذا الإطلاق انفرد بذكره أصحاب التفسير ولم يذكره الراغب في «مفردات القرآن» ولا الزمخشري في «الأساس» وصاحب «لسان العرب» وذكره في «القاموس» تبعاً للمفسرين وذكره الزمخشري في «الكشاف» حكاية قول في تفسير السِّلم هنا فهو إطلاق غير موثوق بثبوته وبيت الكندي يحتمل معنى المسالمة أي المسالمة للمسلمين ويكون قوله : «دينا» بمعنى العادة اللازمة كما قال المثقب العبدي :تقول وقد أدرت لها وضيني ... أهذا دينه أبداً ودينيوعن أبي عمرو بن العلاء السِّلم بكسر السين هو الإسلام والسَّلم بفتح السين المسالمة ، ولذلك قرأ { ادخلوا في السِّلم } في هذه السورة بكسر السين لا غير وقرأ التي في سورة الآنفال والتي في سورة محمد صلى الله عليه وسلم بفتح السين قال الطبري توجيهاً منه لمعناه هنا إلى أنه الإسلام دون الآيتين الأخريين . وأنكر المبرد هذه التفرقة وقال : اللغة لا تؤخذ هكذا وإنما تؤخذ بالسماع لا بالقياس ويَحتاج من فَرَّق إلى دليل . فكون السلم من أسماء الصلح لا خلاف فيه بين أئمة اللغة فهو مراد من الآية لا محالة وكونه يطلق على الإسلام إذا صح ذلك جاز أي يكون مراداً أيضاً ويكون من استعمال المشترك في معنييه . فعلى أن يكون المراد بالسلم المسالمة كما يقتضيه خطابهم بيأيها الذين آمنوا الذي هو كاللقب للمسلمين كان المعنى أَمْرَهم بالدخول في المسالمة دون القتال ، وكما تقتضيه صيغة الأمر في ( ادخلوا ) من أن حقيقتها طلب تحصيل فعل لم يكن حاصلاً أو كان مُفرَّطاً في بعضه .فالذي يبدو لي أن تكون مناسبة ذكر هذه الآية عقب ما تقدم هي أن قوله تعالى : { وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم } [ البقرة : 190 ] الآيات تهيئة لقتال المشركين لصدهم المسلمين عن البيت وإرجافهم بأنهم أجمعوا أمرهم على قتالهم ، والإرجاف بقتل عثمان بن عفان بمكة حين أرسله رسول الله إلى قريش ، فذكر ذلك واستطرد بعده ببيان أحكام الحج والعمرة فلما قضى حق ذلك كله وألحق به ما أمر الله بوضعه في موضعه بين في تلك الآيات ، استؤنف هنا أمرهم بالرضا بالسلم والصلح الذي عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهل مكة عام الحديبية ، لأن كثيراً من المسلمين كانوا آسفين من وقوعه ومنهم عمر بن الخطاب فقد قال : ألسْنَا على الحق وعدُوُّنا على الباطل فكيف نعطي الدَّنية في ديننا رواه أهل «الصحيح» فتكون مدة ما بين نزول المسلمين بالحديبية وتردد الرسل بينهم وبين قريش وما بين وقوع الصلح هي مدة نزول الآيات من قوله تعالى : { وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم } [ البقرة : 190 ] إلى هنا .واعلم أنه إذا كان الضمير في قوله تعالى : { هل ينظرون } [ البقرة : 210 ] راجعاً إلى { من الناس من يعجبك } [ البقرة : 204 ] أو { من الناس من يشري نفسه } [ البقرة : 207 ] كما سيأتي يكون قوله : { ياأيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم } اعتراضاً بين الجملة ذات المعاد والجملة ذات الضمير . فأما إذا فسر السلم بالإسلام أي دين الإسلام فإن الخطاب بيأيها الذين آمنوا وأمر المؤمنين بالدخول في الإسلام يُؤَوَّل بأنه أمر بزيادة التمكن منه والتغلغل فيه لأنه يقال دخل الإيمان في قلبه إذا استقر وتمكن ، قال تعالى : { ولما يدخل الإيمان في قلوبكم } [ الحجرات : 14 ] . وقال النابغة :أَبَى غفلتي أَني إذا ما ذكرتُه ... تَحَرَّك داءٌ في فُؤادِيَ دَاخِلُوهذا هو الظاهر ، فيراد بالأمر في ( ادخلوا ) الدوام على ذلك وقيل أريد بالذين آمنوا الذين أظهروا الإيمان فتكون خطاباً للمنافقين .فيؤوَّل قوله : { الذين آمنوا } بمعنى أظهروا الإيمان فيكون تهكماً بهم على حد قوله : { وقالوا يأيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون } [ الحجر : 6 ] فيكون خطاباً للمنافقين وهذا تأويل بعيد لأن الذين آمنوا صار كاللقب لمن اتبع الدين اتباعاً حقاً ، ولأن الظاهر على هذا أن يثبت للمنافقين وصف الإسلام ويطلب منهم الإيمان دون العكس ، بدليل قوله تعالى : { قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا } [ الحجرات : 14 ] .وقيل المراد بالذين آمنوا : الذين آمنوا من اليهود كعبد الله بن سَلاَم فيُؤوَّل { ادْخلوا } بمعنى شدة التلبس أي بترك ما لم يجيء به الدين ، لأنهم استمروا على تحريم السبت وترك شرب ألبان الإبل وبعض ما اعتادوه من أحوالهم أيام تهودهم إذا صح ما رواه أهل «أسباب النزول» أن طائفة من مؤمني اليهود فعلوا ذلك .ويجوز أن يكون المراد من السلم هنا المعنى الحقيقي ويراد السلم بين المسلمين يأمرهم الله تعالى بعد أن اتصفوا بالإيمان بألا يكون بعضهم حرباً لبعض كما كانوا عليه في الجاهلية ، وبتناسي ما كان بين قبائلهم من العداوات ، ومناسبة ذكر هذا عقب ما تقدم أنهم لما أمروا بذكر الله كذكرهم آباءهم وكانوا يذكرون في موسم الحججِ ترَاتِهِم ويفخرون فخراً قد يفضي إلى الحمية ، أمروا عقب ذلك بالدخول في السَّلم ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع " لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض " فتكون الآية تكملة للأحكام المتعلقة بإصلاح أحوال العرب التي كانوا عليها في الجاهلية ، وبها تكون الآية أصلاً في كون السلم أصلاً للإسلام وهو رفع التهارج كما قال الشاطبي أي التقاتل وما يفضي إليه ، وإما أن يكون المراد من السَّلم هنا السلم مع الله تعالى مع معنى المجاز ، أي ادخلوا في مسالمة الله تعالى باتباع أوامره واجتناب منهياته كما أطلق الحرب على المعصية مجازاً في قوله تعالى : { فأذنوا بحرب من الله ورسوله } [ البقرة : 279 ] وفي الحديث القدسي الذي رواه الترمذي " من عادَى لي وَلِيّاً فقد آذنتُه بالحرب " .و ( كافة ) اسم يفيد الإحاطة بأجزاء ما وصف به ، وهو في صورة صوغه كصوغ اسم الفاعلة من كَفَّ ولكن ذلك مصادفة في صيغة الوضع ، وليس فيها معنى الكف ولا حاجة إلى تكلف بيان المناسبة بين صورة لفظها وبني معناها المقصود في الكلام لقلة جدوى ذلك ، وتفيد مُفاد ألفاظ التوكيد الدالة على الشمول والإِحاطة .والتاء المقترنة بها ملازمة لها في جميع الأحوال كيفما كان المؤكد بها مؤنثاً كان أو مذكراً مفرداً أو جمعاً ، نحو { وقاتلوا المشركين كافة } [ التوبة : 36 ] ، وأكثر ما يستعمل ( كافة ) في الكلام أنه حال من اسم قبله كما هنا فقوله : «كافة» حال من ضمير { ادخلوا } أي حالة كونكم جميعاً لا يُستثنى منكم أحد ، وقال ابن هشام في «مغني اللبيب» عند الكلام على الجهة الخامسة من الباب الخامس في ذكر الحال من الفاعل ومن المفعول أن ( كافة ) إذا استعملت في معنى الجملة والإحاطة لا تكون إلاّ حالاً مما جرت عليه ، ولا تكون إلاّ نكرة ولا يكون موصوفها إلاّ مما يعقل ، ولكن الزجاج والزمخشري جوَّزا جعل كافة حالاً من السلم والسلم مؤنث ، وفي «الحواشي الهندية على المغني للدماميني» أنه وقع كافة اسماً لغير العاقل وغير حال بل مضافاً في كتاب عمر بن الخطاب لآل كاكلة «قد جعلت لآل كاكلة على كافة بيتتِ مال المسلمين لكل عام مائتي مثقال ذهباً إبريزاً في كل عام» .واعلم أن تحجير ما لم يستعمله العرب إذا سوغته القواعد تضييق في اللغة وإنما يكون اتباع العرب في استعمالهم أدخل في الفصاحة لا موجباً للوقوف عنده دون تعدية فإذا ورد في القرآن فقد نهض .وقوله : { ولا تتبعوا خطوات الشيطان } ، تحذير مما يصدهم عن الدخول في السلم المأمور به بطريق النهي ، عن خلاف المأمور به ، وفائدته التنبيه على أن ما يصدر عن الدخول في السلم هو من مسالك الشيطان المعروففِ بأنه لا يشير بالخير ، فهذا النهي إما أخص من المأمور به مع بيان علة الأمر إن كان المراد بالسلم غير شُعب الإسلام مثل أن يكون إشارة إلى ما خامر نفوس جمهورهم من كراهية إعطاء الدنية للمشركين بصلح الحديبية كما قال عُمر «ألسنا على الحق وعدونا على الباطل فلم نعطي الدَّنِيَّة في ديننا» وكما قال سهل بن حنيف يوم صفين «أيها الناس اتَّهِموا الرأي فلقد رأيتنا يوم أبي جندل ولو نستطيع أن نردّ على رسول الله فِعْلَه لفَعَلْنا والله ورسوله أعلم» بإعلامهم أن ما فعله رسول الله لا يكون إلاّ خيراً ، كما قال أبو بكر لعمر إنه رسول الله ولن يضيعه الله أبداً تنبيهاً لهم على أن ما خامر نفوسهم من كراهية الصلح هو من وساوس الشيطان ، وإما لمجرد بيان علة الأمر بالدخول في السَّلم إن كان المراد بالسلم شعب الإسلام ، والكلامُ على معنى لا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين ، وما فيه من الاستعارة تقدم عند قوله تعالى : { ياأيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً } [ البقرة : 168 ] الآية .
الآية 208 - سورة البقرة: (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان ۚ إنه لكم عدو مبين...)