سورة البقرة: الآية 118 - وقال الذين لا يعلمون لولا...

تفسير الآية 118, سورة البقرة

وَقَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا ٱللَّهُ أَوْ تَأْتِينَآ ءَايَةٌ ۗ كَذَٰلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ ۘ تَشَٰبَهَتْ قُلُوبُهُمْ ۗ قَدْ بَيَّنَّا ٱلْءَايَٰتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ

الترجمة الإنجليزية

Waqala allatheena la yaAAlamoona lawla yukallimuna Allahu aw tateena ayatun kathalika qala allatheena min qablihim mithla qawlihim tashabahat quloobuhum qad bayyanna alayati liqawmin yooqinoona

تفسير الآية 118

وقال الجهلة من أهل الكتاب وغيرهم لنبي الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم على سبيل العناد: هلا يكلمنا الله مباشرة ليخبرنا أنك رسوله، أو تأتينا معجزة من الله تدل على صدقك. ومثل هذا القول قالته الأمم من قبلُ لرسلها عنادًا ومكابرة؛ بسبب تشابه قلوب السابقين واللاحقين في الكفر والضَّلال، قد أوضحنا الآيات للذين يصدِّقون تصديقًا جازمًا؛ لكونهم مؤمنين بالله تعالى، متَّبعين ما شرعه لهم.

«وقال الذين لا يعلمون» أي كفار مكة للنبي «لولا» هلا «يكلمنا الله» بأنك رسوله «أو تأتينا آية» مما اقترحناه على صدقك «كذلك» كما قال هؤلاء «قال الذين من قبلهم» من كفار الأمم الماضية لأنبيائهم «مثل قولهم» من التعنت وطلب الآيات «تشابهت قلوبهم» في الكفر والعناد، فيه تسلية للنبي «قد بينا الآيات لقوم يوقنون» يعلمون أنها آيات فيؤمنون فاقتراحُ آية معها تعنُّت.

أي: قال الجهلة من أهل الكتاب وغيرهم: هلا يكلمنا, كما كلم الرسل، أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ يعنون آيات الاقتراح, التي يقترحونها بعقولهم الفاسدة, وآرائهم الكاسدة, التي تجرأوا بها على الخالق, واستكبروا على رسله كقولهم: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ الآية، وقالوا: لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ الآيات وقوله: وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا الآيات. فهذا دأبهم مع رسلهم, يطلبون آيات التعنت, لا آيات الاسترشاد, ولم يكن قصدهم تبين الحق، فإن الرسل, قد جاءوا من الآيات, بما يؤمن بمثله البشر, ولهذا قال تعالى: قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ فكل موقن, فقد عرف من آيات الله الباهرة, وبراهينه الظاهرة, ما حصل له به اليقين, واندفع عنه كل شك وريب.

قال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قال رافع بن حريملة لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا محمد ، إن كنت رسولا من الله كما تقول ، فقل لله فليكلمنا حتى نسمع كلامه . فأنزل الله في ذلك من قوله : ( وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية )وقال مجاهد [ في قوله ] ) وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية ) قال : النصارى تقوله .وهو اختيار ابن جرير ، قال : لأن السياق فيهم . وفي ذلك نظر .[ وحكى القرطبي ( لولا يكلمنا الله ) أي : لو يخاطبنا بنبوتك يا محمد ، قلت : وظاهر السياق أعم ، والله أعلم ] .وقال أبو العالية ، والربيع بن أنس ، وقتادة ، والسدي في تفسير هذه الآية : هذا قول كفار العرب ( كذلك قال الذين من قبلهم [ مثل قولهم ] ) قالوا : هم اليهود والنصارى . ويؤيد هذا القول ، وأن القائلين ذلك هم مشركو العرب ، قوله تعالى : ( وإذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله الله أعلم حيث يجعل رسالته سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون ) [ الأنعام : 123 ] .وقوله تعالى : ( وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا ) [ الإسراء : 90 ، 93 ] ، وقوله تعالى : ( وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا ) [ الفرقان : 21 ] ، وقوله : ( بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة ) [ المدثر : 52 ] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على كفر مشركي العرب وعتوهم وعنادهم وسؤالهم ما لا حاجة لهم به ، إنما هو الكفر والمعاندة ، كما قال من قبلهم من الأمم الخالية من أهل الكتابين وغيرهم ، كما قال تعالى : ( يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة ) [ النساء : 153 ] وقال تعالى : ( وإذ قلتم ياموسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ) [ البقرة : 55 ] .وقوله : ( تشابهت قلوبهم ) أي : أشبهت قلوب مشركي العرب قلوب من تقدمهم في الكفر والعناد والعتو ، كما قال تعالى : ( كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به بل هم قوم طاغون ) [ الذاريات : 52 ، 53 ] .وقوله : ( قد بينا الآيات لقوم يوقنون ) أي : قد وضحنا الدلالات على صدق الرسل بما لا يحتاج معها إلى سؤال آخر وزيادة أخرى ، لمن أيقن وصدق واتبع الرسل ، وفهم ما جاءوا به عن الله تبارك وتعالى . وأما من ختم الله على قلبه وجعل على بصره غشاوة فأولئك الذين قال الله تعالى فيهم : ( إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم ) [ يونس : 96 ، 97 ] .

عن ابن عباس قال: قال رافع بن حريملة اليهودي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم يا محمد، إن كنت رسولا من الله كما تقول، فقل لله يكلمنا حتى نسمع كلامه فأنزل الله هذه الآية.فالآية الكريمة معطوفة على قوله: وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً ...ومعنى الآية الكريمة. وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ علما نافعا أمثال هؤلاء اليهود الذين طالبوك بالمطالب المتعنتة- يا محمد- لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ إما مشافهة، أو بواسطة الوحى إلينا لا إليك، أو يرينا حجة تقوم على صدق رسالتك، قالوا هذا على وجه العناد والجحود أن تكون الآيات التي أقامها الله على صدق رسالته آيات حقا.وقد رد الله تعالى عليهم بقوله: كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ أى: مثل هذا القول المتعنت، قال الجاحدون من أسلافهم الذين أرسل الله إليهم الرسل ليخرجوهم من الظلمات إلى النور وفي هذه الجملة تسلية للرسول صلّى الله عليه وسلّم بأن ما لاقاه من قومه مثل ما لقيه الرسل من قبله.تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ أى تشابهت قلوب هؤلاء وأولئك في العناد والضلال.قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ أى: جعلناها بينة واضحة في ذاتها لمن شأنهم الإخلاص في طلب الحق أينما كان، فيتجهون إليه عن طريق الأدلة الصحيحة بقلوب نقية من الأهواء موقنة بجلال الحق ووجوب الطاعة.قال الإمام الرازي: وتقرير شبهتهم أن الحكيم إذا أراد تحصيل شيء، اختار أقرب الطرق إليه، وبما أن الله قد كلم موسى وكلمك يا محمد فلم لا يكلمنا مشافهة، أو يخصك بمعجزة يتجلى من ورائها صدق نبوتك، وهذا منهم طعن في أن القرآن معجزة، لأنهم لو أقروا بذلك لاستحال أن يقولوا ما قالوه.فأجابهم الله عن هذه الشبهة بقوله كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ وحاصل هذا الجواب: أنا قد أيدنا قول محمد بالمعجزات، وبينا صحة قوله بالقرآن وسائر الحجج، فكان طلب هذه الزوائد من باب التعنت. وعليه فلن تجاب مطالبكم لوجوه منها:1- لو كان في معلوم الله أنهم يؤمنون عند إنزال هذه الآيات لفعلها ولكنه علم أنه لو أعطاهم ما سألوه لازدادوا لجاجا.2- أن حصول الدلالة الواحدة تمكن المكلف من الوصول إلى المطلوب، فإذا لم يكتف بها، كان طلبه من باب المعاندة.3- ربما كانت كثرة المعجزات وتعاقبها تقدح في كونها معجزة لأن الخوارق متى توالت كان انخراق العادة عادة. فثبت أن عدم إسعافهم بهذه الآيات لا يقدح في النبوة .هذا، وبعض المفسرين يرى أن المراد «بالذين لا يعلمون» اليهود، وبعضهم يرى أن المراد بهم مشركو العرب وبعضهم يرى أن المراد بهم النصارى، ونحن نرى أن اللفظ صالح لأن يندرج تحته جميع هذه الطوائف قضاء لحق الموصول المفيد للتعميم، ولكنا نختار أن اليهود هم المقصودون قصدا أوليا من هذه الآية للأسباب الآتية:1- الآية ضمن سلسلة طويلة من الآيات السابقة عليها واللاحقة لها، وكلها تتحدث عن بنى إسرائيل وأحوالهم وأخلاقهم.2- جملة كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ قرينة على أن المقصود بالذين لا يعلمون هم اليهود المعاصرون للعهد النبوي، حيث كان أجدادهم يطلبون من موسى مثل هذه المطالب، لقد قالوا له: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً وقالوا: أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً وطلبوا منه كثيرا من المطالب المتعنتة.3- الآية مدنية ومن سورة البقرة التي هي من أوائل ما نزل على الرسول صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة، ومن المعروف أن حديث القرآن المدني عن أهل الكتاب بصفة عامة، وعن اليهود بصفة خاصة، أكثر من حديثه عن مشركي العرب، لأن البيئة المدنية صلتها بأهل الكتاب أشد وألصق.4- سبب نزول الآية الذي ذكرناه يؤيد أن اليهود مقصودون قصدا أوليا في هذه الآية.5- القائلون بأن المراد بالذين لا يعلمون مشركو العرب، دعموا قولهم بأن آيات القرآن التي تحكى عنهم أمثال هذه المقترحات مستفيضة. وكأنهم يستبعدون أن تصدر مثل هذه الأسئلة عن اليهود.وردنا عليهم أن القرآن الكريم قد حكى عن اليهود أمثال هذه الأسئلة بدليل قوله تعالى:يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً، فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً.6- الإمام ابن جرير رجح أن المراد ب الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ النصارى، مستدلا بأن ذلك في سياق خبر الله عنهم، فالآية السابقة على هذه الآية تقول.وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ، بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ والنصارى هم الذين قالوا ذلك.وهذا الاستدلال لا نوافقه عليه لما يأتى:(أ) لأن الآية ليست في سياق خبر الله عن النصارى، وإنما هي في سياق خبر الله عن اليهود، الذين زخرت سورة البقرة ببيان مواقفهم وحجاجهم وأخلاقهم في أكثر من مائة آية سابقة ولاحقة من هذه السورة.(ب) ليس النصارى وحدهم هم الذين قالوا اتخذ الله ولدا وإنما اليهود أيضا قالوا ذلك، قال تعالى: وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ، وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ .(ج) لم يأت الإمام ابن جرير بدليل واحد ينقض به رأى القائلين بأن المراد بالذين لا يعلمون اليهود، ولم يتعرض للنص الذي أورده ابن عباس في سبب نزول الآية بالتضعيف أو الإعلال، مع أنه انتقد رأى القائلين بأن المراد بهم مشركو العرب (بأنه قول لا برهان على حقيقته في ظاهر الكتاب) .هذا وبعد تلك الأدلة على ما ذهبنا إليه نعود فنقول مرة أخرى: إننا لا نمانع في أن يكون المراد بالذين لا يعلمون جميع الطوائف المشركة ولكنا نرجح أن اليهود هم المقصودون قصدا أوليا مهما دخل غيرهم معهم في السياق، وإن الآية قد نزلت للرد على مطالبهم المتعنتة واقتراحاتهم التي لا خير من ورائها، ومحاولاتهم الطعن في نبوة النبي صلّى الله عليه وسلّم.

قوله تعالى: وقال الذين لا يعلمون قال ابن عباس رضي الله عنهما: "اليهود"، وقال مجاهد: "النصارى"، وقال قتادة: "مشركو العرب".لولا هلا. وكل ما في القرآن (لولا) فهو بمعنى هلا، إلا واحداً، وهو قوله: فلولا أنه كان من المسبحين [143-الصافات] معناه فلو لم يكنيكلمنا الله عياناً بأنك رسوله.أو تأتينا آية دلالة وعلامة على صدقك في ادعائك النبوة.قال الله تعالى: كذلك قال الذين من قبلهم أي كفار الأمم الخالية.مثل قولهم تشابهت قلوبهم أي أشبه بعضها بعضاً في الكفر والقسوة وطلب المحال.قد بينا الآيات لقوم يوقنون.

قوله تعالى : وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا الآيات لقوم يوقنونقوله تعالى : وقال الذين لا يعلمون قال ابن عباس : هم اليهود . مجاهد : النصارى ، ورجحه الطبري ، لأنهم المذكورون في الآية أولا . وقال الربيع والسدي وقتادة : مشركو العرب . ولولا بمعنى " هلا " تحضيض ، كما قال الأشهب بن رميلة :تعدون عقر النيب أفضل مجدكم بني ضوطرى لولا الكمي المقنعاوليست هذه " لولا " التي تعطي منع الشيء لوجود غيره ، والفرق بينهما عند علماء اللسان أن " لولا " بمعنى التحضيض لا يليها إلا الفعل مظهرا أو مقدرا ، والتي للامتناع يليها الابتداء ، وجرت العادة بحذف الخبر . ومعنى الكلام هلا يكلمنا الله بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم فنعلم أنه نبي فنؤمن به ، أو يأتينا بآية تكون علامة على نبوته . والآية : الدلالة والعلامة ، وقد تقدم والذين من قبلهم اليهود والنصارى في قول من جعل الذين لا يعلمون كفار العرب ، أو الأمم السالفة في قول من جعل الذين لا يعلمون اليهود والنصارى ، أو اليهود في قول من جعل الذين لا يعلمون النصارى .تشابهت قلوبهمقيل : في التعنيت والاقتراح وترك الإيمان . وقال الفراء . تشابهت قلوبهم في اتفاقهم على الكفر . قد بينا الآيات لقوم يوقنون تقدم .

القول في تأويل قوله : وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌقال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل فيمن عنى الله بقوله: ( وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ ) ، فقال بعضهم: عنى بذلك النصارى.* ذكر من قال ذلك:1860- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله جل وعز: (وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية) ، قال: النصارى تقوله.1861- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله - وزاد فيه (وقال الذين لا يعلمون) ، النصارى.* * *وقال آخرون: بل عنى الله بذلك اليهود الذين كانوا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم.* ذكر من قال ذلك:1862- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا يونس بن بكير. وحدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة بن الفضل ، قالا جميعا: حدثنا محمد بن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد قال، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس قال، قال رافع بن حريملة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كنت رسولا من عند الله كما تقول ، فقل لله عز وجل فليكلمنا حتى نسمع كلامه! فأنزل الله عز وجل في ذلك من قوله: (وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية) ، الآية كلها. (63)* * *وقال آخرون: بل عنى بذلك مشركي العرب.* ذكر من قال ذلك:1863- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة: (وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية) ، وهم كفار العرب.1864- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع: (وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله) ، قال: هم كفار العرب.1865- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط ، عن السدي: (وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله) ، أما الذين لا يعلمون: فهم العرب.* * *وأولى هذه الأقوال بالصحة والصواب قول القائل: إن الله تعالى عنى بقوله: (وقال الذين لا يعلمون)، النصارى دون غيرهم. لأن ذلك في سياق خبر الله عنهم ، وعن افترائهم عليه وادعائهم له ولدا. فقال جل ثناؤه ، مخبرا عنهم فيما أخبر عنهم من ضلالتهم أنهم مع افترائهم على الله الكذب بقوله: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ، تمنوا على الله الأباطيل ، فقالوا جهلا منهم بالله وبمنزلتهم عنده وهم بالله مشركون: (لولا يكلمنا الله ) ، كما يكلم رسوله وأنبياءه ، أو تأتينا آية كما أتتهم؟ ولا ينبغي لله أن يكلم إلا أولياءه ، ولا يؤتي آية معجزة على دعوى مدع إلا لمن كان محقا في دعواه وداعيا إلى الله وتوحيده، فأما من كان كاذبا في دعواه وداعيا إلى الفرية عليه وادعاء البنين والبنات له ، فغير جائز أن يكلمه الله جل ثناؤه ، أو يؤتيه آية معجزة تكون مؤيدة كذبه وفريته عليه.وأمّا الزاعم: أن الله عنى بقوله (64) (وقال الذين لا يعلمون) العرب ، فإنه قائل قولا لا خبر بصحته ، ولا برهان على حقيقته في ظاهر الكتاب. والقول إذا صار إلى ذلك كان واضحا خطؤه ، لأنه ادعى ما لا برهان على صحته ، وادعاء مثل ذلك لن يتعذر على أحد.* * *وأما معنى قوله: (لولا يكلمنا الله) ، فإنه بمعنى: هلا يكلمنا الله! كما قال الأشهب بن رميلة: (65)تعدون عقر النيب أفضل مجدكمبني ضوطرى , لولا الكمي المقنعا (66)بمعنى: فهلا تعدون الكمي المقنع! كما:1866- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله: (لولا يكلمنا الله) قال: فهلا يكلمنا الله!قال أبو جعفر: فأما " الآية " فقد ثبت فيما قبل معنى الآية أنها العلامة. (67) وإنما أخبر الله عنهم أنهم قالوا: هلا تأتينا آية على ما نريد ونسأل ، (68) كما أتت الأنبياء والرسل! فقال عز وجل: كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ .* * *القول في تأويل قوله تعالى : كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْقال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل فيمن عنى الله بقوله: (كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم) ، فقال بعضهم في ذلك بما:-1867- حدثني به محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: (كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم) ، هم اليهود.1868- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: (قال الذين من قبلهم) ، اليهود.* * *وقال آخرون: هم اليهود والنصارى ، لأن الذين لا يعلمون هم العرب. (69)* ذكر من قال ذلك:1869- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع ، عن سعيد ، عن قتادة: (قال الذين من قبلهم) ، يعني اليهود والنصارى وغيرهم.1870- حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط ، عن السدي قال، قالوا يعني - العرب- كما قالت اليهود والنصارى من قبلهم.1871- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر ، &; 2-555 &; عن أبيه ، عن الربيع: (كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم) ، يعني اليهود والنصارى.* * *قال أبو جعفر: قد دللنا على أن الذين عنى الله تعالى ذكره بقوله: وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ ، هم النصارى ، والذين قالوا مثل قولهم هم اليهود (70) سألت موسى صلى الله عليه وسلم أن يريهم ربهم جهرة ، (71) وأن يسمعهم كلام ربهم ، كما قد بينا فيما مضى من كتابنا هذا - (72) وسألوا من الآيات ما ليس لهم مسألته تحكما منهم على ربهم ، وكذلك تمنت النصارى على ربها تحكما منها عليه أن يسمعهم كلامه ويريهم ما أرادوا من الآيات. فأخبر الله جل ثناؤه عنهم أنهم قالوا من القول في ذلك ، مثل الذي قالته اليهود وتمنت على ربها مثل أمانيها ، وأن قولهم الذي قالوه من ذلك إنما يشابه قول اليهود من أجل تشابه قلوبهم في الضلالة والكفر بالله. فهم وإن اختلفت مذاهبهم في كذبهم على الله وافترائهم عليه ، فقلوبهم متشابهة في الكفر بربهم والفرية عليه ، وتحكمهم على أنبياء الله ورسله عليهم السلام. وبنحو ما قلنا في ذلك قال مجاهد.1872- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد: (تشابهت قلوبهم) قلوب النصارى واليهود.* * *وقال غيره: (73) معنى ذلك تشابهت قلوب كفار العرب واليهود والنصارى وغيرهم.* ذكر من قال ذلك:1873- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد ، عن &; 2-556 &; قتادة: (تشابهت قلوبهم)، يعني العرب واليهود والنصارى وغيرهم.1874- حدثني المثنى ، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع: (تشابهت قلوبهم) ، يعني العرب واليهود والنصارى وغيرهم.* * *قال أبو جعفر : وغير جائز في قوله: (تشابهت) التثقيل ، لأن التاء التي في أولها زائدة أدخلت في قوله: " تفاعل " ، وإن ثقلت صارت تاءين، ولا يجوز إدخال تاءين زائدتين علامة لمعنى واحد ، وإنما يجوز ذلك في الاستقبال لاختلاف معنى دخولهما، لأن إحداهما تدخل علما للاستقبال ، والأخرى منها التي في" تفاعل " ، ثم تدغم إحداهما في الأخرى فتثقل ، فيقال: تشابه بعد اليوم قلوبنا. (74)* * *فمعنى الآية: وقالت النصارى ، الجهال بالله وبعظمته: هلا يكلمنا الله ربنا ، كما كلم أنبياءه ورسله ، أو تجيئنا علامة من الله نعرف بها صدق ما نحن عليه على ما نسأل ونريد؟ قال الله جل ثناؤه: فكما قال هؤلاء الجهال من النصارى وتمنوا على ربهم ، قال من قبلهم من اليهود ، فسألوا ربهم أن يريهم الله نفسه جهرة ، ويؤتيهم آية ، واحتكموا عليه وعلى رسله ، وتمنوا الأماني. فاشتبهت قلوب اليهود والنصارى في تمردهم على الله وقلة معرفتهم بعظمته وجرأتهم على أنبيائه ورسله ، كما اشتبهت أقوالهم التي قالوها.* * *القول في تأويل قوله تعالى : قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118)قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (قد بينا الآيات لقوم يوقنون) ، قد بينا العلامات التي من أجلها غضب الله على اليهود ، وجعل منهم القردة والخنازير ، وأعد لهم العذاب المهين في معادهم ، والتي من أجلها أخزى الله النصارى في الدنيا ، وأعد لهم الخزي والعذاب الأليم في الآخرة ، والتي من أجلها جعل سكان الجنان الذين أسلموا وجوههم لله وهم محسنون في هذه السورة وغيرها. فأعلموا الأسباب التي من أجلها استحق كل فريق منهم من الله ما فعل به من ذلك ، وخص الله بذلك القوم الذين يوقنون، لأنهم أهل التثبت في الأمور ، والطالبون معرفة حقائق الأشياء على يقين وصحة. فأخبر الله جل ثناؤه أنه بين لمن كانت هذه الصفة صفته ما بين من ذلك ليزول شكه ، ويعلم حقيقة الأمر، إذْ كان ذلك خبرا من الله جل ثناؤه ، وخبر الله الخبر الذي لا يعذر سامعه بالشك فيه. وقد يحتمل غيره من الأخبار ما يحتمل من الأسباب العارضة فيه من السهو والغلط والكذب ، وذلك منفي عن خبر الله عز وجل.---------------------(63) الأثر : 1862 - سيرة ابن هشام 2 : 198 .(64) في المطبوعة : "وقال الزاعم . . " والصواب ما أثبت ، كما استدركه مصحح المطبوعة .(65) ليس للأشهب ، بل هو لجرير ، وقد تابعه ابن الشجري في أماليه 2 : 210 ، كأنه نقله عنه كعادته .(66) ديوان جرير : 338 ، النقائض : 833 ، وسيأتي في التفسير 7 : 119 (بولاق) غير منسوب ، ومجاز القرآن : 52 ، وأمالي ابن الشجري 1 : 279 ، 334 / 2 : 210 ، والخزانة 1 : 461 . ورواية الديوان والنقائض : "أفضل سعيكم" . والبيت من قصيدة طويلة في مناقضة جرير والفرزدق . وقوله : "عقر النيب" . عقر الناقة أو الفرس : ضرب قوائمها فقطعها ، وكانوا إذا أرادوا نحر البعير عقروه ، ثم نحروه ، وإنما يفعلون به ذلك كيلا يشرد عند النحر . وكان العرب يتكارمون بالمعاقرة . وهي أن يعقر هذا ناقة ، فيعقر الآخر ، يتباريان في الجود والسخاء ، ويلحان في ذلك حتى يغلب أحدهما صاحبه . والنيب جمع ناب : وهي الناقة المسنة ، أسموها بذلك لطول نابها . ويشير جرير بذلك إلى ما كان يفخر به الفرزدق من معاقرة أبيه غالب بن صعصعة ، سحيم بن وثيل الرياحي بمكان يقال له"صوأر" ، فعقر سحيم خمسا ثم بدا له ، وعقر غالب مئة ، أو مئتين . وهذا أمر من أمور الجاهلية قال ابن عباس : " لا تأكلوا من تعاقر الأعراب ، فإني لا آمن أن يكون مما أهل لغير الله به" ، وقال علي رضي الله عنه : "يا أيها الناس ، لا تحل لكم ، فإنها أهل بها لغير الله" . (انظر خبر المعاقرة في النقائض : 625 - 626) .وقوله : "بني ضوطرى" ، يعني : يا بني الحمقى . هكذا قيل ، وأخشى أن لا يكون كذلك ، فإن : "ضوطرى" نبز لرجل من بني مجاشع بن دارم - لم يعينوه - فقال جرير للفرزدق :إن ابن شعرة, والقرين, وضوطرىبئس الفوارس ليلة الحدثانفهذا دليل على أنه شخص بعينه ، أرجو أن أحققه في غير هذا المكان . وقد أراد ذمه بأسلافه على كل . والكمي : الشجاع الذي لا يرهب ، فلا يحيد عن قرنه ، كان عليه سلاح أو لم يكن .وقوله : "تعدون" أي تحسبون وتجعلون ، فعدى الفعل"عد" إلى مفعولين ، تضمينا لمعنى"جعل وحسب" ، كما قال ذو الرمة :(67) انظر ما سلف : 1 : 106 .(68) في المطبوعة : "عما نريده ونسأل" ، والصواب ما أثبت .(69) في المطبوعة : "هم اليهود" ، والصواب ما أثبت ، كما استظهره مصحح المطبوعة ، ودليل ذلك أنه سيروى بعد عن قتادة ، وقد مضى في رقم : 1763 بإسناده هذا عن قتادة : أن" الذين لا يعلمون" ، هم كفار العرب ، والأثر التالي تتمة هذا الأثر السالف .(70) في المطبوعة : "والذين قالت" . والضمير في قوله"والذين قالوا" إلى النصارى يعود . وانظر دليله فيما سلف قريبا : 550 .(71) في المطبوعة : "وسألت موسى" ، وحذف الواو أولى . وكان أحب أن يكون"سألوا" مكان"سألت" .(72) انظر ما سلف في تفسير الآية : 55 ، والأثر : 959 .(73) في المطبوعة : "وقال غيرهم" ، والصواب ما أثبت ، فإنه روى قول مجاهد وحده .(74) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 75 ، وعبارة الطبري هنا تصحح الخطأ الذي هناك

عطف على قوله : { وقالوا اتخذ الله ولداً } [ البقرة : 116 ] المعطوف على قوله : { وقالت اليهود ليست النصارى } [ البقرة : 113 ] . لمناسبة اشتراك المشركين واليهود والنصارى في الأقوال والعقائد الضالة إلا أنه قدم قول أهل الكتاب في الآية الماضية وهي { وقالت اليهود } لأنهم الذين ابتدأوا بذلك أيام مجادلتهم في تفاضل أديانهم ويومئذ لم يكن للمشركين ما يوجب الاشتغال بذلك إلى أن جاء الإسلام فقالوا مثل قول أهل الكتاب .وجمع الكل في { وقالوا اتخذ الله ولداً } إلا أنه لم يكن فريق من الثلاثة فيه مقتبساً من الآخر بل جميعه ناشىء من الغلو في تقديس الموجودات الفاضلة ومنشؤه سوء الفهم في العقيدة سواء كانت مأخوذة من كتاب كما تقدم في منشأ قول أهل الكتابين { اتخذ الله ولداً } أم مأخوذة من أقوال قادتهم كما قالت العرب : الملائكة بنات الله .وقدم قول المشركين هنا لأن هذا القول أعلق بالمشركين إذ هو جديد فيهم وفاششٍ بينهم ، فلما كانوا مخترعي هذا القول نسب إليهم ، ثم نظر بهم الذين من قبلهم وهم اليهود والنصارى ، إذ قالوا مثل ذلك لرسلهم .و { لولا } هنا حرف تحضيض قصد منه التعجيز والاعتذار عن عدم الإصغاء للرسول استكباراً بأن عدوا أنفسهم أحرياء بالرسالة وسماع كلام الله تعالى وهذا مبالغة في الجهالة لا يقولها أهل الكتاب الذين أثبتوا الرسالة والحاجة إلى الرسل .وقوله : { أو تأتينا آية } أرادوا مطلق آية فالتنكير للنوعية وحينئذ فهو مكابرة وجحود لما جاءهم من الآيات وحسبك بأعظمها وهو القرآن وهذا هو الظاهر من التنكير وقد سألوا آيات مقترحات { وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً } [ الإسراء : 90 ] الآيات وهم يحسبون أن الآيات هي عجائب الحوادث أو المخلوقات وما دروا أن الآية العلمية العقلية أوضح المعجزات لعمومها ودوامها وقد تحداهم الرسول بالقرآن فعجزوا عن معارضته وكفاهم بذلك آية لو كانوا أهل إنصاف .وقوله : { كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم } أي كمثل مقالتهم هذه قال الذين من قبلهم من الأمم مثل قولهم . والمراد بالذين من قبلهم اليهود والنصارى فقد قال اليهود لموسى : { لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة } [ البقرة : 55 ] وسأل النصارى عيسى { هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء } [ المائدة : 112 ] .وفي هذا الكلام تسلية للنبيء صلى الله عليه وسلم بأن ما لقيه من قومه مثل ما لاقاه الرسل قبله ولذلك أردفت هذه الآية بقوله : { إنا أرسلناك بالحق } [ البقرة : 119 ] الآية . ثم يجوز أن تكون جملة { كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم } واقعة موقع الجواب لمقالة الذين لا يعلمون وهو جواب إجمالي اقتصر فيه على تنظير حالهم بحال من قبلهم فيكون ذلك التنظير كناية عن الإعراض عن جواب مقالهم وأنه لا يستأهل أن يجاب لأنهم ليسوا بمرتبة من يكلمهم الله وليست أفهامهم بأهل لإدراك ما في نزول القرآن من أعظم آية وتكون جملة { تشابهت قلوبهم } تقريراً أي تشابهت عقولهم في الأفن وسوء النظر ، وتكون جملة { قد بينا الآيات لقوم يوقنون } تعليلاً للإعراض عن جوابهم بأنهم غير أهل للجواب لأن أهل الجواب هم القوم الذين يوقنون وقد بينت لهم آيات القرآن بما اشتملت عليه من الدلائل ، وأما هؤلاء فليسوا أهلاً للجواب لأنهم ليسوا بقوم يوقنون بل ديدنهم المكابرة .ويجوز أن تكون جملة { كذلك } ( قال ) إلى آخرها معترضة بين جملة { وقال الذين لا يعلمون } وبين جملة { قد بيَّنَّا الآيات } وتجعل جملة { قد بينا الآيات } هي الجواب عن مقالتهم . والمعنى لقد أتتكم الآية وهي آيات القرآن ولكن لا يعقلها إلا الذين يوقنون أي دونكم فيكون على وزان قوله تعالى : { أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم } [ العنكبوت : 51 ] . ووقع الإعراض عن جواب قولهم { لولا يكلمنا الله } لأنه بديهي البطلان كما قال تعالى : { وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتو عتواً كبيراً } [ الفرقان : 21 ] .والقول في مرجع التشبيه والمماثلة من قوله { كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم } على نحو القول في الآية الماضية { كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم } [ البقرة : 113 ] .وقوله : { تشابهت قلوبهم } تقرير لمعنى { قال الذين من قبلهم مثل قولهم } ، أي كانت عقولهم متشابهة في الأفن وسوء النظر فلذا اتحدوا في المقالة . فالقلوب هنا بمعنى العقول كما هو المتعارف في اللغة العربية .وقوله { تشابهت } صيغة من صيغ التشبيه وهي أقوى فيه من حروفه وأقرب بالتشبيه البليغ ، ومن محاسن ما جاء في ذلك قول الصابىء :تشابه دمعي إذ جرى ومُدامتي ... فمِن مثل ما في الكأس عيني تسكُبوفي هذه الآية جعلت اليهود والنصارى مماثلين للمشركين في هذه المقالة لأن المشركين أعرق فيها إذ هم أشركوا مع الله غيره فليس ادعاؤهم ولداً لله بأكثر من ادعائهم شركة الأصنام مع الله في الإلاهية فكان اليهود والنصارى ملحقين بهم لأن دعوى الابن لله طرأت عليهم ولم تكن من أصل ملتهم وبهذا الأسلوب تأتى الرجوع إلى بيان أحوال أهل الكتابين الخاصة بهم وذلك من رد العجز على الصدر .وجيء بالفعل المضارع في { يوقنون } لدلالته على التجدد والاستمرار كناية عن كون الإيمان خُلقاً لهم فأما الذين دأبهم الإعراض عن النظر والمكابرة بعد ظهور الحق فإن الإعراض يحول دون حصول اليقين والمكابرة تحول عن الانتفاع به فكأنه لم يحصل فأصحاب هذين الخلقين ليسوا من الموقنين .وتبيين الآيات هو ما جاء من القرآن المعجز للبشر الذي تحدى به جميعهم فلم يستطيعوا الإتيان بمثله كما تقدم ، وفي الحديث : « ما من الأنبياء نبيء إلا أوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر وإنما كان الذي أوتيت وحياً أوحى الله إليَّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة » فالمعنى قد بينا الآيات لقوم من شأنهم أن يوقنوا ولا يشككوا أنفسهم أو يعرضوا حتى يحول ذلك بينهم وبين الإيقان أو يكون المعنى قد بينا الآيات لقوم يظهرون اليقين ويعترفون بالحق لا لقوم مثلكم من المكابرين .
الآية 118 - سورة البقرة: (وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية ۗ كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم ۘ تشابهت...)