سورة الأعراف: الآية 60 - قال الملأ من قومه إنا...

تفسير الآية 60, سورة الأعراف

قَالَ ٱلْمَلَأُ مِن قَوْمِهِۦٓ إِنَّا لَنَرَىٰكَ فِى ضَلَٰلٍ مُّبِينٍ

الترجمة الإنجليزية

Qala almalao min qawmihi inna lanaraka fee dalalin mubeenin

تفسير الآية 60

قال له سادتهم وكبراؤهم: إنا لنعتقد -يا نوح- أنك في ضلال بيِّن عن طريق الصواب.

«قال الملأ» الأشراف «من قومه إنا لنراك في ضلالٍ مبين» بيَّن.

قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ أي: الرؤساء الأغنياء المتبوعون الذين قد جرت العادة باستكبارهم على الحق، وعدم انقيادهم للرسل، إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ فلم يكفهم - قبحهم اللّه - أنهم لم ينقادوا له، بل استكبروا عن الانقياد له، وقدحوا فيه أعظم قدح، ونسبوه إلى الضلال، ولم يكتفوا بمجرد الضلال حتى جعلوه ضلالا مبينا واضحا لكل أحد.

( قال الملأ من قومه ) أي : الجمهور والسادة والقادة والكبراء منهم : ( إنا لنراك في ضلال مبين ) أي : في دعوتك إيانا إلى ترك عبادة هذه الأصنام التي وجدنا عليها آباءنا . وهكذا حال الفجار إنما يرون الأبرار في ضلالة ، كما قال تعالى : ( وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون ) [ المطففين : 32 ] ، ( وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم ) [ الأحقاف : 11 ] إلى غير ذلك من الآيات .

لقد ردوا عليه ردا سقيما حكاه القرآن في قوله: قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ.الملأ: الأشراف والسادة من القوم. سموا بذلك لأنهم يملؤون العيون مهابة. وقيل: هم الرجال ليس فيهم نساء. والملأ: اسم جمع لا واحد له من لفظه: كرهط.والجملة الكريمة مستأنفة، كأنه قيل فماذا قالوا له؟ فقيل: قال الملأ ... إلخ والرؤية هنا قلبية ومفعولاها الضمير والظرف، وقيل: بصرية فيكون الظرف في موضع الحال. أى: قال الأشراف من قوم نوح له عند ما دعاهم إلى وحدانية الله: إنا لنراك بأمرك لنا بعبادة الله وحده وترك آلهتنا في انحراف بين عن طريق الحق والرشاد.يقال: ضل الطريق يضل وضل عنه ضلالا وضلالة، أى زل عنه فلم يهتد إليه، وجعلوا الضلال ظرفا له فِي ضَلالٍ مُبِينٍ مبالغة في وصفهم له بذلك وزادوا في المبالغة بأن أكدوا ذلك بالجملة المصدرة بإن ولام التأكيد.ورحم الله ابن كثير فقد قال عند تفسيره لهذه الآية. وهكذا حال الفجار، إنما يرون الأبرار في ضلالة، كقوله- تعالى-: وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ .وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ، وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ إلى غير ذلك من الآيات .

( قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال ) خطأ وزوال عن الحق ، ( مبين ) بين .

قوله تعالى قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبينالملأ أشراف القوم ورؤساؤهم . وقد تقدم في " البقرة "

القول في تأويل قوله : قَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (60)قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل ثناؤه، عن جواب مشركي قوم نوح لنوح، وهم " الملأ " = و " الملأ "، الجماعة من الرجال، لا امرأة فيهم (10) = أنهم قالوا له حين دعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له: " إنا لنراك " ، يا نوح =" في ضلال مبين " ، (11) يعنون في أمر زائل عن الحق، مبين زوالهُ عن قصد الحقّ لمن تأمله. (12)------------------الهوامش :(10) انظر تفسير"الملأ" فيما سلف 5: 291 ، وقد فسره هناك بما فسرته كتب اللغة ، أنهم وجوه القوم ورؤساؤهم وأشرافهم. وأما التفسير الذي هنا ، فلم يرد فيها ، وهو شيء ينبغي أن يقيد. وهذا نص الفراء في معاني القرآن 1: 383.(11) انظر تفسير"الضلال" و"مبين" فيما سلف من فهارس اللغة (ضلل) و (بين).(12) في المطبوعة: "عن قصد الحد" ، وهو لا معنى له ، وهي في المخطوطة سيئة الكتابة ، وهذا صواب قراءتها. وانظر تفسير الآية التالية.

فُصلت جملة { قال } على طريقة الفصل في المحاورات ، واقترن جوابهم بحرف التّأكيد للدّلالة على أنّهم حقّقوا وأكّدوا اعتقادهم أنّ نوحاً منغمس في الضّلالة . { الملأ } مهموز بغير مدّ : الجماعةُ الذين أمْرُهم واحد ورأيهم واحد لأنّهم يُمالىء بعضهم بعضاً ، أي يعاونه ويوافقه ، ويطلق الملأ على أشراف القوم وقَادتهم لأنّ شأنهم أن يكون رأيهم واحداً عن تشاور ، وهذا المعنى هو المناسب في هذه الآية بقرينة ( مِن ) الدّالة على التّبعيض أي أنّ قادة القوم هم الذين تَصدّوا لمجادلة نوح والمناضلةِ عن دينهم بمسمع من القوم الذين خاطبَ جميعَهم ، والرّؤية قلبيّة بمعنى العلم ، أي أنّا لنوقن أنّك في ضلال مبين ولم يوصف الملأ هنا بالذين كفروا ، أو بالذين استكبروا كما وصف الملأ في قصّة هود بالذين كفروا استغناء بدلالة المقام على أنّهم كذّبوا وكفروا .وظرفية { في ضلال } مجازية تعبيراً عن تمكّن وصف الضّلال منه حتّى كأنّه محيط به من جوانبه إحاطة الظرف بالمظروف .«والضّلال» اسم مصدر ضَلّ إذا أخطأ الطّريق الموصّل ، «والمبين» اسم فاعل من أبان المرادففِ بَان ، وذلك هو الضّلال البالغ الغاية في البعد عن طريق الحقّ ، وهذه شبهة منهم فإنّهم توهّموا أنّ الحقّ هو ما هم عليه ، فلا عجب إذا جعلوا ما بَعُد عنه بعدا عظيماً ضلالاً بيّناً لأنّه خالفهم ، وجاء بما يعُدّونه من المحال ، إذْ نفَى الإلهيةَ عن آلهتهم ، فهذه مخالفة ، وأثبتها لله وحده ، فإن كانوا وثنيين فهذه مخالفة أخرى ، وتوعدهم بعذاب على ذلك وهذه مخالفة أيضاً ، وإن كان العذاب الذي توعدهم به عذاب الآخرة فقد أخبرهم بأمر محال عندهم وهو البعث ، فهي مخالفة أخرى ، فضلاله عندهم مبينٌ ، وقد يتفاوت ظهوره ، وادّعى أنّ الله أرسله وهذا في زعمهم تعمد كذب وسفاهةُ عقل وادعاءُ محال كما حكي عنهم في قوله تعالى : { قال الملأ الذين كفروا من قومه إنّا لنراك في سفاهة وإنّا لنظنّك من الكاذبين } [ الأعراف : 66 ] وقوله هنا { أَوَ عجبتم أن جاءكم ذكر من ربّكم } [ الأعراف : 63 ] الآية .
الآية 60 - سورة الأعراف: (قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين...)