سورة الأعراف: الآية 201 - إن الذين اتقوا إذا مسهم...

تفسير الآية 201, سورة الأعراف

إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْا۟ إِذَا مَسَّهُمْ طَٰٓئِفٌ مِّنَ ٱلشَّيْطَٰنِ تَذَكَّرُوا۟ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ

الترجمة الإنجليزية

Inna allatheena ittaqaw itha massahum taifun mina alshshaytani tathakkaroo faitha hum mubsiroona

تفسير الآية 201

إن الذين اتقوا الله مِن خلقه، فخافوا عقابه بأداء فرائضه واجتناب نواهيه، إذا أصابهم عارض من وسوسة الشيطان تذكَّروا ما أوجب الله عليهم من طاعته، والتوبة إليه، فإذا هم منتهون عن معصية الله على بصيرة، آخذون بأمر الله، عاصون للشيطان.

«إن الذين اتقوا إذا مسَّهم» أصابهم «طيفٌ» وفي قراءة طائف أي شيء ألَّم بهم «من الشيطان تذكَّروا» عقاب الله وثوابه «فإذا هم مبصرون» الحق من غيره فيرجعون.

ولما كان العبد لا بد أن يغفل وينال منه الشيطان، الذي لا يزال مرابطا ينتظر غرته وغفلته، ذكر تعالى علامة المتقين من الغاوين، وأن المتقي إذا أحس بذنب، ومسه طائف من الشيطان، فأذنب بفعل محرم أو ترك واجب - تذكر من أي باب أُتِيَ، ومن أي مدخل دخل الشيطان عليه، وتذكر ما أوجب اللّه عليه، وما عليه من لوازم الإيمان، فأبصر واستغفر اللّه تعالى، واستدرك ما فرط منه بالتوبة النصوح والحسنات الكثيرة، فرد شيطانه خاسئا حسيرا، قد أفسد عليه كل ما أدركه منه.

يخبر تعالى عن المتقين من عباده الذين أطاعوه فيما أمر ، وتركوا ما عنه زجر ، أنهم ) إذا مسهم ) أي : أصابهم " طيف " وقرأ آخرون : " طائف " ، وقد جاء فيه حديث ، وهما قراءتان مشهورتان ، فقيل : بمعنى واحد . وقيل : بينهما فرق ، ومنهم من فسر ذلك بالغضب ، ومنهم من فسره بمس الشيطان بالصرع ونحوه ، ومنهم من فسره بالهم بالذنب ، ومنهم من فسره بإصابة الذنب .وقوله : ( تذكروا ) أي : عقاب الله وجزيل ثوابه ، ووعده ووعيده ، فتابوا وأنابوا ، واستعاذوا بالله ورجعوا إليه من قريب . ( فإذا هم مبصرون ) أي : قد استقاموا وصحوا مما كانوا فيه .وقد أورد الحافظ أبو بكر بن مردويه هاهنا حديث محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبها طيف فقالت : يا رسول الله ، ادع الله أن يشفيني . فقال : " إن شئت دعوت الله فشفاك ، وإن شئت فاصبري ولا حساب عليك " . فقالت : بل أصبر ، ولا حساب علي .ورواه غير واحد من أهل السنن ، وعندهم : قالت يا رسول الله ، إني أصرع وأتكشف ، فادع الله أن يشفيني . فقال إن شئت دعوت الله أن يشفيك ، وإن شئت صبرت ولك الجنة ؟ " فقالت : بل أصبر ، ولي الجنة ، ولكن ادع الله أن لا أتكشف ، فدعا لها ، فكانت لا تتكشف .وأخرجه الحاكم في مستدركه ، وقال : صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاهوقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة " عمرو بن جامع " من تاريخه : أن شابا كان يتعبد في المسجد ، فهويته امرأة ، فدعته إلى نفسها ، وما زالت به حتى كاد يدخل معها المنزل ، فذكر هذه الآية : ( إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ) فخر مغشيا عليه ، ثم أفاق فأعادها ، فمات . فجاء عمر فعزى فيه أباه وكان قد دفن ليلا فذهب فصلى على قبره بمن معه ، ثم ناداه عمر فقال : يا فتى ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) [ الرحمن : 46 ] وأجابه الفتى من داخل القبر : يا عمر ، قد أعطانيهما ربي ، عز وجل ، في الجنة مرتين

ثم بين- سبحانه- حالة المتقين فقال إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا.طائف من الطواف والطواف بالشيء أى: الاستدارة به أو حوله. يقال: طاف بالشيء إذا دار حوله. والمراد به هنا وسوسة الشيطان وهمزاته.أى: إن الذين اتقوا الله- تعالى- وصانوا أنفسهم عن كل ما يغضبه إذا مسهم شيء من وسوسة الشيطان ونزغاته التي تلهيهم عن طاعة الله ومراقبته تَذَكَّرُوا أى: تذكروا أن المس إنما هو من عدوهم الشيطان فعادوا سريعا إلى طاعة الله، وإلى خوف مقامه ونهوا أنفسهم عن اتباع همزات الشياطين.والجملة الكريمة مستأنفة مقررة لما قبلها من الأمر ببيان أن الاستعاذة سنة مسلوكة للمتقين، وأن الإخلال بها من طبيعة الضالين.وفي قوله إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ إشعار بعلو منزلتهم، وقوة إيمانهم، وسلامة يقينهم لأنهم بمجرد أن تطوف بهم وساوس الشيطان أو بمجرد أن يمسهم شيء منه فإنهم يتذكرون عداوته، فيرجعون سريعا إلى حمى ربهم يستجيرون به ويتوبون إليه.وفي التعبير عن الوسوسة بالطائف إشعار بأنها وإن مست هؤلاء المتقين فإنها لا تؤثر فيهم، لأنها كأنها طافت حولهم دون أن تصل إليهم.وقوله فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ أى: فإذا هم مبصرون مواقع الخطأ، وخطوات الشيطان، فينتهون عنها.وفي هذه الآية الكريمة ما يهدى العقول، ويطب النفوس، إذ هي تبين لنا أن مس الشيطان قد يغلق بصيرة الإنسان عن كل خير، ولكن التقوى هي التي تفتح هذه البصيرة، وهي التي تجعل الإنسان دائما يقظا متذكرا لما أمره الله به أو نهاه عنه، فينتصر بذلك على وساوس الشيطان وهمزاته وتبقى لهم بصيرتهم على أحسن ما تكون صفاء ونقاء وكشفا.

( إن الذين اتقوا ) يعني المؤمنين ، ( إذا مسهم طائف من الشيطان ) قرأ ابن كثير وأهل البصرة والكسائي : " طيف " ، وقرأ الآخرون " طائف " بالمد والهمز ، وهما لغتان كالميت والمائت ، ومعناهما : الشيء يلم بك . وفرق قوم بينهما ، فقال أبو عمرو : الطائف ما يطوف حول الشيء والطيف : اللمة والوسوسة ، وقيل : الطائف ما طاف به من وسوسة الشيطان ، والطيف اللمم والمس . ( تذكروا ) عرفوا ، قال سعيد بن جبير : هو الرجل يغضب الغضبة فيذكر الله تعالى فيكظم الغيظ . وقال مجاهد : هو الرجل يهم بالذنب فيذكر الله فيدعه . ( فإذا هم مبصرون ) أي يبصرون مواقع خطاياهم بالتذكر والتفكر . قال السدي : إذا زلوا تابوا . وقال مقاتل : إن المتقي إذا أصابه نزغ من الشيطان تذكر وعرف أنه معصية ، فأبصر فنزع عن مخالفة الله .

قوله تعالى إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرونفيه مسألتان :الأولى : قوله تعالى إن الذين اتقوا يريد الشرك والمعاصي ." إذا مسهم طيف من الشيطان " هذه قراءة أهل البصرة وأهل مكة . وقراءة أهل المدينة وأهل الكوفة طائف . وروي عن سعيد بن جبير " طيف " بتشديد الياء . قال النحاس : كلام العرب في مثل هذا " طيف " بالتخفيف ; على أنه مصدر من طاف يطيف . قال الكسائي : هو مخفف من " طيف " مثل ميت وميت . قال النحاس : ومعنى " طيف " في اللغة ما يتخيل في القلب أو يرى في النوم ; وكذا معنى طائف . وقال أبو حاتم : سألت الأصمعي عن طيف ; فقال : ليس في المصادر فيعل . قال النحاس : ليس هو بمصدر ، ولكن يكون بمعنى طائف . والمعنى إن الذين اتقوا المعاصي إذا لحقهم شيء تفكروا في قدرة الله عز وجل وفي إنعامه عليهم فتركوا المعصية ; وقيل : الطيف والطائف معنيان مختلفان فالأول : التخيل . والثاني : الشيطان نفسه . فالأول مصدر طاف الخيال يطوف طيفا ; ولم يقولوا من هذا " طائف " في اسم الفاعل . قال السهيلي : لأنه تخيل لا حقيقة له . فأما قوله : فطاف عليها طائف من ربك فلا يقال فيه : طيف ; لأنه اسم فاعل حقيقة ، ويقال : إنه جبريل . قال الزجاج : طفت عليهم أطوف ، وطاف الخيال يطيف . وقال حسان :فدع هذا ولكن من لطيف يؤرقني إذا ذهب العشاءمجاهد : الطيف الغضب . ويسمى الجنون والغضب والوسوسة طيفا ; لأنه لمة من الشيطان تشبه بلمة الخيال .فإذا هم مبصرون أي منتهون . وقيل : فإذا هم على بصيرة . وقرأ سعيد بن جبير : " تذكروا " بتشديد الذال . ولا وجه له في العربية ; ذكره النحاس .الثانية : قال عصام بن المصطلق : دخلت المدينة فرأيت الحسن بن علي عليهما السلام ، فأعجبني سمته وحسن روائه ; فأثار مني الحسد ما كان يجنه صدري لأبيه من البغض ; فقلت : أنت ابن أبي طالب ! قال نعم . فبالغت في شتمه وشتم أبيه ; فنظر إلي نظرة عاطف رءوف ، ثم قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين فقرأ إلى قوله : فإذا هم مبصرون ثم قال لي : خفض عليك ، أستغفر الله لي ولك إنك لو استعنتنا أعناك ، ولو استرفدتنا أرفدناك ، ولو استرشدتنا أرشدناك . فتوسم في الندم على ما فرط مني فقال : لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين أمن أهل الشأم أنت ؟ قلت نعم . فقال : شنشنة أعرفها من أخزم ، حياك الله وبياك ، وعافاك ، وآداك ; انبسط إلينا في حوائجك وما يعرض لك ، تجدنا عند أفضل ظنك ، إن شاء الله .قال عصام : فضاقت علي الأرض بما رحبت ، ووددت أنها ساخت بي ; ثم تسللت منه لواذا ، وما على وجه الأرض أحب إلي منه ومن أبيه .

القول في تأويل قوله : إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (إن الذين اتقوا)، اللهَ من خلقه, فخافوا عقابه، بأداء فرائضه, واجتناب معاصيه =(إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا)، (27) يقول: إذا ألمَّ بهم لَمَمٌ من الشيطان، (28) من غضب أو غيره مما يصدّ عن واجب حق الله عليهم, تذكروا عقاب الله وثوابه، ووعده ووعيده, وأبصروا الحق فعملوا به, وانتهوا إلى طاعة الله فيما فرض عليهم، وتركوا فيه طاعة الشيطان.واختلفت القرأة في قراءة قوله: " طيف ".فقرأته عامة قرأة أهل المدينة والكوفة: (طَائِفٌ)، على مثال " فاعل ".* * *وقرأه بعض المكيين والبصريين والكوفيين: " طَيْفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ". (29)* * *واختلف أهل العلم بكلام العرب في فرق ما بين " الطائف " و " الطيف ".فقال بعض البصريين: " الطائف " و " الطيف " سواء, وهو ما كان كالخيال والشيء يلم بك. (30) قال: ويجوز أن يكون " الطيف " مخففًا عن " طَيِّف " مثل " مَيْت " و " مَيِّت ".* * *وقال بعض الكوفيين: " الطائف ": ما طاف بك من وسوسة الشيطان. وأما " الطيف ": فإنما هو من اللّمم والمسِّ.* * *وقال أخر منهم: " الطيف ": اللّمم, و " الطائف ": كل شيء طاف بالإنسان.* * *وذكر عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يقول: " الطيف ": الوسوسة.* * *قال أبو جعفر: وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأ: ( طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ )، لأن أهل التأويل تأولوا ذلك بمعنى الغضب والزلة تكون من المطيف به. وإذا كان ذلك معناه، كان معلومًا = إذ كان " الطيف " إنما هو مصدر من قول القائل: " طاف يطيف " = أن ذلك خبر من الله عما يمس الذين اتقوا من الشيطان, وإنما يمسهم ما طاف بهم من أسبابه, وذلك كالغضب والوسوسة. وإنما يطوف الشيطان بابن آدم ليستزلَّه عن طاعة ربه، أو ليوسوس له. والوسوسة والاستزلال هو " الطائف من الشيطان ". (31)* * *وأما " الطيف " فإنما هو الخيال, وهو مصدر من " طاف يطيف ", ويقول: لم أسمع في ذلك " طاف يطيف " (32) ويتأوله بأنه بمعنى " الميت " وهو من الواو.* * *وحكى البصريون وبعض الكوفيين سماعًا من العرب: (33) " طاف يطيف ", و " طِفْتُ أطِيف ", وأنشدوا في ذلك: (34)أنَّى أَلَمَّ بِكَ الخَيَالُ يَطِيفُوَمَطَافُهُ لَكَ ذِكْرَةٌ وَشُعُوفُ (35)* * *وأما التأويل, فإنهم اختلفوا في تأويله.فقال بعضهم: ذلك " الطائف " هو الغضب.* ذكر من قال ذلك.15555 - حدثنا أبو كريب وابن وكيع قالا حدثنا ابن يمان, عن أشعث, عن جعفر, عن سعيد: (إذا مسهم طائف) قال: و " الطيف ": الغضب.15556 - حدثنا ابن حميد قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن محمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبي بزة, عن مجاهد, في قوله: " إذا مسهم طيف من الشيطان " قال: هو الغضب. (36)15557 - حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا عبد الله بن رجاء, عن ابن جريج, عن عبد الله بن كثير, عن مجاهد قال: الغضب.15558 - حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: (إذا مسهم طَيْف من الشيطان تذكروا) قال: هو الغضب.15559 - حدثني محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: (طائف من الشيطان) قال: الغضب.* * *وقال آخرون: هو اللَّمَّة والزَّلة من الشيطان.* ذكر من قال ذلك:15560 - حدثني المثنى قال: حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قوله: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا)، و " الطائف ": اللَّمَّة من الشيطان =(فإذا هم مبصرون).15561 - حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: حدثني عمي قال: حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان)، يقول: نزغٌ من الشيطان =(تذكروا).15562 - حدثني محمد بن الحسين قال: حدثنا أحمد بن المفضل قال: حدثنا أسباط, عن السدي: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا)، يقول: إذا زلُّوا تابوا.* * *قال أبو جعفر: وهذان التأويلان متقاربا المعنى, لأن " الغضب " من استزلال الشيطان، و " اللّمة " من الخطيئة أيضًا منه, وكل ذلك من طائف الشيطان. (37) وإذ كان ذلك كذلك, فلا وجه لخصوص معنى منه دون معنى, بل الصواب أن يعم كما عمه جل ثناؤه, فيقال: إن الذين اتقوا إذا عرض لهم عارض من أسباب الشيطان، ما كان ذلك العارض, تذكروا أمر الله وانتهوا إلى أمره.* * *وأما قوله: (فإذا هم مبصرون)، فإنه يعني: فإذا هم مبصرون هدى الله وبيانه وطاعته فيه, فمنتهون عما دعاهم إليه طائف الشيطان. كما: -15563 - حدثني محمد بن سعد قال: حدثني أبي قال: ثني عمي قال: حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: (فإذا هم مبصرون)، يقول: إذا هم منتهون عن المعصية, آخذون بأمر الله, عاصون للشيطان.-------------------الهوامش :(27) انظر تفسير (( المس )) فيما سلف ص : 303 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .(28) في المطبوعة : (( إذا ألم بهم طيف )) ، لم يحسن قراءة المخطوطة ، فاستبدل بما كان فيها .(29) انظر معاني القراًن للقراء 1 : 402 .(30) نسبها أبو جعفر إلى البصريين ، وهي في لسان العرب ( طوف ) ، منسوبة إلى الفراء ، وهو كوفي ، ولم أجدها في المطبوع من معاني القرآن .(31) من أول قوله : (( وأما الطيف )) ، إلى آخر الفقرة الثانية المختومة بيت من الشعر ، لا أ شك أنه قد وضع في غير موضعه . فهو يقول بعد : (( ويقول : لم أسمع في ذلك )) ، وهذا القائل غير أبي جعفر بلا شك ، ولم استطع تحديد موضعه من الأقوال السالفة . فلذلك تركته مكانه وفصلته . وكان حقه أن يقدم قبل قوله : (( قال أبو جعفر : وأولى القراءتين . . .)) .(32) قوله : ((ولم اسمع في ذلك طاف يطيف )) ، يعنى في ((الطائف)) .(33) هذا نص كلام أبي عبيده في مجاز القرآن 1: 237 ، إلى آخره .(34) كعب بن زهير .(35) ديوانه : 113 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1: 237 ، واللسان ( طيف ) ( شعف) ، من قصيده له طويلة .و(( الشعوف )) مصدر من قولهم (( شعفه حب فلانة )) ، إذا أحرق قلبه ، ووجد لذة اللوعة في احتراقه ، وفي ذهاب لبه حتى لا يعقل غير الحب .(36) تركت ما في الآثار على ما جاء في المخطوطة : (( طائف )) مرة ، و (( طيف )) أخرى ، وهما قراءتان في الآية كما سلف قبل .(37) في المطبوعة والمخطوطة : (( وكان ذلك )) ، والصواب ما أثبت .

هذا تأكيد وتقرير للأمر بالاستعاذة من الشيطان ، فتتنزل جملة : { إِنَّ الذين اتقوا } إلى آخرها منزلة التعليل للأمر بالاستعاذة من الشيطان إذا أحسّ بنزغ الشيطان ، ولذلك افتتحت ب { إن } التي هي لمجرد الاهتمام لا لرد تردد أو إنكار ، كما افتتحت بها سابقتها في قوله : { أنه سميع عليم } [ الأعراف : 200 ] فيكون الأمر بالاستعاذة حينئذ قد علل بعلتين أولاهما أن الاستعاذة بالله منجاة للرسول عليه الصلاة والسلام من نزغ الشيطان ، والثانية : أن في الاستعاذة بالله من الشيطان تذكراً الواجب مجاهدة الشيطان والتيقظِ لكيده ، وأن ذلك التيقظ سنة المتقين ، فالرسول عليه الصلاة والسلام مأمور بمجاهدة الشيطان : لأنه متق ، ولأنه يبتهج بمتابعه سيرة سلفه من المتقين كما قال تعالى : { أولئك الذين هدى الله فبهداهم أقتده } [ الأنعام : 90 ].وقد جاءت العلة هنا أعم من المعلل : لأن التذكر أعم من الاستعاذة .ولعل الله ادخر خصوصية الاستعاذة لهذه الأمة ، فكثر في القرآن الأمر بالاستعاذة من الشيطان ، وكثر ذلك في أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وجعل للذين قبلهم الأمر بالتذكر ، كما ادخر لنا يوم الجمعة .و ( التقوى ) تقدم بيانها عند قوله تعالى : { هدى للمتقين } في سورة البقرة ( 2 ) ، والمراد بهم : الرسل وصالحو أممهم ، لأنه أريد جعلهم قدوة وأسوة حسنة .و ( المس ) حقيقته وضع اليد على الجسم ، واستعير للإصابة أو لأدْنى الإصابة .والطائف هو الذي يمشي حول المكان ينتظر الإذن له ، فهو النازل بالمكان قبل دخوله المكان ، اطلق هنا على الخاطر الذي يخطر في النفس يبعث على فعل شيء نهى الله عن فعله شُبه ذلك الخاطر في مبدأ جولانه في النفس بحلول الطائف قبل أن يستقر .وكانت عادة العرب أن القادم إلى أهل البيت ، العائِذَ برب البيت ، المستأنسَ للقرى يستانس ، فيطوف بالبيت ، ويستأذن ، كما ورد في قصة النابغة مع النعمان بن المنذرِ حين أنشد أبياته التي أولها :أصم أمْ يسمعُ رب القُبّهْ ... وتقدمت في أول سورة الفاتحة ، ومن ذلك طواف القادمين إلى مكة بالكعبة تشبها بالوافدين على المملوك ، فلذلك قُدّم الطواف على جميع المناسك وختمت بالطواف أيضاً ، فلعل كلمة طائف تستعمل في معنى الملم الخفي قال الأعشى :وتُصبح عن غب السُّرَي وكأنّها ... ألمَّ بها من طائِف الجن أَوْلَقُوقال تعالى : { فطاف عليها طائفٌ من ربك وهم نائمون } [ القلم : 19 ].وقراءة الجمهور : { طائف } ، بألف بعد الطاء وهمزة بعد الألف ، وقراءة ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ويعقوب : ( طيْف ) بدون ألف بعد الطاء وبياء تحتية ساكنة بعد الطاء ، والطيْف خيال يراك في النوم وهو شائع الذكر في الشعر .وفي كلمة ( إذا ) من قوله : { إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا } مع التعبير بفعل { مَسهم } الدال على إصابة غير مكينة ، إشارة إلى أن الفزع إلى الله من الشيطان ، عند ابتداء إلمام الخواطر الشيطانية بالنفس ، لأن تلك الخواطر إذا أمهلت لم تلبث أن تصير عزماً ثم عملاً .والتعريف في { الشيطان } يجوز أن يكون تعريف الجنس : أي من الشياطين ويجوز أن يكون تعريف العهد والمراد به إبليس باعتبار أن ما يوسوس به جنده وأتباعُه ، هو صادر عن أمره وسلطانه .والتذكر استحضار المعلوم السابق ، والمراد : تذكروا أوامر الله ووصاياه ، كقوله : { ذَكروا الله فاستغفروا لذنوبهم } [ آل عمران : 135 ] ويشمل التذكر تذكر الاستعاذة لمن أمر بها من الأمم الماضية ، إن كانت مشروعة لهم ، ومن هذه الأمة ، فالاقتداءُ بالذين اتقوا يعم سائر أحوال التذكر للمأمورات .والفاء لتفريع الإبصار على التذكر . وأكد معنى ( فاء ) التعقيب ب ( إذا ) الفجائية الدالة على حصول مضمون جملتها دَفعة بدون تريث ، أي تذكروا تذكر ذويَ عزم فلم تتريث نفوسهم أن تَبين لها الحقُ الوازع عن العمل بالخواطر الشيطانية فابتعدت عنها ، وتمسكت بالحق ، وعملت بما تذكرت ، فإذا هم ثابتون على هداهم وتقواهم .وقد استعير الإبصار للاهتداء كما يستعار ضده العمى للضلال ، أي : فإذا هم مهتدون ناجون من تضليل الشيطان ، لأن الشيطان أراد إضلالهم فسلموا من ذلك ووصفُهم باسم الفاعل دون الفعل للدلالة على أن الإبصار ثابت لهم من قبلُ ، وليس شيئاً متجدداً ، ولذلك أخبر عنهم بالجملة الاسمية الدالة على الدوام والثبات .
الآية 201 - سورة الأعراف: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون...)