سورة الأعراف: الآية 146 - سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون...

تفسير الآية 146, سورة الأعراف

سَأَصْرِفُ عَنْ ءَايَٰتِىَ ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِى ٱلْأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَإِن يَرَوْا۟ كُلَّ ءَايَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا۟ بِهَا وَإِن يَرَوْا۟ سَبِيلَ ٱلرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا۟ سَبِيلَ ٱلْغَىِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا۟ بِـَٔايَٰتِنَا وَكَانُوا۟ عَنْهَا غَٰفِلِينَ

الترجمة الإنجليزية

Saasrifu AAan ayatiya allatheena yatakabbaroona fee alardi bighayri alhaqqi wain yaraw kulla ayatin la yuminoo biha wain yaraw sabeela alrrushdi la yattakhithoohu sabeelan wain yaraw sabeela alghayyi yattakhithoohu sabeelan thalika biannahum kaththaboo biayatina wakanoo AAanha ghafileena

تفسير الآية 146

سأصرف عن فَهْم الحجج والأدلة الدالة على عظمتي وشريعتي وأحكامي قلوب المتكبرين عن طاعتي، والمتكبرين على الناس بغير الحق، فلا يتبعون نبيًا ولا يصغون إليه لتكبرهم، وإنْ يَرَ هؤلاء المتكبرون عن الإيمان كل آية لا يؤمنوا بها لإعراضهم ومحادَّتهم لله ورسوله، وإن يروا طريق الصلاح لا يتخذوه طريقًا، وإن يروا طريق الضلال، أي الكفر يتخذوه طريقًا ودينًا؛ وذلك بسبب تكذيبهم بآيات الله وغفلتهم عن النظر فيها والتفكر في دلالاتها.

«سأصرف عن آياتي» دلائل قدرتي من المصنوعات وغيرها «الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق» بأن أخذلهم فلا يتكبرون فيها «وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل» طريق «الرُّشد» الهدى الذي جاء من عند الله «لا يتخذوه سبيلا» يسلكوه «وإن يروا سبيل الغي» الضلال «يتخذوه سبيلا ذلك» الصرف «بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين» تقدم مثله.

سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ أي: عن الاعتبار في الآيات الأفقية والنفسية، والفهم لآيات الكتاب الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أي: يتكبرون على عباد اللّه وعلى الحق، وعلى من جاء به، فمن كان بهذه الصفة، حرمه اللّه خيرا كثيرا وخذله، ولم يفقه من آيات اللّه ما ينتفع به، بل ربما انقلبت عليه الحقائق، واستحسن القبيح. وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا لإعراضهم واعتراضهم، ومحادتهم للّه ورسوله، وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ أي: الهدى والاستقامة، وهو الصراط الموصل إلى اللّه، وإلى دار كرامته لا يَتَّخِذُوهُ أي: لا يسلكوه ولا يرغبوا فيه وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ أي: الغواية الموصل لصاحبه إلى دار الشقاء يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا والسبب في انحرافهم هذا الانحراف ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ فردهم لآيات اللّه، وغفلتهم عما يراد بها واحتقارهم لها - هو الذي أوجب لهم من سلوك طريق الغي، وترك طريق الرشد ما أوجب.

يقول تعالى : ( ( 147 ) سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق ) أي : سأمنع فهم الحجج والأدلة على عظمتي وشريعتي وأحكامي قلوب المتكبرين عن طاعتي ، ويتكبرون على الناس بغير حق ، أي : كما استكبروا بغير حق أذلهم الله بالجهل ، كما قال تعالى : ( ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ) [ الأنعام : 110 ] وقال تعالى : ( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ) [ الصف : 5 ]وقال بعض السلف : لا ينال العلم حيي ولا مستكبر .وقال آخر : من لم يصبر على ذل التعلم ساعة ، بقي في ذل الجهل أبدا .وقال سفيان بن عيينة في قوله : ( سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق ) قال : أنزع عنهم فهم القرآن ، وأصرفهم عن آياتي .قال ابن جرير : وهذا يدل على أن هذا خطاب لهذه الأمةقلت : ليس هذا بلازم ; لأن ابن عيينة إنما أراد أن هذا مطرد في حق كل أمة ، ولا فرق بين أحد وأحد في هذا ، والله أعلم .وقوله : ( وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها ) كما قال تعالى : ( إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم ) [ يونس : 96 ، 97 ] .وقوله : ( وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا ) أي : وإن ظهر لهم سبيل الرشد ، أي : طريق النجاة لا يسلكوها ، وإن ظهر لهم طريق الهلاك والضلال يتخذوه سبيلا .ثم علل مصيرهم إلى هذه الحال بقوله : ( ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا ) أي : كذبت بها قلوبهم ، ( وكانوا عنها غافلين ) أي : لا يعلمون شيئا مما فيها .

قوله- تعالى- سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ استئناف مسوق لبيان أن أعداء دعاة الحق هم المستكبرون، لأن من شأن التكبر أن يصرف أهله عن النظر والاستدلال على وجوه الخير. ومعنى صرف هؤلاء المتكبرين عن الانتفاع بآيات الله وحججه، منعهم عن ذلك بالطبع على قلوبهم لسوء استعدادهم لا يتفكرون ولا يتدبرون ولا يعتبرون.أى: سأطبع على قلوب هؤلاء الذين يعدون أنفسهم كبراء، ويرون أنفسهم أنهم أعلى شأنا من غيرهم، مع أنهم أجهل الناس عقلا، وأتعسهم حالا.وقوله بِغَيْرِ الْحَقِّ صلة للتكبر على معنى يتكبرون ويتطاولون بما ليس بحق وهو دينهم الباطل، وسفههم المفرط، أو متعلق بمحذوف هو حال من فاعله، أى يتكبرون متلبسين بغير الحق.ثم بين- سبحانه- ما هم عليه من عناد وجحود فقال: وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها أى: وإن يروا كل آية من الآيات التي تهدى إلى الحق وترشد إلى الخير لا يؤمنوا بها لفساد قلوبهم، وحسدهم لغيرهم على ما آتاه الله من فضله، وتكبرهم على الناس. والجملة الكريمة معطوفة على جملة يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ داخلة معها في حكم الصلة.والمقصود بالآية إما المنزلة فيكون المراد برؤيتها مشاهدتها والإحساس بها عن طريق السماع.وإمّا ما يعمها وغيرها من المعجزات، فيكون المراد برؤيتها مطلق المشاهدة المنتظمة للسماع والإبصار.وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ أى: الصلاح والاستقامة والسداد لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا أى:لا يتوجهون إليه ولا يسلكونه لمخالفته لأهوائهم وشهواتهم وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ أى:طريق الضلال عن الحق يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا أى: طريقا يميلون إليه، ويسيرون فيه بدون تفكر أو تدبر. وهذا شأن من مرد على الضلال، وانغمس في الشرور والآثام. إنه لإلفه المنكرات صار الحسن عنده قبيحا والقبيح حسنا، وصدق الله إذ يقول: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً.ثم ختم- سبحانه- الآية ببيان الأسباب التي أدت بهم إلى هذا الضلال العجيب فقال- تعالى: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ أى: ذلك المذكور من التكبر وعدم الإيمان بشيء من الدلائل الدالة على الحق وإعراضهم عن سبيل الهدى. وإقبالهم التام على طريق الغواية، كائن بسبب أنهم كذبوا بآياتنا الدالة على بطلان ما هم عليه من أباطيل، وبسبب أنهم كانوا عن هذه الآيات غافلين لاهين لا يتفكرون فيها، ولا يعتبرون بما اشتملت عليه من عظات.فالله- تعالى- لم يخلقهم مطبوعين على شيء مما ذكر طبعا، ولم يجبرهم ويكرههم عليه إكراها، بل كان ذلك بكسبهم واختيارهم للتكذيب بآياته الدالة على الحق.واسم الإشارة ذلِكَ مبتدأ، وخبره الجار والمجرور بعده، أى: ذلك الصرف بسبب تكذيبهم.

قوله تعالى : ( سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق ) قال ابن عباس : يريد الذين يتجبرون على عبادي ويحاربون أوليائي حتى لا يؤمنوا بي ، يعني : سأصرفهم عن قبول آياتي والتصديق بها عوقبوا بحرمان الهداية لعنادهم للحق ، كقوله : ( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ) .قال سفيان بن عيينة : سأمنعهم فهم القرآن . قال ابن جريج : يعني عن خلق السماوات والأرض وما فيها أي أصرفهم عن أن يتفكروا فيها ويعتبروا بها . وقيل : حكم الآية لأهل مصر خاصة ، وأراد بالآيات الآيات التسع التي أعطاها الله تعالى موسى عليه السلام . والأكثرون على أن الآية عامة ( وإن يروا ) يعني : هؤلاء المتكبرين ( كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد ) قرأ حمزة والكسائي " الرشد " بفتح الراء والشين ، والآخرون بضم الراء وسكون الشين وهما لغتان كالسقم والسقم والبخل والبخل والحزن والحزن .وكان أبو عمرو يفرق بينهما ، فيقول : الرشد - بالضم - الصلاح في الأمر ، وبالفتح الاستقامة في الدين . معنى الآية : إن يروا طريق الهدى والسداد ( لا يتخذوه ) لأنفسهم ( سبيلا ( وإن يروا سبيل الغي ) أي طريق الضلال ( يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين ) عن التفكير فيها والاتعاظ بها غافلين ساهين .

قوله تعالى سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلينقوله تعالى سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق قال قتادة : سأمنعهم فهم كتابي . وقاله سفيان بن عيينة . وقيل : سأصرفهم عن الإيمان بها . وقيل : سأصرفهم عن نفعها ; وذلك مجازاة على تكبرهم . نظيره : فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم . والآيات - على هذا - المعجزات أو الكتب المنزلة . وقيل : خلق السماوات والأرض . أي أصرفهم عن الاعتبار بها . يتكبرون يرون أنهم أفضل الخلق . وهذا ظن باطل ; فلهذا قال : بغير الحق فلا يتبعون نبيا ولا يصغون إليه لتكبرهم .قوله تعالى وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلايعني : هؤلاء المتكبرون أخبر عنهم أنهم يتركون طريق الرشاد ويتبعون سبيل الغي والضلال ; أي الكفر يتخذونه دينا .ثم علل فقال : ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا أي ذلك الفعل الذي فعلته بهم بتكذيبهم وكانوا عنها غافلين أي كانوا في تركهم تدبر الحق كالغافلين . ويحتمل أن يكونوا غافلين عما يجازون به ; كما يقال : ما أغفل فلان عما يراد به ; وقرأ مالك بن دينار ( وإن يروا ) بضم الياء في الحرفين ; أي يفعل ذلك بهم . وقرأ أهل المدينة وأهل البصرة " سبيل الرشد " بضم الراء وإسكان الشين . وأهل الكوفة إلا عاصما ( الرشد ) بفتح الراء والشين . قال أبو عبيد : فرق أبو عمرو بين الرشد والرشد فقال : الرشد في الصلاح . والرشد في الدين . قال النحاس : سيبويه يذهب إلى أن الرشد والرشد مثل السخط والسخط ، وكذا قال الكسائي . والصحيح عن أبي عمرو غير ما قال أبو عبيد . قال إسماعيل بن إسحاق : حدثنا نصر بن علي عن أبيه عن أبي عمرو بن العلاء قال : إذا كان الرشد وسط الآية فهو مسكن ، وإذا كان رأس الآية فهو محرك . قال النحاس : يعني برأس الآية نحو وهيئ لنا من أمرنا رشدا فهما عنده لغتان بمعنى واحد ; إلا أنه فتح هذا لتتفق الآيات . ويقال : رشد يرشد ، ورشد يرشد . وحكى سيبويه رشد يرشد . وحقيقة الرشد والرشد في اللغة أن يظفر الإنسان بما يريد ، وهو ضد الخيبة .

القول في تأويل قوله : سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّقال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى ذلك.فقال بعضهم: معناه: سأنزع عنهم فهم الكتاب.* ذكر من قال ذلك:15122- حدثنا أحمد بن منصور المروزي قال، حدثني محمد بن عبد الله بن بكر قال: سمعت ابن عيينة يقول في قول الله: " سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق "، قال يقول: أنزع عنهم فهم القرآن, وأصرفهم عن آياتي. (17)* * *قال أبو جعفر: وتأويل ابن عيينة هذا يدل على أن هذا الكلام كان عنده من الله وعيدًا لأهل الكفر بالله ممن بعث إليه نبينا صلى الله عليه وسلم، دون قوم موسى, لأن القرآن إنما أنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم دون، موسى عليه السلام .* * *وقال آخرون في ذلك: معناه: سأصرفهم عن الاعتبار بالحجج.* ذكر من قال ذلك:15123- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج: " سأصرف عن آياتي"، عن خلق السماوات والأرض والآيات فيها, سأصرفهم عن أن يتفكروا فيها ويعتبروا.* * *قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر أنه سيصرف عن آياته, وهي أدلته وأعلامه على حقيقة ما أمر به عباده وفرض عليهم من طاعته في توحيده وعدله، (18) وغير ذلك من فرائضه. والسماوات والأرض, وكل موجود من خلقه، فمن آياته, والقرآن أيضًا من آياته، (19) وقد عم بالخبر أنه يصرف عن آياته المتكبرين في الأرض بغير الحق, وهم الذين حقَّت عليهم كلمة الله أنهم لا يؤمنون, فهم عن فهم جميع آياته والاعتبار والادّكار بها مصروفون، لأنهم لو وفِّقوا لفهم بعض ذلك فهُدوا للاعتبار به، اتعظوا وأنابوا إلى الحق, وذلك غير كائن منهم, لأنه جلّ ثناؤه قال: وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا ، فلا تبديل لكلمات الله.* * *القول في تأويل قوله : وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وإن ير هؤلاء الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق و= " وتكبرهم فيها بغير الحق "، تجبرهم فيها, واستكبارهم عن الإيمان بالله ورسوله، والإذعان لأمره ونهيه, (20) وهم لله عبيدٌ يغذوهم بنعمته، (21) ويريح عليهم رزقه بكرة وعشيًّا، (22) = " كل آية "، يقول: كل حجة لله على وحدانيته وربوبيته, وكل دلالة على أنه لا تنبغي العبادة إلا له خالصة دون غيره. (23) = " لا يؤمنوا بها "، يقول: لا يصدقوا بتلك الآية أنها دالة على ما هي فيه حجة, ولكنهم يقولون: " هي سحر وكذب " = " وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا "، يقول: وإن ير هؤلاء الذين وصف صفتهم طريق الهدى والسداد الذي إن سلكوه نجوا من الهلكة والعطب، وصاروا إلى نعيم الأبد، لا يسلكوه ولا يتخذوه لأنفسهم طريقًا, جهلا منهم وحيرة (24) = " وإن يروا سبيل الغي"، يقول: وإن يروا طريق الهلاك الذي إن سلكوه ضلّوا وهلكوا.* * *وقد بينا معنى " الغي" فيما مضى قبل، بما أغنى عن إعادته. (25) " يتخذوه سبيلا "، يقول: يسلكوه ويجعلوه لأنفسهم طريقًا، لصرف الله إياهم عن آياته، وطبعه على قلوبهم, فهم لا يفلحون ولا ينجحون= " ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين "، يقول تعالى ذكره: صرفناهم عن آياتنا أن يعقلوها ويفهموها فيعتبروا بها و يذكروا فينيبوا، عقوبةً منا لهم على تكذيبهم بآياتنا = " وكانوا عنها غافلين "، يقول: وكانوا عن آياتنا وأدلتنا الشاهدة على حقيقة ما أمرناهم به ونهيناهم عنه= " غافلين "، لا يتفكرون فيها, لاهين عنها، لا يعتبرون بها, فحق عليهم حينئذ قول ربنا فعَطِبوا. (26)* * *واختلف القرأة في قراءة قوله: " الرشد ".فقرأ ذلك عامة قرأة المدينة وبعض المكيين وبعض البصريين: (الرُّشْدِ)، بضم " الراء " وتسكين " الشين ".* * *وقرأ ذلك عامة قرأة أهل الكوفة وبعض المكيين: (الرَّشَدِ)، بفتح " الراء " و " الشين ".* * *ثم اختلف أهل المعرفة بكلام العرب في معنى ذلك إذا ضمت راؤه وسكنت شينه, وفيه إذا فتحتا جميعًا.فذكر عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يقول: معناه إذا ضمت راؤه وسكنت شينه: الصلاح, كما قال الله: فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا ، [سورة النساء: 6]، بمعنى: صلاحًا. وكذلك كان يقرؤه هو= ومعناه إذا فتحت راؤه وشينه: الرشد في الدين, كما قال جل ثناؤه: تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا [سورة الكهف: 66]، (27) بمعنى الاستقامة والصواب في الدين.* * *وكان الكسائي يقول: هما لغتان بمعنى واحد, مثل: " السُّقم " و " السَّقَم ", و " الحُزْن " و " الحَزَن " وكذلك " الرُّشْد " و " الرَّشَد ".* * *قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إنهما قراءتان مستفيضةٌ القراءة بهما في قرأة الأمصار، متفقتا المعنى, فبأيتهما قرأ القارئ فمصيبٌ الصوابَ بها.-------------------الهوامش :(17) (2) الأثر : 15122 - (( أحمد بن منصور بن سيار الرمادى )) ، شيخ الطبري ، مضى برقم : 10260 ، 10521 . و (( محمد بن عبد الله بن بكر بن سليمان الخزاعى الصنعانى الخلنجى )) ، صدوق . روى عنه النسائى ، وأبو حاتم وغيرهما . مترجم في التهذيب ، وابن أبي حاتم 3/2/295 .(18) (1) في المطبوعة : (( على حقيقة ما امر به عباده )) ، فعل بها ما فعل بسوابقها . انظر ما سلف ص : 68 ، تعليق : 4 ، والمراجع هناك .(19) (2) انظر تفسير (( آية )) فيما سلف من فهارس اللغة ( أيى ) .(20) (1) انظر تفسير (( التكبر )) فيما سلف : 70 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .(21) (2) في المطبوعة : (( يغدوهم )) بالدال المهملة ، والصواب ما أثبت .(22) (3) (( أراح عليه حقه )) ، رده عليه ، يقول الشاعر :إلا تريحى علينا الحق طائعةدُونَ القُضَاةِ ، فَقَاضِينَا إلَى حَكَمِ(23) (4) انظر تفسير (( آية )) فيما سلف من فهارس اللغة ( أيى ) .(24) (5) انظر تفسير (( السبيل )) فيما سلف من فهارس اللغة ( سبل ) . = وتفسير (( الرشد )) فيما سلف 3 : 482 / 5 : 416 / 7 : 576 .(25) (6) انظر تفسير (( الغي )) فيما سلف 5 : 416 / 12 : 333 .(26) (1) انظر تفسير (( الغفلة )) فيما سلف ص : 75 ، تعليق : 4 ، والمراجع هناك .(27) (2) قراءتنا وقراءة السبعة : (( رشدا )) ( بضم الراء وسكون الشين ) ، وقراءة أبي عمرو من السبعة كما ذكر أبو جعفر ، ولذلك استدل بها أبو عمرو في هذا الموضع . ولم يذكر هذه القراءة أبو جعفر في تفسير الآية من سورة الكهف .

يجوز أن تكون هذه الآية تكملة لما خاطب الله به موسى وقومه ، فتكون جملة { سأصرف } الخ بأسهم ، استئنافاً بيانياً ، لأن بني إسرائيل كانوا يهابون أولئك الأقوام ويخْشوْن ، فكأنهم تساءلوا كيف تُرينا دارهم وَتعدُنا بها ، وهلْ لا نهلك قبل الحلول بها ، كما حكى الله عنهم { قالوا يا موسى إن فيها قوماً جبّارين } الآية في سورة العقود ( 22 ) وقد حكى ذلك في الإصحاح الرابع عشر من سفر العدد ، فاجيبوا بأن الله سيصرف أولئك عن آياتِه .والصرف الدفع أي سَأَصُدُّ عن آياتي ، أي عن تعطيلها وإبطالها .والآيات الشريعة ، ووعد الله أهلها بأن يورثهم أرض الشام ، فيكون المعنى سأتَوَلّى دفعهم عنكم ، ويكون هذا مثل ما ورد في التوراة في الإصحاح الرابع والثلاثين «ها أنا طاردٌ من قُدَّامِك الأُموريين الخ» ، فالصرف على هذا الوجه عناية من الله بموسى وقومِه بما يُهيء لهم من أسباب النصر على أولئك الأقوام الأقوياء ، كإلقاء الرعببِ في قلوبهم ، وتشتيت كلمتهم ، وإيجاد الحوادث التي تفت في ساعد عُدتهم أو تكونُ الجملة جواباً لسؤال من يقول : إذا دخلنا أرض العدو فلعلهم يؤمنون بهدينا ، ويتبعون ديننا ، فلا نحتاج إلى قتالهم ، فأجيبوا بأن الله يَصرفهم عن إتباع آياته؛ لأنهم جُبلوا على التكبر في الأرض ، والإعراضضِ عن الآيات ، فالصرف هنا صرف تكويني في نفوس الأقوام ، وعن الحسن : أن من الكفار من يبالغ في كفره وينتهي إلى حد إذا وصل إليه مَات قلبه .وفي قَصِّ الله تعالى هذا الكلامَ على محمد صلى الله عليه وسلم تعريض بكفار العرب بأن الله دافِعُهم عن تعطيل آياته ، وبأنه مانع كثيراً منهم عن الإيمان بها لما ذكرناه آنفاً .ويجوز أن تكون جملة { سأصرف عن آياتي } من خطاب الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم رَوى الطبري ذلك عن سفيان بن عيينة ، فتكون الجملة معترضة في أثناء قصة بني إسرائيل بمناسبة قوله : { سأُريكم دار الفاسقين } [ الأعراف : 145 ] تعريضاً بأن حال مشركي العرب كحال أولئك الفاسقين ، وتصريحاً بسبب إدامتهم العناد والإعراض عن الإيمان ، فتكون الجملة مستأنفة استينافاً ابتدائياً ، وتأتي في معنى الصرف عن الآيات الوجوه السابقة واقتران فعل { سأصرف } بسين الاستقبال القريب تنبهه على أن الله يُعجل ذلك الصرف .وتقديم المجرور على مفعول { أصرف } للاهتمام بالآيات ، ولأن ذكره عقب الفعل المتعلق هو به أحسنُ .وتعريف المصروفين عن الآيات بطريق الموصولية للإيماء بالصلة إلى علة الصرف . وهي ما تضمنته الصلات المذكورة ، لأن من صارت تلك الصفات حالات له يَنصره الله ، أو لأنه إذا صار ذلك حاله رين على قلبه ، فصرف قلبه عن إدراك دلالة الآيات وزالت منه الأهلية لذلك الفهم الشريف .والأوصاف التي تضمنتها الصلات في الآية تنطبق على مشركي أهل مكة أتَمّ الانطباق .والتكبر الاتصاف بالكبر . وقد صيغ له الصيغة الدالة على التكلف ، وقد بينا ذلك عند قوله تعالى : { أبَى واستكبر } [ البقرة : 34 ] وقوله : { استكْبرتم } في سورة البقرة ( 87 ) ، والمعنى : أنهم يُعْجبَون بأنفسهم ، ويعُدون أنفسهم عظماءَ فلا يأتمرون لآمر ، ولا ينتصحون لناصح .وزيادة قوله : في الأرض } لتفضيح تكبرهم ، والتشهير بهم بأن كبرهم مظروف في الأرض ، أي ليس هو خفياً مقتصراً على أنفسهم ، بل هو مبثوث في الأرض ، أي مبثوث أثره ، فهو تكبر شائع في بقاع الأرض كقوله : { يبغون في الأرض بغير الحق } [ يونس : 23 ] وقوله : { ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون } [ البقرة : 27 ] وقوله : { ولا تمش في الأرض مَرحاً } [ الإسراء : 37 ] وقولُ مرة بن عَدّاءَ الفقعسي :فهلاّ أعدوني لِمثلي تفاقَدوا ... وفي الأرْض مبثوثٌ شجاعٌ وعقربوقوله : { بغير الحق } زيادة لتشنيع التكبر بذكر ما هو صفة لازمة له ، وهو مغايرة الحق ، أي : باطل وهي حال لازمة للتكبر ، كاشفة لوصفه ، إذ التكبر لا يكون بحق في جانب الخلق ، وإنما هو وصف لله بحق؛ لأنه العظيم على كل موجود ، وليس تكبر الله بمقصود أن يحترز عنه هنا حتى يجعل القيد { بغير الحق } للاحتراز عنه ، كما في «الكشاف» .ومن المفسرين من حاول جعل قوله : { بغير الحق } قيداً للتكبر ، وجعل من التكبر ما هو حق ، لأن للمحق أن يتكبر على المبطل ، ومنه المقالة الشمهورة «الكِبْر على المتكبر صدقة» وهذه المقالة المستشهد بها جرت على المجاز أو الغلط .وقوله : { وإن يَروا كل آية لا يؤمنوا بها } عطف على قوله : { يتكبرون } فهو في حكم الصلة ، والقول فيه كالقول في قوله : { لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية } في سورة يونس ( 96 ، 97 ) وكل مستعملة في معنى الكثرة ، كما تقدم في قوله تعالى : { ولئن أتيتَ الذين أوتوا الكتاب بكل آية } في سورة البقرة ( 145 ).والسبيل مستعار لوسيلة الشيء بقرينة إضافته إلى الرشد وإلى الغي . والرؤية مستعارة للإدراك .والاتخاذ حقيقته مطاوع أخّذه بالتشديد ، إذا جعله آخذاً ، ثم أطلق على أخذ الشيء ولو لم يعطه إياه غيرُه ، وهوَ هنا مستعار للملازمة ، أي لا يلازمون طريق الرشد ، ويلازمون طريق الغي .والرشد الصلاح وفعل النافع ، وقد تقدم في قوله تعالى : { فإن آنستم منهم رشداً } في سورة النساء ( 6 ) والمراد به هنا : الشيء الصالح كله من الإيمان والأعمال الصالحة .والغي الفساد والضلال ، وهو ضد الرشد بهذا المعنى ، كما أن السفه ضد الرشد بمعنى حسن النظر في المال ، فالمعنى : أن يدركوا الشيءَ الصالح لم يعملوا به . لغلبة الهوى على قلوبهم ، وإن يدركوا الفساد عملوا به لغلبة الهوى ، فالعمل به حمل للنفس على كلفة ، وذلك تأباه الأنفس التي نشأت على متابعة مَرغوبها ، وذلك شأن الناس الذين لم يروّضوا أنفسهم بالهدى الإلهي ، ولا بالحكمة ونصائح الحكماء والعقلاء ، بخلاف الغي ، فإنه ما ظهر في العالم إلاّ من آثار شهوات النفوس ودعواتها التي يزيَن لها الظاهر العاجل ، وتجهل عواقب السوء الآجلة ، كما جاء في الحديث : { حفّت الجنة بالمكاره وُحفّت النار بالشهوات }.والتعبير في الصلات الأربع بالأفعال المضارعة : لإفادة تجدد تلك الأفعال منهم واستمرارهم عليها .وقرأ الجمهور : { الرُشد } بضم فسكون وقرأه حمزة ، والكسائي ، وخلف : بفتحتين ، وهما لغتان فيه .وجملة : { ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا } مستأنفة استئنافاً بيانياً ، لأن توسيمهم بتلك الصلات يثير سؤالاً .والمشار إليه بذلك ما تضمنه الكلام السابق ، نُزّل منزلة الموجود في الخارج وهو ما تضمنه قوله : { سأصرف عن آياتي } إلى آخر الآية ، واستعمل له اسم إشارة المفرد؛ لتأويل المشار إليه بالمذكور كقوله تعالى : { والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلاّ بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً } [ الفرقان : 68 ] أي من يفعل المذكور ، وهذا الاستعمال كثير في اسم الإشارة ، وألحق به الضمير كما تقدم في قوله تعالى : { ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله } في سورة البقرة ( 61 ).والباء السببية أي : كِبْرُهم . وعدمُ إيمانهم ، واتباعُهم سبيل الغي ، وإعراضُهم عن سبيل الرشد سببه تَكذيبهم بالآيات ، فأفادت الجملة بيان سبب الكبر ، وما عطف عليه من الأوصاف التي هي سبب صرفهم عن الآيات ، فكان ذلك سبب السبب ، وهذا أحسن من إرجاع الإشارة إلى الصرف المأخوذة من { سأصرف } لأن هذا المحمل يجعل التكذيب سبباً ثانياً للصرف ، وجعله سبباً للسبب أرشق .واجتلبت ( أن ) الدالة على المصدرية والتوكيد؛ لتحقيق هذا التسبب وتأكيده ، لأنه محل عرابة .وجعل المسند فعلاً ماضياً ، لإفادة أن وصف التكذيب قديم راسخ فيهم ، فكان رسوخ ذلك فيهم سبباً في أن خُلق الطبعُ والختمُ على قلوبهم فلا يشعرون بنقائصهم ، ولا يصلحون أنفسهم ، فلا يزالون متكبرين معرضين غاوين .ومعنى { كذبوا بآياتنا } إنهم ابتدأوا بالتكذيب ، ولم ينظروا ، ولم يهتموا بالتأمل في الآيات فداموا على الكبر وما معه ، فصرف الله قلوبهم عن الانتفاع بالآيات ، وليس المراد الإخبار بأنهم حصل منهم التكذيب ، لأن ذلك قد علم من قوله : { وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها }.والغفلة انصراف العقل والذهن عن تذكر شيء بقصدٍ أو بغير قصد ، وأكثر استعماله في القرآن فيما كان عن قصد بإعراض وتشاغل ، والمذموم منها ما كان عن قصد ، وهو مناط التكليف والمؤاخذة ، فأما الغفلة عن غير قصد فلا مؤاخذة عليها ، وهي المقصود من قول علماء أصول الفقه : يمتنع تكليف الغافل .وللتنبيه على أن غفلتهم عن قصد صيغ الإخبار عنهم بصيغة { كانوا عنها غافلين } للدلالة على استمرار غفلتهم . وكونها دأباً لهم ، وإنما تكون كذلك إذا كانوا قد التزموها ، فأما لو كانت عن غير قصد . فإنها قد تعتريهم وقد تفارقهم .
الآية 146 - سورة الأعراف: (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد...)