سورة الأعراف: الآية 119 - فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين...

تفسير الآية 119, سورة الأعراف

فَغُلِبُوا۟ هُنَالِكَ وَٱنقَلَبُوا۟ صَٰغِرِينَ

الترجمة الإنجليزية

Faghuliboo hunalika wainqalaboo saghireena

تفسير الآية 119

فغُلِبَ جميع السحرة في مكان اجتماعهم، وانصرف فرعون وقومه أذلاء مقهورين مغلوبين.

«فغُلبوا» أي فرعون وقومه «هنالك وانقلبوا صاغرين» صاروا ذليلين.

فَغُلِبُوا هُنَالِكَ أي: في ذلك المقام وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ أي: حقيرين قد اضمحل باطلهم، وتلاشى سحرهم، ولم يحصل لهم المقصود الذي ظنوا حصوله. وأعظم من تبين له الحق العظيم أهل الصنف والسحر، الذين يعرفون من أنواع السحر وجزئياته، ما لا يعرفه غيرهم، فعرفوا أن هذه آية عظيمة من آيات اللّه لا يدان لأحد بها.

يخبر تعالى أنه أوحى إلى عبده ورسوله موسى ، عليه السلام ، في ذلك الموقف العظيم ، الذي فرق الله تعالى فيه بين الحق والباطل ، يأمره بأن يلقي ما في يمينه وهي عصاه ، ( فإذا هي تلقف ) أي : تأكل ( ما يأفكون ) أي : ما يلقونه ويوهمون أنه حق ، وهو باطل .قال ابن عباس : فجعلت لا تمر بشيء من حبالهم ولا من خشبهم إلا التقمته ، فعرفت السحرة أن هذا أمر من السماء ، وليس هذا بسحر ، فخروا سجدا وقالوا : ( آمنا برب العالمين رب موسى وهارون )وقال محمد بن إسحاق : جعلت تبتلع تلك الحبال والعصي واحدة ، واحدة حتى ما يرى بالوادي قليل ولا كثير مما ألقوا ، ثم أخذها موسى فإذا هي عصا في يده كما كانت ، ووقع السحرة سجدا ( قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون ) لو كان هذا ساحرا ما غلبنا .وقال القاسم بن أبي بزة : أوحى الله إليه أن ألق عصاك ، فألقى عصاه ، فإذا هي ثعبان فاغر فاه ، يبتلع حبالهم وعصيهم . فألقي السحرة عند ذلك سجدا ، فما رفعوا رءوسهم حتى رأوا الجنة والنار وثواب أهلهما .

ثم يحكى لنا القرآن بعد ذلك موقف السحرة بعد أن رأوا بأعينهم أن ما فعله موسى- عليه السلام- ليس من قبيل السحر فقال: فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ

( فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين ) ذليلين مقهورين .

فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغريننصب على الحال . والفعل منه صغر يصغر صغرا وصغرا وصغارا . أي انقلب قوم فرعون وفرعون معهم أذلاء مقهورين مغلوبين .

القول في تأويل قوله : فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فغلب موسى فرعون وجموعه= " هنالك "، عند ذلك= " وانقلبوا صاغرين "، يقول: وانصرفوا عن موطنهم ذلك بصغر مقهورين. (50) . يقال منه: " صغِرَ الرجل يصْغَر صَغَرًا وصُغْرًا وصَغارًا. (51)------------------الهوامش :(50) انظر تفسير (( انقلب )) فيما سلف 3 : 163 / 7 : 414 / 10 : 170 .(51) انظر تفسير (( صغر )) فيما سلف 112 : 96 ، 330 .

وقد عطف عليه جملة { فغُلبوا } بالفاء لحصول المغلوبية إثر تلقف العصا لإفكهم .و { هنالك } اسم إشارة المكان أي غلبوا في ذلك المكان فأفاد بداهة مغلوبيتهم وظهورها لكل حاضر .والانقلاب : مطاوع قَلَبَ والقلب تغيير الحال وتبدله ، والأكثر أن يكون تغييراً من الحال المعتادة إلى حال غريبة .ويطلق الانقلاب شائعاً على الرجوع إلى المكان الذي يخرج منه ولأن الراجع قد عكس حال خروجه .وانقلب من الأفعال التي تجيء بمعنى ( صار ) وهو المراد هنا أي : صاروا صاغرين . واختيار لفظ { انقلبوا } دون ( رَجعُوا ) أو ( صاروا ) لمناسبته للفظ غُلبوا في الصيغة ، ولما يشعر به أصل اشتقاقه من الرجوع إلى حال أدون ، فكان لفظ ( انقلبوا ) أدخل في الفصاحة .والصّغَار : المذلة ، وتلك المذلة هي مذلة ظهور عجزهم ، ومذلة خيبة رجائهم ما أملوه من الأجر والقرب عند فرعون .
الآية 119 - سورة الأعراف: (فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين...)