سورة الأنعام: الآية 52 - ولا تطرد الذين يدعون ربهم...

تفسير الآية 52, سورة الأنعام

وَلَا تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِٱلْغَدَوٰةِ وَٱلْعَشِىِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُۥ ۖ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَىْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَىْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ

الترجمة الإنجليزية

Wala tatrudi allatheena yadAAoona rabbahum bialghadati waalAAashiyyi yureedoona wajhahu ma AAalayka min hisabihim min shayin wama min hisabika AAalayhim min shayin fatatrudahum fatakoona mina alththalimeena

تفسير الآية 52

ولا تُبْعد -أيها النبي- عن مجالستك ضعفاء المسلمين الذين يعبدون ربهم أول النهار وآخره، يريدون بأعمالهم الصالحة وجه الله، ما عليك من حساب هؤلاء الفقراء من شيء، إنما حسابهم على الله، وليس عليهم شيء من حسابك، فإن أبعدتهم فإنك تكون من المتجاوزين حدود الله، الذين يضعون الشيء في غير موضعه.

«ولا تطرد الذين يدعون ربَّهم بالغداة والعشي يريدون» بعبادتهم «وجهه» تعالى لا شيئا من أعراض الدنيا وهم الفقراء، وكان المشركون طعنوا فيهم وطلبوا أن يطردهم ليجالسوه وأراد النبي صلي الله عليه وسلم ذلك طمعا في إسلامهم «ما عليك من حسابهم من» زائدة «شيء» إن كان باطنهم غير مرضي «وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم» جواب النفي «فتكون من الظالمين» إن فعلت ذلك.

وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ أي: لا تطرد عنك، وعن مجالستك، أهل العبادة والإخلاص، رغبة في مجالسة غيرهم، من الملازمين لدعاء ربهم، دعاء العبادة بالذكر والصلاة ونحوها، ودعاء المسألة، في أول النهار وآخره، وهم قاصدون بذلك وجه الله، ليس لهم من الأغراض سوى ذلك الغرض الجليل، فهؤلاء ليسوا مستحقين للطرد والإعراض عنهم، بل مستحقون لموالاتهم ومحبتهم، وإدنائهم، وتقريبهم، لأنهم الصفوة من الخلق وإن كانوا فقراء، والأعزاء في الحقيقة وإن كانوا عند الناس أذلاء. مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ أي: كلٌّ له حسابه، وله عمله الحسن، وعمله القبيح. فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ وقد امتثل صلى الله عليه وسلم هذا الأمر، أشد امتثال، فكان إذا جلس الفقراء من المؤمنين صبر نفسَه معهم، وأحسن معاملتهم، وألان لهم جانبه، وحسن خلقَه، وقربهم منه، بل كانوا هم أكثر أهل مجلسه رضي الله عنهم. وكان سبب نزول هذه الآيات، أن أناسا [من قريش، أو] من أجلاف العرب قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أردت أن نؤمن لك ونتبعك، فاطرد فلانا وفلانا، أناسا من فقراء الصحابة، فإنا نستحيي أن ترانا العرب جالسين مع هؤلاء الفقراء، فحمله حبه لإسلامهم، واتباعهم له، فحدثته نفسه بذلك. فعاتبه الله بهذه الآية ونحوها.

وقوله : ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ) أي : لا تبعد هؤلاء المتصفين بهذه الصفة عنك ، بل اجعلهم جلساءك وأخصاءك ، كما قال : ( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا ) [ الكهف : 28 ] .وقوله ( يدعون ربهم ) أي : يعبدونه ويسألونه ( بالغداة والعشي ) قال سعيد بن المسيب ومجاهد والحسن وقتادة : المراد بذلك الصلوات المكتوبات .وهذا كقوله [ تعالى ] ( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ) [ غافر : 60 ] أي : أتقبل منكم .وقوله : ( يريدون وجهه ) أي : يبتغون بذلك العمل وجه الله الكريم ، فهم مخلصون فيما هم فيه من العبادات والطاعات .وقوله : ( ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء ) كما قال نوح ، - عليه السلام - ، في جواب الذين قالوا : ( أنؤمن لك واتبعك الأرذلون ) [ قال ] ( وما علمي بما كانوا يعملون إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون ) [ الشعراء : 112 ، 113 ] ، أي : إنما حسابهم على الله ، عز وجل ، وليس علي من حسابهم من شيء ، كما أنه ليس عليهم من حسابي من شيء .وقوله : ( فتطردهم فتكون من الظالمين ) أي : إن فعلت هذا والحالة هذه .قال الإمام أحمد : حدثنا أسباط - هو ابن محمد - حدثنا أشعث ، عن كردوس ، عن ابن مسعود قال : مر الملأ من قريش على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعنده : خباب وصهيب وبلال وعمار . فقالوا : يا محمد ، أرضيت بهؤلاء؟ فنزل فيهم القرآن : ( وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ) إلى قوله : ( أليس الله بأعلم بالشاكرين )ورواه ابن جرير ، من طريق أشعث ، عن كردوس ، عن ابن مسعود قال : مر الملأ من قريش برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعنده : صهيب وبلال وعمار وخباب ، وغيرهم من ضعفاء المسلمين ، فقالوا : يا محمد ، أرضيت بهؤلاء من قومك؟ أهؤلاء الذين من الله عليهم من بيننا؟ ونحن نكون تبعا لهؤلاء؟ اطردهم عنك ، فلعلك إن طردتهم أن نتبعك ، فنزلت هذه الآية : ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ) ( وكذلك فتنا بعضهم ببعض ) إلى آخر الآيةوقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيد القطان ، حدثنا عمرو بن محمد العنقزي ، حدثنا أسباط بن نصر ، عن السدي ، عن أبي سعيد الأزدي - وكان قارئ الأزد - عن أبي الكنود ، عن خباب في قول الله ، عز وجل : ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ) قال : جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزاري ، فوجدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع صهيب وبلال وعمار وخباب قاعدا في ناس من الضعفاء من المؤمنين فلما رأوهم حول النبي - صلى الله عليه وسلم - حقروهم ، فأتوه فخلوا به ، وقالوا : إنا نريد أن تجعل لنا منك مجلسا تعرف لنا به العرب فضلنا ، فإن وفود العرب تأتيك فنستحيي أن ترانا العرب مع هذه الأعبد ، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا ، فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت . قال : " نعم " . قالوا : فاكتب لنا عليك كتابا ، قال : فدعا بالصحيفة ودعا عليا ليكتب ، ونحن قعود في ناحية ، فنزل جبريل فقال : ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم [ بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين ] ) فرمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصحيفة ، ثم دعانا فأتيناه .ورواه ابن جرير ، من حديث أسباط ، به .وهذا حديث غريب ، فإن هذه الآية مكية والأقرع بن حابس وعيينة إنما أسلما بعد الهجرة بدهر .وقال سفيان الثوري ، عن المقدام بن شريح ، عن أبيه قال : قال سعد : نزلت هذه الآية في ستة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، منهم ابن مسعود ، قال : كنا نسبق إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وندنو منه ونسمع منه ، فقالت قريش : يدني هؤلاء دوننا ، فنزلت : ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي )رواه الحاكم في مستدركه من طريق سفيان ، وقال : على شرط الشيخين . وأخرجه ابن حبان في صحيحه من طريق المقدام بن شريح ، به

ثم أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقرب فقراء المسلمين من مجلسه لأنهم مع فقرهم أفضل عند الله من كثير من الأغنياء. فقال تعالى:وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ.أى: لا تبعد أيها الرسول الكريم عن مجالسك هؤلاء المؤمنين الفقراء الذين يدعون ربهم صباح مساء، ويريدون بعملهم وعبادتهم وجه الله وحده بل اجعلهم جلساءك وأخصاءك فهم أفضل عند الله من الأغنياء المتغطرسين والأقوياء الجاهلين.وقد روى المفسرون في سبب نزول هذه الآية روايات منها ما جاء عن ابن مسعود قال: مر الملأ من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعنده خباب وصهيب وبلال وعمار فقالوا: يا محمد أرضيت بهؤلاء من قومك؟ أهؤلاء الذين منّ الله عليهم من بيننا؟ أنحن نصير تبعا لهؤلاء؟لا.. اطردهم فلعلك إن طردتهم نتبعك. فنزلت هذه الآية :ففي الآية الكريمة نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يطرد هؤلاء الضعفاء من مجلسه. لأنه وإن كان صلى الله عليه وسلم يميل إلى تأليف قلوب الأقوياء للإسلام لينال بقوتهم قوة، إلا أن الله تعالى بين له أن القوة في الإيمان والعمل الصالح، وأن هؤلاء الضعفاء من المؤمنين قد وصفهم خالقهم بأنهم يتضرعون إليه في كل أوقاتهم ولا يقصدون بعبادتهم إلا وجه الله، فكيف يطردون من مجالس الخير؟.ثم قال تعالى: ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ، وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ.أى: إن الله تعالى هو الذي سيتولى حسابهم وجزاءهم ولن يعود عليك من حسابهم شيء، كما أنه لا يعود عليهم من حسابك شيء، فهم مجزيون بأعمالهم، كما أنك أنت يا محمد مجزى بعملك، فإن طردتهم استجابة لرضى غيرهم كنت من الظالمين. إذ أنهم لم يصدر عنهم ما يستوجب ذلك، وحاشا للرسول صلى الله عليه وسلم أن يطرد قوما تلك هي صفاتهم.قال صاحب الكشاف: فإن قلت: أما كفى قوله ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حتى ضم إليه وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ؟ قلت: قد جعلت الجملتان بمنزلة جملة واحدة وقصد بهما مؤدى واحد وهو المعنى في قوله: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ولا يستقل بهذا المعنى إلا الجملتان جميعا كأنه قيل: لا تؤاخذ أنت ولا هم بحساب صاحبه.وقيل: الضمير للمشركين. والمعنى: لا يؤاخذون بحسابك ولا أنت بحسابهم حتى يهمك إيمانهم ويحركك الحرص عليه إلى أن تطرد المؤمنين) .وهنا تخريج آخر لقوله: ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ، وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ بأن المعنى: ما عليك شيء من حساب رزقهم ان كانوا فقراء، وما من حسابك في الفقر والغنى عليهم من شيء، أى أنت مبشر ومنذر ومبلغ للناس جميعا سواء منهم الفقير والغنى، فكيف تطرد فقيرا لفقره، وتقرب غنيا لغناه؟ إنك إن فعلت ذلك كنت من الظالمين، ومعاذ الله أن يكون ذلك منك.وقوله فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ جواب للنهى عن الطرد، وقوله فَتَطْرُدَهُمْ جواب لنفى الحساب.

( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ) قرأ ابن عامر " بالغدوة " بضم الغين وسكون الدال وواو بعدها ، هاهنا وفي سورة الكهف ، وقرأ الآخرون : بفتح العين والدال وألف بعدها .قال سلمان وخباب بن الأرت : فينا نزلت هذه الآية ، جاء الأقرع بن حابس التميمي وعيينة بن حصن الفزاري وذووهم من المؤلفة قلوبهم ، فوجدوا النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا مع بلال وصهيب وعمار وخباب في ناس من ضعفاء المؤمنين ، فلما رأوهم حوله حقروهم ، فأتوه فقالوا : يا رسول الله لو جلست في صدر المجلس ونفيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم - وكان عليهم جباب صوف لم يكن عليهم غيرها - لجالسناك وأخذنا عنك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهم : " ما أنا بطارد المؤمنين " قالوا فإنا نحب أن تجعل لنا منك مجلسا تعرف به العرب فضلنا ، فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا العرب مع هؤلاء الأعبد ، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا ، فإذا فرغنا فاقعد معهم إن شئت ، قال : نعم ، قالوا : اكتب لنا عليك بذلك كتابا ، قال : فدعا بالصحيفة ودعا عليا ليكتب ، قالوا ونحن قعود في ناحية إذ نزل جبريل بقوله : ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ) إلى قوله : ( بالشاكرين ) فألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيفة من يده ، ثم دعانا فأثبته ، وهو يقول : ( سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة ) ، فكنا نقعد معه فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا فأنزل الله عز وجل : ( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ) ( الكهف ، 28 ) ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقعد معنا بعد وندنو منه حتى كادت ركبنا تمس ركبته ، فإذا بلغ الساعة التي يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم ، وقال لنا : " الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع قوم من أمتي ، معكم المحيا ومعكم الممات " .وقال الكلبي : قالوا له اجعل لنا يوما ولهم يوما ، فقال : لا أفعل ، قالوا : فاجعل المجلس واحدا فأقبل إلينا وول ظهرك عليهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية : ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي )قال مجاهد : قالت قريش : لولا بلال وابن أم عبد لبايعنا محمدا ، فأنزل الله هذه الآية : ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي ) قال ابن عباس : يعني يعبدون ربهم بالغداة والعشي ، يعني : صلاة الصبح وصلاة العصر ، ويروى عنه : أن المراد منه الصلوات الخمس ، وذلك أن أناسا من الفقراء كانوا مع النبي عليه السلام ، فقال ناس من الأشراف : إذا صلينا فأخر هؤلاء فليصلوا خلفنا ، فنزلت الآية . وقال مجاهد : صليت الصبح مع سعيد بن المسيب ، فلما سلم الإمام ابتدر الناس القاص ، فقال سعيد : ما أسرع الناس إلى هذا المجلس! قال مجاهد : فقلت يتأولون قوله تعالى ( يدعون ربهم بالغداة والعشي ) قال : أفي هذا هو ، إنما ذلك في الصلاة التي انصرفنا عنها الآن ، وقال إبراهيم النخعي : يعني يذكرون ربهم ، وقيل المراد منه : حقيقة الدعاء ، ( يريدون وجهه ) أي : يريدون الله بطاعتهم ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : يطلبون ثواب الله فقال : ( ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء ) أي : لا تكلف أمرهم ولا يتكلفون أمرك ، وقيل : ليس رزقهم عليك فتملهم ، ( فتطردهم ) ولا رزقك عليهم ، قوله ( فتطردهم ) جواب لقوله ( ما عليك من حسابهم من شيء ) وقوله : ( فتكون من الظالمين ) جواب لقوله ( ولا تطرد ) أحدهما جواب النفي والآخر جواب النهي .

قوله تعالى : ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين .قوله تعالى : ولا تطرد الذين يدعون ربهم الآية . قال المشركون : ولا نرضى بمجالسة أمثال هؤلاء - يعنون سلمان وصهيبا وبلالا وخبابا - فاطردهم عنك ; وطلبوا أن يكتب لهم بذلك ، فهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، ودعا عليا ليكتب ; فقام الفقراء وجلسوا ناحية ; فأنزل الله الآية . ولهذا أشار سعد بقوله في الحديث الصحيح : فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع ; وسيأتي ذكره . وكان النبي صلى الله عليه وسلم إنما مال إلى ذلك طمعا في إسلامهم ، وإسلام قومهم ، ورأى أن ذلك لا يفوت أصحابه شيئا ، ولا ينقص لهم قدرا ، فمال إليه فأنزل الله الآية ، فنهاه عما هم به من الطرد لا أنه أوقع الطرد . روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر ، فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم : اطرد هؤلاء عنك لا يجترئون علينا ; قال : وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما ، فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع ، فحدث نفسه ، فأنزل الله عز وجل ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه . قيل : المراد بالدعاء المحافظة على الصلاة المكتوبة في الجماعة ; قاله ابن عباس ومجاهد والحسن . وقيل : الذكر وقراءة القرآن . ويحتمل أن يريد الدعاء في أول النهار وآخره ; ليستفتحوا يومهم بالدعاء رغبة في التوفيق . ويختموه بالدعاء طلبا للمغفرة . يريدون وجهه أي : طاعته ، والإخلاص فيها ، أي : يخلصون في عبادتهم وأعمالهم لله ، ويتوجهون بذلك إليه لا لغيره . وقيل : يريدون الله الموصوف بأن له الوجه كما قال : ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام وهو كقوله : والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم . وخص الغداة والعشي بالذكر ; لأن الشغل غالب فيهما على الناس ، ومن كان في وقت الشغل مقبلا على العبادة كان في وقت الفراغ من الشغل أعمل . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يصبر نفسه معهم كما أمره الله في قوله : واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم ، فكان لا يقوم حتى يكونوا هم الذين يبتدئون القيام ، وقد أخرج هذا المعنى مبينا مكملا ابن ماجه في سننه عن خباب في قول الله عز وجل : ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي إلى قوله : فتكون من الظالمين قال : جاء الأقرع بن حابس التميمي ، وعيينة بن حصن الفزاري فوجدا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صهيب وبلال وعمار وخباب ، قاعدا في ناس من الضعفاء من المؤمنين ; فلما رأوهم حول النبي صلى الله عليه وسلم حقروهم ; فأتوه فخلوا به وقالوا : إنا نريد أن تجعل لنا منك مجلسا تعرف لنا به العرب فضلنا ، فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا العرب مع هذه الأعبد ، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنك ، فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت ; قال : ( نعم ) قالوا : فاكتب لنا عليك كتابا ; قال : فدعا بصحيفة ودعا عليا - رضي الله عنه - ليكتب ونحن قعود في ناحية ; فنزل جبريل عليه السلام فقال : ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين ثم ذكر الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن ; فقال : وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين ثم قال : وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة قال : فدنونا منه حتى وضعنا ركبنا على ركبته ; وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس معنا فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا ; فأنزل الله عز وجل واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تجالس الأشراف ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا يعني عيينة والأقرع ، واتبع هواه وكان أمره فرطا ، أي : هلاكا . قال : أمر عيينة والأقرع ; ثم ضرب لهم مثل الرجلين ومثل الحياة الدنيا . قال خباب : فكنا نقعد مع النبي صلى الله عليه وسلم فإذا بلغنا الساعة التي يقوم فيها قمنا وتركناه حتى يقوم ; رواه عن أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان ، حدثنا عمرو بن محمد العنقزي ، حدثنا أسباط ، عن السدي ، عن أبي سعيد الأزدي ، وكان قارئ الأزد ، عن أبي الكنود ، عن خباب ; وأخرجه أيضا عن سعد ، قال : نزلت هذه الآية فينا ستة ، في وفي ابن مسعود وصهيب وعمار والمقداد وبلال ; قال : قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا لا نرضى أن نكون أتباعا لهم فاطردهم ، قال : فدخل قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك ما شاء الله أن يدخل ; فأنزل الله عز وجل : ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي الآية . وقرئ ( بالغدوة ) وسيأتي بيانه في ( الكهف ) إن شاء الله .قوله تعالى : ما عليك من حسابهم من شيء أي : من جزائهم ولا كفاية أرزاقهم ، أي : جزاؤهم ورزقهم على الله ، وجزاؤك ورزقك على الله لا على غيره . من الأولى للتبعيض ، والثانية زائدة للتوكيد . وكذا وما من حسابك عليهم من شيء المعنى وإذا كان الأمر كذلك فأقبل عليهم وجالسهم ولا تطردهم مراعاة لحق من ليس على مثل حالهم في الدين والفضل ; فإن فعلت كنت ظالما . وحاشاه من وقوع ذلك منه ، وإنما هذا بيان للأحكام ، ولئلا يقع مثل ذلك من غيره من أهل السلام ; وهذا مثل قوله : لئن أشركت ليحبطن عملك وقد علم الله منه أنه لا يشرك ولا يحبط عمله . فتطردهم جواب النفي . فتكون من الظالمين نصب بالفاء في جواب النهي ; المعنى : ولا تطرد الذين يدعون ربهم فتكون من الظالمين ، وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم ، على التقديم والتأخير . والظلم أصله وضع الشيء في غير موضعه . وقد تقدم في البقرة مستوفى ، وقد حصل من قوة الآية والحديث النهي عن أن يعظم أحد لجاهه ولثوبه ، وعن أن يحتقر أحد لخموله ولرثاثة ثوبيه .

القول في تأويل قوله : وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52)قال أبو جعفر: ذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، في سبب جماعة من ضعفاء المسلمين، قال المشركون له: لو طردت هؤلاء عنك لغشيناك وحضرنا مجلسك!* ذكر الرواية بذلك:13255 - حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا أبو زبيد, عن أشعث, عن كردوس الثعلبي, عن ابن مسعود قال: مرّ الملأ من قريش بالنبيّ صلى الله عليه وسلم، وعنده صهيب وعمار وبلال وخبّاب، ونحوهم من ضعفاء المسلمين، فقالوا: يا محمد، أرضيت بهؤلاء من قومك؟ هؤلاء الذين منّ الله عليهم من بيننا؟ أنحن نكون تبعًا لهؤلاء؟ اطردهم عنك! فلعلك إن طردتهم أن نتّبعك! فنزلت هذه الآية : " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه " = وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ، إلى آخر الآية. (33)13256- .........حدثنا جرير, عن أشعث, عن كردوس الثعلبي, عن عبد الله قال: مرّ الملأ من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم ذكر نحوه . (34)13257 - حدثني أبو السائب قال، حدثنا حفص بن غياث, عن أشعث, عن كردوس, عن ابن عباس قال: مرّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ملأ من قريش, ثم ذكر نحوه. (35)13258 - حدثني الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي قال، حدثنا أبي قال، حدثنا أسباط, عن السدي, عن أبي سعد الأزدي = وكان قارئ الأزد =، عن أبي الكنود, عن خبّاب, في قول الله تعالى ذكره: " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه " إلى قوله: " فتكون من الظالمين "، قال: جاء الأقرع بن حابس التميمي، وعيينة بن حصن الفزاريّ, فوجدوا النبيّ صلى الله عليه وسلم قاعدًا مع بلال وصهيب وعمار وخباب, في أناس من الضعفاء من المؤمنين. (36) فلما رأوهم حوله حَقَروهم , فأتوه فقالوا: إنا نحب أن تجعل لنا منك مجلسًا تعرف لنا العرب به فضلَنا, فإنّ وفود العرب تأتيك فنستحيي أن ترانا العرب مع هؤلاء الأعبُد, فإذا نحن جئناك فأقمهم عنا, فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت! قال: نعم! قالوا: فاكتب لنا عليك بذلك كتابًا. قال: فدعا بالصحيفة, ودعا عليًّا ليكتب. قال: ونحن قعود في ناحية, إذ نزل جبريل بهذه الآية: " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين " , ثم قال: وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ , ثم قال: وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ، فألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيفةَ من يده, ثم دعانا فأتيناه وهو يقول: سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ! فكنا نقعد معه, فإذا أراد أن يقوم قام وتركنا, فأنزل الله تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، [سورة الكهف: 28]. قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقعد معنا بعد, فإذا بلغ الساعة التي يقوم فيها، قمنا وتركناه حتى يقوم. (37)13259- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي, عن أبي سعيد الأزدي, عن أبي الكنود, عن خباب بن الأرت = بنحو حديث الحسين بن عمرو، إلا أنه قال في حديثه: فلما رأوهم حوله نفّروهم, فأتوه فخلَوا به. وقال أيضًا: " فتكون من الظالمين ", ثم ذكر الأقرع وصاحبه فقال: وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ الآية. وقال أيضًا: فدعانا فأتيناه وهو يقول: سَلامٌ عَلَيْكُمْ ، فدنونا منه يومئذ حتى وَضعنا ركبنا على ركبتيه = وسائر الحديث نحوه. (38)13260- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر, عن قتادة = وحدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة والكلبي: أنّ ناسًا من كفار قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن سرَّك أن نتبعك، فاطرد عنا فلانًا وفلانًا، ناسًا من ضعفاء المسلمين! فقال الله تعالى ذكره: " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه ".13261 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ" إلى قوله: وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ الآية، قال: وقد قال قائلون من الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمد، إن سرك أن نتبعك فاطرد عنا فلانًا وفلانًا = لأناس كانوا دونهم في الدنيا، ازدراهم المشركون، فأنزل الله تعالى ذكره هذه الآية إلى آخرها.13262 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد: " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي" ، بلال وابن أم عبد، كانا يجالسان محمدًا صلى الله عليه وسلم, فقالت قريش محقِّرتهما: لولاهما وأمثالهما لجالسناه! فنُهي عن طردهم, حتى قوله : أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ، قال: " قل سلام عليكم "، فيما بين ذلك، في هذا.13263 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا سفيان, عن المقدام بن شريح, عن أبيه قال، قال سعد: نزلت هذه الآية في ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, منهم ابن مسعود، قال: كنا نسبق إلى النبي صلى الله عليه وسلم وندنو منه ونسمع منه, فقالت قريش: يدني هؤلاء دوننا! فنزلت: " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي". (39)13264 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج, عن ابن جريج, عن عكرمة في قوله: وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ الآية، قال: جاء عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، ومطعم بن عديّ، والحارث بن نوفل، وقرظة بن عبد عمرو بن نوفل، في أشراف من بني عبد مناف من الكفار، إلى أبي طالب فقالوا: يا أبا طالب، لو أن ابن أخيك يطرد عنه موالينا وحلفاءَنا, فإنما هم عبيدنا وعُسَفاؤنا, (40) كان أعظم في صدورنا، وأطوع له عندنا، وأدنى لاتّباعنا إياه، وتصديقنا له! قال: فأتى أبو طالب النبي صلى الله عليه وسلم فحدثه بالذي كلموه به, فقال عمر بن الخطاب: لو فعلتَ ذلك، حتى تنظر ما الذي يريدون، وإلام يصيرون من قولهم؟ فأنزل الله تعالى ذكره هذه الآية: وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ إلى قوله: أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ، قال: وكانوا: بلال، وعمارُ بن ياسر، وسالم مولى أبي حذيفة، وصبيح مولى أسيد (41) = ومن الحلفاء: ابن مسعود, والمقداد بن عمرو, ومسعود بن القاريّ, وواقد بن عبد الله الحنظلي, وعمرو بن عبد عمرو ذو الشمالين, ومرثد بن أبي مرثد = وأبو مرثد، من غنيّ، حليفُ حمزة بن عبد المطلب = وأشباههم من الحلفاء. ونزلت في أئمة الكفر من قريش والموالي والحلفاء: وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا الآية. فلما نزلت، أقبل عمر بن الخطاب فاعتذر من مَقالته, فأنزل الله تعالى ذكره: وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ، الآية. (42)13265 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: إني أستحيي من الله أن يرَاني مع سلمان وبلال وذَوِيهم, (43) فاطردهم عنك، وجالس فلانًا وفلانًا! قال فنزل القرآن: " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه " فقرأ، حتى بلغ: " فتكون من الظالمين "، ما بينك وبين أن تكون من الظالمين إلا أن تطردهم . ثم قال: وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ . ثم قال: وهؤلاء الذين أمروك أن تطردهم، فأبلغهم منّي السلام، وبشرهم وأخبرهم أني قد غفرت لهم! وقرأ: وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ، فقرأ حتى بلغ: وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ، قال: لتعرفها.* * *واختلف أهل التأويل في الدعاء الذي كان هؤلاء الرَّهط، الذين نهى الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم عن طردهم، يدعون ربّهم به.فقال بعضهم: هي الصلوات الخمس. (44)* ذكر من قال ذلك:13266 - حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ"، يعني: يعبدون ربّهم =" بالغداة والعشيّ", يعني: الصلوات المكتوبة .13267- حدثنا المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا حماد, عن أبي حمزة, عن إبراهيم في قوله: " يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه " ، قال: هي الصلوات الخمس الفرائض. ولو كان ما يقول القُصَّاص، (45) هلك من لم يجلس إليهم.13268 - حدثنا هناد بن السري وابن وكيع قالا حدثنا ابن فضيل, عن الأعمش, عن إبراهيم: " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه " ، قال: هي الصلاة .13269 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي"، الصلاة المفروضة، الصبح والعصر.13270 - حدثني محمد بن موسى بن عبد الرحمن الكندي قال، حدثنا حسين الجعفي قال، أخبرني حمزة بن المغيرة, عن حمزة بن عيسى قال: دخلت على الحسن فسألته فقلت: يا أبا سعيد, أرأيت قول الله: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ [سورة الكهف: 28] ، أهم هؤلاء القُصّاص؟ قال: لا ولكنهم المحافظون على الصلوات في الجماعة. (46)13271 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, وحدثني الحارث قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا ورقاء = جميعًا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله: " الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي"، قال: الصلاة المكتوبة .13272 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " يدعون ربهم بالغداة والعشي"، قال: يعبدون ربّهم =" بالغداة والعشي"، يعني الصلاة المفروضة .13273 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ [سورة الكهف: 28] ، هما الصلاتان: صلاة الصبح وصلاة العصر .13274 - حدثني ابن البرقي قال، حدثنا ابن أبي مريم قال، حدثنا يحيى بن أيوب قال، حدثنا محمد بن عجلان , عن نافع, عن عبد الله بن عمر في هذه الآية: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ الآية, أنهم الذين يشهدون الصلوات المكتوبة. (47)13275 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد وإبراهيم: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ، قالا الصلوات الخمس.13276-حدثنا ابن بشار قال، حدثنا يحيى, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد, مثله .13277- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد: " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي"، قال: المصلين المؤمنين، بلال وابن أم عبد = قال ابن جريج، وأخبرني عبد الله بن كثير, عن مجاهد قال: صليت الصبح مع سعيد بن المسيب, فلما سلّم الإمام ابتدر الناس القاصَّ, فقال سعيد: ما أسرعَ بهم إلى هذا المجلس! (48) قال مجاهد: فقلت يتأولون ما قال الله تعالى ذكره. قال: وما قال؟ قلت: " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي"، قال: وفي هذا ذَا ؟ إنما ذاك في الصلاة التي انصرفنا عنها الآن, إنما ذاك في الصلاة.13278 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا وكيع, عن أبيه, عن منصور, عن عبد الرحمن بن أبي عمرة قال: الصلاة المكتوبة. (49)13279 - حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا وكيع, عن إسرائيل, عن جابر, عن عامر قال: هي الصلاة .13280- حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا وكيع, عن أبيه, عن إسرائيل, عن عامر قال: هي الصلاة .13281- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه "، يقول: صلاة الصبح وصلاة العصر.13282 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد قال: صلى عبد الرحمن بن أبي عمرة في مسجد الرسول, فلما صلى قامَ فاستند إلى حجرة النبي صلى الله عليه وسلم, فانثال الناس عليه, فقال: يا أيها الناس، إليكم! فقيل: يرحمك الله, إنما جاؤوا يريدون هذه الآية : وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ [سورة الكهف: 28]. فقال: وهذا عُنِي بهذا! إنما هو في الصلاة. (50)وقال آخرون: هي الصلاة، ولكن القوم لم يسألوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم طردَ هؤلاء الضعفاء عن مجلسه، ولا تأخيرهم عن مجلسه, وإنما سألوه تأخيرهم عن الصفّ الأول، حتى يكونوا وراءهم في الصفّ .* ذكر من قال ذلك:13283 - حدثني محمد بن سعد, حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ الآية, فهم أناس كانوا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم من الفقراء, فقال أناس من أشراف الناس: نؤمن لك, وإذا صلينا فأخِّر هؤلاء الذين معك فليصلُّوا خلفنا!* * *وقال آخرون: بل معنى " دعائهم " كان، ذكرُهم الله تعالى ذكره .* ذكر من قال ذلك:13284 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي = وحدثنا هناد قال، حدثنا وكيع = عن سفيان, عن منصور, عن إبراهيم قوله: " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي"، قال: أهل الذكر.13285 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير, عن منصور: " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي"، قال: هم أهل الذكر.13286- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير, عن منصور, عن إبراهيم: " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي"، قال: لا تطردهم عن الذكر.* * *وقال آخرون: بل كان ذلك، تعلمهم القرآن وقراءته.* ذكر من قال ذلك:13287 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا وكيع, عن إسرائيل, عن جابر, عن أبي جعفر قوله: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ [سورة الكهف: 28]، قال: كان يقرئهم القرآن، من الذي يَقُصُّ على النبي صلى الله عليه وسلم؟! (51)* * *وقال آخرون: بل عنى بدعائهم ربّهم، عبادتهم إياه.* ذكر من قال ذلك:13288 - حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " يدعون ربهم بالغداة والعشي"، قال: يعني: يعبدون, ألا ترى أنه قال: لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ [سورة غافر: 43] ، يعني: تعبدون. (52)* * *قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره نهى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يطرُد قومًا كانوا يدعون ربّهم بالغداة والعشي، و " الدعاء لله "، يكون بذكره وتمجيده والثناء عليه قولا وكلامًا = وقد يكون بالعمل له بالجوارح الأعمالَ التي كان عليهم فرضُها، وغيرُها من النوافل التي ترضي عن العامل له عابدَه بما هو عامل له. (53) وقد يجوز أن يكون القوم كانوا جامعين هذه المعاني كلها, فوصفهم الله بذلك بأنهم يدعونه بالغداة والعشي, لأن الله قد سمى " العبادة "،" دعاء ", فقال تعالى ذكره: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ، [سورة غافر: 60]. وقد يجوز أن يكون ذلك على خاصّ من الدعاء.ولا قول أولى بذلك بالصحة، من وصف القوم بما وصفهم الله به: من أنهم كانوا يدعون ربهم بالغداة والعشي، فيعمُّون بالصفة التي وصفهم بها ربهم، ولا يخصُّون منها بشيء دون شيء.فتأويل الكلام إذًا: يا محمد، أنذر القرآن الذي أنزلته إليك, الذين يعلمون أنهم إلى ربهم محشورون = فهم من خوف ورودهم على الله الذي لا شفيع لهم من دونه ولا نصير, في العمل له دائبون (54) = إذ أعرض عن إنذارك واستماع ما أنزل الله عليك المكذبون بالله واليوم الآخر من قومك، استكبارًا على الله = ولا تطردهم ولا تُقْصِهم, فتكون ممن وضع الإقصاء في غير موضعه، فأقصى وطرد من لم يكن له طرده وإقصاؤه, وقرّب من لم يكن له تقديمه بقربه وإدناؤه، فإن الذين نهيتُك عن طردهم هم الذين يدعون ربهم فيسألونه عفوه ومغفرته بصالح أعمالهم، وأداء ما ألزمهم من فرائضه، ونوافل تطوّعهم، وذكرهم إياه بألسنتهم بالغداة والعشي, يلتمسون بذلك القربة إلى الله، والدنوّ من رضاه =" ما عليك من حسابهم من شيء " ، يقول: ما عليك من حساب ما رزقتهم من الرزق من شيء = وما عليهم من حساب ما رزقتك من الرزق من شيء =" فتطردهم "، حذارَ محاسبتي إياك بما خوّلتهم في الدنيا من الرزق.* * *وقوله: " فتطردهم "، جواب لقوله: " ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء ".وقوله: " فتكون من الظالمين " جواب لقوله: " ولا تطرد الذين يدعون ربهم ".* * *---------------(33) الأثر: 13255 -"أبو زبيد" هو: "عبثر بن القاسم الزبيدي" ، ثقة ، مضى برقم: 12336 ، 12402 ، وكان في المطبوعة"أبو زيد" خالف المخطوطة وأخطأ. و"أشعث" ، هو"أشعث بن سوار" ، ثقة ، مضى مرارًا و"كردوس الثعلبي" ، هو"كردوس بن العباس الثعلبي" ، تابعي ثقة ، مترجم في التهذيب ، والكبير 4/1/242 ، 243 ، وابن أبي حاتم 3/2/175 ، وفيها الاختلاف في اسم أبيه ، وفي نسبته"التغلبي" بالتاء والغين ، و"الثعلبي" ، كما جاءت في رواية أبي جعفر.وهذا الخبر رواه أبو جعفر بثلاثة أسانيد ، هذا واللذان يليانه . . . وأخرجه أحمد في مسنده رقم: 3985 ، من طريق أسباط ، عن أشعث ، عن كردوس ، عن ابن مسعود ، بمثله مختصرًا وخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ، وقال: "رواه أحمد والطبراني = وذكر زيادة الطبراني ، وهي موافقة لما في التفسير = ورجال أحمد رجال الصحيح ، غير كردوس ، وهو ثقة". وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 12 ، وزاد نسبته لابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه ، وأبي نعيم في الحلية.(34) الأثر: 13256 - وضعت نقطًا في صدر هذا الإسناد ، فإن أبا جعفر لا يدرك أن يروي عن"جرير بن عبد الحميد الضبي" ، وإنما يروى عنه شيوخه ، مثل"محمد بن حميد الرازي" ، كما في الأثر رقم: 10 ، وغيره.(35) الأثر: 13257 - في المطبوعة والمخطوطة: "عن كردس ، عن ابن عباس" وهو خطأ لا شك فيه ، فإن هذا الخبر لم يرو عن غير ابن مسعود ، وكردوس لم يذكر أنه روى عن ابن عباس ، والخبر لم ينسبه أحد في الكتب إلى غير عبد الله بن مسعود ، وكردوس ، هو"كردوس بن عباس الثعلبي" كما سلف في التعليق رقم: 13255 ، وفي المخطوطة كتب"عن" بين"كردوس بن عباس" ، من فوق ، فكأنه زيادة من الناسخ. وهذا الخبر رواه أبو جعفر ، غير مرفوع إلى عبد الله بن مسعود ، فلا أدري أوهم الناسخ وأسقط ، أم هكذا الرواية.(36) في المطبوعة: "من ضعفاء المؤمنين" ، غير ما في المخطوطة.(37) الأثر: 13258 -"الحسن بن عمرو بن محمد العنقري" ، ضعيف لين ، مضى برقم: 1625 ، 1883 ، 6139 ، 8035. وأبوه"عمرو بن محمد العنقري" ، ثقة جائز الحديث ، مضى برقم: 6139. و"أسباط" ، هو"أسباط بن نصر الهمداني" ، ضعفه أحمد ، ورجح أخي توثيقه ، كما مضى في التعليق على الأثر رقم: 168. وأما "السدي" ، فهو"إسمعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة السدي" ، وهو ثقة ، مضى أيضًا برقم: 168. و"أبو سعيد الأزدي" ، قارئ الأزد ، فهو"أبو سعد الأرحبي" ، أو "أبو سعيد الأرحبي" ، كما سيأتي في الأثر التالي ، ذكره ابن حبان في الثقات ، مضى برقم: 8700 ، وكان في المطبوعة هنا"أبو سعيد" ، وأثبت ما في المخطوطة. و"أبو الكنود الأزدي" ، مختلف في اسمه ، قيل"عبد الله بن عامر" ، وقيل"عبد الله بن عمران" ، وغير ذلك. ذكره ابن حبان في الثقات ، ولم يرو له غير ابن ماجه من أصحاب الكتب الستة ، روى له هذا الخبر نفسه. مترجم في التهذيب. وهذا الخبر رواه ابن ماجه من هذه الطريق نفسها ، مع زيادة يسيرة في لفظه ، في سننه ص1382 ، رقم: 4127. وقال في الزوائد: "إسناده صحيح ، ورجاله ثقات ، وقد روى مسلم ، والنسائي ، والمصنف بعضه من حديث سعد بن أبي وقاص و".أما ابن كثير ، فقد قال في تفسيره ، وذكر الخبر من تفسير ابن أبي حاتم من هذه الطريق نفسها (3: 315 ، 316): "وهذا حديث غريب ، فإن هذه الآية مكية ، والأقرع بن حابس ، وعيينة ، إنما أسلما بعد الهجرة بدهر". وهذا هو الحق إن شاء الله.وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 13 ، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة ، وأبي يعلى ، وأبي نعيم في الحلية ، وابن المنذر ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه ، والبيهقي في الدلائل.(38) الأثر: 13259 -"أبو سعيد الأزدي" ، هو"أبو سعيد الأرحبي" ، وهو الذي سلف في الأثر السابق ، وهو"أبو سعد" هناك ، ولكنه هنا"أبو سعيد" ، وكلاهما صواب كما أسلفت.(39) الأثر: 13263 -"سفيان" ، هو الثوري."المقدام بن شريح بن هانئ بن يزيد الحارثي". ثقة. مترجم في التهذيب.وأبوه"شريح بن هانئ بن يزيد الحارث" ، أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يره ، وروى عن أبيه ، وعمر ، وعلي ، وبلال ، وسعد ، وأبي هريرة ، ذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من تابعي أهل الكوفة. مترجم في التهذيب. و"سعد" هو"سعد بن أبي وقاص" ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان في المطبوعة والمخطوطة: "سعيد" ، وهو خطأ. وهذا الخبر رواه مسلم في صحيحه 15: 187 من طريقين ، من طريق سفيان ، عن المقدام ابن شريح = وعن طريق إسرائيل ، عن المقدام. ورواه ابن ماجه في سننه ص 1383 رقم: 4128 ، من طريق قيس بن الربيع ، عن المقدام بن شريح ، بمثله ، بغير هذا اللفظ. وخرجه السيوطي في الدر المنثور 3: 13 ، وزاد نسبته لأحمد ، والفريابي ، وعبد بن حميد ، والنسائي ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه ، والحاكم ، وأبو نعيم في الحلية ، والبيهقي في الدلائل.(40) "العسفاء" جمع"عسيف" ، وهو العبد ، والأجير المستهان به.(41) في المطبوعة: "وكانوا بلالا . . . وسالما . . . وصبيحا" ، بالنصب ، كما في الدر المنثور ، وابن كثير ، ولكن الذي في المخطوطة هو الصواب الجيد. هذا إن صح أن هذه الرواية هي الصواب ، وإلا فإني وجدت في الإصابة ، في ترجمة"صبيح" هذا وفيه: "عن حجاج ، عن ابن جريج ، وفيه: كانوا ثلاثة ، عمار بن ياسر ، وسالم مولى أبي حذيفة ، وصبيح". فإن صح هذا ، كان خطأ قوله"بلال" ، وإنما صوابه"ثلاثة" ، ولكنني لا أستطيع أن أرجح ذلك الآن.(42) الأثر: 13264 -"مسعود بن القاري" ، هو"مسعود بن ربيعة بن عمرو القاري" ، نسبة إلى"القارة" ، وهو حليف بني زهرة.و"واقد بن عبد الله الحنظلي التميمي" ، حليف بني عدي بن كعب. و"عمرو بن عبد عمرو بن فضلة الخزاعي" ، "ذو الشمالين" ، حليف بني زهرة. وقد روي أن عمارًا قال: "كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة كلهم أضبط: ذو الشمالين ، وعمر بن الخطاب ، وأبو ليلى" ، و"الأضبط": الذي يعمل بيديه جميعًا.(43) قوله: "وذويهم" يعني: أصحابهم وأشباههم ، وقد أسلفت في الجزء 3: 261 ، تعليق: 2 ، أن للنحاة كلامًا كثيرًا ، ودعوى أن إضافة"ذو" إلى الضمير ، يكون في ضرورة الشعر ، وقلت إنه أتى في النثر قديمًا ، وهذا الخبر من أدلة ما قلت.(44) في المطبوعة: "الصلوات المكتوبة" ، وأثبت ما في المخطوطة.(45) كان في المطبوعة والمخطوطة: "ولو كان يقول القصاص" بإسقاط"ما" وهو خطأ."القصاص" جمع"قاص" ، وهو الذي يتصدر في مسجد أو غيره ، ثم يأخذ يعظ الناس ، ويذكرهم بأخبار الماضين ، فربما دخل قصصه الزيادة والنقصان ، ولذلك جاء في الحديث: "القاص ينتظر المقت". وفي الحديث: "إن بني إسرائي لما قصوا هلكوا" ، يعني: لما تزيدوا في الخبر والحديث وكذبوا ، وهذا من شر الفعل ، ولكن ما دخلت فيه بنو إسرائيل فعذبهم الله وأهلكهم به ، ودخلناه نحن سعيًا ، فعاقبنا الله بشتات أمرنا ، وضعف علمائنا ، وذهاب هيبتنا من صدور أعدائنا.فاللهم اهدنا سواء سبيلك. ثم انظر الأثر التالي رقم: 13270 ، والأثر: 132277 ، 13282(46) الأثر: 13270 -"محمد بن موسى بن عبد الرحمن الكندي" ، شيخ الطبري ، لم أجد له ذكرًا. وكان في المطبوعة هنا"موسى بن عبد الرحمن الكندي" ، غير ما في المخطوطة ، وحذف"محمد بن" ، وهذا تصرف معيب قبيح. و"حسين الجعفي" هو"حسين بن علي بن الوليد الجعفي" ، مضى مرارًا كثيرة ، وكان في المطبوعة: "حسن الجعفي" ، وهو خطأ محض. و"حمزة بن المغيرة بن نشيط المخزومي" العابد ، مضى برقم: 184.وأما "حمزة بن عيسى" ، فلم أجد في الرواة من يسمى بذلك ، وأرجح أن الناسخ أخطأ ، فأعاد كتابة"حمزة" ، فاختلط الاسم ، فلا يصححه إلا أن يوجد في مكان آخر.(47) الأثر: 13274 - خرجه السيوطي في الدر المنثور 4: 219 ، وزاد نسبته إلى ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه. وهذا إسناد صحيح.(48) في المطبوعة: "ما أسرعهم إلى هذا المجلس" ، وفي المخطوطة: "ما أسرع إلى هذا المجلس" ، فرأيت أن يكون الصواب ما أثبت.(49) الأثر: 13278 -"عبد الرحمن بن أبي عمرة بن محصن بن ثعلبة الأنصاري" ، روى عن أبيه ، وعثمان بن عفان ، وعبادة بن الصامت. قال ابن سعد: "كان ثقة كثير الحديث" مترجم في التهذيب.وسيأتي هذا الأمر مطولا برقم: 13282.(50) الأثر: 13282 هو مطول الأثر السالف رقم: 13278. وقوله: "انثال عليه الناس": تتابعوا عليه وتقاطروا من كل ناحية.وهذا الخبر ، دليل على صحة معرفة أئمتنا السالفين بحق دينهم ، وحق كتابهم المنزل عليهم من ربهم = ودليل أيضًا على فساد ما وقع فيه علماؤنا وكتابنا ، ومن تعرض منا لكتاب الله بالهوى ، حتى صار هذا المرفوض الذي رفضه الأئمة ، حجة يستدل بها الجهال من الصوفية وأهل المخرقة بالولايات وادعاء الكرامات. فاللهم باعد بيننا وبين الجهالة ، واحملنا على سواء السبيل.* * *هذا وهذه الأخبار التي ذكرها هنا ، وفسر فيها آية سورة الكهف: 28 ، لم يرو أكثره في تفسير"سورة الكهف" ، وهذا باب من أبواب اختصار أبي جعفر تفسيره هذا.(51) في المطبوعة: "قال كان يقرئهم القرآن النبي صلى الله عليه وسلم" حذف من المخطوطة.ما أثبته: "من الذي يقص على" ، ثم وصل الكلام ، فأساء وخان وأفسد!! وهذا الكلام جملتان منفصلتان ، الأولى: "كان يقرئهم القرآن" والأخرى الاستفهام: "من الذي يقص على النبي صلى الله عليه وسلم" ، وكلتاهما رد على من تأول الآية ، على أنها مراد بها القصاص وهم الوعاظ ، كما يظهر من الآثار: 13267 ، 13270 ، 13277 ، 13282 ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرئ هؤلاء القرآن ، فأمر أن يصبر نفسه معهم. ولو كان مرادًا بالآية القصاص ، لكان النبي صلى الله عليه وسلم مأمورًا أن يصبر نفسه مع من يجلس يعظه ويذكره بالله - بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم! فلذلك قال: "من الذي يقص على النبي صلى الله عليه وسلم!" ، أي: من هذا الذي يعظ رسول الله ويذكره بالله وبأيام الله؟!وهذه حجة مبينة في فساد من تأول الآية على غير الوجه الصحيح الذي أجمعت عليه الحجة.(52) هكذا جاءت الآية في المخطوطة والمطبوعة ، وأنا أكاد أقطع بأن ذلك خطأ ، من سهو راو أو سهو من أبي جعفر نفسه ، وأرجح أنه أراد آية"سورة غافر: 66قُلْ إنّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدُ الذِّيِنَ تَدْعُونَ مِنْ دُون اللهِأما الآية التي استبدل بها ، فلا يستقيم أن يكون الدعاء فيها بمعنى العبادة.(53) في المطبوعة: والمخطوطة التي ترضى والعامل له عابده" ، وهو لا يستقيم ، وكأن الصواب ما أثبت.(54) في المطبوعة والمخطوطة: "دائمون" ، وأرجح أن الذي أثبت هو الصواب.

عطف على قوله : { وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربّهم } [ الأنعام : 51 ] لأنّه في معنى أنذرهم ولازمهم وإن كره ذلك متكبّرو المشركين . فقد أجريت عليهم هنا صلة أخرى هي أنسب بهذا الحكم من الصلة التي قبلها ، كما أنّ تلك أنسبُ بالحكم الذي اقترنت معه منها بهذا ، فلذلك لم يُسلك طريق الإضمار ، فيقال : ولا تَطْردْهُم ، فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم جاء داعياً إلى الله فأولى الناس بملازمته الذين هجيّراهم دعاء الله تعالى بإخلاص فكيف يطردهم فإنّهم أولى بذلك المجلس ، كما قال تعالى : { إنّ أولى الناس بإبراهيم للّذين اتَّبعوه } [ آل عمران : 68 ].روى مسلم عن سعد بن أبي وقَّاص قال : كنَّا مع النَّبيء ستة نفر ، فقال المشركون للنبيء : أطرد هؤلاء لا يَجْتَرئُون علينا . قال : وكنت أنا ، وابن مسعود ، ورجل من هُذيل ، وبلال ، ورجلان ، لست أسمِّيهما ، فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع ، فحدّث نفسه فأنزل الله تعالى : { ولا تطرد الذين يدعون ربّهم بالغداة والعشي يريدون وجهه } اه . وسمّى الواحدي بقيّة الستَّة : وهم صهيب ، وعمّار بن ياسر ، والمقدادُ بن الأسود ، وخبّاب بن الأرتّ . وفي قول ابن مسعود «فوقع في نفس رسول الله ما شاء الله» إجمال بيِّنه ما رواه البيهقي أنّ رؤساء قريش قالوا لرسول الله : لو طردت هؤلاء الأعْبُدَ وأرواحَ جِبَابِهم ( جمع جُبّة ) جَلَسْنا إليك وحادثناك . فقال : ما أنا بطارد المؤمنين . فقالوا : فأقمهم عنّا إذا جئنا فإذا قمنا فأقعدهم معك إن شئت ، فقال : نعم ، طَعماً في إيمانهم . فأنزل الله هذه الآية . ووقع في «سنن» ابن ماجة عن خبَّاب أنّ قائل ذلك للنبيء صلى الله عليه وسلم الأقْرعُ بن حابس وعُبَيْنَةُ بن حِصْن ، وأنّ ذلك سبب نزول الآية ، وقال ابن عطية : هو بعيد لأنّ الآية مكية . وعيينة والأقرع إنَّما وفَدا مع وفد بني تميم بالمدينة سنة الوفود . اه . قلت : ولعلّ ذلك وقع منهما فأجابهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الآية التي نزلت في نظير اقتراحهما .وفي سنده أسباط بن نصر أو نضر ، ولم يكن بالقوي ، وفيه السديّ ضعيف . وروي مثله في بعض التفاسير عن سلمان الفارسي ، ولا يعرف سنده . وسمّى ابنُ إسحاق أنَّهم المستضعفون من المؤمنين وهم : خبَّاب ، وعمَّار ، وأبُو فُكيهة ، يسار مَولى صفوان بن أمية بن مُحرّث ، وصهيب وأشباههم ، وأنّ قريشاً قالوا : { أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا } [ الأنعام : 53 ] وذكر الواحدي في «أسباب النزول» : أنّ هذه الآية نزلت في حياة أبي طالب . فعن عكرمة قال : جاء عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، ومُطعِم بن عدي ، والحارثُ بن نوفل ، في أشراف بني عبد مناف إلى أبي طالب فقالوا : لو أنّ ابن أخيك محمداً يَطرد عنه موالينا وعبيدنا وعتقاءنا كان أعظم من صدورنا وأطمع له عندنا وأرجى لاتِّبَاعِنا إيَّاه وتصديقنا له .فأتى أبو طالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فحدّثه بالذي كلَّموه ، فقال عمر بن الخطاب : لو فعلت ذلك حتَّى ننظر ما الذي يريدون وإلامَ يصيرون من قولهم ، فأنزل الله هذه الآية . فلمّا نزلت أقبل عمر يعتذر .والمعنى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لحرصه على إيمان عظماء قريش ليكونوا قدوة لقومهم ولعلمه بأنّ أصحابه يحرصون حرصه ولا يوحشهم أن يقاموا من المجلس إذا حضره عظماء قريش لأنّهم آمنوا يريدون وجه الله لا للرياء والسمعة ولكن الله نهاه عن ذلك . وسمَّاه طرداً تأكيداً لمعنى النهي ، وذلك لحكمة : وهي كانت أرجح من الطمع في إيمان أولئك ، لأنّ الله اطّلع على سرائرهم فعلم أنّهم لا يؤمنون ، وأراد الله أن يظهر استغناء دينه ورسوله عن الاعتزاز بأولئك الطغاة القساة ، وليظهر لهم أنّ أولئك الضعفاء خير منهم ، وأنّ الحرص على قربهم من الرسول صلى الله عليه وسلم أولى من الحرص على قرب المشركين ، وأنّ الدين يرغب الناس فيه وليس هو يرغب في الناس كما قال تعالى : { يمنّون عليك أنْ أسلموا قُل لا تَمنُوا عليّ إسلامكم بلْ اللّهُ يَمُنّ عَلَيْكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين } [ الحجرات : 17 ].ومعنى { يدعون ربّهم } يعلنون إيمانهم به دون الأصنام إعلاناً بالقول ، وهو يستلزم اعتقاد القائل بما يقوله ، إذ لم يكن يومئذٍ نفاق وإنَّما ظهر المنافقون بالمدينة .والغداة : أوّل النهار . والعشيّ من الزوال إلى الصباح . والباء للظرفية . والتعريف فيهما تعريف الجنس . والمعنى أنّهم يدعون الله اليوم كلّه . فالغداة والعشي قصد بهما استيعاب الزمان والأيام كما يقصد بالمشرق والمغرب استيعاب الأمكنة . وكما يقال : الحمد لله بكرة وأصيلاً ، وقيل : أريد بالدعاء الصلاة . وبالغداة والعشي عموم أوقات الصلوات الخمس . فالمعنى ولا تطرد المصلّين ، أي المؤمنين .وقرأ الجمهور { بالغَداة } بفتح الغين وبألف بعد الدال . وقرأه ابن عامر بضمّ الغين وسكون الدال وبواو ساكنة بعد الدال وهي لغة في الغَدَاة .وجملة { يريدون وجهه } حال من الضمير المرفوع في { يدعون } ، أي يدعون مخلصين يريدون وجه الله ، أي لا يريدون حظاً دنيوياً .والوجه حقيقة الجزء من الرأس الذي فيه العينان والأنف والفم . ويطلق الوجه على الذات كلّها مجازاً مرسلاً .والوجه هنا مستعار للذات على اعتبار مضاف ، أي يريدون رضى الله ، أي لا يريدون إرضاء غيره . ومنه قوله تعالى : { إنّما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً } [ الإنسان : 9 ] ، وقوله : { فأينما تولّوا فثمّ وجهُ الله } ، وتقدّم في سورة [ البقرة : 115 ]. فمعنى { يريدون وجهه } أنَّهم آمنوا ودعوا الله لا يريدون بذلك عرضاً من الدنيا . وقد قيل : إنّ قريشاً طعنوا في إيمان الضعفاء ونسبوهم إلى النفاق ، إلاّ أنّ هذا لم يرد به أثر صحيح ، فالأظهر أنّ قوله { يريدون وجهه } ثناء عليهم بكمال إيمانهم ، وشهادة لهم بأنَّهم مجرّدون عن الغايات الدنيوية كلّها ، وليس المقصود به الرّدّ على المشركين .وجملة { ما عليك من حسابهم من شيء } تعليل للنهي عن طردهم ، أو إبطال لعلّة الهَمّ بطردهم ، أو لعلَّة طلب طردهم . فإنّ إبطال علَّة فعل المنهي عنه يؤول إلى كونه تعليلاً للنهي ، ولذا فصلت هذه الجملة .والحسابُ : عَدّ أفراد الشيء ذي الأفراد ويطلق على إعمال النظر في تمييز بعض الأحوال عن بعض إذا اشتبهت على طريقة الاستعارة بتشبيه تتبّع الأحوال بعَدّ الأفراد . ومنه جاء معنى الحِسْبةَ بكسر الحاء ، وهي النظر في تمييز أحوال أهل السوق من استقامة وضدّها . ويقال : حاسبَ فلاناً على أعماله إذا استقراها وتتبّعها . قال النابغة: ... يُحاسِبُ نفسه بِكَمْ اشتراهافالحساب هنا مصدر حاسب . والمراد به تتبّع الأعمال والأحوال والنظر فيما تقابل به من جزاء .وضمير الجمع في قوله : { من حسابهم } وقوله { وما من حسابك عليهم } يجوز أن يكونا عائدين إلى { الذين يَدْعون ربّهم } وهو مَعَاد مَذْكور ، وهو المناسب لتناسق الضمائر مع قوله { فتطردهم }.فالمعنى أنَّهم أهل الحقّ في مجلسك لأنَّهم مؤمنون فلا يطردون عنه وما عليك أن تحسب ما عدا ذلك من الأمور العارضة لهم بزعم المشركين ، وأنّ حضور أولئك في مجلسك يصدّ كبراء المشركين عن الإيمان ، أي أنّ ذلك مدحوض تجاه حقّ المؤمنين في مجلس رسولهم وسماع هديه .وقيل معنى : { ما عليك من حسابهم } أنّ المشركين طعنوا في إخلاص هؤلاء النفر ، قالوا : يا محمد إنّ هؤلاء إنّما اجتمعوا عندك وقبلوا دينك لأنَّهم يجدون مأكولاً وملبوساً عندك ، فقال الله تعالى : ما يلزمك إلاّ اعتبار ظاهرهم وإن كان لهم باطن يخالفه فحسابهم على الله ، أي إحصاء أحوالهم ومناقشتهم عليها على نحو قول نوح { إنْ حسابُهم إلاّ على ربِّي لو تَشعرون } [ الشعراء : 113 ]. فمعنى حسابهم على هذا الوجه تمحيص نياتهم وبواطنهم . والقصد من هذا تبكيتُ المشركين على طريقة إرخاء العنان ، وليس المراد استضعاف يقين المؤمنين . و { حسابهم } على هذا الوجه من إضافة المصدر إلى مفعوله .ويجوز أن يكون الضميران عائدين إلى غير مذكور في الكلام ولكنّه معلوم من السياق الذي أشار إليه سبب النزول ، فيعود الضميران إلى المشركين الذين سألوا طَرد ضعفاء المؤمنين من مجلس النبي صلى الله عليه وسلم فيكون ضمير { فتطردهم } عائداً إلى المؤمنين . ويختلف معاد الضميرين اعتماداً على ما يعيِّنه سياق الكلام ، كقوله تعالى : { وعَمَرُوها أكثر ممَّا عمروها } [ الروم : 9 ] ، وقول عباس بن مرداس في وقعة حنين: ... عُدْنَا ولولا نَحْنُ أحْدَقَ جَمعُهمبالمسلمين وأَحرَزُوا ما جَمَّعُوا ... أي أحرز المشركون ما جمعه المسلمون من الغنائم .والمعنى : ما عليك من حساب المشركين على الإيمان بِك أو على عدم الإيمان شيء ، فإنّ ذلك موكول إليّ فلا تظلم المؤمنين بحرمانهم حقّاً لأجل تحصيل إيمان المشركين ، فيكون من باب قوله تعالى :{ إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أوْلَى بهما فلا تتَّبعوا الهوى أن تعدلوا } [ النساء : 135 ].وعلى هذا الوجه يجوز كون إضافة { حسابهم } من إضافة المصدر إلى مفعوله ، أي محاسبتك إيّاهم . ويجوز كونها من إضافته إلى فاعله ، أي من حساب المشركين على هؤلاء المؤمنين فقرَهم وضعفهم .و { عليك } خبر مقدّم . و ( على ) فيه دالّة على معنى اللزوم والوجوب لأنّ الرسول عليه الصلاة والسلام همّ أو كان بحيث يهمّ بإجابة صناديد قريش لما سألوه ، فيكون تنبيهاً على أنّ تلك المصلحة مدحوضة .و ( منْ ) في قوله : { من شيء } زائدة لتوكيد النفي للتنصيص على الشمول في سياق النفي ، وهو الحرف الذي بتقديره بُني اسم ( لا ) على الفتح للدلالة على إرادة نفي الجنس .وتقديم المسنَدَين على المسند إليهما في قوله { ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء } تقديم غير واجب لأنّ للابتداء بالنكرتين هنا مسوّغاً ، وهو وقوعهما في سياق النفي ، فكان تقديم المجرورين هنا اختيارياً فلا بدّ له من غرض . والغرض يحتمل مجرّدَ الاهتمام ويحتمل الاختصاص . وحيث تأتّى معنى الاختصاص هنا فاعتباره أليق بأبلغ كلام ، ولذلك جرى عليه كلام «الكشاف» . وعليه فمعنى الكلام قصر نفي حسابهم على النبي صلى الله عليه وسلم ليفيد أنّ حسابهم على غيره وهو الله تعالى . وذلك هو مفاد القصر الحاصل بالتقديم إذا وقع في سياق النفي ، وهو مفاد خِفي على كثير لقلّة وقوع القصر بواسطة التقديم في سياق النفي . ومثالُه المشهور قوله تعالى : { لا فيها غوْل } [ الصافات : 47 ] فإنَّهم فسّروه بأنّ عدم الغول مقصور على الاتِّصاف بفِي خمور الجنَّة ، فالقصر قصر قلب .وقد اجتمع في هذا الكلام خمسة مؤكِّدات . وهي ( مِنْ ) البيانية ، و ( مِنْ ) الزّائدة ، وتقديم المعمول ، وصيغة الحصر في قوله : { ما عليك من حسابهم من شيء } ، والتأكيدُ بالتَّتميم بنفي المقابل في قوله : { وما من حسابك عليهم من شيء } ، فإنَّه شبيه بالتوكيد اللفظي . وكلّ ذلك للتنصيص على منتهى التبرئة من محاولة إجابتهم لاقتراحهم .ويُفيد هذا الكلام التعريضَ برؤساء قريش الذين سألوا إبعاد الفقراء عن مجلس الرسول عليه الصلاة والسلام حين ما يحضرون وأوهموا أنّ ذلك هو الحائل لهم دون حضور مجلس الرسول عليه الصلاة والسلام والإيمان به والكون من أصحابه ، فخاطب الله رسوله بهذا الكلام إذ كان الرسول هو المسؤول أن يقضي أصحابَه عن مجلسه ليعلم السائلون أنّهم سألوه ما لا يقع ويعلموا أنّ الله أطْلَع رسوله صلى الله عليه وسلم على كذبهم ، وأنّهم لو كانوا راغبين في الإيمان لما كان عليهم حساب أحوال الناس ولاشتغلوا بإصلاح خُوَيْصتِهم ، فيكون الخطاب على نحو قوله تعالى : { لئن أشركتَ ليحبطنّ عَمَلُك } [ الزمر : 65 ]. وقد صرّح بذلك في قوله بعدُ{ ولتستبين سبيل المجرمين } [ الأنعام : 55 ]. وإذ كان القصر ينحلّ على نسبتي إثبات ونفي فالنسبة المقدّرة مع القصر وهي نسبة الإثبات ظاهرة من الجمع بين ضمير المخاطب وضمير الغائبين ، أي عدم حسابهم مقصور عليك ، فحسابهم على أنفسهم إذ كلّ نفس بما كسبت رهينة .وقد دلّ على هذا أيضاً قوله بعده { ومَا من حسابك عليهم من شيء } فإنّه ذُكر لاستكمال التعليل ، ولذلك عطف على العلّة ، لأنّ مجموع مدلول الجملتين هو العلّة ، أي حسابهم ليس عليك كما أنّ حسابك ليس عليهم بل على نفسك ، إذ كلّ نفس بما كسبت رهينة ، ولا تزر وازرة وزْر أخرى . فكما أنّك لا تنظُر إلاّ إلى أنَّهم مؤمنون ، فهم كذلك لا يطلب منهم التفريط في حق من حقوق المؤمنين لتسديد رغبة منك في شيء لا يتعلّق بهم أو لتحصيل رغبة غيرهم في إيمانه . وتقديم المسند على المسند إليه هنا كتقديمه في نظيره السابق .وفي قوله : { وما من حسابك عليهم من شيء } تعريض بالمشركين بأنَّهم أظهروا أنّهم أرادوا بطرد ضعفاء المؤمنين عن مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم النصح له ليكتسب إقبال المشركين عليه والإطماع بأنَّهم يؤمنون به فيكثر متَّبعوه .ثم بهذا يظهر أن ليس المعنى : بل حسابهم على الله وحسابك على الله ، لأنّ هذا غير مناسب لسياق الآية ، ولأنَّه يصير به قوله : { وما من حسابك عليهم من شيء } مستدركاً في هذا المقام ، ولذلك لم يتكرّر نظير هذه الجملة الثانية مع نظير الجملة الأولى فيما حكى الله عن نوح { إن حسابهم إلاّ على ربِّي } في سورة [ الشعراء : 113 ] لأنّ ذلك حكي به ما صدر من نوح وما هنا حكي به كلام الله تعالى لرسوله ، فتنبّهْ .ويجوز أن يكون تقديم المسند في الموضعين من الآية لمجرّد الاهتمام بنفي اللزوم والوجوب الذي دلّ عليه حرف ( على ) في الموضعين لا سيما واعتبار معنى القصر في قوله وَمَا مِن حسابك عليهم من شيء } غيرُ واضح ، لأنَّنا إذا سلَّمنا أن يكون للرسول عليه الصلاة والسلام شِبْه اعتقاد لزوممِ تتَّبع أحوالهم فقُلب ذلك الاعتقاد بالقصر ، لا نجد ذلك بالنسبة إلى { الذين يدعون ربَّهم بالغداة والعشي } إذ لا اعتقاد لهم في هذا الشأن .وقدّم البيان على المبيَّن في قوله : { وما من حسابك عليهم من شيء } لأنّ الأهمّ في المقامين هو ما يختصّ بالمخاطب المعرِّضُ فيه بالذين سألوه الطرد لأنَّه المقصود بالذات ، وإنَّما جيء بالجملة الثانية لاستكمال التعليل كما تقدّم .وقوله : { فتطردهم } منصوب في جواب النهي الذي في قوله : { ولا تطرُد الذين يدعون ربَّهم }.وإعادة فعل الطرد دون الاقتصار على قوله : { فتكونَ من الظالمين } ، لإفادة تأكيد ذلك النهي وليبنى عليه قوله { فتكون من الظالمين } لوقوع طول الفصل بين التفريع والفرّع عليه . فحصل بإعادة فعل { فتطردهم } غرضان لفظي ومعنوي .على أنَّه يجوز أن يجعل { فتطردهم } منصوباً في جواب النفي من قوله : { ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء } ، أي لا تطردهم إجابة لرغبة أعدائهم .وقوله : { فتكون من الظالمين } عطف على { فتطردهم } متفرّع عليه ، أي فتكون من الظالمين بطردهم ، أي فكونه من الظالمين منتف تبعاً لانتفاء سببه وهو الطرد .وإنَّما جُعل طردهم ظلماً لأنَّه لما انتفى تكليفه بأن يحاسبهم صار طردهم لأجل إرضاء غيرهم ظلماً لهم . وفيه تعريض بالذين سألوا طردهم لإرضاء كبريائهم بأنَّهم ظالمون مفطرون على الظلم؛ ويجوز أن يجعل قوله : { فتكون من الظالمين } منصوباً في جواب النهي ، ويجعل قوله { فتطردهم } جيء به على هذا الأسلوب لتجديد ربط الكلام لطول الفصل بين النهي وجوابه بالظرف والحال والتعليل؛ فكان قوله { فتطردهم } كالمقدّمة لقوله { فتكون من الظالمين } وليس مقصودٌ بالذات للجوابية؛ فالتقدير : فتكون من الظالمين بطردهم .
الآية 52 - سورة الأنعام: (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ۖ ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم...)