سورة الأنعام: الآية 144 - ومن الإبل اثنين ومن البقر...

تفسير الآية 144, سورة الأنعام

وَمِنَ ٱلْإِبِلِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ ٱثْنَيْنِ ۗ قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلْأُنثَيَيْنِ أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلْأُنثَيَيْنِ ۖ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ وَصَّىٰكُمُ ٱللَّهُ بِهَٰذَا ۚ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا لِّيُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ

الترجمة الإنجليزية

Wamina alibili ithnayni wamina albaqari ithnayni qul alththakarayni harrama ami alonthayayni amma ishtamalat AAalayhi arhamu alonthayayni am kuntum shuhadaa ith wassakumu Allahu bihatha faman athlamu mimmani iftara AAala Allahi kathiban liyudilla alnnasa bighayri AAilmin inna Allaha la yahdee alqawma alththalimeena

تفسير الآية 144

والأصناف الأربعة الأخرى: هي اثنان من الإبل ذكورًا وإناثًا، واثنان من البقر ذكورًا وإناثًا. قل -أيها الرسول- لأولئك المشركين: أحَرَّم الله الذكرين أم الأنثيين؟ أم حرَّم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين ذكورًا وإناثًا؟ أم كنتم أيها المشركون حاضرين، إذ وصاكم الله بهذا التحريم للأنعام، فلا أحد أشد ظلمًا ممن اختلق على الله الكذب؛ ليصرف الناس بجهله عن طريق الهدى. إن الله تعالى لا يوفق للرشد مَن تجاوز حدَّه، فكذب على ربه، وأضلَّ الناس.

«ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين أم» بل «كنتم شهداء» حضورا «إذ وصَّاكم الله بهذا» التحريم فاعتمدتم ذلك! لا بل أنتم كاذبون فيه «فمن» أي لا أحد «أظلم ممن افترى على الله كذبا» بذلك «لُيضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين».

ثم ذكر في الإبل والبقر مثل ذلك. فلما بين بطلان قولهم وفساده، قال لهم قولًا لا حيلة لهم في الخروج من تبعته، إلا في اتباع شرع الله. أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ أي: لم يبق عليكم إلا دعوى، لا سبيل لكم إلى صدقها وصحتها. وهي أن تقولوا: إن الله وصَّانا بذلك، وأوحى إلينا كما أوحى إلى رسله، بل أوحى إلينا وحيا مخالفا لما دعت إليه الرسل ونزلت به الكتب، وهذا افتراء لا يجهله أحد، ولهذا قال: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ أي: مع كذبه وافترائه على الله، قصده بذلك إضلال عباد الله عن سبيل الله، بغير بينة منه ولا برهان، ولا عقل ولا نقل. إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ الذين لا إرادة لهم في غير الظلم والجور، والافتراء على الله.

وقوله : ( أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا ) تهكم بهم فيما ابتدعوه وافتروه على الله ، من تحريم ما حرموه من ذلك ، ( فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم ) أي : لا أحد أظلم منه ، ( إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) .وأول من دخل في هذه الآية : عمرو بن لحي بن قمعة ، فإنه أول من غير دين الأنبياء ، وأول من سيب السوائب ، ووصل الوصيلة ، وحمى الحامي ، كما ثبت ذلك في الصحيح .

وقوله- تعالى- وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ عطف على قوله مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ أى: وأنشأ لكم من الإبل اثنين هما الجمل والناقة وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ هما الثور وأنثاه البقرة.قُلْ إفحاما في أمر هذين النوعين أيضا آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ الله- تعالى- منهما، أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ من ذينك النوعين؟قال الآلوسى: والمعنى- كما قال كثير من أجلة العلماء: إنكار ان الله- تعالى- حرم عليهم شيئا من هذه الأنواع الأربعة، وإظهار كذبهم في ذلك وتفصيل ما ذكر من الذكور والإناث وما في بطونها للمبالغة في الرد عليهم بإيراد الإنكار على كل مادة من مواد افترائهم، فإنهم كانوا يحرمون ذكور الأنعام تارة، وإناثها تارة. وأولادها كيفما كانت تارة أخرى، مسندين ذلك كله إلى الله- سبحانه-.ثم قال: وإنما لم يل المنكر- وهو التحريم- الهمزة، والجاري في الاستعمال أن ما نكر وليها لأن ما في النظم الكريم أبلغ.وبيانه- على ما قاله السكاكي- أن إثبات التحريم يستلزم إثبات محله لا محالة، فإذا انتفى محله وهو الموارد الثلاثة لزم انتفاء التحريم على وجه برهاني. كأنه وضع الكلام موضع من سلم أن ذلك قد تم، وطالبه ببيان محله كي يتبين كذبه، ويفتضح عند الحاجة.وإنما لم يورد- سبحانه- الأمر عقيب تفصيل الأنواع الأربعة، بأن يقال: قل ءآلذكور حرم أم الإناث أما اشتملت عليه أرحام الإناث، لما في التكرير من المبالغة أيضا في الإلزام والتبكيت».وقوله- تعالى- أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا تكرير للإفحام والتبكيت.أى: أكنتم حاضرين حين وصاكم الله وأمركم بهذا التحريم؟ لا، ما كنتم حاضرين فمن أين لكم هذه الأحكام الفاسدة؟.فالجملة الكريمة تبكتهم غاية التبكيت على جهالاتهم وافترائهم الكذب على الله، والاستفهام في قوله- تعالى- فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ للنفي والإنكار.أى: لا أحد أشد ظلما من هؤلاء المشركين الذين يفترون على الله الكذب بنسبتهم إليه- سبحانه- تحريم ما لم يحرمه لكي يضلوا الناس عن الطريق القويم بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير.وقوله، بِغَيْرِ عِلْمٍ متعلق بمحذوف حال من فاعل افترى، أى: افترى عليه- تعالى- جاهلا بصدور التحريم.وإنما وصف بعدم العلم مع أن المفترى عالم بعدم الصدور، إيذانا بخروجه في الظلم عن الحدود والنهايات، لأنه إذا كان المفترى بغير علم يعد ظالما فكيف بمن يفترى الكذب وهو عالم بذلك.ثم ختمت الآية بقوله- تعالى- إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أى لا يهديهم إلى طريق الحق بسبب ظلمهم، وإيثارهم طريق الغي على طريق الرشد.هذا، والمتأمل في هاتين الآيتين الكريمتين يراهما قد ردتا على المشركين بأسلوب له- مع سهولته وتأثيره- الطابع المنطقي الذي يزيد المؤمنين إيمانا بصحة هذا الدين، وصدق هذا القرآن، ويقطع على المعارضين والملحدين كل حجة وطريق.وتقرير ذلك- كما قال بعض العلماء- أن تطبق قاعدة (السير والتقسيم) فيقال، إن الله- تعالى- خلق من كل صنف من المذكورات نوعين: ذكرا وأنثى، وأنتم أيها المشركون حرمتم بعض هذه الأنعام، فلا يخلو الأمر في هذا التحريم من:1- أن يكون تحريما معللا بعلة.2- أو أن يكون تحريما تعبديا ملقى من الله- تعالى-.ولا جائز أن يكون تحريما معللا، لأن العلة إن كانت هي (الذكورة) فأنتم أبحتم بعض الذكور وحرمتم بعضا، فلم تجعلوا الأمر في الذكورة مطردا وإن كانت العلة هي (الأنوثة) فكذلك الأمر: حيث حرمتم بعض الإناث وحللتم بعضا، فلم تطرد العلة، ومثل هذا يقال إذا جعلت العلة هي اشتمال الرحم من الأنثى على النوعين، لأنها حينئذ تقتضي أن يكون الكل حراما فلماذا أحلوا بعضه.وهذا كله يؤخذ من قوله- تعالى- قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ.فبطل إذن أن يكون التحريم معللا.ولا جائز أن يكون التحريم تعبديا لا يدرى له علة، أى: مأخوذ عن الله، لأن الأخذ عن الله إما بشهادة توصيته بذلك وسماع حكمه به، وقد أنكر هذا عليهم بقوله: أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا وإما أن يكون برسول أبلغهم ذلك، وهم لم يأتهم رسول بذلك، وفي هذا يقول- جل شأنه متحديا لهم نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ.وإذن فما قالوه من التحريم إنما هو افتراء وضلال».ثم أمر الله- تعالى- رسوله صلى الله عليه وسلم بعد إلزام المشركين وتبكيتهم، وبيان أن ما يتقولونه في أمر التحريم افتراء محض- بعد كل ذلك أمره بأن يبين لهم ما حرمه الله عليهم فقال:

( ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين ) وذلك أنهم كانوا يقولون : هذه أنعام وحرث حجر ، وقالوا : ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا ، وحرموا البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ، وكانوا يحرمون بعضها على الرجال والنساء ، وبعضها على النساء دون الرجال ، فلما قام الإسلام وثبتت الأحكام جادلوا النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكان خطيبهم مالك بن عوف أبو الأحوص الجشمي ، فقال : يا محمد بلغنا أنك تحرم أشياء مما كان آباؤنا يفعلونه ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إنكم قد حرمتم أصنافا من الغنم على غير أصل ، وإنما خلق الله هذه الأزواج الثمانية للأكل والانتفاع بها ، فمن أين جاء هذا التحريم؟ من قبل الذكر أم من قبل الأنثى " ؟ فسكت مالك بن عوف وتحير فلم يتكلم . فلو قال جاء التحريم بسبب الذكور وجب أن يحرم جميع الذكور ، وإن قال بسبب الأنوثة وجب أن يحرم جميع الإناث ، وإن كان باشتمال الرحم عليه فينبغي أن يحرم الكل ، لأن الرحم لا يشتمل إلا على ذكر أو أنثى ، فأما تخصيص التحريم بالولد الخامس أو السابع أو البعض دون البعض فمن أين؟ .ويروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لمالك : " يا مالك : ما لك لا تتكلم؟ قال له مالك : بل تكلم وأسمع منك " .( أم كنتم شهداء ) حضورا ( إذ وصاكم الله بهذا فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم ) قيل : أراد به عمرو بن لحي ومن جاء بعده على طريقته ، ( إن الله لا يهدي القوم الظالمين )

وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ" قل آلذكرين حرم " منصوب ب " حرم " " أم الأنثيين " عطف عليه .والقول في ومن الإبل اثنين وما بعده كما سبق .أم كنتم شهداء أي هل شاهدتم الله قد حرم هذا . ولما لزمتهم الحجة أخذوا في الافتراء فقالوا : كذا أمر الله . فقال الله تعالى : فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم بين أنهم كذبوا ; إذ قالوا ما لم يقم عليه دليل .

القول في تأويل قوله : وَمِنَ الإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144)قال أبو جعفر: وتأويل قوله: (ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين)، نحو تأويل قوله: مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ ، وهذه أربعة أزواج, على نحو ما بيّنا من الأزواج الأربعة قبلُ من الضأن والمعز, فذلك ثمانية أزواج، كما وصف جل ثناؤه .* * *وأما قوله: (أم كنتم شهداء إذ وصّاكم الله بهذا فمن أظلم ممن افترى على الله كذبًا ليضل الناس بغير علم)، فإنه أمرٌ من الله جل ثناؤه نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يقول لهؤلاء الجهلة من المشركين الذين قص قصصهم في هذه الآيات التي مضَت. يقول له عز ذكره: قل لهم، يا محمد, أيَّ هذه سألتكم عن تحريمه حرم ربكم عليكم من هذه الأزواج الثمانية؟ فإن أجابوك عن شيء مما سألتهم عنه من ذلك, فقل لهم: أخبرًا قلتم: " إن الله حرم هذا عليكم "، أخبركم به رسول عن ربكم, أم شهدتم ربكم فرأيتموه فوصَّاكم بهذا الذي تقولون وتزوّرون على الله؟ (6) فإن هذا الذي تقولون من إخباركم عن الله أنه حرام بما تزعمون على ما تزعمون, 189 &; لا يعلم إلا بوحي من عنده مع رسول يرسله إلى خلقه, أو بسماع منه, فبأي هذين الوجهين علمتم أنّ الله حرم ذلك كذلك، برسول أرسله إليكم، فأنبئوني بعلم إن كنتم صادقين ؟ أم شهدتم ربكم فأوصَاكم بذلك، وقال لكم: " حرمت ذلك عليكم ", فسمعتم تحريمه منه، وعهدَه إليكم بذلك؟ (7) فإنه لم يكن واحدٌ من هذين الأمرين . يقول جل ثناؤه: (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبًا)، يقول: فمن أشد ظلمًا لنفسه، وأبعد عن الحق ممن تخرَّص على الله قيلَ الكذب، وأضاف إليه تحريم ما لم يحرّم، وتحليل ما لم يحلل (8) =(ليضل الناس بغير علم)، يقول: ليصدّهم عن سبيله (9) =(إن الله لا يهدي القوم الظالمين)، يقول: لا يوفّق الله للرشد من افترى على الله وقال عليه الزُّور والكذب، وأضاف إليه تحريم ما لم يحرّم، كفرًا بالله، وجحودًا لنبوة نبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم، (10) كالذي:-14077- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله بهذا)، الذي تقولون.14078- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي قال: كانوا يقولون = يعني الذين كانوا يتّخذون البحائر والسوائب =: إن الله أمر بهذا . فقال الله: (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبًا ليضل الناس بغير علم) .-----------------الهوامش :(6) في المطبوعة : (( وتردون على الله )) ، وفي المخطوطة : (( وتررون )) ، وصواب قراءتها ما أثبت .(7) انظر تفسير (( شهداء )) فيما سلف من فهارس اللغة ( شهد )= وتفسير (( وصى )) فيما سلف 9 : 295 ، تعليق : 2 ، والمراجع هناك .(8) انظر تفسير (( الافتراء )) فيما سلف ص : 153 ، تعليق : 5 ، والمراجع هناك .(9) انظر تفسير (( الضلال )) فيما سلف من فهارس اللغة ( ضلل ) .(10) انظر تفسير (( الهدى )) فيما سلف من فهارس اللغة ( هدى ) .= وتفسير (( الظلم )) فيما سلف منها ( ظلم ) .

وقوله : { ومن الإبل اثنين } إلى قوله { أرحام الأنثيين } عطف على : { ومن المعز اثنين } لأنَّه من تمام تفصيل عدد ثمانية أزواج ، والقول فيه كالقول في سابقه ، والمقصود إبطال تحريم البحيرة والسّائبة والحامي وما في بطون البحائر والسّوائب .و { أم } في قوله : { أم كنتم شهداء } منقطعة للإضراب الانتقالي . فتؤذن باستفهام مقدّر بعدها حيثما وقعت . وهو إنكاري تقريري أيضاً بقربنة السّياق .والشّهداء : الحاضرون جمعُ شَهيد وهو الحاضر ، أي شُهداء حين وصّاكم الله ، ف { إذْ } ظرف ل { شهداء } مضاف إلى جملة : { وصاكم }.والإيصاء : الأمر بشيء يُفعل في غيبة الآمر فيؤكَّد على المأمور بفعله لأنّ شأن الغائب التّأكيد .وأطلق الإيصاء على ما أمر الله به لأنّ النّاس لم يشاهدوا الله حين فعلهم ما يأمرهم به ، فكانَ أمر الله مؤكَّداً فعبّر عنه بالإيصاء تنبيهاً لهم على الاحتراز من التّفويت في أوامر الله ، ولذلك أطلق على أمر الله الإيصاءُ في مواضع كثيرة من القرآن ، كقوله : { يوصيكم الله في أولادكم } [ النساء : 11 ].والإشارة في قوله : { بهذا } إلى التحريم المأخوذ من قوله : { حرم } وذلك لأنّ في إنكار مجموع التّحريم تضمُّنا لإبطال تحريم معيَّن ادّعوه . وهم يعرفونه . فلذلك صحّت الإشارة إلى التّحريم على الإجمال ، وخصّ بالإنكار حالة المشاهدة ، تهكّماً بهم ، لأنَّهم كانوا يكذّبون الرّسول صلى الله عليه وسلم فحالهم حَال من يضع نفسه موضع من يحضر حضرة الله تعالى لسماع أوامره . أو لأنّ ذلك لمّا لم يكن من شرع إبراهيم ولا إسماعيل عليهم السّلام ، ولم يأت به رسول من الله ، ولم يدّعوه ، فلم يبق إلاّ أنّ يدّعوا أنّ الله خاطبهم به مباشرة .وقوله : { فمن أظلم ممن أفترى على الله كذباً } مترتّب على الإنكار في قوله : { ءآلذكرين حرم أم الأنثيين } إلى قوله { إذ وصاكم الله بهذا } ، أي فيترتّب على ذلك الإبطال والإنكار أن يتوجّه سؤال من المتكلّم مشوبٌ بإنكار . عمّن اتّصف بزيادة ظلم الظّالمين الّذين كذبوا على الله ليضلّوا النّاس ، أي : لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذباً ، فإذا ثبت أنّ هؤلاء المخاطبين قد افتروا على الله كذباً ، ثبت أنَّهم من الفريق الّذي هو أظلم الظالمين .والمشركون إمّا أن يكونوا ممّن وضع الشّرك وهم كبراء المشركين : مثل عَمرو بن لُحي ، واضععِ عبادة الأصنام ، وأوللِ من جعل البحيرة والسّائبة والوصيلة والحامي ، ومن جاء بعده من طواغيت أهل الشّرك الّذين سنّوا لهم جعل شيء من أموالهم لبيوت الأصنام وسدنتها ، فهؤلاء مُفترون ، وإمَّا أن يكونوا ممّن اتَّبع أولئك بعزم وتصلّب وشاركوهم فهم اتَّبعوا أناساً ليسوا بأهل لأنّ يُبلِّغوا عن الله تعالى ، وكان حقّهم أن يتوخَّوا من يتَّبعون ومن يظنّون أنَّه مبلّغ عن الله وهم الرّسل ، فمن ضلالهم أنَّهم لمّا جاءهم الرّسول الحقّ عليه الصلاة والسلام كذّبوه ، وقد صدّقوا الكَذَبَة وأيَّدوهم ونصروهم .ويستفاد من الآية أنّ من الظلم أن يُقدِم أحد على الإفتاء في الدّين ما لم يكن قد غلب على ظنّه أنَّه يفتي بالصّواب الّذي يُرضي الله ، وذلك إنْ كان مجتهداً فبالاستناد إلى الدّليل الّذي يغلب على ظنّه مصادفته لمراد الله تعالى ، وإن كان مقلّداً فبالاستناد إلى ما يغلب على ظنّه أنَّه مذهب إمامه الّذي قلَّده .وقوله : { بغير علم } تقدّم القول في نظيره آنفاً .وقوله : { إن الله لا يهدي القوم الظالمين } يجوز أن يكون تعليلاً لكونهم من أظلم النّاس ، لأنّ معنى الزّيادة في الظلم لا يتحقّق إلاّ إذا كان ظلمهم لا إقلاع عنه ، لأنّ الضّلال يزداد رسوخاً في النّفس بتكررّ أحواله ومظاهره ، لأنَّهم لمّا تعمّدوا الإضلال أو اتَّبعوا متعمّديه عن تصلّب ، فهم بمعزل عن تطلب الهدى وإعادة النّظر في حال أنفسهم ، وذلك يغريهم بالازدياد والتملّي من تلك الأحوال ، حتّى تصير فيهم ملكة وسجيّة ، فيتعذّر إقلاعهم عنها ، فعلى هذا تكون { إنّ } مفيدة معنى التّعليل .ويجوز أن تكون الجملة تهديداً ووعيداً لهم ، إن لم يقلعوا عمّا هم فيه ، بأنّ الله يحرمهم التّوفيق ويذرهم في غيّهم وعمههم ، فالله هَدى كثيراً من المشركين هم الّذين لم يكونوا بهذه المثابة في الشّرك ، أي لم يكونوا قادة ولا متصلّبين في شركهم ، والّذين كانوا بهذه المثابة هم الّذين حرمهم الله الهدى ، مثل صناديد قريش أصحاب القليب يوم بدر ، فأمّا الّذين اتَّبعوا الإسلام بالقتال مثل معظم أهل مكّة يوم الفتح ، وكذلك هوازن ومَن بعدها ، فهؤلاء أسلموا مذعنين ثمّ علموا أنّ آلهتهم لم تغن عنهم شيئاً فحصل لهم الهدى بعد ذلك ، وكانوا من خيرة المسلمين ونصروا الله حقّ نصره . فالمراد من نفي الهدى عنهم : إمَّا نفيه عن فريق من المشركين ، وهم الّذين ماتُوا على الشّرك ، وإمَّا نفي الهدى المحض الدالّ على صفاء النّفس ونور القلب ، دون الهدى الحاصل بعد الدّخول في الإسلام ، فذلك هدى في الدرجة الثّانية كما قال تعالى : { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتَل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى } [ الحديد : 10 ].
الآية 144 - سورة الأنعام: (ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين ۗ قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين ۖ أم كنتم...)