سورة الأحزاب: الآية 22 - ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا...

تفسير الآية 22, سورة الأحزاب

وَلَمَّا رَءَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْأَحْزَابَ قَالُوا۟ هَٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّآ إِيمَٰنًا وَتَسْلِيمًا

الترجمة الإنجليزية

Walamma raa almuminoona alahzaba qaloo hatha ma waAAadana Allahu warasooluhu wasadaqa Allahu warasooluhu wama zadahum illa eemanan watasleeman

تفسير الآية 22

ولمَّا شاهد المؤمنون الأحزاب الذين تحزَّبوا حول "المدينة" وأحاطوا بها، تذكروا أن موعد النصر قد قرب، فقالوا: هذا ما وعدنا الله ورسوله، من الابتلاء والمحنة والنصر، فأنجز الله وعده، وصدق رسوله فيما بشَّر به، وما زادهم النظر إلى الأحزاب إلا إيمانًا بالله وتسليمًا لقضائه وانقيادًا لأمره.

«ولمَّا رأى المؤمنون الأحزاب» من الكفار «قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله» من الابتلاء والنصر «وصدق الله ورسوله» في الوعد «وما زادهم» ذلك «إلا إيمانا» تصديقا بوعد الله «وتسليما» لأمره.

لما ذكر حالة المنافقين عند الخوف، ذكر حال المؤمنين فقال: وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ الذين تحزبوا، ونزلوا منازلهم، وانتهى الخوف، قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ في قوله: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فإنا رأينا، ما أخبرنا به وَمَا زَادَهُمْ ذلك الأمر إِلَّا إِيمَانًا في قلوبهم وَتَسْلِيمًا في جوارحهم، وانقيادًا لأمر اللّه.

ثم قال تعالى مخبرا عن عباده المؤمنين المصدقين بموعود الله لهم ، وجعله العاقبة حاصلة لهم في الدنيا والآخرة ، فقال : ( ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله ) .قال ابن عباس وقتادة : يعنون قوله تعالى في " سورة البقرة " ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ) [ البقرة : 214 ] .أي هذا ما وعدنا الله ورسوله من الابتلاء والاختبار والامتحان الذي يعقبه النصر القريب; ولهذا قال : ( وصدق الله ورسوله ) .وقوله : ( وما زادهم إلا إيمانا وتسليما ) : دليل على زيادة الإيمان وقوته بالنسبة إلى الناس وأحوالهم ، كما قاله جمهور الأئمة : إنه يزيد وينقص . وقد قررنا ذلك في أول " شرح البخاري " ولله الحمد والمنة .ومعنى قوله : ( وما زادهم ) أي : ذلك الحال والضيق والشدة [ ما زادهم ] ) إلا إيمانا ) بالله ، ( وتسليما ) أي : انقيادا لأوامره ، وطاعة لرسوله .

ثم بين- سبحانه- بعد ذلك- على سبيل التشريف والتكريم- ما قاله المؤمنون الصادقون عند ما شاهدوا جيوش الأحزاب، فقال- تعالى-: وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً.واسم الإشارة هذا يعود إلى ما رأوه من الجيوش التي جاء بها المشركون، أو إلى ما حدث لهم من ضيق وكرب بسبب ذلك.أى: وحين رأى المؤمنون الصادقون جيوش الأحزاب وقد أقبلت نحو المدينة، لم يهنوا ولم يجزعوا، بل ثبتوا على إيمانهم وقالوا هذا الذي نراه من خطر داهم، هو ما وعدنا به الله ورسوله، وأن هذا الخطر سيعقبه النصر، وهذا الضيق سيعقبه الفرج، وهذا العسر سيأتى بعده اليسر.قال الآلوسى ما ملخصه: وأرادوا بقولهم ذلك، ما تضمنه قوله- تعالى- في سورة البقرة: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ، مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ، أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ.وكان نزول هذه الآية قبل غزوة الخندق بحول- كما جاء عن ابن عباس.وفي رواية عن ابن عباس- أيضا- أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال لأصحابه: إن الأحزاب سائرون إليكم تسعا أو عشرا، أى: في آخر تسع ليال أو عشر، أى: من وقت الاخبار، أو من غرة الشهر فلما رأوهم قد أقبلوا في الموعد الذي حدده صلّى الله عليه وسلّم قالوا ذلك .وقوله- تعالى-: وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ داخل في حيز ما قالوه.أى: قالوا عند ما شاهدوا جيوش الأحزاب: هذا ما وعدنا الله ورسوله، وقالوا- أيضا- على سبيل التأكيد وقوة اليقين والتعظيم لذات الله، ولشخصية رسوله: وصدق الله ورسوله، أى: وثبت صدق الله- تعالى- في أخباره، وصدق رسوله صلّى الله عليه وسلّم في أقواله.والضمير في قوله: وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً يعود إلى ما رأوه من جيوش الأحزاب، ومن شدائد نزلت بهم بسبب ذلك.أى- وما زادهم ما شاهدوه من جيوش الأحزاب، ومن بلاء أحاط بهم بسبب ذلك، إلا إيمانا بقدرة الله- تعالى- وتسليما لقضائه وقدره، وأملا في نصره وتأييده.

ثم وصف حال المؤمنين عند لقاء الأحزاب فقال : ( ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا ) تسليما لأمر الله وتصديقا لوعده : ( هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله ) وعد الله إياهم ما ذكر في سورة البقرة : " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم " إلى قوله : " ألا إن نصر الله قريب " ( البقرة - 214 ) ، فالآية تتضمن أن المؤمنين يلحقهم مثل ذلك البلاء ، فلما رأوا الأحزاب وما أصابهم من الشدة قالوا : هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله ( وما زادهم إلا إيمانا وتسليما ) أي : تصديقا لله وتسليما لأمر الله .

قوله تعالى : ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما .قوله تعالى : ولما رأى المؤمنون الأحزاب ومن العرب من يقول : ( راء ) على القلب . قالوا هذا ما وعدنا الله يريد قوله تعالى في سورة البقرة : أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم الآية . فلما رأوا الأحزاب يوم الخندق فقالوا : هذا ما وعدنا الله ورسوله ، قاله قتادة . وقول ثان رواه كثير بن عبد الله بن عمرو المزني عن أبيه عن جده قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم عام ذكرت الأحزاب فقال : أخبرني جبريل عليه السلام أن أمتي ظاهرة عليها - يعني على قصور الحيرة ومدائن كسرى - فأبشروا بالنصر فاستبشر المسلمون وقالوا : الحمد لله ، موعد صادق ، إذ وعدنا بالنصر بعد الحصر . فطلعت الأحزاب فقال المومنون : هذا ما وعدنا الله ورسوله . ذكره الماوردي . و ( ما وعدنا ) إن جعلت ما بمعنى الذي فالهاء محذوفة . وإن جعلتها مصدرا لم تحتج إلى عائد وما زادهم إلا إيمانا وتسليما قال الفراء : وما زادهم النظر إلى الأحزاب . وقال علي بن سليمان : رأى يدل على الرؤية ، وتأنيث الرؤية غير حقيقي ، والمعنى : ما زادهم الرؤية إلا إيمانا بالرب وتسليما ، قاله الحسن . ولو قال : ما زادوهم لجاز . ولما اشتد الأمر على المسلمين وطال المقام في الخندق ، قام عليه السلام على التل الذي عليه مسجد الفتح في بعض الليالي ، وتوقع ما وعده الله من النصر وقال : من يذهب ليأتينا بخبرهم وله الجنة فلم يجبه أحد . وقال ثانيا وثالثا فلم يجبه أحد ، فنظر إلى جانبه وقال : من هذا ؟ فقال حذيفة . فقال : ألم تسمع كلامي منذ الليلة ؟ قال حذيفة : فقلت يا رسول الله ، منعني أن أجيبك الضر والقر . قال : انطلق حتى تدخل في القوم فتسمع كلامهم وتأتيني بخبرهم . اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله حتى ترده إلي ، انطلق ولا تحدث شيئا حتى تأتيني . فانطلق حذيفة بسلاحه ، ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده يقول : يا صريخ المكروبين ويا مجيب المضطرين اكشف همي وغمي وكربي فقد ترى حالي وحال أصحابي فنزل جبريل وقال : ( إن الله قد سمع دعوتك وكفاك هول عدوك ) ، فخر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتيه وبسط يديه وأرخى عينيه وهو يقول : شكرا شكرا كما رحمتني ورحمت أصحابي . وأخبره جبريل أن الله تعالى مرسل عليهم ريحا ، فبشر أصحابه بذلك . قال حذيفة : فانتهيت إليهم وإذا نيرانهم تتقد ، فأقبلت ريح شديدة فيها حصباء ، فما تركت لهم نارا إلا أطفأتها ولا بناء إلا طرحته ، وجعلوا يتترسون من الحصباء . وقام أبو سفيان إلى راحلته وصاح في قريش : النجاء النجاء ! وفعل كذلك عيينة بن حصن والحارث بن عوف والأقرع بن حابس . وتفرقت الأحزاب ، وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاد إلى المدينة وبه من الشعث ما شاء الله ، فجاءته فاطمة بغسل فكانت تغسل رأسه ، فأتاه جبريل فقال : ( وضعت السلاح ولم تضعه أهل السماء ، ما زلت أتبعهم حتى جاوزت بهم الروحاء - ثم قال - انهض إلى بني قريظة ) . وقال أبو - سفيان : ما زلت أسمع قعقعة السلاح حتى جاوزت الروحاء .

وقوله: ( وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأحْزَابَ ) يقول: ولمَّا عاين المؤمنون بالله ورسوله جماعات الكفار قالوا -تسليما منهم لأمر الله، وإيقانا منهم بأن ذلك إنجاز وعده لهم، الذي وعدهم بقوله: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ... إلى قوله: قَرِيبٌ -(هذا ما وعدنا الله وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ) فأحسن الله عليهم بذلك من يقينهم، وتسليمهم لأمره الثناء، فقال: وما زادهم اجتماع الأحزاب عليهم إلا إيمانا بالله وتسليما لقضائه وأمره، ورزقهم به النصر والظفر على الأعداء.وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.* ذكر من قال ذلك:حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: (وَلمَّا رأى المُؤْمِنُونَ الأحْزَابَ ...) الآية قال: ذلك أن الله قال لهم في سورة البقرة: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ... إلى قوله: إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ قال: فلما مسهم البلاء حيث رابطوا الأحزاب في الخندق، تأوّل المؤمنون ذلك، ولم يزدهم ذلك إلا إيمانًا وتسليما.حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني يزيد بن رومان، قال: ثم ذكر المؤمنين وصدقهم وتصديقهم بما وعدهم الله من البلاء يختبرهم به ( قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ) : أي صبرا على البلاء، وتسليما للقضاء، وتصديقا بتحقيق ما كان الله وعدهم ورسوله.حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: ( وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ) وكان الله قد وعدهم في سورة البقرة فقال: ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ) خيرهم وأصبرهم وأعلمهم بالله مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ هذا والله البلاء والنقص الشديد، وإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأوا ما أصابهم من الشدّة والبلاء ( قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ) وتصديقا بما وعدهم الله، وتسليما لقضاء الله.

وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22)لما ذكرت أقوال المنافقين والذين في قلوبهم مرض المؤذنة بما يداخل قلوبهم من الخوف وقلة الإيمان والشك فيما وعد الله به رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من النصر ابتداء من قوله { وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض } [ الأحزاب : 12 ] قوبلت أقوال أولئك بأقوال المؤمنين حينما نزلت بهم الأحزاب ورأوا كثرتهم وعددهم وكانوا على بصيرة من تفوقهم عليهم في القوة والعدد أضعافاً وعلموا أنهم قد ابتلوا وزلزلوا ، كل ذلك لم يُخِرْ عزائمهم ولا أدخل عليهم شكاً فيما وعدهم الله من النصر .وكان الله وعدهم بالنصر غير مرة منها قوله في سورة البقرة { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مَسَّتْهُمُ البأساءُ والضَّراءُ وزُلْزِلُوا حتى يقولُ الرسول والذين ءامنوا معه مَتَى نصرُ الله ألا إن نصر الله قريب } [ البقرة : 214 ] . فلما رأى المسلمون الأحزاب وابتُلوا وزُلْزِلوا ورأوا مثل الحالة التي وصفت في تلك الآية علموا أنهم منصورون عليهم ، وعلموا أن ذلك هو الوعد الذي وعدهم الله بآية سورة البقرة . وكانت آية البقرة نزلت قبل وقعة الأحزاب بعام ، كذا روي عن ابن عباس ، وأيضاً فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر المسلمين : أن الأحزاب سائرون إليكم بعد تسع أو عشر ، فلما رأى المؤمنون الأحزاب وزُلزلوا راجعهم الثبات الناشىء عن قوة الإيمان وقالوا : { هذا ما وعدنا الله ورسوله } أي : من النظر ومن الإخبار بمسير الأحزاب وصدَّقوا وعد الله إياهم بالنصر وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم بمسير الأحزاب ، فالإشارة { بهذا } إلى ما شاهدوه من جيوش الأحزاب وإلى ما يتبع ذلك من الشدة والصبر عليها وكل ذلك وعد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ثم أخبروا عن صدق الله ورسوله عليه الصلاة والسلام فيما أخبرا به وصدَقوا الله فيما وعدهم من النصر خلافاً لقول المنافقين : { ما وعدنا الله ورسوله إلاّ غروراً } [ الأحزاب : 12 ] فالوعد راجع إلى الأمرين والصدق كذلك .والوعد : إخبار مخبر بأنه سيعمل عملاً للمُخبَر بالفتح .ففعل { صدق } فيما حكي من قول المؤمنين { وصدق الله ورسوله } مستعمل في الخبر عن صدق مضى وعن صدق سيقع في المستقبل محقق وقوعه بحيث يُجعل استقباله كالمضي مثل { أتى أمرُ الله } [ النحل : 1 ] فهو مستعمل في معنى التحقق . أو هو استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه ، ولا شك أن محمل الفعل على الصدق في المستقبل أنسب بمقام الثناء على المؤمنين وأعلق بإناطة قولهم بفعل { رأى المؤمنون الأحزاب } دون أن يقال : ولما جاءت الأحزاب . فإن أبيتَ استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه فاقصره على المجاز واطرح احتمال الإخبار عن الصدق الماضي .وضمير { زادهم } المستتر عائد إلى ما عاد إليه اسم الإشارة ، أي : وما زادهم ما رأوا إلا إيماناً وتسليماً ، أي : بعكس حال المنافقين إذ زادهم شكاً في تحقق الوعد ، والمعنى : وما زاد ذلك المؤمنين إلا إيماناً ، أي : ما زاد في خواطر نفوسهم إلا إيماناً ، أي : لم يزدهم خوفاً على الخوف الذي من شأنه أن يحصل لكل مترقِّب أن ينازله العدوّ الشديد ، بل شغلهم عن الخوف والهلع شاغل الاستدلال بذلك على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخبرهم به وفيما وعدهم الله على لسان رسوله عليه الصلاة والسلام من النصر فأعرضت نفوسهم عن خواطر الخوف إلى الاستبشار بالنصر المترقب .والتسليم : الانقياد والطاعة لأن ذلك تسليمُ النفس للمنقاد إليه ، وتقدم في قوله تعالى { ويسلّموا تسليماً } في سورة النساء ( 65 ) . ومن التسليم هنا تسليم أنفسهم لملاقاة عدوّ شديد دون أن يتطلبوا الإلقاء بأيديهم إلى العدوّ وأن يصالحوه بأموالهم . فقد ذكر ابن إسحاق وغيره أنه لما اشتدّ البلاء على المسلمين استشار رسول الله السعدَيْن سعدَ بن عُبادة وسعدَ بن معاذ في أن يعطي ثلث ثمار المدينة تلك السنة عيينةَ بنَ حصن ، والحارثَ بن عوف وهما قائدا غطفان على أن يرجعا عن المدينة ، فقالا : يا رسول الله أهو أمر تحبه فنصنعه ، أم شيء أمرك الله به لا بدّ لنا من العمل به ، أم شيء تصنعه لنا؟ قال رسول الله : بل شيء أصنعه لكم والله ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب قد رمتْكم عن قوس واحد وكَالَبُوكم من كل جانب فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمرٍ مَّا . فقال سعد بن معاذ : يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله لا نعبد الله ولا نعرفه وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة واحدة إلا قِرى أو بَيْعاً أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا إليه وأعزَّنا بك وبه نعطيهم أموالنا؟ ما لنا بهذا من حاجة ، والله لا نعطيهم إلا السيفَ حتى يحكم الله بيننا وبينهم ، قال رسول الله : فأنت وذاك . فهذا موقف المسلمين في تلك الشدة وهذا تسليم أنفسهم للقتال .ومن التسليم الرضى بما يأمر به الرسول من الثبات معه كما قال تعالى : { ويُسَلِّمُوا تَسلِيماً } [ النساء : 65 ] .وإذ قد علم أنهم مؤمنون لقوله { ولمَّا رأى المؤمنون الأحزاب } إلى آخره . . . فقد تعين أن الإيمان الذي زادهم ذلك هو زيادة على إيمانهم ، أي : إيمان مع إيمانهم .والإيمان الذي زادهُمُوه أريد به مظهر من مظاهر إيمانهم القويّ ، فجعل تكرر مظاهر الإيمان وآثاره كالزيادة في الإيمان لأن تكرر الأعمال يقوِّي الباعث عليها في النفس يباعد بين صاحبه وبين الشك والارتداد فكأنه يزيد في ذلك الباعث ، وهذا من قبيل قوله تعالى : { ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم } [ الفتح : 4 ] وقوله : { فأما الذين ءامنوا فزادتهم إيماناً } كما تقدم في سورة براءة ( 124 ) ، فكذلك القول في ضد الزيادة وهو النقص ، وإلا فإن حقيقة الإيمان وهو التصديق بالشيء إذا حصلت بمقوماتها فهي واقعة ، فزيادتها تحصيل حاصل ونقصها نقض لها وانتفاء لأصلها . وهذا هو محمل ما ورد في الكتاب والسنة من إضافة الزيادة إلى الإيمان وكذلك ما يضاف إلى الكفر والنفاق من الزيادة كقوله تعالى : { الأعراب أشدُّ كُفْراً ونِفاقاً } [ التوبة : 97 ] وقوله : { وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون } [ التوبة : 125 ] . وإلى هذا المحمل يرجع خلاف الأيمة في قبول الإيمان الزيادة والنقص فيؤول إلى خلاف لفظي .
الآية 22 - سورة الأحزاب: (ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله ۚ وما زادهم إلا إيمانا وتسليما...)