سورة آل عمران: الآية 11 - كدأب آل فرعون والذين من...

تفسير الآية 11, سورة آل عمران

كَدَأْبِ ءَالِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَذَّبُوا۟ بِـَٔايَٰتِنَا فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ ۗ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ

الترجمة الإنجليزية

Kadabi ali firAAawna waallatheena min qablihim kaththaboo biayatina faakhathahumu Allahu bithunoobihim waAllahu shadeedu alAAiqabi

تفسير الآية 11

شأن الكافرين في تكذيبهم وما ينزل بهم، شأن آل فرعون والذين من قبلهم من الكافرين، أنكروا آيات الله الواضحة، فعاجلهم بالعقوبة بسبب تكذيبهم وعنادهم. والله شديد العقاب لمن كفر به وكذَّب رسله.

دأبُهم «كدأب» كعادة «آل فرعون والذين من قبلهم» من الأمم كعاد وثمود «كذبوا بآياتنا فأخذهم الله» أهلكم «بذنوبهم» والجملة مفسرة لما قبلها «والله شديد العقاب» ونزل لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم اليهودَ بالإسلام بعد مرجعه من بدر فقالوا لا يغرنك أن قتلت نفراً من قريش أغمارا لا يعرفون القتال.

كما جرى لفرعون ومن قبله ومن بعدهم من الفراعنة العتاة الطغاة أرباب الأموال والجنود لما كذبوا بآيات الله وجحدوا ما جاءت به الرسل وعاندوا، أخذهم الله بذنوبهم عدلا منه لا ظلما والله شديد العقاب على من أتى بأسباب العقاب وهو الكفر والذنوب على اختلاف أنواعها وتعدد مراتبها

وقوله تعالى : ( كدأب آل فرعون ) قال الضحاك ، عن ابن عباس : كصنيع آل فرعون . وكذا روي عن عكرمة ، ومجاهد ، وأبي مالك ، والضحاك ، وغير واحد ، ومنهم من يقول : كسنة آل فرعون ، وكفعل آل فرعون وكشبه آل فرعون ، والألفاظ متقاربة . والدأب - بالتسكين ، والتحريك أيضا كنهر ونهر - : هو الصنع والشأن والحال والأمر والعادة ، كما يقال : لا يزال هذا دأبي ودأبك ، وقال امرؤ القيس :وقوفا بها صحبي علي مطيهم يقولون : لا تهلك أسى وتجمل كدأبك من أم الحويرث قبلهاوجارتها أم الرباب بمأسلوالمعنى : كعادتك في أم الحويرث حين أهلكت نفسك في حبها وبكيت دارها ورسمها .والمعنى في الآية : أن الكافرين لا تغني عنهم الأولاد ولا الأموال ، بل يهلكون ويعذبون ، كما جرى لآل فرعون ومن قبلهم من المكذبين للرسل فيما جاءوا به من آيات الله وحججه .( [ كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم ] والله شديد العقاب ) أي : شديد الأخذ أليم العذاب ، لا يمتنع منه أحد ، ولا يفوته شيء بل هو الفعال لما يريد ، الذي [ قد ] غلب كل شيء وذل له كل شيء ، لا إله غيره ولا رب سواه .

ثم بين- سبحانه- أن حال الكافرين بالحق الذي جاءهم به النبي صلّى الله عليه وسلّم كحال الذين سبقوهم في الجحود والعناد فقال- تعالى-: كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ.الدأب: أصله الدوام والاستمرار. يقال: دأب على كذا يدأب دأبا ودأبا ودءوبا، إذا داوم عليه وجد فيه وتعب. ثم غلب استعماله في الحال والشأن والعادة، لأن من يستمر في عمل أمدا طويلا يصير عادة من عاداته، وحالا من أحواله فهو من باب إطلاق الملزوم وإرادة اللازم.وآل فرعون: هم أعوانه ونصراؤه وأشياعه الذين استحبوا العمى على الهدى واستمروا على النفاق والضلال حتى صار ديدنا لهم.قال الراغب: «والآل مقلوب عن الأهل. ويصغر على أهيل إلا أنه خص بالإضافة إلى أعلام الناطقين دون النكرات ودون الأزمنة والأمكنة. يقال آل فلان ولا يقال آل رجل..ولا يقال آل الخياط بل يضاف إلى الأشرف والأفضل، فيقال آل الله وآل السلطان، والأهل يضاف إلى الكل فيقال أهل الله وأهل الخياط كما يقال أهل زمن كذا» ؟ .والمعنى: حال هؤلاء الكافرين الذين كرهوا الحق الذي جئت به- يا محمد- ولم يؤمنوا بك حالهم في استحقاق العذاب، كحال آل فرعون والذين من قبلهم من أهل الزيغ والضلال، كفروا بآيات الله، وكذبوا بما جاءت به من هدايات فكانت نتيجة ذلك أن أخذهم الله أخذ عزيز مقتدر حيث أهلكم بسبب ما ارتكبوه من ذنوب، والله- تعالى- شديد العقاب لمن كفر بآياته.والجار والمجرور وهو قوله كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ في موضع رفع خبر لمبتدأ محذوف. أى شأن هؤلاء في تكذيبك يا محمد كشأن آل فرعون والذين من قبلهم في تكذيبهم لأنبيائهم.والمقصود بآل فرعون أعوانه وبطانته، لأن الآل يطلق على أشد الناس التصاقا واختصاصا بالمضاف إليه، والاختصاص هنا في المتابعة والتواطؤ على الكفر، لأنه إذا وجد العناد في التابع فهو في الغالب يكون في المتبوع أشد وأكبر. ولأنهم هم الذين حرضوه على الشرور والآثام والطغيان فلقد حكى القرآن عنهم ذلك في قوله- تعالى- وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ؟ قالَ: سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ. وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ .وخص القرآن آل فرعون بالذكر من بين الذين سبقوهم في الكفر، لأن فرعون كان أشد الطغاة طغيانا، وأكبرهم غرورا وبطرا وأكثرهم استهانة بقومه، واحتقارا لعقولهم وكيانهم، ألم يقل لهم- كما حكى القرآن- أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى . ألم يبلغ به غروره أن يقول لهم:أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ ألم يقل لوزيره:يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ، أَسْبابَ السَّماواتِ، فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً.. .ولقد وصف الله- تعالى- قوم فرعون بهوان الشخصية، وتفاهة العقل، والخروج عن كل مكرمة فقال: فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ ، لأن الأمة التي تترك الظالم وبطانته يعيثون في الأرض فسادا لا تستحق الحياة، ولا يكون مصيرها إلا إلى التعاسة والخسران.وجملة كَذَّبُوا بِآياتِنا تفسير لصنيعهم الباطل، ودأبهم على الفساد والضلال. والمراد بالآيات ما يعم المتلوة في كتب الله- تعالى- والبراهين والمعجزات الدالة على صدق الأنبياء فيما يبلغونه عن ربهم.وفي إضافتها إلى الله- تعالى- تعظيم لها وتنبيه على قوة دلالتها على الحق والخير وقوله فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ بيان لما أصابهم بسبب كفرهم وتكذبيهم للحق، وفي التعبير بالأخذ إشارة إلى شدة العقوبة، فهو- سبحانه- قد أخذهم كما يؤخذ الأسير الذي لا يستطيع فكاكا من آسره.والباء للسببية أى أخذهم بسبب ما اجترحوه من ذنوب. أو الملابسة والمصاحبة. أى أخذهم وهم متلبسون بذنوبهم دون أن يتوبوا منها أو يقلعوا عنها، والجملة على الوجهين تدل على كمال عدل الله- تعالى- لأنه ما عاقبهم إلا لأنهم استحقوا ذلك.وأصل الذنب: الأخذ بذنب الشيء، أى بمؤخرته ثم أطلق على الجريمة لأن مرتكبها يعاقب بعدها.وفي قوله: وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ إشارة إلى أن شدة العقاب سببها شدة الجريمة وتعليم للناس بأن كل فعل له جزاؤه، إن خيرا فخير وإن شرا فشر، وتقرير وتأكيد لمضمون ما قبلها.

( كدأب آل فرعون ) قال ابن عباس رضي الله عنهما وعكرمة ومجاهد : كفعل آل فرعون وصنيعهم في الكفر والتكذيب ، وقال عطاء والكسائي وأبو عبيدة : كسنة آل فرعون ، وقال الأخفش : كأمر آل فرعون وشأنهم ، وقال النضر بن شميل : كعادة آل فرعون ، يريد عادة هؤلاء الكفار في تكذيب الرسول وجحود الحق كعادة آل فرعون ، ( والذين من قبلهم ) كفار الأمم الماضية؛ مثل عاد وثمود وغيرهم ( كذبوا بآياتنا فأخذهم الله ) فعاقبهم الله ( بذنوبهم ) وقيل نظم الآية : ( إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم ) عند حلول النقمة والعقوبة مثل آل فرعون وكفار الأمم الخالية أخذناهم فلن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم ( والله شديد العقاب ) .

قوله تعالى : كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقابالدأب العادة والشأن . ودأب الرجل في عمله يدأب دأبا ودؤوبا إذا جد واجتهد ، وأدأبته أنا . وأدأب بعيره إذا جهده في السير . والدائبان الليل والنهار . قال أبو حاتم : وسمعت يعقوب يذكر " كدأب " بفتح الهمزة ، وقال لي وأنا غليم : على أي شيء يجوز " كدأب " ؟ فقلت له : أظنه من دئب يدأب دأبا . فقبل ذلك مني وتعجب من جودة تقديري على صغري ; ولا أدري أيقال أم لا . قال النحاس : " وهذا القول خطأ ، لا يقال ألبتة دئب ; وإنما يقال : دأب يدأب دؤوبا ودأبا ; هكذا حكى النحويون ، منهم الفراء حكاه في كتاب المصادر ; كما قال امرؤ القيس :كدأبك من أم الحويرث قبلها وجارتها أم الرباب بمأسلفأما الدأب فإنه يجوز ; كما يقال : شعر وشعر ونهر ونهر ; لأن فيه حرفا من " حروف الحلق " . واختلفوا في الكاف ; فقيل : هي في موضع رفع تقديره دأبهم كدأب آل فرعون ، أي صنيع الكفار معك كصنيع آل فرعون مع موسى . وزعم الفراء أن المعنى : كفرت العرب ككفر آل فرعون . قال النحاس : لا يجوز أن تكون الكاف متعلقة بكفروا ، لأن " كفروا " داخلة في الصلة . وقيل : هي متعلقة ب أخذهم الله ، أي أخذهم أخذا كما أخذ آل فرعون . وقيل : هي متعلقة بقوله لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم ; أي لم تغن عنهم كما لم تغن الأموال والأولاد عن آل فرعون . وهذا جواب لمن تخلف عن الجهاد وقال : شغلتنا أموالنا وأهلونا . ويصح أن يعمل فيه فعل مقدر من لفظ الوقود ، ويكون التشبيه في نفس الاحتراق . ويؤيد هذا المعنى . . وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب . والقول الأول أرجح ، واختاره غير واحد من العلماء . قال ابن عرفة : كدأب آل فرعون أي كعادة آل فرعون . يقول : اعتاد هؤلاء الكفرة الإلحاد والإعنات للنبي - صلى الله عليه وسلم - كما اعتاد آل فرعون من إعنات الأنبياء ; وقال معناه الأزهري .فأما قوله في سورة ( الأنفال ) كدأب آل فرعون فالمعنى جوزي هؤلاء بالقتل والأسر كما جوزي آل فرعون بالغرق والهلاك .قوله تعالى : بآياتنا يحتمل أن يريد الآيات المتلوة ، ويحتمل أن يريد الآيات المنصوبة للدلالة على الوحدانية . فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب

القول في تأويل قوله : كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11)قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئًا عند حلول عقوبتنا بهم، كسُنَّة آل فرعون وعادتهم = (3) =" وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ" من الأمم الذين كذبوا بآياتنا، فأخذناهم بذنوبهم فأهلكناهم حين كذبوا بآياتنا، فلم تغن عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئًا حين جاءهم بأسنا، (4) كالذين عوجلوا بالعقوبة على تكذيبهم ربَّهم من قبل آل فرعون: من قوم نوح وقوم هود وقوم لوط وأمثالهم.* * *واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: " كدأب آل فرعون ".فقال بعضهم: معناه: كسُنَّتهم.ذكر من قال ذلك:6659 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق بن الحجاج قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: " كدأب آل فرعون "، يقول: كسنتهم.* * *وقال بعضهم: معناه: كعملهم.ذكر من قال ذلك:6660 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا مؤمل قال، حدثنا سفيان = وحدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان = جميعًا، عن جويبر، عن الضحاك: " كدأب آل فرعون "، قال: كعمل آل فرعون.6661 - حدثنا يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا جويبر، عن الضحاك في قوله: " كدأب آل فرعون "، قال: كعمل آل فرعون.6662 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " كدأب آل فرعون "، قال: كفعلهم، كتكذيبهم حين كذّبوا الرسل = وقرأ قول الله: مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ [سورة غافر: 31]، أن يصيبكم مثل الذي أصابهم عليه من عذاب الله. قال: الدأبُ العمل.6663 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو تميلة يحيى بن واضح، عن أبي حمزة، عن جابر، عن عكرمة ومجاهد في قوله: " كدأب آل فرعون "، قال: كفعل آل فرعون، كشأن آل فرعون.6664 - حدثت عن المنجاب قال، حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس في قوله: " كدأب آل فرعون "، قال: كصنع آل فرعون.* * *وقال آخرون: معنى ذلك: كتكذيب آل فرعون.ذكر من قال ذلك:6665 - حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم "، ذكر الذين كفروا وأفعالَ تكذيبهم، كمثل تكذيب الذين من قبلهم في الجحود والتكذيب.* * *قال أبو جعفر: وأصل " الدأب " من: " دأبت في الأمر دأْبًا "، إذا أدمنت العمل والتعب فيه. ثم إن العرب نقلت معناه إلى: الشأن، والأمر، والعادة، كما قال امرؤ القيس بن حجر:وَإنَّ شِفَائِي عَبْرَةٌ مُهَرَاقَةفَهَلْ عِنْدَ رَسْمٍ دَارِسٍ مِنْ مُعَوَّلِ (5)كَدَأْبِكَ مِنْ أُمِّ الْحُوَيْرِث قَبْلَهَاوَجَارَتِهَا أُمِّ الرَّبَابِ بِمَأْسَلِيعني بقوله: " كدأبك "، كشأنك وأمرك وفعلك. يقال منه: " هذا دَأبي ودأبك أبدًا ". يعني به. فعلي وفعلك، وأمري وأمرك، وشأني وشأنك، يقال منه: " دَأبْتُ دُؤُوبًا ودأْبًا ". وحكى عن العرب سماعًا: " دأبْتُ دأَبًا "، مثقله محركة الهمزة، كما قيل: " هذا شعَرٌ، ونَهَر "، (6) فتحرك ثانيه لأنه حرفٌ من الحروف الستة، (7) فألحق " الدأب " إذ كان ثانية من الحروف الستة، كما قال الشاعر: (8)لَهُ نَعَلٌ لا تَطَّبِي الكَلْبَ رِيحُهَاوَإنْ وُضِعَتْ بَيْنَ الْمَجَالِسِ شُمَّتِ (9)* * *وأما قوله: " واللهُ شديدُ العقاب "، فإنه يعنى به: والله شديد عقابه لمن كفر به وكذّب رسله بعد قيام الحجة عليه._____________________الهوامش :(3) في المخطوطة: "ودعاتهم" غير منقوطة ، والصواب ما في المطبوعة ، وإنما هو سبق قلم من الناسخ ، وهذا اللفظ هو نص أبي عبيدة في مجاز القرآن 1: 87.(4) في المطبوعة: "فلن تغني عنهم..." ، وهو مخالف للسياق. وفي المخطوطة: "فلن تغن عنهم..." وهو سهو من الناسخ ، والصواب ما أثبت.(5) ديوانه: 125 من معلقته المشهورة ، ثم يأتي في التفسير 12: 136 (بولاق) البيت الثاني. وهو شعر مشهور خبره ، فاطلبه في موضعه.(6) في المطبوعة: "بهر" بالباء ، وهي في المخطوطة غير منقوطة ، وصواب قراءتها بالنون.(7) "الحروف الستة" ، يعني حروف الحلق.(8) هو كثير عزة.(9) ديوانه 2: 112 ، الحيوان 1: 266 ، والبيان 3: 109 ، 112 واللسان (نعل). ورواية اللسان"وسط المجالس" ، أما رواية الديوان فبخلاف هذا ولا شاهد فيها ، كما سترى. والشعر مما قاله كثير حين بلغه وفاة عبد العزيز بن مروان بمصر ، فرثاه ، فكان مما قال فيه:يَؤُوبُ أُولُو الحَاجَاتِ مِنْهُ إذَا بَدَاإلَى طَيِّبِ الأَثْوَابِ غَيْرِ مُؤَمَّتِكَأَنَّ اُبْنَ لَيْلَى حِينَ يَبْدُو فَتَنْجَلِيسُجُوفُ الخِبَاءِ عَنْ مَهِيبٍ مُشَمَّتِمُقَارِبُ خَطْوٍ لا يُغَيِّر نَعْلَهُرَهِيفَ الشِّرَاكِ, سَهْلَةَ المُتَسَمَّتِإِذَا طُرِحتْ لَمْ تَطَّبِ الكَلْبَ رِيحُهَاوَإِنْ وُضِعتْ في مَجْلِس القَوْم شُمَّتِيقول: لا يلبس من النعال إلا المدبوغ الجلد ، فذهبت رائحة الجلد منها ، لأن النعل إذا كانت من جلد غير مدبوغ ، وظفر بها كلب أقبل عليها بريحها فأكلها. يصفه بأنه من أهل النعمة واليسار والترف. ثم زادها صفة أخرى بأن جعلها قد كسبت من طيب رائحته طيبًا ، حتى لو وضعت في مجلس قوم ، تلفتوا يتشممون شذاها من طيبها. وقوله: "يطبى" من: "اطباه" أي: دعاه إليه.

وقوله : { كدأب ءال فرعون } موقع كاف التشبيه موقع خبرٍ لمبتدأ محذوف يدل عليه المشبّه به ، والتقدير : دأبُهم في ذلك كدأب آل فرعون ، أي عادتهم وشأنهم كشأن آل فرعون .والدأب : أصله الكَدْح في العمل وتكريره ، وكأنّ أصل فعله متعدَ ، ولذلك جاء مصدره على فَعْل ، ثم أطلق على العادة لأنّها تأتي من كثرة العمل ، فصار حقيقة شائعة قال النابغة: ... كدأبِك في قوممٍ أرَاكَ اصطنعتَهُمأي عادتك ، ثم استعمل بمعنى الشَّأن كقول امرىء القيس: ... كدأبك من أم الحُويرث قبلَهاوهو المراد هنا ، في قوله : { كدأب ءال فرعون } ، والمعنى : شأنهم في ذلك كشأن آل فرعون؛ إذ ليس في ذلك عادة متكرّرة ، وقد ضرب الله لهم هذا المثل عبرة وموعظة؛ لأنّهم إذا استقْرَوْا الأمم التي أصابها العذاب ، وجدوا جميعهم قد تماثلوا في الكفر : بالله ، وبرسله ، وبآياته ، وكفَى بهذا الاستقراء موعظة لأمثال مشركي العرب ، وقد تعيّن أن يكون المشبّه به هو وعيد الاستئصال والعذاب في الدنيا؛ إذ الأصل أنّ حال المشبّه ، أظهر من حال المشبّه به عند السامع .وعليه فالأخذ في قوله : { فأخذهم الله بذنوبهم } هو أخذ الانتقام في الدنيا كقوله : { أخذناهم بغتة فإذا هم مُبلسون فقطع دابر القوم الذي ظلموا } [ الأنعام : 44 ، 45 ] .وأريد بآل فرعون فرعون وآلهُ؛ لأنّ الآل يطلق على أشدّ الناس اختصاصاً بالمضاف إليه ، والاختصاص هنا اختصاص في المتابعةِ والتواطؤ على الكفر ، كقوله : { أدْخِلُوا ءال فرعون أشدّ العذاب } [ غافر : 46 ] فلذكر الآل هنا من الخصوصية ما ليس لذكر القوم؛ إذ قوم الرجل قد يخالفون ، فلا يدل الحكم المتعلّق بهم على أنّه مساوٍ لهم في الحكم ، قال تعالى : { ألا بعداً لعاد قوم هود } [ هود : 60 ] في كثير من الآيات نظائرها ، وقال : { أن ائْتتِ القومَ الظالمين قومَ فرعون } [ الشعراء : 10 ، 11 ] .وقوله : «كذبوا» بيان لدأبهم ، استئناف بياني . وتخصيص آل فرعون بالذكر من بين بقية الأمم لأنّ هلكهم معلوم عند أهل الكتاب ، بخلاف هلك عاد وثمود فهو عند العرب أشهر؛ ولأنّ تحدّي موسى إياهم كان بآيات عظيمة فما أغنتهم شيئاً تُجاه ضلالهم؛ ولأنّهم كانوا أقرب الأمم عهداً بزمان النبي صلى الله عليه وسلم فهو كقول شعيب : { وما قوم لوط منكم ببعيد } [ هود : 89 ] وكقول الله تعالى للمشركين : { وإنّها لبسبيل مقيم } [ الحجر : 76 ] وقوله : { وإنّهما لبإمام مبين } [ الحجر : 79 ] وقوله : { وإنّكم لَتَمُرُّون عليهم مُصبحين وبالليللِ أفلا تعقلون } [ الصافات : 137 ، 138 ] .
الآية 11 - سورة آل عمران: (كدأب آل فرعون والذين من قبلهم ۚ كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم ۗ والله شديد العقاب...)