سورة التغابن (64): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة التغابن بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تفسير القرطبي (أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة التغابن مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة التغابن

سُورَةُ التَّغَابُنِ
الصفحة 557 (آيات من 10 إلى 18)

وَٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ وَكَذَّبُوا۟ بِـَٔايَٰتِنَآ أُو۟لَٰٓئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ خَٰلِدِينَ فِيهَا ۖ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ ٱللَّهِ ۗ وَمَن يُؤْمِنۢ بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُۥ ۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ وَأَطِيعُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِيعُوا۟ ٱلرَّسُولَ ۚ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلَٰغُ ٱلْمُبِينُ ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِنَّ مِنْ أَزْوَٰجِكُمْ وَأَوْلَٰدِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَٱحْذَرُوهُمْ ۚ وَإِن تَعْفُوا۟ وَتَصْفَحُوا۟ وَتَغْفِرُوا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ إِنَّمَآ أَمْوَٰلُكُمْ وَأَوْلَٰدُكُمْ فِتْنَةٌ ۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥٓ أَجْرٌ عَظِيمٌ فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ وَٱسْمَعُوا۟ وَأَطِيعُوا۟ وَأَنفِقُوا۟ خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ ۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِۦ فَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ إِن تُقْرِضُوا۟ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَٰعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۚ وَٱللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
557

الاستماع إلى سورة التغابن

تفسير سورة التغابن (تفسير القرطبي: أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي)

الترجمة الإنجليزية

Waallatheena kafaroo wakaththaboo biayatina olaika ashabu alnnari khalideena feeha wabisa almaseeru

وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَايعني القرآنأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُلما ذكر ما للمؤمنين ذكر ما للكافرين كما تقدم في غير موضع

الترجمة الإنجليزية

Ma asaba min museebatin illa biithni Allahi waman yumin biAllahi yahdi qalbahu waAllahu bikulli shayin AAaleemun

مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِأي بإرادته وقضائه .وقال الفراء : يريد إلا بأمر الله .وقيل : إلا بعلم الله .وقيل : سبب نزولها أن الكفار قالوا : لو كان ما عليه المسلمون حقا لصانهم الله عن المصائب في الدنيا ; فبين الله تعالى أن ما أصاب من مصيبة في نفس أو مال أو قول أو فعل , يقتضي هما أو يوجب عقابا عاجلا أو آجلا فبعلم الله وقضائه .وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِأي يصدق ويعلم أنه لا يصيبه مصيبة إلا بإذن الله .يَهْدِ قَلْبَهُللصبر والرضا .وقيل : يثبته على الإيمان .وقال أبو عثمان الجيزي : من صح إيمانه يهد الله قلبه لاتباع السنة .وقيل : " ومن يؤمن بالله يهد قلبه " عند المصيبة فيقول : " إنا لله وإنا إليه راجعون " [ البقرة : 156 ] ; قاله ابن جبير .وقال ابن عباس : هو أن يجعل الله في قلبه اليقين ليعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه , وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه .وقال الكلبي : هو إذا ابتلي صبر , وإذا أنعم عليه شكر , وإذا ظلم غفر .وقيل : يهد قلبه إلى نيل الثواب في الجنة .وقراءة العامة " يهد " بفتح الياء وكسر الدال ; لذكر اسم الله أولا .وقرأ السلمي وقتادة " يهد قلبه " بضم الياء وفتح الدال على الفعل المجهول ورفع الباء ; لأنه اسم فعل لم يسم فاعله .وقرأ طلحة بن مصرف والأعرج " نهد " بنون على التعظيم " قلبه " بالنصب .وقرأ عكرمة " يهدأ قلبه " بهمزة ساكنة ورفع الباء , أي يسكن ويطمئن .وقرأ مثله مالك بن دينار , إلا أنه لين الهمزة .وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌلا يخفى عليه تسليم من انقاد وسلم لأمره , ولا كراهة من كرهه .

الترجمة الإنجليزية

WaateeAAoo Allaha waateeAAoo alrrasoola fain tawallaytum fainnama AAala rasoolina albalaghu almubeenu

أي هونوا على أنفسكم المصائب , واشتغلوا بطاعة الله , واعملوا بكتابه , وأطيعوا الرسول في العمل بسنته ; فإن توليتم عن الطاعة فليس على الرسول إلا التبليغ .

الترجمة الإنجليزية

Allahu la ilaha illa huwa waAAala Allahi falyatawakkali almuminoona

أي لا معبود سواه , ولا خالق غيره ; فعليه توكلوا .

الترجمة الإنجليزية

Ya ayyuha allatheena amanoo inna min azwajikum waawladikum AAaduwwan lakum faihtharoohum wain taAAfoo watasfahoo wataghfiroo fainna Allaha ghafoorun raheemun

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّاقال ابن عباس : نزلت هذه الآية بالمدينة في عوف بن مالك الأشجعي ; شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم جفاء أهله وولده ; فنزلت .ذكره النحاس .وحكاه الطبري عن عطاء بن يسار قال : نزلت سورة " التغابن " كلها بمكة إلا هؤلاء الآيات : " يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم " نزلت في عوف بن مالك الأشجعي كان ذا أهل وولد , وكان إذا أراد الغزو بكوا إليه ورققوه فقالوا : إلى من تدعنا ؟ فيرق فيقيم ; فنزلت : " يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم " الآية كلها بالمدينة في عوف بن مالك الأشجعي .وبقية الآيات إلى آخر السورة بالمدينة .وروى الترمذي عن ابن عباس - وسأله رجل عن هذه الآية " يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم " - قال : هؤلاء رجال أسلموا من أهل مكة وأرادوا أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم , فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم , فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم رأوا الناس قد فقهوا في الدين هموا أن يعاقبوهم ; فأنزل الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم " الآية .هذا حديث حسن صحيح .قال القاضي أبو بكر بن العربي : هذا يبين وجه العداوة ; فإن العدو لم يكن عدوا لذاته وإنما كان عدوا بفعله .فإذا فعل الزوج والولد فعل العدو كان عدوا , ولا فعل أقبح من الحيلولة بين العبد وبين الطاعة .وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الشيطان قعد لابن آدم في طريق الإيمان فقال له أتؤمن وتذر دينك ودين آبائك فخالفه فآمن ثم قعد له على طريق الهجرة فقال له أتهاجر وتترك مالك وأهلك فخالفه فهاجر ثم قعد له على طريق الجهاد فقال له أتجاهد فتقتل نفسك فتنكح نساؤك ويقسم مالك فخالفه فجاهد فقتل , فحق على الله أن يدخله الجنة ) .وقعود الشيطان يكون بوجهين : أحدهما : يكون بالوسوسة .والثاني : بأن يحمل على ما يريد من ذلك الزوج والولد والصاحب ; قال الله تعالى : " وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم " [ فصلت : 25 ] .وفي حكمة عيسى عليه السلام : من اتخذ أهلا ومالا وولدا كان للدنيا عبدا .وفي صحيح الحديث بيان أدنى من ذلك في حال العبد ; قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد الخميصة تعس عبد القطيفة تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش ) .ولا دناءة أعظم من عبادة الدينار والدرهم , ولا همة أخس من همة ترتفع بثوب جديد .كما أن الرجل يكون له ولده وزوجه عدوا كذلك المرأة يكون لها زوجها وولدها عدوا بهذا المعنى بعينه .وعموم قوله : " من أزواجكم " يدخل فيه الذكر والأنثى لدخولهما في كل آية .والله أعلم .لَكُمْمعناه على أنفسكم .والحذر على النفس يكون بوجهين : إما لضرر في البدن , وإما لضرر في الدين .وضرر البدن يتعلق بالدنيا , وضرر الدين يتعلق بالآخرة .فحذر الله سبحانه العبد من ذلك وأنذره به .فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌروى الطبري عن عكرمة في قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم " قال : كان الرجل يريد أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيقول له أهله : أين تذهب وتدعنا ؟ قال : فإذا أسلم وفقه قال : لأرجعن إلى الذين كانوا ينهون عن هذا الأمر , فلأفعلن ولأفعلن ; قال : فأنزل الله عز وجل : " وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم " .وقال مجاهد في قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم " قال : ما عادوهم في الدنيا ولكن حملتهم مودتهم على أن أخذوا لهم الحرام فأعطوه إياهم .والآية عامة في كل معصية يرتكبها الإنسان بسبب الأهل والولد .وخصوص السبب لا يمنع عموم الحكم .

الترجمة الإنجليزية

Innama amwalukum waawladukum fitnatun waAllahu AAindahu ajrun AAatheemun

إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌأي بلاء واختبار يحملكم على كسب المحرم ومنع حق الله تعالى فلا تطيعوهم في معصية الله .وفي الحديث : ( يؤتى برجل يوم القيامة فيقال أكل عياله حسناته ) .وعن بعض السلف : العيال سوس الطاعات .وقال القتبي : " فتنة " أي إغرام ; يقال : فتن الرجل بالمرأة أي شغف بها .وقيل : " فتنة " محنة .ومنه قول الشاعر : لقد فتن الناس في دينهم وخلى ابن عفان شرا طويلا وقال ابن مسعود : لا يقولن أحدكم اللهم اعصمني من الفتنة ; فإنه ليس أحد منكم يرجع إلى مال وأهل وولد إلا وهو مشتمل على فتنة ; ولكن ليقل : اللهم إني أعوذ بك من مضلات الفتن .وقال الحسن في قوله تعالى : " إن من أزواجكم " : أدخل " من " للتبعيض ; لأن كلهم ليسوا بأعداء .ولم يذكر " من " في قوله تعالى : " إنما أموالكم وأولادكم فتنة " لأنهما لا يخلوان من الفتنة واشتغال القلب بهما .روى الترمذي وغيره عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب ; فجاء الحسن والحسين - عليهما السلام - وعليهما قميصان أحمران , يمشيان ويعثران ; فنزل صلى الله عليه وسلم فحملهما بين يديه , ثم قال : ( صدق الله عز وجل إنما أموالكم وأولادكم فتنة .نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما ) ثم أخذ في خطبته .وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌيعني الجنة , فهي الغاية , ولا أجر أعظم منها في قول المفسرين .وفي الصحيحين واللفظ للبخاري - عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يقول لأهل الجنة يا أهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك فيقول هل رضيتم فيقولون وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك فيقول ألا أعطيكم أفضل من ذلك قالوا يا رب وأي شيء أفضل من ذلك فيقول أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا ) .وقد تقدم ولا شك في أن الرضا غاية الآمال .وأنشد الصوفية في تحقيق ذلك : امتحن الله به خلقه فالنار والجنة في قبضته فهجره أعظم من ناره ووصله أطيب من جنته

الترجمة الإنجليزية

Faittaqoo Allaha ma istataAAtum waismaAAoo waateeAAoo waanfiqoo khayran lianfusikum waman yooqa shuhha nafsihi faolaika humu almuflihoona

فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْذهب جماعة من أهل التأويل إلى أن هذه الآية ناسخة لقوله تعالى : " اتقوا الله حق تقاته " [ آل عمران : 102 ] منهم قتادة والربيع بن أنس والسدي وابن زيد .ذكر الطبري : وحدثني يونس بن عبد الأعلى قال أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته " [ آل عمران : 102 ] قال : جاء أمر شديد , قالوا : ومن يعرف قدر هذا أو يبلغه ؟ فلما عرف الله أنه قد اشتد ذلك عليهم نسخها عنهم وجاء بهذه الآية الأخرى فقال : " اتقوا الله ما استطعتم " .وقيل : هي محكمة لا نسخ فيها .وقال ابن عباس : قوله تعالى : " اتقوا الله حق تقاته " [ آل عمران : 102 ] إنها لم تنسخ , ولكن حق تقاته أن يجاهد لله حق جهاده , ولا يأخذهم في الله لومة لائم , ويقوموا لله بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم .وقد تقدم .فإن قيل : فإذا كانت هذه الآية محكمة غير منسوخة فما وجه قوله في سورة التغابن : " فاتقوا الله ما استطعتم " وكيف يجوز اجتماع الأمر باتقاء الله حق تقاته , والأمر باتقائه ما استطعنا .والأمر باتقائه حق تقاته إيجاب القرآن بغير خصوص ولا وصل بشرط , والأمر باتقائه ما استطعنا أمر باتقائه موصولا بشرط .قيل له : قوله : " فاتقوا الله ما استطعتم " بمعزل مما دل عليه قوله تعالى : " اتقوا الله حق تقاته " [ آل عمران : 102 ] وإنما عنى بقوله : " فاتقوا الله ما استطعتم " فاتقوا الله أيها الناس وراقبوه فيما جعل فتنة لكم من أموالكم وأولادكم أن تغلبكم فتنتهم , وتصدكم عن الواجب لله عليكم من الهجرة من أرض الكفر إلى أرض الإسلام ; فتتركوا الهجرة ما استطعتم ; بمعنى وأنتم للهجرة مستطيعين .وذلك أن الله جل ثناؤه قد كان عذر من لم يقدر على الهجرة بتركها بقوله تعالى : " إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم " إلى قوله " فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم " [ النساء : 97 - 99 ] .فأخبر أنه قد عفا عمن لا يستطيع حيلة ولا يهتدي سبيلا بالإقامة في دار الشرك ; فكذلك معنى قوله : " فاتقوا الله ما استطعتم " في الهجرة من دار الشرك إلى دار الإسلام أن تتركوها بفتنة أموالكم وأولادكم .ومما يدل على صحة هذا أن قوله : " فاتقوا الله ما استطعتم " عقيب قوله : " يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم " .ولا خلاف بين السلف من أهل العلم بتأويل القرآن أن هذه الآيات نزلت بسبب قوم كفار تأخروا عن الهجرة من دار الشرك إلى دار الإسلام بتثبيط أولادهم إياهم عن ذلك ; حسب ما تقدم .وهذا كله اختيار الطبري .وقيل : " فاتقوا الله ما استطعتم " فيما تطوع به من نافلة أو صدقة ; فإنه لما نزل قوله تعالى : " اتقوا الله حق تقاته " [ آل عمران : 102 ] اشتد على القوم فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم , فأنزل الله تعالى تخفيفا عنهم : " فاتقوا الله ما استطعتم " فنسخت الأولى ; قاله ابن جبير .قال الماوردي : ويحتمل إن لم يثبت هذا النقل أن المكره على المعصية غير مؤاخذ بها ; لأنه لا يستطيع اتقاءها .وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُواأي اسمعوا ما توعظون به وأطيعوا فيما تؤمرون به وتنهون عنه .وقال مقاتل : اسمعوا " أي اصغوا إلى ما ينزل عليكم من كتاب الله ; وهو الأصل في السماع ." وأطيعوا " لرسوله فيما أمركم أو نهاكم .وقال قتادة : عليهما بويع النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة .وقيل : " واسمعوا " أي اقبلوا ما تسمعون ; وعبر عنه بالسماع لأنه فائدته .قلت : وقد تغلغل في هذه الآية الحجاج حين تلاها وقصرها على عبد الملك بن مروان فقال : " فاتقوا الله ما استطعم واسمعوا وأطيعوا " هي لعبد الملك بن مروان أمين الله وخليفته , ليس فيها مثنوية , والله لو أمرت رجلا أن يخرج من باب المسجد فخرج من غيره لحل لي دمه .وكذب في تأويلها بل هي للنبي صلى الله عليه وسلم أولا ثم لأولي الأمر من بعده .دليله " و أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " [ النساء : 59 ] .وَأَنْفِقُواقيل : هو الزكاة ; قاله ابن عباس .وقيل : هو النفقة في النفل .وقال الضحاك : هو النفقة في الجهاد .وقاله الحسن : هو نفقة الرجل لنفسه .قال ابن العربي : وإنما أوقع قائل هذا قوله : " لأنفسكم " وخفي عليه أن نفقة النفل والفرض في الصدقة هي نفقة الرجل على نفسه ; قال الله تعالى : " إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها " .[ الإسراء : 7 ] .وكل ما يفعله الرجل من خير فإنما هو لنفسه .والصحيح أنها عامة .وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له رجل : عندي دينار ؟ قال : ( أنفقه على نفسك ) قال : عندي آخر ؟ قال : ( أنفقه على عيالك ) قال : عندي آخر ؟ قال : ( أنفقه على ولدك ) قال : عندي آخر ؟ قال : ( تصدق به ) فبدأ بالنفس والأهل والولد وجعل الصدقة بعد ذلك .وهو الأصل في الشرع .خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ" خيرا " نصب بفعل مضمر عند سيبويه ; دل عليه " وأنفقوا " كأنه قال : ايتوا في الإنفاق خيرا لأنفسكم , أو قدموا خيرا لأنفسكم من أموالكم .وهو عند الكسائي والفراء نعت لمصدر محذوف ; أي أنفقوا إنفاقا خيرا لأنفسكم .وهو عند أبي عبيدة خبر كان مضمرة ; أي يكن خيرا لكم .ومن جعل الخير المال فهو منصوب ب " أنفقوا " .وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَالشح والبخل سواء ; يقال : رجل شحيح بين الشح والشح والشحاحة .قال عمرو بن كلثوم : ترى اللحز الشحيح إذا أمرت عليه لماله فيها مهينا وجعل بعض أهل اللغة الشح أشد من البخل .وفي الصحاح : الشح البخل مع حرص ; تقول : شححت ( بالكسر ) تشح .وشححت أيضا تشح وتشح .ورجل شحيح , وقوم شحاح وأشحة .والمراد بالآية : الشح بالزكاة وما ليس بفرض من صلة ذوي الأرحام والضيافة , وما شاكل ذلك .فليس بشحيح ولا بخيل من أنفق في ذلك وإن أمسك عن نفسه .ومن وسع على نفسه ولم ينفق فيما ذكرناه من الزكوات والطاعات فلم يوق شح نفسه .وروى الأسود عن ابن مسعود أن رجلا أتاه فقال له : إني أخاف أن أكون قد هلكت ؟ قال : وما ذاك ؟ قال : سمعت الله عز وجل يقول : " ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون " وأنا رجل شحيح لا أكاد أن أخرج من يدي شيئا .فقال ابن مسعود : ليس ذلك بالشح الذي ذكره الله تعالى في القرآن , إنما الشح الذي ذكره الله تعالى في القرآن أن تأكل مال أخيك ظلما , ولكن ذلك البخل , وبئس الشيء البخل .ففرق رضي الله عنه بين الشح والبخل .وقال طاوس : البخل أن يبخل الإنسان بما في يده , والشح أن يشح بما في أيدي الناس , يحب أن يكون له ما في أيديهم بالحل والحرام , لا يقنع .ابن جبير : الشح منع الزكاة وادخار الحرام .ابن عيينة : الشح الظلم .الليث : ترك الفرائض وانتهاك المحارم .ابن عباس : من اتبع هواه ولم يقبل الإيمان فذلك الشحيح .ابن زيد : من لم يأخذ شيئا لشيء نهاه الله عنه , ولم يدعه الشح على أن يمنع شيئا من شيء أمره الله به , فقد وقاه الله شح نفسه .وقال أنس : قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( بريء من الشح من أدى الزكاة وقرى الضيف وأعطى في النائبة ) .وعنه أن النبي عليه الصلاة السلام كان يدعو ( اللهم إني أعوذ بك من شح نفسي وإسرافها ووساوسها ) .وقال أبو الهياج الأسدي : رأيت رجلا في الطواف يدعو : اللهم قني شح نفسي .لا يزيد على ذلك شيئا , فقلت له ؟ فقال : إذا وقيت شح نفسي لم أسرق ولم أزن ولم أفعل .فإذا الرجل عبد الرحمن بن عوف .قلت : يدل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم ) .وقد بيناه في آخر " آل عمران " .وقال كسرى لأصحابه : أي شيء أضر بابن آدم ؟ قالوا : الفقر .فقال كسرى : الشح أضر من الفقر ; لأن الفقير إذا وجد شبع , والشحيح إذا وجد لم يشبع أبدا .

الترجمة الإنجليزية

In tuqridoo Allaha qardan hasanan yudaAAifhu lakum wayaghfir lakum waAllahu shakoorun haleemun

إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَبالصدقة والنفقة في سبيل الله .قال الحسن : كل ما في القرآن من القرض الحسن فهو التطوع .وقيل : هو العمل الصالح من الصدقة وغيرها محتسبا صادقا .وإنما عطف بالفعل على الاسم , لأن ذلك الاسم في تقدير الفعل , أي إن الذين تصدقوا وأقرضوا أخبرنا الشيخ الفقيه الإمام المحدث القاضي أبو عامر يحيى بن عامر بن أحمد بن منيع الأشعري نسبا ومذهبا بقرطبة - أعادها الله - في ربيع الآخر عام ثمانية وعشرين وستمائة قراءة مني عليه قال : أخبرنا أبي إجازة قال : قرأت على أبي بكر عبد العزيز بن خلف بن مدين الأزدي عن أبي عبد الله بن سعدون سماعا عليه ; قال : حدثنا أبو الحسن علي بن مهران قال : حدثنا أبو الحسن محمد بن عبد الله بن زكريا بن حيوة النيسابوري سنة ست وستين وثلاثمائة , قال : أنبأنا عمي أبو زكريا يحيى بن زكريا قال : حدثنا محمد بن معاوية بن صالح قال : حدثنا خلف بن خليفة عن حميد الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن مسعود قاله : لما نزلت : " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا " قال أبو الدحداح : يا رسول الله أوإن الله تعالى يريد منا القرض ؟ قال : ( نعم يا أبا الدحداح ) قال : أرني يدك ; قال فناوله ; قال : فإني أقرضت الله حائطا فيه ستمائة نخلة ., ثم جاء يمشي حتى أتى الحائط وأم الدحداح فيه وعياله ; فناداها : يا أم الدحداح ; قالت : لبيك ; قال : اخرجي , قد أقرضت ربي عز وجل حائطا فيه ستمائة نخلة .وقال زيد بن أسلم : لما نزل : " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا " قال أبو الدحداح : فداك أبي وأمي يا رسول الله إن الله يستقرضنا وهو غني عن القرض ؟ قال : ( نعم يريد أن يدخلكم الجنة به ) .قال : فإني إن أقرضت ربي قرضا يضمن لي به ولصبيتي الدحداحة معي الجنة ؟ قال : ( نعم ) قال : فناولني يدك ; فناوله رسول الله صلى الله عليه وسلم يده : فقال : إن لي حديقتين إحداهما بالسافلة والأخرى بالعالية , والله لا أملك غيرهما , قد جعلتهما قرضا لله تعالى .قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اجعل إحداهما لله والأخرى دعها معيشة لك ولعيالك ) قال : فأشهدك يا رسول الله أني قد جعلت خيرهما لله تعالى , وهو حائط فيه ستمائة نخلة .قال : ( إذا يجزيك الله به الجنة ) .فانطلق أبو الدحداح حتى جاء أم الدحداح وهي مع صبيانها في الحديقة تدور تحت النخل فأنشأ يقول : هداك ربي سبل الرشاد إلى سبيل الخير والسداد بيني من الحائط بالوداد فقد مضى قرضا إلى التناد أقرضته الله على اعتمادي بالطوع لا من ولا ارتداد إلا رجاء الضعف في المعاد فارتحلي بالنفس والأولاد والبر لا شك فخير زاد قدمه المرء إلى المعاد قالت أم الدحداح : ربح بيعك بارك الله لك فيما اشتريت , ثم أجابته أم الدحداح وقالت : بشرك الله بخير وفرج مثلك أدى ما لديه ونصح قد متع الله عيالي ومنح بالعجوة السوداء والزهو البلح والعبد يسعى وله ما قد كدح طول الليالي وعليه ما اجترح ثم أقبلت أم الدحداح على صبيانها تخرج ما في أفواههم وتنفض ما في أكمامهم حتى أفضت إلى الحائط الآخر ; فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كم من عذق رداح ودار فياح لأبي الدحداح ) .قال ابن العربي : " انقسم الخلق بحكم الخالق وحكمته وقدرته ومشيئته وقضائه وقدره حين سمعوا هذه الآية أقساما , فتفرقوا فرقا ثلاثة : [ الفرقة الأولى ] الذين قالوا : إن رب محمد محتاج فقير إلينا ونحن أغنياء , فهذه جهالة لا تخفى على ذي لب , فرد الله عليهم بقوله : " لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء " [ آل عمران : 181 ] .[ الفرقة الثانية ] لما سمعت هذا القول آثرت الشح والبخل وقدمت الرغبة في المال فما أنفقت في سبيل الله ولا فكت أسيرا ولا أعانت أحدا تكاسلا عن الطاعة وركونا إلى هذه الدار .[ الفرقة الثالثة ] لما سمعت بادرت إلى امتثاله وآثر المجيب منهم بسرعة بماله كأبي الدحداح رضي الله عنه وغيره .والله أعلم .قَرْضًاالقرض : اسم لكل ما يلتمس عليه الجزاء وأقرض فلان فلانا أي أعطاه ما يتجازاه قال الشاعر وهو لبيد : وإذا جوزيت قرضا فأجزه إنما يجزي الفتى ليس الجمل والقرض بالكسر لغة فيه حكاها الكسائي .واستقرضت من فلان أي طلبت منه القرض فأقرضني .واقترضت منه أي أخذت القرض .وقال الزجاج : القرض في اللغة البلاء الحسن والبلاء السيئ قال أمية : كل امرئ سوف يجزى قرضه حسنا أو سيئا ومدينا مثل ما دانا وقال آخر : تجازى القروض بأمثالها فبالخير خيرا وبالشر شرا وقال الكسائي : القرض ما أسلفت من عمل صالح أو سيئ .وأصل الكلمة القطع ; ومنه المقراض .وأقرضته أي قطعت له من مالي قطعة يجازى عليها .وانقرض القوم : انقطع أثرهم وهلكوا .والقرض ههنا : اسم , ولولاه لقال ههنا إقراضا .واستدعاء القرض في هذه الآية إنما هي تأنيس وتقريب للناس بما يفهمونه , والله هو الغني الحميد ; لكنه تعالى شبه عطاء المؤمن في الدنيا بما يرجو به ثوابه في الآخرة بالقرض كما شبه إعطاء النفوس والأموال في أخذ الجنة بالبيع والشراء .وقيل المراد بالآية الحث على الصدقة وإنفاق المال على الفقراء والمحتاجين والتوسعة عليهم , وفي سبيل الله بنصرة الدين .وكنى الله سبحانه عن الفقير بنفسه العلية المنزهة عن الحاجات ترغيبا في الصدقة , كما كنى عن المريض والجائع والعطشان بنفسه المقدسة عن النقائص والآلام .ففي صحيح الحديث إخبارا عن الله تعالى : ( يا بن آدم مرضت فلم تعدني واستطعمتك فلم تطعمني واستسقيتك فلم تسقني ) قال يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين ؟ قال : ( استسقاك عبدي فلان فلم تسقه أما إنك لو سقيته وجدت ذلك عندي ) وكذا فيما قبل ; أخرجه مسلم والبخاري وهذا كله خرج مخرج التشريف لمن كنى عنه ترغيبا لمن خوطب به .يجب على المستقرض رد القرض ; لأن الله تعالى بين أن من أنفق في سبيل الله لا يضيع عند الله تعالى بل يرد الثواب قطعا وأبهم الجزاء .وفي الخبر : ( النفقة في سبيل الله تضاعف إلى سبعمائة ضعف وأكثر على ما سبق بيانه عند قوله تعالى : " مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل " [ البقرة : 261 ] الآية .وقال ههنا : " فيضاعفه له أضعافا كثيرة " وهذا لا نهاية له ولا حد .ثواب القرض عظيم , لأن فيه توسعة على المسلم وتفريجا عنه .خرج ابن ماجه في سننه عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( رأيت ليلة أسري بي على باب الجنة مكتوبا الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر فقلت لجبريل : ما بال القرض أفضل من الصدقة قال لأن السائل يسأل وعنده والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة ) .قال : حدثنا محمد بن خلف العسقلاني حدثنا يعلى حدثنا سليمان بن يسير , عن قيس بن رومي قال : كان سليمان بن أذنان يقرض علقمة ألف درهم إلى عطائه , فلما خرج عطاؤه تقاضاها منه , واشتد عليه فقضاه , فكأن علقمة غضب فمكث أشهرا ثم أتاه فقال : أقرضني ألف درهم إلى عطائي , قال : نعم وكرامة يا أم عتبة هلمي تلك الخريطة المختومة التي عندك , قال : فجاءت بها ; فقال : أما والله إنها لدراهمك التي قضيتني ما حركت منها درهما واحدا ; قال : فلله أبوك ؟ ما حملك على ما فعلت بي ؟ قال : ما سمعت منك ; قال : ما سمعت مني ؟ قال : سمعتك تذكر عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من مسلم يقرض مسلما قرضا مرتين إلا كان كصدقتها مرة ) قال : كذلك أنبأني ابن مسعود .قرض الآدمي للواحد واحد , أي يرد عليه مثله ما أقرضه .وأجمع أهل العلم على أن استقراض الدنانير والدراهم والحنطة والشعير والتمر والزبيب وكل ما له مثل من سائر الأطعمة جائز .وأجمع المسلمون نقلا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أن اشتراط الزيادة في السلف ربا ولو كان قبضة من علف - كما قال ابن مسعود - أو حبة واحدة .ويجوز أن يرد أفضل مما يستلف إذا لم يشترط ذلك عليه ; لأن ذلك من باب المعروف ; استدلالا بحديث أبي هريرة في البكر : ( إن خياركم أحسنكم قضاء ) رواه الأئمة : البخاري ومسلم وغيرهما .فأثنى صلى الله عليه وسلم على من أحسن القضاء , وأطلق ذلك ولم يقيده بصفة .وكذلك قضى هو صلى الله عليه وسلم في البكر وهو الفتي المختار من الإبل جملا خيارا رباعيا , والخيار : المختار , والرباعي هو الذي دخل في السنة الرابعة ; لأنه يلقي فيها رباعيته وهي التي تلي الثنايا وهي أربع رباعيات - مخففة الباء - وهذا الحديث دليل على جواز قرض الحيوان , وهو مذهب الجمهور , ومنع من ذلك أبو حنيفة وقد تقدم .ولا يجوز أن يهدي من استقرض هدية للمقرض , ولا يحل للمقرض قبولها إلا أن يكون عادتهما ذلك ; بهذا جاءت السنة : خرج ابن ماجه حدثنا هشام بن عمار قال : حدثنا إسماعيل بن عياش حدثنا عتبة بن حميد الضبي عن يحيى بن أبي إسحاق الهنائي قال : سألت أنس بن مالك عن الرجل منا يقرض أخاه المال فيهدي إليه ؟ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أقرض أحدكم أخاه قرضا فأهدى له أو حمله على دابته فلا يقبلها ولا يركبها إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبله ذلك ) .القرض يكون من المال - وقد بينا حكمه - ويكون من العرض ; وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم كان إذا خرج من بيته قال اللهم إني قد تصدقت بعرضي على عبادك ) .وروي عن ابن عمر : أقرض من عرضك ليوم فقرك ; يعني من سبك فلا تأخذ منه حقا ولا تقم عليه حدا حتى تأتي يوم القيامة موفر الأجر .وقال أبو حنيفة : لا يجوز التصدق بالعرض لأنه حق الله تعالى , وروي عن مالك .ابن العربي : وهذا فاسد , قال عليه السلام في الصحيح : ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام .. .) الحديث .وهذا يقتضي أن تكون هذه المحرمات الثلاث تجري مجرى واحدا في كونها باحترامها حقا للآدمي .حَسَنًاقال الواقدي : محتسبا طيبة به نفسه .وقال عمرو بن عثمان الصدفي : لا يمن به ولا يؤذي .وقال سهل بن عبد الله : لا يعتقد في قرضه عوضا .يُضَاعِفْهُ لَكُمْقرأ عاصم وغيره " يضاعفه " بالألف ونصب الفاء .وقرأ ابن عامر ويعقوب بالتشديد في العين مع سقوط الألف ونصب الفاء .وقرأ ابن كثير وأبو جعفر وشيبة بالتشديد ورفع الفاء .وقرأ الآخرون بالألف ورفع الفاء .فمن رفعه نسقه على قوله : " يقرض " وقيل : على تقدير هو يضاعفه .ومن نصب فجوابا للاستفهام بالفاء .وقيل : بإضمار " أن " والتشديد والتخفيف لغتان .وقال الحسن والسدي : لا نعلم هذا التضعيف إلا لله وحده , لقوله تعالى : " ويؤت من لدنه أجرا عظيما " [ النساء : 40 ] .قاله أبو هريرة : هذا في نفقة الجهاد , وكنا نحسب والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا نفقة الرجل على نفسه ورفقائه وظهره بألفي ألف .وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌالشكر في اللغة الظهور من قولهم دابة شكور إذا ظهر عليها من السمن فوق ما تعطى من العلف وحقيقته الثناء على الإنسان بمعروف يوليكه كما تقدم في الفاتحة قال الجوهري الشكر الثناء على المحسن بما أولاكه من المعروف يقال شكرته وشكرت له وباللام أفصح والشكران خلاف الكفران وتشكرت له مثل شكرت له وروى الترمذي وأبو داود عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا يشكر الله من لا يشكر الناس ) قال الخطابي هذا الكلام يتأول على معنيين أحدهما أن من كان من طبعه كفران نعمة الناس وترك الشكر لمعروفهم كان من عادته كفران نعمة الله عز وجل وترك الشكر له والوجه الآخر أن الله سبحانه لا يقبل شكر العبد على إحسانه إليه إذا كان العبد لا يشكر إحسان الناس إليه ويكفر معروفهم لاتصال أحد الأمرين بالآخر .في عبارات العلماء في معنى الشكر فقال سهل بن عبد الله الشكر الاجتهاد في بذل الطاعة مع الاجتناب للمعصية في السر والعلانية وقالت فرقة أخرى الشكر هو الاعتراف في تقصير الشكر للمنعم ولذلك قال تعالى " اعملوا آل داود شكرا " [ سبأ : 13 ] فقال داود كيف أشكرك يا رب والشكر نعمة منك قال الآن قد عرفتني وشكرتني إذ قد عرفت أن الشكر مني نعمة قال يا رب فأرني أخفى نعمك علي قال يا داود تنفس فتنفس داود فقال الله تعالى من يحصي هذه النعمة الليل والنهار وقال موسى عليه السلام كيف أشكرك وأصغر نعمة وضعتها بيدي من نعمك لا يجازى بها عملي كله فأوحى الله إليه يا موسى الآن شكرتني وقال الجنيد حقيقة الشكر العجز عن الشكر وعنه قال كنت بين يدي السري السقطي ألعب وأنا ابن سبع سنين وبين يديه جماعة يتكلمون في الشكر فقال لي يا غلام ما الشكر فقلت ألا يعصى الله بنعمه فقال لي أخشى أن يكون حظك من الله لسانك قال الجنيد فلا أزال أبكي على هذه الكلمة التي قالها السري لي وقال الشبلي الشكر التواضع والمحافظة على الحسنات ومخالفة الشهوات وبذل الطاعات ومراقبة جبار الأرض والسموات وقال ذو النون المصري أبو الفيض الشكر لمن فوقك بالطاعة ولنظيرك بالمكافأة ولمن دونك بالإحسان والإفضال" حليم " الحليم : الذي لا يعجل .

الترجمة الإنجليزية

AAalimu alghaybi waalshshahadati alAAazeezu alhakeemu

عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِأي ما غاب وحضرالْعَزِيزُأي الغالب القاهر .فهو من صفات الأفعال , ومنه قوله عز وجل : " تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم " [ الجاثية : 2 ] .أي من الله القاهر المحكم خالق الأشياء .وقال الخطابي : وقد يكون بمعنى نفاسة القدر , يقال منه : عز يعز ( بكسر العين ) فيتناول معنى العزيز على هذا أنه لا يعادله شيء وأنه لا مثل له .والله أعلم .الْحَكِيمُفي تدبير خلقه .وقال ابن الأنباري : " الحكيم " هو المحكم لخلق الأشياء , صرف عن مفعل إلى فعيل , ومنه قوله عز وجل : " الر تلك آيات الكتاب الحكيم " [ يونس : 1 ] معناه المحكم , فصرف عن مفعل إلى فعيل , والله أعلم .
557