سورة المطففين (83): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة المطففين بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة المطففين مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة المطففين

سُورَةُ المُطَفِّفِينَ
الصفحة 588 (آيات من 7 إلى 34)

كَلَّآ إِنَّ كِتَٰبَ ٱلْفُجَّارِ لَفِى سِجِّينٍ وَمَآ أَدْرَىٰكَ مَا سِجِّينٌ كِتَٰبٌ مَّرْقُومٌ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ٱلَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ وَمَا يُكَذِّبُ بِهِۦٓ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ءَايَٰتُنَا قَالَ أَسَٰطِيرُ ٱلْأَوَّلِينَ كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا۟ يَكْسِبُونَ كَلَّآ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا۟ ٱلْجَحِيمِ ثُمَّ يُقَالُ هَٰذَا ٱلَّذِى كُنتُم بِهِۦ تُكَذِّبُونَ كَلَّآ إِنَّ كِتَٰبَ ٱلْأَبْرَارِ لَفِى عِلِّيِّينَ وَمَآ أَدْرَىٰكَ مَا عِلِّيُّونَ كِتَٰبٌ مَّرْقُومٌ يَشْهَدُهُ ٱلْمُقَرَّبُونَ إِنَّ ٱلْأَبْرَارَ لَفِى نَعِيمٍ عَلَى ٱلْأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ تَعْرِفُ فِى وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ خِتَٰمُهُۥ مِسْكٌ ۚ وَفِى ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَٰفِسُونَ وَمِزَاجُهُۥ مِن تَسْنِيمٍ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا ٱلْمُقَرَّبُونَ إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُوا۟ كَانُوا۟ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّوا۟ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا ٱنقَلَبُوٓا۟ إِلَىٰٓ أَهْلِهِمُ ٱنقَلَبُوا۟ فَكِهِينَ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوٓا۟ إِنَّ هَٰٓؤُلَآءِ لَضَآلُّونَ وَمَآ أُرْسِلُوا۟ عَلَيْهِمْ حَٰفِظِينَ فَٱلْيَوْمَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ
588

الاستماع إلى سورة المطففين

تفسير سورة المطففين (تفسير الوسيط لطنطاوي: محمد سيد طنطاوي)

الترجمة الإنجليزية

Kalla inna kitaba alfujjari lafee sijjeenin

ثم زجر- سبحانه- هؤلاء الفاسقين عن أمره زجرا شديدا، وتوعدهم بالعذاب الشديد، فقال- تعالى-: كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ.وقوله: كَلَّا حرف ردع وزجر، وما بعده كلام مستأنف، وقد تكرر في الآيات التي معنا ثلاث مرات، والمراد به هنا: ردعهم وزجرهم عما كانوا فيه من الشرك، والتطفيف في الكيل والميزان.والفجار: جمع فاجر، وهو مأخوذ من الفجور، وهو شق الشيء شقا واسعا، وسمى الفجار بذلك مبالغة في هتكهم لحرمات الله، وشقهم لستر الشريعة، بدون خوف أو وجل.يقال: فجر فلان فجورا فهو فاجر، وهم فجار وفجرة، إذا تجاوزوا كل حد أمر الله- تعالى- بالوقوف عنده. والمراد بالكتاب المكتوب. أى: صحيفة الأعمال.والسجّين: اختلفوا في معناه على أقوال منها: أنه علم أو وصف لواد في جهنم، صيغ بزنة فعّيل- بكسر الفاء مع تشديد العين المكسورة-، مأخوذ من السّجن بمعنى الحبس. يقال:سجن الحاكم فلانا يسجنه- بضم الجيم- سجنا، إذا حبسه.قال ابن كثير: قوله: كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ أى: إن مصيرهم ومأواهم لفي سجين، - فعيل من السّجن، وهو الضيق-، كما يقال: فلان فسيق وشريب وخمير وسكير ونحو ذلك، ولهذا عظم أمره فقال: وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ؟ أى: هو أمر عظيم، وسجن مقيم، وعذاب أليم.ثم قد قال قائلون: هو تحت الأرض السابعة.. وقيل: بئر في جهنم.والصحيح أن «سجينا» مأخوذ من السّجن، وهو الضيق، فإن المخلوقات كل ما تسافل منها ضاق، وكل ما تعالى منها اتسع.. ولما كان مصير الفجار إلى جهنم، وهي أسفل سافلين.قال- سبحانه-: كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وهو يجمع الضيق والسفول.. .أى: كلا، ليس الأمر كما يزعم هؤلاء المشركون من أنه لا بعث ولا جزاء، بل الحق أن البعث أمر واقع، ماله من دافع، وأن ما عمله هؤلاء الفجار من كفر ومن تطفيف في الكيل والميزان، لمكتوب في صحائف أعمالهم، ومسجل عليهم في ديوان الشر الذي يوصلهم إلى قاع جهنم.

الترجمة الإنجليزية

Wama adraka ma sijjeenun

وقوله: وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ تهويل وتفظيع لهذا الشيء الضيق الذي يؤدى إلى القذف بهم في أعماق جهنم.وقوله: كِتابٌ مَرْقُومٌ خبر لمبتدأ محذوف يعود إلى «كتاب الفجار» والمرقوم:المكتوب كتابة واضحة بينة تشبه الخط. الظاهر في الثوب المنسوج. يقال: رقم فلان الكتاب، إذا جعل له رقما، أى: علامة يعرف بها.أى: وهو- أى: كتاب الفجار- كتاب بين الكتابة، يفهم صاحبه ما فيه فهما واضحا لا خفاء معه ولا التباس. فقوله: كِتابٌ مَرْقُومٌ بيان وتفسير لكتاب الفجار، وهو ديوان الشر الجامع لأعمالهم السيئة.

الترجمة الإنجليزية

Kitabun marqoomun

ومنهم من جعل قوله- تعالى-: كِتابٌ مَرْقُومٌ ليس تفسيرا لكتاب الفجار، وإنما هو تفسير لقوله سِجِّينٌ.قال الشوكانى ما ملخصه: وسجين هو ما فسره به- سبحانه- من قوله وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ. كِتابٌ مَرْقُومٌ فأخبر بهذا أنه كتاب مرقوم، أى: مسطور.ومنهم من جعله بيانا وتفسيرا لكتاب المذكور في قوله إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ على تقدير:هو كتاب مرقوم، أى: قد بينت حروفه.والأولى ما ذكرناه أولا، ويكون المعنى: إن كتاب الفجار الذين من جملتهم المطففون..لفي ذلك الكتاب المدون للقبائح، المختص بالشر، وهو سجين، ثم ذكر ما يدل على تهويله، فقال: وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ ثم بينه بقوله: كِتابٌ مَرْقُومٌ .وعلى أية حال، فالمقصود بيان المصير السيئ الذي ينتظر هؤلاء الفجار، حيث سجلت عليهم أعمالهم في ديوان الشر الذي يجمع أعمالهم القبيحة، والتي ستؤدى بهم إلى السجن الدائم، وإلى العذاب المقيم.

الترجمة الإنجليزية

Waylun yawmaithin lilmukaththibeena

وقوله- سبحانه-: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ وعيد وتهديد لأولئك المنكرين للبعث، والذين من صفاتهم تطفيف الكيل والميزان. أى: هلاك عظيم، وعذاب أليم، وسجن دائم في قاع جهنم، لأولئك المكذبين، للبعث والحساب والجزاء.

الترجمة الإنجليزية

Allatheena yukaththiboona biyawmi alddeeni

ثم فصل- سبحانه- هذا التكذيب فقال: الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ أى:يكذبون بيوم القيامة وما فيه من ثواب وعقاب.

الترجمة الإنجليزية

Wama yukaththibu bihi illa kullu muAAtadin atheemin

وَما يُكَذِّبُ بِهِ أى: بيوم الدين إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ أى: وما يكذب بهذا اليوم إلا كل إنسان متجاوز الحدود المشروعة، ومبالغ في ارتكاب الآثام والقبائح.

الترجمة الإنجليزية

Itha tutla AAalayhi ayatuna qala asateeru alawwaleena

هذا المكذب بيوم القيامة من صفاته - أيضا - أنه ( إِذَا تتلى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأولين ) .أى : إذا تقرأ على هذا الكتاب آياتنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا وصدق رسولنا . . قال هذه الآيات هى من أساطير الأقوام الأولين وترهاتهم وقصصهم المخترعة التى لا أصل لها .فأنت ترى أن هؤلاء المكذبين ، قد وصفهم الله -تعالى - بثلاث صفات هى : الاعتداء على الحق . والمبالغة فى ارتكاب الآثام ، والجرأة فى الافتراء والكذب ، حيث وصفوا القرآن بأنه ليس من عند الله - تعالى - .

الترجمة الإنجليزية

Kalla bal rana AAala quloobihim ma kanoo yaksiboona

ثم بين - سبحانه - الأسباب التى حملتهم على أن يقولوا فى القرآن ما قالوا ، فقال : ( كَلاَّ بَلْ رَانَ على قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونِ ) .وقوله : ( بَلْ رَانَ ) قرأه الجمهور بإدغام اللام فى الراء بعد قلبها راء لتقارب مخرجيهما ، وقرأه عاصم بالوقف الخفيف على لام بل والابتداء بكلمة ران بدون إدغام .وقوله : ( كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ) بيان لسوء مصيرهم يوم القيامة .وكلا هنا تأكيد لسابقتها لزيادة الردع والزجر ، ويصح أن تكون كلا هنا بمعنى حقا .أى : حقا إن هؤلاء الفجار سيكونون يوم القيامة فى حالة احتجاب وامتناع عن رؤية الله - تعالى - وعن رضاه .

الترجمة الإنجليزية

Kalla innahum AAan rabbihim yawmaithin lamahjooboona

قال الآلوسى : " كلا " ردع وزجر عن الكسب الرائن ، أو بمعنى حقا " إنهم " . أى : هؤلاء المكذبين ( عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُون ) لا يرونه - سبحانه - وهو - وعز وجل - حاضر ناظر لهم ، بخلاف المؤمنين ، فالحجاب : مجاز عن عدم الرؤية ، لأن المحجوب لا يرى ما حجب ، و الحجب المنع ، والكلام على حذف مضاف . أى : عن رؤية ربهم لممنوعن فلا يرونه - سبحانه - .واحتج مالك - رحمه الله - بهذه الآية ، على رؤية المؤمنين له - تعالى - ، من جهة دليل الخطاب ، وإلا فلو حجب الكل لما أغنى هذا التخصيص .وقال الشافعى - رحمه الله - : لما حجب - سبحانه - قوما بالسخط دل على أن قوما يرونه بالرضا . .

الترجمة الإنجليزية

Thumma innahum lasaloo aljaheemi

وقوله - سبحانه - : ( ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُواْ الجحيم . ثُمَّ يُقَالُ هذا الذي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ) .بيان للون آخر من سوء مصيرهم .أى : أن هؤلاء المكذبين سيكونون يوم القيامة محجوبين عن رؤية الله - تعالى - لسخطه عليهم ، وممنوعين من رحمته ، ثم إنهم بعد ذلك لداخلون فى أشد طبقات النار حرا . . ثم يقال لهم بواسطة خزنة جهنم على سبيل التقريع والتأنيب .

الترجمة الإنجليزية

Thumma yuqalu hatha allathee kuntum bihi tukaththiboona

هذا هو العذاب الذى كنتم به تكذبون فى الدنيا ، وتقولون لمن يحذركم منه : ( وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) فأنت ترى أن هذه الآيات الكريمة قد اشتملت على أشد ألوان الإِهانة؛ لأنها أخبرت أن هؤلاء المكذبين : محجوبون عن ربهم ، وأنهم مقاسون حر جهنم ، وأنهم لا يقابلون من خزنتها إلا بالتيئيس من الخروج منها ، وبالتأنيب والتقريع .

الترجمة الإنجليزية

Kalla inna kitaba alabrari lafee AAilliyyeena

وكعادة القرآن الكريم فى قرن الترهيب بالترغيب ، والعكس ، ساقت السورة الكريمة بعد ذلك ، ما أعده - سبحانه - للأبرار من خير وفير ، ومن نعيم مقيم ، فقال - تعالى - :( كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأبرار . . . ) .قوله : ( كلا ) هنا ، تكرير للردع والزجر اسابق فى قوله - تعالى - قبل ذلك : ( إِنَّ كِتَابَ الفجار لَفِي سِجِّينٍ ) لبيان ما يقابل ذلك من أن كتاب الأبرار فى عليين .ولفظ " عليين " جمع عِلِّى - بكسر العين وتشديد اللام المكسورة - من العلو . ويرى بعضهم أن هذا اللفظ مفرد ، وأنه اسم للديوان الذى تكتب فيه أعمال الأبرار .قال صاحب الكشاف : وكتاب الأبرار : ما كتب من أعمالهم وعليون : علم لديوان الخير ، الذى دون فيه كل ما عملته الملائكة وصلحاء الثقلين . منقول من جمع " عِلِّى " بزنة فِعِّيل - بكسر الفاء والعين المشددة - من العلو ، كسِجِّين من السجن . سمى بذلك إما لأنه سبب الارتفاع إلى أعلى الدرجات فى الجنة ، وإما لأنه مرفوع فى السماء السابعة . . تكريما له وتعظيما . .أى : حقا إن ما كتبته الملائكة من أعمال صالحة للأتقياء الأبرار ، لمثبت فى ديوان الخير ، الكائن فى أعلى مكان وأشرفه .

الترجمة الإنجليزية

Wama adraka ma AAilliyyoona

وقوله - سبحانه - : ( وَمَآ أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ ) تفخيم لشأن هذا الديوان ، وتنويه عظيم بشرفه .

الترجمة الإنجليزية

Kitabun marqoomun

وقوله : ( كِتَابٌ مَّرْقُومٌ ) تفسير لما كتب لهؤلاء الأبرار من خير وبركة ، أى : كتاب الأبرار كتاب واضح بين ، يقرؤه أصحابه بسهولة ويسر ، فتنشرح صدورهم ، وتقر عيونهم .

الترجمة الإنجليزية

Yashhaduhu almuqarraboona

وقوله - تعالى - ( يَشْهَدُهُ المقربون ) أى : يطلع عليه الملائكة المقربون من الله - تعالى- ، ليكون هذا الاطلاع شهادة لهؤلاء الأبرار ، بأنهم محل رضا الله - تعالى - وتكريمه وثوابه .

الترجمة الإنجليزية

Inna alabrara lafee naAAeemin

ثم بين - سبحانه - حالهم فى الجنة ، بعد بيان ما اشتمل عليه كتابهم من خير وبر فقال - تعالى - : ( إِنَّ الأبرار لَفِي نَعِيمٍ ) أى : لفى نعيم دائم ، لا يحول ولا يزول .

الترجمة الإنجليزية

AAala alaraiki yanthuroona

( عَلَى الأرآئك يَنظُرُونَ ) والأرائك : جمع أريكة - بزنة سفينة - وهى اسم للسرير الذى يكون مفروشا فرشا أنيقا جميلا .أى : هم فى نعيم دائم لا يقادر قدره ، وهم - أيضا - يجلسون على السرر المهيأة لجلوسهم تهيئة حسنة ، ينظرون إلى كل ما يدخل البهجة والسرور على نفوسهم .وحذف مفعول " ينظرون " لقصد التعميم . أى : ينظرون إلى كل ما يبهج نفوسهم .

الترجمة الإنجليزية

TaAArifu fee wujoohihim nadrata alnnaAAeemi

( تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النعيم ) أى : تعرف فى وجوههم - أيها الناظر إليهم - البهجة والحسن ، وصلاح البال ، وهناءة العيش .وإضافة النضرة - وهى الجمال الواضح - إلى النعيم - الذى هو بمعنى التنعم والترفه - من إضافة المسبب إلى السبب . وهذه الجملة الكريمة صفة ثالثة من صفات هؤلاء الأبرار .

الترجمة الإنجليزية

Yusqawna min raheeqin makhtoomin

ثم تأتى الصفة الرابعة المتمثلة فى قوله - تعالى - : ( يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ ) .والرحيق : اسم للخمر الطيبة الصافية الخالية من كل ما يكدر أو يذهب العقل .والمختوم : أى المسدود الذى لم تمسه يد قبل أيدى هؤلاء الأبرار .

الترجمة الإنجليزية

Khitamuhu miskun wafee thalika falyatanafasi almutanafisoona

وقوله : ( خِتَامُهُ مِسْكٌ ) وقرأ الكسائى ( خاتمه ) والخاتم والختام يتقاربان فى المعنى إلا أن الخاتم الاسم ، والختام المصدر . .واسم الإِشارة فى قوله - تعالى - : ( وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المتنافسون ) يعود للرحيق المختوم ، الدال على صلاح بالهم ، وحسن أحوالهم .وأصل التنافس : التغالب فى الشئ النفيس ، وهو الذى تحرص عليه النفوس ، بحيث يبتغيه ويطلبه كل إنسان لنفسه خاصة . يقال : نفس فلان على فلان بهذا الشئ - كفرح - إذا بخل به عليه . أى : ومن أجل الحصول على ذلك الرحيق المختوم ، والنعيم المقيم . . فليرغب الراغبون ، وليتسابق المتسابقون ، وليتنافس المتنافسون فى وجوه الخير . عن طريق المسارعة فى تقديم الأعمال التى ترضى الله - تعالى - .فالمقصود من الآية الكريمة : تحريض الناس وحضهم على تقديم العمل الصالح ، الذى يوصلهم يوم القيامة إلى أعلى الدرجات .

الترجمة الإنجليزية

Wamizajuhu min tasneemin

وقوله - سبحانه - : ( وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ . عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا المقربون ) صفة ثالثة من صفات هذا الرحيق .والمزاج : ما يمزج به الشئ ، ويطلق على الممزوج بالشئ - كما هنا - فهو من إطلاق المصدر على المفعول .والتسنيم : علم لعين فى الجنة مسماة بهذا الاسم ، وهذا اللفظ مصدر سنمه إذا رفعه . يقال : سنم فلان الطعام . إذا جعله كهيئة السنام فى ارتفاعه .قالوا : وسميت هذه العين بهذا الاسم ، لأنها تنبع من مكان مرتفع ، أو لعلو مكانتها .

الترجمة الإنجليزية

AAaynan yashrabu biha almuqarraboona

وقوله : ( عينا ) منصوب على المدح .أى : ومزاج هذا الرحيق وخليطه كائن من ماء لعين فى الجنة ، مرتفعة المكان والمكانة ، هذه العين يشرب منها المقربون إلى الله - تعالى- شرابهم .قال الآلوسى : والباء فى قوله ( بها ) إما زائدة . أى يشربها . أو بمعنى من . أى : يشرب منها ، أو على تضمين يشرب معنى يروى . أى : يشرب راوين بها . أى يروى بها المقربون . .وإلى هنا نجدد أن هذه الآيات الكريمة قد بشرت الأبرار ببشارات متعددة ، بشرتهم بأن صحائف أعمالهم فى أعلى عليين ، وبأنهم فى نعيم مقيم ، وبأنهم ينظرون إلى كل ما يشرح صدورهم ، وبأن الناظر إليهم يرى آثار النعمة والرفاهية على وجوههم ، وبأن شرابهم من خمر طيبة لذيذة الطعم والرائحة .

الترجمة الإنجليزية

Inna allatheena ajramoo kanoo mina allatheena amanoo yadhakoona

ثم حكى - سبحانه - جانبا من الرذائل التى كان يفعلها المشركون مع المؤمنين ، وبشر المؤمنين بأن العاقبة الطيبة ستكون لهم . . فقال - تعالى - :( إِنَّ الذين أَجْرَمُواْ . . . ) .قد ذكر المفسرون فى سبب نزول هذه الآيات ، أن بعض المشركين - كأبى جهل والعاص بن وائل - كانوا يستهزئون من فقراء المسلمين كصهيب وعمار بن ياسر .وقوله - سبحانه - ( أَجْرَمُواْ ) من الإِجرام ، وهو ارتكاب الجرم . ويطلق على الإِثم العظيم . والذنب الكبير ، والمراد بإجرامهم هنا : كفرهم بالله - تعالى - واستهزائهم بالمؤمنين . أى : إن الذين ارتكبوا فى دنياهم أقبح الجرائم وأشنعها ، وهم زعماء المشركين ( كَانُواْ ) فى الدنيا ( مِنَ الذين آمَنُواْ يَضْحَكُونَ ) أى : كانوا فى حياتهم يتهكمون بالمؤمنين ، ويسخرون منهم ، ويعتبرونهم الأراذل الذين يجب الابتعاد عنهم .

الترجمة الإنجليزية

Waitha marroo bihim yataghamazoona

( وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ) أى : وإذا مر هؤلاء المجرمون بالمؤمنين سخروا منهم ، وتغامزوا فيما بينهم على سبيل الاستهزاء بفقراء المؤمنين .والتغامز : تفاعل من الغمز وهو الإِشارة بالجفون والحواجب على سبيل الطعن والتهكم .أى : يغمز أحدهم الآخر لينبه إلى ما عليه فقراء المسلمين من شظف العيش ، ومن غير ذلك من الأحوال التى لا يرضاها المشركون لجهلهم وغرورهم وبلادة حسهم .

الترجمة الإنجليزية

Waitha inqalaboo ila ahlihimu inqalaboo fakiheena

( وَإِذَا انقلبوا إلى أَهْلِهِمُ انقلبوا فَكِهِينَ ) أى : وإذا رجع هؤلاء المجرمون إلى أهلهم من مجالسهم التى كانوا فيها . . رجعوا متلذذين باستخفافهم بالمؤمنين . والسخرية منهم .فهم لإِيغالهم فى الكفر والفسوق والعصيان ، لا يكتفون بالغمز واللمز عندما يرون المؤمنين ، بل يجعلونهم عند عودتهم إلى أهليهم ، مادة تفكههم وضحكهم .فقوله : ( فَكِهِينَ ) جمع فكه ، صفة مشبهة ، وهى قراءة حفص عن عاصم .وقرأ الجمهور ( فاكهين ) اسم فاعل : من فكه - بزنة - فرح - إذا مزح فى كلامه ليضحك أو يضحك غيره .وحذف متعلق " فكهين " للعلم به . أى : رجعوا فكهين بسبب حديثهم عن المؤمنين .

الترجمة الإنجليزية

Waitha raawhum qaloo inna haolai ladalloona

وقوله : ( وَإِذَا رَأَوْهُمْ قالوا إِنَّ هؤلاء لَضَالُّونَ ) أى : أن هؤلاء الذين أجرموا ، لا يكتفون بغمز المؤمنين ولمزهم وجعلهم مادة السخرية فى أحاديثهم مع أهليهم .بل إنهم تجاوزوا ذلك ، فهم عندما يرون المؤمنين يقولون عنهم : هؤلاء هم الضالون ، لأنهم تركوا دين آبائهم وأجدادهم ، ودخلوا فى دين آخر .فمرادهم بالضلال : فساد الرأى . وعدم البقاء على دينهم القديم .وهكذا الأشرار يرون أن أهل الحق والتقى فى ضلال .

الترجمة الإنجليزية

Wama orsiloo AAalayhim hafitheena

وجملة : ( وَمَآ أُرْسِلُواْ عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ ) جملة حالية من الضمير فى ( قالوا ) .أى : قالوا إن هؤلاء المؤمنين الضالون ، والحال أن هؤلاء المشركين ما أرسلهم الله - تعالى - ليكونوا وكلاء عنه ، حتى يحكموا على هذا الفريق بالضلال . وعلى غيره بالرشاد .فالمقصود بالآية الكريمة : تأنيب الذين أجرموا وتوبيخهم على تصرفاتهم ، لأن الحكم على الغير بالهداية والضلال . هم ليسوا أهلا له إطلاقا؛ لأن الله - تعالى - لم يكلفهم بذلك ، وإنما كلفهم بإتباع الرسول الذى أرسله - سبحانه - لهدايتهم .فحكمهم على المؤمنين بالضلال يدل على نهاية الغرور والجهل .

الترجمة الإنجليزية

Faalyawma allatheena amanoo mina alkuffari yadhakoona

ثم ببشر الله - تعالى - المؤمنين بما سيكونون عليه يوم القيامة من نعيم فقال : ( فاليوم الذين آمَنُواْ مِنَ الكفار يَضْحَكُونَ . عَلَى الأرآئك يَنظُرُونَ )والفاء فى قوله ( فاليوم ) للسببية ، والمراد باليوم : يوم الجزاء والحساب .أى : فبسبب استهزاء الذين أجرموا من المؤمنين فى الدنيا ، كافأ الله - تعالى - المؤمنين على صبرهم ، بأن جعلهم يوم القيامة يضحكون من الكفار حين يرونهم أذلاء مهانين ، كما كان الكفار يضحكون من المؤمنين فى الدنيا .فالمقصود من الآية الكريمة لتسرية المؤمنين ، وتبشيرهم بأنهم سيأخذون بثأرهم من المشركين عما قريب . . وأنهم - أى : المؤمنين - سيكونون يوم القيامة على سرر قد فرشت بأجمل الفراش .
588