سورة الحج (22): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة الحج بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة الحج مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة الحج

  • نوع سورة الحج: مدنية
  • عدد الآيات في سورة الحج: 78
  • ترتيب سورة الحج في القرآن الكريم: 22
  • ترتيب نزول الوحي: 103
  • اسم السورة باللغة الإنجليزية: The Pilgrimage
  • أرقام الصفحات في القرآن الكريم: من الصفحة 332 إلى 341
  • التفسير: تفسير الوسيط لطنطاوي

سُورَةُ الحَجِّ
الصفحة 335 (آيات من 24 إلى 30)

وَهُدُوٓا۟ إِلَى ٱلطَّيِّبِ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَهُدُوٓا۟ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلْحَمِيدِ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ٱلَّذِى جَعَلْنَٰهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلْعَٰكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ ۚ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍۭ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَٰهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِى شَيْـًٔا وَطَهِّرْ بَيْتِىَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلْقَآئِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ وَأَذِّن فِى ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِّيَشْهَدُوا۟ مَنَٰفِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا۟ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِىٓ أَيَّامٍ مَّعْلُومَٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلْأَنْعَٰمِ ۖ فَكُلُوا۟ مِنْهَا وَأَطْعِمُوا۟ ٱلْبَآئِسَ ٱلْفَقِيرَ ثُمَّ لْيَقْضُوا۟ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا۟ نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا۟ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَٰتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُۥ عِندَ رَبِّهِۦ ۗ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلْأَنْعَٰمُ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ۖ فَٱجْتَنِبُوا۟ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلْأَوْثَٰنِ وَٱجْتَنِبُوا۟ قَوْلَ ٱلزُّورِ
335

الاستماع إلى سورة الحج

تفسير سورة الحج (تفسير الوسيط لطنطاوي: محمد سيد طنطاوي)

الترجمة الإنجليزية

Wahudoo ila alttayyibi mina alqawli wahudoo ila sirati alhameedi

وقوله- تعالى-: وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ بيان لحسن خاتمتهم، ولعظم النعم التي أنعم الله بها عليهم.أى: وهدى الله- تعالى- هؤلاء المؤمنين إلى القول الطيب الذي يرضى الله- تعالى- عنهم، كأن يقولوا عند دخولهم الجنة: ... الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ .وهداهم- أيضا- خالقهم إلى الصراط المحمود، وهو صراط الذين أنعم الله عليهم بنعمة الإيمان والإسلام، فصاروا بسبب هذه النعمة يقولون الأقوال الطيبة، ويفعلون الأفعال الحميدة.قال الشوكانى: قوله: وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ ... أى: أرشدوا إليه. قيل:هو لا إله إلا الله. وقيل: القرآن. وقيل: هو ما يأتيهم من الله من بشارات. وقد ورد في القرآن ما يدل على هذا القول المجمل هنا، وهو قوله- سبحانه-: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ.. الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا ... الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ...ومعنى: وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ أنهم أرشدوا إلى الصراط المحمود وهو طريق الجنة، أو صراط الله الذي هو دينه القويم وهو الإسلام .وبعد هذا الحديث المؤثر عن الخصمين وعن عاقبة كل منهما.. جاء الحديث عن المسجد الحرام، وعن مكانته، وعن الأمر ببنائه، وعن وجوب الحج إليه، وعن المنافع التي تعود على الحجاج، وعن سوء مصير من يصد الناس عن هذا المسجد، جاء قوله- تعالى-:

الترجمة الإنجليزية

Inna allatheena kafaroo wayasuddoona AAan sabeeli Allahi waalmasjidi alharami allathee jaAAalnahu lilnnasi sawaan alAAakifu feehi waalbadi waman yurid feehi biilhadin bithulmin nuthiqhu min AAathabin aleemin

قال الإمام الرازي: اعلم أنه- تعالى- بعد أن فصل بين الكفار والمؤمنين ذكر عظم حرمة البيت، وعظم كفر هؤلاء الكافرين فقال: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ.قال ابن عباس: الآية نزلت في أبى سفيان بن حرب وأصحابه حين صدوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عام الحديبية عن المسجد الحرام، عن أن يحجوا ويعتمروا، وينحروا الهدى. فكره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قتالهم، وكان محرما بعمرة، ثم صالحوه على أن يعود في العام القادم..وصح عطف المضارع وهو «يصدون» على الماضي وهو «كفروا» لأن المضارع هنا لم يقصد به زمن معين من حال أو استقبال، وإنما المراد به مجرد الاستمرار، كما في قولهم: فلان يحسن إلى الفقراء، فإن المراد به استمرار وجود إحسانه.ويجوز أن يكون قوله وَيَصُدُّونَ ... خبرا لمبتدأ محذوف، أى: وهم يصدون عن المسجد الحرام. وخبر إن في قوله- سبحانه-: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ... محذوف لدلالة آخر الآية عليه.والمعنى: إن الذين أصروا على كفرهم بما أنزله الله- تعالى- على نبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم، واستمروا على منع أهل الحق من أداء شعائر دين الله- تعالى-، ومن زيارة المسجد الحرام..هؤلاء الكافرون سوف نذيقهم عذابا أليما.ويصح أن يكون الخبر محذوفا للتهويل والإرهاب. وكأن وصفهم بالكفر والصد كاف في معرفة مصيرهم المهين.قال القرطبي: قوله- تعالى-: وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ قيل إنه المسجد نفسه وهو ظاهر القرآن، لأنه لم يذكر غيره، وقيل الحرم كله، لأن المشركين صدوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه عنه عام الحديبية، فنزل خارجا عنه ... وهذا صحيح لكنه قصد هنا بالذكر المهم المقصود من ذلك.وقوله- سبحانه-: الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ.. تشريف لهذا المكان حيث جعل الله- تعالى- الناس تحت سقفه سواء، وتشنيع على الكافرين الذين صدوا المؤمنين عنه.ولفظ «سواء» قرأه جمهور القراء بالرفع على أنه خبر مقدم، والعاكف: مبتدأ، والباد معطوفة عليه أى: العاكف والباد سواء فيه. أى مستويان فيه.وقرأه حفص عن عاصم بالنصب على أنه المفعول الثاني لقوله «جعلناه» بمعنى صيرناه.أى: جعلناه مستويا فيه العاكف والباد. ويصح أن يكون حالا من الهاء في جَعَلْناهُ أى:وضعناه للناس حال كونه سواء العاكف فيه والباد.والمراد: بالعاكف فيه: المقيم فيه. يقال: عكف فلان على الشيء، إذا لازمه ولم يفارقه.والباد: الطارئ عليه من مكان آخر. وأصله من يكون من أهل البوادي الذين يسكنون المضارب والخيام، ويتنقلون من مكان إلى آخر.أى: جعلناه للناس على العموم، يصلون فيه، ويطوفون به، ويحترمونه ويستوي تحت سقفه من كان مقيما في جواره، وملازما للتردد عليه، ومن كان زائرا له وطارئا عليه من أهل البوادي أو من أهل البلاد الأخرى سوى مكة.فهذا المسجد الحرام يتساوى فيه عباد الله، فلا يملكه أحد منهم، ولا يمتاز فيه أحد منهم، بل الكل فوق أرضه وتحت سقفه سواء.وقوله- تعالى-: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ تهديد لكل من يحاول ارتكاب شيء نهى الله عنه في هذا المسجد الحرام.والإلحاد الميل. يقال: ألحد فلان في دين الله، أى: مال وحاد عنه.و «من» شرطية وجوابها «نذقه» ومفعول «يرد» محذوف لقصد التعميم. أى: ومن يرد فيه مرادا بإلحاد، ويصح أن يكون المفعول قوله بِإِلْحادٍ على أن الباء زائدة.أى: ومن يرد في هذا المسجد الحرام إلحادا، أى: ميلا وحيدة عن أحكام الشريعة وآدابها بسبب ظلمه وخروجه عن طاعتنا، نذقه من عذاب أليم لا يقادر قدره، ولا يكتنه كنهه.وقد جاء هذا التهديد في أقصى درجاته لأن القرآن توعد بالعذاب الأليم كل من ينوى ويريد الميل فيه عن دين الله، وإذا كان الأمر كذلك، فمن ينوى ويفعل يكون عقابه أشد، ومصيره أقبح.ويدخل تحت هذا التهديد كل ميل عن الحق إلى الباطل، أو عن الخير إلى الشر كالاحتقار، والغش.ولذا قال ابن جرير بعد أن ساق الأقوال في ذلك: وأولى الأقوال التي ذكرناها في تأويل ذلك بالصواب: القول الذي ذكرناه من أن المراد بالظلم في هذا الموضع، كل معصية لله، وذلك لأن الله عم بقوله: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ ولم يخصص به ظلما دون ظلم في خبر ولا عقل، فهو على عمومه، فإذا كان ذلك كذلك فتأويل الكلام: ومن يرد في المسجد الحرام بأن يميل بظلم فيعصى الله فيه، نذقه يوم القيامة من عذاب موجع له.

الترجمة الإنجليزية

Waith bawwana liibraheema makana albayti an la tushrik bee shayan watahhir baytiya lilttaifeena waalqaimeena waalrrukkaAAi alssujoodi

ثم تحدثت السورة بعد ذلك عن بناء البيت وتطهيره فقال- تعالى-: وَإِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً....وبوأنا من التبوؤ بمعنى النزول في المكان. يقال: بوأته منزلا أى: أنزلته فيه، وهيأته له، ومكنته منه.والمعنى: واذكر أيها العاقل لتعتبر وتتعظ وقت أن هيأنا لنبينا إبراهيم مكان بيتنا الحرام، وأرشدناه إليه، لكي يبنيه بأمرنا، ليكون مثابة للناس وأمنا.قال بعض العلماء: والمفسرون يقولون بوأه له، وأراه إياه، بسبب ريح تسمى الخجوج، كنست ما فوق الأساس: حتى ظهر الأساس الأول الذي كان مندرسا، فبناه إبراهيم وإسماعيل عليه ... وأن محل البيت كان مربض غنم لرجل من جرهم.وغاية ما دل عليه القرآن: أن الله بوأ مكانه لإبراهيم، فهيأه له، وعرفه إياه ليبنيه في محله، وذهبت جماعة من أهل العلم إلى أن أول من بناه إبراهيم ولم يبن قبله.وظاهر قوله- تعالى- على لسان إبراهيم: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ... يدل على أنه كان مبنيا واندرس كما يدل عليه- أيضا- قوله هنا مَكانَ الْبَيْتِ لأنه يدل على أن له مكانا سابقا كان معروفا.و «أن» في قوله- تعالى-: أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً مفسرة، والتفسير- كما يقول الآلوسى- باعتبار أن التبوئة من أجل العبادة، فكأنه قيل: أمرنا إبراهيم بالعبادة، وذلك فيه معنى القول دون حروفه، أو لأن بوأناه بمعنى قلنا له تبوأ.والمعنى: واذكر- أيها المخاطب- وقت أن هيأنا لإبراهيم- عليه السلام- مكان بيتنا الحرام، وأوصيناه بعدم الإشراك بنا، وبإخلاص العبادة لنا، كما أوصيناه- أيضا- بأن يطهر هذا البيت من الأرجاس الحسية والمعنوية الشاملة للكفر والبدع والضلالات والنجاسات، وأن يجعله مهيأ للطائفين به، وللقائمين فيه لأداء فريضة الصلاة.قال الشوكانى: والمراد بالقائمين في قوله: وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ المصلون..وذكر الرُّكَّعِ السُّجُودِ بعده، لبيان أركان الصلاة دلالة على عظم شأن هذه العبادة، وقرن الطواف بالصلاة، لأنهما لا يشرعان إلا في البيت، فالطواف عنده والصلاة إليه.وقد أخذ العلماء من هذه الآية الكريمة، أنه لا يجوز أن يترك عند بيت الله الحرام، قذر من الأقذار ولا نجس من الأنجاس المعنوية ولا الحسية، فلا يترك فيه أحد يرتكب مالا يرضى الله، ولا أحد يلوثه بقذر من النجاسات.

الترجمة الإنجليزية

Waaththin fee alnnasi bialhajji yatooka rijalan waAAala kulli damirin yateena min kulli fajjin AAameeqin

ثم ذكر- سبحانه- ما أمر به نبيه إبراهيم بعد أن بوأه مكان البيت فقال: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ، يَأْتُوكَ رِجالًا. وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ.والآذان: الإعلام. و «رجالا» أى: مشاة على أرجلهم، جمع راجل.يقال: رجل بزنة فرح فلان يرجل فهو راجل إذا لم يكن معه ما يركبه.والضامر: البعير المهزول من طول السفر، وهو اسم فاعل من ضمر- بزنة قعد- يضمر ضمورا فهو ضامر، إذا أصابه الهزال والتعب.وجملة «يأتين من كل فج عميق» صفة لقوله «كل» ، والجمع باعتبار المعنى. كأنه قيل:وركبانا على ضوامر من كل طريق بعيد..والفج في الأصل: الفجوة بين جبلين، ويستعمل في الطريق المتسع. والمراد به هنا: مطلق الطريق وجمعه فجاج.والعميق: البعيد، مأخوذ من العمق بمعنى البعد، ومنه قولهم: بئر عميقة، أى: بعيدة الغور.والمعنى: وأعلم يا إبراهيم الناس بفريضة الحج يأتوك مسرعين مشاة على أقدامهم، ويأتوك راكبين على دوابهم المهزولة، من كل مكان بعيد.قال ابن كثير: أى: ناد- يا إبراهيم- في الناس داعيا إياهم إلى الحج الى هذا البيت الذي أمرناك ببنائه، فذكر أنه قال: يا رب، وكيف أبلغ الناس وصوتي لا يصل إليهم؟فقيل: ناد وعلينا البلاغ، فقام على مقامه، وقيل: على الحجر، وقيل: على الصفا، وقيل:على أبى قبيس، وقال: يا أيها الناس، إن ربكم قد اتخذ بيتا فحجوه فيقال: إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأجابه كل شيء سمعه من حجر ومدر وشجر، ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة: «لبيك اللهم لبيك».وقيل: إن الخطاب في قوله- تعالى-: وَأَذِّنْ ... للرسول صلّى الله عليه وسلّم وأن الكلام عن إبراهيم- عليه السلام- قد انتهى عند قوله- تعالى-: وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ.وجمهور المفسرين على أن الخطاب لإبراهيم- عليه السلام- لأن سياق الآيات يدل عليه، ولأن التوافد على هذا البيت موجود منذ عهد إبراهيم.وما يزال وعد الله يتحقق منذ هذا العهد الى اليوم وإلى الغد، وما تزال أفئدة ملايين الناس تهوى إليه، وقلوبهم تنشرح لرؤيته، وتسعد بالطواف من حوله ...

الترجمة الإنجليزية

Liyashhadoo manafiAAa lahum wayathkuroo isma Allahi fee ayyamin maAAloomatin AAala ma razaqahum min baheemati alanAAami fakuloo minha waatAAimoo albaisa alfaqeera

وقوله- سبحانه-: لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ متعلق بقوله: يَأْتُوكَ.أى: يأتيك الناس راجلين وراكبين من كل مكان بعيد، ليشهدوا وليحصلوا منافع عظيمة لهم في دينهم وفي دنياهم.ومن مظاهر منافعهم الدينية: غفران ذنوبهم، وإجابة دعائهم، ورضا الله- تعالى- عنهم.ومن مظاهر منافعهم الدنيوية: اجتماعهم في هذا المكان الطاهر، وتعارفهم وتعاونهم على البر والتقوى، وتبادلهم المنافع فيما بينهم عن طريق البيع والشراء وغير ذلك من أنواع المعاملات التي أحلها الله- تعالى-.وجاء لفظ «منافع» بصيغة التنكير، للتعميم والتعظيم والتكثير. أى: منافع عظيمة وشاملة لأمور الدين والدنيا، وليس في الإمكان تحديدها لكثرتها، وقوله وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ معطوف على قوله لِيَشْهَدُوا.والمراد بالأيام المعلومات: الأيام العشر الأولى من شهر ذي الحجة، أو هي أيام النحر، أو يوم العيد وأيام التشريق.والمراد ببهيمة الأنعام: الإبل والبقر والغنم.أى: ليشهدوا منافع لهم، وليكثروا من ذكر الله ومن طاعته في تلك الأيام المباركة.وليشكروه على ما رزقهم من بهيمة الأنعام التي يتقربون إليه- سبحانه- عن طريق ذبحها وإراقة دمائها، واستجابة لأمره- عز وجل-.وقوله- سبحانه-: فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ إرشاد منه- تعالى- إلى كيفية التصرف فيها بعد ذبحها.أى: فكلوا من هذه البهيمة بعد ذبحها، وأطعموا منها الإنسان البائس، أى: الذي أصابه بؤس ومكروه بجانب فقره واحتياجه.قال الآلوسى: والأمر في قوله فَكُلُوا مِنْها ... للإباحة بناء على أن الأكل كان منهيا عنه شرعا، وقد قالوا: إن الأمر بعد المنع يقتضى الإباحة ويدل على سبق النهى قوله صلّى الله عليه وسلّم: «كنت نهيتكم عن أكل لحوم الأضاحى فكلوا منها وادخروا» .وقيل: لأن أهل الجاهلية كانوا يتحرجون فيه، أو للندب على مواساة الفقراء ومساواتهم في الأكل منها

الترجمة الإنجليزية

Thumma lyaqdoo tafathahum walyoofoo nuthoorahum walyattawwafoo bialbayti alAAateeqi

ثم بين- سبحانه- ما يفعلونه بعد حلهم وخروجهم من الإحرام فقال: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ، وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ.والمراد بالقضاء هنا: الإزالة، وأصله القطع والفصل، فأريد به الإزالة على سبيل المجاز.والتفث: الوسخ والقذر، كطول الشعر والأظفار يقال: تفث فلان- كفرح- يتفث تفثا فهو تفث، إذا ترك الاغتسال والتطيب والتنظيف فأصابته الأوساخ.والمراد بالطواف هنا: طواف الإفاضة، الذي هو أحد أركان الحج، وبه يتم التحلل.والعتيق: القديم حيث إنه أول بيت وضع لعبادة الله في الأرض، وقيل سمى بالعتيق لأن الله- تعالى- أعتقه من أن يتسلط عليه جبار فيهدمه أو يخربه.والمعنى: ثم بعد حلهم وبعد الإتيان بما عليهم من مناسك. فليزيلوا عنهم أدرانهم وأوساخهم، وليوفوا نذورهم التي نذروها لله- تعالى- في حجهم، وليطوفوا طواف الإفاضة، بهذا البيت القديم الذي جعله الله- تعالى- أول بيت لعبادته، وصانه من اعتداء كل جبار أثيم.وبذلك نرى الآيات الكريمة قد توعدت كل من يصد الناس عن هذا البيت بأشد ألوان الوعيد، وبينت أن الناس فيه سواء، وتحدثت عن جانب من فضله- سبحانه- على نبيه إبراهيم- عليه السلام- حيث أرشده إلى مكان هذا البناء، وشرفه بتهيئته ليكون أول مكان لعبادته- تعالى-، وأمره بأن ينادى في الناس بالحج إليه، ليشهدوا منافع عظيمة لهم.ثم انتقلت السورة الكريمة بعد ذلك الى الحديث عن الذين يعظمون حرمات الله، وعما أحله الله لعباده من الأنعام، وعن سوء عاقبة من يشرك بالله، فقال- تعالى-:

الترجمة الإنجليزية

Thalika waman yuAAaththim hurumati Allahi fahuwa khayrun lahu AAinda rabbihi waohillat lakumu alanAAamu illa ma yutla AAalaykum faijtaniboo alrrijsa mina alawthani waijtaniboo qawla alzzoori

واسم الإشارة ذلِكَ في قوله: ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ ... يؤتى به في مثل هذا التركيب للفصل بين كلامين، والمشهور في مثل هذا التركيب الإتيان بلفظ «هذا» كما في قوله- تعالى-: هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ .وجيء هنا بلفظ ذلك للإشعار بتعظيم شأن المتحدث عنه، وعلو منزلته، وهو يعود إلى المذكور من تهيئة مكان البيت لإبراهيم، وأمره بتطهيره ... إلخ.قال صاحب الكشاف: قوله ذلِكَ خبر مبتدأ محذوف أى: الأمر والشأن ذلك، كما يقدم الكاتب جملة من كتابه في بعض المعاني، ثم إذا أراد الخوض في معنى آخر قال: هذا، وقد كان كذا .والحرمات: جمع حرمة. والحرمة كل ما أمر الله- تعالى- باحترامه، ونهى عن قوله أو فعله، ويدخل في ذلك دخولا أوليا ما يتعلق بمناسك الحج كتحريم الرفث والفسوق والجدال والصيد، وتعظيم هذه الحرمات يكون بالعلم بوجوب مراعاتها، وبالعمل بمقتضى هذا العلم.والمعنى: ذلك الذي ذكرناه لكم عن البيت الحرام وعن مناسك الحج، هو جانب من أحكام الله- تعالى- في هذا الشأن فاتبعوها، والحال أن من يعظم حرمات الله- تعالى- بأن يترك ملابستها واقترافها، فهو أى: هذا التعظيم، خير له عند ربه. إذ بسبب هذا التعظيم لتلك الحرمات ينال رضا ربه وثوابه.وقد جاء النهى في هذه الجملة عن فعل هذه الحرمات بأبلغ أسلوب حيث عبر عن اجتنابها بالتعظيم وبأفعل التفضيل وهو لفظ «خير» وبإضافتها إلى ذاته.فكأنه- سبحانه- يقول: إذا كان ترك هذا التعظيم لحرمات الله يؤدى إلى حصولكم على شيء من المتاع الدنيوي الزائل، فإن الاستمساك بهذا التعظيم أفضل من ذلك بكثير عند ربكم وخالقكم، فكونوا عقلاء ولا تستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير.ثم بين- سبحانه- بعض الأحكام التي تتعلق بالأنعام وهي الإبل والبقر والغنم فقال:وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ.أى: وأحل الله- تعالى- لكم فضلا منه ورحمة ذبح الأنعام وأكلها إلا ما يتلى عليكم تحريم ذبحه وأكله فاجتنبوه.وهذا الإجمال هنا، قد جاء ما فصله قبل ذلك في سورة الأنعام في قوله- تعالى-: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ.قال بعض العلماء: ثم إنه ليس المقصود بما يتلى، ما ينزل في المستقبل، كما يعطيه ظاهر الفعل المضارع، بل المراد ما سبق نزوله مما يدل على حرمة الميتة وما أهل لغير الله به. أو ما يدل على حرمة الصيد في الحرم أو حالة الإحرام.وعلى هذا يكون السر في التعبير بالمضارع، التنبيه إلى أن ذلك المتلو ينبغي استحضاره والالتفات إليه.. والجملة معترضة لدفع ما عساه يقع في الوهم من أن تعظيم حرمات الله في الحج قد يقضى باجتناب الأنعام، كما قضى باجتناب الصيد .ثم أمرهم- سبحانه- باجتناب ما يغضبه، وحضهم على الثبات على الدين الحق فقال- تعالى-: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ. حُنَفاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ والفاء في قوله: فَاجْتَنِبُوا هي الفصيحة. والرجس: الشيء المستقذر الذي تعافه النفوس. ومَنْ في قوله مِنَ الْأَوْثانِ بيانية، والأوثان: الأصنام. يدخل في حكمها ومعناها عبادة كل معبود من دون الله- تعالى- كائنا من كان.وسماها- سبحانه- رجسا، زيادة في تقبيحها وفي التنفير منها.والزور: الكذب والباطل وكل قول مائل عن الحق فهو زور، لأن أصل المادة التي هي الزور من الازورار بمعنى الميل والاعوجاج، ومنه قوله- تعالى-: وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَتَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ أى: تميل.وقوله حُنَفاءَ جمع حنيف وهو المائل عن الأديان الباطلة الى الدين الحق.والمعنى: مادام الأمر كما ذكرت لكم، فاجتنبوا- أيها الناس عبادة الأوثان أو تعظيمها، واجتنبوا- أيضا- القول المائل عن الحق، وليكن شأنكم وحالكم الثبات على الدين الحق، وعلى إخلاص العبادة لله- تعالى- الذي خلقكم، وخلق كل شيء.وهذه الجملة الكريمة مؤكدة لما سبق من وجوب تعظيم حرمات الله، ومن وجوب التمسك بما أحله الله والبعد عما حرمه.قال الآلوسى: قوله- تعالى-: وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ تعميم بعد تخصيص، فإن عبادة الأوثان رأس الزور، لما فيها من ادعاء الاستحقاق، كأنه- تعالى- لما حث على تعظيم الحرمات، أتبع ذلك بما فيه رد لما كانت الكفرة عليه من تحريم البحائر والسوائب ونحوهما، والافتراء على الله- تعالى- بأنه حكم بذلك. ولم يعطف قول الزور على الرجس، بل أعاد العامل لمزيد الاعتناء. والإضافة بيانية.. .
335