سورة الأنبياء (21): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة الأنبياء بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة الأنبياء مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة الأنبياء

سُورَةُ الأَنبِيَاءِ
الصفحة 328 (آيات من 73 إلى 81)

وَجَعَلْنَٰهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ ٱلْخَيْرَٰتِ وَإِقَامَ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءَ ٱلزَّكَوٰةِ ۖ وَكَانُوا۟ لَنَا عَٰبِدِينَ وَلُوطًا ءَاتَيْنَٰهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَٰهُ مِنَ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِى كَانَت تَّعْمَلُ ٱلْخَبَٰٓئِثَ ۗ إِنَّهُمْ كَانُوا۟ قَوْمَ سَوْءٍ فَٰسِقِينَ وَأَدْخَلْنَٰهُ فِى رَحْمَتِنَآ ۖ إِنَّهُۥ مِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ وَنُوحًا إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ فَٱسْتَجَبْنَا لَهُۥ فَنَجَّيْنَٰهُ وَأَهْلَهُۥ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ وَنَصَرْنَٰهُ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُوا۟ بِـَٔايَٰتِنَآ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا۟ قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَٰهُمْ أَجْمَعِينَ وَدَاوُۥدَ وَسُلَيْمَٰنَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِى ٱلْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ٱلْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَٰهِدِينَ فَفَهَّمْنَٰهَا سُلَيْمَٰنَ ۚ وَكُلًّا ءَاتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُۥدَ ٱلْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَٱلطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَٰعِلِينَ وَعَلَّمْنَٰهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّنۢ بَأْسِكُمْ ۖ فَهَلْ أَنتُمْ شَٰكِرُونَ وَلِسُلَيْمَٰنَ ٱلرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِى بِأَمْرِهِۦٓ إِلَى ٱلْأَرْضِ ٱلَّتِى بَٰرَكْنَا فِيهَا ۚ وَكُنَّا بِكُلِّ شَىْءٍ عَٰلِمِينَ
328

الاستماع إلى سورة الأنبياء

تفسير سورة الأنبياء (تفسير الوسيط لطنطاوي: محمد سيد طنطاوي)

الترجمة الإنجليزية

WajaAAalnahum aimmatan yahdoona biamrina waawhayna ilayhim fiAAla alkhayrati waiqama alssalati waeetaa alzzakati wakanoo lana AAabideena

وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا أى: وجعلنا هؤلاء المذكورين، أئمة في الخير، يهدون ويرشدون غيرهم إلى الدين الحق بسبب أمرنا لهم بذلك، وتكليفهم بتبليغ وحينا إلى الناس.قال صاحب الكشاف: قوله- سبحانه-: يَهْدُونَ بِأَمْرِنا فيه أن من صلح ليكون قدوة في دين الله، فالهداية محتومة عليه، مأمور بها من جهة الله ليس له أن يخل بها، ويتثاقل عنها، وأول ذلك أن يهتدى بنفسه، لأن الانتفاع بهداه أعم، والنفوس إلى الاقتداء بالمهدى أميل» .وقوله: وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ أى: وأوحينا إليهم أن يفعلوا الطاعات، وأن يأمروا الناس بفعلها، وأوحينا إليهم كذلك إِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ أى: أن يقيموا الصلاة وأن يؤدوا الزكاة وأن يأمروا غيرهم بذلك.وعطف إقام الصلاة وإيتاء الزكاة على فعل الخيرات من باب عطف الخاص على العام.للاهتمام به إذ الصلاة أفضل العبادات البدنية والزكاة أفضل العبادات المالية وَكانُوا لَنا عابِدِينَ لا لغيرنا، فهم لم يخطر ببالهم عبادة أحد سوانا، لأنهم من المصطفين الأخيار.هذا، والمتأمل في هذه الآيات الكريمة التي وردت في قصة إبراهيم مع قومه. يراها قد حكت لنا غيرة إبراهيم- عليه السلام- على دين الله- تعالى- وقوة حجته في الدفاع عن الحق، ومجاهدته بما يعتقده بدون خوف من قومه، وجمعه في دعوته بين القول والعمل.كما يراها قد بينت لنا أن من يدافع عن دين الله- تعالى- يدافع الله- سبحانه- عنه، وينصره على أعدائه، ويرد كيدهم في نحورهم.كما يراها- أيضا- قد أشارت إلى أن من هاجر من أرض إلى أخرى من أجل إعلاء كلمة الله- تعالى- رزقه الله نظير ذلك الخير والبركة، والذرية الصالحة التي تهدى غيرها إلى الطريق المستقيم.ثم ساق- سبحانه- جانبا من قصة لوط- عليه السلام- مع قومه فقال- تعالى-:

الترجمة الإنجليزية

Walootan ataynahu hukman waAAilman wanajjaynahu mina alqaryati allatee kanat taAAmalu alkhabaitha innahum kanoo qawma sawin fasiqeena

وقوله- تعالى-: وَلُوطاً منصوب بفعل مضمر يفسره المذكور بعده وهو آتَيْناهُ.أى: وآتيناه لوطا- عليه السلام- حُكْماً أى: نبوة، أو حكمة تهديه إلى ما يجب فعله أو تركه و «علما» أى: علما كثيرا لما ينبغي علمه وفهمه.وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ والمراد بالقرية: قرية سدوم التي أرسل الله- تعالى- لوطا لأهلها.والأعمال الخبيثة التي كانوا يعملونها على رأسها الإشراك بالله- تعالى- وفاحشة اللواط التي اشتهروا بها دون أن يسبقهم إليها أحد. كما قال- تعالى-: وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ، وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ، فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ.. .أى: ونجينا لوطا بفضلنا ورحمتنا من العذاب الذي حل بأهل قريته الذين كانوا يعملون الأعمال الخبائث، كالشرك بالله- تعالى- واللواط، وقطعهم الطريق، وارتكابهم المنكر في مجالسهم.وقوله- تعالى-: إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ تعليل لنجاة لوط- عليه السلام- مما حل بهم.أى: جعلنا هذه القرية عاليها سافلها، ونجينا لوطا ومن آمن معه من العذاب الذي حل بسكانها إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ أى: أصحاب عمل سيئ فاسِقِينَ أى: خارجين عن طاعتنا.

الترجمة الإنجليزية

Waadkhalnahu fee rahmatina innahu mina alssaliheena

وَأَدْخَلْناهُ أى: لوطا فِي رَحْمَتِنا أى: في أهل رحمتنا في الدنيا والآخرة إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ الذين سبقت لهم منا الحسنى.ثم ذكرت السورة الكريمة جانبا من قصة نوح مع قومه. قال- تعالى-.

الترجمة الإنجليزية

Wanoohan ith nada min qablu faistajabna lahu fanajjaynahu waahlahu mina alkarbi alAAatheemi

أى: واذكر- أيضا- أيها المخاطب عبدنا «نوحا» - عليه السلام- إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ أى: حين نادانا واستجار بنا من قبل زمان إبراهيم ومن جاء بعده من الأنبياء.وهذا النداء الذي نادى به نوح ربه، قد جاء ذكره في آيات منها قوله- تعالى-:وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ .وقوله- سبحانه-: وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً .فَاسْتَجَبْنا لَهُ أى: أجبنا له دعاءه، ولم نخيب له رجاء فينا.فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ الذين آمنوا به وصدقوه مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ أى: من الطوفان العظيم الذي أغرق الكافرين، والذي كانت أمواجه كالجبال.وأصل الكرب: الغم الشديد. يقال: فلان كربه هذا الأمر، إذا ضايقه وجعله في أقصى درجات الهم والخوف.قال الآلوسى: «وكأنه على ما قيل من كرب الأرض، وهو قلبها بالحفر. إذ الغم يثير النفس إثارة ذلك، أو من كربت الشمس إذا دنت للمغيب، فإن الغم الشديد، تكاد شمس الروح تغرب منه.. وفي وصفه بالعظيم تأكيد لشدته» .

الترجمة الإنجليزية

Wanasarnahu mina alqawmi allatheena kaththaboo biayatina innahum kanoo qawma sawin faaghraqnahum ajmaAAeena

وَنَصَرْناهُ بفضلنا وإحساننا مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا الدالة على وحدانيتنا وقدرتنا. وعلى أن نوحا رسولا من رسلنا.والمراد بهؤلاء القوم: قومه الذين لبث نوح فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما. يدعوهم إلى إخلاص العبادة لله. فلم يؤمن به إلا قليل منهم.إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ أى: إنهم كانوا قوما يعملون أعمال السوء والقبح فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ بسبب إصرارهم على الكفر والعصيان، ولم ننج منهم إلا من اتبع نوحا عليه السلام.ثم ساق- سبحانه- بعد ذلك جانبا من قصة نبيين كريمين هما داود وسليمان فقال- تعالى-:

الترجمة الإنجليزية

Wadawooda wasulaymana ith yahkumani fee alharthi ith nafashat feehi ghanamu alqawmi wakunna lihukmihim shahideena

وقوله- سبحانه-: وَداوُدَ منصوب- أيضا- بفعل مقدر، أو معطوف على قوله سبحانه- قبل ذلك: وَنُوحاً إِذْ نادى.وسليمان هو ابن داود، وكلاهما من أنبياء الله- سبحانه-، وينتهى نسبهما إلى يعقوب- عليه السلام- وكانت وفاتهما قبل ميلاد المسيح- عليه السلام- بألف سنة تقريبا، وقد جمع الله- تعالى- لهما بين الملك والنبوة.والحرث: الزرع. قيل: كان كرما- أى عنبا- تدلت عناقيده.وقوله: نَفَشَتْ من النفش وهو الرعي بالليل خاصة. يقال: نفشت الغنم والإبل، إذا رعت ليلا بدون راع.وقد ذكر المفسرون عند تفسيرهم لهذه الآيات روايات ملخصها: أن رجلين دخلا على داود- عليه السلام- أحدهما صاحب زرع، والآخر صاحب غنم، فقال صاحب الزرع لداود:يا نبي الله، إن غنم هذا قد نفشت في حرثى فلم تبق منه شيئا، فحكم داود- عليه السلام- لصاحب الزرع أن يأخذ غنم خصمه في مقابل إتلافها لزرعه.وعند خروجهما التقيا بسليمان- عليه السلام- فأخبراه بحكم أبيه. فدخل سليمان على أبيه فقال له: يا نبي الله، إن القضاء غير ما قضيت، فقال له: كيف؟ قال: ادفع الغنم إلى صاحب الزرع لينتفع بها، وادفع الزرع إلى صاحب الغنم ليقوم عليها حتى يعود كما كان. ثم يعيد كل منهما إلى صاحبه ما تحت يده، فيأخذ صاحب الزرع زرعه، وصاحب الغنم غنمه..فقال داود- عليه السلام- القضاء ما قضيت يا سليمان .والمعنى: اذكر- أيها الرسول الكريم- قصة داود وسليمان، وقت أن كانا يحكمان في الزرع الذي «نفشت فيه غنم القوم» أى: تفرقت فيه وانتشرت ليلا دون أن يكون معها راع فرعته وأفسدته.قال القرطبي: «ولم يرد- سبحانه- بقوله إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ: الاجتماع في الحكم وإن جمعهما في القول، فإن حكمين على حكم واحد لا يجوز وإنما حكم كل واحد منهما على انفراده، وكان سليمان الفاهم لها بتفهيم الله- تعالى- له .وقوله- تعالى-: وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ جملة معترضة جيء بها لبيان شمول علم الله- تعالى- وإحاطته بكل شيء.أى: وكنا لما حكم به كل واحد منهما عالمين وحاضرين، بحيث لا يغيب عنا شيء مما قالاه.وضمير الجمع في قوله لِحُكْمِهِمْ: لداود وسليمان، واستدل بذلك من قال إن أقل الجمع اثنان، وقيل: ضمير الجمع يعود عليهما وعلى صاحب الزرع وصاحب الحرث أى: وكنا للحكم الواقع بين الجميع شاهدين.

الترجمة الإنجليزية

Fafahhamnaha sulaymana wakullan atayna hukman waAAilman wasakhkharna maAAa dawooda aljibala yusabbihna waalttayra wakunna faAAileena

والضمير المنصوب في قوله- تعالى-: فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ يعود إلى القضية أو المسألة التي عرضها الخصمان على داود وسليمان.أى: ففهمنا سليمان الحكم الأنسب والأوفق في هذه المسألة أو القضية، وذلك لأن داود- كما يقول العلماء. قد اتجه في حكمه إلى مجرد التعويض لصاحب الحرث. وهذا عدل فحسب.أما حكم سليمان فقد تضمن مع العدل البناء والتعمير، وجعل العدل دافعا إلى البناء والتعمير، وهذا هو العدل الحي الإيجابى في صورته البانية الدافعة، وهو فتح من الله وإلهام يهبه من يشاء» .وقوله- سبحانه- وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً ثناء من الله- تعالى- على داود وسليمان- عليهما السلام- والمقصود من هذا الثناء دفع ما قد يتبادر إلى بعض الأذهان من أن داود لم يكن مصيبا في حكمه.أى: وكلا من داود وسليمان قد أعطيناه من عندنا حُكْماً أى: نبوة وإصابة في القول والعمل وَعِلْماً أى: فقها في الدين، وفهما سليما للأمور.وقد توسع بعض المفسرين في الحديث عن هذا الحكم الذي أصدره داود وسليمان في قضية الحرث أكان بوحي من الله إليهما، أم كان باجتهاد منهما، وقد رجح بعض العلماء أنه كان باجتهاد منهما فقال: اعلم أن جماعة من العلماء قالوا: إن حكم داود وسليمان في الحرث المذكور في هذه الآية كان بوحي، إلا أن ما أوحى إلى سليمان كان ناسخا لما أوحى إلى داود.وفي الآية قرينتان على أن حكمهما كان باجتهاد لا بوحي، وأن سليمان أصاب فاستحق الثناء باجتهاده وإصابته، وأن داود لم يصب فاستحق الثناء باجتهاده، ولم يستوجب لوما ولا ذما لعدم إصابته.كما أثنى- سبحانه- على سليمان بالإصابة في قوله فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وأثنى عليهما في قوله: وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً.فدل قوله إِذْ يَحْكُمانِ على أنهما حكما فيها معا، كل منهما بحكم مخالف لحكم الآخر، ولو كان وحيا لما ساغ الخلاف. ثم قال: فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ فدل ذلك على أنه لم يفهمها داود، ولو كان حكمه فيها بوحي لكان مفهما إياها كما ترى.فقوله: إِذْ يَحْكُمانِ مع قوله فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ قرينة على أن الحكم لم يكن بوحي بل باجتهاد، وأصاب فيه سليمان دون داود بتفهيم الله إياه ذلك.والقرينة الثانية: هي أن قوله- تعالى- فَفَهَّمْناها يدل على أنه فهمه إياها من نصوص ما كان عندهم من الشرع، لا أنه- تعالى- أنزل عليه فيها وحيا جديدا ناسخا، لأن قوله- تعالى-: فَفَهَّمْناها أليق بالأول من الثاني كما ترى.. .ثم بين- سبحانه- نماذج من النعم التي أنعم بها على داود- عليه السلام- فقال:وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ.والتسخير: التذليل أى: وجعلنا الجبال والطير يسبحن الله- تعالى- ويقدسنه مع داود، امتثالا لأمره- سبحانه-.قال ابن كثير: وذلك لطيب صوته، بتلاوة كتابه الزبور، وكان إذا ترنم به تقف الطير في الهواء فتجاوبه، وترد عليه الجبال تأويبا. ولهذا لما مر النبي صلّى الله عليه وسلّم على أبى موسى الأشعرى، وهو يتلو القرآن من الليل، وكان له صوت طيب، فوقف واستمع إليه وقال:«لقد أوتى هذا من مزامير آل داود» .وقال صاحب الكشاف: «فإن قلت: لم قدمت الجبال على الطير؟ قلت: لأن تسخيرها وتسبيحها أعجب، وأدل على القدرة، وأدخل في الإعجاز، لأنها جماد، والطير حيوان، إلا أنه غير ناطق، روى أنه كان يمر بالجبال مسبحا وهي تجاوبه، وقيل: كانت تسير معه حيث سار. .وتسبيح الجبال والطير مع داود- عليه السلام- هو تسبيح حقيقى، ولكن بكيفية يعلمها الله- تعالى- كما قال- سبحانه- تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ.. .وشبيه بالآية التي معنا قوله- تعالى-: وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ .وقوله- سبحانه-: اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ .ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: وَكُنَّا فاعِلِينَ أى: وكنا فاعلين ذلك لداود من تسخير الجبال والطير معه يسبحن الله وينزهنه عن كل سوء، على سبيل التكريم له.والتأييد لنبوته، إذ أن قدرتنا لا يعجزها شيء، سواء أكان هذا الشيء مألوفا للناس أم غير مألوف.

الترجمة الإنجليزية

WaAAallamnahu sanAAata laboosin lakum lituhsinakum min basikum fahal antum shakiroona

وقوله- تعالى-: وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ بيان لنعمة أخرى من النعم التي أنعم الله بها على داود.واللبوس: كل ما يلبس كاللباس والملبس: والمراد به هنا: الدروع.أى: وبجانب ما منحنا داود من فضائل، فقد علمناه من لدنا صناعة الدروع بحذق وإتقان، وهذه الصناعة التي علمناه إياها بمهارة وجودة لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ.أى: لتجعلكم في حرز ومأمن من الإصابة بآلة الحرب. وتقى بعضكم من بأس بعض، لأن الدرع تقى صاحبها من ضربات السيوف، وطعنات الرماح.يقال: أحصن فلان فلانا، إذا جعله في حرز وفي مكان منيع من العدوان عليه.والاستفهام في قوله: فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ للحض والأمر أى: فاشكروا الله- تعالى- على هذه النعم، بأن تستعملوها في طاعته- سبحانه-.قال القرطبي- رحمه الله-: «وهذه الآية أصل في اتخاذ الصنائع والأسباب، وهو قول أهل العقول والألباب. لا قول الجهلة الأغبياء القائلين بأن ذلك إنما شرع للضعفاء، فالسبب سنة الله في خلقه، فمن طعن في ذلك فقط طعن في الكتاب والسنة، وقد أخبر الله- تعالى- عن نبيه داود أنه كان يصنع الدروع، وكان- أيضا- يصنع الخوص، وكان يأكل من عمل يده، وكان آدم حراثا، ونوح نجارا، ولقمان خياطا، وطالوت دباغا، فالصنعة يكف بها الإنسان نفسه عن الناس، ويدفع بها عن نفسه الضرر والبأس، وفي الحديث: «إن الله يحب المؤمن المحترف المتعفف، ويبغض السائل الملحف» .

الترجمة الإنجليزية

Walisulaymana alrreeha AAasifatan tajree biamrihi ila alardi allatee barakna feeha wakunna bikulli shayin AAalimeena

ثم بين- سبحانه- بعد ذلك جانبا من نعمه على سليمان بن داود فقال: وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها.وقوله: وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ معطوف على معمول «سخرنا» في قوله- تعالى- قبل ذلك: وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ و «عاصفة» حال من الريح.أى: وسخرنا لسليمان الريح حال كونها عاصفة أى: شديدة الهبوب، كما سخرنا مع أبيه الجبال يسبحن والطير.يقال: عصفت الريح تعصف إذا اشتدت، فهي عاصف وعاصفة وعصوف سميت بذلك لتحطيمها ما تمر عليه فتجعله كالعصف وهو التبن.وقوله- تعالى-: تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها أى: جعلناها مع قوتها وشدتها تجرى بأمر سليمان وإذنه إلى الأرض التي باركنا فيها وهي أرض الشام. وقيل: يحتمل أن يكون المراد بها ما هو أعم من أرض الشام.ووصفت الريح هنا بأنها عاصفة، وفي آية أخرى بأنها رخاء قال- تعالى-: تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ . لأنها تارة تكون عاصفة، وتارة تكون لينة رخاء. على حسب ما تقتضيه حكمته- سبحانه-.وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله: «فإن قلت: وصفت هذه الرياح بالعصف تارة وبالرخاوة أخرى، فما التوفيق بينهما؟.قلت: كانت في نفسها رخية طيبة كالنسيم، فإذا مرت بكرسيه أبعدت به في مدة يسيرة، على ما قال: «غدوها شهر ورواحها شهر» فكان جمعها بين الأمرين أن تكون رخاء في نفسها وعاصفة في عملها، مع طاعتها لسليمان على حسب ما يريد» .وقال- سبحانه- هنا: تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها أى تجرى بأمره إلى تلك الأرض في حال إيابه ورجوعه إليها، حيث مقر مملكته ومسكنه. فالمقصود من الآية الكريمة الإخبار عن جريانها في حال عودته إلى مملكته.أما الآية الأخرى التي تقول: فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ أى: حيث أراد لها أن تجرى، فالمقصود منها الإخبار عن جربها بإذنه في غير حال عودته إلى مملكته، وبذلك أمكن الجمع بين الآيتين، إذ الجهة فيهما منفكة.وقوله- تعالى-: وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ أى: وكنا بكل شيء يجرى في هذا الكون عالمين علما مطلقا لا كعلم غيرنا من خلقنا. فإنه علم محدود بما نشاؤه ونقدره.فالجملة الكريمة بيان لإحاطة علم الله- تعالى- بكل شيء، والتنبيه بأن ما أعطاه الله- تعالى- لسليمان، إنما كان بإرادته- سبحانه- وعلمه.
328