سورة الصافات (37): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

( ما لكم لا تناصرون ) أي : لا تتناصرون ، يقال لهم توبيخا : ما لكم لا ينصر بعضكم بعضا ، يقول لهم خزنة النار . هذا جواب لأبي جهل حين قال يوم بدر : " نحن جميع منتصر " ( القمر - 44 ) . (25)

فقال الله تعالى : ( بل هم اليوم مستسلمون ) قال ابن عباس : خاضعون . وقال الحسن : منقادون ، يقال : استسلم للشيء إذا انقاد له وخضع له ، والمعنى : هم اليوم أذلاء منقادون لا حيلة لهم . (26)

( وأقبل بعضهم على بعض ) أي : الرؤساء والأتباع ) ( يتساءلون ) يتخاصمون . (27)

( قالوا ) أي : الأتباع للرؤساء ، ( إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين ) أي : من قبل الدين فتضلوننا عنه وتروننا أن الدين ما تضلوننا به ، قاله الضحاك . وقال مجاهد : عن الصراط الحق ، واليمين عبارة عن الدين والحق ، كما أخبر الله - تعالى - عن إبليس : " ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم " ( الأعراف - 17 ) فمن أتاه الشيطان من قبل اليمين أتاه من قبل الدين فلبس عليه الحق .وقال بعضهم : كان الرؤساء يحلفون لهم أن ما يدعونهم إليه هو الحق ، فمعنى قوله : " تأتوننا عن اليمين " أي : من ناحية الأيمان التي كنتم تحلفونها فوثقنا بها .وقيل : " عن اليمين " أي : عن القوة والقدرة ، كقوله : " لأخذنا منه باليمين " ( الحاقة - 45 ) ، والمفسرون على القول الأول . (28)

( قالوا ) يعني : الرؤساء للأتباع ، ( بل لم تكونوا مؤمنين ) لم تكونوا على الحق فنضلكم عنه ، أي : إنما الكفر من قبلكم . (29)

( وما كان لنا عليكم من سلطان ) من قوة وقدرة فنقهركم على متابعتنا ، ( بل كنتم قوما طاغين ) ضالين . (30)

( فحق ) وجب ، ) ( علينا ) جميعا ، ) ( قول ربنا ) يعني : كلمة العذاب ، وهي قوله : " لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين " ( السجدة - 13 ) ( إنا لذائقون ) العذاب ، أي أن الضال والمضل جميعا في النار . (31)

( فأغويناكم ) فأضللناكم عن الهدى ودعوناكم إلى ما كنا عليه ) ( إنا كنا غاوين ) ضالين . (32)

قال الله - عز وجل - : ( فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون ) الرؤساء والأتباع . (33)

" إنا كذلك نفعل بالمجرمين"، قال ابن عباس: الذين جعلوا لله شركاء. (34)

( إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ) يتكبرون عن كلمة التوحيد ، ويمتنعون منها . (35)

( ويقولون أئنا لتاركو آلهتنا لشاعر مجنون ) يعنون النبي - صلى الله عليه وسلم - . (36)

قال الله - عز وجل - ردا عليهم : ) ( بل جاء ) محمد ، ( بالحق وصدق المرسلين ) أي : أنه أتى بما أتى به المرسلون قبله . (37)

" إنكم لذائقوا العذاب الأليم " (38)

( وما تجزون إلا ما كنتم تعملون ) في الدنيا من الشرك . (39)

( إلا عباد الله المخلصين ) الموحدين . (40)

" أولئك لهم رزق معلوم "، يعني: بكرة وعشياً [كما قال: " ولهم رزقهم فيها بكرةً وعشياً " (مريم-62)]. (41)

( فواكه ) جمع الفاكهة ، وهي الثمار كلها رطبها ويابسها ، وهي كل طعام يؤكل للتلذذ لا للقوت ، ( وهم مكرمون ) بثواب الله . (42)

" في جنات النعيم " (43)

( في جنات النعيم على سرر متقابلين ) لا يرى بعضهم قفا بعض . (44)

( يطاف عليهم بكأس ) إناء فيه شراب ولا يكون كأسا حتى يكون فيه شراب ، وإلا فهو إناء ، ( من معين ) خمر جارية في الأنهار ظاهرة تراها العيون . (45)

( بيضاء ) قال الحسن : خمر الجنة أشد بياضا من اللبن ، ) ( لذة ) أي : لذيذة ، ) ( للشاربين ) . (46)

( لا فيها غول ) قال الشعبي : لا تغتال عقولهم فتذهب بها . قال الكلبي : إثم . وقال قتادة : وجع البطن . وقال الحسن : صداع .وقال أهل المعاني : " الغول " فساد يلحق في خفاء ، يقال : اغتاله اغتيالا إذا أفسد عليه أمره في خفية ، وخمرة الدنيا يحصل منها أنواع من الفساد منها السكر وذهاب العقل ، ووجع البطن ، والصداع ، والقيء ، والبول ، ولا يوجد شيء من ذلك في خمر الجنة .( ولا هم عنها ينزفون ) قرأ حمزة والكسائي : " ينزفون " بكسر الزاي ، وافقهما عاصم في الواقعة ، وقرأ الآخرون بفتح الزاي فيهما ، فمن فتح الزاي فمعناه : لا يغلبهم على عقولهم ولا يسكرون يقال : نزف الرجل فهو منزوف ونزيف إذا سكر ، ومن كسر الزاي فمعناه : لا ينفد شرابهم ، يقال : أنزف الرجل فهو منزوف ، إذا فنيت خمره . (47)

( وعندهم قاصرات الطرف ) حابسات الأعين غاضات الجفون ، قصرن أعينهن على أزواجهن لا ينظرن إلى غيرهم ، ) ( عين ) أي : حسان الأعين ، يقال : رجل أعين وامرأة عيناء ونساء عين . (48)

( كأنهن بيض ) جمع البيضة ) ( مكنون ) مصون مستور ، وإنما ذكر " المكنون والبيض " جمعا ؛ لأنه رده إلى اللفظ .قال الحسن : شبههن ببيض النعامة تكنها بالريش من الريح والغبار ، فلونها أبيض في صفرة . ويقال : هذا أحسن ألوان النساء أن تكون المرأة بيضاء مشربة صفرة ، والعرب تشبهها ببيضة النعامة . (49)

( فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ) يعني : أهل الجنة في الجنة يسأل بعضهم بعضا عن حاله في الدنيا . (50)

( قال قائل منهم ) يعني : من أهل الجنة : ( إني كان لي قرين ) في الدنيا ينكر البعث .قال مجاهد : كان شيطانا . وقال الآخرون : كان من الإنس . وقال مقاتل : كانا أخوين . وقال الباقون : كانا شريكين أحدهما كافر اسمه قطروس ، والآخر مؤمن اسمه يهوذا ، وهما اللذان قص الله - تعالى - خبرهما في سورة الكهف في قوله تعالى : " واضرب لهم مثلا رجلين " ( الكهف - 32 ) . (51)