سورة المائدة (5): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة المائدة بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تفسير الطبري (الإمام أبو جعفر الطبري). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة المائدة مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة المائدة

سُورَةُ المَائـِدَةِ
الصفحة 115 (آيات من 42 إلى 45)

سَمَّٰعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّٰلُونَ لِلسُّحْتِ ۚ فَإِن جَآءُوكَ فَٱحْكُم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ۖ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْـًٔا ۖ وَإِنْ حَكَمْتَ فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِٱلْقِسْطِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ ٱلتَّوْرَىٰةُ فِيهَا حُكْمُ ٱللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنۢ بَعْدِ ذَٰلِكَ ۚ وَمَآ أُو۟لَٰٓئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ إِنَّآ أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَىٰةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُوا۟ لِلَّذِينَ هَادُوا۟ وَٱلرَّبَّٰنِيُّونَ وَٱلْأَحْبَارُ بِمَا ٱسْتُحْفِظُوا۟ مِن كِتَٰبِ ٱللَّهِ وَكَانُوا۟ عَلَيْهِ شُهَدَآءَ ۚ فَلَا تَخْشَوُا۟ ٱلنَّاسَ وَٱخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا۟ بِـَٔايَٰتِى ثَمَنًا قَلِيلًا ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْكَٰفِرُونَ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ وَٱلْأَنفَ بِٱلْأَنفِ وَٱلْأُذُنَ بِٱلْأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِۦ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُۥ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ
115

الاستماع إلى سورة المائدة

تفسير سورة المائدة (تفسير الطبري: الإمام أبو جعفر الطبري)

الترجمة الإنجليزية

SammaAAoona lilkathibi akkaloona lilssuhti fain jaooka faohkum baynahum aw aAArid AAanhum wain tuAArid AAanhum falan yadurrooka shayan wain hakamta faohkum baynahum bialqisti inna Allaha yuhibbu almuqsiteena

القول في تأويل قوله : سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِقال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: هؤلاء اليهود الذين وصفتُ لك، يا محمد، صفتَهم، سَمَّاعون لقِيل الباطل والكذب، ومن قيل بعضهم لبعض: " محمد كاذب، ليس بنبي"، وقيل بعضهم: " إن حكم الزاني المحصن في التوراة الجلد والتحميم "، وغير ذلك من الأباطيل والإفك= ويقبلون الرُّشَى فيأكلونها على كذبهم على الله وفريتهم عليه، (1) كما:-11942 - حدثني المثنى قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا أبو عقيل قال، سمعت الحسن يقول في قوله: " سماعون للكذب أكَّالون للسحت "، قال: تلك الحكام، سمعوا كِذْبَةً وأكلوا رِشْوَةً.11943 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " سماعون للكذب أكالون للسحت "، قال: كان هذا في حكّام اليهودِ بين أيديكم، كانوا يسمعون الكذب ويقبلون الرُّشَى.11944 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " أكالون للسحت "، قال: الرشوة في الحكم، وهم يهود.11945 - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع= وحدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا أبي وإسحاق الأزرق= وحدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن= عن سفيان، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله: " أكالون للسحت "، قال: " السُّحت "، الرشوةُ.11946 - حدثنا سفيان بن وكيع وواصل بن عبد الأعلى قالا حدثنا ابن فضيل، عن الأعمش، عن سلمة بن كهيل، عن سالم بن أبي الجعد قال: قيل لعبد الله: ما السحت؟ قال: الرشوة. قالوا: في الحكم؟ قال: ذاك الكفر.11947 - حدثنا سفيان قال، حدثنا غندر ووهب بن جرير، عن شعبة، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروق، عن عبد الله قال: " السحت "، الرشوة.11948 - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي= عن حريث، عن عامر، عن مسروق قال: قلنا لعبد الله: ما كنا نرى " السحت " إلا الرشوة في الحكم! قال عبد الله: ذاك الكُفْر.11949 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروق، عن عبد الله قال: " السحت "، الرُّشَى؟ قال: نعم. (2)11950 - حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن عمار الدُّهني، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروق قال: سألت عبد الله عن " السحت "، فقال: الرجل يطلب الحاجةَ للرجل فيقضيها، فيهدي إليه فيقبلُها.11951 - حدثنا سوّار قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا شعبة، عن منصور وسليمان الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروق، عن عبد الله أنه قال: " السحت "، الرشى.11952 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا المحاربي، عن سفيان، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله: " السحت "، قال: الرشوة في الدِّين.11953 - حدثني أبو السائب قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن خيثمة قال، قال عمر: [ما كان] من " السحت "، الرشى ومهر الزانية. (3)11954 - حدثني سفيان قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم قال: " السحت "، الرشوة.11955 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قوله: " أكالون للسحت "، قال: الرشى.11956 - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثني أبي= عن طلحة، عن أبي هريرة قال: مهر البغي سُحْت، وعَسْبُ الفحل سحت، (4) وكسْبُ الحجَّام سحت، وثمن الكلب سُحْت.11957 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن جويبر، عن الضحاك قال: " السحت "، الرشوة في الحكم.11958 - حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو غسان قال، حدثنا إسرائيل، عن حكيم بن جبير، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروق قال: سألت ابن مسعود عن " السحت "، قال: الرشى. فقلت: في الحكم؟ قال: ذاك الكفر.11959 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل، قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " أكالون للسحت "، يقول: للرشى.11960 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان، عن سلمة بن كهيل، عن مسروق، وعلقمة: أنهما سألا ابن مسعود عن الرشوة، فقال: هي السحت. قالا في الحكم؟ قال: ذاك الكفر! تم تلا هذه الآية: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (5) [سورة المائدة: 44].11961 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن المسعودي، عن بكير بن أبي بكير، عن مسلم بن صبيح قال: شفع مسروق لرجل في حاجة، فأهدى له جارية، فغضب غضبًا شديدًا وقال: لو علمت أنك تفعل هذا ما كلَّمت في حاجتك، ولا أكلم فيما بقي من حاجتك، سمعت ابن مسعود يقول: " من شفع شفاعة ليردّ بها حقًّا، أو يرفع بها ظلمًا، فأهدِيَ له فقبل، فهو سحت "، فقيل له: يا أبا عبد الرحمن، ما كنا نرى ذلك إلا الأخذ على الحكم! قال: الأخذُ على الحكم كفر. (6)11962 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " سماعون للكذب أكالون للسحت "، وذلك أنهم أخذوا الرشوة في الحكم، وقضوا بالكذب.11963 - حدثنا هناد قال، حدثنا عبيدة، عن عمار، عن مسلم بن صبيح، عن مسروق قال: سألت ابن مسعود عن " السحت "، أهو الرشى في الحكم؟ فقال: لا من لم يحكم بما أنزل الله فهو فاسق. ولكن " السحت "، يستعينك الرجل على المظلمة فتعينه عليها، فيهدي لك الهدية فتقبلُها.11964 - حدثنا هناد قال، حدثنا ابن فضيل، عن يحيى بن سعيد، عن عبد الله بن هبيرة السَّبائي قال: من السحت ثلاثة: مهرُ البغي، والرشوة في الحكم، وما كان يُعطى الكُهان في الجاهلية. (7)11965 - حدثنا هناد قال، حدثنا ابن مطيع، عن حماد بن سلمة، عن عطاء الخراساني، عن ضمرة، عن علي بن أبي طالب: أنه قال في كسب الحجام، ومهر البغيّ، وثمن الكلب، والاستجْعَال في القضية، (8) وحلوان الكاهن، (9) وعسب الفحل، (10) والرشوة في الحكم، وثمن الخمر، وثمن الميتة: من السحت. (11)11966 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " أكالون للسحت "، قال: الرشوة في الحكم.11967 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني عبد الرحمن بن أبي الموال، عن عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كُلُّ لحم أنبَته السُّحت فالنار أولى به. قيل: يا رسول الله، وما السحت؟ قال: الرشوة في الحكم. (12)11968 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني عبد الجبار بن عمر، عن الحكم بن عبد الله قال: قال لي أنس بن مالك: إذا انقلبت إلى أبيك فقل له: إياك والرشوة، فإنها سحت= وكان أبوه على شُرَط المدينة. (13)11969 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن سالم، عن مسروق، عن عبد الله قال: الرشوة سُحت. قال مسروق: فقلنا لعبد الله: أفي الحكم؟ قال: لا ثم قرأ: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [سورة المائدة: 44]، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [سورة المائدة: 45]، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [سورة المائدة: 47].* * *وأصل " السحت ": كَلَبُ الجوع، يقال منه: " فلان مسحُوت المَعِدَة "، إذا كان أكولا لا يُلْفَى أبدًا إلا جائعًا، وإنما قيل للرشوة: " السحت "، تشبيهًا بذلك، كأن بالمسترشي من الشَّره إلى أخذ ما يُعطاه من ذلك، مثل الذي بالمسحوت المعدة من الشَّرَه إلى الطعام. يقالُ منه: " سحته وأسحته "، لغتان محكيتان عن العرب، ومنه قول الفرزدق بن غالب:وَعَضُّ زَمَانٍ يَا ابْنَ مَرْوَانَ لَمْ يَدَعمِنَ الْمَالِ إلا مُسْحَتًا أَوْ مُجَلَّفُ (14)يعني بِ" المسحت "، الذي قد استأصله هلاكًا بأكله إياه وإفساده، ومنه قوله تعالى: فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ [سورة طه: 61]. وتقول العرب للحالق: " اسحت الشعر "، أي: استأصله.* * *القول في تأويل قوله عز ذكره : فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرضْ عنهم "، إن جاء هؤلاء القوم الآخرون الذين لم يأتوك بعد =وهم قومُ المرأة البغيّة= محتكمين إليك، فاحكم بينهم إن شئت بالحقِّ الذي جعله الله حُكمًا له فيمن فعل فِعْل المرأة البغيَّة منهم= أو أعرض عنهم فدع الحكم بينهم إن شئت، والخيار إليك في ذلك.* * *وبمثل الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.ذكر من قال ذلك:11970 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " أو أعرض عنهم "، يهودُ، زنى رجل منهم له نسبٌ حقير فرجموه، ثم زنى منهم شريف فحمَّمُوه، ثم طافوا به، ثم استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليوافقهم. قال: فأفتاهم فيه بالرجم، فأنكروه، فأمرهم أن يدعوا أحبارهم ورهبانهم، فناشدهم بالله: أتجدونه في التوراة؟ فكتموه، إلا رجلا من أصغرهم أعْوَرَ، فقال: كذبوك يا رسول الله، إنه لفي التوراة!11971 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني الليث، عن ابن شهاب: أنّ الآية التي في" سورة المائدة "،" فإن جاءوك فاحكم بينهم "، كانت في شأن الرجم.11972 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: إنهم أتوه =يعني اليهود= في امرأة منهم زنت، يسألونه عن عقوبتها، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف تجدونه مكتوبًا عندكم في التوراة؟ فقالوا: نؤمر برجم الزانية! فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجمت، وقد قال الله تبارك وتعالى: " وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئًا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين ".11973 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير قوله: " فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم "، قال: كانوا يحدُّون في الزنا، إلى أن زنى شاب منهم ذو شرف، (15) فقال بعضهم لبعض: لا يدعكم قومه ترجمونه، ولكن اجلدوه ومثِّلوا به! فجلدوه وحملوه على حمارِ إكافٍ، (16) وجعلوا وجهه مستقبِلَ ذنب الحمار= إلى أن زنى آخر وضيع ليس له شرف، فقالوا: ارجموه! ثم قالوا: فكيف لم ترجموا الذى قبله؟ ولكن مثل ما صنعتم به فاصنعوا بهذا! فلما كان النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: سلوه، لعلكم تجدون عنده رخصة! فنزلت: " فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم " إلى قوله: " إنّ الله يحب المقسطين ".* * *وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية في قتيل قُتل في يهودَ منهم، قتله بعضهم.ذكر من قال ذلك:11974 - حدثنا هناد بن السري وأبو كريب قالا حدثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق قال، حدثني داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس أن الآيات في" المائدة "، قوله: " فاحكم بينهم أو أعرض عنهم "، إلى قوله: " المقسطين "، إنما نزلت في الدية في بني النضير وبني قريظة، وذلك أن قتلى بني النضير، وكان لهم شرف، (17) تؤدِّي الدية كاملة، وإن قريظة كانوا يؤدون نصف الدية، فتحاكموا في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله ذلك فيهم، فحملهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحقّ في ذلك، فجعل الدية في ذاك سواءً= والله أعلم أيُّ ذلك كان. (18)11975 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عبيد الله بن موسى، عن علي بن صالح، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كانت قريظة والنضير، وكان النضيرُ أشرفَ من قريظة، فكان إذا قتل رجل من قريظة رجلا من النضير، قُتِل به. وإذا قتل رجلٌ من النضير رجلا من قريظة، أدَّى مئة وَسْقِ تمرٍ. (19) فلما بُعِث رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَتَل رجل من النضير رجلا من قريظة فقالوا: ادفعوه إلينا! فقالوا: بيننا وبينكم رسول الله صلى الله عليه وسلم! فنزلت " وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط". (20)11976 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: كان في حكم حيي بن أخطب: للنّضِيريِّ ديتان، (21) والقرظيّ دية= لأنه كان من النضير. قال: وأخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بما في التوراة، (22) قال: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ [سورة المائدة: 45]، إلى آخر الآية. قال: فلما رأت ذلك قريظة، لم يرضوا بحكم ابن أخطب، فقالوا: نتحاكم إلى محمد! فقال الله تبارك وتعالى: " فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم "، فخيرّه= وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ، الآية كلها. وكان الشريف إذا زنى بالدنيئة رجموها هي، وحمَّموا وجهَ الشريف، وحملوه على البعير، وجَعلوا وجهه من قِبَل ذنب البعير. وإذا زنى الدنيء بالشريفة رجموه، وفعلوا بها هي ذلك. فتحاكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرجمها. قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: من أعلمكم بالتوراة؟ قالوا: فلان الأعور! فأرسل إليه فأتاه، فقال: أنت أعلمهم بالتوراة؟ قال: كذاك تزعم يهودُ! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنشدك بالله وبالتوراة التي أنزلها على موسى يوم طُور سَيْنَاء، ما تجد في التوراة في الزانيين؟ فقال: يا أبا القاسم، يرجمون الدنيئة، ويحملون الشريف على بعير، ويحمِّمون وجهه، ويجعلون وجهه من قبل ذنَبِ البعير، ويرجمون الدنيء إذا زنى بالشريفة، ويفعلون بها هي ذلك. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " أنشدك بالله وبالتوراة التي أنزلها على موسى يوم طُور سَيْناء، ما تجد في التوراة؟ فجعل يروغ، والنبي صلى الله عليه وسلم يَنْشُده بالله وبالتوراة التي أنزلها على موسى يوم طور سيناء، حتى قال: يا أبا القاسم،الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهو ذاك، اذهبوا بهما فارجموهما. قال عبد الله: (23) فكنت فيمن رجمهما فما زال يُجْنِئُ عليها، (24) ويقيها الحجارة بنفسه حتّى مات. (25)* * *ثم اختلف أهل التأويل في حكم هذه الآية، هل هو ثابت اليوم؟ وهل للحكام من الخيار في الحكم والنظر بين أهل الذمّة والعهد إذا احتكموا إليهم، مثلُ الذي جعَل لنبيه صلى الله عليه وسلم في هذه الآية، أم ذلك منسوخ؟فقال بعضهم: ذلك ثابتٌ اليوم، لم ينسخه شيء، وللحكام من الخيار في كلّ دهر بهذه الآية، مثلُ ما جعَله الله لرسوله صلى الله عليه وسلم.ذكر من قال ذلك:11977 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة بن الفضل، عن عمرو بن أبي قيس، عن مغيرة، عن إبراهيم والشعبي: إنْ رفع إليك أحد من المشركين في قَضَاءٍ، فإن شئت فاحكم بينهم بما أنزل الله، وإن شئت أعرضت عنهم. (26)11978 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي وإبراهيم قالا إذا أتاك المشركون فحكَّموك، فاحكم بينهم أو أعرض عنهم. وإن حكمت فاحكم بحكم المسلمين، ولا تعدُهُ إلى غيره.11979 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي= وحدثنا هناد قال، حدثنا وكيع= عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم والشعبي: " فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم "، قال: إن شاء حكم، وإن شاء لم يحكم.11980 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي قال، حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء قال: إن شاء حكم، وإن شاء لم يحكم.11981 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن محمد بن سالم، عن الشعبي قال: إذا أتاك أهل الكتاب بينهم أمر، فاحكم بينهم بحكم المسلمين، أو خَلِّ عنهم وأهلَ دينهم يحكمون فيهم، إلا في سرقة أو قتل.11982 - حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرزاق عن ابن جريج قال، قال لي عطاء، نحن مخيَّرون، إن شئنا حكمنا بين أهل الكتاب، وإن شئنا أعرضنا فلم نحكم بينهم. وإن حكمنا بينهم حكمنا بحكمنا بيننا، أو نتركهم وحكمهم بينهم= قال ابن جريج: وقال مثل ذلك عمرو بن شعيب. وذلك قوله: " فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ".11983 - حدثنا يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة= وحدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن مغيرة= عن إبراهيم والشعبي في قوله: " فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم "، قالا إذا جاءوا إلى حاكم المسلمين، فإن شاء حكم بينهم، وإن شاء أعرض عنهم. وإن حكم بينهم، حكم بينهم بما في كتاب الله.11984 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " فإن جاءوك فاحكم بينهم "، يقول: إن جاءوك فاحكم بينهم بما أنزل الله، أو أعرض عنهم. فجعل الله له في ذلك رُخْصة، إن شاء حكم بينهم، وإن شاء أعرض عنهم.11985 - حدثنا هناد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيم والشعبي قالا إذا أتاك المشركون فحكَّموك فيما بينهم، فاحكم بينهم بحكم المسلمين ولا تعدُه إلى غيره، أو أعرض عنهم وخلِّهم وأهلَ دينهم.* * *وقال آخرون: بل التخيير منسوخٌ، وعلى الحاكم إذا احتكم إليه أهل الذمة أن يحكُم بينهم بالحق، وليس له ترك النظر بينهم.ذكر من قال ذلك:11986 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة والحسن البصري" فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم "، نسخت بقوله: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ . [سورة المائدة: 49].11987 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن السدي قال: سمعت عكرمة يقول: نسختها وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ .11988 - حدثنا ابن وكيع ومحمد بن بشار قالا حدثنا ابن مهدي، عن سفيان، عن السدي قال: سمعت عكرمة يقول: نسختها: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ .11989 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يزيد بن هارون، عن سفيان بن حسين، عن الحكم، عن مجاهد: لم ينسخ من " المائدة " إلا هاتان الآيتان: " فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم "، نسختها: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ [سورة المائدة: 49]، وقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ [سورة المائدة: 2]، نسختها: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [سورة التوبة: 5]. (27)11990 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن منصور، عن الحكم، عن مجاهد قال: نسختها: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ .11991 - حدثني المثنى قال، حدثنا حجاج بن منهال قال، حدثنا همام، عن قتادة قوله: " فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم "، يعني اليهود، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يحكم بينهم، ورخَّص له أن يُعْرض عنهم إن شاء، ثم أنزل الله تعالى ذكره الآية التي بعدها: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ إلى قوله: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ [سورة المائدة: 48]. فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يحكم بينهم بما أنزل الله بعد ما رخَّص له، إن شاء، أن يُعْرض عنهم.11992 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن عبد الكريم الجزريّ: أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عديّ بن عديّ: " إذا جاءك أهل الكتاب فاحكم بينهم ".11993 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن السدي، عن عكرمة قال: نسخت بقوله: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ [سورة المائدة: 48].11994 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا أبو سفيان، عن معمر، عن الزهري قوله: " فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم "، قال: مضت السنة أن يُرَدُّوا قي حقوقهم ومواريثهم إلى أهلِ دينهم، إلا أن يأتوا راغبين في حدٍّ، يحكم بينهم فيه بكتاب الله.11995 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: لما نزلت: " فاحكم بينهم أو أعرض عنهم "، كان النبي صلى الله عليه وسلم: إن شاء حكم بينهم، وإن شاء أعرض عنهم، ثم نسخها فقال: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ، وكان مجبورًا على أن يحكم بينهم.11996 - حدثنا محمد بن عمار قال، حدثنا سعيد بن سليمان قال، حدثنا عباد بن العوّام، عن سفيان بن حسين، عن الحكم، عن مجاهد قال: آيتان نسختا من هذه السورة= يعني" المائدة "، آية القلائد، وقوله: " فاحكم بينهم أو أعرض عنهم "، فكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم مخيَّرًا، إن شاء حكم، وإن شاء أعرض عنهم، فردّهم إلى احتكامهم، (28) أن يحكم بينهم بما في كتابنا. (29)* * *قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب، قول من قال: إن حكم هذه الآية ثابتٌ لم ينسخ، وأن للحكَّام من الخِيار في الحكم بين أهل العهد إذا ارتفعوا إليهم فاحتكموا، وتركِ الحكم بينهم والنظر، مثلُ الذي جعله الله لرسوله صلى الله عليه وسلم من ذلك في هذه الآية.وإنما قلنا ذلك أولاهما بالصواب، لأن القائلين إن حكم هذه الآية منسوخ، زَعموا أنه نسخ بقوله: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ [سورة المائدة: 49] وقد دللنا في كتابنا: " كتاب البيان عن أصول الأحكام ": أن النسخ لا يكون نسخًا، إلا ما كان نفيًا لحكمٍ غَيْرِه بكلِّ معانيه، حتى لا يجوز اجتماع الحكم بالأمرين جميعًا على صِحّته بوجه من الوجوه= بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (30)وإذْ كان ذلك كذلك= وكان غير مستحيل في الكلام أن يقال: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ، ومعناه: وأن أحكم بينهم بما أنزل الله إذا حكمت بينهم، باختيارك الحكم بينهم، إذا اخترت ذلك، ولم تختر الإعراض عنهم، إذ كان قد تقدَّم إعلام المقول له ذلك من قائِله: إنّ له الخيار في الحكم وترك الحكم= (31) كان معلومًا بذلك أن لا دلالة في قوله: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ، أنه ناسخٌ قوله: " فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئًا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط"، لما وصفنا من احتمال ذلك ما بَيَّنَّا، بل هو دليل على مثل الذي دلَّ عليه قوله: " وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط".وإذْ لم يكن في ظاهر التنزيل دليلٌ على نسخ إحدى الآيتين الأخرى، ولا نفي أحد الأمرين حكم الآخر= ولم يكن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبٌر يصحُّ بأن أحدهما ناسخ صاحبَه= ولا من المسلمين على ذلك إجماعٌ= (32) صحَّ ما قلنا من أن كلا الأمرين يؤيِّد أحدهما صاحبه، ويوافق حكمُه حكمَه، ولا نسخ في أحدهما للآخر.* * *وأما قوله: " وإن تُعْرِض عنهم فلن يضروك شيئًا "، فإن معناه: وإن تعرض يا محمد، عن المحتكمين إليك من أهل الكتاب، فتدَع النظر بينهم فيما احتكموا فيه إليك، فلا تحكم فيه بينهم (33) =" فلن يضروك شيئًا "، يقول: فلن يقدِرُوا لك على ضُرَّ في دين ولا دنيا، فدع النظر بينهم إذا اخترت ترك النظر بينهم. (34)* * *وأما قوله: " وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط"، فإن معناه: وإن اخترت الحكم والنَظَر، يا محمد، بين أهل العهدِ إذا أتوك=" فاحكم بينهم بالقسط"، وهو العدل، (35) وذلك هو الحكم بما جعله الله حكمًا في مثله على جميع خلقِه من أمة نبيِّنا صلى الله عليه وسلم.* * *وبنحو ما قلنا في ذلك قال جماعة أهل التأويل.ذكر من قال ذلك:11997 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم والشعبي: " وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط"، قالا إن حكم بينهم، حكم بما في كتاب الله.11998 - حدثنا سفيان قال، حدثنا يزيد بن هارون، عن العوَّام بن حوشب، عن إبراهيم: " وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط"، قال: أمر أن يحكم فيهم بالرجم.11999 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن العوّام، عن إبراهيم التيمي في قوله: " وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط"، قال: بالرجم.21000 - حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " بالقسط" بالعدل.12001 - حدثنا هناد قال، حدثنا هشيم، عن العوام بن حوشب، عن إبراهيم التيمي في قوله: " فاحكم بينهم بالقسط"، قال: أمر أن يحكم بينهم بالرجم.* * *وأما قوله: " إن الله يحب المقسطين "، فمعناه: إن الله يحب العادلين في حكمهم بين الناس، (36) القاضين بينهم بحكم الله الذي أنزله في كتابه وأمْرِه أنبياءَه صلوات الله عليهم. (37)* * *يقال منه: " أقسط الحاكم في حكمه "، (38) إذا عدل وقضى بالحق،" يُقْسِط إقساطًا "= وأما " قسط"، فمعناه: الجور، (39) ومنه قول الله تعالى ذكره: وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا [سورة الجن: 15]، يعني بذلك: الجائرين عن الحق.---------------الهوامش :(1) في المخطوطة: "فيأكلوها" ، والصواب ما في المطبوعة.(2) لعل الصواب"قيل: السحت ، الرشى "أو"سئل".(3) ما بين القوسين ثابت في المخطوطة والمطبوعة ، وأنا في شك منه ، ولذلك وضعته بين قوسين ، فإن الكلام بغيره مستقيم. وأخشى أن يكون تحريفًا لشيء لم أستطع أن أستظهر صوابه. أو لعله سقط من الخبر شيء. بعد قوله: [ما كان]. وانظر الآثار رقم: 11956 ، 11964 ، 11965 ، فربما كان ما سقط هنا: "ما كان يعطي الكهان في الجاهلية" ، كما في رقم: 11964.(4) "عسب الفحل": طرق الفحل وضرابه. يقال: "عسب الفحل الناقة يعسبها عسبًا" ، و"فحل شديد العسب". و"العسب" بعد ذلك هو: الكراء الذي يؤخذ على ضراب الفحل. وقد جاء في الحديث النهي عن عسب الفحل ، وهو كراء عسب الفحل. أما إعارة الفحل للضراب ، فأمر مندوب إليه.(5) الأثر: 11960-"علقمة بن قيس بن عبد الله النخعي" ، صاحب ابن مسعود ، وكان أعلم الناس بحديث ابن مسعود. مترجم في التهذيب.و"مسروق" هو: "مسروق بن الأجدع" ، مضى برقم: 4242 ، 7216 ، وغيرهما. وكان في المخطوطة والمطبوعة: "عن مسروق ، عن علقمة" ، والصواب ما أثبت ، فإن مسروقًا وعلقمة ، من كبار أصحاب عبد الله بن مسعود. والسياق يدل على صواب ما أثبت.(6) الأثر: 11961-"بكير بن أبي بكير" ، لم أجد له ذكرًا في كتب التراجم التي بين يدي. وأخشى أن يكون تحريفًا كالذي يليه.وأما "مسلم بن صبيح الهمداني" ، فهو: "أبو الضحى" ، وقد سلفت ترجمته مرارًا ، منها: 5424 ، 7216 ، 8206. ثقة كثير الحديث ، يروي عن مسروق بن الأجدع. وانظر الأثر التالي: 11963.وكان في المخطوطة: "هشام بن صبيح" ، وفي المطبوعة: "هاشم بن صبيح" ، وكلاهما خطأ محض ، والذي في المخطوطة تحريف"مسلم".(7) الأثر: 11964-"يحيى بن سعيد" ، أظنه"يحيى بن سعيد بن حيان التيمي" ، "أبو حيان" ، روى عنه ابن فضيل. مضى برقم: 5382 ، 5383.و"عبد الله بن هبيرة السبائي" ، ثقة. مضى برقم 1914 ، 5493 ، وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا"عبيد الله بن هبيرة" ، وهو خطأ محض.(8) "الاستجعال" ، يعني: أخذ الجعل (بضم فسكون) ، وهو الأجر ، واشتراطه لقضاء الحاجة. ولم يذكر هذا الحرف من الاشتقاق في معاجم اللغة. وإنما قالوا: "اجتعل" فهو"مجتعل" أي: أخذ جعلا. و"فلان يجاعل فلانًا" ، أي: يصانعه برشوة.(9) "الحلوان": ما يعطاه الكاهن عن كهانته أجرة.(10) "عسب الفحل" ، مضى تفسيره ص: 320 ، تعليق: 3 ، وفي المطبوعة: "عسيب الفحل" ، وهو خطأ ، صوابه من المخطوطة.(11) الأثر: 11965-"ضمرة" الذي يروي هنا عن علي بن أبي طالب ، لم أعرف من يكون. وأخشى أن يكون فيه تحريف.(12) الأثر: 11967-"عبد الرحمن بن أبي الموال" ، ويقال: "عبد الرحمن بن زيد بن أبي الموال" ، ويقال" بن أبي الموالي" ، ثقة. مترجم في التهذيب.و"عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر بن الخطاب" ، ثقة. مضى توثيقه برقم: 7819. وهذا خبر مرسل ، خرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 284 ، ونسبه لعبد بن حميد ، وابن مردويه مرفوعًا من حديث ابن عمر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.(13) الأثر: 11968-"عبد الحبار بن عمر الأيلي" ، ضعيف الحديث ، ليس محله الكذب. ووثقه ابن سعد. مضى برقم: 4608 ، 9057.أما "الحكم بن عبد الله" ، وأبوه"عبد الله" الذي كان على شرط المدينة ، فلم أعلم من يكونان؟(14) ديوانه: 556 ، والنقائض: 556 ، وطبقات فحول الشعراء: 19 ، والخزانة 2: 347 ، واللسان (سحت) (جلف) ، وسيأتي في التفسير 16: 135 ، وفي غيرها كثير. والبيت من قصيدته المشهورة ، وقبل البيت:إِلَيْكَ أمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ رَمَتْ بِنَاهُمُومُ الْمُنَى والْهَوْجَلُ الْمُتَعَسَّفُ"الهوجل": البطن الواسع من الأرض. و"المتعسف": المسلوك بلا علم ولا دليل ، فهو يسير فيها بالتعسف. ويروى: "أو مجرف" ، وهو الذي جرفه الدهر ، أي: اجتاح ماله وأفقره. ويروى في"إلا مسحت أو مجلف" بالرفع فيهما (كما سيأتي في 16: 135 ، من التفسير). وقد تجرف النحاة هذا البيت إعرابًا وتأويلا.(15) في المخطوطة: "إلى أن زنى الشاب منهم" ، والذي في المطبوعة أرجح.(16) "الإكاف" مركب من المراكب ، مثل الرحال والأقتاب.(17) في المطبوعة والمخطوطة: "كان لهم شرف" ، بغير واو ، فأثبتها من سيرة ابن هشام.(18) الأثر: 11974- سيرة ابن هشام 2: 215 ، 216 ، وفي سيرة ابن هشام بين أن قوله"والله أعلم أي ذلك كان" ، من كلام ابن إسحق.ورواه أحمد في المسند رقم: 3434 ، مختصرًا.(19) "الوسق" (بفتح الواو وكسرها ، وسكون السين): هو حمل بعير ، وهو ستون صاعًا بصاع رسول الله صلى الله عليه وسلم.(20) الأثر: 11975-"عبيد الله بن موسى بن أبي المختار العبسي" ، مضى مرارا. انظر رقم: 2092 ، 2219 ، وغيرها إلى: 9456. وكان في المطبوعة والمخطوطة"عبد الله بن موسى" ، وهو خطأ محض.و"علي بن صالح بن صالح بن حي الهمداني" ، ثقة. مضى برقم: 178. وانظر خبرًا بمعنى بعضه فيما سلف رقم: 9896 ، ومسند أحمد رقم: 3212 ، 3434.(21) في المطبوعة : "للنضري" ، والصواب من المخطوطة.(22) في المخطوطة: "وأخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم في التوراة" ، وما في المطبوعة أصح.(23) كأنه يعني"عبد الله بن عمر" ، وإن لم يذكر في الخبر ، كما سيأتي في التخريج.(24) "جنأ عليه" و"أجنأ عليه" و"جانأ عليه" و"تجانأ عليه": أكب عليها ومال ليقيها. وهي في المطبوعة"يجني عليها" ، وهي صواب أيضًا ، والمخطوطة غير منقوطة."جنا عليه يجني" انثنى ، وحنى ظهره. وجاء الحديث باللفظين.(25) الأثر: 11976- خبر عبد الله بن عمر في رجم اليهودي اليهودية ، رواه مسلم في صحيحه 11: 208 ، 209 والبخاري ، في صحيحه (الفتح 12: 148- 152) وشرحه الحافظ شرحًا وافيًا ، وفي سنن أبي داود 4: 214 ، رقم: 4446.(26) في المطبوعة: "أعرض عنهم" ، وأثبت ما في المخطوطة.(27) الأثر: 11989- انظر الأثر التالي رقم: 11996 ، والتعليق عليه.(28) في المطبوعة: "فردهم إلى أن يحكم بينهم" ، حذف ما كان في المخطوطة: "فردهم إلى أحكامهم أن يحكم بينهم" ، وصواب قراءته ما أثبت.(29) الأثر: 11996-"سعيد بن سليمان الضبي" ، هو"سعدويه" ، ثقة مأمون من شيوخ البخاري ، مضى برقم: 611 ، 2168.و"عباد بن العوام الواسطي" ، ثقة ، من شيوخ أحمد ، مضى برقم: 2853 ، 5433.و"سفيان بن حسين الواسطي" ، ثقة ، تكلموا في روايته عن الزهري. مضى برقم: 3471 ، 6462 ، 10723.و"الحكم" ، هو"الحكم بن عتيبة" ، تابعي ثقة فقيه مشهور ، مضى مرارًا كثيرة.وهذا الخبر رواه أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ ، من طريق سعيد بن سليمان بمثله ، مرفوعًا إلى ابن عباس ، ثم قال: "وهذا إسناد مستقيم ، وأهل الحديث يدخلونه في المسند".(30) انظر قوله في"النسخ" فيما سلف 8: 12 ، تعليق 1 ، والمراجع هناك.(31) السياق: و"إذ كان ذلك كذلك ، وكان غير مستحيل... كان معلوما".(32) السياق: "وإذ لم يكن في ظاهر التنزيل دليل... صح ما قلنا" ، وما بينهما عطف على صدر الكلام.(33) انظر تفسير" الإعراض". فيما سلف 9: 310 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.(34) انظر تفسير" الضر" فيما سلف 7: 157.(35) انظر تفسير"القسط" فيما سلف ص: 95 ، تعليق: 3 ، والمراجع هناك.(36) في المطبوعة والمخطوطة: "العاملين في حكمه بين الناس" ، وهو كلام فارغ المعنى. وصواب قراءته ما أثبت ، إنما حرفه الناسخ بلا ريب.(37) في المطبوعة: "وأمر أنبياءه" ، وهو اختلال في السياق ، صوابه من المخطوطة ، وصواب ضبطه ما رسمت ، "وأمره" مصدر معطوف على قوله: "في كتابه".(38) انظر تفسير" أقسط" و"قسط" فيما سلف 6: 77 ، 270/7: 541/9: 301/10: 95 ، 325(39) قوله: "وأما "قسط" ، فمعناه"الجور" ، هذه الجملة ليست في المخطوطة ، ولكن لا غنى عنها ، فلذلك رجحت إثباتها كما هي في المطبوعة. وفي المطبوعة"وإقساطا به" ، بزيادة"به" ، ولا معنى لها ، وليست في المخطوطة.

الترجمة الإنجليزية

Wakayfa yuhakkimoonaka waAAindahumu alttawratu feeha hukmu Allahi thumma yatawallawna min baAAdi thalika wama olaika bialmumineena

القول في تأويل قوله : وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43)قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: وكيف يحكمك هؤلاء اليهود، يا محمد، بينهم، فيرضون بك حكمًا بينهم=" وعندهم التوراة " التي أنزلتها على موسى، التي يقرُّون بها أنها حق، وأنها كتابي الذي أنزلته إلى نبيي، (40) وأن ما فيه من حكم فمن حكمي، يعلمون ذلك لا يتناكرونه، ولا يتدافعونه، ويعلمون أن حكمي فيها على الزاني المحصن الرجم، وهم مع عملهم بذلك=" يتولون "، يقول: يتركون الحكم به، بعد العلم بحكمي فيه، جراءة عليّ وعصيانًا لي. (41)وهذا، وإن كان من الله تعالى ذكره خطابًا لنبيه صلى الله عليه وسلم، فإنه تقريعٌ منه لليهود الذين نزلت فيهم هذه الآية. يقول لهم تعالى ذكره: كيف تقرّون، أيها اليهود، بحكم نبيّي محمد صلى الله عليه وسلم، مع جحودكم نبوته وتكذيبكم إياه، وأنتم تتركون حكمي الذي تقرون به أنه حق عليكم واجبٌ، جاءكم به موسى من عند الله؟ يقول: فإذْ كنتم تتركون حكمي الذي جاءكم به موسى الذي تقرّون بنبوّته في كتابي، فأنتم بترك حكمي الذي يخبركم به نبيِّي محمد أنه حكمي- أحْرَى، مع جحودكم نبوَّته.* * *ثم قال تعالى ذكره مخبرًا عن حال هؤلاء اليهود الذين وصف صفتهم في هذه الآية عنده، وحال نظرائهم من الجائرين عن حكمه، الزائلين عن محجّة الحق=" وما أولئك بالمؤمنين "، يقول: ليس من فعل هذا الفعل- أي: من تولّى عن حكم الله، الذي حكم به في كتابه الذي أنزله على نبيه، في خلقه (42) = بالذي صدَّق الله ورسوله فأقرّ بتوحيده ونبوّة نبيه صلى الله عليه وسلم، لأن ذلك ليس من فِعل أهل الإيمان.* * *وأصل " التولي عن الشيء "، الانصرافُ عنه، كما:-12002 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عبد الله بن كثير: " ثم يتولون من بعد ذلك "، قال: " توليهم "، ما تركوا من كتاب الله.12003 - حدثنا المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله "، يعني: حدود الله، فأخبر الله بحكمه في التوراة.12004 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " وعندهم التوراة فيها حكم الله "، أي: بيان الله ما تشاجروا فيه من شأن قتيلهم=" ثم يتولون من بعد ذلك "، الآية.12005 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال، قال= يعني الرب تعالى ذكره= يعيِّرهم: " وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله "، يقول: الرجم.----------------الهوامش :(40) في المطبوعة: على"نبيي" ، وأثبت ما في المخطوطة.(41) انظر تفسير" تولى" فيما سلف 9: 18 ، تعليق 1 ، والمراجع هناك.(42) السياق: "... الذي حكم به في كتابه... في خلقه".

الترجمة الإنجليزية

Inna anzalna alttawrata feeha hudan wanoorun yahkumu biha alnnabiyyoona allatheena aslamoo lillatheena hadoo waalrrabbaniyyoona waalahbaru bima istuhfithoo min kitabi Allahi wakanoo AAalayhi shuhadaa fala takhshawoo alnnasa waikhshawni wala tashtaroo biayatee thamanan qaleelan waman lam yahkum bima anzala Allahu faolaika humu alkafiroona

القول في تأويل قوله عز ذكره : إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُواقال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إنا أنزلنا التوراة فيها بيانُ ما سألك هؤلاء اليهود عنه من حكم الزانيين المحصنين (43)=" ونور "، يقول: فيها جلاء ما أظلم عليهم، وضياءُ ما التبس من الحكم (44) =" يحكم بها النبيون الذين أسلموا "، يقول: يحكم بحكم التوراة في ذلك، أي: فيما احتكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيه من أمر الزانيين=" النبيون الذين أسلموا "، وهم الذين أذعنوا لحكم الله وأقرُّوا به. (45)* * *وإنما عنى الله تعالى ذكره بذلك نبيّنا محمدا صلى الله عليه وسلم، في حكمه على الزانيين المحصنين من اليهود بالرجم، وفي تسويته بين دم قتلى النّضير وقريظة في القِصاص والدِّية، ومَنْ قبل محمد من الأنبياء يحكم بما فيها من حكم الله، كما:-12006 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا "، يعني النبي صلى الله عليه وسلم.12007 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول لما أنزلت هذه الآية: نحن نحكم على اليهود وعلى من سواهم من أهل الأديان.12008 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري، قال، حدثنا رجل من مزينة ونحن عند سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: زنى رجل من اليهود وامرأة، (46) فقال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى هذا النبي، فإنه نبي بُعِث بتخفيف، فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند الله وقلنا: " فُتْيَا نبي من أنبيائك "!! قال: فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد في أصحابه، فقالوا: يا أبا القاسم، ما تقول في رجل وامرأة منهم زنيا؟ فلم يكلمهم كلمة، حتى أتى بيت مِدْراسهم، (47) فقام على الباب فقال: أنشدُكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى، ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن؟ قالوا: يحمّم ويجبَّه ويجلد=" والتجبيه "، أن يحمل الزانيان على حمار، تُقَابل أقفيتهما، ويطاف بهما= وسكت شابٌّ [منهم]، (48) فلما رآه سكت، ألظَّ به النِّشْدَةَ، (49) فقال: اللهم إذ نشدتَنا، فإنا نجد في التوراة الرجْمَ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فما أوّل ما ارْتَخَصْتم أمر الله؟ (50) قال: زنى رجل ذو قرابة من ملك من ملوكنا، فأخَّر عنه الرجم. (51) ثم زنى رجل في أسْرة من الناس، (52) فأراد رَجْمَه، فحال قومه دونه وقالوا: لا ترجمْ صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه! فاصطلحوا على هذه العقوبة بينهم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: فإني أحكم بما في التوراة! فأمر بهما فرجما= قال الزهري: فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم: " إنا أنزلنا التوراة فيها هدًى ونورٌ يحكم بها النبيون الذين أسلموا "، فكان النبيُّ منهم. (53)12009 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة قوله: " يحكم بها النبيون الذين أسلموا "، النبي صلى الله عليه وسلم ومَنْ قبله من الأنبياء، يحكمون بما فيها من الحق.12010 - حدثنا المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن عوف، عن الحسن في قوله: " يحكم بها النبيون الذين أسلموا "، يعني النبي صلى الله عليه وسلم=" للذين هادوا "، يعني اليهود، (54) فاحكم بينهم ولا تخشهم.* * *القول في تأويل قوله عز ذكره : وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَقال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ويحكم بالتوراة وأحكامها التي أنزل الله فيها في كل زمان -على ما أمر بالحكم به فيها- مع النبيين الذين أسلموا=" الربانيون والأحبار ".* * *و " الربانيون " جمع " رَبَّانيّ"، وهم العُلماء الحكماء البُصراء بسياسة الناس، وتدبير أمورهم، والقيام بمصالحهم= و " الأحبار "، هم العلماء.* * *وقد بينا معنى " الربانيين " فيما مضى بشواهده، وأقوالَ أهل التأويل فيه. (55)* * *وأما " الأحبار "، فإنهم جمع " حَبْر "، وهو العالم المحكم للشيء، ومنه قيل لكعْب: " كعب الأحبار ".وكان الفراء يقول: أكثر ما سمعت العرب تقول في واحد " الأحبار "،" حِبْر " بكسر " الحاء ". (56)* * *وكان بعض أهل التأويل يقول: عُنِي ب" الربانيين والأحبار " في هذا الموضع: ابنا صوريا اللذان أقرَّا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بحكم الله تعالى ذكره في التوراة على الزانيين المحصنين.ذكر من قال ذلك:12011 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: كان رجلان من اليهود أخوان، يقال لهما ابنا صُوريا، وقد اتبعا النبيّ صلى الله عليه وسلم ولم يسلما، وأعطياه عهدًا أن لا يسألهما عن شيء في التوراة إلا أخبراه به. وكان أحدُهما رِبِّيًّا، والآخر حَبْرًا. وإنما اتَّبعا النبى صلى الله عليه وسلم يتعلمان منه. فدعاهما، فسألهما، فأخبراه الأمر كيف كان حين زَنَى الشريف وزنى المسكين، وكيف غيَّروه، فأنزل الله: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم=" والربانيون والأحبار "، هما ابنا صوريا، للذين هادوا. ثم ذكر ابني صوريا فقال: " والربانيون والأحبار بما استُحْفِظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء ".* * *قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أنّ التوراة يحكم بها مسلمو الأنبياء لليهود، والربانيون من خلقه والأحبار. وقد يجوز أن يكون عُني بذلك ابنا صوريا وغيرهما، غير أنه قد دخل في ظاهر التتزيل مسلمو الأنبياء وكل رَبَّاني وحبر. ولا دلالة في ظاهر التنزيل على أنه معنيٌّ به خاص من الربانيين والأحبار، ولا قامت بذلك حجة يجب التسليم لها. فكل رباني وحبر داخلٌ في الآية بظاهر التنزيل.* * *وبمثل الذي قلنا في تأويل " الأحبار "، قال أهل التأويل.ذكر من قال ذلك:12012 - حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سلمة، عن الضحاك: " الربانيون " و " الأحبار "، قُرّاؤهم وفقهاؤهم.12013 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حفص، عن أشعث، عن الحسن: " الربانيون والأحبار "، الفقهاء والعلماء.12014 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " الربانيون "، العلماء الفقهاء، وهم فوق " الأحبار ". (57)12015 - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " الربانيون "، فقهاء اليهود=" والأحبار "، علماؤهم.12016 - حدثنا القاسم قال، حدثنا سنيد بن داود قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة: " والربانيون والأحبار "، كلهم يحكم بما فيها من الحق.12017 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد " الربانيون "، الولاة،=" والأحبار "، العلماء.* * *وأما قوله: " بما استحفظوا من كتاب الله "، فإن معناه: يحكم النبيون الذين أسلموا بحكم التوراة، والربانيون والأحبار = يعني العلماء= بما استُودعوا علمه من كتاب الله الذي هو التوراة.* * *و " الباء " في قوله: " بما استحفظوا "، من صلة " الأحبار ".* * *وأما قوله: " وكانوا عليه شهداء "، فإنه يعني: أن الربانيين والأحبار بما استودعوا من كتاب الله، يحكمون بالتوراة مع النبيين الذين أسلموا للذين هادوا، وكانوا على حكم النبيين الذين أسلموا للذين هادوا شهداء أنهم قضوا عليهم بكتاب الله الذي أنزله على نبيه موسى وقضائه عليهم، (58) كما:-12018 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: " وكانوا عليه شهداء "، يعني الربانيين والأحبار، هم الشهداء لمحمد صلى الله عليه وسلم بما قال، أنه حق جاء من عند الله، فهو نبي الله محمد، أتته اليهود. فقضى بينهم بالحق.* * *القول في تأويل قوله عز ذكره : فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاقال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لعلماء اليهود وأحبارهم: لا تخشوا الناس في تنفيذ حكمي الذي حكمت به على عبادي، وإمضائه عليهم على ما أمرت، فإنهم لا يقدرون لكم على ضر ولا نفع إلا بإذني، ولا تكتموا الرجمَ الذي جعلته حُكمًا في التوراة على الزانيين المحصنين، ولكن اخشوني دون كل أحدٍ من خلقي، فإن النفع والضر بيدي، وخافوا عقابي في كتمانكم ما استُحفِظتم من كتابي. (59) كما:-12019 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " فلا تخشوا الناس واخشون "، يقول: لا تخشوا الناس فتكتموا ما أنزلت.* * *وأما قوله: " ولا تشتروا بآياتي ثمنًا قليلا " يقول: ولا تأخذوا بترك الحكم بآيات كتابي الذي أنزلته على موسى، أيها الأحبار، عوضًا خسِيسًا= وذلك هو " الثمن القليل ". (60)وإنما أراد تعالى ذكره، نهيَهم عن أكل السحت على تحريفهم كتاب الله، وتغييرهم حكمه عما حكم به في الزانيين المحصنين، وغير ذلك من الأحكام التي بدَّلوها طلبًا منهم للرشَى، كما:-12020 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " ولا تشتروا بآياتي ثمنًا قليلا "، قال: لا تأكلوا السحت على كتابي= وقال مرة أخرى، قال قال ابن زيد في قوله: " ولا تشتروا بآياتي ثمنًا " قال: لا تأخذوا به رشوة. (61)12021 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " ولا تشتروا بآياتي ثمنًا قليلا "، ولا تأخذوا طَمَعًا قليلا على أن تكتموا ما أنزلت. (62)* * *القول في تأويل قوله عز ذكره : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ومن كتم حُكم الله الذي أنزله في كتابه وجعله حكمًا يين عباده، فأخفاه وحكم بغيره، كحكم اليهود في الزانيين المحصنين بالتجبيه والتحميم، وكتمانهم الرجم، (63) وكقضائهم في بعض قتلاهم بدية كاملة وفي بعض بنصف الدية، وفي الأشراف بالقِصاص، وفي الأدنياء بالدية، وقد سوَّى الله بين جميعهم في الحكم عليهم في التوراة=" فأولئك هم الكافرون "، يقول: هؤلاء الذين لم يحكموا بما أنزل الله في كتابه، ولكن بدَّلوا وغيروا حكمه، وكتموا الحقَّ الذي أنزله في كتابه=" هم الكافرون "، يقول: هم الذين سَتَروا الحق الذي كان عليهم كشفه وتبيينُه، وغطَّوه عن الناس، وأظهروا لهم غيره، وقضوا به، لسحتٍ أخذوه منهم عليه. (64)* * *وقد اختلف أهل التأويل في تأويل " الكفر " في هذا الموضع.فقال بعضهم بنحو ما قلنا في ذلك، من أنه عنى به اليهود الذين حَرَّفوا كتاب الله وبدَّلوا حكمه.ذكر من قال ذلك:12022 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن البراء بن عازب، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون "، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [سورة المائدة: 45]، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [سورة المائدة: 47]، في الكافرين كلها. (65)12023 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا محمد بن القاسم قال، حدثنا أبو حيان، عن أبي صالح قال: الثلاث الآيات التي في" المائدة "،" ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون "= فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ، فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ، ليس في أهل الإسلام منها شيءٌ، هي في الكفار. (66)12024 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبي حيان، عن الضحاك: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون "، و الظَّالِمُونَ و الْفَاسِقُونَ ، قال: نزلت هؤلاء الآيات في أهل الكتاب. (67)12025 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا المعتمر بن سليمان قال، سمعت عمران بن حدير قال، أتى أبا مجلز ناسٌ من بني عمرو بن سدوس، فقالوا: يا أبا مجلز، أرأيت قول الله: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون "، أحق هو؟ قال: نعم! قالوا: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ، أحق هو؟ قال: نعم! قالوا: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ، أحق هو؟ قال: نعم! قال فقالوا: يا أبا مجلز، فيحكم هؤلاء بما أنزل الله؟ قال: هو دينهم الذي يدينون به، وبه يقولون، وإليه يدْعون، فإن هم تركوا شيئًا منه عرفوا أنهم قد أصابوا ذنبًا! فقالوا: لا والله، ولكنك تَفْرَقُ! (68) قال: أنتم أولى بهذا مني! لا أرى، وإنكم أنتم ترون هذا ولا تحرَّجُون، ولكنها أنزلت في اليهود والنصارى وأهل الشرك= أو نحوًا من هذا.12026 - حدثني المثنى قال، حدثنا حجاج قال، حدثنا حماد، عن عمران بن حدير قال: قعد إلى أبي مجلز نفرٌ من الإبَاضيَّة، قال فقالوا له: يقول الله: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون "، فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ، فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ! قال أبو مجلز: إنهم يعملون بما يعلمون = يعني الأمراء = ويعلمون أنه ذنب! (69) قال: وإنما أنزلت هذه الآية في اليهود! والنصارى قالوا: أما والله إنك لتعلم مثل ما نعلم، ولكنك تخشاهم! قال: أنتم أحق بذلك منّا! أمّا نحن فلا نعرف ما تعرفون! [قالوا]: (70) ولكنكم تعرفونه، ولكن يمنعكم أن تمضوا أمركم من خشيتهم! (71)12027 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان= عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي البختري، عن حذيفة في قوله: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون "، قال: نعم الإخوة لكم بنو إسرائيل، إن كانت لكم كل حُلْوة، ولهم كل مُرَّة!! ولتسلُكُنَّ طريقَهم قِدَى الشِّراك. (72)12028 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أبي حيان، عن الضحاك: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون "، و الظَّالِمُونَ و الْفَاسِقُونَ ، قال: نزلت هؤلاء الآيات في أهل الكتاب.12029 - حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي البختري قال: قيل لحذيفة: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون "، ثم ذكر نحو حديث ابن بشار، عن عبد الرحمن.12030 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي البختري قال: سأل رجل حذيفة عن هؤلاء الآيات: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون "، فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ، قال فقيل: ذلك في بني إسرائيل؟ قال: نعم الإخوة لكم بنو إسرائيل، إن كانت لهم كل مُرَّة، ولكم كل حلوة! كلا والله، لتسلكن طريقَهم قِدَى الشراك. (73)12031 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن رجل، عن عكرمة قال: هؤلاء الآيات في أهل الكتاب.12032 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون "، ذكر لنا أن هؤلاء الآيات أنزلت في قتيل اليهود الذي كان منهم. (74)12033 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة قوله: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون "، و الظَّالِمُونَ ، و الْفَاسِقُونَ ، لأهل الكتاب كلّهم، لما تركوا من كتاب الله.12034 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني أبو معاوية، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن البراء بن عازب قال: مُرَّ على النبي صلى الله عليه وسلم بيهوديّ محمَّم مجلود، فدعاهم فقال: هكذا تجدون حدَّ من زنى؟ قالوا: نعم! فدعا رجلا من علمائهم فقال: أنشدك الله الذي أنزل التوراة على موسى، هكذا تجدون حدّ الزاني في كتابكم؟ قال: لا ولولا أنك أنشَدتني بهذا لم أخبرك، نجد حدَّه في كتابنا الرجم، ولكنه كثُر في أشرافنا، فكُنا إذا أخذنا الشّريف تركناه، وإذا أخذنا الوضيع أقمنا عليه الحدّ، فقلنا: تعالوا فلنجتمع جميعًا على التحميم والجلد مكانَ الرجْم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إنّي أول من أحيَى أمرك إذْ أماتوه! فأمر به فرجم، فأنزل الله: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إلى قوله: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون "، يعني اليهود: فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ، يعني اليهود: فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ، للكفار كلها. (75)12035 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون "، قال: من حكم بكتابه الذي كتب بيده، وترك كتاب الله، وزعم أن كتابه هذا من عند الله، فقد كفر.12036 - حدثنا هناد قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن البراء بن عازب، عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحو حديث القاسم، عن الحسن= غير أن هنادًا قال في حديثه: فقلنا: تعالوا فلنجتمع في شيء نقيمه على الشريف والضعيف، فاجتمعنا على التحميم والجلد مكان الرجم- وسائر الحديث نحو حديث القاسم. (76)12037 - حدثنا الربيع قال، حدثنا ابن وهب قال، حدثنا ابن أبي الزناد، عن أبيه قال: كنا عند عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، فذكر رجل عنده: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون "، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ، فقال عبيد الله: أمَا والله إن كثيرًا من الناس يتأوَّلون هؤلاء الآيات على ما لم ينزلنَ عليه، وما أُنزلن إلا في حيين من يهود. ثم قال: هم قريظة والنضير، وذلك أنّ إحدى الطائفتين كانت قد غزت الأخرى وقهرتها قبل قدوم النبيّ صلى الله عليه وسلم المدينةَ، حتى ارتضوا واصطلحوا على أن كل قتيل قتلته العزيزةُ من الذليلة، فديته خمسون وَسْقًا، (77) وكل قتيل قتلته الذَّليلة من العزيزة، فدِيَته مئة وَسْق. فأعطوهم فَرَقًا وضيمًا. (78) فقدم النبي صلى الله عليه وسلم وهم على ذلك، فذلَّت الطائفتان بمقدَم النبي صلى الله عليه وسلم، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم لم يظهر عليهما. فبيْنا هما على ذلك، أصابت الذليلة من العزيزة قتيلا فقالت العزيزة: أعطونا مائة وسق! فقالت الذليلة: وهل كان هذا قط في حَيَّين دينهما واحد، وبلدهما واحد، ديةُ بعضهم ضعفُ دية بعض! إنما أعطيناكم هذا فَرَقًا منكم وضيمًا، فاجعلوا بيننا وبينكم محمدًا صلى الله عليه وسلم. فتراضيا على أن يجعلوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم بينهم. ثم إن العزيزة تذاكرت بينها، (79) فخشيت أن لا يعطيها النبيُّ صلى الله عليه وسلم من أصحابها ضعف ما تعطِي أصحابها منها، فدسُّوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم إخوانهم من المنافقين، فقالوا لهم: اخبرُوا لنا رأيَ محمد صلى الله عليه وسلم، فإن أعطانا ما نريد حكَّمناه، وإن لم يعطنا حذرناه ولم نحكمه! فذهب المنافق إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأعلم الله تعالى ذكره النبيَّ صلى الله عليه وسلم ما أرادوا من ذلك الأمر كله= قال عبيد الله: فأنزل الله تعالى ذكره فيهم: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ، هؤلاء الآيات كلهن، حتى بلغ: وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ إلى الْفَاسِقُونَ = قرأ عبيد الله ذلك آيةً آيةً، وفسَّرها على ما أُنزل، حتى فرَغ [من] تفسير ذلك لهم في الآيات. (80) ثم قال: إنما عنى بذلك يهود، وفيهم أنزلت هذه الصفة.* * *وقال بعضهم: عنى ب" الكافرين "، أهل الإسلام، وب " الظالمين " اليهود، وب " الفاسقين " النصارى.ذكر من قال ذلك:12038 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن زكريا، عن عامر قال: نزلت " الكافرون " في المسلمين، و الظَّالِمُونَ في اليهود، و الْفَاسِقُونَ في النصارى.12039 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن ابن أبي السفر، عن الشعبي، قال: " الكافرون "، في المسلمين، و الظَّالِمُونَ في اليهود، و الْفَاسِقُونَ ، في النصارى.12040 - حدثنا ابن وكيع وأبو السائب وواصل بن عبد الأعلى قالوا، حدثنا ابن فضيل، عن ابن شبرمة، عن الشعبي قال: آيةٌ فينا، وآيتان في أهل الكتاب: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون "، فينا، وفيهم: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ، و الْفَاسِقُونَ في أهل الكتاب.12041 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن جابر، عن عامر، مثل حديث زكريَّا عنه. (81)12042 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال، حدثنا شعبة، عن ابن أبي السفر، عن الشعبي: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون "، قال: هذا في المسلمين وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ، قال: النصارى.12043 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا زكريا بن أبي زائدة، عن الشعبي قال، في هؤلاء الآيات التي في" المائدة ": " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون "، قال: فينا أهلَ الإسلام= وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ، قال: في اليهود= وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ، قال: في النصارى.12044 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال، حدثنا سفيان، عن زكريا بن أبي زائدة، عن الشعبي في قوله: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون "، قال: نزلت الأولى في المسلمين، والثانية في اليهود، والثالثة في النصارى.12045 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن زكريا، عن الشعبي، بنحوه.12046 - حدثنا هناد قال، حدثنا يعلى، عن زكريا، عن عامر، بنحوه.* * *وقال آخرون: بل عنى بذلك: كفرٌ دون كفر، وظلمٍ دون ظلم، وفسقٌ دون فسق.ذكر من قال ذلك:12047 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء قوله: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون "، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ، قال: كفر دون كفر، وفسق دون فسق، وظلم دون ظلم.12048 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا حماد بن سلمة، عن أيوب، عن عطاء، مثله.12049 - حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج قال، حدثنا حماد، عن أيوب بن أبي تميمة، عن عطاء بن أبي رباح، بنحوه.12050 - حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء، بنحوه.12051 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء، بنحوه.12052 - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي= عن سفيان، عن سعيد المكي، عن طاوس: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون "، قال: ليس بكفرٍ ينقل عن الملّة.12053 - حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع= وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي= عن سفيان، عن معمر بن راشد، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " ، قال: هي به كفر، وليس كفرًا بالله وملائكته وكتبه ورسله. (82)12054 - حدثني الحسن قال، حدثنا أبو أسامة، عن سفيان، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه قال: قال رجل لابن عباس في هذه الآيات: " ومن لم يحكم بما أنزل الله "، فمن فعل هذا فقد كفر؟ قال ابن عباس: إذا فعل ذلك فهو به كفر، وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر، وبكذا وكذا.12055 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه قال: سئل ابن عباس عن قوله: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون "، قال هي به كفر= قال: ابن طاوس: وليس كمن كفر بالله وملائكته وكُتُبه ورسله.12056 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن رجل، عن طاوس: " فأولئك هم الكافرون "، قال: كفر لا ينقل عن الملة= قال وقال عطاء: كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق.* * *وقال آخرون: بل نزلت هذه الآيات في أهل الكتاب، وهى مرادٌ بها جميعُ الناس، مسلموهم وكفارهم.ذكر من قال ذلك:12057 - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن منصور، عن إبراهيم قال: نزلت هذه الآيات في بني إسرائيل، ورَضي لهذه الأمّة بها.12058 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون "، قال: نزلت في بني إسرائيل، ورضى لكم بها.12059 - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم في هذه الآية: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون "، قال: نزلت في بني إسرائيل، ثم رضى بها لهؤلاء.12060 - حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن عوف، عن الحسن في قوله: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون "، قال: نزلت في اليهود، وهي علينا واجبةٌ.12061 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان، عن سلمة بن كهيل، عن علقمة ومسروق: أنهما سألا ابن مسعود عن الرشوة، فقال: من السحت. قال فقالا أفي الحكم؟ قال: ذاك الكُفْر! ثم تلا هذه الآية: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ".12062 - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " ومن لم يحكم بما أنزل الله "، يقول: ومن لم يحكم بما أنزلتُ، فتركه عمدًا وجار وهو يعلم، فهو من الكافرين.* * *وقال آخرون: معنى ذلك: ومن لم يحكم بما أنزل الله جاحدًا به. فأما " الظلم " و " الفسق "، فهو للمقرِّ به.ذكر من قال ذلك:12063 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون "، قال: من جحد ما أنزل الله فقد كفر. ومن أقرّ به ولم يحكم، فهو ظالم فاسقٌ.قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قولُ من قال: نزلت هذه الآيات في كفّار أهل الكتاب، لأن ما قبلها وما بعدها من الآيات ففيهم نزلت، وهم المعنيُّون بها. وهذه الآيات سياقُ الخبر عنهم، فكونُها خبرًا عنهم أولى.* * *فإن قال قائل: فإن الله تعالى ذكره قد عمَّ بالخبر بذلك عن جميع منْ لم يحكم بما أنزل الله، فكيف جعلته خاصًّا؟قيل: إن الله تعالى عَمَّ بالخبر بذلك عن قومٍ كانوا بحكم الله الذي حكم به في كتابه جاحدين، فأخبر عنهم أنهم بتركهم الحكمَ، على سبيل ما تركوه، كافرون. وكذلك القولُ في كل من لم يحكم بما أنزل الله جاحدًا به، هو بالله كافر، كما قال ابن عباس، لأنه بجحوده حكم الله بعدَ علمه أنه أنزله في كتابه، نظير جحوده نبوّة نبيّه بعد علمه أنه نبيٌّ.----------------الهوامش :(43) انظر تفسير" الهدى" فيما سلف من فهارس اللغة.(44) انظر تفسير"نور" فيما سلف 5: 424/9: 428/10: 145(45) انظر تفسير" الإسلام" فيما سلف من فهارس اللغة.(46) في المطبوعة: "بامرأة" ، وأثبت ما كان هنا في المخطوطة ، وهو مطابق لما في تفسير عبد الرزاق. انظر التخريج.(47) في المطبوعة"بيت المدراس" ، وفي المخطوطة: "بيت مدراس" ، وفوق"مدراس" حرف"ط" ، دلالة على الخطأ ، وما أثبته هو الصواب ، من تفسير عبد الرزاق. وقد مضى تفسير"بيت المدراس" فيما سلف ص: 303 ، تعليق: 1.(48) ما بين القوسين زيادة من تفسير عبد الرزاق.(49) "ألظ به" ، ألح عليه ، وقد مضى تفسيرها في ص: 304 : تعليق: 2. و"النشدة": الاستحلاف بالله. يقال: "نشدتك الله نشدة ونشدة" (بفتح النون وكسرها) و"نشدانًا" (بكسر النون): استحلفتك بالله.وفيما نقله أخي السيد أحمد من تفسير عبد الرزاق (المخطوط): "النشيد"؛ وقال أخي: "في أبي داود: النشدة" ، وفي رواية أبي جعفر عن عبد الرزاق ، اختلاف آخر عنه. و"النشيد": رفع الصوت ، هكذا قالوا. وعندي أنه مصدر"نشدتك الله" ، يزاد على مصادره.(50) في المطبوعة: "ما ارتخص أمر الله" ، وفي المخطوطة: ما يحصص" [محذوفة النقط]، وهو خطأ لاشك فيه ، وأثبت ما في تفسير عبد الرزاق.(51) قوله: "فأخر عنه الرجم"؛ أي: أسقط عنه الحد ، كأنه أبعده عنه وصرفه أن يلحقه. وفي الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر: "أخر عني يا عمر" ، قالوا في معناه: "معناه: أخر عني رأيك أو نفسك ، فاختصر إيجازا وبلاغة". فقصروا في شرحه ، وإنما أراد معنى صرفه وإبعاده. وهو في هذا الخبر بالمعنى الذي فسرته. وهو مما يزاد على كتب اللغة ، أو على بيانها على الأصح.(52) في المطبوعة: "في أسرة من الناس" ، وهي بمثل ذلك في مخطوطة تفسير عبد الرزاق ، ثم هي كذلك في سنن أبي داود وغيره. وفسروها فقالوا"الأسرة: عشيرة الرجل وأهل بيته ، لأنه يتقوى بهم".بيد أني أثبت ما هو واضح في المخطوطة: "في أسوة" بالواو ، والواو هناك واضحة جدا ، كبيرة الرأس ، وما أظن الناسخ وضعها كذلك من عند نفسه ، بل أرجح أنه وجد"الواو" ظاهرة في نسخة التفسير العتيقة التي نقل عنها ، فأثبتها واضحة لذلك. فلو صح ما في المخطوطة ، فهو عندي أرجح من رواية"في أسرة". وبيانها أنهم يقولون: "القوم أسوة في هذا الأمر" ، أي: حالهم فيه واحدة. فأراد بقوله: "في أسوة من الناس" ، أي: حاله حال سائر الناس ، ليس من أشرافهم ، أو من أهل بيت المملكة منهم ، فهو يعامل كما يعامل سائر العامة. وقد جاء في أخبار رجم اليهوديين: "كنا إذا أخذنا الشريف تركناه ، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد" (انظر ما سلف رقم: 11922). فهو يعني بقوله: "في أسوة من الناس" ، أنه من ضعفائهم وعامتهم. وهذا أرجح عندي من"في أسرة من الناس" ، فإنه يوشك أن يكون"في أسرة من الناس" ، مما يوحي بأن له عشيرة يحمونه ويدفعون عنه ويتقوى بهم ، وهو خلاف ما يدل عليه سياق هذا الخبر.ولولا أني لا أجد في يدي البرهان القاطع ، لقلت إن الذي في المخطوطة هو الصواب. وذلك أني أذكر أني قرأت مثل هذا التعبير في غير هذا الموضع ، وجهدت أن أجده ، فلم أظفر بطائل. فإذا وجدته في مكان آخر أثبته إن شاء الله ، وكان حجة في المعنى الذي فسرته ، وفوق كل ذي علم عليم.(53) الأثر: 12008- انظر تخريج هذا الخبر فيما سلف في التعليق على الأثرين ، رقم: 11923 ، 11924.وقد نقله أخي السيد أحمد في مسند أحمد في التعليق على الخبر رقم: 7747 ، من مخطوطة تفسير عبد الرزاق ، ولم يشر إلى موضعه هنا من تفسير الطبري. وقد بينت الاختلاف بين الروايتين فيما سلف من التعليقات.(54) انظر تفسير"هاد" فيما سلف ص: 309 ، تعليق: 1 ، والمراجع هناك.(55) انظر تفسير"الربانيون" فيما سلف 6: 540 ، 544 ، وفيه بيان لا يستغني عن معرفته بصير باللغة.(56) انظر تفسير"الأحبار" فيما سلف 6: 541 ، 542 (الأثر: 7312) ، ثم ص: 544.(57) الأثر: 12014- انظر قوله مجاهد بإسناد آخر رقم: 7312.(58) انظر تفسير"الشهداء" فيما سلف من فهارس اللغة (شهد).(59) انظر تفسير"الخشية" فيما سلف 9: 517 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك.(60) انظر تفسير"الاشتراء" فيما سلف 8: 542 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك= وتفسير"الثمن القليل" فيما سلف 7: 500 ، تعليق: 3 ، والمراجع هناك.(61) في المخطوطة: "في قوله: لا تشتر ثمنًا ، قال: لا تأخذ به رشوة" ، وتركت ما في المطبوعة على حاله.(62) في المطبوعة: "طعمًا قليلا" ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو الموافق لما في الآثار السالفة. انظر ما سلف الآثار رقم: 821 ، 2498 ، 8333.(63) "التجبيه" ، و"التحميم" ، مضى تفسيره في الآثار والتعليقات السالفة.(64) انظر تفسير"الكافر" فيما سلف من فهارس اللغة (كفر).(65) الأثر: 12022- مضى تخريج هذا الأثر ، مطولا فيما سلف رقم: 11922 ، وتتمته برقم: 11939 ، ورواه أبو جعفر هناك مختصرًا ، وهذا تمامه هنا.(66) الأثر: 12023-"أبو حيان" هو: "يحيى بن سعيد بن حيان التيمي" ، سلف برقم: 5382 ، 5383 ، 6318 ، 8155. وكان في المخطوطة هنا: "أبو حباب" ، وفي الأثر التالي ، أيضا وكأن الراجح هو ما أثبت في المطبوعة. وانظر التعليق على الأثر التالي.(67) الأثر: 12024-"أبو حبان" ، "يحيى بن سعيد بن حيان التيمي" ، انظر التعليق على الأثر السالف ، و"أبو حيان التيمي" ، يروي عن الضحاك. وكان في المطبوعة هنا أيضا"أبي حباب". وانظر التعليق على الأثر السالف.(68) في المطبوعة: "ولكنك تعرف" ، وهو خطأ صرف ، صوابه في المخطوطة."فرق يفرق فرقًا": فرغ وجزع.(69) في المطبوعة: "إنهم يعملون ما يعملون" ، وفي المخطوطة: "إنه يعملون بما يعملون" ، وصواب القراءة ما أثبت.(70) ظاهر السياق يقتضي زيادة ما زدت بين القوسين ، فهو منهم تقريع لأبي مجلز وسائر من يقول بقوله ، ويخالف الإباضية.(71) الأثران: 12025 ، 12026- اللهم إني أبرأ إليك من الضلالة. وبعد ، فإن أهل الريب والفتن ممن تصدروا للكلام في زماننا هذا ، قد تلمس المعذرة لأهل السلطان في ترك الحكم بما أنزل الله ، وفي القضاء في الدماء والأعراض والأموال بغير شريعة الله التي أنزلها في كتابه ، وفي اتخاذهم قانون أهل الكفر شريعة في بلاد الإسلام. فلما وقف على هذين الخبرين ، اتخذهما رأيًا يرى به صواب القضاء في الأموال والأعراض والدماء بغير ما أنزل الله ، وأن مخالفة شريعة الله في القضاء العام لا تكفر الراضي بها ، والعامل عليها.والناظر في هذين الخبرين لا محيص له عن معرفة السائل والمسئول ، فأبو مجلز (لاحق بن حميد الشيباني السدوسي) تابعي ثقة ، وكان يحب عليا رضي الله عنه. وكان قوم أبي مجلز ، وهم بنو شيبان ، من شيعة علي يوم الجمل وصفين. فلما كان أمر الحكمين يوم صفين ، واعتزلت الخوارج ، كان فيمن خرج على علي رضي الله عنه ، طائفة من بني شيبان ، ومن بني سدوس بن شيبان بن ذهل. وهؤلاء الذين سألوا أبا مجلز ، ناس من بني عمرو بن سدوس (كما في الأثر: 12025) ، وهم نفر من الإباضية (كما في الأثر: 12026) ، والإباضية من جماعة الخوارج الحرورية ، هم أصحاب عبد الله بن إباض التيمي (انظر هذا التفسير 7: 152-153 ، تعليق: 1) ، وهم يقولون بمقالة سائر الخوارج في التحكيم ، وفي تكفير علي رضي الله عنه إذ حكم الحكمين ، وأن عليًا لم يحكم بما أنزل الله ، في أمر التحكيم. ثم إن عبد الله بن إباض قال" إن من خالف الخوارج كافر ليس بمشرك ، فخالف أصحابه ، وأقام الخوارج على أن أحكام المشركين تجري على من خالفهم.ثم افترقت الإباضية بعد عبد الله بن إباض الإمام افتراقًا لا ندري معه -في أمر هذين الخبرين- من أي الفرق كان هؤلاء السائلون ، بيد أن الإباضية كلها تقول: إن دور مخالفيهم دور توحيد ، إلا معسكر السلطان فإنه دار كفر عندهم. ثم قالوا أيضًا: إن جميع ما افترض الله سبحانه على خلقه إيمان ، وأن كل كبيرة فهي كفر نعمة ، لا كفر شرك ، وأن مرتكبي الكبائر في النار خالدون مخلدون فيها.ومن البين أن الذين سألوا أبا مجلز من الإباضية ، إنما كانوا يريدون أن يلزموه الحجة في تكفير الأمراء ، لأنهم في معسكر السلطان ، ولأنهم ربما عصوا أو ارتكبوا بعض ما نهاهم الله عن ارتكابه. ولذلك قال لهم في الخبر الأول (رقم: 12025): "فإن هم تركوا شيئًا منه عرفوا أنهم قد أصابوا ذنبًا" ، وقال لهم في الخبر الثاني"إنهم يعملون بما يعملون ويعلمون أنه ذنب".وإذن ، فلم يكن سؤالهم عما احتج به مبتدعة زماننا ، من القضاء في الأموال والأعراض والدماء بقانون مخالف لشريعة أهل الإسلام ، ولا في إصدار قانون ملزم لأهل الإسلام ، بالاحتكام إلى حكم غير حكم الله في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم. فهذا الفعل إعراض عن حكم الله ، ورغبة عن دينه ، وإيثار لأحكام أهل الكفر على حكم الله سبحانه وتعالى ، وهذا كفر لا يشك أحد من أهل القبلة على اختلافهم في تكفير القائل به والداعي إليه.والذي نحن فيه اليوم ، هو هجر لأحكام الله عامة بلا استثناء ، وإيثار أحكام غير حكمه في كتابه وسنة نبيه ، وتعطيل لكل ما في شريعة الله ، بل بلغ الأمر مبلغ الاحتجاج على تفضيل أحكام القانون الموضوع ، على أحكام الله المنزلة ، وادعاء المحتجين لذلك بأن أحكام الشريعة إنما نزلت لزمان غير زماننا ، ولعلل وأسباب انقضت ، فسقطت الأحكام كلها بانقضائها. فأين هذا مما بيناه من حديث أبي مجلز ، والنفر من الإباضية من بني عمرو بن سدوس!!ولو كان الأمر على ما ظنوا في خبر أبي مجلز ، أنهم أرادوا مخالفة السلطان في حكم من أحكام الشريعة. فإنه لم يحدث في تاريخ الإسلام أن سن حاكم حكما وجعله شريعة ملزمة للقضاء بها. هذه واحدة. وأخرى ، أن الحاكم الذي حكم في قضية بعينها بغير حكم الله فيها ، فإنه إما أن يكون حكم بها وهو جاهل ، فهذا أمره أمر الجاهل بالشريعة. وإما أن يكون حكم بها هوى ومعصية ، فهذا ذنب تناوله التوبة ، وتلحقه المغفرة. وإما أن يكون حكم به متأولا حكمًا خالف به سائر العلماء ، فهذا حكمه حكم كل متأول يستمد تأويله من الإقرار بنص الكتاب ، وسنة رسول الله.وأما أن يكون كان في زمن أبي مجلز أو قبله أو بعده حاكم حكم بقضاء في أمر ، جاحدًا لحكم من أحكام الشريعة ، أو مؤثرًا لأحكام أهل الكفر على أحكام أهل الإسلام ، فذلك لم يكن قط. فلا يمكن صرف كلام أبي مجلز والإباضيين إليه. فمن احتج بهذين الأثرين وغيرهما في غير بابها ، وصرفها إلى غير معناها ، رغبة في نصرة سلطان ، أو احتيالا على تسويغ الحكم بغير ما أنزل الله وفرض على عباده ، فحكمه في الشريعة حكم الجاحد لحكم من أحكام الله: أن يستتاب ، فإن أصر وكابر وجحد حكم الله ، ورضى بتبديل الأحكام= فحكم الكافر المصر على كفره معروف لأهل هذا الدين. واقرأ كلمة أبي جعفر بعد ص: 358 ، من أول قوله: "فإن قال قائل". ففيه قول فصل. وتفصيل القول في خطأ المستدلين بمثل هذين الخبرين ، وما جاء من الآثار هنا في تفسير هذه الآية ، يحتاج إلى إفاضة ، اجتزأت فيها بما كتبت الآن ، وكتبه محمود محمد شاكر.(72) الأثر: 12027-"حبيب بن أبي ثابت الأسدي" ، ثقة صدوق. مضى برقم: 9012 ، 9035 ، 10423.و"أبو البختري" ، هو"سعيد بن فيروز الطائي" ، تابعي ثقة ، يرسل الحديث عن عمر وحذيفة وسلمان وابن مسعود. قال ابن سعد في الطبقات 6: 204 : "وكان أبو البختري كثير الحديث ، يرسل حديثه ، ويروي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يسمع من كبير أحد. فما كان من حديثه سماعًا فهو حسن ، وما كان"عن" ، فهو ضعيف". ومضى برقم: 175 ، 1497 ، فهو حديث منقطع ، لأن أبا البختري لم يسمع من حذيفة.وقوله: "قدى" (بكسر القاف وفتح الدال). يقال: "هو مني قيد رمح" (بكسر القاف) و"قاد رمح" و"قدى رمح" بمعنى ، واحد: أي: قدر رمح ، قال هدبة بن الخشرم:وَإِنِّي إِذَا مَا المَوْتُ لَمْ يَكُ دُونَهُقِدَى الشِّبْرِ، أَحْمِي الأنْفَ أَنْ أَتَأَخَّرَاو"الشراك": سير النعل ، ويضرب به المثل في الصغر والقصر. يريده تشبونهم: لا يكاد أمركم يختلف إلا قدر كذا وكذا.وكان في المطبوعة هنا: "قدر الشراك" ، وأثبت ما في المخطوطة ، في هذا الأثر ، وفي رقم: 12030.وخبر حذيفة ، رواه الحاكم في المستدرك 2: 312 ، 313 ، من طريق جرير ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن همام ، قال: "كنا عند حذيفة ، فذكروا: "ومن لم يحكم لما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" ، فقال رجل من القوم: إن هذه في بني إسرائيل! فقال حذيفة: نعم الإخوة بنو إسرائيل ، إن كان لكم الحلو ، ولهم المر! كلا ، والذي نفسي بيده ، حتى تحذوا السنة بالسنة حذو القذة بالقذة". وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه" ، ووافقه الذهبي."السنة": الطريقة المتبعة. و"القذة": ريش السهم ، يقدر الريش بعضه على بعض ليخرج متساويا.(73) الأثران: 12029 ، 12030- طريقان أخريان للأثر السالف رقم: 12027 ، وكان في الأثر الأخير هنا في المطبوعة: "قدر الشراك" ، وأثبت ما في المخطوطة. انظر التعليق السالف.(74) في المطبوعة: "في قيل اليهود" ، وفي المخطوطة: "في قبيل اليهود" ، والصواب ما أثبت. وقد مضى خبر هذا القتيل مرارًا ، وسيأتي قريبًا برقم: 12037.(75) الأثر: 12034- مضى تخريج هذا الأثر برقم: 11922 ، من طرق أخرى وسيأتي برقم: 12036.(76) الأثر: 12034- مضى تخريجه برقم: 11922 ، ورقم: 12034.(77) "الوثق" (بفتح الواو كسرها): حمل بعير ، أو ستون صاعًا ، وهو مكيال لهم.(78) "الفرق" (بفتحتين) الفزع ، والجزع. و"الضيم": الظلم. يقول: فقبلوا ذلك خوفًا من بطشهم وجزعًا ، ورضى بالظلم منهم.(79) في المخطوطة: *"نكرت" غير منقوطة ، والذي في المطبوعة موافق للمعنى ، ولم أعرف لقراءة ما في المخطوطة وجهًا إلا"فكرت بينها" ، وهي سقيمة.(80) الذي بين القوسين ، زيادة لا بد منها فيما أرى.(81) يعني رقم: 12038.(82) الأثر: 12053- خبر طاوس عن ابن عباس ، رواه الحاكم في المستدرك (2: 313) من طريق سفيان بن عيينة ، عن هشام بن ججير ، عن طاوس ، عن ابن عباس: "إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه ، إنه ليس كفرًا ينقل عنه الملة ="ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" ، كفر دون الكفر" ، هذا لفظه ، ثم قال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ، وقال الذهبي: "صحيح".

الترجمة الإنجليزية

Wakatabna AAalayhim feeha anna alnnafsa bialnnafsi waalAAayna bialAAayni waalanfa bialanfi waalothuna bialothuni waalssinna bialssinni waaljurooha qisasun faman tasaddaqa bihi fahuwa kaffaratun lahu waman lam yahkum bima anzala Allahu faolaika humu alththalimoona

القول في تأويل قوله عز ذكره : وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌقال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وكتبنا على هؤلاء اليهود الذين يحكمونك، يا محمد، وعندهم التوراة فيها حكم الله.ويعني بقوله: " وكتبنا "، وفرضنا عليهم فيها أن يحكموا في النَّفس إذا قتلت نفسًا بغير حق (83) =" بالنفس "، يعني: أن تقتل النفس القاتلة بالنفس المقتولة، =" والعين بالعين "، يقول: وفرضنا عليهم فيها أن يفقأوا العين التي فقأ صاحبها مثلَها من نفس أخرَى بالعين المفقوءة= ويجدع الأنف بالأنف= وتقطع الأذن بالأذن= وتقلع السنّ بالسنّ= ويُقْتَصَّ من الجارِح غيره ظلمًا للمجروح. (84)وهذا إخبار من الله تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم عن اليهود= وتعزية منه له عن كفر من كفر منهم به بعد إقراره بنبوته، وإدباره عنه بعد إقباله= وتعريفٌ منه له جراءتهم قديمًا وحديثًا على ربِّهم وعلى رسل ربِّهم، وتقدُّمهم على كتاب الله بالتحريف والتبديل.يقول تعالى ذكره له: وكيف يرضى هؤلاء اليهود، يا محمد، بحكمك، إذا جاءوا يحكمونك وعندهم التوراة التي يقرُّون بها أنها كتابي ووحيي إلى رسولي موسى صلى الله عليه وسلم، فيها حكمي بالرجم على الزناة المحصنين، وقضائي بينهم أن من قتَل نفسًا ظلمًا فهو بها قَوَدٌ، ومن فقأ عينًا بغير حق فعينه بها مفقوءة قِصَاصًا، ومن جدع أنفًا فأنفه به مجدوع، ومن قلع سنًّا فسنّه بها مقلوعة، ومن جرح غيره جرحًا فهو مقتصٌّ منه مثل الجرح الذي جرحه؟= ثم هم مع الحكم الذي عندهم في التوراة من أحكامي، يتولون عنه ويتركون العمل به، يقول: فهم بترك حكمك، وبسخط قضائك بينهم، أحرَى وأولَى.* * *وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.ذكر من قال ذلك:12064 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: لما رأت قريظة النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد حكم بالرجم، وكانوا يخفونه في كتابهم، نهضت قريظة فقالوا: يا محمد، اقضِ بيننا وبين إخواننا بني النضير= وكان بينهم دمٌ قبلَ قدوم النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت النضير يتعزَّزون على بني قريظة، ودياتهم على أنصاف ديات النضير، وكانت الدِّية من وُسُوق التمر: أربعين ومئة وسق لبني النضير، وسبعين وسقًا لبني قريظة= فقال: دمُ القرظيّ وفاءٌ من دم النضيريّ! (85) فغضب بنو النضير وقالوا: لا نطيعك في الرَّجم، ولكن نأخذ بحدودنا التي كنَّا عليها! فنزلت: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ [سورة المائدة: 50] ونزل: " وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس "، الآية.12065 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: " وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص "، قال: فما بالهم يخالفون، يقتلون النفسين بالنفس، ويفقأون العينين بالعين؟12066 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا خلاد الكوفي قال، حدثنا الثوري، عن السدي، عن أبي مالك قال: كان بين حيين من الأنصار قتالٌ، فكان بينهم قتلى، وكان لأحد الحيين على الآخر طَوْلٌ، (86) فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل يجعَلُ الحرَّ بالحرِّ، والعبدَ بالعبد، والمرأة بالمرأة، فنزلت: الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ [سورة البقرة: 178]= قال سفيان: وبلغني عن ابن عباس أنه قال: نسختها: " النفس بالنفس ". (87)12067 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس "= فيها في التوراة-" والعين بالعين " حتى: " والجروح قصاص "، قال مجاهد عن ابن عباس قال: كان على بني إسرائيل القصاصُ في القتلى، ليس بينهم دية في نفسٍ ولا جُرْحٍ. قال: وذلك قول الله تعالى ذكره: " وكتبنا عليهم فيها " في التوراة، فخفف الله عن أمّة محمد صلى الله عليه وسلم، فجعل عليهم الدية في النَّفس والجِراح، وذلك تخفيف من ربكم ورحمة= فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ .12068 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسنّ بالسن والجروح قصاص "، قال: إن بني إسرائيل لم تُجعل لهم ديةٌ فيما كتب الله لموسى في التوراة من نفس قتلت، أو جرح، أو سنّ، أو عين، أو أنف. إنما هو القصاصُ، أو العفو.12069 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " وكتبنا عليهم فيها "، أي في التوراة=" أن النفس بالنفس ".12070 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " وكتبنا عليهم فيها "، أي في التوراة، بأن النفس بالنفس.12071 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس " حتى بلغ " والجروح قصاص "، بعضها ببعض.12072 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " أن النفس بالنفس "، قال يقول: تقتل النفس بالنفس، وتفقأ العين بالعين، ويقطع الأنف بالأنف، وتنزع السنّ بالسن، وتقتصّ الجراح بالجراح.* * *قال أبو جعفر: فهذا يستوي فيه أحرار المسلمين فيما بينهم، رجالهم ونساؤهم، إذا كان في النفس وما دون النفس= ويستوي فيه العبيد رجالهم ونساؤهم فيما بينهم، إذا كان عمدًا في النفس وما دون النفس. (88)* * *القول في تأويل قوله عز ذكره : فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُقال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في المعنيِّ به: " فمن تصدق به فهو كفارة له ".فقال بعضهم: عنى بذلك المجروحَ ووليَّ القتيل.ذكر من قال ذلك:12073 - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن الهيثم بن الأسود، عن عبد الله بن عمرو: " فمن تصدق به فهو كفارة له "، قال: يُهْدَم عنه = يعني المجروح = مثلُ ذلك من ذنوبه.12074 - حدثنا سفيان قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن الهيثم بن الأسود، عن عبد الله بن عمرو، بنحوه.12075 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن الهيثم بن الأسود أبي العُرْيان قال: رأيت معاوية قاعدًا على السرير، وإلى جنبه رجلٌ أحمر كأنه مَوْلىً= وهو عبد الله بن عمرو= فقال في هذه الآية: " فمن تصدق به فهو كفارة له "، قال: يُهْدَم عنه من ذنوبه مثل ما تصدّق به. (89)12076 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم في قوله: " فمن تصدق به فهو كفارة له "، قال: للمجروح.12077 - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال، حدثنا شعبة، عن عمارة بن أبي حفصة، عن أبي عقبة، عن جابر بن زيد: " فمن تصدق به فهو كفارة له "، قا ل: للمجروح. (90)12078 - حدثنا ابن المثنى قال، حدثني حَرِميّ بن عمارة قال، حدثنا شعبة قال، أخبرني عمارة، عن رجل= قال حرميّ: نسيت اسمه= عن جابر بن زيد، بمثله. (91)12079 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن حماد، عن إبراهيم: " فمن تصدق به فهو كفارة له "، قال: للمجروح.12080 - حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة قال، حدثنا ابن فضيل، عن يونس بن أبي إسحاق، عن أبي السفر قال: دفع رجلٌ من قريش رجلا من الأنصار فاندقَّتْ ثنيَّتُه، فرفعه الأنصاري إلى معاوية. فلما ألحَّ عليه الرجل قال معاوية: شأنَكَ وصاحبَك! قال: وأبو الدرداء عند معاوية، فقال أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من مسلم يُصَاب بشيء من جسده فيَهبُه، إلا رفعه الله به درجةً وحطّ عنه به خطيئة. فقال له الأنصاري: أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: سمعته أذناي ووَعاه قلبي! فخلَّى سبيلَ القرشيّ، فقال معاوية: مروا له بمالٍ. (92)12081 - حدثنا محمود بن خداش قال، حدثنا هشيم بن بشير قال، أخبرنا مغيرة، عن الشعبي قال، قال ابن الصامت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من جُرِح في جسده جراحةً فتصدَّق بها، كُفّر عنه ذنوبه بمثل ما تصدّق به. (93)12082 - حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا يزيد بن هارون، عن سفيان بن حسين، عن الحسن في قوله: " فمن تصدق به فهو كفارة له "، قال: كفارة للمجروح.12083 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن زكريا قال: سمعت عامرًا يقول: كفارة لمن تصدَّق به.12084 - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " فمن تصدق به فهو كفارة له "، يقول: لوليّ القتيل الذي عفا.12085 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني شبيب بن سعيد، عن شعبة بن الحجاج، عن قيس بن مسلم، عن الهيثم أبي العريان قال: كنت بالشأم، وإذا برجل مع معاوية قاعدٍ على السرير كأنه مولًى، قال: " فمن تصدق به فهو كفارة له "، قال: فمن تصدق به هدَم الله عنه مثلَه من ذنوبه= فإذا هو عبد الله بن عمرو. (94)* * *وقال آخرون: عنى بذلك الجارحَ. وقالوا: معنى الآية: فمن تصدق بما وجب له من قَود أو قصاصٍ على من وجب ذلك له عليه، فعفا عنه، فعفوه ذلك عن الجاني كفّارة لذنب الجاني المجرم، كما القِصاص منه كفَّارة له. قالوا: فأما أجْر العافِي المتصدِّق، فعلى الله.ذكر من قال ذلك:12086 - حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: " فمن تصدق به فهو كفارة له "، قال: كفارة للجارح، وأجر الذي أُصِيب على الله.12087 - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا يونس، عن أبي إسحاق، قال سمعت مجاهدًا يقول لأبي إسحاق: " فمن تصدّق به فهو كفارة له "، يا أبا إسحاق، [لمن]؟ (95) قال أبو إسحاق: للمتصدق= فقال مجاهد: للمذنب الجارح.12088 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، قال مغيرة، قال مجاهد: للجارح.12089 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن مجاهد، مثله.12090 - حدثنا هناد وسفيان بن وكيع قالا حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم ومجاهد: " فمن تصدق به فهو كفارة له "، قالا للذي تُصُدِّق عليه، وأجرُ الذي أصيب على الله= قال هناد في حديثه، قالا كفارة للذي تُصُدِّق به عليه.12091 - حدثنا هناد قال، حدثنا عبد بن حميد، عن منصور، عن مجاهد، بنحوه.12092 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا محمد بن بشر، عن زكريا، عن عامر قال: كفارة لمن تُصُدِّق به عليه.12093 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد وإبراهيم قالا كفارة للجارح، وأجر الذي أصيب على الله.12094 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان قال: سمعت زيد بن أسلم يقول: إن عفا عنه، أو اقتص منه، أو قبل منه الدية، فهو كفّارة له.12095 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد قال: كفارة للجارح، وأجرٌ للعافي، لقوله: (96) فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [سورة الشورى: 40].12096 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: " فمن تصدّق به فهو كفارة له "، قال: كفارة للمتصدَّقِ عليه.12097 - حدثني المثنى قال، حدثنا معلى بن أسد قال، حدثنا خالد قال، حدثنا حصين، عن ابن عباس: " فمن تصدق به فهو كفارة له "، قال: هي كفارة للجارح.12098 - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم قال، حدثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: " فمن تصدق به فهو كفارة له "، قال: فالكفارة للجارح، وأجر المتصدِّق على الله.12099 - حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن عبد الله بن كثير، عن مجاهد أنه كان يقول: " فمن تصدق به فهو كفارة له "، يقول: للقاتل، وأجرٌ للعافي.12100 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عمران بن ظبيان، عن عديّ بن ثابت قال، هُتِم رجل على عهد معاوية، (97) فأعطي دية فلم يقبل، ثم أعطي ديتين فلم يقبل، ثم أعطي ثلاثًا فلم يقبل. فحدَّث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " فمن تصدّق بدمٍ فما دونه، كان كفّارة له من يوم تَصدَّق إلى يوم وُلد ". قال: فتصدَّق الرجل. (98)12101 - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له "، يقول: من جرح فتصدَّق بالذي جُرِح به على الجارح، فليس على الجارح سبيلٌ ولا قَوَدٌ ولا عَقْلٌ، ولا حَرَج عليه، (99) من أجل أنه تصدق عليه الذي جُرِح، فكان كفارة له من ظلمه الذي ظَلَم.* * *قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب، قولُ من قال: عني به: " فمن تصدّق به فهو كفارة له "، المجروحَ (100) = فلأن تكون " الهاء " في قوله: " له " عائدةً على " مَنْ"، أولى من أن تكون مِنْ ذِكْر من لم يجر له ذكر إلا بالمعنى دون التصريح، وأحرَى، إذ الصدقة هي المكفِّرة ذنبَ صاحبها دون المتصدَّق عليه في سائر الصدقات غير هذه، فالواجب أن يكون سبيلُ هذه سبيلَ غيرها من الصدَّقات.* * *فإن ظنّ ظانّ أن القِصاصَ= إذْ كان يكفّر ذنب صاحبه المقتصّ منه الذي أتاه في قتل من قتله ظلمًا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم إذ أخذ البيعة على أصحابه (101) " أن لا تقتلوا ولا تزنُوا ولا تسرقوا " ثم قال: " فمن فَعَل من ذلك شيئًا فأقيم عليه حدُّه فهو كفارته " (102) فالواجب أن يكونَ عفوُ العافي المجنيِّ عليه، أو ولي المقتول عنه نظيرَه، (103) في أن ذلك له كفارة. فإن ذلك لو وجب أن يكون كذلك، لوجب أن يكون عفوُ المقذوفِ عن قاذفه بالزنا، وتركِه أخذه بالواجب له من الحدِّ، وقد قذفه قاذِفُه وهو عفيفٌ مسلم مُحْصَن، كفَّارةً للقاذف من ذنبه الذى ركبه، ومعصيته التي أتاها. وذلك ما لا نعلم قائلا من أهل العلم يقوله.فإذْ كان غير جائز أن يكون تركُ المقذوف =الذي وصفنا أمره= أخذَ قاذفه بالواجب له من الحدّ= كفارةً للقاذف من ذنبه الذي ركبه، كان كذلك غير جائز أن يكون ترك المجروح أخذَ الجارح بحقِّه من القصاص، كفَّارةً للجارح من ذنبه الذي ركبه.* * *فإن قال قائل: أو ليس للمجروح عندك أخْذُ جارحه بدية جرحه مكانَ القِصاص؟قيل له: بلى!فإن قال: أفرأيت لو اختار الدّية ثم عفا عنها، أكانت له قِبَله في الآخرة تَبِعةٌ؟قيل له: هذا كلام عندنا محالٌ. وذلك أنه لا يكون عندنا مختارًا لديةٍ إلا وهو لها آخذٌ. فأما العفو فإنما هو عفو عن الدم= وقد دللنا على صحة ذلك في موضع غيرِ هذا، بما أغنى عن تكريره في هذا الموضع (104) = إلا أن يكون مرادًا بذلك هِبتُها لمن أخذت منه بعد الأخذ. مع أن عفوه عن الدية بعد اختياره إياها لو صَحَّ، لم يكن في صحة ذلك ما يوجب أن يكون المعفوُّ له عنها بريئًا من عقوبة ذنبه عند الله; لأن الله تعالى ذكره أوعد قاتلَ المؤمن بما أوعده به إن لم يتُبْ من ذنبه، والدية مأخوذة منه، أحبَّ أم سخط. والتوبة من التَائب إنما تكون توبةً إذا اختارها وأرادَها وآثرها على الإصرار.* * *فإن ظنّ ظانّ أن ذلك وإن كان كذلك، فقد يجب أن يكون له كفارةً، كما كان القصاص له كفارة، (105) فإنَّا إنما جعلنا القِصاص له كفارة= مع ندمه وبَذْله نفسَه لأخذ الحق منها= تنصُّلا من ذنبه، بخبر النبي صلى الله عليه وسلم. فأما الدية إذا اختارها المجروحُ ثم عفا عنها، فلم يُقْض عليه بحدّ ذنبه، فيكون ممن دخل في حكم النبي صلى الله عليه وسلم وقوله: " فمن أقيم عليه الحد فهو كفارته ". ثم مما يؤكد صحة ما قلنا في ذلك، الأخبارُ التي ذكرناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: " فمن تصدّق بدمٍ"، (106) وما أشبه ذلك من الأخبار التي قد ذكرناها قبل.* * *وقد يجوز أن يكون القائلون إنه عنى بذلك الجارحَ، أرادوا المعنى الذي ذُكر عن عروة بن الزبير الذي:-12102- حدثني به الحارث بن محمد قال، حدثنا القاسم بن سلام قال، (107) حدثنا حجاج، عن ابن جريج قال، أخبرني عبد الله بن كثير، عن مجاهد قال: إذا أصاب رجل رجلا ولا يعلم المُصاب من أصابه، فاعترف له المصيب، فهو كفارة للمُصيب. قال: وكان مجاهد يقول عند هذا: أصاب عروة ابن الزبير عينَ إنسان عند الركن فيما يستلمون، (108) فقال له: يا هذا، أنا عروة بن الزبير، فإن كان بعينك بأس فأنَا بها!* * *وإذا كان الأمر من الجارح على نحو ما كان من عروة من خطأ فعلٍ على غير عمدٍ، ثم اعترف للذي أصابه بما أصابه، فعفا له المصاب بذلك عن حقِّه قبله، فلا تبعة له حينئذٍ قَبِل المُصيب في الدنيا ولا في الآخرة. لأن الذى كان وجب له قبله مالٌ لا قِصاص، وقد أبرأه منه: فإبراؤه منه، كفَّارة للمبرَّأ من حقه الذي كان له أخذه به، (109) فلا طَلِبة له بسبب ذلك قِبَله في الدنيا ولا في الآخرة، ولا عقوبة تلزمه بها بما كان منه إلى من أصابه، لأنه لم يتعمد إصابته بما أصابه به، فيكون بفعله آثمًا يستحق به العقوبة من ربه، (110) لأن الله عز وجل قد وضع الجُناح عن عباده فيما أخطأوا فيه ولم يتعمّدوه من أفعالهم، فقال في كتابه: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ . (111) [سورة الأحزاب: 5]* * *و " التصدق "، في هذا الموضع، بالدم، العفو عنه. (112)* * *القول في تأويل قوله عز ذكره : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ومن لم يحكم بما أنزل الله في التوارة من قَوَدِ النفس القاتلة قِصاصًا بالنفس المقتولة ظلمًا. ولم يفقأ عين الفاقئ بعين المفقوء ظلمًا، قِصاصًا ممن أمره الله به بذلك في كتابه، ولكن أقاد من بعضٍ ولم يُقِدْ من بعض، أو قتل في بعض اثنين بواحد، فإنّ من يفعل ذلك من " الظالمين " (113) = يعني: ممن جارَ عن حكم الله، (114) ووضع فعله ما فعل من ذلك في غير موضعه الذي جعله الله له موضعًا. (115)* * *-----------------الهوامش :(83) انظر تفسير"كتب" فيما سلف ص: 232 تعليق: 1 ، والمراجع هناك.(84) انظر تفسير"القصاص" فيما سلف 3: 357- 366/ثم 3: 579 تعليق: 1.(85) قوله: "وفاء من دم النضيري" ، أي يعادله ويساويه. يقال: "وفى الدرهم المثقال" أي: عادله.(86) "الطول" (بفتح فسكون): العلو والفضل والعزة.(87) الأثر: 12066- مضى خبر السدي عن أبي مالك بإسناد آخر رقم: 2564.(88) من أول قوله: "فهذا يستوي ..." إلى آخر الكلام ، يشبه عندي أن يكون من كلام أبي جعفر ، فلذلك ، فصلته عن خبر ابن عباس ، وكتبت قبله: "قال أبو جعفر".(89) الآثار: 12073- 12075- ثم يأتي أيضًا من طريق أخرى برقم: 12085."سفيان" ، هو الثوري.و"قيس بن مسلم الجدلي العدواني" ، ثقة ، مضى برقم: 9744.و"طارق بن شهاب الأحمسي" ، ثقة ، مضى برقم: 9744 ، 11682.و"الهيثم بن الأسود النخعي" ، "أبو العريان" ، أدرك عليًا ، وروى عن معاوية وعبد الله بن عمرو. ثقة من خيار التابعين ، كان خطيبًا شاعرًا. مترجم في التهذيب.وهذا الخبر رواه في السنن 8: 54 ، بمثله. وذكره ابن كثير في تفسيره 3: 167 ، من تفسير ابن أبي حاتم ، من طريق أبي داود الطيالسي ، عن شعبة. وخرجه السيوطي في الدر المنثور 2: 288 ، وزاد نسبته للفريابي ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وأبي الشيخ ، وابن مردويه.وقوله: "وإلى جنبه رجل أحمر كأنه مولى" ، "الأحمر" عندهم: الأبيض ، لأن بياض الناس تشوبه الحمرة ، ولذلك سموا العجم"الحمراء" ، لبياضهم ، ولغلبة الشقرة عليهم. وقد ذكر ابن سعد (4/2/11) صفة عبد الله بن عمرو ، عن"العريان بن الهيثم بن الأسود النخعي" قال: "وفدت مع أبي إلى يزيد بن معاوية ، فجاء رجل طوال أحمر ، عظيم البطن ، فسلم وجلس. فقال أبي: من هذا؟ فقيل: عبد الله بن عمرو". وروي أيضا عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، أنه وصف عبد الله بن عمرو فقال: "رجل أحمر عظيم البطن طوال". وعنى بقوله: "كأنه مولى" ، كأنه من العجم أو الفرس.وكان في المطبوعة والمخطوطة: "وإلى جنبه رجل آخر" ، وهو خطأ صرف كما ترى.(90) الأثر: 12077-"عمارة بن أبي حفصة العتكي" ، ثقة ، مضى برقم: 8513.و"أبو عقبة" ، لم أجد له ذكرا ، ولم أعرف من هو.و"جابر بن زيد الأزدي اليحمدي" ، "أبو الشعثاء" ، ثقة ، كان من أعلم الناس بكتاب الله. مضى برقم: 5136 ، 5472.(91) الأثر: 12078-"حرمي بن عمارة بن أبي حفصة العتكي" ، مضى هو وأبوه"عمارة بن أبي حفصة" فيما سلف رقم: 5813.والرجل الذي نسيه"حرمي" ، هو"أبو عقبة" المذكور في الأثر السالف.(92) الأثر: 12080-"يونس بن أبي إسحق السبيعي" ، ثقة. مضى برقم: 3018.و"أبو السفر" ، هو: "سعيد بن يحمد الثوري" تابعي ثقة ، يروي عن متوسطي الصحابة كابن عباس وابن عمر. مضى برقم: 3010.وهذا الإسناد منقطع ، لأن أبا السفر لم يسمع أبا الدرداء.وروى الخبر أحمد في مسنده 6: 448 ، من طريق وكيع عن يونس بن أبي إسحق ، بمثله.ورواه البيهقي في السنن 8: 55 ، من طريق شيبان بن عبد الرحمن ، عن يونس بن أبي إسحق ، بمثله. ورواه ابن ماجه في سننه ص: 898 ، رقم: 2693.ورواه الترمذي في"أبواب الديات" ، "باب ما جاء في العفو" ، من طريق عبد الله بن المبارك ، عن يونس بن أبي إسحق. ثم قال الترمذي: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، ولا أعرف لأبي السفر سماعًا من أبي الدرداء".وخرجه ابن كثير في تفسيره 3: 168 ، وزاد نسبته لابن ماجه.(93) الأثر: 12081-"ابن الصامت" ، هو"عبادة بن الصامت" ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.وهذا الخبر ، إسناد صحيح إلى الشعبي ، رواه أحمد في مسنده 5: 316 ، من طريق سريج بن النعمان ، عن هشيم ، بمثله ، ثم رواه ابنه عبد الله في 5: 329 ، من طريق شجاع بن محمد ، عن هشيم ، بمثله ثم رواه عبد الله أيضا 5: 330 ، من طريق إسمعيل بن أبي معمر الهذلي ، عن جرير ، عن مغيرة ، عن الشعبي ، عن ابن الصامت بلفظ: "من تصدق عن جسده بشيء ، كفر الله تعالى عنه بقدر ذنوبه".ورواه البيهقي بغير هذا اللفظ من طريق أبي داود ، عن محمد بن أبان ، عن علقمة بن مرثه ، عن الشعبي" ، وقال: "هو منقطع" ، وذلك أن الشعبي ، لم يسمع من عبادة بن الصامت.وخرجه ابن كثير في تفسيره 3: 168 ، وزاد نسبته للنسائي ، عن علي بن حجر ، عن جرير بن عبد الحميد.(94) الأثر: 12085-"شبيب بن سعيد التميمي الحبطي" ، ثقة ، مضى برقم: 6613.وهذا الأثر مضى قبل ذلك بالأسانيد رقم 12073 - 12075 ، ولا أدري أسقط من الناسخ هنا"عن طارق بن شهاب" ، كما في سائر الأسانيد ، أم هكذا رواه ابن وهب عن شبيب بن سعيد. ولذلك تركته على حاله ، ولكن لا شك أن الراوي عن الهيثم ، هو طارق بن شهاب.وأما قوله"الهيثم أبي العريان" فقد كان في المخطوطة والمطبوعة: "الهيثم بن العريان" ، وهو خطأ لا شك فيه ، صوابه ما أثبت. وقد مضى ذكره في الأسانيد السالفة ، انظر التعليق هناك.(95) ما زدته بين القوسين ، لا بد من زيادته أو ما بشبهه.(96) في المخطوطة: "إلى قوله: فمن عفا..." ، وفي الهامش حرف (ط) دلالة على الخطأ ، والذي في المطبوعة هو الصواب.(97) "هتم الرجل" (بالبناء للمجهول): انكسر مقدم أسنانه."هتم فاه يهتمه هتمًا" متعديا = و"هتم هتما" (على وزن سكر) فهو"أهتم" ، و"تهتمت ثناياه".(98) الأثر: 12100-"عمران بن ظبيان الحنفي". قال البخاري: "فيه نظر" ، وقال أبو حاتم: "يكتب حديثه" ، ثم اختلف في أمره ابن حبان ، فذكره في الثقات ، ثم عاد فذكره في الضعفاء ، وقال"فحش خطؤه ، حتى بطل الاحتجاج" ، وضعفه العقيلي وابن عدي. وكان يميل إلى التشيع.وأما "عدي بن ثابت الأنصاري" ، فهو ثقة صدوق ، كان إمام مسجد الشيعة وقاصهم. وروى له الأئمة ، مضى برقم: 11726.وهذا الخبر ، خرجه السيوطي في الدر المنثور 1: 288 ، ونسبه أيضًا لسعيد بن منصور ، وابن مردويه. ولفظ الخبر عن رسول الله: "من تصدق بدم فما دونه ، فهو كفارة له من يوم ولد إلى يوم يموت". وساقه بلفظه هذا ابن كثير في تفسيره 3: 168 ، عن ابن مردويه ، قال"حدثنا دعلج بن أحمد ، حدثنا محمد بن علي بن زيد ، عن سعيد بن منصور ، عن سفيان ، عن عمران بن ظبيان". وكأن الصواب هو هذا اللفظ ، وما في التفسير أنا في شك من صحة لفظه ، ولكني تركته على حاله ، ولو كان: "من يوم ولد إلى يوم تصدق" ، لكان أقوم لفظًا ومعنى.(99) في المطبوعة: "ولا جرح عليه" ، والصواب ما أثبت ، والمخطوطة غير منقوطة.(100) في المطبوعة والمخطوطة: "عنى به فمن تصدق..." ، والسياق يقتضي ما أثبت.(101) في المطبوعة: "كقول النبي صلى الله عليه وسلم" ، والصواب ما أثبت.(102) هذا الخبر رواه أبو جعفر مختصرًا غير مسند ، وهو خبر صحيح. انظر صحيح مسلم 11: 222 - 224.(103) السياق: "فإن ظن ظان أن القصاص ، إذ كان يكفر ذنب صاحبه... فالواجب أن يكون عفو العافي... نظيره.(104) انظر ما سلف 3: 371 ، وما قبلها.(105) في المطبوعة: "كما جاز القصاص" ، وفي المخطوطة"كان" إلا أنه كتب جيما ثم وضع عليها شرطة الكاف ، وأما الحرف الأخير فهو"نون" ، فصحيح قراءته ما أثبت ، وهو حق السياق أيضًا.(106) في المطبوعة والمخطوطة."فمن تصدق به" ، والصواب ما أثبته ، وهو نص الأثر السالف رقم: 12100.(107) في المطبوعة: "قال حدثنا ابن سلام" ، وفي المخطوطة: "قال حدثنا القاسم الحارث بن سلام" ثم ضرب على"القاسم" و"الحارث" ثم وضع بجوار"القاسم" علامة التصحيح وهي (صح).(108) في المخطوطة: "فيما يسلمون" ، وتركت ما في المطبوعة على حاله ، وهو قريب الاستقامة. وفي تفسير أبي حيان 3: 497 ، "وهم يستلمون" ، وهي أجود.(109) في المطبوعة: "كفارة له من حقه" ، وفي المخطوطة"كفارة *لمتزامر[محذوفة النقط] من حقه" ، والذي أثبته هو صواب قراءتها.(110) في المطبوعة: "فيكون بفعله إنما يستحق العقوبة" ، وهو كلام فارغ المعنى ، و *"انما" هكذا في المخطوطة غير منقوطة ، وصواب قراءتها ما أثبت.(111) في المخطوطة والمطبوعة ، كتب الآية هكذا: "ولا جناح عليكم فيما أخطأتم..." ، وليس فيما نتلو آية كهذه ، وإنما هي آية الأحزاب كما أثبتها.(112) في المطبوعة: "وقد يراد في هذا الموضع بالدم العفو عنه" ، وهو كلام لا معنى له ولا ضابط. وفي المخطوطة: "وا * في هذا الموضع بالدم ، العفو عنه" ، بين الكلامين بياض وفي الهامش حرف (ط) دلالة على الخطأ ، فاستظهرت صواب الكلام من سياق تفسير هذه الآية.(113) في المطبوعة والمخطوطة: "وإن من يفعل ذلك" ، والسياق يقتضي ما أثبت.(114) في المطبوعة: "جار على حكم الله" ، والصواب من المخطوطة.(115) انظر تفسير"الظلم" فيما سلف من فهارس اللغة.
115