سورة الحج (22): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة الحج بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة الحج مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة الحج

  • نوع سورة الحج: مدنية
  • عدد الآيات في سورة الحج: 78
  • ترتيب سورة الحج في القرآن الكريم: 22
  • ترتيب نزول الوحي: 103
  • اسم السورة باللغة الإنجليزية: The Pilgrimage
  • أرقام الصفحات في القرآن الكريم: من الصفحة 332 إلى 341
  • التفسير: تفسير الوسيط لطنطاوي

سُورَةُ الحَجِّ
الصفحة 337 (آيات من 39 إلى 46)

أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا۟ ۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ٱلَّذِينَ أُخْرِجُوا۟ مِن دِيَٰرِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّآ أَن يَقُولُوا۟ رَبُّنَا ٱللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَٰتٌ وَمَسَٰجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ٱسْمُ ٱللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّٰهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ أَقَامُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُا۟ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُوا۟ بِٱلْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا۟ عَنِ ٱلْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلْأُمُورِ وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ وَقَوْمُ إِبْرَٰهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَٰبُ مَدْيَنَ ۖ وَكُذِّبَ مُوسَىٰ فَأَمْلَيْتُ لِلْكَٰفِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ ۖ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَٰهَا وَهِىَ ظَالِمَةٌ فَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ أَفَلَمْ يَسِيرُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ أَوْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى ٱلْأَبْصَٰرُ وَلَٰكِن تَعْمَى ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِى فِى ٱلصُّدُورِ
337

الاستماع إلى سورة الحج

تفسير سورة الحج (تفسير الوسيط لطنطاوي: محمد سيد طنطاوي)

الترجمة الإنجليزية

Othina lillatheena yuqataloona biannahum thulimoo wainna Allaha AAala nasrihim laqadeerun

ثم رخص- سبحانه- للمؤمنين بأن يقاتلوا في سبيله فقال: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا....وقوله- تعالى- أُذِنَ فعل ماض مبنى للمجهول مأخوذ من الإذن بمعنى الإباحة والرخصة. والمقصود إباحة مشروعية القتال، وقد قالوا: بأن هذه الآيات أول ما نزل في شأن مشروعية القتال.أخرج الإمام أحمد والترمذي عن ابن عباس قال: لما خرج النبي صلّى الله عليه وسلّم من مكة قال أبو بكر: أخرجوا نبيهم ليهلكن، فنزلت هذه الآيات.وقرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي أُذِنَ بالبناء الفاعل. والمأذون لهم فيه هو القتال، وهو محذوف في قوة المذكور بدليل قوله يُقاتَلُونَ والباء في قوله بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا للسببية.أى: أذن الله- تعالى- للمؤمنين، ورخص لهم، بأن يقاتلوا أعداءهم الذين ظلموهم، وآذوهم، واعتدوا عليه، بعد أن صبر هؤلاء المؤمنون على أذى أعدائهم صبرا طويلا.قال الآلوسى: والمراد بالموصول أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم الذين في مكة، فقد نقل الواحدي وغيره، أن المشركين كانوا يؤذونهم، وكانوا يأتون النبي صلّى الله عليه وسلّم بين مضروب ومشجوج ويتظلمون إليه فيقول لهم: اصبروا فإنى لم أومر بالقتال حتى هاجر صلّى الله عليه وسلّم فنزلتهذه الآية. وهي أول آية نزلت في القتال بعد ما نهى عنه في نيف وسبعين آية .وقوله- تعالى-: وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ وعد منه- سبحانه- للمؤمنين بالنصر وحض لهم على الإقدام على الجهاد في سبيله بدون تردد أو وهن.أى: وإن الله- تعالى- لقادر على أن ينصر عباده المؤمنين. وعلى أن يمكن لهم في الأرض، وعلى أن يجعلهم الوارثين لأعدائهم الكافرين.قال الإمام ابن كثير ما ملخصه: قوله: وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ أى: هو قادر على نصر عباده المؤمنين من غير قتال، ولكنه يريد من عباده أن يبلوا جهدهم في طاعته، كما قال- تعالى-: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ، حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها، ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ، وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ.. .وإنما شرع- سبحانه- الجهاد في الوقت الأليق به، لأنهم لما كانوا بمكة، كان المشركون أكثر عددا. فلو أمر المسلمون بالقتال لشق ذلك عليهم ...فلما استقروا بالمدينة. وصارت لهم دار إسلام، ومعقلا يلجئون إليه شرع الله جهاد الأعداء، فكانت هذه الآية أول ما نزل في ذلك.. .

الترجمة الإنجليزية

Allatheena okhrijoo min diyarihim bighayri haqqin illa an yaqooloo rabbuna Allahu walawla dafAAu Allahi alnnasa baAAdahum bibaAAdin lahuddimat sawamiAAu wabiyaAAun wasalawatun wamasajidu yuthkaru feeha ismu Allahi katheeran walayansuranna Allahu man yansuruhu inna Allaha laqawiyyun AAazeezun

وقوله- سبحانه-: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ..بيان لبعض الأسباب التي من أجلها شرع الله الجهاد في سبيله.أى: إن الله- تعالى- لقدير على نصر المؤمنين الذين أخرجهم الكافرون من ديارهم بغير حق، وبغير أى سبب من الأسباب، سوى أنهم كانوا يقولون ربنا الله- تعالى- وحده، ولن نعبد من دونه إلها آخر.أى: ليس هناك ما يوجب إخراجهم- في زعم المشركين- سوى قولهم ربنا الله.ثم حرض- سبحانه- المؤمنين على القتال في سبيله، بأن بين لهم أن هذا القتال يقتضيه نظام هذا العالم وصلاحه، فقال- تعالى-: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً.والمراد بالدفع: إذن الله المؤمنين في قتال المشركين. والمراد بقوله: بَعْضَهُمْ الكافرون. وبقوله: بِبَعْضٍ المؤمنون.والصوامع: جمع صومعة، وهي بناء مرتفع يتخذه الرهبان معابد لهم.والبيع: جمع بيعة- بكسر الباء- وهي كنائس النصارى التي لا تختص بالرهبان.والصلوات: أماكن العبادة لليهود.أى: ولولا أن الله- تعالى- أباح للمؤمنين قتال المشركين، لعاث المشركون في الأرض فسادا، ولهدموا في زمن موسى وعيسى أماكن العبادة الخاصة بأتباعهما، ولهدموا في زمن الرسول صلّى الله عليه وسلّم المساجد التي تقام فيها الصلاة.قال القرطبي: قوله- تعالى-: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ... أى:ولولا ما شرعه الله- تعالى- للأنبياء والمؤمنين من قتال الأعداء لاستولى أهل الشرك.وعطلوا ما بناه أهل الديانات من مواضع العبادات ولكنه دفع بأن أوجب القتال ليتفرغ أهل الدين للعبادة. فالجهاد أمر متقدم في الأمم. وبه صلحت الشرائع، واجتمعت المتعبدات، فكأنه قال: أذن في القتال فليقاتل المؤمنون. ثم قوى هذا الأمر في القتال بقوله: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ ... الآية أى: لولا الجهاد والقتال لتغلب أهل الباطل على أهل الحق في كل أمة .. .فالآية الكريمة تفيد أن الله- تعالى- قد شرع القتال لإعلاء الحق وإزهاق الباطل، ولولا ذلك لاختل هذا العالم، وانتشر فيه الفساد.والتعبير بقوله- تعالى-: لَهُدِّمَتْ بالتشديد للإشعار بأن عدم مشروعية القتال، يؤدى إلى فساد ذريع، وإلى تحطيم شديد لأماكن العبادة والطاعة لله- عز وجل-.وقدم الصوامع والبيع والصلوات على المساجد، باعتبار أنها أقدم منها في الوجود، أو للانتقال من الشريف إلى الأشرف.ثم ساق- سبحانه- بأسلوب مؤكد سنة من سننه التي لا تتخلف فقال: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ.أى: والله لينصرن- سبحانه- من ينصر دينه وأولياءه، لأنه- تعالى- هو القوى على كل فعل يريده، العزيز الذي لا يغالبه مغالب، ولا ينازعه منازع.وقد أنجز- سبحانه- وعده وسنته، فسلط عباده المؤمنين من المهاجرين والأنصار، على أعدائه، فأذلوا الشرك والمشركين وحطموا دولتي الأكاسرة والقياصرة، وأورثهم أرضهم وديارهم.

الترجمة الإنجليزية

Allatheena in makkannahum fee alardi aqamoo alssalata waatawoo alzzakata waamaroo bialmaAAroofi wanahaw AAani almunkari walillahi AAaqibatu alomoori

ثم وصف- سبحانه- هؤلاء المؤمنين الذين وعدهم بنصره بأكرم الصفات ليميزهم عن غيرهم فقال: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ، وَآتَوُا الزَّكاةَ، وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ.أى: ولينصرن الله- تعالى- هؤلاء المؤمنين الصادقين الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق، والذين من صفاتهم أنهم إذا ما مكنا لهم في الأرض، ونصرناهم على أعدائهم، شكروا لنا ما أكرمناهم به، فأقاموا الصلاة في مواقيتها بخشوع وإخلاص، وقدموا زكاة أموالهم للمحتاجين، وأمروا غيرهم بالمعروف ونهوه عن المنكر، ولله- تعالى- وحده عاقبة الأمور ومردها ومرجعها في الآخرة، فيجازى كل إنسان بما يستحقه من ثواب أو عقاب.فالآية الكريمة تبين أن أولى الناس بنصر الله، هم هؤلاء المؤمنون الصادقون، الذين أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ...وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ .وقوله- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ.. .وبعد أن أذن الله- تعالى- لنبيه صلّى الله عليه وسلّم وللمؤمنين في القتال، وبشرهم بالنصر.. أتبع ذلك بتسليته صلّى الله عليه وسلّم عما أصابه من حزن بسبب تكذيب المشركين له ووبخ- سبحانه- أولئك المشركين على عدم اعتبارهم بمن سبقهم فقال- تعالى-:

الترجمة الإنجليزية

Wain yukaththibooka faqad kaththabat qablahum qawmu noohin waAAadun wathamoodu

والمعنى: لا تحزن- أيها الرسول الكريم- لأن هؤلاء المشركين قد كذبوك فيما جئتهم به من عند ربك، وأعرضوا عنه، فإن قوم نوح، وقوم هود. وقوم صالح، وقوم إبراهيم، وقوم لوط، وقوم شعيب، وقوم موسى، قد كذبوا هؤلاء الأنبياء الكرام، وما يقال لك من هؤلاء المشركين، قد قيل للرسل من قبلك.قال- تعالى-: كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ .واستغنى في عاد وثمود عن ذكر القوم، لاشتهارهم بهذا الاسم الذي يدل دلالة واضحة على هؤلاء الظالمين.

الترجمة الإنجليزية

Waqawmu ibraheema waqawmu lootin

وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ

الترجمة الإنجليزية

Waashabu madyana wakuththiba moosa faamlaytu lilkafireena thumma akhathtuhum fakayfa kana nakeeri

وقال- سبحانه-: وَأَصْحابُ مَدْيَنَ ولم يقل وقوم شعيب، لأنهم هم الأسبق في التكذيب له- عليه السلام- على أصحاب الأيكة، ولأنهم هم أهله أما أصحاب الأيكة فكانوا غرباء عنه.وقال- سبحانه-: وَكُذِّبَ مُوسى لأنه لم يكذّب من جميع قومه وهم بنو إسرائيل.وإنما كان المكذب له هو فرعون وملأه، وللإشارة إلى أن موسى- عليه السلام- قد جاء إلى الناس بآيات واضحات تدل على صدقه، ومع ذلك فقد قوبل بالتكذيب من فرعون وملئه.ثم بين- سبحانه- ما حل بهؤلاء من عقوبات فقال: فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ.والإملاء: الإمهال وفي الصحيحين عن أبى موسى الأشعرى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال:«إن الله ليملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته» .والنكير: اسم مصدر بمعنى الإنكار، يقال: أنكرت على فلان فعله، إذا ردعته وزجرته عنه.أى: هؤلاء الأقوام الذين كذبوا أنبياءهم، لم أعاجلهم بالعقوبة، بل أمهلتهم وأمليت لهم، ثم أخذتهم أخذ عزيز مقتدر، فانظر- أيها العاقل- كيف كان إنكارى عليهم؟ لقد كان إنكارا مخيفا مهلكا فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً. وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا، وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ، وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ .وقال- سبحانه- فَأَمْلَيْتُ لِلْكافِرِينَ بالإظهار دون الإضمار، لزيادة التشنيع عليهم والاستفهام في قوله- تعالى-: فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ للتهويل والتعجيب. أى: لقد كان إنكارا فظيعا حول حياتهم إلى موت، وعمرانهم إلى خراب، وغرورهم إلى ذلة وهوان.. فعلى مشركي قريش أن يعتبروا بذلك ويتعظوا.. وإلا فالعاقبة معروفة لهم.

الترجمة الإنجليزية

Fakaayyin min qaryatin ahlaknaha wahiya thalimatun fahiya khawiyatun AAala AAurooshiha wabirin muAAattalatin waqasrin masheedin

وبعد هذا البيان المشتمل على سوء عاقبة هذه الأمم التي كذبت رسلها.. أتبع ذلك- سبحانه- ببيان مصير كثير من الأمم الظالمة فقال: فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَهِيَ ظالِمَةٌ، فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ، وَقَصْرٍ مَشِيدٍ.وكلمة «كأين» مركبة من كاف التشبيه، ومن أى الاستفهامية المنونة، ثم هجر معنى جزأيها وصارت كلمة واحدة بمعنى كم الخبرية المفيدة للتكثير، ويكنى بها عن عدد مبهم فتفتقر إلى تمييز بعدها. ومميزها غالبا ما يجر بمن كما في الآية وفي غيرها. قال- تعالى-: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ ... ، وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ .قال الآلوسى: وقوله: فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ منصوب بمضمر يفسره قوله- تعالى-:أَهْلَكْناها أى: فأهلكنا كثيرا من القرى أهلكناها.. أو مرفوع على الابتداء، وجملة أَهْلَكْناها خبره.أى: فكثير من القرى أهلكناها.. وقوله: وَهِيَ ظالِمَةٌ جملة حالية من مفعول أهلكنا.. .ولفظ خاوِيَةٌ بمعنى ساقطة أو خالية. يقال خوى البيت يخوى إذا سقط أو خلا ممن يسكنه.والعروش: جمع عرش وهو سقف البيت، ويسمى العريش: وكل ما يهيأ ليستظل به فهو عريش.وبئر معطلة أى: مهجورة لهلاك أهلها، يقال: بأر فلان الأرض إذا حفرها ليستخرج منها الماء.والمشيد: المجصص بالشّيد وهو الجصّ. يقال: شاد فلان بيته يشيده، إذا طلاه بالشّيد.والمعنى: وكثير من القوى أهلكناها بسبب ظلمهم وكفرهم، فإذا ما نظرت إليها وجدتها خالية من أهلها، وقد سقطت سقوفها على جدرانها. وكثير من الآبار التي كانت تتفجر بالماء عطلناها وصارت مهجورة، وكثير- أيضا- من القصور المشيدة الفخمة أخليناها من أهلها.وذلك لأنهم كذبوا رسلنا، وجحدوا نعمنا، فدمرناهم تدميرا. وجعلنا مساكنهم من بعدهم أثرا بعد عين.فأنت ترى أن هذه الآية الكريمة قد اشتملت على أشد ألوان الوعيد والتهديد لكفار قريش الذين كذبوا الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأعرضوا عن دعوته.وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً .

الترجمة الإنجليزية

Afalam yaseeroo fee alardi fatakoona lahum quloobun yaAAqiloona biha aw athanun yasmaAAoona biha fainnaha la taAAma alabsaru walakin taAAma alquloobu allatee fee alssudoori

ثم ينتقل القرآن الكريم من هذا التهديد الشديد، إلى التوبيخ والتقريع لهؤلاء المشركين، الذين لا يعتبرون ولا يتعظون فيقول: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها، أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها ...والاستفهام للتوبيخ والإنكار، والفاء للعطف على مقدر يستدعيه المقام.والمعنى: إن مصارع الغابرين وديارهم، يمر بها كفار قريش، ويعرفونها، فهم يرون في طريقهم إلى الشام قرى صالح وقرى قوم لوط.. قال- تعالى-: وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ.والشأن في هذه الرؤية أن تجعل صاحبها يعتبر ويتعظ، متى كان عنده قلب يعقل ما يجب فهمه، أو أذن تسمع ما يجب سماعه وتنفيذه، ولكن هؤلاء الجاهلين يرون مصارع الغابرين فلا يعقلون، ولا يعتبرون، ويسمعون الأحاديث عن تلك الآبار المعطلة، والقصور الخالية من سكانها، والمنازل المهدمة، فلا يتعظون.وقوله- تعالى-: فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ بيان لسبب انطماس بصائرهم، وقسوة قلوبهم.والضمير في قوله فَإِنَّها للقصة. أى: فإن الحال أنه لا يعتد بعمى الأبصار، ولكن الذي يعتد به هو عمى القلوب التي في الصدور، وهؤلاء المشركون قد أصيبوا بالعمى الذي هو أشنع عمى وأقبحه. وهو عمى القلوب عن الفهم وقبول الحق.وذكر- سبحانه- أن مواضع القلوب في الصدور، لزيادة التأكيد، ولزيادة إثبات العمى لتلك القلوب التي حدد- سبحانه- موضعها تحديدا دقيقا.قال الآلوسى: فالكلام تذييل لتهويل ما نزل بهم من عدم فقه القلب، وأنه العمى الذي لا عمى بعده، بل لا عمى إلا هو، أو المعنى: إن أبصارهم صحيحة سالمة لا عمى بها. وإن العمى بقلوبهم، فكأنه قيل: أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب ذات بصائر، فإن الآفة ببصائر قلوبهم لا بأبصار عيونهم، وهي الآفة التي كل آفة دونها. كأنه يحثهم على إزالة المرض وينعى عليهم تقاعدهم عنها .
337