سورة البقرة (2): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة البقرة بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة البقرة مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة البقرة

سورة البقرة في القرآن الكريم

سورة البقرة هي ثاني سورة من سور القرآن الكريم، وتتألف من 286 آية. تعتبر سورة البقرة من أطول السور في القرآن الكريم، وتحتوي على مواضيع متنوعة تتعلق بالعقيدة والشريعة والأخلاق والتشريعات الاجتماعية.

تتضمن سورة البقرة العديد من الحكم والأوامر الإلهية التي تهدف إلى توجيه الإنسان في حياته وتربيته على القيم الإسلامية. كما تحتوي على قصص وأمثال تعبر عن الحكمة والعبرة للمؤمنين.

من بين المواضيع الرئيسية التي تتناولها سورة البقرة هي الإيمان والتوحيد، والشريعة والأحكام الشرعية، والأخلاق والتربية، والتاريخ الإسلامي والقصص القرآنية.

يعتبر قراءة سورة البقرة والتفكير في مضمونها من الأمور المهمة في الحياة اليومية للمسلم، حيث تحتوي على توجيهات ونصائح تساعد على تحسين الحياة الروحية والاجتماعية.

بالإضافة إلى ذلك، يعتقد الكثيرون أن قراءة سورة البقرة تحمي المنزل وأهله من الشرور والأذى، وتجلب البركة والرزق.

سُورَةُ البَقَرَةِ
الصفحة 41 (آيات من 249 إلى 252)

فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلْجُنُودِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّى وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُۥ مِنِّىٓ إِلَّا مَنِ ٱغْتَرَفَ غُرْفَةًۢ بِيَدِهِۦ ۚ فَشَرِبُوا۟ مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُۥ هُوَ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مَعَهُۥ قَالُوا۟ لَا طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِۦ ۚ قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُوا۟ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةًۢ بِإِذْنِ ٱللَّهِ ۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ وَلَمَّا بَرَزُوا۟ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِۦ قَالُوا۟ رَبَّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَٱنصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَٰفِرِينَ فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُۥدُ جَالُوتَ وَءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُۥ مِمَّا يَشَآءُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ ٱلْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْعَٰلَمِينَ تِلْكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ ۚ وَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ
41

الاستماع إلى سورة البقرة

تفسير سورة البقرة (تفسير الوسيط لطنطاوي: محمد سيد طنطاوي)

الترجمة الإنجليزية

Falamma fasala talootu bialjunoodi qala inna Allaha mubtaleekum binaharin faman shariba minhu falaysa minnee waman lam yatAAamhu fainnahu minnee illa mani ightarafa ghurfatan biyadihi fashariboo minhu illa qaleelan minhum falamma jawazahu huwa waallatheena amanoo maAAahu qaloo la taqata lana alyawma bijaloota wajunoodihi qala allatheena yathunnoona annahum mulaqoo Allahi kam min fiatin qaleelatin ghalabat fiatan katheeratan biithni Allahi waAllahu maAAa alssabireena

ثم بين- سبحانه- ما دار بين طالوت وجنوده فقال: فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ.فَصَلَ بمعنى الفصل. قال الزمخشري: فصل عن موضع كذا: إذا انفصل عنه وجاوزه.وأصله فصل نفسه. ثم كثر: حذف المفعول حتى صار في حكم غير المتعدى كانفصل. وقيل:فصل عن البلد فصولا. ويجوز أن يكون فصله فصلا، وفصل فصولا كوقف وصد ونحوهما.والمعنى انفصل عن بلده» .و (النهر) بالفتح والسكون-: المجرى الواسع الذي يجرى فيه الماء مأخوذ من نهر الأرض بمعنى شقها.أى: فلما انفصل بهم عن المكان الذي كانوا يقيمون فيه، وتوجهوا معه لقتال جالوت وجنوده، قال لهم إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ أى مختبركم وممتحنكم بنهر، وكان طالوت قد سار بهم في أرض قفرة فأصابهم عطش شديد. وفي هذا الابتلاء اختبار لعزيمتهم، وامتحان لصبرهم على المتاعب حتى يتميز من يصبر على الحرب ممن لا يصبر، ومن شأن القواد الأقوياء العقلاء أنهم يختبرون جنودهم قبل اقتحام المعارك حتى يكونوا على بينة من أمرهم. ثم بين لهم موضع الاختبار فقال: فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ.يَطْعَمْهُ أى يذقه من طعم الشيء يطعمه إذا ذاقه مأكولا أو مشروبا.الْغُرْفَةَ- بالضم- اسم للشيء المغترف وجمعه غراف. وأما الغرفة- بالفتح- فهي اسم للمرة الواحدة من الغرف وقيل: هما لغتان بمعنى واحد.أى قال لهم طالوت: من شرب من هذا النهر فليس من شيعتي، فعليه أن يتركني ولا يصاحبنى في خوض هذه المعركة لأنه ثبت ضعفه وخوره، ومن لم يذقه أصلا فإنه من شيعتي وحزبى الذي سيكون معى في هذه المعركة الخطيرة. ثم أباح لهم أن يغترفوا من النهر غرفة يخففون بها من عطشهم فقال: إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فإنه لا يخرج بذلك عن كونه منى.وفي هذه الجملة الكريمة قدم- سبحانه- جواب الشرط على الاستثناء من الشرط فقد قال وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ والتأليف المعهود للناس أن يقال: (ومن لم يطعمه إلا من اغترف بيده فإنه منى) ولكن الآية الكريمة جاءت بتقديم الجواب على الاستثناء لحكمة بليغة، وهي المسارعة إلى بيان الحكم، وإثبات أن أساس الصلة التي تربطهم بنبيهم أن يمتثلوا أمره وألا يشربوا من النهر، ثم رخص لهم بعد ذلك في الاغتراف باليد غرفة واحدة.وقد أشار صاحب الكشاف إلى هذا المعنى فقال: فإن قلت: مم استثنى قوله إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ؟ قلت: من قوله: فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي والجملة الثانية في حكم المتأخرة إلا أنها قدمت للعناية.. ومعناه: الرخصة في اغتراف الغرفة باليد دون الكروع» .ثم ختم- سبحانه- ما كان من بنى إسرائيل نتيجة لهذا الامتحان فقال: فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ.أى: فشربوا من النهر حتى امتلأت بطونهم مخالفين بذلك أمر قائدهم في وقت تعظم فيه المخالفة لأنه وقت إقدام على الحرب، إلا عددا قليلا منهم فإنهم لم يشربوا إلا كما رخص لهم قائدهم. وعلى هذا التفسير- الذي قال به جمهور المفسرين- يكون جميع الذين مع طالوت قد شربوا من النهر إلا أن كثيرا منهم قد شربوا حتى امتلأت بطونهم مخالفين أمر قائدهم، وقلة منهم شربت غرفة واحدة وهي التي رخص لهم قائدهم في شربها.وبعض المفسرين يقسم اتباع طالوت ثلاثة أقسام:قسم شرب كثيرا مخالفا أمر طالوت.وقسم شرب غرفة واحدة بيده كما رخص له قائده.وقسم لم يشرب أصلا لا قليلا ولا كثيرا مؤثرا العزيمة على الرخصة وهذا القسم هو الذي اعتمد عليه طالوت اعتمادا كبيرا في تناوله لأعدائه.وممن ذكر هذا التقسيم من المفسرين الإمام القرطبي فقد قال: «قال ابن عباس: شربوا على قدر يقينهم، فشرب الكفار شرب الهيم ، وبقي بعض المؤمنين لم يشرب شيئا، وأخذ بعضهم الغرفة، فأما من شرب فلم يرو بل برح به العطش، وأما من ترك الماء فحسنت حاله وكان أجلد ممن أخذ الغرفة» .ثم بين- سبحانه- ما كان من أتباع طالوت بعد اجتيازهم للنهر معه فقال: فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ.أى: فلما جاوز طالوت ومن معه النهر وتخطوه، وشاهدوا كثرة جند جالوت، قال بعض الذين مع طالوت لبعض بقلق ووجل: لا قدرة لنا اليوم على محاربة أعدائنا ومقاومتهم فهم أكثر منا عددا، وأوفر عددا.والضمير هُوَ في قوله: هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مؤكد للضمير المستكن في جاوز.والقائلون، هذا القول هم بعض المؤمنين الذين عبروا معه النهر، ولم يقولوا ذلك هروبا أو نكوصا عن القتال، وإنما قالوه كمظهر من مظاهر الوجل الذي يعترى بعض النفوس عند الاستعداد للقتال، لأن الذين عصوا الله وخالفوا طالوت بشربهم من النهر جبنوا عن لقاء العدو ولم يسيروا معه لقتالهم. أما المؤمنون الصادقون الذين اتصلت قلوبهم بالله، والذين أذعنوا أنه لا نصر إلا منه ولا اعتماد إلا عليه، فقد حكى القرآن موقفهم المشرف فقال: قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ.أى: قال الذين يتيقنون أنهم ملاقو الله يوم القيامة فيحاسبهم على أعمالهم. قالوا مشجعين لإخوانهم الذين تهيبوا قتال أعدائهم: كم من جماعة قليلة بإيمانها وصبرها تغلبت بإذن الله وتيسيره على جماعة كثيرة بسبب كفرها وجبنها وتفككها، والله- تعالى- بعونه وتأييده مع الصابرين.وعلى هذا التفسير يكون المراد بلقاء الله الحشر إليه بعد الموت، ومجازاة الناس على ما قدموا من عمل، ويكون المراد بالظن اليقين لأن كل مؤمن متيقن بأن البعث حق.ويجوز أن يكون المراد بلقاء الله قربهم من رضاه يوم القيامة، وإثابتهم على جهادهم بالجنة، وعليه يكون الظن على معناه الحقيقي وهو الاعتقاد الراجح، لأن خواتيم الحياة لا يعلمها كيف تكون سوى علام الغيوب.وكَمْ في قولهم كَمْ مِنْ فِئَةٍ خبرية للتكثير، وفي هذا التعبير الذي حكاه القرآن عنهم دليل على قوة إيمانهم وصفاء نفوسهم وثقتهم في نصر الله ثقة لا تحد، لأنهم أتوا بصيغة التكثير حتى لكأنما أن القاعدة العامة هي انتصار الفئة القليلة على الفئة الكثيرة الكافرة.وفي تعليقهم النصر على إذن الله للإشعار بأنهم لم يعتمدوا على قوتهم وثباتهم وشجاعتهم فحسب وإنما جعلوا اعتمادهم الأكبر على تأييد الله لهم. وهذا شأن العقلاء يبذلون أقصى جهدهم في بلوغ غايتهم مستعينين على ذلك بتأييد الله وتوفيقه.ورحم الله الإمام القرطبي الذي عاصر دولة الإسلام في الأندلس وهي تسير في طريق الضعف والتدهور فقد قال في ختام تفسيره لهذه الآية: قلت: هكذا يجب علينا أن نفعل؟لكن الأعمال القبيحة والنيات الفاسدة، منعت من ذلك حتى انكسر العدد الكبير منا أمام اليسير من العدو وكما شاهدناه غير مرة، وذلك بما كسبت أيدينا! وفي البخاري: وقال أبو الدرداء: إنما تقاتلون بأعمالكم. وفي البخاري- أيضا- أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم» فالأعمال فاسدة والضعفاء مهملون والصبر قليل، والاعتماد ضعيف، والتقوى زائلة!! قال- تعالى-: اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ وقال:وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا وقال: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ وقال: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُوقال: إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. فهذه أسباب النصر وشروطه وهي معدومة عندنا غير موجودة فينا، فإنا لله وإنا إليه راجعون على ما أصابنا وحل بنا» .ثم حكى القرآن بعد ذلك ما قاله المؤمنون الصادقون عند ما برزوا للقاء أعدائهم فقال:

الترجمة الإنجليزية

Walamma barazoo lijaloota wajunoodihi qaloo rabbana afrigh AAalayna sabran wathabbit aqdamana waonsurna AAala alqawmi alkafireena

وقوله: بَرَزُوا أى صاروا إلى براز الأرض وهو ما انكشف منها بحيث يصير كل فريق من المتقاتلين يرى صاحبه، ومنه سميت المبارزة في الحرب لظهور كل قرن إلى قرنه. أى: وحين برز طالوت ومن معه لقتال جالوت وجنوده، وأصبح الفريقان في مكان متسع من الأرض بحيث يرى كل فريق خصمه اتجه المؤمنون إلى الله- تعالى- بالدعاء قائلين بإخلاص وخشوع:رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً أى: أفض علينا صبرا يعمنا، ويملأ قلوبنا ثقة بنصرك، ويحبس نفوسنا على طاعتك.قال الإمام الرازي ما ملخصه، الإفراغ: الصب. يقال أفرغت الإناء إذا صببت ما فيه.وقولهم هذا يدل على المبالغة في طلب الصبر من وجهين:أحدهما: أنه إذا صب الشيء في الشيء فقد أثبت فيه بحيث لا يزول عنه وهذا يدل على التأكيد.والثاني: أن إفراغ الإناء هو إخلاؤه وذلك يكون بصب كل ما فيه، فمعنى أفرغ علينا صبرا، أى أصبب علينا أتم صب وأبلغه- حتى تتحقق فينا صفة الصبر كأحسن ما يكون التحقق»أما الدعوة الثانية فقد قالوا فيها- كما حكى القرآن عنهم- وَثَبِّتْ أَقْدامَنا أى هب لنا من كمال القوة والرسوخ عند القتال ما يجعلنا نثبت أمام أعدائنا، ونتمكن من رقابهم دون أن يتمكنوا منا. فهذا الدعاء كناية عن أن يمنحهم- سبحانه- الثبات عند الزحف، وعدم الفرار عند القتال.وفي قوله: وَثَبِّتْ أَقْدامَنا تعبير بالجزء عن الكل، لأن الأقدام هي التي يكون بها الفرار، فتثبيتها إبعاد عن الفرار، ومتى حصل الثبات كان النصر متوقعا، والصبر متحققا.ثم ختموا دعاءهم بأن قالوا: وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ أى اجعل الغلبة لنا عليهم، لأننا مؤمنون بأنك المعبود المستحق للعبادة وهم يكفرون بذلك.والمتأمل في هذه الدعوات الثلاث يراها قد جمعت أسمى ألوان الأدب وحسن الترتيب، فهم قد صدروا دعاءهم بالتوسل بوصف الربوبية فقالوا رَبَّنا أى يا خالقنا ويا منشئنا ويا مربينا ويا مميتنا، وفي ذلك إشعار أنهم يلجئون إلى من بيده وحده النفع والضر، والنصر والهزيمة. ثم افتتحوا دعاءهم بطلب الصبر عند المخاوف لأنه هو عدة القتال الأولى، وركنه الأعلى، إذ به يكون ضبط النفس فلا تفزع، وبه يسكن القلب فلا يجزع. ثم التمسوا منه- سبحانه- أن يثبت أقدامهم عند اللقاء لأن هذا الثبات هو مظهر الصبر، ووسيلة النصر، وعنوان القوة.ثم ختموا دعاءهم بما هو ثمرة ونتيجة للصبر والثبات وهو النصر على الأعداء.

الترجمة الإنجليزية

Fahazamoohum biithni Allahi waqatala dawoodu jaloota waatahu Allahu almulka waalhikmata waAAallamahu mimma yashao walawla dafAAu Allahi alnnasa baAAdahum bibaAAdin lafasadati alardu walakinna Allaha thoo fadlin AAala alAAalameena

فماذا كانت نتيجة هذا الدعاء الخاشع الخالص؟ كانت نتيجته النصر المؤزر الذي حكاه القرآن في قوله: فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ.وأصل الهزم في اللغة الكسر. ومنه سقاء منهزم أى انثنى بعضه على بعض مع الجفاف. ويقال للسحاب هزيم، لأنه يتشقق بالمطر. والفاء هنا فصيحة أو سببية أى أنهم بسبب دعائهم المخلص، وإيمانهم القوى، واستجابتهم لما أمرهم الله به، استطاعوا أن يكسروا أعداءهم ويهزموهم، وقوله: بِإِذْنِ اللَّهِ أى بتوفيقه وتيسيره وتأييده. والباء إما للاستعانة والسببية وإما للمصاحبة.ثم قال- تعالى-: وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ أى: وقتل داود بن إيشا- وكان في جيش طالوت- جالوت الذي كان يقود جيش الكفر، وبقتله مزق أتباعه شر ممزق، ورزق الله طالوت ومن معه النصر والغلبة.ثم بين- سبحانه- ما منحه لداود من نعم فقال: وَآتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ والحكمة المراد بها هنا النبوة، ولم يجتمع الملك والنبوة لأحد قبله في بنى إسرائيل، وورثه فيهما ابنه سليمان- عليه السلام-.أى: وأعطى الله- تعالى- عبده داود ملك بنى إسرائيل وأعطاه النبوة التي هي أشرف من الملك زيادة في ترقيته في درجات الشرف والكمال، وعلمه- سبحانه- مما يشاء من فنون العلم، ومن أمور الدين والدنيا كمعرفته لغة الطيور، وكلام الدواب، وصناعة آلات الحرب وغير ذلك من ألوان العلوم المختلفة التي لا تحدها إلا مشيئة الله وإرادته.وفي قوله- تعالى-: وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ بعد الإخبار بأنه- سبحانه- آتى داود الحكمة، إشعار بأن الإنسان لا يستغنى عن التعلم سواء أكان نبيا أم لم يكن، لأن داود- عليه السلام- مع حصوله على النبوة لم يستغن عن تعليم الله إياه، وقد أمر الله- تعالى- نبيه محمدا صلّى الله عليه وسلّم أن يلتمس المزيد من العلم فقال: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً.ثم بين- سبحانه- بعض مظاهر فضله على عباده فقال: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ.أى: ولولا أن الله- تعالى- يدفع أهل الباطل بأهل الحق، لفسدت الأرض، وعمها الخراب لأن أهل الفساد إذا تركوا من غير أن يقاوموا استطارت شرورهم، وتغلبوا على أهل الصلاح والاستقامة، وتعطلت مصالح الناس، وانتشر الفساد في الأرض.فلولا في الجملة الكريمة حرف امتناع لوجود. أى: امتنع فساد الأرض لأجل وجود دفع الناس بعضهم ببعض.فالجملة الكريمة تأمر الأخيار في كل زمان ومكان أن يقفوا في وجوه الأشرار، وأن يقاوموهم بكل وسيلة من شأنها أن تحول بينهم وبين الفساد والطغيان.ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ.أى: ولكن الله- تعالى- صاحب فضل عظيم، وإنعام كبير على الناس أجمعين، لأنه وضع لهم هذا التنظيم الحكيم الذي أوجب فيه على المصلحين أن يدافعوا المفسدين، وأن يقاوموهم بالطريقة التي تمنع فسادهم حتى ولو أدى ذلك إلى رفع السلاح في وجوههم، لأن السكوت عن فساد المفسدين سيؤدي إلى العقاب الذي يعمهم ويصيب معهم المصلحين.

الترجمة الإنجليزية

Tilka ayatu Allahi natlooha AAalayka bialhaqqi wainnaka lamina almursaleena

ثم ختم- سبحانه- قصة هؤلاء القوم من بنى إسرائيل بقوله: تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ.أى: تلك الآيات التي حدثناك فيها عن قصة أولئك القوم وما جرى لهم هي آيات الله التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، نتلوها عليك يا محمد عن طريق جبريل الأمين تلاوة ملتبسة بالحق الثابت الذي لا يحوم حوله الباطل، وإنك يا محمد لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ الذين أرسلهم الله- تعالى- بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ.فالإشارة في قوله تِلْكَ آياتُ اللَّهِ إلى الآيات المتلوة من قوله- تعالى-: أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ إلى آخر القصة. وقيل إليها وإلى القصة التي قبلها وهي قصة القوم الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ.وكانت الإشارة للبعيد، لما في ذلك من معنى الاستقصاء للآيات، ولعلو شأنها، وكمال معانيها، والوفاء في مقاصدها.وأضيفت الآيات إلى الله لأنها جزء من هذا القرآن الذي أنزله- سبحانه- على نبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم ليكون هداية للناس، وليحملهم على تدبرها والاعتبار بها لأنها من عند الله الذي شرع لهم ما يسعدهم.وجعل- سبحانه- تلاوة جبريل للقرآن تلاوة له فقال: نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ للإشعار بشرف جبريل، وأنه ما خرج في تلاوته عما أمره الله به، فهو رسوله الأمين إلى رسله المكرمين.وجملة نَتْلُوها عَلَيْكَ في محل نصب حال من الآيات والعامل فيها معنى الإشارة.وقوله: بِالْحَقِّ في موضع نصب حال من مفعول نتلوها أى ملتبسة باليقين الذي لا يرتاب فيه عاقل. أو من فاعله أى: نتلوها عليك ملتبسين بالحق والصواب.كل ذلك من شأنه أن يصهر النفوس الحرة الكريمة، وأن يدفعها بقوة إلى الذود عن كرامتها المسلوبة، وعزتها المغصوبة، حتى تنال حقها ممن سلبه منها أو تموت دونه، لأن النفوس الأبية تشعر دائما بأن الموت مع العزة خير من الحياة مع الذلة. يدل على ذلك قوله- تعالى-:قالُوا: وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا.2- أن الناس في كل زمان ومكان، يلجئون- خصوصا عند ما تنزل بهم الشدائد إلى من يتوسمون فيهم الخير والصلاح، لكي يرشدوهم إلى ما يأخذ بيدهم إلى طريق السعادة، ولكي يهدوهم إلى أفضل السبل التي تنقذهم مما هم فيه من بلاء، ولكي يختاروا لهم من يقودهم إلى النصر والفلاح. ألا ترى إلى الملأ من بنى إسرائيل كيف لجئوا إلى نبي لهم ليقولوا له بعد أن أصابهم من الذل ما أصابهم: ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ إنهم لم يلجئوا إلى زعيم من زعمائهم، أو إلى أمير من امرائهم، وإنما لجئوا إلى نبيهم يبثون إليه شكواهم، ويطلبون منه أن يختار لهم من يقودهم للقتال في سبيل الله، لأنهم يرون فيه الأمل المرتجى، والعقل السليم، والخلق القويم، والأسوة الحسنة.3- أن القائد يجب أن تتوفر فيه صفتان: قوة العقل، وقوة الجسم لأنه متى توفرت فيه هاتان الصفتان استطاع أن يقود أتباعه بنجاح، وأنه قبل أن يلتقى بأعدائه يجب عليه أن يختبر جنده ليعرف مبلغ إيمانهم وقوتهم وطاعتهم وثباتهم وألا يكلفهم بما لا يستطيعونه حتى يحارب أعداءه وهو على بينة من أمره. انظر إلى طالوت كيف اختبر جنده قبل أن يخوض المعركة بأن قال لهم: إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ وهكذا القواد العقلاء يقدمون على حرب أعدائهم وهم على بصيرة من أمرهم.4- أن الفئة القليلة المؤمنة كثيرا ما تنتصر على الفئة الكثيرة الكافرة لأن المؤمنين الصادقين يحملهم إيمانهم على اليقين بلقاء الله، وعلى التضحية من أجل إعلاء كلمته، وعلى الإقدام الذي يرعب الكافرين، ويخيف الفاسقين، وصدق الله إذ يقول كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ.5- أن هزائم الأمم يمكن إزالتها متى توفر لتلك الأمم القادة العقلاء الأقوياء، والجند الأشداء على أعدائهم، الرحماء فيما بينهم، وأن من شأن المؤمنين حقا أنهم مع مباشرتهم للأسباب، وإحكامهم لكل ما يحتاج إليه القتال، وإحسانهم لكل وسيلة تعينهم على النصر، مع كل ذلك لا يغترون ولا يتطاولون بل يعتمدون على الله- تعالى- اعتمادا تاما، ويتجهون إليه بالضراعة والدعاء ويلتمسون منه النصر على أعدائه وأعدائهم انظر إلى الصفوة المؤمنة من جند طالوت ماذا قالت عند ما برزت لجالوت وجنوده، لقد قالت كما حكى القرآن عنها: رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً، وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ. فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ.6- أن من سنن الله في خلقه أنه- سبحانه- جعل الحياة صراعا دائما بين الحق والباطل، ونزاعا موصولا بين الأخيار والأشرار، ولولا أن الله- تعالى- يدفع بعض الناس الفاسقين ببعض الناس الصالحين لفسدت الأرض، لأن الفاسقين لو تركوا من غير أن يدافعوا ويقاوموا لنشروا فسوقهم وفجورهم وطغيانهم في الأرض، ولكنه- سبحانه- أعطى لعباده الصالحين من القوة والثبات ما جعلهم يقاومون الظالمين ويعملون على نشر الخير والصلاح بين الناس.7- أن القصة الكريمة تصور لنا ما جبل عليه بنو إسرائيل من نقض للعهد وكذب في القول فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ومن تطاول على أنبيائهم، وعصيان لأوامرهم، واعتراض على توجيهاتهم، وتفضيل للجاه والمال على العقل والعلم قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ، وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ ومن خور عند الابتلاء والاختبار، وحماس في ساعة السلّم ونكوص في ساعة الجد، تأمل قوله- تعالى- فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ. فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا: لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ.وبعد هذا الحديث الحكيم عن الملإ من بنى إسرائيل من بعد موسى. وبعد أن شهد الله- تعالى- لنبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم بأنه من المرسلين الذين أرسلوا لينصروا الحق، وليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، بعد كل ذلك بين الله- تعالى أن الرسل وإن كانوا قد بعثوا جميعا لهداية البشر إلا أنهم يتفاضلون فيما بينهم فقال- تعالى-:
41