سورة البقرة (2): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة البقرة بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تفسير القرطبي (أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة البقرة مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة البقرة

سورة البقرة في القرآن الكريم

سورة البقرة هي ثاني سورة من سور القرآن الكريم، وتتألف من 286 آية. تعتبر سورة البقرة من أطول السور في القرآن الكريم، وتحتوي على مواضيع متنوعة تتعلق بالعقيدة والشريعة والأخلاق والتشريعات الاجتماعية.

تتضمن سورة البقرة العديد من الحكم والأوامر الإلهية التي تهدف إلى توجيه الإنسان في حياته وتربيته على القيم الإسلامية. كما تحتوي على قصص وأمثال تعبر عن الحكمة والعبرة للمؤمنين.

من بين المواضيع الرئيسية التي تتناولها سورة البقرة هي الإيمان والتوحيد، والشريعة والأحكام الشرعية، والأخلاق والتربية، والتاريخ الإسلامي والقصص القرآنية.

يعتبر قراءة سورة البقرة والتفكير في مضمونها من الأمور المهمة في الحياة اليومية للمسلم، حيث تحتوي على توجيهات ونصائح تساعد على تحسين الحياة الروحية والاجتماعية.

بالإضافة إلى ذلك، يعتقد الكثيرون أن قراءة سورة البقرة تحمي المنزل وأهله من الشرور والأذى، وتجلب البركة والرزق.

سُورَةُ البَقَرَةِ
الصفحة 10 (آيات من 62 إلى 69)

إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَٱلَّذِينَ هَادُوا۟ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلصَّٰبِـِٔينَ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَٰقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُوا۟ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱذْكُرُوا۟ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُم مِّنۢ بَعْدِ ذَٰلِكَ ۖ فَلَوْلَا فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُۥ لَكُنتُم مِّنَ ٱلْخَٰسِرِينَ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلَّذِينَ ٱعْتَدَوْا۟ مِنكُمْ فِى ٱلسَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا۟ قِرَدَةً خَٰسِـِٔينَ فَجَعَلْنَٰهَا نَكَٰلًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِۦٓ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا۟ بَقَرَةً ۖ قَالُوٓا۟ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ۖ قَالَ أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْجَٰهِلِينَ قَالُوا۟ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِىَ ۚ قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌۢ بَيْنَ ذَٰلِكَ ۖ فَٱفْعَلُوا۟ مَا تُؤْمَرُونَ قَالُوا۟ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا ۚ قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَآءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ ٱلنَّٰظِرِينَ
10

الاستماع إلى سورة البقرة

تفسير سورة البقرة (تفسير القرطبي: أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي)

الترجمة الإنجليزية

Inna allatheena amanoo waallatheena hadoo waalnnasara waalssabieena man amana biAllahi waalyawmi alakhiri waAAamila salihan falahum ajruhum AAinda rabbihim wala khawfun AAalayhim wala hum yahzanoona

قوله تعالى : إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنونفيه ثماني مسائل : الأولى : قوله تعالى : إن الذين آمنوا أي : صدقوا بمحمد صلى الله عليه وسلم . وقال سفيان : المراد المنافقون . كأنه قال : الذين آمنوا في ظاهر أمرهم ، فلذلك قرنهم باليهود والنصارى والصابئين ، ثم بين حكم من آمن بالله واليوم الآخر من جميعهم .الثانية : قوله تعالى : والذين هادوا معناه صاروا يهودا ، نسبوا إلى يهوذا وهو أكبر ولد يعقوب عليه السلام ، فقلبت العرب الذال دالا ؛ لأن الأعجمية إذا عربت غيرت عن لفظها . وقيل : سموا بذلك لتوبتهم عن عبادة العجل . هاد : تاب . والهائد : التائب ، قال الشاعر :إني امرؤ من حبه هائدأي : تائب . وفي التنزيل : إنا هدنا إليك أي : تبنا . وهاد القوم يهودون هودا وهيادة إذا تابوا . وقال ابن عرفة : هدنا إليك أي : سكنا إلى أمرك . والهوادة السكون والموادعة . قال : ومنه قوله تعالى : إن الذين آمنوا والذين هادوا . وقرأ أبو السمال : " هادوا " بفتح الدال .الثالثة : قوله تعالى : والنصارى جمع واحده نصراني . وقيل : نصران بإسقاط الياء ، وهذا قول سيبويه . والأنثى نصرانة ، كندمان وندمانة . وهو نكرة يعرف بالألف واللام ، قال الشاعر :صدت كما صد عما لا يحل له ساقي نصارى قبيل الفصح صوامفوصفه بالنكرة . وقال الخليل : واحد النصارى نصري ، كمهري ومهارى . وأنشد سيبويه شاهدا على قوله :تراه إذا دار العشا متحنفا ويضحي لديه وهو نصران شامسوأنشد :فكلتاهما خرت وأسجد رأسها كما أسجدت نصرانة لم تحنفيقال : أسجد إذا مال . ولكن لا يستعمل نصران ونصرانة إلا بياءي النسب ؛ لأنهم قالوا : رجل نصراني وامرأة نصرانية . ونصره : جعله نصرانيا . وفي الحديث : ( فأبواه يهودانه أو ينصرانه ) . وقال عليه السلام : ( لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار ) . وقد جاءت جموع على غير ما يستعمل واحدها ، وقياسه النصرانيون . ثم قيل : سموا بذلك لقرية تسمى " ناصرة " كان ينزلها عيسى عليه السلام فنسب إليها فقيل : عيسى الناصري ، فلما نسب أصحابه إليه قيل النصارى ، قاله ابن عباس وقتادة . وقال الجوهري : ونصران قرية بالشام ينسب إليها النصارى ، ويقال ناصرة . وقيل : سموا بذلك لنصرة بعضهم بعضا ، قال الشاعر :لما رأيت نبطا أنصارا شمرت عن ركبتي الإزاراكنت لهم من النصارى جاراوقيل : سموا بذلك لقوله : من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله .الرابعة : قوله تعالى : والصابئين جماع صابئ ، وقيل : صاب ، ولذلك اختلفوا في همزه ، وهمزه الجمهور إلا نافعا . فمن همزه جعله من صبأت النجوم إذا طلعت ، وصبأت ثنية الغلام إذا خرجت . ومن لم يهمز جعله من صبا يصبو إذا مال . فالصابئ في اللغة : من خرج ومال من دين إلى دين ، ولهذا كانت العرب تقول لمن أسلم قد صبأ . فالصابئون قد خرجوا من دين أهل الكتاب .الخامسة : لا خلاف في أن اليهود والنصارى أهل كتاب ولأجل كتابهم جاز نكاح نسائهم وأكل طعامهم على ما يأتي بيانه في المائدة وضرب الجزية عليهم ، على ما يأتي في سورة " براءة " إن شاء الله . واختلف في الصابئين ، فقال السدي : هم فرقة من أهل الكتاب ، وقاله إسحاق ابن راهويه . قال ابن المنذر وقال إسحاق : لا بأس بذبائح الصابئين لأنهم طائفة من أهل الكتاب . وقال أبو حنيفة : لا بأس بذبائحهم ومناكحة نسائهم . وقال الخليل : هم قوم يشبه دينهم دين النصارى ، إلا أن قبلتهم نحو مهب الجنوب ، يزعمون أنهم على دين نوح عليه السلام . وقال مجاهد والحسن وابن أبي نجيح : هم قوم تركب دينهم بين اليهودية والمجوسية ، لا تؤكل ذبائحهم . ابن عباس : ولا تنكح نساؤهم . وقال الحسن أيضا وقتادة هم قوم يعبدون الملائكة ، ويصلون إلى القبلة ، ويقرءون الزبور ، ويصلون الخمس ، رآهم زياد بن أبي سفيان فأراد وضع الجزية عنهم حين عرف أنهم يعبدون الملائكة . والذي تحصل من مذهبهم فيما ذكره بعض علمائنا أنهم موحدون معتقدون تأثير النجوم ، وأنها فعالة ، ولهذا أفتى أبو سعيد الإصطخري القادر بالله بكفرهم حين سأله عنهم .السادسة : قوله تعالى : من آمن أي : صدق . و " من " في قوله : " من آمن " في موضع نصب بدل من " الذين " . والفاء في قوله : " فلهم " داخلة بسبب الإبهام الذي في " من " . و " لهم أجرهم " ابتداء وخبر في موضع خبر " إن " . ويحسن أن يكون " من " في موضع رفع بالابتداء ، ومعناها الشرط . و " آمن " في موضع جزم بالشرط ، والفاء الجواب . و " لهم أجرهم " خبر " من " ، والجملة كلها خبر " إن " ، والعائد على الذين محذوف ، تقديره من آمن منهم بالله . وفي الإيمان بالله واليوم الآخر اندراج الإيمان بالرسل والكتب والبعث .السابعة : إن قال قائل : لم جمع الضمير في قوله تعالى : لهم أجرهم و آمن لفظ مفرد ليس بجمع ، وإنما كان يستقيم لو قال : له أجره . فالجواب أن " من " يقع على الواحد والتثنية والجمع ، فجائز أن يرجع الضمير مفردا ومثنى ومجموعا ، قال الله تعالى : ومنهم من يستمعون إليك على المعنى . وقال : ومنهم من يستمع إليك على اللفظ . وقال الشاعر :ألما بسلمى عنكما إن عرضتما وقولا لها عوجي على من تخلفواوقال الفرزدق :تعس فإن واثقتني لا تخونني نكن مثل من يا ذئب يصطحبانفحمل على المعنى ولو حمل على اللفظ لقال : يصطحب وتخلف . قال تعالى : ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات فحمل على اللفظ . ثم قال : خالدين فحمل على المعنى ، ولو راعى اللفظ لقال : خالدا فيها . وإذا جرى ما بعد " من " على اللفظ فجائز أن يخالف به بعد على المعنى كما في هذه الآية . وإذا جرى ما بعدها على المعنى لم يجز أن يخالف به بعد على اللفظ ؛ لأن الإلباس يدخل في الكلام .وقد مضى الكلام في قوله تعالى : فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والحمد لله .الثامنة : روي عن ابن عباس أن قوله : إن الذين آمنوا والذين هادوا الآية منسوخ بقوله تعالى : ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه الآية . وقال غيره : ليست بمنسوخة . وهي فيمن ثبت على إيمانه من المؤمنين بالنبي عليه السلام .

الترجمة الإنجليزية

Waith akhathna meethaqakum warafaAAna fawqakumu alttoora khuthoo ma ataynakum biquwwatin waothkuroo ma feehi laAAallakum tattaqoona

قوله تعالى : وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرينقوله تعالى : وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور هذه الآية تفسر معنى قوله تعالى : وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة . قال أبو عبيدة : المعنى : زعزعناه فاستخرجناه من مكانه . قال : وكل شيء قلعته فرميت به فقد نتقته . وقيل : نتقناه رفعناه . قال ابن الأعرابي : الناتق الرافع ، والناتق الباسط ، والناتق الفاتق . وامرأة ناتق ومنتاق : كثيرة الولد . وقال القتبي : أخذ ذلك من نتق السقاء ، وهو نفضه حتى تقتلع الزبدة منه . قال وقوله : وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة قال : قلع من أصله .واختلف في الطور ، فقيل : الطور اسم للجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام وأنزل عليه فيه التوراة دون غيره ، رواه ابن جريج عن ابن عباس . وروى الضحاك عنه أن الطور ما أنبت من الجبال خاصة دون ما لم ينبت . وقال مجاهد وقتادة : أي جبل كان . إلا أن مجاهدا قال : هو اسم لكل جبل بالسريانية ، وقاله أبو العالية . وقد مضى الكلام : هل وقع في القرآن ألفاظ مفردة غير معربة من غير كلام في مقدمة الكتاب . والحمد لله . وزعم البكري أنه سمي بطور بن إسماعيل عليه السلام ، والله تعالى أعلم .القول في سبب رفع الطوروذلك أن موسى عليه السلام لما جاء بني إسرائيل من عند الله بالألواح فيها التوراة ، قال لهم : خذوها والتزموها . فقالوا : لا إلا أن يكلمنا الله بها كما كلمك . فصعقوا ثم أحيوا . فقال لهم : خذوها . فقالوا : لا ، فأمر الله الملائكة فاقتلعت جبلا من جبال فلسطين طوله فرسخ في مثله ، وكذلك كان عسكرهم ، فجعل عليهم مثل الظلة ، وأتوا ببحر من خلفهم ، ونار من قبل وجوههم ، وقيل لهم : خذوها وعليكم الميثاق ألا تضيعوها ، وإلا سقط عليكم الجبل . فسجدوا توبة لله وأخذوا التوراة بالميثاق . قال الطبري عن بعض العلماء : لو أخذوها أول مرة لم يكن عليهم ميثاق . وكان سجودهم على شق ؛ لأنهم كانوا يرقبون الجبل خوفا ، فلما رحمهم الله قالوا : لا سجدة أفضل من سجدة تقبلها الله ورحم بها عباده ، فأمروا سجودهم على شق واحد . قال ابن عطية : والذي لا يصح سواه أن الله تعالى اخترع وقت سجودهم الإيمان في قلوبهم لا أنهم آمنوا كرها وقلوبهم غير مطمئنة بذلك .قوله تعالى : " خذوا " أي : فقلنا : خذوا ، فحذف . " ما آتيناكم " أعطيناكم . بقوة أي : بجد واجتهاد ، قال ابن عباس وقتادة والسدي . وقيل : بنية وإخلاص . مجاهد : القوة : العمل بما فيه . وقيل : بقوة : بكثرة درس . واذكروا ما فيه أي : تدبروه واحفظوا أوامره ووعيده ، ولا تنسوه ولا تضيعوه .قلت : هذا هو المقصود من الكتب ، العمل بمقتضاها لا تلاوتها باللسان وترتيلها ، فإن ذلك نبذ لها ، على ما قاله الشعبي وابن عيينة ، وسيأتي قولهما عند قوله تعالى : نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب . وقد روى النسائي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن من شر الناس رجلا فاسقا يقرأ القرآن لا يرعوي إلى شيء منه . فبين صلى الله عليه وسلم أن المقصود العمل كما بينا . وقال مالك : قد يقرأ القرآن من لا خير فيه . فما لزم إذا من قبلنا وأخذ عليهم لازم لنا وواجب علينا . قال الله تعالى :واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم فأمرنا باتباع كتابه والعمل بمقتضاه ، لكن تركنا ذلك كما تركت اليهود والنصارى ، وبقيت أشخاص الكتب والمصاحف لا تفيد شيئا ، لغلبة الجهل وطلب الرياسة واتباع الأهواء . روى الترمذي عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فشخص ببصره إلى السماء ثم قال : هذا أوان يختلس فيه العلم من الناس حتى لا يقدروا منه على شيء . فقال زياد بن لبيد الأنصاري : كيف يختلس منا وقد قرأنا القرآن فوالله لأقرأنه ولأقرئنه نساءنا وأبناءنا . فقال : ثكلتك أمك يازياد إن كنت لأعدك من فقهاء المدينة هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى فماذا تغني عنهم وذكر الحديث ، وسيأتي . وخرجه النسائي من حديث جبير بن نفير أيضا عن عوف بن مالك الأشجعي من طريق صحيحة ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لزياد : ثكلتك أمك يا زياد هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى . وفي الموطأ عن عبد الله بن مسعود ، قال لإنسان : إنك في زمان كثير فقهاؤه ، قليل قراؤه ، تحفظ فيه حدود القرآن وتضيع حروفه ، قليل من يسأل ، كثير من يعطي ، يطيلون الصلاة ويقصرون فيه الخطبة ، يبدءون فيه أعمالهم قبل أهوائهم . وسيأتي على الناس زمان قليل فقهاؤه ، كثير قراؤه ، تحفظ فيه حروف القرآن ، وتضيع حدوده ، كثير من يسأل ، قليل من يعطي ، يطيلون فيه الخطبة ، ويقصرون الصلاة ، يبدءون فيه أهواءهم قبل أعمالهم . وهذه نصوص تدل على ما ذكرنا . وقد قال يحيى سألت ابن نافع عن قوله : يبدءون أهواءهم قبل أعمالهم ؟ قال يقول : يتبعون أهواءهم ويتركون العمل بالذي افترض عليهم .وتقدم القول في معنى قوله : لعلكم تتقون فلا معنى لإعادته .

الترجمة الإنجليزية

Thumma tawallaytum min baAAdi thalika falawla fadlu Allahi AAalaykum warahmatuhu lakuntum mina alkhasireena

قوله تعالى : ثم توليتم تولى تفعل ، وأصله الإعراض والإدبار عن الشيء ومجازا .وقوله : من بعد ذلك أي : من بعد البرهان ، وهو أخذ الميثاق ورفع الجبل . وقوله : فلولا فضل الله عليكم " فضل " مرفوع بالابتداء عند سيبويه والخبر محذوف لا يجوز إظهاره ؛ لأن العرب استغنت عن إظهاره ، إلا أنهم إذا أرادوا إظهاره جاءوا ب " أن " ، فإذا جاءوا بها لم يحذفوا الخبر . والتقدير : فلولا فضل الله تدارككم ." ورحمته " عطف على فضل أي : لطفه وإمهاله . " لكنتم " جواب " لولا " " من الخاسرين " خبر كنتم . والخسران : النقصان ، وقد تقدم . وقيل : فضله قبول التوبة ، ورحمته العفو . والفضل : الزيادة على ما وجب . والإفضال : فعل ما لم يجب . قال ابن فارس في المجمل : الفضل الزيادة والخير ، والإفضال : الإحسان .

الترجمة الإنجليزية

Walaqad AAalimtumu allatheena iAAtadaw minkum fee alssabti faqulna lahum koonoo qiradatan khasieena

قوله تعالى : ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئينفيه سبع مسائل : الأولى : قوله تعالى : ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت علمتم معناه عرفتم أعيانهم . وقيل : علمتم أحكامهم . والفرق بينهما أن المعرفة متوجهة إلى ذات المسمى . والعلم متوجه إلى أحوال المسمى . فإذا قلت : عرفت زيدا ، فالمراد شخصه ، وإذا قلت : علمت زيدا ، فالمراد به العلم بأحواله من فضل ونقص . فعلى الأول يتعدى الفعل إلى مفعول واحد ، وهو قول سيبويه : علمتم بمعنى عرفتم . وعلى الثاني إلى مفعولين ، وحكى الأخفش ولقد علمت زيدا ولم أكن أعلمه . وفي التنزيل : لا تعلمونهم الله يعلمهم كل هذا بمعنى المعرفة ، فاعلم . الذين اعتدوا منكم في السبت صلة الذين . والاعتداء . التجاوز ، وقد تقدم .الثانية : روى النسائي عن صفوان بن عسال قال : قال يهودي لصاحبه : اذهب بنا إلى هذا النبي . فقال له صاحبه : لا تقل نبي لو سمعك ، فإن له أربعة أعين . فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألاه عن تسع آيات بينات ، فقال لهم : لا تشركوا بالله شيئا ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا تمشوا ببريء إلى سلطان ، ولا تسحروا ، ولا تأكلوا الربا ، ولا تقذفوا المحصنة ، ولا تولوا يوم الزحف ، وعليكم خاصة يهود ألا تعدوا في السبت . فقبلوا يديه ورجليه وقالوا : نشهد أنك نبي . قال : فما يمنعكم أن تتبعوني ؟ قالوا : إن داود دعا بألا يزال من ذريته نبي ، وإنا نخاف إن اتبعناك أن تقتلنا يهود . وخرجه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح . وسيأتي لفظه في سورة " سبحان " إن شاء الله تعالى .الثانية : روى النسائي عن صفوان بن عسال قال : قال يهودي لصاحبه : اذهب بنا إلى هذا النبي . فقال له صاحبه : لا تقل نبي لو سمعك ، فإن له أربعة أعين . فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألاه عن تسع آيات بينات ، فقال لهم : لا تشركوا بالله شيئا ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا تمشوا ببريء إلى سلطان ، ولا تسحروا ، ولا تأكلوا الربا ، ولا تقذفوا المحصنة ، ولا تولوا يوم الزحف ، وعليكم خاصة يهود ألا تعدوا في السبت . فقبلوا يديه ورجليه وقالوا : نشهد أنك نبي . قال : فما يمنعكم أن تتبعوني ؟ قالوا : إن داود دعا بألا يزال من ذريته نبي ، وإنا نخاف إن اتبعناك أن تقتلنا يهود . وخرجه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح . وسيأتي لفظه في سورة " سبحان " إن شاء الله تعالى .الثالثة : في السبت معناه في يوم السبت ، ويحتمل أن يريد في حكم السبت . والأول قول الحسن ، وأنهم أخذوا فيه الحيتان على جهة الاستحلال . وروى أشهب عن مالك قال : زعم ابن رومان أنهم كانوا يأخذ الرجل منهم خيطا ويضع فيه وهقة وألقاها في ذنب الحوت ، وفي الطرف الآخر من الخيط وتد وتركه كذلك إلى الأحد ، ثم تطرق الناس حين رأوا من صنع لا يبتلى ، حتى كثر صيد الحوت ومشي به في الأسواق ، وأعلن الفسقة بصيده . فقامت فرقة فنهت وجاهرت بالنهي واعتزلت . ويقال : إن الناهين قالوا : لا نساكنكم ، فقسموا القرية بجدار . فأصبح الناهون ذات يوم في مجالسهم ولم يخرج من المعتدين أحد ، فقالوا : إن للناس لشأنا ، فعلوا على الجدار فنظروا فإذا هم قردة ، ففتحوا الباب ودخلوا عليهم ، فعرفت القردة أنسابها من الإنس ، ولا يعرف الإنس أنسابهم من القردة ، فجعلت القردة تأتي نسيبها من الإنس فتشم ثيابه وتبكي ، فيقول : ألم ننهكم ؟ فتقول برأسها : نعم . قال قتادة : صار الشبان قردة ، والشيوخ خنازير ، فما نجا إلا الذين نهوا ، وهلك سائرهم . وسيأتي في " الأعراف " قول من قال : إنهم كانوا ثلاث فرق . وهو أصح من قول من قال : إنهم لم يفترقوا إلا فرقتين . والله أعلم .والسبت مأخوذ من السبت وهو القطع ، فقيل : إن الأشياء سبتت وتمت خلقتها . وقيل : هو مأخوذ من السبوت الذي هو الراحة والدعة .واختلف العلماء في الممسوخ هل ينسل على قولين . قال الزجاج : قال قوم : يجوز أن تكون هذه القردة منهم . واختاره القاضي أبو بكر بن العربي . وقال الجمهور : الممسوخ لا ينسل ، وإن القردة والخنازير وغيرهما كانت قبل ذلك ، والذين مسخهم الله قد هلكوا ولم يبق لهم نسل ؛ لأنه قد أصابهم السخط والعذاب ، فلم يكن لهم قرار في الدنيا بعد ثلاثة أيام . قال ابن عباس : لم يعش مسخ قط فوق ثلاثة أيام ، ولم يأكل ولم يشرب ولم ينسل . قال ابن عطية : وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم وثبت أن الممسوخ لا ينسل ، ولا يأكل ولا يشرب ولا يعيش أكثر من ثلاثة أيام .قلت : هذا هو الصحيح من القولين . وأما ما احتج به ابن العربي وغيره على صحة القول الأول من قوله صلى الله عليه وسلم : فقدت أمة من بني إسرائيل لا يدرى ما فعلت ولا أراها إلا الفأر ؛ ألا ترونها إذا وضع لها ألبان الإبل لم تشربه وإذا وضع لها ألبان الشاء شربته . رواه أبو هريرة أخرجه مسلم ، وبحديث الضب ، رواه مسلم أيضا عن أبي سعيد وجابر ، قال جابر : أتي النبي صلى الله عليه وسلم بضب فأبى أن يأكل منه ، وقال : ( لا أدري لعله من القرون التي مسخت ) فمتأول على ما يأتي . قال ابن العربي : وفي البخاري عن عمرو بن ميمون أنه قال : رأيت في الجاهلية قردة قد زنت فرجموها فرجمتها معهم . ثبت في بعض نسخ البخاري وسقط في بعضها ، وثبت في نص الحديث " قد زنت " وسقط هذا اللفظ عند بعضهم . قال ابن العربي : فإن قيل : وكأن البهائم بقيت فيهم معارف الشرائع حتى ورثوها خلفا عن سلف إلى زمان عمرو ؟ قلنا : نعم ، كذلك كان ؛ لأن اليهود غيروا الرجم فأراد الله أن يقيمه في مسوخهم حتى يكون أبلغ في الحجة على ما أنكروه من ذلك وغيروه ، حتى تشهد عليهم كتبهم وأحبارهم ومسوخهم ، حتى يعلموا أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون ، ويحصي ما يبدلون وما يغيرون ، ويقيم عليهم الحجة من حيث لا يشعرون وينصر نبيه عليه السلام ، وهم لا ينصرون .قلت : هذا كلامه في الأحكام ، ولا حجة في شيء منه . وأما ما ذكره من قصة عمرو فذكر الحميدي في جمع الصحيحين : حكى أبو مسعود الدمشقي أن لعمرو بن ميمون الأودي في الصحيحين حكاية من رواية حصين عنه قال : رأيت في الجاهلية قردة اجتمع عليها قردة فرجموها فرجمتها معهم . كذا حكى أبو مسعود ولم يذكر في أي موضع أخرجه البخاري من كتابه ، فبحثنا عن ذلك فوجدناه في بعض النسخ لا في كلها ، فذكر في كتاب " أيام الجاهلية " .وليس في رواية النعيمي عن الفربري أصلا شيء من هذا الخبر في القردة ، ولعلها من المقحمات في كتاب البخاري . والذي قال البخاري في التاريخ الكبير : قال لي نعيم بن حماد أخبرنا هشيم عن أبي بلج وحصين عن عمرو بن ميمون قال : رأيت في الجاهلية قردة اجتمع عليها قرود فرجموها فرجمتها معهم . وليس فيه " قد زنت " . فإن صحت هذه الرواية فإنما أخرجها البخاري دلالة على أن عمرو بن ميمون قد أدرك الجاهلية ولم يبال بظنه الذي ظنه في الجاهلية . وذكر أبو عمر في " الاستيعاب " : عمرو بن ميمون وأن كنيته أبو عبد الله " معدود في كبار التابعين من الكوفيين ، وهو الذي رأى الرجم في الجاهلية من القردة إن صح ذلك ؛ لأن رواته مجهولون . وقد ذكره البخاري عن نعيم عن هشيم عن حصين عن عمرو بن ميمون الأودي مختصرا قال : رأيت في الجاهلية قردة زنت فرجموها - يعني القردة - فرجمتها معهم . ورواه عباد بن العوام عن حصين كما رواه هشيم مختصرا . وأما القصة بطولها فإنها تدور على عبد الملك بن مسلم عن عيسى بن حطان ، وليسا ممن يحتج بهما . وهذا عند جماعة أهل العلم منكر إضافة الزنى إلى غير مكلف ، وإقامة الحدود في البهائم . ولو صح لكانوا من الجن ؛ لأن العبادات في الإنس والجن دون غيرهما " . وأما قوله عليه السلام في حديث أبي هريرة : ( ولا أراها إلا الفأر ) وفي الضب : ( لا أدري لعله من القرون التي مسخت ) وما كان مثله - فإنما كان ظنا وخوفا لأن يكون الضب والفأر وغيرهما مما مسخ ، وكان هذا حدسا منه صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه أن الله لم يجعل للمسخ نسلا ، فلما أوحي إليه بذلك زال عنه ذلك التخوف ، وعلم أن الضب والفأر ليسا مما مسخ ، وعند ذلك أخبرنا بقوله صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن القردة والخنازير : هي مما مسخ ، فقال : إن الله لم يهلك قوما أو يعذب قوما فيجعل لهم نسلا وإن القردة والخنازير كانوا قبل ذلك . وهذا نص صريح صحيح رواه عبد الله بن مسعود ، أخرجه مسلم في كتاب القدر . وثبتت النصوص بأكل الضب بحضرته وعلى مائدته ولم ينكر ، فدل على صحة ما ذكرنا . وبالله توفيقنا . وروي عن مجاهد في تفسير هذه الآية أنه إنما مسخت قلوبهم فقط ، وردت أفهامهم كأفهام القردة . ولم يقله غيره من المفسرين فيما أعلم ، والله أعلم .قوله تعالى : فقلنا لهم كونوا قردة " قردة " خبر كان . " خاسئين " نعت ، وإن شئت جعلته خبرا ثانيا ل " كان " ، أو حالا من الضمير في " كونوا " . ومعناه مبعدين . يقال : خسأته فخسأ وخسئ ، وانخسأ أي : أبعدته فبعد . وقوله تعالى : ينقلب إليك البصر خاسئا أي : مبعدا . وقوله : " اخسئوا فيها " أي : تباعدوا تباعد سخط . قال الكسائي : خسأ الرجل خسوءا ، وخسأته خسأ . ويكون الخاسئ بمعنى الصاغر القميء . يقال : قمؤ الرجل قماء وقماءة صار قميئا ، وهو الصاغر الذليل . وأقمأته : صغرته وذللته ، فهو قميء على فعيل .

الترجمة الإنجليزية

FajaAAalnaha nakalan lima bayna yadayha wama khalfaha wamawAAithatan lilmuttaqeena

قوله تعالى : فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقينقوله تعالى : فجعلناها نكالا نصب على المفعول الثاني . وفي المجعول نكالا أقاويل ، قيل : العقوبة . وقيل : القرية ؛ إذ معنى الكلام يقتضيها وقيل : الأمة التي مسخت .وقيل : الحيتان ، وفيه بعد . والنكال : الزجر والعقاب . والنكل والأنكال : القيود . وسميت القيود أنكالا لأنها ينكل بها ، أي : يمنع . ويقال للجام الثقيل : نكل ونكل ؛ لأن الدابة تمنع به ونكل عن الأمر ينكل ، ونكل ينكل إذا امتنع . والتنكيل : إصابة الأعداء بعقوبة تنكل من وراءهم ، أي : تجبنهم . وقال الأزهري : النكال : العقوبة . ابن دريد : والمنكل : الشيء الذي ينكل بالإنسان ، قال [ رياح المؤلي ] :فارم على أقفائهم بمنكلقوله : لما بين يديها قال ابن عباس والسدي : لما بين يدي المسخة ما قبلها من ذنوب القوم . وما خلفها لمن يعمل مثل تلك الذنوب . قال الفراء : جعلت المسخة نكالا لما مضى من الذنوب ، ولما يعمل بعدها ليخافوا المسخ بذنوبهم . قال ابن عطية : وهذا قول جيد ، والضميران للعقوبة . وروى الحكم عن مجاهد عن ابن عباس : لمن حضر معهم ولمن يأتي بعدهم . واختاره النحاس ، قال : وهو أشبه بالمعنى ، والله أعلم . وعن ابن عباس أيضا لما بين يديها وما خلفها : من القرى . وقال قتادة : لما بين يديها من ذنوبهم ، " وما خلفها " من صيد الحيتان .قوله تعالى : وموعظة للمتقين عطف على نكال ، ووزنها مفعلة من الاتعاظ والانزجار . والوعظ : التخويف . والعظة الاسم . قال الخليل : الوعظ التذكير بالخير فيما يرق له القلب . قال الماوردي : وخص المتقين وإن كانت موعظة للعالمين لتفردهم بها عن الكافرين المعاندين ، قال ابن عطية : واللفظ يعم كل متق من كل أمة ، وقال الزجاج : وموعظة للمتقين لأمة محمد صلى الله عليه وسلم أن ينتهكوا من حرم الله جل وعز ما نهاهم عنه فيصيبهم ما أصاب أصحاب السبت ؛ إذ انتهكوا حرم الله في سبتهم

الترجمة الإنجليزية

Waith qala moosa liqawmihi inna Allaha yamurukum an tathbahoo baqaratan qaloo atattakhithuna huzuwan qala aAAoothu biAllahi an akoona mina aljahileena

قوله تعالى : وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلينقوله تعالى : وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة فيه أربع مسائل :الأولى : قوله تعالى : إن الله يأمركم حكي عن أبي عمرو أنه قرأ " يأمركم " بالسكون ، وحذف الضمة من الراء لثقلها . قال أبو العباس المبرد : لا يجوز هذا لأن الراء حرف الإعراب ، وإنما الصحيح عن أبي عمرو أنه كان يختلس الحركة . أن تذبحوا في موضع نصب ب " يأمركم " أي : بأن تذبحوا . " بقرة " نصب ب " تذبحوا " . وقد تقدم معنى الذبح ، فلا معنى لإعادته .الثانية : قوله تعالى : إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة مقدم في التلاوة وقوله : قتلتم نفسا مقدم في المعنى على جميع ما ابتدأ به من شأن البقرة . ويجوز أن يكون قوله : قتلتم في النزول مقدما ، والأمر بالذبح مؤخرا . ويجوز أن يكون ترتيب نزولها على حسب تلاوتها ، فكأن الله أمرهم بذبح البقرة حتى ذبحوها ثم وقع ما وقع في أمر القتل ، فأمروا أن يضربوه ببعضها ، ويكون وإذ قتلتم مقدما في المعنى على القول الأول حسب ما ذكرنا ؛ لأن الواو لا توجب الترتيب . ونظيره في التنزيل في قصة نوح بعد ذكر الطوفان وانقضائه في قوله : حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين إلى قوله إلا قليل . فذكر إهلاك من هلك منهم ثم عطف عليه بقوله : وقال اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها . فذكر الركوب متأخرا في الخطاب ، ومعلوم أن ركوبهم كان قبل الهلاك . وكذلك قوله تعالى : الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما . وتقديره : أنزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا ، ومثله في القرآن كثير .الثالثة : لا خلاف بين العلماء أن الذبح أولى في الغنم ، والنحر أولى في الإبل ، والتخير في البقر . وقيل : الذبح أولى ؛ لأنه الذي ذكره الله ، ولقرب المنحر من المذبح . قال ابن المنذر : لا أعلم أحدا حرم أكل ما نحر مما يذبح ، أو ذبح مما ينحر . وكره مالك ذلك . وقد يكره المرء الشيء ولا يحرمه . وسيأتي في سورة " المائدة " أحكام الذبح والذابح وشرائطهما عند قوله تعالى : إلا ما ذكيتم مستوفى إن شاء الله تعالى . قال الماوردي : وإنما أمروا - والله أعلم - بذبح بقرة دون غيرها ؛ لأنها من جنس ما عبدوه من العجل ليهون عندهم ما كان يرونه من تعظيمه ، وليعلم بإجابتهم ما كان في نفوسهم من عبادته . وهذا المعنى علة في ذبح البقرة ، وليس بعلة في جواب السائل ، ولكن المعنى فيه أن يحيا القتيل بقتل حي ، فيكون أظهر لقدرته في اختراع الأشياء من أضدادها .الرابعة : قوله تعالى : بقرة البقرة اسم للأنثى ، والثور اسم للذكر مثل ناقة وجمل وامرأة ورجل . وقيل : البقرة واحد البقر ، الأنثى والذكر سواء . وأصله من قولك : بقر بطنه ، أي : شقه ، فالبقرة تشق الأرض بالحرث وتثيره . ومنه الباقر لأبي جعفر محمد بن علي زين العابدين ؛ لأنه بقر العلم وعرف أصله ، أي : شقه . والبقيرة : ثوب يشق فتلقيه المرأة في عنقها من غير كمين . وفي حديث ابن عباس في شأن الهدهد ( فبقر الأرض ) . قال شمر : بقر نظر موضع الماء ، فرأى الماء تحت الأرض . قال الأزهري : البقر اسم للجنس وجمعه باقر . ابن عرفة : يقال : بقير وباقر وبيقور . وقرأ عكرمة وابن يعمر " إن الباقر " . والثور : واحد الثيران . والثور : السيد من الرجال . والثور القطعة من الأقط . والثور : الطحلب ، وثور : جبل . وثور : قبيلة من العرب . وفي الحديث : ووقت العشاء ما لم يغب ثور الشفق يعني انتشاره ، يقال : ثار يثور ثورا وثورانا إذا انتشر في الأفق وفي الحديث : ( من أراد العلم فليثور القرآن ) . قال شمر : تثوير القرآن : قراءته ومفاتشة العلماء به .قوله تعالى : قالوا أتتخذنا هزوا هذا جواب منهم لموسى عليه السلام لما قال لهم : إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة وذلك أنهم وجدوا قتيلا بين أظهرهم ، قيل : اسمه عاميل واشتبه أمر قاتله عليهم ، ووقع بينهم خلاف ، فقالوا : نقتتل ورسول الله بين أظهرنا ، فأتوه وسألوه البيان - وذلك قبل نزول القسامة في التوراة ، فسألوا موسى أن يدعو الله فسأل موسى عليه السلام ربه فأمرهم بذبح بقرة ، فلما سمعوا ذلك من موسى وليس في ظاهره جواب عما سألوه عنه واحتكموا فيه عنده ، قالوا : أتتخذنا هزؤا والهزء : اللعب والسخرية ، وقد تقدم . وقرأ الجحدري " أيتخذنا " بالياء ، أي : قال ذلك بعضهم لبعض ، فأجابهم موسى عليه السلام بقوله : أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين لأن الخروج عن جواب السائل المسترشد إلى الهزء جهل ، فاستعاذ منه عليه السلام ، لأنها صفة تنتفي عن الأنبياء . والجهل نقيض العلم . فاستعاذ من الجهل ، كما جهلوا في قولهم : أتتخذنا هزؤا " لمن يخبرهم عن الله تعالى ، وظاهر هذا القول يدل على فساد اعتقاد من قاله . ولا يصح إيمان من قال لنبي قد ظهرت معجزته ، وقال : إن الله يأمرك بكذا : أتتخذنا هزؤا ، ولو قال ذلك اليوم أحد عن بعض أقوال النبي صلى الله عليه وسلم لوجب تكفيره . وذهب قوم إلى أن ذلك منهم على جهة غلظ الطبع والجفاء والمعصية ، على نحو ما قال القائل للنبي صلى الله عليه وسلم في قسمة غنائم حنين : إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله . وكما قال له الآخر : اعدل يا محمد وفي هذا كله أدل دليل على قبح الجهل ، وأنه مفسد للدين .قوله تعالى : " هزوا " مفعول ثان ، ويجوز تخفيف الهمزة تجعلها بين الواو والهمزة . وجعلها حفص واوا مفتوحة ؛ لأنها همزة مفتوحة قبلها ضمة فهي تجري على البدل ، كقوله : السفهاء ولكن . ويجوز حذف الضمة من الزاي كما تحذفها من عضد ، فتقول : هزؤا ، كما قرأ أهل الكوفة ، وكذلك " ولم يكن له كفؤا أحد " . وحكى الأخفش عن عيسى بن عمر أن كل اسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم ففيه لغتان : التخفيف والتثقيل ، نحو العسر واليسر والهزء . ومثله ما كان من الجمع على فعل ككتب وكتب ، ورسل ورسل ، وعون وعون . وأما قوله تعالى : وجعلوا له من عباده جزءا فليس مثل هزء وكفء ؛ لأنه على فعل ، من الأصل . على ما يأتي في موضعه إن شاء الله تعالى .مسألة : في الآية دليل على منع الاستهزاء بدين الله ودين المسلمين ومن يجب تعظيمه ، وأن ذلك جهل وصاحبه مستحق للوعيد . وليس المزاح من الاستهزاء بسبيل ، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمزح والأئمة بعده . قال ابن خويز منداد : وقد بلغنا أن رجلا تقدم إلى عبيد الله بن الحسن وهو قاضي الكوفة فمازحه عبيد الله فقال : جبتك هذه من صوف نعجة أو صوف كبش فقال له : لا تجهل أيها القاضي ، فقال له عبيد الله : وأين وجدت المزاح جهلا ؟ فتلا عليه هذه الآية ، فأعرض عنه عبيد الله ؛ لأنه رآه جاهلا لا يعرف المزح من الاستهزاء ، وليس أحدهما من الآخر بسبيل .

الترجمة الإنجليزية

Qaloo odAAu lana rabbaka yubayyin lana ma hiya qala innahu yaqoolu innaha baqaratun la faridun wala bikrun AAawanun bayna thalika faifAAaloo ma tumaroona

قوله تعالى : قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرونقوله تعالى : قالوا ادع لنا ربك هذا تعنيت منهم وقلة طواعية ، ولو امتثلوا الأمر وذبحوا أي بقرة كانت لحصل المقصود ، لكنهم شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم ، قاله ابن عباس وأبو العالية وغيرهما . ونحو ذلك روى الحسن البصري عن النبي صلى الله عليه وسلم . ولغة بني عامر " ادع " وقد تقدم ، و " يبين " مجزوم على جواب الأمر . ما هي ابتداء وخبر . وماهية الشيء : حقيقته وذاته التي هو عليها .قوله تعالى : قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك في هذا دليل على جواز النسخ قبل وقت الفعل ؛ لأنه لما أمر ببقرة اقتضى أي بقرة كانت ، فلما زاد في الصفة نسخ الحكم الأول بغيره ، كما لو قال : في ثلاثين من الإبل بنت مخاض ، ثم نسخه بابنة لبون أو حقة . وكذلك هاهنا لما عين الصفة صار ذلك نسخا للحكم المتقدم . والفارض : المسنة . وقد فرضت تفرض فروضا ، أي : أسنت . ويقال للشيء القديم فارض ، قال الراجز :شيب أصداغي فرأسي أبيض محامل فيها رجال فرضيعني هرمى ، قال آخر :لعمرك قد أعطيت جارك فارضا تساق إليه ما تقوم على رجلأي : قديما ، وقال آخر :يا رب ذي ضغن علي فارض له قروء كقروء الحائضأي : قديم . و " لا فارض " رفع على الصفة لبقرة . و " لا بكر " عطف . وقيل : لا فارض خبر مبتدأ مضمر ، أي : لا هي فارض وكذا لا ذلول ، وكذلك لا تسقي الحرث ، وكذلك مسلمة ، فاعلمه . وقيل : الفارض التي قد ولدت بطونا كثيرة فيتسع جوفها لذلك ؛ لأن معنى الفارض في اللغة الواسع ، قال بعض المتأخرين . والبكر : الصغيرة التي لم تحمل . وحكى القتبي أنها التي ولدت . والبكر : الأول من الأولاد ، قال :يا بكر بكرين ويا خلب الكبد أصبحت مني كذراع من عضدوالبكر أيضا في إناث البهائم وبني آدم : ما لم يفتحله الفحل ، وهي مكسورة الباء . وبفتحها الفتي من الإبل . والعوان : النصف التي قد ولدت بطنا أو بطنين ، وهي أقوى ما تكون من البقر وأحسنه ، بخلاف الخيل ، قال الشاعر يصف فرسا :كميت بهيم اللون ليس بفارض ولا بعوان ذات لون مخصففرس أخصف : إذا ارتفع البلق من بطنه إلى جنبه . وقال مجاهد : العوان من البقرة هي التي قد ولدت مرة بعد مرة . وحكاه أهل اللغة . ويقال : إن العوان النخلة الطويلة ، وهي فيما زعموا لغة يمانية . وحرب عوان : إذا كان قبلها حرب بكر ، قال زهير :إذا لقحت حرب عوان مضرة ضروس تهر الناس أنيابها عصلأي : لا هي صغيرة ولا هي مسنة ، أي : هي عوان ، وجمعها " عون " بضم العين وسكون الواو ، وسمع " عون " بضم الواو كرسل . وقد تقدم . وحكى الفراء من العوان عونت تعوينا .قوله تعالى : فافعلوا ما تؤمرون تجديد للأمر وتأكيد وتنبيه على ترك التعنت فما تركوه ، وهذا يدل على أن مقتضى الأمر الوجوب كما تقوله الفقهاء ، وهو الصحيح على ما هو مذكور في أصول الفقه ، وعلى أن الأمر على الفور ، وهو مذهب أكثر الفقهاء أيضا ويدل على صحة ذلك أنه تعالى استقصرهم حين لم يبادروا إلى فعل ما أمروا به فقال : فذبحوها وما كادوا يفعلون . وقيل : لا ، بل على التراخي ؛ لأنه لم يعنفهم على التأخير والمراجعة في الخطاب . قاله ابن خويز منداد .

الترجمة الإنجليزية

Qaloo odAAu lana rabbaka yubayyin lana ma lawnuha qala innahu yaqoolu innaha baqaratun safrao faqiAAun lawnuha tasurru alnnathireena

قوله تعالى : قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرينقوله تعالى : قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها " ما " استفهام مبتدأة ، و " لونها " الخبر . ويجوز نصب " لونها ب " يبين " ، وتكون ما زائدة . واللون واحد الألوان وهو هيئة كالسواد والبياض والحمرة . واللون : النوع . وفلان متلون : إذا كان لا يثبت على خلاق واحد وحال واحد ، قال :كل يوم تتلون غير هذا بك أجملولون البسر تلوينا : إذا بدا فيه أثر النضج . واللون : الدقل ، وهو ضرب من النخل . قال الأخفش هو جماعة ، واحدها لينة .قوله : " صفراء " جمهور المفسرين أنها صفراء اللون ، من الصفرة المعروفة . قال مكي عن بعضهم : حتى القرن والظلف . وقال الحسن وابن جبير : كانت صفراء القرن والظلف فقط ، وعن الحسن أيضا : صفراء معناه : سوداء ، قال الشاعر :تلك خيلي منه وتلك ركابي هن صفر أولادها كالزبيبقلت : والأول أصح ؛ لأنه الظاهر ، وهذا شاذ لا يستعمل مجازا إلا في الإبل ، قال الله تعالى : كأنه جمالة صفر وذلك أن السود من الإبل سوادها صفرة . ولو أراد السواد لما أكده بالفقوع ، وذلك نعت مختص بالصفرة ، وليس يوصف السواد بذلك ، تقول العرب : أسود حالك وحلكوك وحلكوك ، ودجوجي وغربيب ، وأحمر قانئ ، وأبيض ناصع ولهق ولهاق ويقق ، وأخضر ناضر ، وأصفر فاقع ، هكذا نص نقلة اللغة عن العرب . قال الكسائي : يقال فقع لونها يفقع فقوعا إذا خلصت صفرته . والإفقاع : سوء الحال . وفواقع الدهر بوائقه . وفقع بأصابعه إذا صوت ، ومنه حديث ابن عباس : نهى عن التفقيع في الصلاة ، وهي الفرقعة ، وهي غمز الأصابع حتى تنقض . ولم ينصرف " صفراء " في معرفة ولا نكرة ؛ لأن فيها ألف التأنيث وهي ملازمة فخالفت الهاء ؛ لأن ما فيه الهاء ينصرف في النكرة ، كفاطمة وعائشة .قوله تعالى : فاقع لونها يريد خالصا لونها لا لون فيها سوى لون جلدها . تسر الناظرين قال وهب : كأن شعاع الشمس يخرج من جلدها ، ولهذا قال ابن عباس : الصفرة تسر النفس . وحض على لباس النعال الصفر ، حكاه عنه النقاش . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : من لبس نعلي جلد أصفر قل همه ، لأن الله تعالى يقول : صفراء فاقع لونها تسر الناظرين حكاه عنه الثعلبي . ونهى ابن الزبير ومحمد بن أبي كثير عن لباس النعال السود ؛ لأنها تهم . ومعنى تسر : تعجب . وقال أبو العالية : معناه في سمتها ومنظرها فهي ذات وصفين ، والله أعلم .
10