سورة آل عمران (3): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة آل عمران بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة آل عمران مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة آل عمران

سُورَةُ آلِ عِمۡرَانَ
الصفحة 63 (آيات من 101 إلى 108)

وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُۥ ۗ وَمَن يَعْتَصِم بِٱللَّهِ فَقَدْ هُدِىَ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ وَٱعْتَصِمُوا۟ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا۟ ۚ وَٱذْكُرُوا۟ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِۦٓ إِخْوَٰنًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ ۚ وَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ وَلَا تَكُونُوا۟ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُوا۟ وَٱخْتَلَفُوا۟ مِنۢ بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ ۚ وَأُو۟لَٰٓئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ۚ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَٰنِكُمْ فَذُوقُوا۟ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱبْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِى رَحْمَةِ ٱللَّهِ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ تِلْكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ ۗ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَٰلَمِينَ
63

الاستماع إلى سورة آل عمران

تفسير سورة آل عمران (تفسير الوسيط لطنطاوي: محمد سيد طنطاوي)

الترجمة الإنجليزية

Wakayfa takfuroona waantum tutla AAalaykum ayatu Allahi wafeekum rasooluhu waman yaAAtasim biAllahi faqad hudiya ila siratin mustaqeemin

ثم بين القرآن بعد ذلك أنه ما يسوغ للمؤمنين أن يطيعوا هذا الفريق من الذين أوتوا الكتاب، أو أن يكفروا بعد إيمانهم، أو أن يتفرقوا بعد وحدتهم فقال- تعالى-: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ، الاستفهام في قوله: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ للإنكار، ولاستبعاد كفرهم في حال اجتمع لهم فيها كل الأسباب الداعية إلى الإيمان.أى: كيف يتصور منكم الكفر، أو يسوغ لكم أن تسيروا في أسبابه وآيات الله تقرا على مسامعكم غضة طرية صباح مساء، ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم بين ظهرانيكم، يردكم إلى الصواب إن أخطأتم، ويزيح شبهكم إن التبس عليكم أمر.وفي هذا ما يومئ إلى إلقاء اليأس في قلوب هذا الفريق من اليهود من أن يصلوا إلى ما يبغونه بين المؤمنين في وقت يذكر النبي صلّى الله عليه وسلّم المؤمنين بما ينفعهم ويحذرهم مما يؤذيهم ويضرهم.وفي توجيه الإنكار والاستبعاد إلى كيفية الكفر مبالغة، لأن كل موجود لا بد أن يكون وجوده على حال من الأحوال، فإذا أنكر ونفى في جميع الأحوال انتفى وجوده بالكلية بالطريق البرهاني.وقوله: وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ جملتان حاليتان من فاعل تَكْفُرُونَ وهو ضمير الجماعة. وهاتان الجملتان هما محط الإنكار والاستبعاد.أى أن كلا تلاوة آيات الله وإقامة الرسول صلّى الله عليه وسلّم فيهم، وازع لهم عن الكفر، ودافع لهم إلى التمسك بعرى الإيمان.ففي الآية الكريمة دلالة على عظمة قدر الصحابة، وأن لهم وازعين عن مواقعة الضلال:سماع القرآن، ومشاهدة أنوار الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فإن وجوده عصمة من ضلالهم.قال قتادة: أما الرسول صلّى الله عليه وسلّم فقد مضى إلى رحمة الله، وأما الكتاب فباق على وجه الدهر.ثم أرشد الله- تعالى- المؤمنين إلى الوسيلة التي متى تمسكوا بها عصموا أنفسهم من مكر اليهود فقال- تعالى- وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.أى ومن يلتجئ إلى الله في كل أحواله ويتوكل عليه حق التوكل، ويتمسك بدينه، فقد هدى إلى الطريق الذي لا عوج فيه ولا انحراف.وفي هذا إشارة إلى أن التمسك بدين الله وبكتابه كفيل بأن يبعد المسلمين الذين لم يشاهدوا الرسول صلّى الله عليه وسلّم عما يبيته لهم أعداؤهم من مكر وخداع.قال ابن جرير ما ملخصه: وأصل العصم: المنع، فكل مانع شيئا فهو عاصمه، والممتنع به معتصم به ولذلك قيل للحبل: عصام، وللسبب الذي يتسبب به الرجل إلى حاجته عصام، وأفصح اللغتين: إدخال الباء كما قال- عز وجل- وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وقد جاء اعتصمته .

الترجمة الإنجليزية

Ya ayyuha allatheena amanoo ittaqoo Allaha haqqa tuqatihi wala tamootunna illa waantum muslimoona

ثم أمر الله- تعالى- المؤمنين بمجامع الطاعات ومعاقد الخيرات، فقال- تعالى- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.وقوله حَقَّ تُقاتِهِ التقاة مصدر وهو من باب إضافة الصفة إلى موصوفها إذ الأصل: اتقوا الله التقاة الحق. أى: الثابتة، كقولك ضربت زيدا أشد الضرب تريد الضرب الشديد وقيل التقاة اسم مصدر من اتقى كالتؤدة من اتأد.والمعنى: بالغو أيها المؤمنون في التمسك بتقوى الله ومراقبته وخشيته حتى لا تتركوا منها شيئا ولا تكونن على ملة سوى ملة الإسلام إذا أدرككم الموت، وإنما عليكم أن تستمروا على دينكم القويم حتى يأتيكم الأجل الذي لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون.وقد ساق ابن كثير بعض الآثار التي وردت عن بعض السلف في تفسير هذه الآية الكريمة فمن ذلك ما روى عن عبد الله بن مسعود أنه قال في معنى الآية اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ: أن يطاع فلا يعصى. وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر» .وروى عن أنس أنه قال: لا يتقى الله العبد حق تقاته حتى يخزن لسانه.وقوله وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ هو نهى في الصورة عن موتهم إلا على هذه الحالة.والمراد دوامهم على الإسلام وذلك أن الموت لا بد منه فكأنه قيل: دوموا على الإسلام إلى أن يدرككم الموت فتموتوا على هذه الملة السمحاء وهي ملة الإسلام، لكي تفوزوا برضا الله وحسن ثوابه.والجملة الكريمة في محل نصب على الحال من ضمير الجماعة في اتَّقُوا.والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال: أى لا تموتن على حالة من الأحوال إلا على هذه الحالة الحسنة التي هي حالة المداومة على التمسك بالإسلام وتعاليمه وآدابه.وقال صاحب الكشاف: قوله وَلا تَمُوتُنَّ معناه ولا تكونن على حال سوى حال الإسلام إذا أدرككم الموت، وذلك كأن تقول لمن تستعين به على لقاء العدو: لا تأتنى إلا وأنت على حصان، فأنت لا تنهاه عن الإتيان ولكنك تنهاه عن خلاف الحال التي شرطت عليه في وقت الإتيان» .

الترجمة الإنجليزية

WaiAAtasimoo bihabli Allahi jameeAAan wala tafarraqoo waothkuroo niAAmata Allahi AAalaykum ith kuntum aAAdaan faallafa bayna quloobikum faasbahtum biniAAmatihi ikhwanan wakuntum AAala shafa hufratin mina alnnari faanqathakum minha kathalika yubayyinu Allahu lakum ayatihi laAAallakum tahtadoona

وبعد أن أمرهم- سبحانه- بمداومة خشيته، والاستمرار على دينه أتبع ذلك بأمرهم بالاعتصام بدينه وبكتابه فقال- تعالى- وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا.فهذه الآية الكريمة تأكيد لما اشتملت عليه سابقتها من مداومة التقوى والطاعة الله رب العالمين.والاعتصام: افتعال من عصم وهو طلب ما يعصم أى يمنع من السقوط والوقوع.وأصل الحبل: ما يشد به للارتقاء أو التدلي أو للنجاة من غرق أو نحوه، أو للوصول إلى شيء معين.والمراد بحبل الله هنا: دينه أو عهده، أو كتابه، لأن التمسك بهذه الأشياء يوصل إلى النجاة والفلاح.والمعنى: كونوا جميعا مستمسكين بكتاب الله وبدينه وبعهوده، ولا تتفرقوا كما كان شأنكم في الجاهلية بضرب بعضكم رقاب بعض، بل عليكم أن تجتمعوا على طاعة الله وأن تكونوا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا. وبذلك تفوزون وتسعدون وتنتصرون على أعدائكم.ففي الجملة الكريمة استعارة تمثيلية حيث شبه- سبحانه- الحالة الحاصلة من تمسك المؤمنين بدينه وبكتابه وبعهوده وبوحدة كلمتهم، بالحالة الحاصلة من تمسك جماعة بحبل وثيق مأمون الانقطاع ألقى إليهم من منقذ لهم من غرق أو سقوط أو نحوهما.وإضافة الحبل إلى الله- تعالى- قرينة على هذا التمثيل.وقوله جَمِيعاً حال من ضمير الجماعة في قوله وَاعْتَصِمُوا.فالجملة الكريمة تأمر المسلمين جميعا أن يعتصموا بعهود الله وبدينه. وبكتابه، وأن يكونوا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وأن ينبذوا التفرق والاختلاف الذي يؤدى إلى ضعفهم وفشلهم.قال الفخر الرازي عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه: واعلم أن كل من يمشى على طريق دقيق يخاف أن ينزلق رجله، فإنه إذا تمسك بحبل مشدود الطرفين بجانبي ذلك الطريق أمن من الخوف. ولا شك أن طريق الحق طريق دقيق، وقد انزلقت أرجل كثير من الخلق عنه، فمن اعتصم بدلائل الله وبيناته فإنه يأمن من ذلك الخوف فكان المراد من الحبل هنا: كل شيء يمكن التوصل به إليه الحق في طريق الدين، وهو أنواع كثيرة فمنهم من قال المراد به عهد الله..ومنهم من قال المراد به القرآن، فقد جاء في الحديث «هو حبل الله المتين» ومنهم من قال المراد به طاعة الله.. وهذه الأقوال كلها متقاربة والتحقيق ما ذكرنا من أنه لما كان النازل في البئر يعتصم بحبل تحرزا من السقوط فيها وكان كتاب الله وعهده ودينه وطاعته وموافقته لجماعةالمؤمنين حرزا لصاحبه من السقوط في جهنم، جعل ذلك حبلا الله وأمروا بالاعتصام به . ثم أمرهم- سبحانه- بتذكر نعم الله عليهم فقال: وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً، وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها.قوله شَفا حُفْرَةٍ الشفا طرف الشيء وحرفه مثل شفا البئر، وشفا الحفرة ومنه يقال: فلان أشفى على الشيء إذا أشرف عليه، كأنه بلغ شفاه أى حده وحرفه.والمعنى: واذكروا أيها المؤمنون وتنبهوا بعقولكم وقلوبكم إلى نعمة الله عليكم بتأليف نفوسكم ورأب صدوعكم، فقد كنتم في الجاهلية أعداء متقاتلين متنازعين، فألف بين قلوبكم بأخوة الإسلام فأصبحتم متحابين متناصحين متوادين وكنتم على وشك الوقوع في النار بسبب اختلافكم وضلالكم فمن الله عليكم وأنقذكم من التردي فيها بهدايتكم إلى الحق عن طريق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذي أرسله ربه رحمة للعالمين. إذا فمن الواجب عليكم وفاء لهذه النعم أن تشكروا الله عليها وأن تطيعوا رسولكم صلّى الله عليه وسلّم وأن تتمسكوا بعرى المحبة والمودة والأخوة فيما بينكم.قال ابن كثير: قوله- تعالى- وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً.. إلخ. هذا السياق في شأن الأوس والخزرج، فإنه كان بينهم حروب كثيرة في الجاهلية وعداوة شديدة وضغائن وإحن طال بسببها قتالهم، والوقائع بينهم، فلما جاء الله بالإسلام. فدخل فيه من دخل منهم، صاروا إخوانا متحابين بجلال الله، متواصلين في ذات الله، متعاونين على البر والتقوى وكانوا على شفا حفرة من النار بسبب كفرهم فأنقذهم الله منها إذ هداهم للإيمان وقد امتن عليهم بذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم قسم غنائم حنين، فعتب من عتب منهم بما فضل عليهم في القسمة بما رآه، فخطبهم فقال يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي، وعالة فأغناكم الله بي؟ فكانوا كلما قال شيئا قالوا: الله ورسوله أمنّ» .وفي هذه الآية الكريمة تصوير بديع مؤثر لحالة المسلمين قبل الإسلام وحالتهم بعد الإسلام.فقد صور- سبحانه- حالهم وترديهم في الكفر والاختلاف والتقاتل قبل أن يدخلوا في الإسلام بحال من يكون على حافة حفرة من النار يوشك أن يقع فيها.وصور هدايته لهم إلى سبيل الحق والمحبة والإخاء بدخولهم في الإسلام عن طريق محمد صلّى الله عليه وسلّم بحالة من يبعد غيره عن الترديفي النار وينقذه من الوقوع فيها.قال صاحب الكشاف: «والضمير المجرور في قوله فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها يعود للحفرة أو للنار أو للشفا، وإنما أنث لإضافته إلى الحفرة- فاكتسب التأنيث من المضاف إليه- كما قال: كما شرقت صدر القناة من الدم.. وشفا الحفرة وشفتها: حرفها بالتذكير والتأنيث.فإن قلت: كيف جعلوا على حرف حفرة من النار؟ قلت: لو ماتوا على ما كانوا عليه وقعوا في النار «فمثلت حياتهم التي يتوقع بعدها الوقوع في النار بالقعود على حرفها، مشفين- أى مشرفين- على الوقوع فيها» .ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله: كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ.أى كهذا البيان الواضح الذي سمعتموه في هذه الآيات، يبين الله لكم دائما من آياته ودلائله وحججه ما يسعدكم في الدنيا والآخرة، وما يأخذ بيدكم إلى وسائل الهداية وأسبابها، رجاء أن تكونوا ممن رضى الله عنهم وأرضاهم بسبب اهتدائهم إلى الصراط المستقيم.

الترجمة الإنجليزية

Waltakun minkum ommatun yadAAoona ila alkhayri wayamuroona bialmaAAroofi wayanhawna AAani almunkari waolaika humu almuflihoona

وبعد أن أمرهم- سبحانه- بتكميل أنفسهم عن طريق خشيته وتقواه والاعتصام بدينه وبكتابه، عقب ذلك بأمرهم بالعمل على تكميل غيرهم وإصلاح شأنه عن طريق دعوته إلى الخير وإبعاده عن الشر فقال- تعالى- وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ.الأمة: الجماعة التي تؤم وتقصد لأمر ما وتطلق على أتباع الأنبياء كما تقول: نحن من أمة محمد- صلّى الله عليه وسلّم- وعلى الرجل الجامع للخير الذي يقتدى به كقوله- تعالى- إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً . وعلى الدين والملة كقوله- تعالى- إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وعلى الحين والزمان كقوله- تعالى-: وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ.والمراد بالأمة هنا الطائفة من الناس التي تصلح لمباشرة الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.والمراد بالخير ما فيه صلاح للناس ديني أو دنيوى.والمراد بالمعروف ما حسنه الشرع وتعارف العقلاء على حسنه والمنكر ضد ذلك.والمعنى: ولتكن منكم أيها المؤمنون طائفة قوية الإيمان عظيمة الإخلاص، تبذل أقصى طاقتها وجهدها في الدعوة إلى الخير الذي يصلح من شأن الناس، وفي أمرهم بالتمسك بالتعاليم وبالأخلاق التي توافق الكتاب والسنة والعقول السليمة، وفي نهيهم عن المنكر الذي يأباه شرع الله، وتنفر منه الطباع الحسنة.وقوله: وَلْتَكُنْ صيغة وجوب من الله- تعالى- على كل من يصلح لمهمة الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.وتكن إما من كان التامة أى: ولتوجد منكم أمة. فيكون قوله: أُمَّةٌ فاعلا لتكن وجملة يَدْعُونَ صفة لأمة، ومِنْكُمْ متعلق بتكن.وإما من كان الناقصة فيكون قوله: أُمَّةٌ اسمها، وجملة يَدْعُونَ خبرها، وقوله مِنْكُمْ متعلق بكان الناقصة، أو بمحذوف وقع حالا من أمة.ومن في قوله- تعالى- وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يرى أكثر العلماء أنها للتبعيض.أى: ليكن بعض منكم أمة أى طائفة تبذل جهدها في تبليغ رسالات الله وفي دعوة الناس إلى الخير وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر.وفي هذا التبعيض وتنكير أمة تنبيه على قلة العاملين بذلك وأنه لا يخاطب به إلا الخواص.ومن هذا الأسلوب قوله- تعالى-: اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ فقد وجه الخطاب إلى نفس منكرة تنبيها على قلة الناظر في معاده.وعلى هذا فكأن الآية الكريمة قد اشتملت على طلبين:أحدهما: وجه إلى الأمة كلها يطالبها بأن تعد طائفة من بينها لهذه المهمة السامية وهي دعوة الناس إلى الخير وأن تزود هذه الطائفة الصالحة لهذه المهمة بكل ما يمكنها من أداء مهمتها.وثانيهما: موجه إلى تلك الطائفة الصالحة لهذه المهمة، بأن تخلص فيها، وتؤديها على الوجه الأكمل الذي يرضى الله- تعالى- ويرى بعض العلماء أن «من» في قوله- تعالى- وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ بيانية.فيكون المعنى أن الأمة كلها عليها واجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لا على سبيل الفرض الكفائى، بل على سبيل الفرض العيني.أى: لتكونوا أيها المؤمنون جميعا أمة تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فمن هنا ليس المراد بها التبعيض على هذا الرأى بل المراد بها البيان، وذلك كقولك: لفلان من أولاده جند، وللأمير من غلمانه عسكر، تريد بذلك جميع أولاده وغلمانه.ويبدو لنا أن الرأى الأول وهو أن «من» للتبعيض أقرب إلى الصواب، لأن الأمة كلها برجالها ونسائها وشبابها وشيوخها لا تصلح لهذه المهمة السامية، وإنما يصلح لها من يجيدها ويحسنها بأن تكون عنده القدرة العقلية، والعلمية، والنفسية، والخلقية، لأدائها.ولذا قال صاحب الكشاف مرجحا أن «من» للتبعيض: قوله: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ من للتبعيض، لأن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر من فروض الكفايات، لأنه لا يصلح له إلا من علم المعروف والمنكر، وعلم كيف يرتب الأمر في إقامته وكيف يباشره فإن الجاهل ربما نهى عن معروف وأمر بمنكر، وربما عرف الحكم في مذهبه وجهله في مذهب صاحبه فنهاه عن غير منكر. وقد يغلظ في موضع اللين، ويلين في موضع الغلظة وينكر على من لا يزيده إنكاره إلا تماديا، أو على من الإنكار عليه عبث.وقيل «من» للتبيين، بمعنى: وكونوا أمة تأمرون، كقوله- تعالى- كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ .وقوله- تعالى- وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ معطوف على قوله: يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ من باب عطف الخاص على العام.وفائدة هذا التخصيص ذكر الدعاء إلى الخير عاما ثم مفصلا على هذين الوجهين وهما الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، لأنهما أشرف ألوان الدعوة إلى الخير.وقوله: يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ المفعول فيه محذوف وكذلك في قوله: يَأْمُرُونَ ويَنْهَوْنَ والتقدير يدعون الناس إلى الخير ويأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر.وحذف المفعول للإيذان بظهوره. أو للقصد إلى إيجاد نفس الفعل. أى يفعلون الدعاء إلى الخير، أو لقصد التعميم أى يدعون كل من تتأتى له الدعوة.وقد ختم- سبحانه- الآية الكريمة بتبشير هؤلاء الداعين إلى الخير بالفلاح فقال وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ والفلاح هو الظفر وإدراك البغية.أى: وأولئك القائمون بواجب الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر هم الكاملون في الفلاح والنجاح، ولا يمكن أن يفلح سواهم ممن لم يقم بهذا الواجب الذي هو مناط عزة الجماعات والأفراد، وأساس رفعتهم وقوتهم وسعادتهم.قال بعض العلماء: في الآية دليل على وجوب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ووجوبه ثابت بالكتاب والسنة، وهو من أعظم واجبات الشريعة المطهرة، وأصل عظيم من أصولها، وركن مشيد من أركانها، وبه يرتفع سنامها ويكمل نظامها.وقال الإمام الغزالي: في هذه الآية بيان الإيجاب. فإن قوله: وَلْتَكُنْ أمر. وظاهر الأمر الإيجاب، وفيها بيان أن الفلاح منوط به. إذ حصر وقال: وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وفيها بيان أنه فرض كفاية لا فرض عين وأنه إذا قام به البعض سقط الفرض عن الآخرين، إذ لم يقل كونوا كلكم آمرين بالمعروف، بل قال: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ وإن تقاعد عنه الخلق جميعا عم الإثم كافة القادرين عليه لا محالة .هذا وقد وردت أحاديث متعددة في فضل الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وفي بيان العاقبة السيئة التي تترتب على ترك هذا الواجب، ومن ذلك:ما رواه مسلم والترمذي وابن ماجة والنسائي عن أبى سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطيع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان.وروى الترمذي عن جابر بن عبد الله عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله.وروى الشيخان عن جرير بن عبد الله قال: بايعت النبي صلّى الله عليه وسلّم على السمع والطاعة فلقننى فيما استطعت والنصح لكل مسلم.وروى أبو داود والترمذي وابن ماجة والنسائي عن أبى بكر الصديق- رضى الله عنه- قال: يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ وإنى سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده» .

الترجمة الإنجليزية

Wala takoonoo kaallatheena tafarraqoo waikhtalafoo min baAAdi ma jaahumu albayyinatu waolaika lahum AAathabun AAatheemun

وبعد أن أمر الله- تعالى- بالمواظبة على الدعوة إلى الخير، عقب ذلك بنهيهم عن التفرق والاختلاف فقال: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ.أى: ولا تكونوا أيها المؤمنون كأولئك اليهود والنصارى وغيرهم من الذين تفرقوا شيعا وأحزابا، وصار كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ واختلفوا فيما بينهم اختلافا شنيعا، وقد ترتب على ذلك أن كفر بعضهم بعضا، وقاتل بعضهم بعضا، وزعم كل فريق منهم أنه على الحق وغيره على الباطل، وأنه هو وحده الذي يستطيع أن يدرك ما في الكتب السماوية من حقائق، وهو وحده الذي يستطيع تفسيرها تفسيرا سليما.ولقد كان تفرقهم هذا واختلافهم «من بعد ما جاءهم البينات» أى الآيات والحجج والبراهين الدالة على الحق، والداعية إلى الاتحاد والوثام لا إلى التفرق والاختلاف.وقوله: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا معطوف على قوله وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ ويرجع إلى قوله من قبل وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا لما فيه من تمثيل حال التفرق في أبشع صوره المعروفة لديهم من مطالعة أحوال اليهود وفيه إشارة إلى أن ترك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر يفضى إلى التفرق والاختلاف إذ يترتب على هذا الترك أن تكثر المنازعات والأهواء والمظالم، وتنشق الأمة بسبب ذلك انشقاقا شديدا.والمقصود بهذا النهى إنما هو التفرق والاختلاف في أصول الدين وأسسه، أما الفروع التي لا يصادم الخلاف فيها نصا صحيحا من نصوص الدين فلا تندرج تحت هذا النهى، فنحن نرى أن أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم والتابعين من بعدهم قد اختلفوا فيما بينهم في بعض المسائل التي لا تخالف نصا صحيحا من نصوص الشريعة وتأولها كل واحد أو كل فريق منهم على حسب فهمه الذي أداه إليه اجتهاده.ومن الأحاديث التي ذمت الاختلاف في الدين ما رواه أبو داود والإمام أحمد عن أبى عامر عبد الله بن يحيى قال: «حججنا مع معاوية بن أبى سفيان، فلما قدمنا مكة قام حين صلى الظهر فقال إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة- يعنى الأهواء- كلها في النار إلا واحدة- وهي الجماعة- وأنه سيخرج في أمتى أقوام تجارى بهم تلك الأهواء، كما يتجارى الكلب بصاحبه.لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله، والله يا معشر العرب لئن لم تقوموا بما جاءكم به نبيكم صلّى الله عليه وسلّم لغيركم من الناس أحرى أن لا يقوم به».ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة ببيان سوء عاقبة المتفرقين، والمختلفين في الحق فقال وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ أى وأولئك الموصوفون بتلك الصفات الذميمة لهم عذاب عظيم بسبب تفرقهم واختلافهم الباطل.فأنت ترى أن القرآن الكريم قد نهى المؤمنين عن التفرق والاختلاف بأبلغ تعبير وألطف إشارة، وذلك بأن بين لهم حسن عاقبة المعتصمين بحبل الله دون أن يتفرقوا، وما بشر به - سبحانه- المواظبين على الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر من أنهم هم المفلحون الفائزون.ثم بين لهم بعد ذلك سوء عاقبة التفرقة والاختلاف الذي وقع فيه من سبقهم من اليهود والنصارى وكيف أنه ترتب على تفرقهم واختلافهم أن كفر بعضهم بعضا. وقاتل بعضهم بعضا، ورمى بعضهم بعضا بالزيغ والضلال.هذا في الدنيا، أما في الآخرة فلهؤلاء المتفرقين والمختلفين العذاب العظيم من الله- تعالى- فالقرآن قد أتى بالأوامر ومعها الأسباب التي تدعو إلى الاستجابة لها، وأتى بالنواهى ومعها كذلك الأسباب التي تحمل على البعد عنها.وبذلك تكون الآيات الكريمة قد بينت مسلكا من مسالك اليهود الخبيثة لكيد الإسلام والمسلمين، ووبختهم على ذلك توبيخا موجعا، وفضحتهم على مر العصور والدهور، وحذرت المؤمنين من شرورهم، وأرشدتهم إلى ما يعصمهم من كيدهم. وذكرتهم بنعم الله الجليلة عليهم، وأمرتهم بالمواظبة على الدعوة إلى الخير. ونهتهم عن التفرق والاختلاف لكي يسعدوا في دينهم ودنياهم.ثم حذر الله- تعالى- الناس من أهوال يوم القيامة، وأمرهم بأن يتسلحوا بالإيمان وبالعمل الصالح حتى ينجوا من عذابه فقال:

الترجمة الإنجليزية

Yawma tabyaddu wujoohun wataswaddu wujoohun faamma allatheena iswaddat wujoohuhum akafartum baAAda eemanikum fathooqoo alAAathaba bima kuntum takfuroona

قوله- تعالى- يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ: بياض الوجوه وسوادها محمولان على الحقيقة عند جمهور العلماء. وذلك لأن اللفظ حقيقة فيهما، ولا دليل يوجب ترك هذه الحقيقة فوجب الحمل على ذلك.قال الآلوسى: قال بعضهم يوسم أهل الحق ببياض الوجه وإشراق البشرة تشريفا لهم وإظهارا لآثار أعمالهم في ذلك الجمع. ويوسم أهل الباطل بضد ذلك.والظاهر أن الابيضاض والاسوداد يكونان لجميع الجسد إلا أنهما أسندا للوجوه لأن الوجه أول ما يلقاك من الشخص وتراه، وهو أشرف أعضائه واختلف في وقت ذلك فقيل: وقت البعث من القبور وقيل وقت قراءة الصحف» .ويرى بعض العلماء أن بياض الوجوه هنا المراد منه لازمه وهو الفرح والسرور، كما أن سوادها المراد منه لازمه أيضا وهو الحزن والغم وعليه يكون التعبير القرآنى محمولا على المجاز لا على الحقيقة.قال الفخر الرازي ما ملخصه: وهذا مجاز مشهور قال- تعالى- وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ويقال: لفلان عندي يد بيضاء وتقول العرب لمن نال بغيته وفاز بمطلوبه: ابيض وجهه ومعناه الاستبشار والتهلل ... ويقال لمن وصل إليه مكروه: اربد وجهه واغبر لونه وتبدلت صورته.. وعلى هذا فمعنى الآية: أن المؤمن يرد يوم القيامة على ما قدمت يداه، فإن رأى ما يسره ابيض وجهه بمعنى أنه استبشر بنعم الله وفضله، وعلى ضد ذلك إذا رأى الكافر أعماله القبيحة محصاة عليه اسود وجهه بمعنى أنه يشتد حزنه وغمه» .والظرف «يوم» في قوله يَوْمَ تَبْيَضُّ إلخ منصوب على أنه مفعول به بفعل محذوف والتقدير: اذكر يوم تبيض وجوه وتسود وجوه والمراد الاعتبار والاتعاظ ويجوز أن يكون العامل فيه قوله عَظِيمٌ في قوله قبل ذلك وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ. أى أولئك الذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات لهم عذاب في هذا اليوم الهائل الشديد الذي تبيض فيه وجوه المؤمنين وتسود فيه وجوه الكافرين والفاسقين.وفي وصف هذا اليوم بأنه تبيض فيه وجوه وتسود فيه وجوه تهويل لأمره. وتعظيم لشأنه وتشويق لما يرد بعد ذلك من تفصيل أصحاب الوجوه المبيضة وأصحاب الوجوه المسودة، وترغيب للمؤمنين في الإكثار من التزود بالعمل الصالح وترهيب للكافرين من التمادي في كفرهم وضلالهم.والتنكير في قوله وُجُوهٌ للتكثير. أى تبيض وجوه عدد كثير من المؤمنين وتسود وجوه كثيرة للكافرين.وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى- وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ وقوله- تعالى- وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ .قال صاحب الكشاف: «البياض من النور والسواد من الظلمة. فمن كان من أهل نور الحق وسم ببياض اللون وإسفاره وإشراقه وابيضت صحيفته، وأشرقت، وسعى النور بين يديه وبيمينه. ومن كان من أهل ظلمة الباطل وسم بسواد اللون وكسوفه وكمده، واسودت صحيفته وأظلمت وأحاطت به الظلمة من كل جانب. نعوذ بالله وبسعة رحمته من ظلمة الباطل وأهله» .ثم بين- سبحانه- حال الذين اسودت وجوههم وسوء عاقبتهم فقال: فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ بسبب كفرهم وأعمالهم القبيحة فيقال لهم أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ وحذف هذا القول المقدر والذي هو جواب أما لدلالة الكلام عليه، ومثله كثير في القرآن الكريم، ومن ذلك قوله- تعالى- وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا . أى قائلين ربنا أبصرنا وسمعنا وقوله تعالى- وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ . أى قائلين لهم: سلام عليكم.والاستفهام في قوله: أَكَفَرْتُمْ للتوبيخ والتعجب من حالهم.قال الآلوسى والظاهر من السياق أن هؤلاء هم أهل الكتاب وكفرهم بعد إيمانهم، هو كفرهم برسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد الإيمان به قبل مبعثه. وقيل هم جميع الكفار لإعراضهم عما وجب عليهم من الإقرار بالتوحيد حين أشهدهم على أنفسهم أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قالُوا بَلى ويحتمل أن يراد بالإيمان الإيمان بالقوة والفطرة، وكفر جميع الكفار كان بعد هذا الإيمان لتمكنهم بالنظر الصحيح والدلائل الواضحة والآيات البينة من الإيمان بالله- تعالى-، وبرسوله صلّى الله عليه وسلّم» .وقوله فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ أى فادخلوا جهنم وذوقوا مرارة العذاب وآلامه بسبب استمراركم على الكفر وموتكم عليه.والأمر في قوله فَذُوقُوا للإهانة والإذلال، وهو من باب الاستعارة في فَذُوقُوا استعارة تبعية تخييلية. وفي العذاب استعارة مكنية: حيث شبه العذاب بشيء يدرك بحاسة الأكل والذوق تصويرا له بصورة ما يذاق، وأثبت له الذوق تخييلا- وهو قرينة المكنية.وأل في العذاب للعهد أى فذوقوا العذاب المعهود الموصوف بالعظم، والذي سبق أن حذركم الله- تعالى- منه، ولكنكم لم تعيروا التحذير انتباها، بل تماديتم في كفركم وضلالكم حتى أدرككم الموت وأنتم على هذه الحال الشنيعة.

الترجمة الإنجليزية

Waamma allatheena ibyaddat wujoohuhum fafee rahmati Allahi hum feeha khalidoona

ثم بين- سبحانه- حال الذين ابيضت وجوههم وحسن عاقبتهم فقال: وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ ببركة إيمانهم وعملهم الصالح فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ أى ففي جنته. والتعبير عن الجنة بالرحمة من باب التعبير بالحال عن المحل فتكون الظرفية حقيقة. وإذا أريد برحمة الله ثوابه وجزاؤه تكون الظرفية مجازية.وفي التعبير عن الجنة بالرحمة إشعار بأن دخولها إنما هو بمحض فضل الله- تعالى- فهو- سبحانه- المالك لكل شيء، والخالق لكل شيء.وقوله هُمْ فِيها خالِدُونَ بيان لما خصهم الله- تعالى- من خلود في هذا النعيم الذي لا يحد بحد، ولا يرسم برسم، ولا تبلغ العقول مداه. أى هم في الرحمة باقون دائمون فقد أعطاهم الله- تعالى- عطاء غير مجذوذ.وقد بدأ- سبحانه- كلامه عن الفريقين بالذين ابيضت وجوههم ثم قدم الحديث عن حال الذين اسودت وجوههم على الذين ابيضت وجوههم، ليكون ابتداء الكلام واختتامه عن هؤلاء السعداء بما يسر القلب ويشرح الصدر ويغرى الناس بالتمسك بعرى الإيمان وبالإكثار من العمل الصالح الذي يوصلهم إلى رحمة الله ورضاه.ووصف- سبحانه- الذين ابيضت وجوههم بأنهم خالدون في رحمته، ولم يصف الذين اسودت وجوههم بالخلود في العذاب للتصريح في غير هذا الموضع بخلودهم في هذا العذاب كما في قوله- تعالى- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ .وللإشعار بأن باب رحمته- سبحانه- مفتوح أمام هؤلاء الضالين فعليهم أن يثوبوا إلى رشدهم، وأن يقلعوا عن الكفر إلى الإيمان والعمل الصالح حتى ينجوا من عذاب الله وسخطه يوم تبيض وجوه وتسود وجوه.وبعد أن أفاض- سبحانه- في الحديث عن أحوال السعداء وأحوال الأشقياء وعن رذائل الكافرين من أهل الكتاب وغيرهم ممن أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وبعد أن ساق- سبحانه- من التوجيهات الحكيمة، والإرشادات النافعة ما يشفى الصدور ويهدى النفوس، بعد كل ذلك، خاطب- سبحانه- نبيه صلّى الله عليه وسلّم بقوله:تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ، وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ.والمراد بالآيات ما سبق ذكره في هذه السورة وغيرها من آيات قرآنية تهدى إلى الرشد وتشهد بوحدانية الله- تعالى- وبصدق رسوله صلّى الله عليه وسلّم فيما يبلغه عنه.وكانت الإشارة بتلك الدالة على البعد للإشعار بعلو شأن هذه الآيات وسمو منزلتها وعظم قدرها.ومعنى نَتْلُوها نقرؤها عليك يا محمد شيئا فشيئا قراءة واضحة جلية لتبلغها للناس على مكث وتدبر وروية.وأسند- سبحانه- التلاوة إليه مع أن التالي في الحقيقة جبريل- عليه السّلام- للتنبيه على شرف هذه الآيات المتلوة، ولأن تلاوة جبريل إنما هي بأمر منه- سبحانه-.

الترجمة الإنجليزية

Tilka ayatu Allahi natlooha AAalayka bialhaqqi wama Allahu yureedu thulman lilAAalameena

وقال- سبحانه- تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها فأظهر لفظ الجلالة ولم يقل تلك آياتنا نتلوها، ليكون التصريح باسمه- سبحانه- مربيا في النفوس المهابة والإجلال له، إذ هو المستحق وحده لوصف الألوهية فلا إله سواه ولا معبود بحق غيره، وهو ذو الجلال والإكرام، وهو المنشئ الموجد لهذا الكون وما فيه ومن فيه.فالتصريح باسمه- تعالى- يزيد البيان جلالا ويبعث في النفوس الخشية والمراقبة والبعد عما يوجب العقاب والإقبال على ما يوصل إلى الثواب.وقوله بِالْحَقِّ في موضع الحال المؤكدة من الفاعلي أو المفعول.أى نتلوها عليك متلبسة بالحق أو متلبسين بالصدق أو العدل في كل ما دلت عليه هذه الآيات ونطقت به، مما لا تختلف فيه العقول السليمة، والمدارك القويمة.وقوله- تعالى وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ نفى للظلم بأبلغ وجه فإنه- سبحانه- لم ينف فقط الظلم عن ذاته بل نفى عن ذاته إرادة الظلم إذ هو أمر لا يليق به- سبحانه- ولا يتصور وقوعه منه.وكيف يريد الظلم من منح هذا العالم كله الوجود، وخلق هذا الكون برحمة وقدرته وعدله؟والظلم- كما يقول الراغب- وضع الشيء في غير موضعه المختص به إما بزيادة أو بنقصان وإما بعدول عن وقته ومكانه، ومن هذا يقال: ظلمت السقاء إذا تناولته في غير وقته، وظلمت الأرض إذا حفرتها ولم تكن موضعا للحفر.قال بعض الحكماء: الظلم ثلاثة أنواع:الأول: ظلم بين الإنسان وبين الله- تعالى- وأعظمه الكفر والشرك والنفاق وإياه قصد- سبحانه- بقوله: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ.والثاني: ظلم بينه وبين الناس وإياه قصد بقوله: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ.والثالث: ظلم بينه وبين نفسه وإياه قصد بقوله: فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ والظلم الذي نفى إرادته- سبحانه- عن ذاته عام لا يخص نوعا دون نوع، إذ من المعروف عند علماء اللغة أن النكرة في سياق النفي تعم، وهنا جاء لفظ الظلم منكرا في سياق النفي وهو ما.قال الجمل واللام في قوله لِلْعالَمِينَ زائدة لا تعلق لها بشيء زيدت في مفعول المصدر وهو «ظلم» والفاعلي محذوف. وهو في التقدير ضمير البارئ- سبحانه- والمعنى ما الله يريد أن يظلم العالمين، فزيدت اللام تقوية للعامل كقوله فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ .
63