سورة يوسف (12): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة يوسف بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة يوسف مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة يوسف

سُورَةُ يُوسُفَ
الصفحة 241 (آيات من 44 إلى 52)

قَالُوٓا۟ أَضْغَٰثُ أَحْلَٰمٍ ۖ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ ٱلْأَحْلَٰمِ بِعَٰلِمِينَ وَقَالَ ٱلَّذِى نَجَا مِنْهُمَا وَٱدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا۠ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِۦ فَأَرْسِلُونِ يُوسُفُ أَيُّهَا ٱلصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِى سَبْعِ بَقَرَٰتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنۢبُلَٰتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٍ لَّعَلِّىٓ أَرْجِعُ إِلَى ٱلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِى سُنۢبُلِهِۦٓ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ ثُمَّ يَأْتِى مِنۢ بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ ثُمَّ يَأْتِى مِنۢ بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ ٱلنَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ وَقَالَ ٱلْمَلِكُ ٱئْتُونِى بِهِۦ ۖ فَلَمَّا جَآءَهُ ٱلرَّسُولُ قَالَ ٱرْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَسْـَٔلْهُ مَا بَالُ ٱلنِّسْوَةِ ٱلَّٰتِى قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ۚ إِنَّ رَبِّى بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَٰوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِۦ ۚ قُلْنَ حَٰشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوٓءٍ ۚ قَالَتِ ٱمْرَأَتُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْـَٰٔنَ حَصْحَصَ ٱلْحَقُّ أَنَا۠ رَٰوَدتُّهُۥ عَن نَّفْسِهِۦ وَإِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ ذَٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّى لَمْ أَخُنْهُ بِٱلْغَيْبِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى كَيْدَ ٱلْخَآئِنِينَ
241

الاستماع إلى سورة يوسف

تفسير سورة يوسف (تفسير الوسيط لطنطاوي: محمد سيد طنطاوي)

الترجمة الإنجليزية

Qaloo adghathu ahlamin wama nahnu bitaweeli alahlami biAAalimeena

وقوله- سبحانه- قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَما نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعالِمِينَ حكاية لما رد به الكهان والأشراف على ما طلبه الملك منهم.والأضغاث: جمع ضغث- بكسر الضاد- وهو ما جمع في حزمة واحدة من مختلف النيات وأعواد الشجر، فصار خليطا غير متجانس.والأحلام: جمع حلم وحلم- بإسكان اللام وضمها تبعا للحاء- وهو ما يراه النائم في منامه، وتطلق كثيرا على ما ليس بحسن، ففي الحديث الصحيح: «الرؤيا من الله والحلم من الشيطان».أى: قال الملأ للملك: ما رأيته أيها الملك في نومك ما هو إلا تخاليط أحلام ومنامات باطلة، فلا تهتم بها.فهم قد شبهوا ما رآه بالأضغاث في اختلاطها، وعدم التجانس بين أطرافها.ثم أضافوا إلى ذلك قولهم: «وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين» .أى: إننا لسنا من أهل العلم بتفسير تخاليط الأحلام، وإنما نحن من أهل العلم بتفسير المنامات المعقولة المفهومة.وقولهم هذا إنما هو اعتذار عن جهلهم، بمعرفة تفسير رؤيا الملك، ويبدو أن الملك كان يتوقع منهم هذا الجهل، كما يشعر به قوله- تعالى- إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ فقد أتى بإن المفيدة للشك.قال صاحب الكشاف: «فإن قلت: ما هو إلا حلم واحد فلماذا قالوا أضغاث أحلام فجمعوا!؟.قلت: هو كما تقول فلان يركب الخيل، ويلبس عمائم الخز، لمن لا يركب إلا فرسا واحدا وماله إلا عمامة فردة، تزيدا في الوصف، فهؤلاء أيضا تزيدوا في وصف الحلم بالبطلان فجعلوه أضغاث أحلام ويجوز أن يكون قد قص عليهم مع هذه الرؤيا سواها».

الترجمة الإنجليزية

Waqala allathee naja minhuma waiddakara baAAda ommatin ana onabbiokum bitaweelihi faarsilooni

ثم بين- سبحانه- ما حدث بعد أن عجز الملأ من قوم الملك عن تأويل رؤياه فقال:وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما أى: وقال أحد الرجلين اللذين كانا مع يوسف في السجن ثم خرج منه بريئا وهو ساقى الملك.وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ: وتذكر بعد حين طويل من الزمان كيف فسر له يوسف رؤياه تفسيرا صادقا أيام أن كان معه في السجن.وأصل «ادكر» اذتكر بوزن افتعل، مأخوذ من الذكر- بتشديد الذال وضمها- قلبت تاء الافتعال دالا لثقلها ولتقارب مخرجيهما، ثم قلبت الذال دالا ليتأتى إدغامها في الدال، لأنها أخف من الذال.والأمة: الجماعة التي تؤم وتقصد لأمر ما، والمراد بها هنا: المدة المتطاولة من الزمان وكان هذا الساقي قد نسى ما أوصاه به يوسف من قوله «اذكرني عند ربك» فلما قال الملك ما قاله بشأن رؤياه، تذكر هذا الساقي حال يوسف.قالوا: وكان ذلك بعد سنتين من خروجه من السجن.وقوله أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ أى: قال الساقي للملك وحاشيته: أنا أخبركم بتأويله: بتفسير رؤيا الملك التي خفى تفسيرها على الملأ من قومه. فأرسلون، أى: فابعثونى إلى من عنده العلم الصحيح الصادق بتفسيرها.ولم يذكر لهم اسم المرسل إليه، وهو يوسف- عليه السلام- لأنه أراد أن يفاجئهم بخبره بعد حصول تأويله للرؤيا، فيكون ذلك أوقع في قلوبهم، وأسمى لشأن يوسف- عليه السلام-.وقال فَأَرْسِلُونِ ليشعرهم أن هذا التأويل ليس من عند نفسه، وإنما هو من عند من يرسلونه إليه وهو يوسف- عليه السلام.

الترجمة الإنجليزية

Yoosufu ayyuha alssiddeequ aftina fee sabAAi baqaratin simanin yakuluhunna sabAAun AAijafun wasabAAi sunbulatin khudrin waokhara yabisatin laAAallee arjiAAu ila alnnasi laAAallahum yaAAlamoona

وقوله يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنا ... من بديع الإيجاز بالحذف في القرآن الكريم، لأن المحذوف لا يتعلق بذكره غرض.والتقدير: قال لهم أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون إلى من عنده العلم بذلك، فأرسلوه فجاء إلى يوسف في السجن فقال له: يا يوسف يا أيها الصديق.والصديق: هو الإنسان الذي صار الصدق دأبه وشيمته في كل أحواله، ووصفه بذلك لأنه جرب منه الصدق التام أيام أن كان معه في السجن.وقوله «أفتنا» أى فسر لنا تلك الرؤيا التي رآها الملك، والتي عجز الناس عن تفسيرها، وهي أن الملك رأى في منامه «سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف، وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات» .وقوله «لعلى أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون» تعليل لطلب الفتوى، وبيان لأهمّيّتها بالنسبة له وليوسف- عليه السلام.أى: فسر لنا هذه الرؤيا «لعلى أرجع إلى الناس» وهم الملك وأهل الحل والعقد في مملكته، «لعلهم يعلمون» تأويلها، فينتفعون به، وترتفع منزلتك عندهم.

الترجمة الإنجليزية

Qala tazraAAoona sabAAa sineena daaban fama hasadtum fatharoohu fee sunbulihi illa qaleelan mimma takuloona

وهنا تجد يوسف- عليه السلام- لا يكتفى بتأويل الرؤيا تأويلا مجردا بل يؤولها تأويلا صادقا صحيحا، ومعه النصح والإرشاد إلى ما يجب عمله في مثل هذه الأحوال، فقال: - كما حكى القرآن عنه-: قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً....وتزرعون هاهنا: خبر في معنى الأمر، بدليل قوله بعد ذلك «فذروه» ...وعبر عن الأمر بالمضارع مبالغة في التعبير عن استجابتهم لنصيحته، فكأنهم قد امتثلوا أمره، وهو يخبر عن هذا الامتثال.ودَأَباً مصدر دأب على الشيء إذا استمر عليه ولازمه يقال: دأب فلان على فعل هذا الشيء يدأب دأبا ودأبا إذا داوم عليه، وهو حال من ضمير «تزرعون» أى قال يوسف للساقى: فارجع إلى قومك فقل لهم إن يوسف يأمركم أن تزرعوا أرضكم سبع سنين زراعة مستمرة على حسب عادتكم.فَما حَصَدْتُمْ من زرعكم في كل سنة، فذروه في سنبله، أى: فاتركوا الحب في سنبله ولا تخرجوه منها حتى لا يتعرض للتلف بسبب السوس أو ما يشبهه: إلا قليلا مما تأكلون،أى: اتركوا الحب في سنبله فلا تخرجوه منها، إلا شيئا قليلا منه فأخرجوه من السنابل لحاجتكم إليه في مأكلكم.وفي هذه الجملة إرشاد لهم إلى أن من الواجب عليهم أن يقتصدوا في مأكولاتهم إلى أقصى حد ممكن لأن المصلحة تقتضي ذلك.قال القرطبي: هذه الآية أصل في القول بالمصالح الشرعية التي هي حفظ الأديان والنفوس والعقول والأنساب والأموال، فكل ما تضمن تحصيل شيء من هذه الأمور فهو مصلحة، وكل ما يفوت شيئا منها فهو مفسدة ودفعه مصلحة ولا خلاف، فإن مقصود الشرائع إرشاد الناس إلى مصالحهم الدنيوية ليحصل لهم التمكن من معرفة الله- تعالى- وعبادته الموصلتين إلى السعادة الأخروية، ومراعاة ذلك فضل من الله- عز وجل- ورحمة رحم بها عباده ... ».

الترجمة الإنجليزية

Thumma yatee min baAAdi thalika sabAAun shidadun yakulna ma qaddamtum lahunna illa qaleelan mimma tuhsinoona

وقوله ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ أى: من بعد تلك السنين السبع المذكورات التي تزرعونها على عادتكم المستمرة في الزراعة.سَبْعٌ شِدادٌ أى: سبع سنين صعاب على الناس، لما فيهن من الجدب والقحط، يأكلن ما قدمتم لهن، أى: يأكل أهل تلك السنين الشداد، كل ما ادخروه في السنوات السبع المتقدمة من حبوب في سنابلها.وأسند الأكل إلى السنين على سبيل المجاز العقلي، من إسناد الشيء إلى زمانه.وقوله إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ أى: أن تلك السنين المجدبة ستأكلون فيها ما ادخرتموه في السنوات السابقة، إلا شيئا قليلا منه يبقى محرزا، لتنتفعوا به في زراعتكم لأرضكم.فقوله تُحْصِنُونَ من الإحصان بمعنى الإحراز والادخار، يقال أحصن فلان الشيء، إذا جعله في الحصن، وهو الموضع الحصين الذي لا يوصل إليه إلا بصعوبة.وحاصل تفسير يوسف- عليه السلام- لتلك الرؤيا: أنه فسر البقرات السمان والسنبلات الخضر، بالسنين السبع المخصبة. وفسر البقرات العجاف والسنبلات اليابسات بالسنين السبع المجدبة التي تأتى في أعقاب السنين المخصبة وفسر ابتلاع البقرات العجاف للبقرات السمان، بأكلهم ما جمع في السنين المخصبة، في السنين المجدبة.ولقد كان هذا التأويل لرؤيا الملك تأويلا صحيحا صادقا من يوسف- عليه السلام- بسببه أنقذ الله- تعالى- مصر من مجاعة سبع سنين.

الترجمة الإنجليزية

Thumma yatee min baAAdi thalika AAamun feehi yughathu alnnasu wafeehi yaAAsiroona

وقوله ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ تبشير لهم بأن الخير سيأتيهم، بعد تلك السنوات الشداد، فقد جرت سنة الله- تعالى- أن يعقب العسر باليسر.ولفظ يُغاثُ من الغوث بمعنى إزالة الهم والكرب عن طريق الأمطار التي يسوقها الله- تعالى- لهم بعد تلك السنوات الشداد التي قل فيها المطر.يقال: غاث الله- تعالى- البلاد غيثا، إذا ساق لها المطر بعد أن يئسوا من نزوله، ويعصرون من العصر وهو الضغط على ما من شأنه أن يعصر، لإخراج ما فيه من مائع سواء كان هذا المائع زيتا أم ماء أم غيرهما.أى: ثم يأتى من بعد تلك السنين السبع الشداد، عام فيه تزول الهموم والكروب ونقص الأموال عن الناس، بسبب إرسال الله- تعالى- المطر عليهم، فتخضر الأرض وتنبت من كل زوج بهيج، وفيه يعصرون من ثمار مزروعاتهم ما من شأنه أن يعصر كالزيتون وما يشبهه.وهذا كناية عن بدء حلول الرخاء بهم، بعد تلك السنوات الشداد، وما قاله يوسف- عليه السلام- عن هذا العام الذي يأتى في أعقاب السنوات السبع الشداد، لا مقابل له في رؤيا الملك، بل هو خارج عنها، وذلك لزيادة التبشير للملك والناس، ولإفهامهم أن هذا العلم إنما بوحي من الله- تعالى- الذي يجب أن يخلص له الجميع العبادة والطاعة.وإلى هنا نرى أن يوسف- عليه السلام- قد فسر رؤيا الملك تفسيرا سليما حكيما، من نتائجه الخير للملك وقومه ...فماذا فعل الملك مع يوسف- عليه السلام- بعد ذلك؟لقد قص علينا القرآن الكريم ما طلبه الملك من حاشيته وما رد به يوسف- عليه السلام- على رسول الملك، وما قالته النسوة وامرأة العزيز في شأن يوسف وما طلبه- عليه السلام- من الملك، استمع إلى القرآن الكريم وهو يحكى كل ذلك بأسلوبه الخاص فيقول:

الترجمة الإنجليزية

Waqala almaliku itoonee bihi falamma jaahu alrrasoolu qala irjiAA ila rabbika faisalhu ma balu alnniswati allatee qattaAAna aydiyahunna inna rabbee bikaydihinna AAaleemun

فقوله- سبحانه- وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ... حكاية لما طلبه الملك في ذلك الوقت من معاونيه في شأن يوسف- عليه السلام-، وفي الكلام حذف يفهم من المقام، والتقدير:وقال الملك بعد أن سمع من ساقيه ما قاله يوسف في تفسير الرؤيا أحضروا لي يوسف هذا لأراه وأسمع منه، وأستفيد من علمه.وهذا يدل- كما يقول الإمام الرازي- على فضيلة العلم، فإنه- سبحانه- جعل ما علمه ليوسف سببا لخلاصه من المحنة الدنيوية، فكيف لا يكون العلم سببا للخلاص من المحن الأخروية؟ .وقوله- سبحانه- فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ، إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ بيان لما قاله يوسف- عليه السلام- لرسول الملك ...أى: فلما جاء رسول الملك إلى يوسف ليخبره بأن الملك يريد لقاءه، قال له يوسف بأناة وإباء: ارجع إلى ربك، أى إلى سيدك الملك «فاسأله» قبل خروجي من السجن وذهابي إليه «ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن» أى: ما حالهن، وما حقيقة أمرهن معى، لأن الكشف عن حقيقة أمرهن معى يهمني أن يكون واضحا في الأذهان والعقول، حتى يعرف الجميع أننى برئ، وأننى نقى العرض طاهر الذيل.والمراد بالسؤال في قوله «ارجع إلى ربك فاسأله» الحث والتحريض على معرفة حقيقة أمر النسوة اللائي قطعن أيديهن ...ولم يكشف له يوسف عن حقيقة أمرهن معه لزيادة تهييجه على البحث والتقصي إذ من شأن الإنسان- خصوصا إذا كان- حاكما- أن يأنف من أن يسأل عن شيء مهم، ثم لا يهتم بالإجابة عنه.وقد آثر يوسف- عليه السلام- أن يكون هذا السؤال وهو في السجن لتظهر الحقيقة خالصة ناصعة، دون تدخل منه في شأنها.وجعل السؤال عن النسوة اللائي قطعن أيديهن دون امرأة العزيز، وفاء لحق زوجها، واحترازا من مكرها، ولأنهن كن شواهد على إقرارها بأنها قد راودته عن نفسه، فقد قالت أمامهن بكل تبجح وتكشف فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ» .واكتفى بالسؤال عن تقطيع أيديهن، دون التعرض لكيدهن له، سترا لهن، وتنزها منه- عليه السلام- عن ذكرهن بما يسوؤهن.ولذا فقد اكتفى بالإشارة الإجمالية إلى كيدهن، وفوض أمرهن إلى الله- تعالى- فقال:إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ.أى إن ربي وحده هو العليم بمكرهن بي، وكيدهن لي، وهو- سبحانه- هو الذي يتولى حسابهن على ذلك.ولا شك في أن امتناع يوسف- عليه السلام- عن الذهاب إلى الملك إلا بعد التحقيق في قضيته، يدل دلالة واضحة على صبره، وسمو نفسه، وعلو همته ...ولقد أجاد صاحب الكشاف في تعليله لامتناع يوسف عن الخروج من السجن للقاء الملك إلا بعد أن تثبت براءته فقال: «إنما تأنى وتثبت يوسف في إجابة الملك، وقدم سؤال النسوة، ليظهر براءة ساحته عما قذف به وسجن فيه، لئلا يتسلق به الحاسدون إلى تقبيح أمره عنده. ويجعلوه سلما إلى حط منزلته لديه، ولئلا يقولوا: ما خلد في السجن إلا لأمر عظيم، وجرم كبير، حق به أن يسجن ويعذب، ويستكف شره.وفيه دليل على أن الاجتهاد في نفى التهم، واجب وجوب اتقاء الوقوف في مواقفها» .وقد ساق الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية بعض الأحاديث في فضل يوسف- عليه السلام- فقال ما ملخصه:وقد وردت السنة بمدحه على ذلك- أى على امتناعه من الخروج من السجن حتى يتحقق الملك ورعيته من براءة ساحته ونزاهة عرضه- ففي الصحيحين عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نحن أحق بالشك من إبراهيم، إذ قال: رب أرنى كيف تحيى الموتى؟ قال: أو لم تؤمن؟ قال بلى ولكن ليطمئن قلبي، ويرحم الله لوطا، لقد كان يأوى إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي» .وروى الإمام أحمد عن أبى هريرة في قوله- تعالى- فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ... أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو كنت أنا لأسرعت الإجابة، وما ابتغيت العذر» .وروى عبد الرزاق عن عكرمة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه والله يغفر له حين سئل عن البقرات العجاف والسمان، ولو كنت مكانه ما أجبتهم حتى أشترط أن يخرجونى.ولقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه والله يغفر له، حين أتاه الرسول، ولو كنت مكانه لبادرتهم إلى الباب، ولكنه أراد أن يكون له العذر» .

الترجمة الإنجليزية

Qala ma khatbukunna ith rawadtunna yoosufa AAan nafsihi qulna hasha lillahi ma AAalimna AAalayhi min sooin qalati imraatu alAAazeezi alana hashasa alhaqqu ana rawadtuhu AAan nafsihi wainnahu lamina alssadiqeena

هذا، وقوله- سبحانه- قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ حكاية لما فعله الملك بعد أن بلغه الرسول بما طلبه يوسف منه.وفي الكلام حذف يفهم من السياق، والتقدير: وبعد أن رجع رسول الملك إليه وأخبره بما قاله يوسف، استجاب الملك لما طلبه يوسف منه، فأخضر النسوة وقال لهن: ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه.والخطب: مصدر خطب يخطب، ويطلق- غالبا- على الأمر المهم الذي يجعل الناس يتحدثون فيه كثيرا، وجمعه خطوب.والمعنى: بعد أن جمع الملك النسوة قال لهن: ما الأمر الهام الذي حملكن في الماضي على أن تراودن يوسف عن نفسه؟ وهل وجدتن فيه ميلا إلى الاستجابة لكنّ..؟قال صاحب الظلال ما ملخصه: «والخطب الأمر الجلل ... فكأن الملك كان قد استقصى فعلم أمرهن قبل أن يواجههن، وهو المعتاد في مثل هذه الأحوال، ليكون الملك على بينة من الأمر وظروفه قبل الخوض فيه، فهو يواجههن مقررا الاتهام، ومشيرا إلى أمر لهن جلل..ومن هذا نعلم شيئا بما دار في حفل الاستقبال في بيت الوزير، وما قالته النسوة ليوسف، وما لمحن به وأشرن إليه، من الإغراء الذي بلغ حد المراودة.ومن هذا نتخيل صورة لهذه الأوساط ونسائها حتى في ذلك العهد الموغل في التاريخ، فالجاهلية هي الجاهلية دائما، وأنه حيثما كان الترف، وكانت القصور والحاشية، كان التحلل والتميع والفجور الناعم الذي يرتدى ثياب الأرستقراطية» .وأمام هذه المواجهة التي واجههن بها الملك، لم يملكن الإنكار، بل قلن بلسان واحد:حاشَ لِلَّهِ أى: معاذ الله.ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قط، وإنما الذي علمناه منه هو الاستعصام عن كل سوء.وهنا قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ ويبدو أنها كانت حاضرة، معهن عند الملك.الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أى: الآن ظهر الحق وانكشف انكشافا تاما بعد أن كان خافيا والفعل حصحص أصله حص، كما قيل، كبكب في كب، وهو مأخوذ من الحص بمعنى الاستئصال والإزالة، تقول: فلان حص شعره إذا استأصله وأزاله فظهر ما كان خافيا من تحته ...ثم أضافت إلى ذلك قولها «أنا راودته عن نفسه» أى: أنا التي طلبت منه ما طلبت «وإنه لمن الصادقين» في قوله «هي راودتني عن نفسي» .وهكذا يشاء الله- تعالى- أن تثبت براءة يوسف على رءوس الأشهاد، بتلك الطريقة التي يراها الملك، وتنطق بها امرأة العزيز، والنسوة اللائي قطعن أيديهن.قال صاحب الكشاف: «ولا مزيد على شهادتهن له بالبراءة والنزاهة، واعترافهن على أنفسهن بأنه لم يتعلق بشيء مما قذفنه به لأنهن خصومه، وإذا اعترف الخصم بأن صاحبه على الحق وهو على الباطل لم يبق لأحد مقال» - إذ الفضل ما شهدت به الأعداء-.ثم واصلت امرأة العزيز حديثها فقالت: ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ.أى: ذلك الذي قلته واعترفت به على نفسي من أنى راودته عن نفسه، إنما قلته ليعلم يوسف أنى لم أخنه في غيبته، ولم أقل فيه شيئا يسوؤه بعد أن فارقنى، ولبث بعيدا عنى في السجن بضع سنين، وإنما أنا أقرر أمام الملك وحاشيته بأنه من الصادقين ...وإنما قررت ذلك لأن الله- تعالى- لا يهدى كيد الخائنين، أى: لا ينفذ كيدهم ولا يسدده، بل يفضحه ويزهقه ولو بعد حين من الزمان.لذا فأنا التزمت الأمانة في الحديث عنه، وابتعدت عن الخيانة، لأن الله- تعالى- لا يرضاها ولا يقبلها.فأنت ترى أن هذه المرأة التي شهدت على نفسها شهادة لا تبالي بما يترتب عليها بشأنها، قد عللت شهادتها هذه بعلتين:إحداهما: كراهتها أن تخونه في غيبته بعد أن فقد الدفاع عن نفسه وهو في السجن..وثانيتهما: علمها بأن الله- تعالى- لا يهدى كيد الخائنين ولا يسدده، وإنما يبطله ويزهقه..ثم أضافت إلى كل ذلك قولها: وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ، إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي، إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ.أى: ومع أنى أعترف بأنه من الصادقين، وأعترف بأنى لم أخنه بالغيب، إلا أنى مع كل ذلك لا أبرئ نفسي ولا أنزهها عن الميل إلى الهوى، وعن محاولة وصفه بما هو برىء منه، فأنا التي قلت لزوجي في حالة دهشتى وانفعالى الشديد، ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ وما حملني على هذا القول إلا هواى وشهواتى، ونفسي إن النفس البشرية لكثيرة الأمر لصاحبها بالسوء إلا نفسا رحمها الله وعصمها من الزلل والانحراف، كنفس يوسف- عليه السلام- وجملة إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ تعليل لما قبلها، أى: إن ربي كثير الغفران وكثير الرحمة، لمن يشاء أن يغفر له ويرحمه من عباده.والذي يتأمل هذا الكلام الذي حكاه القرآن عن امرأة العزيز، يراه زاخرا بالصراحة التي ليس بعدها صراحة، وبالمشاعر والانفعالات الدالة على احترامها ليوسف الذي خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، رغم الإغراءات المصحوبة بالترغيب والترهيب، ويبدو لنا- والله أعلم- أن هذا الكلام ما قالته امرأة العزيز، إلا بعد أن استقرت عقيدة الإيمان التي آمن بها يوسف في قلبها، وبعد أن رأت فيه إنسانا يختلف في استعصامه بالله وفي سمو نفسه، عن غيره من الناس الذين رأتهم.

الترجمة الإنجليزية

Thalika liyaAAlama annee lam akhunhu bialghaybi waanna Allaha la yahdee kayda alkhaineena

هذا، ويرى كثير من المفسرين أن كلام امرأة العزيز قد انتهى عند قوله- تعالى- وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وأن قوله- تعالى- بعد ذلك ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ ... إلى قوله- تعالى- إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ هو من كلام يوسف- عليه السلام-، فيكون المعنى:وذلك ليعلم «أى العزيز» أنى لم أخنه، في أهله بِالْغَيْبِ أى في غيبته وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ من النساء والرجال، بل يبطل هذا الكيد ويفضحه.
241