سورة مريم (19): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة مريم بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تفسير القرطبي (أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة مريم مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة مريم

سُورَةُ مَرۡيَمَ
الصفحة 306 (آيات من 12 إلى 25)

يَٰيَحْيَىٰ خُذِ ٱلْكِتَٰبَ بِقُوَّةٍ ۖ وَءَاتَيْنَٰهُ ٱلْحُكْمَ صَبِيًّا وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَوٰةً ۖ وَكَانَ تَقِيًّا وَبَرًّۢا بِوَٰلِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا وَسَلَٰمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا وَٱذْكُرْ فِى ٱلْكِتَٰبِ مَرْيَمَ إِذِ ٱنتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا فَٱتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا قَالَتْ إِنِّىٓ أَعُوذُ بِٱلرَّحْمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا قَالَ إِنَّمَآ أَنَا۠ رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَٰمًا زَكِيًّا قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِى غُلَٰمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَىَّ هَيِّنٌ ۖ وَلِنَجْعَلَهُۥٓ ءَايَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا ۚ وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا ۞ فَحَمَلَتْهُ فَٱنتَبَذَتْ بِهِۦ مَكَانًا قَصِيًّا فَأَجَآءَهَا ٱلْمَخَاضُ إِلَىٰ جِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ قَالَتْ يَٰلَيْتَنِى مِتُّ قَبْلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا فَنَادَىٰهَا مِن تَحْتِهَآ أَلَّا تَحْزَنِى قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا وَهُزِّىٓ إِلَيْكِ بِجِذْعِ ٱلنَّخْلَةِ تُسَٰقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا
306

الاستماع إلى سورة مريم

تفسير سورة مريم (تفسير القرطبي: أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي)

الترجمة الإنجليزية

Ya yahya khuthi alkitaba biquwwatin waataynahu alhukma sabiyyan

قوله تعالى : يا يحيى خذ الكتاب بقوة في الكلام حذف ؛ المعنى فولد له ولد وقال الله تعالى للمولود : يا يحيى خذ الكتاب بقوة وهذا اختصار يدل الكلام عليه . والكتاب التوراة بلا خلاف . بقوة أي بجد واجتهاد ؛ قاله مجاهد . وقيل : العلم به ، والحفظ له والعمل به ، وهو الالتزام لأوامره ، والكف عن نواهيه ؛ قاله زيد بن أسلم ؛ وقد تقدم في ( البقرة ) .وآتيناه الحكم صبيا قيل : الأحكام والمعرفة بها . وروى معمر أن الصبيان قالوا ليحيى : اذهب بنا نلعب ؛ فقال : ما للعب خلقت . فأنزل الله تعالى : وآتيناه الحكم صبيا وقال قتادة : كان ابن سنتين أو ثلاث سنين . وقال مقاتل : كان ابن ثلاث سنين . و صبيا نصب على الحال . وقال ابن عباس : من قرأ القرآن قبل أن يحتلم فهو ممن أوتي الحكم صبيا . وروي في تفسير هذه الآية من طريق عبد الله بن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : كل بني آدم يأتي يوم القيامة وله ذنب إلا ما كان من يحيى بن زكريا . وقال قتادة : إن يحيى - عليه السلام - لم يعص الله قط بصغيرة ولا كبيرة ولا هم بامرأة . وقال مجاهد : وكان طعام يحيى - عليه السلام - العشب ، كان للدمع في خديه مجار ثابتة . وقد مضى الكلام في معنى قوله : وسيدا وحصورا في ( آل عمران ) .

الترجمة الإنجليزية

Wahananan min ladunna wazakatan wakana taqiyyan

قوله تعالى : وحنانا من لدنا حنانا عطف على الحكم . وروي عن ابن عباس أنه قال : والله ما أدري ما ( الحنان ) . وقال جمهور المفسرين : الحنان الشفقة والرحمة والمحبة ؛ وهو فعل من أفعال النفس . النحاس : وفي معنى الحنان عن ابن عباس قولان : أحدهما : قال : تعطف الله - عز وجل - عليه بالرحمة ، والقول الآخر ما أعطيه من رحمة الناس حتى يخلصهم من الكفر والشرك . وأصله من حنين الناقة على ولدها . ويقال : حنانك وحنانيك ؛ قيل : هما لغتان بمعنى واحد . وقيل : حنانيك تثنية الحنان . وقال أبو عبيدة : والعرب تقول : حنانك يا رب وحنانيك يا رب بمعنى واحد ؛ تريد رحمتك . وقال امرؤ القيس :ويمنحها بنو شمجى بن جرم معيزهم حنانك ذا الحنانوقال طرفة :أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا حنانيك بعض الشر أهون من بعضوقال الزمخشري : حنانا رحمة لأبويه وغيرهما وتعطفا وشفقة ؛ وأنشد سيبويه :فقالت حنان ما أتى بك هاهنا أذو نسب أم أنت بالحي عارفقال ابن الأعرابي : الحنان من صفة الله تعالى مشددا الرحيم . والحنان مخفف : العطف والرحمة . والحنان : الرزق والبركة . ابن عطية : والحنان في كلام العرب أيضا ما عظم من الأمور في ذات الله تعالى ؛ ومنه قول زيد بن عمرو بن نفيل في حديث بلال : والله لئن قتلتم هذا العبد لأتخذن قبره حنانا ؛ وذكر هذا الخبر الهروي ؛ فقال : وفي حديث بلال ومر عليه ورقة بن نوفل وهو يعذب ، فقال : والله لئن قتلتموه لأتخذنه حنانا ؛ أي لأتمسحن به . وقال الأزهري : معناه لأتعطفن عليه ولأترحمن عليه لأنه من أهل الجنة .قلت : فالحنان العطف ، وكذا قال مجاهد . و حنانا أي تعطفا منا عليه أو منه على الخلق ؛ قال الحطيئة :تحنن علي هداك المليك فإن لكل مقام مقالاعكرمة : محبة . وحنة الرجل امرأته لتوادهما ؛ قال الشاعر :فقالت حنان ما أتى بك هاهنا أذو نسب أم أنت بالحي عارفقوله تعالى : وزكاة الزكاة التطهير والبركة والتنمية في وجوه الخير والبر ؛ أي جعلناه مباركا للناس يهديهم . وقيل : المعنى زكيناه بحسن الثناء عليه كما تزكي الشهود إنسانا . وقيل : زكاة صدقة به على أبويه ؛ قاله ابن قتيبة .وكان تقيا أي مطيعا لله تعالى ، ولهذا لم يعمل خطيئة ولم يلم بها .

الترجمة الإنجليزية

Wabarran biwalidayhi walam yakun jabbaran AAasiyyan

قوله تعالى : وبرا بوالديه البر بمعنى البار وهو الكثير البر . و جبارا متكبرا . وهذا وصف ليحيى - عليه السلام - بلين الجانب وخفض الجناح .

الترجمة الإنجليزية

Wasalamun AAalayhi yawma wulida wayawma yamootu wayawma yubAAathu hayyan

قوله تعالى : وسلام عليه يوم ولد قال الطبري وغيره : معناه أمان . ابن عطية : والأظهر عندي أنها التحية المتعارفة فهي أشرف وأنبه من الأمان ؛ لأن الأمان متحصل له بنفي العصيان عنه ، وهي أقل درجاته ، وإنما الشرف في أن سلم الله عليه ، وحياه في المواطن التي الإنسان فيها في غاية الضعف والحاجة وقلة الحيلة والفقر إلى الله تعالى عظيم الحول .قلت : وهذا قول حسن ، وقد ذكرنا معناه عن سفيان بن عيينة في سورة ( سبحان ) عند قتل يحيى . وذكر الطبري عن الحسن أن عيسى ويحيى التقيا - وهما ابنا الخالة - فقال يحيى لعيسى : ادع الله لي فأنت خير مني ؛ فقال له عيسى : بل أنت ادع الله لي فأنت خير مني ؛ سلم الله عليك وأنا سلمت على نفسي ؛ فانتزع بعض العلماء من هذه الآية في التسليم فضل عيسى ؛ بأن قال : إدلاله في التسليم على نفسه ومكانته من الله تعالى التي اقتضت ذلك حين قرر وحكى في محكم التنزيل أعظم في المنزلة من أن يسلم عليه . قال ابن عطية : ولكل وجه .

الترجمة الإنجليزية

Waothkur fee alkitabi maryama ithi intabathat min ahliha makanan sharqiyyan

قوله تعالى : واذكر في الكتاب مريم القصة إلى آخرها . هذا ابتداء قصة ليست من الأولى . والخطاب لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ؛ أي عرفهم قصتها ليعرفوا كمال قدرتنا . إذ انتبذت أي تنحت وتباعدت . والنبذ الطرح والرمي ؛ قال الله تعالى : فنبذوه وراء ظهورهم . من أهلها أي ممن كان معها . وإذ بدل من مريم بدل اشتمال ؛ لأن الأحيان مشتملة على ما فيها . والانتباذ الاعتزال والانفراد . واختلف الناس لم انتبذت ؛ فقال السدي : انتبذت لتطهر من حيض أو نفاس . وقال غيره : لتعبد الله ؛ وهذا حسن . وذلك أن مريم - عليها السلام - كانت وقفا على سدانة المعبد وخدمته والعبادة فيه ، فتنحت من الناس لذلك ، ودخلت في المسجد إلى جانب المحراب في شرقيه لتخلو للعبادة ، فدخل عليها جبريل - عليه السلام - .فقوله : مكانا شرقيا أي مكانا من جانب الشرق . والشرق بسكون الراء المكان الذي تشرق فيه الشمس . والشرق بفتح الراء الشمس . وإنما خص المكان بالشرق لأنهم كانوا يعظمون جهة المشرق ومن حيث تطلع الأنوار ، وكانت الجهات الشرقية من كل شيء أفضل من سواها ؛ حكاه الطبري . وحكي عن ابن عباس أنه قال : إني لأعلم الناس لم اتخذ النصارى المشرق قبلة لقول الله - عز وجل - : إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا فاتخذوا ميلاد عيسى - عليه السلام - قبلة ؛ وقالوا : لو كان شيء من الأرض خيرا من المشرق لوضعت مريم عيسى - عليه السلام - فيه . واختلف الناس في نبوة مريم ؛ فقيل : كانت نبية بهذا الإرسال والمحاورة للملك . وقيل : لم تكن نبية وإنما كلمها مثال بشر ، ورؤيتها للملك كما رئي جبريل في صفة دحية حين سؤاله عن الإيمان والإسلام . والأول أظهر . وقد مضى الكلام في هذا المعنى مستوفى في ( آل عمران ) والحمد لله .

الترجمة الإنجليزية

Faittakhathat min doonihim hijaban faarsalna ilayha roohana fatamaththala laha basharan sawiyyan

قوله تعالى : فأرسلنا إليها روحنا قيل : هو روح عيسى - عليه السلام - ؛ لأن الله تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد ، فركب الروح في جسد عيسى - عليه السلام - الذي خلقه في بطنها . وقيل : هو جبريل وأضيف الروح إلى الله تعالى تخصيصا وكرامة . والظاهر أنه جبريل - عليه السلام - ؛ لقوله : فتمثل لها أي تمثل الملك لها . بشرا تفسير أو حال . سويا أي مستوي الخلقة ؛ لأنها لم تكن لتطيق أو تنظر جبريل في صورته . ولما رأت رجلا حسن الصورة في صورة البشر قد خرق عليها الحجاب ظنت أنه يريدها بسوء .

الترجمة الإنجليزية

Qalat innee aAAoothu bialrrahmani minka in kunta taqiyyan

ف قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا أي ممن يتقي الله . البكالي : فنكص جبريل - عليه السلام - فزعا من ذكر الرحمن تبارك وتعالى . الثعلبي : كان رجلا صالحا فتعوذت به تعجبا . وقيل : تقي فعيل بمعنى مفعول أي كنت ممن يتقى منه . في البخاري قال أبو وائل : علمت مريم أن التقي ذو نهية حين قالت : إن كنت تقيا . وقيل : تقي اسم فاجر معروف في ذلك الوقت ؛ قاله وهب بن منبه ؛ حكاه مكي وغيره . ابن عطية وهو ضعيف ذاهب مع التخرص .

الترجمة الإنجليزية

Qala innama ana rasoolu rabbiki liahaba laki ghulaman zakiyyan

فقال لها جبريل - عليه السلام - : إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا . جعل الهبة من قبله لما كان الإعلام بها من قبله . وقرأ ورش عن نافع ( ليهب لك ) على معنى أرسلني الله ليهب لك . وقيل : معنى ( لأهب ) بالهمز محمول على المعنى ؛ أي قال : أرسلته لأهب لك . ويحتمل ( ليهب ) بلا همز أن يكون بمعنى المهموز ثم خففت الهمزة . فلما سمعت مريم ذلك من قوله استفهمت عن طريقه .

الترجمة الإنجليزية

Qalat anna yakoonu lee ghulamun walam yamsasnee basharun walam aku baghiyyan

ف قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر أي بنكاح . ولم أك بغيا أي زانية . وذكرت هذا تأكيدا ؛ لأن قولها لم يمسسني بشر يشمل الحلال والحرام . وقيل : ما استبعدت من قدرة الله تعالى شيئا ، ولكن أرادت كيف يكون هذا الولد ؟ من قبل الزوج في المستقبل أم يخلقه الله ابتداء ؟ وروي أن جبريل - عليه السلام - حين قال لها هذه المقالة نفخ في جيب درعها وكمها ؛ قاله ابن جريج . ابن عباس : أخذ جبريل - عليه السلام - ردن قميصها بإصبعه فنفخ فيه فحملت من ساعتها بعيسى . قال الطبري : وزعمت النصارى أن مريم حملت بعيسى ولها ثلاث عشرة سنة ، وأن عيسى عاش إلى أن رفع اثنتين وثلاثين سنة وأياما ، وأن مريم بقيت بعد رفعه ست سنين ، فكان جميع عمرها نيفا وخمسين سنة .

الترجمة الإنجليزية

Qala kathaliki qala rabbuki huwa AAalayya hayyinun walinajAAalahu ayatan lilnnasi warahmatan minna wakana amran maqdiyyan

وقوله : ولنجعله متعلق بمحذوف ؛ أي ونخلقه لنجعله . آية دلالة على قدرتنا عجيبة . ورحمة لمن آمن به . وكان أمرا مقضيا مقدرا في اللوح مسطورا .

الترجمة الإنجليزية

Fahamalathu faintabathat bihi makanan qasiyyan

قوله تعالى : فانتبذت به مكانا قصيا أي تنحت بالحمل إلى مكان بعيد ؛ قال ابن عباس : إلى أقصى الوادي ، وهو وادي بيت لحم بينه وبين إيلياء أربعة أميال ؛ وإنما بعدت فرارا من تعيير قومها إياها بالولادة من غير زوج . قال ابن عباس : ما هو إلا أن حملت فوضعت في الحال وهذا هو الظاهر ؛ لأن الله تعالى ذكر الانتباذ عقب الحمل . وقيل غير ذلك على ما يأتي :

الترجمة الإنجليزية

Faajaaha almakhadu ila jithAAi alnnakhlati qalat ya laytanee mittu qabla hatha wakuntu nasyan mansiyyan

قوله تعالى : فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة ( أجاءها ) اضطرها ؛ وهو تعدية جاء بالهمز . يقال : جاء به وأجاءه إلى موضع كذا ، كما يقال : ذهب به وأذهبه . وقرأ شبيل ورويت عن عاصم ( فاجأها ) من المفاجأة . وفي مصحف أبي ( فلما أجاءها المخاض ) .وقال زهير :وجار سار معتمدا إلينا أجاءته المخافة والرجاءوقرأ الجمهور المخاض بفتح الميم . وابن كثير فيما روي عنه بكسرها وهو الطلق وشدة الولادة وأوجاعها . مخضت المرأة تمخض مخاضا ومخاضا . وناقة ماخض أي دنا ولادها . إلى جذع النخلة كأنها طلبت شيئا تستند إليه وتتعلق به ، كما تتعلق الحامل لشدة وجع الطلق . والجذع ساق النخلة اليابسة في الصحراء الذي لا سعف عليه ولا غصن ؛ ولهذا لم يقل إلى النخلة .قالت يا ليتني مت قبل هذا تمنت مريم - عليها السلام - الموت من جهة الدين لوجهين : أحدهما : أنها خافت أن يظن بها الشر في دينها وتعير فيفتنها ذلك . الثاني : لئلا يقع قوم بسببها في البهتان والنسبة إلى الزنا وذلك مهلك . وعلى هذا الحد يكون تمني الموت جائزا ، وقد مضى هذا المعنى مبينا في سورة يوسف - عليه السلام - والحمد لله .قلت : وقد سمعت أن مريم - عليها السلام - سمعت نداء من يقول : اخرج يا من يعبد من دون الله فحزنت لذلك . و قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا النسي في كلام العرب الشيء الحقير الذي شأنه أن ينسى ولا يتألم لفقده كالوتد والحبل للمسافر ونحوه . وحكي عن العرب أنهم إذا أرادوا الرحيل عن منزل قالوا : احفظوا أنساءكم ؛ الأنساء جمع نسي وهو الشيء الحقير يغفل فينسى . ومنه قول الكميت - رضي الله تعالى عنه - :أتجعلنا جسرا لكلب قضاعة ولست بنسي في معد ولا دخلوقال الفراء : النسي ما تلقيه المرأة من خرق اعتلالها ؛ فقول مريم : ( نسيا منسيا ) أي حيضة ملقاة . وقرئ ( نسيا ) بفتح النون وهما لغتان مثل الحجر والحجر والوتر والوتر . وقرأ محمد بن كعب القرظي بالهمز ( نسئا ) بكسر النون . وقرأ نوف البكالي ( نسئا ) بفتح النون من نسأ الله تعالى في أجله أي أخره . وحكاها أبو الفتح والداني عن محمد بن كعب . وقرأ بكر بن حبيب ( نسا ) بتشديد السين وفتح النون دون همز . وقد حكى الطبري في قصصها أنها لما حملت بعيسى - عليه السلام - حملت أيضا أختها بيحيى ، فجاءتها أختها زائرة فقالت : يا مريم أشعرت أنت أني حملت ؟ فقالت لها : وإني أجد ما في بطني يسجد لما في بطنك ؛ فذلك أنه روي أنها أحست بجنينها يخر برأسه إلى ناحية بطن مريم ؛ قال السدي فذلك قوله : مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين وذكر أيضا من قصصها أنها خرجت فارة مع رجل من بني إسرائيل يقال له يوسف النجار ، كان يخدم معها في المسجد وطول في ذلك . قال الكلبي : قيل ليوسف - وكانت سميت له أنها حملت من الزنا - فالآن يقتلها الملك ، فهرب بها ، فهم في الطريق بقتلها ، فأتاه جبريل - عليه السلام - وقال له : إنه من روح القدس ؛ قال ابن عطية : وهذا كله ضعيف . وهذه القصة تقتضي أنها حملت ، واستمرت حاملا على عرف النساء ، وتظاهرت الروايات بأنها ولدته لثمانية أشهر . قاله عكرمة ؛ ولذلك قيل : لا يعيش ابن ثمانية أشهر حفظا لخاصة عيسى . وقيل : ولدته لتسعة . وقيل : لستة . وما ذكرناه عن ابن عباس أصح وأظهر . والله أعلم .

الترجمة الإنجليزية

Fanadaha min tahtiha alla tahzanee qad jaAAala rabbuki tahtaki sariyyan

قوله تعالى : فناداها من تحتها قرئ بفتح الميم وكسرها . قال ابن عباس : المراد ب ( من ) جبريل ، ولم يتكلم عيسى حتى أتت به قومها ؛ وقاله علقمة والضحاك وقتادة ؛ ففي هذا لها آية وأمارة أن هذا من الأمور الخارقة للعادة التي لله فيها مراد عظيم . وقوله : ألا تحزني تفسير النداء ، ( وأن ) مفسرة بمعنى أي ، المعنى : فلا تحزني بولادتك . قد جعل ربك تحتك سريا يعني عيسى . والسري من الرجال العظيم الخصال السيد . قال الحسن : كان والله سريا من الرجال . ويقال : سري فلان على فلان أي تكرم . وفلان سري من قوم سراة . وقال الجمهور : أشار لها إلى الجدول الذي كان قريب جذع النخلة . قال ابن عباس : كان ذلك نهرا قد انقطع ماؤه فأجراه الله تعالى لمريم . والنهر يسمى سريا ؛ لأن الماء يسري فيه ؛ قال الشاعر :سلم ترى الدالي منه أزورا إذا يعب في السري هرهراوقال لبيد :فتوسطا عرض السري وصدعا مسجورة متجاورا قلامهاوقيل : ناداها عيسى ، وكان ذلك معجزة وآية وتسكينا لقلبها ؛ والأول أظهر . وقرأ ابن عباس ( فناداها ملك من تحتها ) قالوا : وكان جبريل - عليه السلام - في بقعة من الأرض أخفض من البقعة التي كانت هي عليها .

الترجمة الإنجليزية

Wahuzzee ilayki bijithAAi alnnakhlati tusaqit AAalayki rutaban janiyyan

قوله تعالى وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي وقري عينا فيه أربع مسائل :الأولى : قوله تعالى : وهزي أمرها بهز الجذع اليابس لترى آية أخرى في إحياء موات الجذع . والباء في قوله : بجذع زائدة مؤكدة كما يقال : خذ بالزمام ، وأعط بيدك قال الله تعالى : فليمدد بسبب إلى السماء أي فليمدد سببا . وقيل : المعنى وهزي إليك رطبا على جذع النخلة . و تساقط أي تتساقط فأدغم التاء في السين . وقرأ حمزة ( تساقط ) مخففا فحذف التي أدغمها غيره . وقرأ عاصم في رواية حفص تساقط بضم التاء مخففا وكسر القاف . وقرئ ( تتساقط ) بإظهار التاءين و ( يساقط ) بالياء وإدغام التاء ( وتسقط ) و ( يسقط ) و ( تسقط ) و ( يسقط ) بالتاء للنخلة وبالياء للجذع ؛ فهذه تسع قراءات ذكرها الزمخشري - رحمة الله تعالى عليه - .رطبا نصب بالهز ؛ أي إذا هززت الجذع هززت بهزه رطبا جنيا وعلى الجملة ف ( رطبا ) يختلف نصبه بحسب معاني القراءات ؛ فمرة يستند الفعل إلى الجذع ، ومرة إلى الهز ، ومرة إلى النخلة . وجنيا معناه قد طابت وصلحت للاجتناء ، وهي من جنيت الثمرة . ويروى عن ابن مسعود - ولا يصح - أنه قرأ ( تساقط عليك رطبا جنيا برنيا ) . وقال مجاهد : رطبا جنيا قال : كانت عجوة . وقال عباس بن الفضل : سألت أبا عمرو بن العلاء عن قوله : رطبا جنيا فقال : لم يذو . قال : وتفسيره : لم يجف ولم ييبس ولم يبعد عن يدي مجتنيه ؛ وهذا هو الصحيح . قال الفراء : الجني والمجني واحد يذهب إلى أنهما بمنزلة القتيل والمقتول والجريح والمجروح . وقال غير الفراء : الجني المقطوع من نخلة واحدة ، والمأخوذ من مكان نشأته ؛ وأنشدوا :وطيب ثمار في رياض أريضة وأغصان أشجار جناها على قربيريد بالجنى ما يجنى منها أي يقطع ويؤخذ . قال ابن عباس : كان جذعا نخرا فلما هزت نظرت إلى أعلى الجذع فإذا السعف قد طلع ، ثم نظرت إلى الطلع قد خرج من بين السعف ، ثم اخضر فصار بلحا ثم احمر فصار زهوا ، ثم رطبا ؛ كل ذلك في طرفة عين ، فجعل الرطب يقع بين يديها لا ينشدخ منه شيء .الثانية : استدل بعض الناس من هذه الآية على أن الرزق وإن كان محتوما ؛ فإن الله تعالى قد وكل ابن آدم إلى سعي ما فيه ؛ لأنه أمر مريم بهز النخلة لترى آية ، وكانت الآية تكون بألا تهز .الثالثة : الأمر بتكليف الكسب في الرزق سنة الله تعالى في عباده ، وأن ذلك لا يقدح في التوكل ، خلافا لما تقوله جهال المتزهدة ؛ وقد تقدم هذا المعنى والخلاف فيه . وقد كانت قبل ذلك يأتيها رزقها من غير تكسب كما قال : كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا الآية . فلما ولدت أمرت بهز الجذع . قال علماؤنا : لما كان قلبها فارغا فرغ الله جارحتها عن النصب ، فلما ولدت عيسى وتعلق قلبها بحبه ، واشتغل سرها بحديثه وأمره ، وكلها إلى كسبها ، وردها إلى العادة بالتعلق بالأسباب في عباده . وحكى الطبري عن ابن زيد أن عيسى - عليه السلام - قال لها : لا تحزني ؛ فقالت له : وكيف لا أحزن وأنت معي ؟ ! لا ذات زوج ولا مملوكة ! أي شيء عذري عند الناس ؟ ! يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا فقال لها عيسى : أنا أكفيك الكلام .الرابعة : قال الربيع بن خيثم : ما للنفساء عندي خير من الرطب لهذه الآية ، ولو علم الله شيئا هو أفضل من الرطب للنفساء لأطعمه مريم ؛ ولذلك قالوا : التمر عادة للنفساء من ذلك الوقت وكذلك التحنيك . وقيل : إذا عسر ولادها لم يكن لها خير من الرطب ، ولا للمريض خير من العسل ؛ ذكره الزمخشري . قال ابن وهب قال مالك قال الله تعالى : رطبا جنيا الجني من التمر ما طاب من غير نقش ولا إفساد . والنقش أن ينقش من أسفل البسرة حتى ترطب ؛ فهذا مكروه ؛ يعني مالك أن هذا تعجيل للشيء قبل وقته ، فلا ينبغي لأحد أن يفعله ، وإن فعله فاعل ما كان ذلك مجوزا لبيعه ؛ ولا حكما بطيبه . وقد مضى هذا القول في الأنعام . والحمد لله . عن طلحة بن سليمان جنيا بكسر الجيم للإتباع ؛ أي جعلنا لك في السري والرطب فائدتين : إحداهما الأكل والشرب ، الثانية سلوة الصدر لكونهما معجزتين .
306