سورة ابراهيم (14): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة ابراهيم بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة ابراهيم مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة ابراهيم

سُورَةُ إِبۡرَاهِيمَ
الصفحة 259 (آيات من 25 إلى 33)

تُؤْتِىٓ أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍۭ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ٱجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ ٱلْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلْءَاخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّٰلِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ ۞ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُوا۟ نِعْمَتَ ٱللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا۟ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا ۖ وَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ وَجَعَلُوا۟ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلُّوا۟ عَن سَبِيلِهِۦ ۗ قُلْ تَمَتَّعُوا۟ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى ٱلنَّارِ قُل لِّعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ يُقِيمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُنفِقُوا۟ مِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَٰلٌ ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِۦ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلْفُلْكَ لِتَجْرِىَ فِى ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِۦ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلْأَنْهَٰرَ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ دَآئِبَيْنِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ
259

الاستماع إلى سورة ابراهيم

تفسير سورة ابراهيم (تفسير الوسيط لطنطاوي: محمد سيد طنطاوي)

الترجمة الإنجليزية

Tutee okulaha kulla heenin biithni rabbiha wayadribu Allahu alamthala lilnnasi laAAallahum yatathakkaroona

والمراد بالأكل في قوله- تعالى- تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها.. المأكول، وهو الثمر الناتج عنها.والمراد بالحين: الوقت الذي حدده الله- تعالى- للانتفاع بثمارها من غير تعيين بزمن معين من صباح أو مساء..قال الشوكانى ما ملخصه: «قوله تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ كل وقت بِإِذْنِ رَبِّها بإرادته ومشيئته» .وقيل: المراد بكونها تؤتى أكلها كل حين: أى كل ساعة من الساعات من ليل أو نهار في جميع الأوقات من غير فرق بين شتاء وصيف. وقيل المراد في أوقات مختلفة من غير تعيين.وقيل: كل غدوة وعشية، وقيل: كل شهر..وهذه الأقوال متقاربة. لأن الحين عند جمهور أهل اللغة بمعنى الوقت يقع لقليل الزمان وكثيره .وبهذا نرى أن الله- تعالى- قد وصف هذه الشجرة بأربع صفات، أولها: أنها طيبة، وثانيها: أن أصلها ثابت، وثالثها: أن فرعها في السماء، ورابعها: أنها تؤتى ثمارها كل حين بإذن ربها.وهذه الأوصاف تدل على فخامة شأنها، وجمال منظرها، وطيب ثمرها، ودوام نفعها كما تدل على أن المشبه وهو الكلمة الطيبة، مطابق في هذه الأوصاف للمشبه به وهو الشجرة الطيبة.وقوله- سبحانه- وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ بيان للحكمة التي من أجلها سيقت الأمثال، وهي التذكر والتفكير والاعتبار. أى: ويضرب الله- تعالى- الأمثال للناس رجاء أن يعتبروا ويتعظوا ويتذكروا ما أمرهم- سبحانه- بتذكره إذ ضرب الأمثال تقريب للبعيد، وتقرير للقريب، وتصوير للمعاني المعقولة بالصور المحسوسة.

الترجمة الإنجليزية

Wamathalu kalimatin khabeethatin kashajaratin khabeethatin ijtuththat min fawqi alardi ma laha min qararin

وبعد أن بين- سبحانه- مثال كلمة الإيمان، أتبعه بمثال كلمة الكفر فقال: وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ وهي كلمة الكفر.كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ أى قبيحة لا نفع فيها، ولا خير يرجى منها.اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ أى: اقتلعت جثتها وهيئتها من فوق الأرض، لقرب عروقها وجذورها من سطحها.يقال: اجتثثت الشيء اجتثاثا، إذا اقتلعته واستأصلته، وهو افتعال من لفظ الجثة وهي ذات الشيء.وقوله: ما لَها مِنْ قَرارٍ تأكيد لمعنى الاجتثاث لأن اجتثاث الشيء بسهولة، سببه عدم وجود أصل له.أى: ليس لها استقرار وثبات على الأرض، وكذلك الكفر لا أصل له ولا فرع، ولا يصعد للكافر عمل، ولا يتقبل منه شيء.والمراد بهذه الشجرة الخبيثة: شجرة الحنظل فعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة هي الحنظلة ... » .وقيل: شجرة الثوم، وقيل: شجرة الشوك ... وقيل كل شجر لا يطيب له ثمر، وفي رواية عن ابن عباس أنها شجرة لم تخلق على الأرض ...وقال: ابن عطية: الظاهر أن التشبيه وقع بشجرة غير معينة جامعة لتلك الأوصاف التي وصفها الله بها.

الترجمة الإنجليزية

Yuthabbitu Allahu allatheena amanoo bialqawli alththabiti fee alhayati alddunya wafee alakhirati wayudillu Allahu alththalimeena wayafAAalu Allahu ma yashao

وقوله سبحانه-: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ بيان لفضل الله- تعالى- على هؤلاء المؤمنين، ولحسن عاقبتهم..والمراد بالحياة الدنيا: مدة حياتهم في هذه الدنيا.والمراد بالآخرة: ما يشمل سؤالهم في القبر وسؤالهم في مواقف القيامة.والمعنى: يثبت الله- تعالى- الذين آمنوا بالقول الثابت أى: الصادق الذي لا شك فيه، في الحياة الدنيا، بأن يجعلهم متمسكين بالحق، ثابتين عليه دون أن يصرفهم عن ذلك ترغيب أو ترهيب.ويثبتهم أيضا بعد مماتهم، بأن يوفقهم إلى الجواب السديد عند سؤالهم في القبر وعند سؤالهم في مواقف يوم القيامة.قال الآلوسى ما ملخصه: «قوله- تعالى- يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ أى: الذي ثبت عندهم وتمكن في قلوبهم، وهو الكلمة الطيبة التي ذكرت صفتها العجيبة..«في الحياة الدنيا» أى يثبتهم بالبقاء على ذلك مدة حياتهم، فلا يزالون عند الفتنة ... «وفي الآخرة» أى بعد الموت وذلك في القبر الذي هو أول منزل من منازل الآخرة، وفي مواقف القيامة، فلا يتلعثمون إذا سئلوا عن معتقدهم هناك، ولا تدهشهم الأهوال..» .هذا، وقد ساق الإمام ابن كثير هنا جملة من الأحاديث التي وردت في سؤال القبر، منها قوله: قال البخاري: حدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة، أخبرنى علقمة بن مرثد قال: سمعت سعد بن عبيدة عن البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم إذا سئل في القبر شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فذلك قوله: «يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة» .وقوله: وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ بيان لسوء عاقبة أصحاب المثل الثاني وهم الكافرون.أى: ويخلق فيهم الضلال عن الحق بسبب إيثارهم الكفر على الإيمان.وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ فعله، عن تثبيت من يريد تثبيته، وإضلال من يريد إضلاله، حسبما تقتضيه إرادته وحكمته، لا راد لأمره، ولا معقب لحكمه.ثم بين- سبحانه- بعد ذلك مصير الجاحدين الذين قابلوا نعم الله بالكنود والجحود، وأمر المؤمنين بأداء ما كلفهم به- سبحانه- من عبادات وقربات، وساق لهم ألوانا من الآلاء التي تفضل بها على عباده، فقال- تعالى-:

الترجمة الإنجليزية

Alam tara ila allatheena baddaloo niAAmata Allahi kufran waahalloo qawmahum dara albawari

وقوله- سبحانه- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً.. الخطاب فيه للنبي صلى الله عليه وسلم أو لكل من يصلح للخطاب.والاستفهام للتعجيب من أحوالهم الذميمة.وبدلوا من التبديل بمعنى التغيير والتحويل، والمراد به: وضع الشيء في غير وضعه ومقابلة نعم الله بالجحود وعدم الشكر.ونعمة الله التي بدلوها، تشمل كفرهم بالرسول صلى الله عليه وسلم الذي أرسله الله- تعالى- لإخراجهم من الظلمات إلى النور، كما تشمل إكرام الله لهم- أى أهل مكة- بأن جعلهم في حرم آمن، وجعلهم سدنة بيته.. ولكنهم لم يشكروا الله على هذه النعم، بل أشركوا معه في العبادة آلهة أخرى.قال صاحب الكشاف ما ملخصه: «قوله: بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ لأن شكرها الذي وجب عليهم وضعوا مكانه كفرا، فكأنهم غيروا الشكر إلى الكفر وبدلوه تبديلا.وهم أهل مكة أسكنهم الله حرمه، وجعلهم قوام بيته، وأكرمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم فكفروا نعمة الله بدل ما لزمهم من الشكر العظيم، أو أصابهم الله بالنعمة في الرخاء والسعة لإيلافهم الرحلتين، فكفروا نعمته، فضربهم بالقحط سبع سنين، فحصل لهم الكفر بدل النعمة، وكذلك حين أسروا وقتلوا يوم بدر، قد ذهبت النعمة عنهم، وبقي الكفر طوقا في أعناقهم..» .وقال الإمام ابن كثير ما ملخصه: «قال البخاري قوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً.. حدثنا على بن عبد الله حدثنا سفيان، عن عمرو، عن عطاء، سمع ابن عباس قال: هم كفار أهل مكة.ثم قال ابن كثير: وهذا هو الصحيح، وإن كان المعنى يعم جميع الكفار، فإن الله- تعالى- بعث محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، ونعمة للناس فمن قبلها وقام بشكرها دخل الجنة، ومن ردها وكفرها دخل النار ... » .وما ذهب إليه صاحب الكشاف وابن كثير- رحمهما الله- هو الذي تطمئن إليه النفس، لأن مشركي مكة ومن سار على شاكلتهم تنطبق عليهم هذه الآية الكريمة.وقد أورد بعض المفسرين هنا روايات في أن المراد بهؤلاء الذين بدلوا نعمة الله كفرا، بنو أمية وبنو مخزوم.. ولكن هذه الروايات بعيدة عن الصواب، ولا سند لها من النقل الصحيح» .وقوله وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ معطوف على «بدلوا» لبيان رذيلة أخرى من رذائلهم المتعددة والمراد بقومهم: أتباعهم وشركاؤهم في الكفر والعناد حتى ماتوا على ذلك.والبوار: الهلاك والخسران، ويطلق أيضا على الكساد. يقال: بار المتاع بوارا، إذا كسد، إذ الكاسد في حكم الهالك.والمعنى: ألم تر- أيها العاقل- إلى حال هؤلاء المشركين، الذين قابلوا نعم الله عليهم بالكفر والجحود، وكانوا سببا في إنزال قومهم دار الهلاك والخسران.

الترجمة الإنجليزية

Jahannama yaslawnaha wabisa alqararu

وقوله- سبحانه- جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ بيان لدار بوارهم وهلاكهم أى:جهنم يصلون حرها وسعيرها، وبئس القرار قرارهم فيها.فقوله «جهنم» عطف بيان لدار البوار، وقوله «يصلونها» في محل نصب حال من «جهنم» يقال: صلى فلان النار- من باب تعب- إذا ذاق حرها، وتقول: صليت اللحم أصليه- من باب رمى- إذا شويته.والمخصوص بالذم محذوف. أى: بئس القرار هي أى: جهنم.وفيه إشارة إلى أن حلولهم فيها كائن على وجه الدوام والاستمرار.

الترجمة الإنجليزية

WajaAAaloo lillahi andadan liyudilloo AAan sabeelihi qul tamattaAAoo fainna maseerakum ila alnnari

ثم بين- سبحانه- لونا ثالثا من ألوان أعمالهم القبيحة، وعقائدهم الباطلة فقال وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ ...والأنداد: جمع ند وهو مثل الشيء الذي يضاده وينافره ويتباعد عنه.وأصله من ند البعير يند- بكسر النون- ندا- بالفتح- إذا نفر وذهب على وجهه شاردا.وقوله «ليضلوا» قرأ الجمهور- بضم الياء- من أضل غيره إذا جعله ضالا.أى: أن هؤلاء الخاسرين لم يكتفوا بمقابلة نعمة الله بالجحود، وإحلال قومهم دار البوار، بل أضافوا إلى ذلك أنهم جعلوا لله- تعالى- أمثالا ونظراء، ليصرفوا غيرهم عن الطريق الحق، والصراط المستقيم، الذي هو إخلاص العبادة لله- تعالى- وحده.وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «ليضلوا» - بفتح الياء- أى: ليستمروا في ضلالهم، فإنهم حين جعلهم الأنداد لله- تعالى- كانوا ضالين، وجهلوا ذلك فاستمروا في ضلالهم توهما منهم أنهم على صواب.قال صاحب الكشاف: قرئ «ليضلوا» بفتح الياء وضمها. فإن قلت: الضلال لم يكن غرضهم في اتخاذ الأنداد فما معنى اللام؟قلت: لما كان الضلال والإضلال نتيجة اتخاذ الأنداد، كما كان الإكرام في قولك، جئتك لتكرمنى نتيجة المجيء، دخلته اللام، وإن لم يكن غرضا، على طريق التشبيه والتقريب»وقوله- سبحانه- قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ أمر منه- عز وجل- لنبيه صلى الله عليه وسلم بأن يهددهم بهذا المصير الأليم.والتمتع بالشيء: الانتفاع به مع التلذذ والميل إليه.أى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء الخاسرين، تمتعوا بما شئتم التمتع به من شهوات ولذائذ، فإن مصيركم إلى النار لا محالة.قال صاحب فتح القدير ما ملخصه: قوله «قل تمتعوا» بما أنتم فيه من الشهوات، وبما زينته لكم أنفسكم من كفران للنعم «فإن مصيركم إلى النار» أى: مرجعكم إليها ليس إلا.ولما كان هذا حالهم، وقد صاروا لفرط تهالكهم عليه لا يقلعون عنه. جعل- سبحانه- الأمر بمباشرته مكان النهى عن قربانه، إيضاحا لما تكون عليه عاقبتهم، وأنهم لا محالة صائرون إلى النار.فجملة «فإن مصيركم إلى النار» تعليل للأمر بالتمتع، وفيه من التهديد ما لا يقادر قدره.ويجوز أن تكون هذه الجملة جوابا لمحذوف دل عليه السياق كأنه قيل: قل تمتعوا فإن دمتم على ذلك فإن مصيركم إلى النار.والأول أولى والنظم القرآنى عليه أدل، وذلك كما يقال لمن يسعى في مخالفة السلطان: اصنع ما شئت من المخالفة فإن مصيرك إلى السيف» .وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ .وقوله- تعالى-: نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ .وقوله- تعالى- لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ .

الترجمة الإنجليزية

Qul liAAibadiya allatheena amanoo yuqeemoo alssalata wayunfiqoo mimma razaqnahum sirran waAAalaniyatan min qabli an yatiya yawmun la bayAAun feehi wala khilalun

وبعد هذا الأمر من الله- تعالى- لنبيه- صلى الله عليه وسلم- بتهديد الكافرين، وجه- سبحانه- أمرا آخر له صلى الله عليه وسلم طلب منه فيه، مواصلة دعوة المؤمنين إلى الاستمرار في التزود من العمل الصالح فقال- تعالى-: قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً، مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ.قال الجمل: «قوله «قل لعبادي ... إلخ» مفعول قل محذوف يدل عليه جوابه، أى:قل لهم أقيموا الصلاة وأنفقوا- وقوله: يقيموا وينفقوا مجزومان في جواب الأمر، أى: إن قلت لهم أقيموا الصلاة وأنفقوا ... يقيموا وينفقوا.ويجوز أن يكون قوله «يقيموا وينفقوا» مجزومين بلام الأمر المقدرة.أى: ليقيموا الصلاة ولينفقوا ... » .والمراد بإقامة الصلاة: المواظبة على أدائها في أوقاتها المحددة لها، مع استيفائها لأركانها وسننها وآدابها وخشوعها، ومع إخلاص النية عند أدائها لله- تعالى-.والمراد بالإنفاق: ما يشمل جميع وجوه الإنفاق الواجبة والمستحبة.والمراد بقوله «سرا وعلانية» ما يتناول عموم الأحوال في الحرص على بذل المال في وجوهه المشروعة.والمعنى: قل- أيها الرسول الكريم- لعبادي المخلصين، الذين آمنوا إيمانا حقا، قل لهم: ليستزيدوا من المواظبة على أداء الصلاة، وعلى الإنفاق مما رزقناهم في جميع الأحوال، بأن يجعلوا نفقتهم في السر إذا كانت آداب الدين وتعاليمه تقتضي ذلك، وأن يجعلوها في العلن إذا كانت المنفعة في ذلك.والإضافة في قوله «لعبادي» للتشريف والتكريم لهؤلاء العباد المخلصين.ولم تعطف هذه الآية الكريمة على ما قبلها وهو قوله قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ للإيذان بتباين حال الفريقين، واختلاف شأنهما.ومفعول «ينفقوا» محذوف والتقدير ينفقوا شيئا مما رزقناهم.وعبر- سبحانه- بمن المفيدة للتبعيض في قوله مِمَّا رَزَقْناهُمْ للاشعار بأنهم قوم عقلاء يبتعدون في إنفاقهم عن الإسراف والتبذير، عملا بقوله- تعالى-: وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً .وهذا التعبير- أيضا- يشعر بأن هذا المال الذي بين أيدى عباده- سبحانه- ما هو إلا رزق رزقهم الله إياه، ونعمة أنعم بها عليهم، فعليهم أن يقابلوا هذه النعمة بالشكر، بأن ينفقوا جزءا منها في وجوه الخير.وقوله سِرًّا وَعَلانِيَةً منصوبان على الحال أى: مسرين ومعلنين، أو على المصدر أى:إنفاق سر وإنفاق علانية.وقدم- سبحانه- إنفاق السر على العلانية للتنبيه على أنه أولى الأمرين في معظم الأحوال لبعده عن خواطر الرياء، ولأنه أستر للمتصدق عليه.وقوله- سبحانه- مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ مؤكد لمضمون ما قبله من الأمر بإقامة الصلاة وبالإنفاق في وجوه الخير بدون تردد أو إبطاء.ولفظ «خلال» مصدر خاللت بمعنى صاحبت وصادقت، أو جمع خليل بمعنى صديق، أو جمع خلة بمعنى الصداقة كقلة وقلال.أى: قل لهم- أيها الرسول الكريم- بأن من الواجب عليهم أن يكثروا ويداوموا على إقامة الصلاة وعلى الإنفاق مما رزقهم- سبحانه-، من قبل أن يفاجئهم يوم القيامة، ذلك اليوم الذي لا تقبل فيه المعاوضات، ولا تنفع فيه شفاعة الصديق لصديقه، وإنما الذي يقبل وينفع في هذا اليوم هو العمل الصالح الذي قدمه المسلم في دنياه.فالجملة الكريمة تفيد حضا آخر على إقام الصلاة وعلى الإنفاق عن طريق التذكير للناس بهذا اليوم الذي تنتهي فيه الأعمال، ولا يمكن فيه استدراك ما فاتهم، ولا تعويض ما فقدوه من طاعات.كما تفيد أن المواظبة على أداء هاتين الشعيرتين، من أعظم القربات التي يتقرب بها المسلم إلى خالقه- سبحانه- والتي تكون سببا في رفع الدرجات يوم القيامة.وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ .

الترجمة الإنجليزية

Allahu allathee khalaqa alssamawati waalarda waanzala mina alssamai maan faakhraja bihi mina alththamarati rizqan lakum wasakhkhara lakumu alfulka litajriya fee albahri biamrihi wasakhkhara lakumu alanhara

ثم ساق- سبحانه- بعد ذلك ألوانا من نعمه التي تستوجب شكره وطاعته وإخلاص العبادة له والتي تدل على كمال قدرته وعلمه ووحدانيته فقال- تعالى- اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ....أى: الله- تعالى- وحده هو الذي أوجد السموات والأرض وما فيهما من أجرام علوية وسفلية بدون مثال سابق.وافتتحت الآية الكريمة بلفظ الجلالة، لما في ذلك من تربية المهابة، ومن لفت أنظار المشركين إلى ما هم فيه من ضلال حتى يقلعوا عنه.وجاء الخبر بصيغة الموصول، لأن الصلة معلومة الثبوت له- سبحانه- والمشركون لا ينازعون في ذلك، كما قال- تعالى- وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ..وقوله وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ.. بيان للون آخر من ألوان نعمه على خلقه.والمراد بالسماء هنا: السحاب، أو جهة العلو.أى: وأنزل- سبحانه- من المزن أو السحاب «ماء» كثيرا هو المطر، «فأخرج به» أى بذلك الماء «من الثمرات» المتعددة الأنواع والأصناف «رزقا لكم» تنتفعون به، وتتمتعون بجمال منظره وطيب مطعمه.ثم حكى- سبحانه- ألوانا أخرى من نعمه فقال: وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ. وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ، وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ.وقوله «سخر» من التسخير بمعنى التذليل والتطويع والقدرة على التصرف في الشيء والانتفاع به.والفلك: ما عظم من السفن. ويستعمل لفظه في الواحد والجمع، والظاهر أن المراد به هنا الجمع لقوله- سبحانه- «لتجرى» بتاء التأنيث.أى: «وسخر لكم» - سبحانه- السفن الضخمة العظيمة، بأن ألهمكم صنعها، وأقدركم على استعمالها «لتجرى في البحر» إلى حيث تريدون «بأمره» وإذنه ومشيئته، لا بإذنكم ومشيئتكم، إذ لو شاء- سبحانه- لقلبها بكم.«وسخر لكم الأنهار» بأن جعلها معدة لانتفاعكم، إذ منها تشربون، ومنها تسقون دوابكم وزروعكم، وعليها تسيرون بسفنكم إلى حيث تريدون.

الترجمة الإنجليزية

Wasakhkhara lakumu alshshamsa waalqamara daibayni wasakhkhara lakumu allayla waalnnahara

وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ أى: دائمين في إصلاح ما يصلحان من الأبدان والنبات وغيرهما أو دائمين في مدارهما المقدر لهما بدون اضطراب أو اختلال. ولا يفتران عن ذلك ما دامت الدنيا.وأصل الدأب: الدوام والعادة المستمرة على حالة واحدة. يقال: دأب فلان على كذا يدأب دأبا، إذا داوم عليه وجد فيه.و «وسخر لكم الليل والنهار» بأن جعلهما متعاقبين، يأتى أحدهما في أعقاب الآخر، فتنتفعون بكل منهما بما يصلح أحوالكم.فالليل تنتفعون به في راحتكم ومنامكم ... والنهار تنتفعون به في معاشكم وطلب رزقكم قال- تعالى- وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً، وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً.
259