سورة النساء (4): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة النساء بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تنوير المقباس من تفسير ابن عباس (عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة النساء مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة النساء

سُورَةُ النِّسَاءِ
الصفحة 98 (آيات من 122 إلى 127)

وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا ۖ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقًّا ۚ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلًا لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَآ أَمَانِىِّ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ ۗ مَن يَعْمَلْ سُوٓءًا يُجْزَ بِهِۦ وَلَا يَجِدْ لَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُو۟لَٰٓئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَٱتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَٰهِيمَ حَنِيفًا ۗ وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرَٰهِيمَ خَلِيلًا وَلِلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ مُّحِيطًا وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى ٱلنِّسَآءِ ۖ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِى ٱلْكِتَٰبِ فِى يَتَٰمَى ٱلنِّسَآءِ ٱلَّٰتِى لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلْوِلْدَٰنِ وَأَن تَقُومُوا۟ لِلْيَتَٰمَىٰ بِٱلْقِسْطِ ۚ وَمَا تَفْعَلُوا۟ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِهِۦ عَلِيمًا
98

الاستماع إلى سورة النساء

تفسير سورة النساء (تنوير المقباس من تفسير ابن عباس: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي)

الترجمة الإنجليزية

Waallatheena amanoo waAAamiloo alssalihati sanudkhiluhum jannatin tajree min tahtiha alanharu khalideena feeha abadan waAAda Allahi haqqan waman asdaqu mina Allahi qeelan

عطف على جملة { أولئك مأواهم جهنّم } [ النساء : 121 ] جرياً على عادة القرآن في تعقيب الإنذار بالبشارة ، والوعيدِ بالوعد .وقوله : { وعد الله } مصدر مؤكّد لمضمون جملة : { سندخلهم جنات تجري } الخ ، وهي بمعناه ، فلذلك يسمّي النحاة مثلَه مؤكّداً لنفسه ، أي مؤكّداً لما هو بمعناه .وقوله : { حقاً } مصدر مؤكّد لِمضمون { سندخلهم جنات } ، إذ كان هذا في معنى الوعد ، أي هذا الوعد أحقّقه حقّاً ، أي لا يتخلّف . ولمّا كان مضمونُ الجملة التي قبله خالياً عن معنى الإحقاق كان هذا المصدر ممّا يسميّه النحاة مصدراً مؤكّداً لغيره .وجملة { ومن أصدق من الله } تذييل للوعد وتحقيق له : أي هذا من وعد الله ، ووعود الله وعود صدق ، إذ لا أصدقُ من الله قيلا . فالواو اعتراضية لأنّ التذييل من أصناف الاعتراض وهو اعتراض في آخر الكلام ، وانتصب { قيلا } على تمييز نسبة من { أصدق من الله } .والاستفهام إنكاري .والقيل : القول ، وهو اسم مصدر بوزن فِعْل يجيء في الشرّ والخير .

الترجمة الإنجليزية

Laysa biamaniyyikum wala amaniyyi ahli alkitabi man yaAAmal sooan yujza bihi wala yajid lahu min dooni Allahi waliyyan wala naseeran

الأظهر أنّ قوله : { ليس بأمانيكم } استئناف ابتدائي للتنويه بفضائل الأعمال ، والتشويه بمساويها ، وأنّ في ( ليس ) ضميراً عائداً على الجزاء المفهوم من قوله : { يجز به } ، أي ليس الجزاء تابعاً لأماني الناس ومشتهاهم ، بل هو أمر مقدّر من الله تعالى تقديراً بحسب الأعمال ، وممّا يؤيّد أن يكون قوله : { ليس بأمانيكم } استئنافاً ابتدائياً أنّه وقع بعد تذييل مُشعر بالنهاية وهو قوله : { ومن أصْدق من الله قيلاً } [ النساء : 122 ] . ومِمّا يرجّحه أنّ في ذلك الاعتبار إبهاماً في الضمير ، ثم بياناً له بالحملة بعده ، وهي : { من يعمل سوءاً يجز به } ؛ وأنّ فيه تقديم جملة { ليس بأمانيكم } عن موقعها الذي يُترقّب في آخر الكلام ، فكان تقديمها إظهاراً للاهتمام بها ، وتهيئةً لإبهام الضمير . وهذه كلّها خصائص من طرق الإعجاز في النظم . وجملة { من يعمل سوءاً يجز به } استئناف بياني ناشىء عن جملة { ليس بأمانيكم } لأنّ السامع يتساءل عن بيان هذا النفي المجمل . ولهذا الاستئناف موقع من البلاغة وخصوصية تفوت بغير هذا النظم الذي فسّرناه . وجعل صاحب «الكشاف» الضمير المستتر عائداً على وعد الله ، أي ليس وعدّ الله بأمانيّكم؛ فتكون الجملة من تكملة الكلام السابق حالاً من { وعْدَ الله } [ النساء : 122 ] ، وتكون جملة { من يعمل سوءاً يحز به } استئنافاً ابتدائياً محضاً .روي الواحدي في أسباب النزول بسنده إلى أبي صالح ، وروى ابن جرير بسنده إلى مسروق ، وقتادةَ ، والسدّي ، والضحاك ، وبعضُ الروايات يزيد على بعض ، أنّ سبب نزولها : أنّه وقع تحاجّ بين المسلمين وأهل الكتاب : اليهود والنصارى ، كلّ فريق يقول للآخرين : نحن خير منكم ، ويحتجّ لذلك ويقول : لن يدخل الجنة إلاّ من كان على ديننا . فأنزل الله { ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب } الآيات مبين أن كلّ من اتّبع هدى الله فهو من أهل الجنة وكلّ من ضلّ وخالف أمر الله فهو مجازى بسوء عمله ، فالذين آمنوا من اليهود قبل بعثة عيسى وعملوا الصالحات هم من أهل الجنة وإن لم يكونوا على دين عيسى ، فبطل قول النصارى : لن يدخل الجنة إلا من كان على ديننا والذين آمنوا بموسى وعيسى قبل بعثه محمد صلى الله عليه وسلم وعملوا الصالحات يدخلون الجنّة ، فبطل قول المسلمين واليهود : لن يدخل الجنّة إلاّ من كان على ديننا فكانت هذه الآية حكماً فصلاً بين الفرق ، وتعليماً لهم أن ينظروا في توفّر حقيقة الإيمان الصحيح ، وتوفّر العمل الصالح معه ، ولذلك جمع الله أماني الفرق الثلاث بقوله : { ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب } . ثم إنّ الله لَوّح إلى فلج حجّة المسلمين بإشارة قوله : { وهو مؤمن } فإن كان إيمان اختلّ منه بعض ما جاء به الدين الحقّ ، فهو كالعدم ، فعقّب هذه الآية بقوله : { ومن أحسن دينا ممّن أسلم وجهه الله وهو محسن واتّبع ملّة إبراهيم حنيفاً }[ النساء : 125 ] . والمعنى أنّ الفوز في جانب المسلمين ، لا لأنّ أمانيّهم كذلك ، بل لأنّ أسباب الفوز والنجاة متوفّرة في دينهم . وعن عكرمة : قالت اليهود والنصارى : لن يدخل الجنّة إلاّ من كان منّا . وقال المشركون : لا نُبْعث .والباء في قوله : { بأمانيكم } للملابسة ، أي ليس الجزاء حاصلاً حصولاً على حسب أمانيّكم ، وليست هي الباء التي تزاد في خبر ليس لأنّ أمانيّ المخاطبين واقعة لا منفية .والأمانيّ جمع أمنية ، وهي اسم للتمنّي ، أي تقدير غير الواقع واقعاً . والأمنية بوزن أفعولة كالأعجوبة . وقد تقدّم ذلك في تفسير قوله تعالى : { لا يعلمون الكتاب إلاّ أمانيّ } في سورة البقرة ( 78 ) . وكأنَّ ذكر المسلمين في الأماني لقصد التعميم في تفويض الأمور إلى ما حكم الله ووعد ، وأنّ ما كان خلاف ذلك لا يعتدّ به . وما وافقه هو الحقّ ، والمقصد المهمّ هو قوله : { ولا أمانيّ أهل الكتاب } على نحو : { وإنّا أو إيّاكم لعلى هدى أو في ضلال مبين } [ سبأ : 24 ] فإنّ اليهود كانوا في غرور ، يقولون : لن تمسنّا النار إلاّ أيّاماً معدودة . وقد سمّى الله تلك أماني عند ذكره في قوله : { وقالوا لن تمسنّا النار إلاّ أيّاماً معدودة } [ البقرة : 80 ] { تلك أمانيّهم } [ البقرة : 111 ] . أمّا المسلمون فمُحاشون من اعتقاد مثل ذلك .وقيل : الخطاب لكفار العرب ، أي ليس بأمانيّ المشركين ، إذ جعلوا الأصنام شفعاءهم عند الله ، ولا أمانيّ أهل الكتاب الذين زعموا أنّ أنبياءهم وأسلافهم يغنون عنهم من عذاب الله ، وهو محمل للآية .وقوله : { ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً } زيادة تأكيد ، لردّ عقيدة من يتوهّم أنّ أحداً يغني عن عذاب الله .والوليّ هو المولى ، أي المشارك في نسب القبيلة ، والمراد به المدافع عن قريبه ، والنصيرُ الذي إذا استنجدته نصرَك ، أو الحليف ، وكان النصر في الجاهلية بأحد هذين النوعين .

الترجمة الإنجليزية

Waman yaAAmal mina alssalihati min thakarin aw ontha wahuwa muminun faolaika yadkhuloona aljannata wala yuthlamoona naqeeran

ووجه قوله : { من ذكر أو أنثى } قصد التعميم والردّ على من يحرم المرأة حظوظاً كثيرة من الخير من أهل الجاهلية أو من أهل الكتاب . وفي الحديث « ولْيَشْهَدْنَ الخيرَ ودعوةَ المسلمين » . و ( مِن ) لبيان الأبهام الذي في ( مَن ) الشرطية في قوله : { ومن يعمل من الصالحات } .وقرأ الجمهور { يَدْخلون } بفتح التحتية وضمّ الخاء . وقرأه ابن كثير ، وأبو عمرو ، وأبو بكر عن عاصم ، وأبو جعفر ، ورَوْح عن يعقوب بضمّ التحتيّة وفتح الخاء على البناء للنائب .

الترجمة الإنجليزية

Waman ahsanu deenan mimman aslama wajhahu lillahi wahuwa muhsinun waittabaAAa millata ibraheema haneefan waittakhatha Allahu ibraheema khaleelan

الأظهر أنّ الواو للحال من ضمير { يدخلون الجنّة } [ النساء : 124 ] الذي ما صْدَقُه المؤمنون الصالحون ، فلما ذكر ثواب المؤمنين أعقبه بتفضيل دينهم . والاستفهامُ إنكاري . وانتصب { دينا } على التمييز . وإسلام الوجه كناية عن تمام الطاعة والاعتراف بالعبودية ، وهو أحسن الكنايات ، لأنّ الوجه أشرف الأعضاء ، وفيه ما كان به الإنسان إنساناً ، وفي القرآن { فقُل أسلمت وجهي لله ومن اتّبعني } [ آل عمران : 20 ] . والعرب تذكر أشياء من هذا القبيل كقوله : { لنسفعن بالناصية } [ العلق : 15 ] ، ويقولون : أخذ بساقه ، أي تمكن منه ، وكأنّه تمثيل لإمساك الرعاة الأنعام . وفي الحديث " الطلاق لمن أخذ بالساق " . ويقولون : ألقى إليه القياد ، وألقى إليه الزمام ، وقال زيد بن عمرو بن نفيل :يَقُولُ أنفي لكَ عَاننٍ رَاغِم ... ويقولون : يدي رهن لفلان . وأراد بإسلام الوجه الاعتراف بوجود الله ووحدانيته . وقد تقدّم ما فيه بيان لهذا عنا ، قوله تعالى : { إنّ الدين عند الله الإسلام } [ آل عمران : 19 ] وقوله : { وأوصى بها إبراهيم بنيه } [ البقرة : 132 ] .وجملة «وهو محسن» حال قصد منها اتّصافه بالإحسان حين إسلامه وجهَه لله ، أي خلع الشرك قاصداً الإحسان ، أي راغباً في الإسلام لِمَا رأى فيه من الدعوة إلى الإحسان . ومعنى { واتبع ملة إبراهيم حنيفاً } أنه اتّبع شريعة الإسلام التي هي على أُسس ملّة إبراهيم . فهذه ثلاثة أوصاف بها يكمل معنى الدخول في الإسلام ، ولعلّها هي : الإيمان ، والإحسان ، والإسلام . ولك أن تجعل معنى { أسلم وجهه لله } أنّه دخل في الإسلام ، وأنّ قوله : { وهو محسن } مخلص راغب في الخير ، وأنّ اتّباع ملّة إبراهيم عني به التوحيد . وتقدّم أنّ { حنيفاً } معناه مائلاً عن الشرك أو متعبّداً . وإذا جعلت معنى قوله : { وهو محسن } أي عامل الصالحات كان قوله : { واتبع ملة إبراهيم حنيفاً } بمنزلة عطف المرادف وهو بعيد .وقوله : { واتخذ الله إبراهيم خليلاً } عطف ثناء إبراهيم على مدح من اتّبع دينه زيادة تنويه بدين إبراهيم ، فأخبر أنّ الله اتّخذ إبراهيم خليلاً . والخليل في كلام العرب الصاحب الملازم الذي لا يخفى عنه شيء من أمور صاحبه ، مشتقّ من الخِلال ، وهو النواحي المتخلّلة للمكان { فترى الودق يخرج من خلاله } [ النور : 43 ] { فجّرنا خلالهما نهرا } [ الكهف : 33 ] . هذا أظهر الوجوه في اشتقاق الخليل . ويقال : خِلّ وخُلّ بكسر الخاء وضمّها ومؤنّثهُ : خُلّة بضمّ الخاء ، ولا يقال بكسر الخاء ، قال كعب :أكرم بها خُلَّةً لو أنَّها صدقتوجمعها خلائل . وتطلق الخلّة بضمّ الخاء على الصحبة الخالصة { لا بيع فيه ولا خُلّة ولا شفاعة } [ البقرة : 254 ] ، وجمعها خِلال { مِنْ قَبْلِ أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال } [ إبراهيم : 31 ] . ومعنى اتُخاذ الله إبراهيم خليلاً شدّة رِضَى اللَّهِ عنه ، إذ قد علم كلّ أحد أنّ الخلّة الحقيقية تستحِيل على الله فأريد لوازمها وهي الرضى ، واستجابة الدعوة ، وذكره بخير ، ونحو ذلك .

الترجمة الإنجليزية

Walillahi ma fee alssamawati wama fee alardi wakana Allahu bikulli shayin muheetan

وجملة { ولله ما في السموات وما في الأرض } الخ تذييل جعل كالاحتراس ، على أنّ المراد بالخليل لازم معنى الخلّة ، وليست هي كخلّة الناس مقتضية المساواة أو التفضيل ، فالمراد منها الكناية عن عبودية إبراهيم في جملة { ما في السموات وما في الأرض } . والمحيط : العليم .

الترجمة الإنجليزية

Wayastaftoonaka fee alnnisai quli Allahu yufteekum feehinna wama yutla AAalaykum fee alkitabi fee yatama alnnisai allatee la tutoonahunna ma kutiba lahunna watarghaboona an tankihoohunna waalmustadAAafeena mina alwildani waan taqoomoo lilyatama bialqisti wama tafAAaloo min khayrin fainna Allaha kana bihi AAaleeman

عطف تشريع على إيمان وحكمة وعظة . ولعلّ هذا الاستفتاء حدث حين نزول الآيات السابقة . فذكر حكمه عقبها معطوفاً . وهذا الاستفتاء حصل من المسلمين بعد أن نزل قوله تعالى : { وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء } [ النساء : 3 ] الخ . وأحسن ما ورد في تفسير هذه الآية ما رواه البخاري عن عروة بن الزبير أنّه سأل عائشة عن قول الله تعالى : { وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى } قالت : يا بن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليّها تشركه في ماله ويُعجبه مالها وجمالها فيريد أن يتزوّجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيَها مثل ما يعطيها غيره ، فنهوا أن ينكحوهنّ إلاّ أن يقسطوا لهنّ ويبلغوا بهنّ أعلى سنّتهنّ في الصداق ، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهنّ .وأنّ الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية فأنزل الله تعالى : { ويستفتونك في النساء } . قالت عائشة : وقول الله تعالى : { وترغبون أن تنكحوهن } رغبة أحدكم عن يتيمته حين تكون قليلة المال والجمال؛ قالت : فنهوا عن أن ينكحوا من رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء إلاّ بالقسط من أجْل رغبتهم عنهنّ إذا كنّ قليلات المال والجمال ، وكان الولي يرغب عن أن ينكحها ويكره أن يزوّجها رجلاً فيشركه في ماله بما شركته فيعضلها . فنزلت هذه الآية .فالمراد : ويستفتونك في أحكام النساء إذ قد علم أنّ الاستفتاء لا يتعلّق بالذوات ، فهو مثل قوله : { حرّمت عليكم أمّهاتكم } [ النساء : 23 ] . وأخصّ الأحكام بالنساء : أحكام ولايتهنّ ، وأحكام معاشرتهنّ . وليس المقصود هنا ميراث النساء إذ لا خطور له بالبال هنا .وقوله : { قل الله يفتيكم فيهن } وعد باستيفاء الإجابة عن الاستفتاء ، وهو ضرب من تبشير السائل المتحيّر بأنّه قد وجد طلبته ، وذلك مثل قولهم : على الخبير سقطت . وقوله تعالى : { سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً } [ الكهف : 78 ] . وتقديم اسم الجلالة للتنويه بشأن هذه الفتيا .وقوله : { وما يتلى عليكم } عطف على اسم الجلالة ، أي ويفتيكم فيهنّ ما يتلى عليكم في الكتاب ، أي القرآن ، وإسناد الإفتاء إلى ما يُتلى إسناد مجازي ، لأنّ ما يتلى دالّ على إفتاء الله فهو سبب فيه ، فآل المعنى إلى : قل الله يفتيكم فيهنّ بما يتلى عليكم في الكتاب ، والمراد بذلك بما تلي عليهم من أوّل السورة ، وما سيتلى بعد ذلك ، فإنّ التذكير به وتكريره إفتاء به مرّة ثانية ، وما أتبع به من الأحكام إفتاء أيضاً . وقد ألّمت الآية بخلاصة ما تقدّم من قوله : { وآتوا اليتامى أموالهم } إلى قوله : { وكفى بالله حسيباً } [ النساء : 2 6 ] . وكذلك أشارت هذه الآية إلى فِقر ممّا تقدّم : بقوله هنا : { في يتامى النساء اللاتي لا تؤتوهنّ ما كُتب لهنّ } فأشار إلى قوله :{ وإن خفتم أن لا تقسطوا إلى قوله : فكلوه هنيئاً مريئاً } [ النساء : 3 ، 4 ] .ولحذف حرف الجرّ بعد { ترغبون } هنا موقع عظيم من الإيجاز وإكثار المعنى ، أي ترغبون عن نكاح بعضهنّ ، وفي نكاح بعض آخر ، فإنّ فعْل رغب يتعدّى بحرف ( عن ) للشيء الذي لا يُحَبّ؛ وبحرف ( في ) للشيء المحبوب . فإذا حذف حرف الجرّ احتمل المعنيين إن لم يكن بينهما تناف ، وذلك قد شمله قوله في الآية المتقدّمة { وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا } [ النساء : 3 ] الخ . وأشار بقوله هنا { والمستضعفين من الولدان } إلى قوله هنالك { وآتوا اليتامى أموالهم إلى كَبيراً } [ النساء : 2 ] وإلى قوله : { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم إلى قوله : معروفاً } [ النساء : 5 ] .وأشار بقوله : { وأن تقوموا لليتامى بالقسط إلى قوله هنالك وابتلوا اليتامى إلى حسيباً } [ النساء : 6 ] .ولا شكّ أنّ ما يتلى في الكتاب هو من إفتاء الله ، إلاّ أنّه لمّا تقدّم على وقت الاستفتاء كان مغايراً للمقصود من قوله : { الله يفتيكم فيهنّ } ، فلذلك صحّ عطفه عليه عطف السبب على المسبّب . والإفتاء الأنف هو من قوله : { وإنِ امرأةٌ خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً إلى واسعاً حكيماً } [ النساء : 128 130 ] .و ( في ) من قوله : { في يتامى النساء } للظرفية المجازية ، أي في شأنهن ، أو للتعليل ، أي لأجلهنّ ، ومعنى { كُتب لهنّ } فُرِض لهنّ إمّا من أموال من يرثْنَهم ، أو من المهور التي تدفعونها لهنّ ، فلا توفوهنّ مهور أمثالهنّ ، والكلّ يعدّ مكتوباً لهنّ ، كما دلّ عليه حديث عائشة رضي الله عنها وعلى الوجهين يجيء التقدير في قوله : { وترغبون أن تنكحوهنّ } ولك أن تجعل الاحتمالين في قوله : { ما كتب لهنّ } وفي قوله : { وترغبون أن تنكحوهنّ } . مقصودين على حدّ استعمال المشترك في معنييه .وقوله : { والمستضعفين } عطف على { يتامى النساء } ، وهو تكميل وإدماج ، لأنّ الاستفتاء كان في شأن النساء خاصّة ، والمراد المستضعفون والمستضعفات ، ولكنّ صيغة التذكير تغليبٌ ، وكذلك الولدان ، وقد كانوا في الجاهلية يأكلون أموال من في حجرهم من الصغار .وقوله : { وأن تقوموا } عطف على { يتامى النساء } ، أي وما يتلى عليكم في القيام لليتامى بالعدل . ومعنى القيام لهم التدبير لشؤونهم ، وذلك يشمل يتامى النساء .
98