سورة النساء (4): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة النساء بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تنوير المقباس من تفسير ابن عباس (عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة النساء مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة النساء

سُورَةُ النِّسَاءِ
الصفحة 97 (آيات من 114 إلى 121)

۞ لَّا خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَىٰهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَٰحٍۭ بَيْنَ ٱلنَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا وَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ ٱلْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِۦ جَهَنَّمَ ۖ وَسَآءَتْ مَصِيرًا إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِۦ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَٰلًۢا بَعِيدًا إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِۦٓ إِلَّآ إِنَٰثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَٰنًا مَّرِيدًا لَّعَنَهُ ٱللَّهُ ۘ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَءَامُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلْأَنْعَٰمِ وَلَءَامُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ ٱللَّهِ ۚ وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيْطَٰنَ وَلِيًّا مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ۖ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَٰنُ إِلَّا غُرُورًا أُو۟لَٰٓئِكَ مَأْوَىٰهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا
97

الاستماع إلى سورة النساء

تفسير سورة النساء (تنوير المقباس من تفسير ابن عباس: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي)

الترجمة الإنجليزية

La khayra fee katheerin min najwahum illa man amara bisadaqatin aw maAAroofin aw islahin bayna alnnasi waman yafAAal thalika ibtighaa mardati Allahi fasawfa nuteehi ajran AAatheeman

لم تَخْلُ الحوادث التي أشارت إليها الآي السابقة ، ولا الأحوال التي حذّرت منها ، من تناج وتحاوُر ، سِرّا وجهراً ، لتدبير الخيانات وإخفائها وتبييتها ، لذلك كان المقام حقيقاً بتعقيب جميع ذلك بذكر النجوى وما تشتمل عليه ، لأنّ في ذلك تعليماً وتربية وتشريعاً ، إذ النجوى من أشهر الأحوال العارضة للناس في مجتمعاتهم ، لا سيما في وقت ظهور المسلمين بالمدينة ، فقد كان فيها المنافقون واليهود وضعفاء المؤمنين ، وكان التناجي فاشياً لمقاصد مختلفة ، فربما كان يثير في نفوس الرائين لتلك المناجاة شكّا ، أي خوفاً ، إذ كان المؤمنون في حال مناواة من المشركين وأهللِ الكتاب ، فلذلك تكرّر النهي عن النجوى في القرآن نحو { ألَمْ تَرَ إلى الذين نُهوا عن النجوى } [ المجادلة : 8 ] الآيات ، وقوله : { إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى } [ الإسراء : 47 ] وقوله : { وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنّا معكم } [ البقرة : 14 ] ، فلذلك ذمّ الله النجوى هنا أيضاً ، فقال : { لا خير في كثير من نجواهم } . فالجملة مستأنفة استئنافاً ابتدائياً لإفادة حكم النجوى ، والمناسبةُ قد تبيّنت .والنجوى مصدر ، هي المسَارّة في الحديث ، وهي مشتقّة من النجو ، وهو المكان المستتر الذي المفضِي إليه ينجو من طالبه ، ويطلق النجوى على المناجين ، وفي القرآن { إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى } ، وهو وصف بالمصدر والآية تحتمل المعنيين . والضمير الذي أضيف إليه { نجوى } ضمير جماعة الناس كلّهم ، نظير قوله تعالى : { ألا إنّهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه } إلى قوله : { وما يُعلنون } في سورة هود ( 5 ) ، وليس عائداً إلى ما عادت إليه الضمائر التي قبله في قوله : { يستخفون من الناس } [ النساء : 108 ] إلى هنا؛ لأنّ المقام مانع من عوده إلى تلك الجماعة إذ لم تكن نجواهم إلاّ فيما يختصّ بقضيتهم ، فلا عموم لها يستقيم معه الاستثناء في قوله : { إلاّ من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس } . وعلى هذا فالمقصود من الآية تربية اجتماعية دعت إليها المناسبة ، فإنّ شأن المحادثات والمحاورات أن تكون جهرة ، لأنّ الصراحة من أفضل الأخلاق لدلالتها على ثقة المتكلّم برأيه ، وعلى شجاعته في إظهار ما يريد إظهاره من تفكيره ، فلا يصير إلى المناجاة إلاّ في أحوال شاذّة يناسبها إخفاء الحديث . فمَن يناجي في غير تلك الأحوال رُمي بأنّ شأنه ذميم ، وحديثه فيما يستحيي من إظهاره ، كما قال صالح بن عبد القدوس :الستر دون الفاحشات ولا ... يَغشاك دون الخير مِنْ ستْرِوقد نهى الله المسلمين عن النجوى غير مرّة ، لأنّ التناجي كان من شأن المنافقين فقال : { ألم تر إلى الذين نُهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهو عنه } [ المجادلة : 8 ] وقال : { إنّما النجوى من الشيطان ليُحزن الذين آمنوا } [ المجادلة : 10 ] .وقد ظهر من نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يتناجى اثنان دون ثالث أنّ النجوى تبعث الريبة في مقاصد المتناجين ، فعلمنا من ذلك أنّها لا تغلب إلاّ على أهل الريَب والشبهات ، بحيث لا تصير دأباً إلاّ لأولئك ، فمن أجل ذلك نفى الله الخير عن أكثر النجوى .ومعنى { لا خير } أنّه شرّ ، بناء على المتعارف في نفي الشيء أن يراد به إثبات نقيضه ، لعدم الاعتداد بالواسطة ، كقوله تعالى : { فماذا بعد الحقّ إلاّ الضلال } [ يونس : 32 ] ، ولأنّ مقام التشريع إنّما هو بيان الخير والشرّ .وقد نفى الخير عن كثير من نجواهم أو مُتناجيِهم ، فعلم من مفهوم الصفة أنّ قليلاً من نجواهم فيه خير ، إذ لا يخلو حديث الناس من تناج فيما فيه نفع . والاستثناء في قوله : { إلاّ من أمر بصدقة } على تقدير مضاف ، أي : إلاّ نجوى من أمر ، أو بدون تقدير إن كانت النجوى بمعنى المتناجين ، وهو مستثنى من { كثير } ، فحصل من مفهوم الصفة ومفهوم الاستثناء قسمان من النجوى يثبت لهما الخير ، ومع ذلك فهما قليل من نجواهم . أمّا القسم الذي أخرجَته الصفة ، فهو مجمل يصدق في الخارج على كلّ نجوى تصدر منهم فيها نفع ، وليس فيها ضرر ، كالتناجي في تشاور فيمن يصلح لمخالطة ، أو نكاح أو نحو ذلك .وأمّا القسم الذي أخرجه الاستثناء فهو مبيّن في ثلاثة أمور : الصدقة ، والمعروف ، والإصلاح بين الناس . وهذه الثلاثة لو لم تذكر لدخلت في القليل من نجواهم الثابت له الخير ، فلمّا ذكرت بطريق الاستثناء علمنا أنّ نظم الكلام جرى على أسلوب بديع فأخرج ما فيه الخير من نجواهم ابتداء بمفهوم الصفة ، ثم أريد الاهتمام ببعض هذا القليل من نجواهم ، فأخرج من كثير نجواهم بطريق الاستثناء ، فبَقي ما عدا ذلك من نجواهم ، وهو الكثير ، موصوفاً بأن لا خير فيه وبذلك يتّضح أنّ الاستثناء متّصل ، وأنْ لا داعي إلى جعله منقطعاً . والمقصد من ذلك كلّه الاهتمام والتنويه بشأن هذه الثلاثة ، ولو تناجى فيها مَن غالب أمره قصد الشرّ .وقوله : { ومن يفعل ذلك } إلخ وعد بالثواب على فعل المذكورات إذا كان لابتغاء مرضاة الله . فدلّ على أنّ كونها خيراً وصف ثابت لها لما فيها من المنافع ، ولأنّها مأمور بها في الشرع ، إلاّ أنّ الثواب لا يحصل إلاّ عن فعلها ابتغاء مرضاة الله كما في حديث : « إنما الأعمال بالنيات » . وقرأ الجمهور : ( نُؤتيه ) بنون العظمة على الالتفات من الغيبة في قوله : { مرضاة الله } .

الترجمة الإنجليزية

Waman yushaqiqi alrrasoola min baAAdi ma tabayyana lahu alhuda wayattabiAA ghayra sabeeli almumineena nuwallihi ma tawalla wanuslihi jahannama wasaat maseeran

عطف على { ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله } [ النساء : 114 ] بمناسبة تضادّ الحالين . والمشاقّة : المخالفة المقصودة ، مشتقّة من الشِّقّ لأنّ المخالف كأنّه يختار شِقّا يكون فيه غير شِقّ الآخر .فيحتمل قوله : { من بعد ما تبين له الهدى } أن يكون أراد به من بعد ما آمن بالرسول فتكون الآية وعيداً للمرتدّ . ومناسبتها هنا أن بشير بن أبَيْرق صاحب القصّة المتقدّمة ، لمّا افتضح أمره ارتدّ ولحق بمكة ، ويحتمل أن يكون مراداً به من بعد ما ظهر صدق الرسول بالمعجزات ، ولكنّه شاقَّه عناداً ونِواء للإسلام .وسَبيل كلّ قوم طريقتهم التي يسلكونها في وصفهم الخاصّ ، فالسبيل مستعار للاعتقادات والأفعال والعادات ، التي يلازمها أحد ولا يبتغي التحوّل عنها ، كما يلازم قاصد المكان طريقاً يبلغه إلى قصده ، قال تعالى : { قل هذه سبيلي } [ يوسف : 108 ] ومعنى هذه الآية نظير معنى قوله : { إنّ الذين كفروا وصدّوا عن سبيل الله وشاقّوا الرسول من بعد ما تبيّن لهم الهدى لن يضروا الله شيئاً وسيحبط أعمالهم } [ محمد : 32 ] ، فمن اتّبع سبيل المؤمنين في الإيمان واتّبع سبيل غيرهم في غير الكفر مثل اتّباع سبيل يهود خبير في غراسة النخيل ، أو بناء الحصون ، لا يحسن أن يقال فيه اتّبع غير سبيل المؤمنين . وكأنّ فائدة عطف اتّباع غير سبيل المؤمنين على مشاقّة الرسول الحَيطةُ لحفظ الجامعة الإسلامية بعد الرسول ، فقد ارتدّ بعض العرب بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وقال الحُطيئة في ذلك :أطعنا رسولَ اللَّه إذ كان بيننا ... فيا لعباد الله ما لأبي بكرفكانوا ممّن اتّبع غير سبيل المؤمنين ولم يُشَاقّوا الرسول .ومعنى قوله : { نوله ما تولى } الإعراض عنه ، أي نتركه وشأنه لقلّة الاكتراث به ، كما ورد في الحديث " وأمّا الآخر فأعرض الله عنه " . وقد شاع عند كثير من علماء أصول الفقه الاحتجاج بهذه الآية ، لكون إجماع علماء الإسلام على حكم من الأحكام حجّة ، وأوّل من احتجّ بها على ذلك الشافعي . قال الفخر : «روي أنّ الشافعي سئل عن آية في كتاب الله تدلّ على أنّ الإجماع حجّة فقرأ القرآن ثلاثمائة مرة حتّى وجد هذه الآية . وتقرير الاستدلال أنّ اتّباع غير سبيل المؤمنين حرام ، فوجب أن يكون اتّباع سبيل المؤمنين واجباً . بيان المقدمة الأولى : أنّه تعالى ألحق الوعيد بمن يشاقق الرسول ويتّبع غير سبيل المؤمنين ، ومشاقّة الرسول وحدها موجبة لهذا الوعيد ، فلو لم يكن اتّباع غير سبيل المؤمنين موجباً له ، لكان ذلك ضمّا لما لا أثر له في الوعيد إلى ما هو مستقلّ باقتضاء ذلك الوعيد ، وأنّه غير جائز ، فثبت أنّ اتّباع غير سبيل المؤمنين حرام ، فإذا ثبت هذا لزم أن يكون اتّباع سبيلهم واجباً» . وقد قرّر غيره الاستدلال بالآية على حجّيّة الإجماع بطرق أخرى ، وكلّها على ما فيها من ضعف في التقريب ، وهو استلزام الدليل للمدّعي ، قد أوردت عليها نقوض أشار إليها ابن الحاجب في «المختصر» . واتّفقت كلمة المحقّقين : الغزالي ، والإمام في «المعالم» ، وابننِ الحاجب ، على توهين الاستدلال بهذه الآية على حجّيّة الإجماع .

الترجمة الإنجليزية

Inna Allaha la yaghfiru an yushraka bihi wayaghfiru ma doona thalika liman yashao waman yushrik biAllahi faqad dalla dalalan baAAeedan

استئناف ابتدائي ، جعل تمهيداً لما بعده من وصف أحوال شركهم . وتعقيب الآية السابقة بهذه مشير إلى أنّ المراد باتّباع غير سبيل المؤمنين اتّباع سبيل الكفر من شرك وغيره ، فعقّبه بالتحذير من الشرك ، وأكّده بأنّ للدلالة على رفع احتمال المبالغة أو المجاز . وتقدّم القول في مثل هذه الآية قريباً . غير أنّ الآية السابقة قال فيها { ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً } [ النساء : 48 ] وقال في هذه { فقد ضل ضلالاً بعيداً } وإنّما قال في السابقة { فقد افترى إثماً عظيماً } لأنّ المخاطب فيها أهل الكتاب بقوله : { يأيّها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزّلنا مصدّقاً لما معكم } [ النساء : 47 ] فنبّهوا على أنّ الشرك من قبيل الافتراء تحذيراً لهم من الافتراء وتفظيعاً لجنسه . وأمّا في هذه الآية فالكلام موجه إلى المسلمين فنبّهوا على أنّ الشرك من الضلال تحذيراً لهم من مشاقة الرسول وأحوال المنافقين فإنها من جنس الضلال . وأكِّدَ الخبر هنا بحرف ( قَدْ ) اهتماماً به لأنّ المواجه بالكلام هنا المؤمنون ، وهم لا يشكّون في تحقّق ذلك .والبعيد أريد به القويّ في نوعه الذي لا يرجى لصاحبه اهتداء ، فاستعير له البعيد لأنّ البعيد يُقصي الكائن فيه عن الرجوع إلى حيث صدر .

الترجمة الإنجليزية

In yadAAoona min doonihi illa inathan wain yadAAoona illa shaytanan mareedan

كان قوله : { إن يدعون } بياناً لقوله : { فقد ضلّ ضلالاً بعيداً } [ النساء : 116 ] ، وأي ضلال أشدّ من أن يشرك أحد بالله غيرَه ثم أن يَدّعي أنّ شركاءه إناث ، وقد علموا أنّ الأنثى أضعف الصنفين من كلّ نوع . وأعجب من ذلك أن يَكون هذا صادراً من العرب ، وقد علم الناس حال المرأة بينهم ، وقد حَرَمُوها من حقوق كثيرة واستضعفوها . فالحصر في قوله : { إن يدعون من دونه إلا إناثاً } قصر ادّعائي لأنّه أعجبُ أحوال إشراكهم ، ولأنّ أكبر آلهتهم يعتقدونها أنثى وهي : اللاّت ، والعُزّى ، ومَنَاة ، فهذا كقولك لا عالم إلاّ زيد . وكانت العزّى لقريش ، وكانت مناة للأوس والخزرج ، ولا يخفى أنّ معظم المعاندين للمسلمين يومئذ كانوا من هذين الحيّين : مشركو قريش هم أشدّ الناس عداء للإسلام : ومنافقوا المدينة ومشركوها أشدّ الناس فتنة في الإسلام .ومعنى { وإن يدعون إلا شيطاناً مريداً } أنّ دعوتهم الأصنام دعوة للشيطان ، والمراد جنس الشيطان ، وإنما جعلوا يدعون الشيطان لأنه الذي سوّل لهم عبادة الأصنام . والمَريد : العاصي والخارج عن المَلِك ، وفي المثل «تمرّد مارد وعزّ الأبلق» اسما حصنين للسموأل ، فالمريد صفة مشبّهة مشتقّة من مردُ بضم الراء إذا عتا في العصيان .

الترجمة الإنجليزية

LaAAanahu Allahu waqala laattakhithanna min AAibadika naseeban mafroodan

وجملة { لعنه الله } صفة لشيطان ، أي أبعده؛ وتحتمل الدعاء عليه ، لكن المقام ينبو عن الاعتراض بالدعاء في مثل هذا السياق . وعطف { وقال لأتخذن } عليه يزيد احتمال الدعاء بُعداً . وسياق هذه الآية كسياق أختها في قوله : { فاخرج إنّك من الصاغرين قال أنظرني إلى يوم يُبعثون قال إنّك من المنظرين قال فبما أغويتني لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم } [ الأعراف : 13 16 ] الآية فكلّها أخبار . وهي تشير إلى ما كان في أول خلق البشر من تنافر الأحوال الشيطانية لأحوال البشر ، ونشأة العداوة عن ذلك التنافر ، وما كونّه الله من أسباب الذود عن مصالح البشر أن تنالها القُوى الشيطانية نوال إهلاك بحرمان الشياطين من رضا الله تعالى ، ومن مداخلتهم في مواقع الصلاح ، إلاّ بمقدار ما تنتهز تلك القوى من فرض مَيل القوى البشرية إلى القوى الشيطانية وانجذابها ، فتلك خُلَس تعمل الشياطين فيها عملها ، وهو ما أشار إليه قوله تعالى : { قال هذا صراط عليّ مستقيم إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطان إلاّ من اتّبعك من الغاوين } [ الحجر : 41 ، 32 ] . وتلك ألطاف من الله أوْدعها في نظام الحياة البشرية عند التكوين ، فغلب بسببها الصلاح على جماعة البشر في كلّ عصر ، وبقي معها من الشرُور حظّ يسير ينزع فيه الشيطان منازعه وَكَل الله أمرَ الذياد عنه إلى إرادة البشر ، بعد تزويدهم بالنصح والإرشاد بواسطة الشرائع والحكمة .فمعنى الحكاية عنه بقوله : { لأتّخذّن من عبادك نصيباً مفروضاً } أنّ الله خلق في الشيطان علماً ضرورياً أيقن بمقتضاه أنّ فيه المقدرة على فتنة البشر وتسخيرهم ، وكانت في نظام البشر فرص تدخل في خلالها آثار فتنة الشيطان ، فذلك هو النصيب المفروض ، أي المجعول بفرض الله وتقديره في أصل الجبلّة .وليس قوله : { من عبادك } إنكاراً من الشيطان لعبوديته لله ، ولكنّها جلافة الخطاب النَّاشئة عن خباثة التفكير المتأصّلة في جبلّته ، حتّى لا يستحضر الفكر من المعاني المدلولة إلاّ ما له فيه هوى ، ولا يتفطّن إلى ما يحفّ بذلك من الغلظة ، ولا إلى ما يفوته من الأدب والمعاني الجميلة ، فكلّ حظّ كان للشيطان في تصرّفات البشر من أعمالهم المعنوية : كالعقائد والتفكيرات الشريرة ، ومن أعمالهم المحسوسة : كالفساد في الأرض ، والإعلان بخدمة الشيطان : كعبادة الأصنام ، والتقريب لها ، وإعطاء أموالهم لضلالهم ، كلّ ذلك من النصيب المفروض .

الترجمة الإنجليزية

Walaodillannahum walaomanniyannahum walaamurannahum falayubattikunna athana alanAAami walaamurannahum falayughayyirunna khalqa Allahi waman yattakhithi alshshaytana waliyyan min dooni Allahi faqad khasira khusranan mubeenan

ومعنى { ولأضِلَّنَّهم } إضلالهم عن الحق . ومعنى : { ولأمنّينَّهم } لأعدنَّهم مواعيد كاذبة ، ألقيها في نفوسهم ، تجعلهم يتمنّون ، أي يقدّرون غير الواقع واقعاً ، أغراقاً ، في الخيال ، ليستعين بذلك على تهوين انتشار الضلالات بينهم . يقال : منَّاه ، إذا وعده المواعيد الباطلة ، وأطمعه في وقوع ما يحبّه ممّا لا يقع ، قال كعب :فلا يغرنك ما منّت وما وعدت ... ومِنه سمّي بالتمنّي طلبُ ما لا طمع فيه أو ما فيه عسر .ومعنى : { ولآمرنّهم فليبتْكن آذان الأنعام } أي آمرنّهم بأن يبتّكوا آذان الأنعام فليبتّكنها ، أي يأمرهم فيجدهم ممتثلين ، فحذف مفعول أمَرَ استغناء عنه بما رُتّب عليه . والتبتيك : القطع . قال تأبّط شراً :ويجعلُ عينيه رَبيئَةَ قلبه ... إلى سَلّةٍ من حدّ أخلَقَ باتكوقد ذكر هنا شيئاً ممّا يأمر به الشيطان ممّا يخصّ أحوال العرب ، إذ كانوا يقطعون آذان الأنعام التي يجعلونها لطواغيتهم ، علامة على أنّها محرّرة للأصنام ، فكانوا يشقّون آذان البحيرة والسائبة والوصيلة ، فكان هذا الشقّ من عمل الشيطان ، إذ كان الباعثُ عليه غرضاً شيطانياً .وقوله : { ولآمرنّهم فليغيرنّ خلق الله } تعريض بما كانت تفعله أهل الجاهلية من تغيير خلق الله لدواع سخيفة ، فمن ذلك ما يرجع إلى شرائع الأصنام مثل فقء عين الحامي ، وهو البعير الذي حمَى ظهرَه من الركوب لكثرة ما أنْسَل ، ويسيّب للطواغِيت . ومنه ما يرجع إلى أغراض ذميمة كالوشْم إذ أرادوا به التزيّن ، وهو تشويه ، وكذلك وسم الوجوه بالنار .ويدخل في معنى تغيير خلق الله وضع المخلوقات في غير ما خلقها الله له ، وذلك من الضلالات الخرافية . كجعل الكواكب آلهة . وجعل الكسوفات والخسوفات دلائل على أحوال الناس ، ويدخل فيه تسويل الإعراض عن دين الإسلام ، الذي هو دين الفطرة ، والفطرة خلق الله؛ فالعدول عن الإسلام إلى غيره تغيير لخلق الله .وليس من تغيير خلق الله التصرّف في المخلوقات بما أذن الله فيه ولا ما يدخل في معنى الحسن؛ فإنّ الختان من تغيير خلق الله ولكنّه لفوائد صحيّة ، وكذلك حَلق الشعر لفائدة دفع بعض الأضرار ، وتقليمُ الأظفار لفائدة تيسير العمل بالأيدي ، وكذلك ثقب الآذان للنساء لوضع الأقراط والتزيّن ، وأمّا ما ورد في السنّة من لعن الواصلات والمتنمّصات والمتفلّجات للحسن فممّا أشكل تأويله .وأحسب تأويله أنّ الغرض منه النهي عن سمات كانت تعدّ من سمات العواهر في ذلك العهد ، أو من سمات المشركات ، وإلاّ فلو فرضنا هذه مَنهيّاً عنها لَما بلغ النهي إلى حدّ لَعن فاعلات ذلك . وملاك الأمر أن تغيير خلق الله إنّما يكون إنما إذا كان فيه حظّ من طاعة الشيطان ، بأن يجعل علامة لِنحلة شيطانية ، كما هو سياق الآية واتّصال الحديث بها . وقد أوضحنا ذلك في كتابي المسمّى : «النظر الفسيح على مشكل الجامع الصحيح» .وجملة { ومن يتُخذ الشيطان وليّاً من دون الله فقد خسر خسراناً مبيناً } تذييل دالّ على أنّ ما دعاهم إليه الشيطان : من تبتيك آذان الأنعام ، وتغيير خلق الله ، إنّما دعاهم إليه لما يقتضيه من الدلالة على استشعارهم بشعاره ، والتديّن بدعوته ، وإلاّ فإنّ الشيطان لا ينفعه أن يبتّك أحد أذن ناقته ، أو أن يغيّر شيئاً من خلقته ، إلاّ إذا كان ذلك للتأثّر بدعوته .

الترجمة الإنجليزية

YaAAiduhum wayumanneehim wama yaAAiduhumu alshshaytanu illa ghurooran

وقوله : { يعدهم ويمنّيهم } استئناف لبيان أنّه أنجز عزمه فوعد ومنَّى وهو لا يزال يَعد ويمنّي ، فلذلك جيء بالمضارع . وإنّما لم يذكر أنّه يأمرهم فيبتّكون آذان الأنعام ويغيّرون خلق الله لظهور وقوعه لكلّ أحد .

الترجمة الإنجليزية

Olaika mawahum jahannamu wala yajidoona AAanha maheesan

وجيء باسم الإشارة في قوله : { أولئك مأواهم جهنّم } لتنبيه السامعين إلى ما يرد بعد اسم الإشارة من الخبر وأنّ المشار إليهم أحرياء به عقب ما تقدّم من ذكر صفاتهم .والمحيص : المراغ والملجأ ، من حاص إذا نفَر وراغ ، وفي حديث هرقل «فحَاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب» . وقال جعفر بن عُلْبَةَ الحارثي :ولم نَدْرِ إن حِصْنا من الموت حَيْصَة ... كَم العُمْرُ باققٍ والمدى متطاولُروي : حِصنا وحيصة بالحاء والصاد المهملتين ويقال : جاض أيضاً بالجيم والضاد المعجمة ، وبهما روي بيت جعفر أيضاً .
97