سورة النساء (4): مكتوبة كاملة مع التفسير التحميل

تحتوي هذه الصفحة على جميع آيات سورة النساء بالإضافة إلى تفسير جميع الآيات من قبل تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي). في الجزء الأول يمكنك قراءة سورة النساء مرتبة في صفحات تماما كما هو موجود في القرآن. لقراءة تفسير لآية ما انقر على رقمها.

معلومات عن سورة النساء

سُورَةُ النِّسَاءِ
الصفحة 78 (آيات من 7 إلى 11)

لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَٰلِدَانِ وَٱلْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَٰلِدَانِ وَٱلْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُو۟لُوا۟ ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَٰمَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينُ فَٱرْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُوا۟ لَهُمْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا۟ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَٰفًا خَافُوا۟ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَلْيَقُولُوا۟ قَوْلًا سَدِيدًا إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَٰلَ ٱلْيَتَٰمَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِىٓ أَوْلَٰدِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلْأُنثَيَيْنِ ۚ فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِن كَانَتْ وَٰحِدَةً فَلَهَا ٱلنِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَٰحِدٍ مِّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُۥ وَلَدٌ ۚ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُۥ وَلَدٌ وَوَرِثَهُۥٓ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ ٱلثُّلُثُ ۚ فَإِن كَانَ لَهُۥٓ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ ٱلسُّدُسُ ۚ مِنۢ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ ۗ ءَابَآؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا
78

الاستماع إلى سورة النساء

تفسير سورة النساء (تفسير الوسيط لطنطاوي: محمد سيد طنطاوي)

الترجمة الإنجليزية

Lilrrijali naseebun mimma taraka alwalidani waalaqraboona walilnnisai naseebun mimma taraka alwalidani waalaqraboona mimma qalla minhu aw kathura naseeban mafroodan

قال القرطبي ما ملخصه: نزلت هذه الآية في أوس بن ثابت الأنصارى. توفى وترك امرأة يقال لها: أم كجّة وثلاث بنات له منها فقام رجلان هما أبنا عم الميت ووصياه يقال لهما: سويد وعرفجة فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته وبناته شيئا. وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغير وإن كان ذكرا ويقولون: لا يعطى إلا من قاتل على ظهور الخيل، وطاعن بالرمح، وضارب بالسيف، وحاز الغنيمة. فذكرت أم كجة ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم: فدعاهما فقالا: يا رسول الله، ولدها لا يركب فرسا، ولا يحمل كلا، ولا ينكأ عدوا. فقال صلى الله عليه وسلم: «انصرفا حتى أنظر ما يحدث الله لي فيهن، فأنزل الله هذه الآية.ثم قال: قال علماؤنا: في هذه الآية فوائد ثلاث:إحداها: بيان علة الميراث وهي القرابة.الثانية: عموم القرابة كيفما تصرفت من قريب أو بعيد.الثالثة: إجمال النصيب المفروض. وذلك مبين في آية المواريث فكأن هذه الآية توطئة للحكم، وإبطال لذلك الرأى الفاسد حتى وقع البيان الشافي» .هذا، ومن العلماء من أبقى هذه الآية الكريمة على ظاهرها، فجعل المراد من الرجال:الذكور البالغين. والمراد من الوالدين: الأب والأم بلا واسطة والمراد من الأقربين: الأقارب الأموات الذين يرثهم أقاربهم المستحقون لذلك والمراد من النساء الإناث البالغات.والمعنى على هذا الرأى: للذكور البالغين نصيب أى حظ مما ترك آباؤهم وأمهاتهم وأقاربهم كإخوتهم وأخواتهم وأعمامهم وعماتهم وللإناث البالغات كذلك نصيب مما ترك آباؤهن وأمهاتهن وأقاربهن ... ألخ.وبهذا تكون الآية الكريمة قد اقتصرت على بيان أن الإرث غير مختص بالرجال كما كان الجاهليون يفعلون، بل هو أمر مشترك بين الرجال والنساء، ثم جاءت آيات المواريث بعد ذلك فبينت نصيب كل وارث.قال الإمام الرازي: ذكر الله- تعالى- في هذه الآية هذا القدر، وهو أن الإرث مشترك بين الرجال والنساء- ثم ذكر التفصيل بعد ذلك- في آيات المواريث-، لأنه- سبحانه- أراد أن ينقلهم عن تلك العادة وهي توريث الرجال دون النساء- قليلا قليلا على التدريج، لأن الانتقال عن العادة شاق ثقيل على الطبع. فإذا كان دفعة عظم وقعه على القلب، وإذا كان على التدريج سهل. فلهذا المعنى ذكر الله- تعالى- هذا المجمل أولا ثم أردفه بالتفصيل» ومن العلماء من يرى أن المراد بالرجال الصغار من الذكور ومن النساء الصغار من الإناث، وعلل مراده هذا بأن فيه عناية بشأن اليتامى، وفيه رد صريح على ما تعوده أهل الجاهلية من توريث الكبار من الرجال دون الصغار سواء أكانوا ذكورا أم إناثا. ومنهم من عمهم في الرجال والنساء فجعل المراد من الرجال الذكور مطلقا سواء أكانوا كبارا أم صغارا. وجعل المراد من النساء الإناث مطلقا سواء أكن كبارا أم صغارا.ويكون المعنى: للذكور نصيب مما تركه الوالدان والأقربون من متاع، وللإناث كذلك نصيب مما تركه الوالدان والأقربون.وعليه يكون المقصود من الآية الكريمة التسوية بين الذكور والإناث في أن لكل منهما حقا فيما ترك الوالدان والأقربون.ويبدو لنا أن هذا الرأى الثالث أولى، لأنه أعم من غيره، وأشمل في الرد على ما كان يفعله أهل الجاهلية من عدم توريثهم للنساء مطلقا ولا للصغار وإن كانوا ذكورا، ولأنه يشمل سبب نزول الآية نصا، فقد ذكرنا في سبب النزول أنها نزلت في شأن بنات أوس بن ثابت وزوجته.وقد أكد- سبحانه- حق النساء في الميراث بأن اختار هذا الأسلوب التفصيلي فقال:لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مع أنه كان يكفى أن يقول:للرجال والنساء نصيب، مما ترك الوالدان والأقربون، وذلك للإيذان بأصالتهن في استحقاق الإرث، وللإشعار بأنه حق مستقل عن حق الرجال، وأن هذا الحق قد ثبت لهن استقلالا بالقرابة كما ثبت للرجال، حتى لا يتوهم أحد أن حقهن تابع لحقهم بأى نوع من أنواع التبعية.ثم أكد- سبحانه- هذا الحق مرة أخرى بقوله مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ أى أن حق النساء ثابت فيما تركه المتوفى من مال سواء أكان هذا المتروك قليلا أم كثيرا، لأن الذكور والإناث يتساويان في أن لكل منهما حقا فيما ترك الوالدان والأقربون حتى ولو كان هذا المتروك شيئا قليلا.فقوله مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ عطف بيان من قوله مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ لقصد التعميم والتنصيص على أن حق النساء متعلق بكل جزء من المال الذي تركه الوالدان والأقربون ثم أكد- سبحانه- حق النساء في الميراث مرة ثالثة بقوله نَصِيباً مَفْرُوضاً لأن قوله نَصِيباً منصوب على الاختصاص والاختصاص يفيد العناية.أى أن لكل من الرجال والنساء نصيبا فيما تركه الوالدان والأقربون، وهذا النصيب قد فرضه الله- تعالى- فلا سبيل إلى التهاون فيه، بل لا بد من إعطائه لمن يستحقه كاملا غير منقوص لأن الله هو الذي شرعه، ومن خالف شرع الله كان أهلا للعقوبة منه- سبحانه-.قال صاحب الكشاف: وقوله: نَصِيباً مَفْرُوضاً نصب على الاختصاص بمعنى: أعنى نصيبا مفروضا مقطوعا واجبا لا بد لهم من أن يحوزوه ولا يستأثر به بعضهم دون بعض، ويجوز أن ينتصب انتصاب المصدر المؤكد كقوله: فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ كأنه قيل: قسمة مفروضة» .هذا، وقد استدل الأحناف بهذه الآية على توريث ذوى الأرحام لأن العمات والخالات وأولاد البنات ونحوهن من الأقربين، فوجب دخولهم تحت قوله تعالى: لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ، وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ. الآية» وثبت كونهم مستحقين لأصل النصيب بهذه الآية، وأما المقدار فمستفاد من آيات أخرى كما هو الشأن في غيرهم.أما المخالفون للأحناف فيما ذهبوا إليه فيرون أن المراد من الأقربين الوالدان والأولاد ونحوهم وحينئذ لا يدخل فيهم ذوو الأرحام. وعلى رأى هؤلاء المخالفين يكون عطف الأقربين على الوالدين من باب عطف العام على الخاص.كذلك استدل الأحناف بهذه الآية على أن الوارث لو أعرض عن نصيبه- قبل استحقاقه- لم يسقط حقه .ثم أمر الله تعالى عباده بالتعاطف والتراحم، ولا سيما عند تقسيم الميراث، وإعطاء كل ذي حق حقه فقال تعالى:

الترجمة الإنجليزية

Waitha hadara alqismata oloo alqurba waalyatama waalmasakeenu faorzuqoohum minhu waqooloo lahum qawlan maAAroofan

والمراد بالقسمة: التركة التي تقسم بين الورثة.والمراد بذوي القربى هنا- عند جمهور المفسرين-: الأقارب الذين لا ميراث لهم في التركة.والمراد باليتامى والمساكين: الأجانب الذين لا قرابة بينهم وبين الورثة.والمعنى: وإذا حضر قسمة التركة ذوو القربى ممن لا نصيب لهم في الميراث، واليتامى الذين فقدوا العائل والنصير، والمساكين الذين أسكنتهم الحاجة وأذلتهم وصاروا في حاجة إلى العون والمساعدة فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ أى فأعطوهم من الميراث الذي تقتسمونه شيئا يعينهم على سد حاجتهم، وتفريج ضائقتهم وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً أى قولوا لهم قولا جميلا يرضاه الشرع، ويستحسنه العقل، بأن تقولوا لهم- مثلا-: خذوا هذا الشيء بارك الله لكم فيه، أو بأن تعتذروا لمن لم تعطوه شيئا. والآية الكريمة معطوفة على الآية السابقة عليها وهي قوله- تعالى- لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ.. إلخ.وليس المراد من حضور ذوى القربى واليتامى والمساكين أن يكونوا مشاهدين للقسمة، جالسين مع الورثة، لأن قسمة الأموال لا تكون عادة في حضرة هؤلاء الضعفاء، وإنما المراد من حضورهم العلم بهم من جانب الذين يقتسمون التركة، والدراية بأحوالهم، وأنهم في حاجة إلى العون والمساعدة.وقدم ذوى القربى على اليتامى والمساكين، لأنهم أولى بالصدقة لقرابتهم، ولأن إعطاءهم بجانب أنه صدقة، فهو صلة للرحم التي أمر الله تعالى بصلتها. وقدم اليتامى على المساكين لأن ضعف اليتامى أكثر، وحاجتهم أشد.والضمير المجرور في قوله فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ يعود إلى ما ترك الوالدان والأقربون. أو إلى القسمة بمعنى المقسوم باعتبار معناها لا باعتبار لفظها. أى ارزقوهم من هذا الميراث أو المال المقسوم.والأمر في قوله: فَارْزُقُوهُمْ يرى بعض العلماء أنه للوجوب، لأنه هو المستفاد من ظاهر الأمر، وعليه فمن الواجب على الوارث الكبير وعلى ولى الصغير أن يعطيا لذوي القربى واليتامى والمساكين شيئا من المال تطيب به نفوسهم.ومن أصحاب هذا الرأى من قال: إن من الواجب على الوارث الكبير أن يعطى هؤلاء المحتاجين شيئا من المال المقسوم. أما إذا كان الورثة صغارا فعلى الولي أن يعتذر لهؤلاء المحتاجين، بأن يقول لهم: إنى لا أملك هذا المال المقسوم، لأنه لهؤلاء الصغار وعند ما يكبرون فسيعرفون لكم حقكم وهذا هو القول المعروف.ويرى كثير من العلماء أن هذا الأمر بالإعطاء للندب لا للوجوب، وأن هذا الندب إنما يحصل إذا كان الورثة كبارا، أما إذا كانوا صغارا فليس على أوليائهم إلا القول المعروف.ومن حجج هؤلاء القائلين بأن هذا الأمر للندب والاستحباب: أنه لو كان لأولئك المحتاجين من ذوى القربى واليتامى والمساكين حق معين لبينه الله- تعالى- كما بين سائر الحقوق، وحيث لم يبين علمنا أنه غير واجب. وأيضا لو كان واجبا لتوفرت الدواعي على نقله لشدة حرص الفقراء والمساكين على تقديره، ولو كان الأمر كذلك لثبت نقله إلينا، ولما لم يكن الأمر كذلك علمنا أنه غير واجب.وقد رجح القرطبي كون الأمر للندب لا للوجوب فقال: والصحيح أن هذا على الندب لأنه لو كان فرضا لكان استحقاقا في التركة ومشاركة في الميراث، لأحد الجهتين معلوم، وللآخر مجهول. وذلك مناقض للحكمة، وسبب للتنازع والتقاطع.ثم قال: وذهبت فرقة إلى أن المخاطب والمراد في الآية المحتضرون الذين يقسمون أموالهم بالوصية لا الورثة. فإذا أراد المريض أن يفرق ماله بالوصايا وحضره من لا يرث ينبغي له ألا يحرمه. وهذا- والله أعلم- يتنزل حيث كانت الوصية واجبة، ولم تنزل آية الميراث.والصحيح الأول- وهو أن الآية في قسمة التركة وأن المخاطبين بها هم المقتسمون للتركة- وعليه المعول» .هذا، ومن العلماء من قال: إن هذه الآية قد نسخت بآية المواريث التي بعدها وهي قوله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ.. إلخ.وقد حكى هذا القول- أيضا- ورد عليه الإمام القرطبي فقال ما ملخصه: بين الله- تعالى- في هذه الآية أن من لم يستحق شيئا وحضر القسمة وكان من الأقارب أو اليتامى والفقراء الذين لا يرثون أن يكرموا ولا يحرموا إن كان المال كثيرا والاعتذار إليهم إن كان عقارا أو قليلا لا يقبل الرضخ- أى العطاء القليل- فالآية على هذا القول محكمة. قاله ابن عباس.وامتثل ذلك جماعة من التابعين: عروة بن الزبير وغيره. وأمر به أبو موسى الأشعرى.وروى عن ابن عباس انها منسوخة نسخها قوله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ.وممن قال إنها منسوخة: أبو مالك وعكرمة والضحاك.والأول أصح فإنها مبينة استحقاق الورثة لنصيبهم، واستحباب المشاركة لمن لا نصيب له ممن حضرهم.وفي البخاري عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية: هي محكمة وليست بمنسوخة.وفي رواية قال: إن ناسا يزعمون أن هذه الآية نسخت، لا والله ما نسخت، ولكنها مما تهاون به الناس» .وقال عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق قسم ميراث أبيه عبد الرحمن، وعائشة حية. فلم يدع في الدار مسكينا ولا ذا قرابة إلا أعطاه من ميراث أبيه وتلا هذه الآية: وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى.. إلخ.والخلاصة، أن الذي تطمئن إليه النفس هو قول من قال: إن الآية محكمة وليست بمنسوخة، لأنه أثر عن بعض الصحابة والتابعين أنهم كانوا يفعلون ذلك ويأمرون به. ولأن الروايات القائلة بأنها منسوخة روايات مضطربة، بخلاف الروايات القائلة بأنها محكمة فهي ثابتة في صحيح البخاري ولأن الآية الكريمة لا تتعارض مع آية المواريث لأنها إنما تأمر بما يؤدى إلى التعاطف والتراحم بين الناس، وهذا أمر لا ينسخ، بل هو ثابت في كل زمان ومكان.ونرى كذلك أن الأمر في قوله فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ على سبيل الندب والاستحباب، لا على سبيل الفرض والإيجاب- كما سبق أن بينا-.ثم أمر الله- تعالى- عباده بتقواه، وبالتمسك بالأقوال السديدة فقال تعالى:

الترجمة الإنجليزية

Walyakhsha allatheena law tarakoo min khalfihim thurriyyatan diAAafan khafoo AAalayhim falyattaqoo Allaha walyaqooloo qawlan sadeedan

وللمفسرين في تفسير هذه الآية الكريمة أقوال:أولها: أن الآية الكريمة أمر للأوصياء بأن يخشوا الله تعالى ويتقوه في أمر اليتامى، فيفعلوا بهم مثل ما يحبون أن يفعل بذريتهم الضعاف بعد وفاتهم.فقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا..إلخ.يعنى بذلك الرجل يموت وله أولاد صغار ضعاف يخاف عليهم العيلة والضيعة، ويخاف بعده ألا يحسن إليهم من يليهم يقول: فإن ولى مثل ذريته ضعافا يتامى، فليحسن إليهم ولا يأكل أموالهم إسرافا وبدارا خشية أن يكبروا.. .قال الآلوسى: «والآية الكريمة على هذا الوجه تكون مرتبطة بما قبلها، لأن قوله تعالى:لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ.. إلخ. في معنى الأمر للورثة. أى أعطوهم حقهم دفعا لأمر الجاهلية، وليحفظ الأوصياء ما أعطوه ويخافوا عليهم كما يخافون على أولادهم .وعلى هذا الوجه يكون المقصود من الآية الكريمة حض الأوصياء على المحافظة على أموال اليتامى بأبلغ تعبير، لأنه سبحانه قد نبههم بحال أنفسهم وذرياتهم من بعدهم ليتصوروها ويعرفوا مكان العبرة فيها، ولا شك أن ذلك من أقوى الدواعي والبواعث في هذا المقصود لأنه سبحانه كأنه يقول لهم: افعلوا باليتامى الفعل الذي تحبون أن يفعل مع ذرياتكم الضعاف من بعدكم، فجعل- سبحانه- من شعورهم بالحنان على ذرياتهم باعثا لهم على الحنان على أيتامهم.هذا، ومن المفسرين الذين استحسنوا هذا القول الإمام ابن كثير، فقد قال بعد أن حكى هذا القول: وهو قول حسن يتأيد بما بعده من التهديد في أكل أموال اليتامى ظلما .أما القول الثاني: فيرى أصحابه أن الآية الكريمة أمر لمن حضر المريض من العواد عند الإيصاء بأن يخشوا ربهم فيوصوا المريض في أولاده خيرا ويشفقوا عليهم كما يشفقون على أولادهم.وقد وضح هذا القول الإمام الرازي فقال: إن هذا خطاب مع الذين يجلسون عند المريض فيقولون له: إن ذريتك لا يغنون عنك من الله شيئا، فأوص بمالك لفلان وفلان. ولا يزالون يأمرونه بالوصية إلى الأجانب إلى أن لا يبقى من ماله للورثة شيء أصلا. فقيل لهم: كما أنكم تكرهون بقاء أولادكم في الضعف والجوع من غير مال، فاخشوا الله ولا تحملوا المريض على أن يحرم أولاده الضعفاء من ماله.وحاصل الكلام أنك لا ترضى مثل هذا الفعل لنفسك، فلا ترضه لأخيك المسلم. فعن أنس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن العبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» .وقد رجح هذا الوجه الإمام ابن جرير فقال: وأولى التأويلات بالآية قول من قال: تأويل ذلك: وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم العيلة لو كانوا فرقوا أموالهم في حياتهم، أو قسموها وصية منهم لأولى قرابتهم، وأهل اليتم والمسكنة فأبقوا أموالهم لولدهم خشية العيلة عليهم من بعدهم، فليأمروا من حضروه- وهو يوصى لذوي قرابته وفي اليتامى والمساكين وفي غير ذلك- بما له بالعدل، وليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا، وهو أن يعرفوه ما أباحه الله له من الوصية، وما اختاره المؤمنون من أهل الإيمان بالله وبكتابه وسنته» .والقول الثالث: يرى أصحابه أن الخطاب في الآية للموصين، وأن الآية تأمرهم بأن يشفقوا على ورثتهم، فلا يسرفوا في الوصية لغيرهم لأن الإسراف في ذلك يؤدى إلى ترك الورثة فقراء.ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبى وقاص: «إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس» .والذي نراه أن الأمر بالخشية من الله يتناول جميع الأصناف المتقدمة: من الأوصياء، وعواد المريض، والموصين وغيرهم ممن هو أهل لهذا الخطاب لأن هؤلاء جميعا داخلون تحت الأمر بالخشية من الله- تعالى-، وبالقول السديد الذي يحبه سبحانه ويرضاه.وقوله تعالى وَلْيَخْشَ فعل مضارع مجزوم بلام الأمر. ومفعوله محذوف لتذهب نفس السامع في تقديره كل مذهب، فينظر كل سامع بحسب الأهم عنده مما يخشى أن يصيب ذريته.والجملة الشرطية وهي قوله تعالى لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ صلة للموصول وهو قوله الَّذِينَ وجملة خافُوا عَلَيْهِمْ جواب لَوْ.قال صاحب الكشاف: فإن قلت: ما معنى وقوع لَوْ تَرَكُوا وجوابه صلة للذين؟.قلت: معناه: وليخش الذين صفتهم وحالهم أنهم لو شارفوا أن يتركوا من خلفهم ذرية ضعافا- وذلك عند احتضارهم- خافوا عليهم الضياع بعدهم لذهاب كافلهم وكاسبهم» .قال صاحب الانتصاف: وإنما لجأ الزمخشري إلى تقدير تَرَكُوا بقوله شارفوا أن يتركوا لأن جوابه قوله خافُوا عَلَيْهِمْ والخوف عليهم إنما يكون قبل تركهم إياهم. وذلك في دار الدنيا. فقد دل على أن المراد بالترك الإشراف عليه ضرورة، وإلا لزم وقوع الجواب قبل الشرط وهو باطل. ونظيره فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أى.شارفن بلوغ الأجل.ثم قال: ولهذا المجاز في التعبير عن المشارفة على الترك بالترك سر بديع. وهو التخويف بالحالة التي لا يبقى معها مطمع في الحياة، ولا في الذب عن الذرية الضعاف. وهي الحالة التي وإن كانت من الدنيا، إلا أنها لقربها من الآخرة، ولصوقها بالمفارقة، صارت من حيزها، ومعبرا عنها بما يعبر به عن الحالة الكائنة بعد المفارقة من الترك .وقوله ضِعافاً صفة لذرية. وفي وصف الذرية بذلك بعث على الترحم وحض على امتثال ما أمر الله به.والفاء في قوله فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً لترتيب ما بعدها على ما قبلها. فقد رتب الأمر بالتقوى على الأمر بالخشية وإن كانا أمرين متقاربين لأن الأمر الأول لما عضد بالحجة- وهي الخوف على ذريتهم- اعتبر كالحاصل فصح التفريع عليه.والمعنى: فليتقوا الله في كل شأن من شئونهم وفي أموال اليتامى فلا يعتدوا عليها. وليقولوا لغيرهم قولا عادلا قويما مصيبا للحق وبعيدا عن الباطل.قال الآلوسى وقوله وَلْيَقُولُوا أى لليتامى أو للمريض أو لحاضري القسمة، أو ليقولوا في الوصية قَوْلًا سَدِيداً فيقول الوصي لليتيم ما يقول لولده من القول الجميل الهادي له إلى حسن الآداب ومحاسن الأفعال. ويقول عائد المريض للمريض: ما يذكره بالتوبة وحسن الظن بالله، وما يصده عن الإسراف في الوصية وتضييع الورثة. ويقول الوارث لحاضر القسمة:ما يزيل وحشته أو يزيد مسرته. ويقول الموصى في إيصائه: ما لا يؤدى إلى تجاوز الثلث.ثم قال، والسديد: المصيب العدل الموافق للشرع. يقال: سد قوله يسد- بالكسر- إذا صار سديدا والسداد- بالفتح- الاستقامة والصواب. وأما السداد- بالكسر- فهو ما يسد به الشيء» .قال بعض العلماء: وفي الآية الكريمة ما يبعث الناس كلهم على أن يغضبوا للحق من الظلم، وأن يأخذوا على أيدى أولياء السوء، وأن يحرسوا أموال اليتامى، ويبلغوا حقوق الضعفاء إليه، لأنهم إن أضاعوا ذلك يوشك أن يلحق أبناءهم وأموالهم مثل ذلك. وأن يأكل قويهم ضعيفهم فإن اعتياد السوء ينسى الناس شناعته، ويكسب النفوس ضراوة على عمله» .ثم توعد سبحانه الذين يعتدون على حقوق اليتامى بأشد أنواع الوعيد فقال تعالى:

الترجمة الإنجليزية

Inna allatheena yakuloona amwala alyatama thulman innama yakuloona fee butoonihim naran wasayaslawna saAAeeran

وقوله: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً استئناف مسوق لتقرير ما فصل من الأوامر والنواهي السابقة التي تتعلق بحقوق اليتامى.قال الفخر الرازي: أعلم أنه- تعالى- أكد الوعد في أكل مال اليتيم ظلما، وقد كثر الوعيد في هذه الآيات مرة بعد أخرى على من يفعل ذلك كقوله وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وكقوله: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً.ثم ذكر بعدها هذه الآية مفردة في وعيد من يأكل أموالهم، وذلك كله رحمة من الله تعالى باليتامى لأنهم لكمال ضعفهم وعجزهم استحقوا من الله مزيد العناية والكرامة. وما أشد دلالة هذا الوعيد على سعة رحمته وكثرة عفوه وفضله لأن اليتامى لما بلغوا في الضعف إلى الغاية القصوى، بلغت عناية الله بهم إلى الغاية القصوى» .وقوله ظُلْماً أى يأكلونها على وجه الظلم سواء أكان الآكل من الورثة أم من أولياء السوء من غيرهم.وقال سبحانه ظُلْماً لكمال التشنيع على الآكلين لأنهم يظلمون اليتامى الضعفاء الذين ليس في قدرتهم الدفاع عن أنفسهم.أو أنه سبحانه قيد الأكل بحالة الظلم، للدلالة على أن مال اليتيم قد يؤكل ولكن لا على وجه الظلم بل على وجه الاستحقاق كما في حالة أخذ الولي الفقير أجرته من مال اليتيم أو الاستقراض منه فإن ذلك لا يكون ظلما ولا يسمى الآكل ظالما. قال تعالى: وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ.وقوله ظُلْماً حال من الضمير في يَأْكُلُونَ أى يأكلونها ظالمين. أو مفعول لأجله. أى يأكلونها لأجل الظلم.قال القرطبي: روى أن هذه الآية نزلت في رجل من غطفان يقال له: مرثد بن زيد، ولى مال ابن أخيه وهو يتيم صغير فأكله فأنزل الله تعالى فيه هذه الآية. ولهذا قال الجمهور: إن المراد الأوصياء الذين يأكلون ما لم يبح لهم من مال اليتيم» .وقوله: إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً بيان لسوء مصيرهم، وتصوير لإضرار الأكل عليهم.وللمفسرين في تفسير قوله- تعالى- إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً اتجاهان.أولهما: أن الآية على ظاهرها، وأن الآكلين لمال اليتامى ظلما سيأكلون النار يوم القيامة حقيقة.وقد استدل أصحاب هذا الاتجاه على صحة ما ذهبوا إليه بآثار منها ما رواه ابن حبان في صحيحه وابن مردويه وابن أبى حاتم عن أبى برزة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يبعث يوم القيامة قوم من قبورهم تأجج أفواههم نارا. قيل يا رسول الله من هم؟ قال صلى الله عليه وسلم: ألم تر أن الله قال:إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً الآية» .وروى ابن أبى حاتم عن أبى سعيد الخدري قال: قلنا يا رسول الله ما رأيت ليلة أسرى بك؟قال: انطلق بي إلى خلق من خلق الله كثير. رجال كل رجل منهم له مشفر كمشفر البعير، وهم موكل بهم رجال يفكون لحاء أحدهم، ثم يجاء بصخرة من نار فتقذف في أفواههم حتى تخرج من أسفلهم ولهم جؤار وصراخ. قلت: يا جبريل من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا» .ثانيهما: يرى أصحابه أن الكلام على المجاز لا على الحقيقة وأن المراد إنما يأكلون في بطونهم المال الحرام الذي يفضى بهم إلى النار.وعليه فكلمة ناراً مجاز مرسل من باب ذكر المسبب وإرادة السبب.والمراد بالأكل في قوله إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ مطلق الأخذ على سبيل الظلم والتعدي.وإنما ذكر الأكل وأراد به مطلق الإتلاف على سبيل الظلم لأن الأكل عن طريقه تكون معظم تصرفات الإنسان، ولأن عامة مال اليتامى في ذلك الوقت هو الأنعام التي تؤكل لحومها وتشرب ألبانها فخرج الكلام على عادتهم، ولأن في ذكر الأكل تشنيعا على الآكل لمال اليتيم ظلما، إذ هو أبشع الأحوال التي يتناول مال اليتيم فيها ولأن في ذكر الأكل مناسبة للجزاء المذكور في قوله إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً حيث يكون الجزاء من جنس العمل.قال فِي بُطُونِهِمْ مع أن الأكل لا يكون إلا في البطن، إما لأنه قد شاع في استعمالهم أن يقولوا: أكل فلان في بطنه يريدون ملء بطنه فكأنه قيل: إنما يأكلون ملء بطونهم نارا حتى يبشموا بها. ومثله قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ أى شرقوا بها وقالوها بملء أفواههم، ويكون المراد بذكر البطون تصوير الأكل للسامع حتى تتأكد عنده بشاعة هذا الجرم بمزيد تصوير.وإما أن يكون المراد بذكر البطون التأكيد والمبالغة كما في قوله تعالى وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ والطيران لا يكون إلا بالجناح. والغرض من كل ذلك التأكيد والمبالغة.وقوله تعالى وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً تأكيد لسوء عاقبتهم يوم القيامة.وسَيَصْلَوْنَ مضارع صلى كرضى إذا قاسى حر النار بشدة.وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم وَسَيَصْلَوْنَ بضم ياء المضارعة والباقون بفتحها.والسعير: هو النار المستعرة. يقال: سعرت النار أسعرها سعرا فهي مسعورة إذا أوقدتها وألهبتها.وإنما قال سَعِيراً بالتنكير لأن المراد نار من النيران مبهمة لا يعرف غاية شدتها إلا الله تعالى: أى وسيدخلون نارا هائلة لا يعلم مقدار شدتها إلا الله عز وجل.أخرج أبو داود والنسائي والحاكم وغيرهم أنه لما نزلت هذه الآية انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه. فجعل يفضل له الشيء من طعامه، فيحبس له حتى يأكله أو يفسد فاشتد عليهم ذلك. فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ الآية. فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم .قال الفخر الرازي: ومن الجهال من قال: صارت هذه الآية منسوخة بتلك. وهو بعيد، لأن هذه الآية في المنع من الظلم. وهذا لا يصير منسوخا. بل المقصود أن مخالطة أموال اليتامى إن كانت على سبيل الظلم فهي من أعظم أبواب الإثم كما في هذه الآية. وإن كانت على سبيل التربية والإحسان فهي من أعظم أبواب البر كما في قوله.. تعالى- وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ .وبعد: فهذه عشر آيات من سورة النساء، تقرؤها فتراها تكرر الأمر صراحة برعاية اليتيم وبالمحافظة على ماله في خمس آيات منها.فأنت تراها في الآية الثانية تأمر الأولياء والأوصياء وغيرهم بالمحافظة على أموال اليتامى، وأن يسلموها إليهم عند بلوغهم كاملة غير منقوصة، وتحذرهم من الاحتيال على أكل هذه الأموال عن طريق الخلط فتقول:وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ، وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ، إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً.وتراها في الآية الثالثة تبيح لأولياء النساء اليتامى أن يتزوجوا بغيرهن إذا لم يأمنوا على أنفسهم العدل في أموال اليتيمات، وحسن معاشرتهن، وتسليمهن حقوقهن كاملة إذا تزوجوهن فتقول:وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ الآية. وتراها في الآية السادسة تأمر الأولياء بأن يختبروا تصرفات اليتامى وأن يسلموا إليهم أموالهم عند بلوغهم وإيناس الرشد منهم فتقول:وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ، فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا الآية.وتراها في الآية الثامنة تأمر المتقاسمين للتركة أن يجعلوا شيئا منها للمحتاجين من الأقارب واليتامى والمساكين فتقول:وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ الآية.ثم تراها في الآية العاشرة تتوعد الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما بأشد ألوان الوعيد فتقول: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً، وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً.وقد أمر القرآن أتباعه في كثير من آياته بالعطف على اليتيم، وبحسن معاملته، وبالمحافظة على حقوقه، ومن ذلك قوله- تعالى-:وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ، وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا .وقوله- تعالى- ممتنا على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى. وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى. وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى. فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ.وقوله- تعالى- وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ .وعند ما نقرأ أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم نراه في كثير منها يأمرنا برعاية اليتيم، وبالعطف عليه، وبإكرامه وعدم قهره وإذلاله، ويبشر الذين يكرمون اليتيم بأفضل البشارات، فقد روى البخاري وغيره عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا.وقال بإصبعيه السبابة والوسطى» - أى: وأشار وفرج بين إصبعيه السبابة والوسطى-.وإنما اعتنى الإسلام برعاية اليتيم لصغره وعجزه عن القيام بمصالحه، ولأن عدم رعايته سيؤدي إلى شيوع الفاحشة في الأمة ذلك لأن اليتيم إنسان فقد العائل والنصير منذ صغره، فإذا نشأ في بيئة ترعاه وتكرمه وتعوضه عما فقده من عطف أبيه، شب محبا لمن حوله وللمجتمع الذي يعيش فيه. وإذا نشأ في بيئة تقهره وتذله وتظلمه نظر إلى من حوله وإلى المجتمع كله نظرة العدو إلى عدوه، وصار من الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون لأنه سيقول لنفسه: إذا كان الناس لم يحسنوا إلى فلماذا أحسن إليهم؟ وإذا كانوا قد حرموني حقي الذي منحه الله لي، فلماذا أعطيهم شيئا من خيرى وبرى؟لهذه الأسباب وغيرها أمر الإسلام أتباعه برعاية اليتيم وإكرامه وصيانة حقوقه من أى اعتداء أو ظلم.وبعد أن يبين- سبحانه- ما يجب على الرجال نحو النساء من إعطائهن حقوقهن، وما يجب على الجميع نحو اليتامى من إكرامهم والمحافظة على أموالهم.... بعد أن بين- سبحانه- ذلك، شرع في بيان حقوق أكثر الوارثين، بعد أن أجملها في قوله- تعالى- لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ فقال- تعالى:

الترجمة الإنجليزية

Yooseekumu Allahu fee awladikum lilththakari mithlu haththi alonthayayni fain kunna nisaan fawqa ithnatayni falahunna thulutha ma taraka wain kanat wahidatan falaha alnnisfu waliabawayhi likulli wahidin minhuma alssudusu mimma taraka in kana lahu waladun fain lam yakun lahu waladun wawarithahu abawahu faliommihi alththuluthu fain kana lahu ikhwatun faliommihi alssudusu min baAAdi wasiyyatin yoosee biha aw daynin abaokum waabnaokum la tadroona ayyuhum aqrabu lakum nafAAan fareedatan mina Allahi inna Allaha kana AAaleeman hakeeman

قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لقوله- تعالى- يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ الآية:«هذه الآية الكريمة والتي بعدها والآية التي هي خاتمة هذه السورة هن آيات علم الفرائض.وهو مستنبط من هذه الآيات الثلاث، ومن الأحاديث الواردة في ذلك مما هو كالتفسير لذلك.وقد ورد الترغيب في تعلم الفرائض فقد روى أبو داود عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: العلم ثلاثة وما سوى ذلك فهو فضل: آية محكمة- أى غير منسوخة- أو سنة قائمة- أى ثابتة- أو فريضة عادلة- أى عادلة في قسمتها بين أصحابها-» .وعن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعلموا الفرائض وعلموه الناس فإنه نصف العلم. وهو أول شيء ينسى.. وهو أول شيء ينزع من أمتى» .ثم قال ابن كثير: وقال البخاري عند تفسير هذه الآية: عن جابر بن عبد الله قال: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في بنى سلمة ماشيين فوجدني النبي صلى الله عليه وسلم لا أعقل شيئا. فدعا بماء فتوضأ منه ثم رش على فأفقت. فقلت: يا رسول الله ما تأمرنى أن أصنع في مالي؟ فنزلت يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ الآية.وفي حديث آخر رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة عن جابر قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها من سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله!! هاتان ابنتا سعد بن الربيع. قتل أبوهما معك يوم أحد شهيدا. وان عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا. ولا تنكحان إلا ولهما مال. فقال صلى الله عليه وسلم: «يقضى الله في ذلك» فنزلت آية الميراث. فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمهما فقال صلى الله عليه وسلم: أعط ابنتي سعد الثلثين، وأمهما الثمن، وما بقي فهو لك» .ثم قال ابن كثير: والظاهر أن حديث جابر الأول إنما نزل بسببه الآية الأخيرة من هذه السورة كما سيأتى، فإنه إنما كان له إذ ذاك أخوات ولم يكن له بنات، وإنما كان يورث كلالة.والحديث الثاني عن جابر أشبه بنزول هذه الآية. هذا، وقوله- تعالى- يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ بيان لما إذا مات الميت وترك أولادا من الذكور والإناث.وقوله يُوصِيكُمُ من الوصية، وهي- كما يقول الراغب-: التقدم إلى الغير بما يعمل به مقترنا بوعظ من قولهم: أرض واصية أى متصلة النبات ويقال: أوصاه ووصاه ... ويقال:تواصى القوم إذا أوصى بعضهم بعضا ... » والمراد بقوله يُوصِيكُمُ: أى يأمركم أمرا مؤكدا.والأولاد: جمع ولد- بوزن فعل مثل أسد- والولد: اسم للمولود ذكرا كان أو أنثى والحظ: النصيب المقدر.والمعنى: يعهد الله إليكم ويأمركم أمرا مؤكدا في شأن ميراث أولادكم من بعد موتكم أن يكون نصيب الذكر منهم في الميراث نصيب الأنثيين.وصدر- سبحانه- هذه الأحكام بقوله يُوصِيكُمُ اهتماما بشأنها، وإيذانا بوجوب سرعة الامتثال لمضمونها، إذ الوصية من الله- تعالى- إيجاب مؤكد، بدليل قوله- تعالى- وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ أى أوجب عليكم الانقياد لهذا الحكم إيجابا مؤكدا.وحرف في هنا للظرفية المجازية، ومجرورها محذوف قام المضاف إليه مقامه، لأن ذوات الأولاد لا تصلح ظرفا للوصية، والتقدير: يوصيكم الله في توريث أولادكم أو في شأنهم.وبدأ- سبحانه- ببيان ميراث الأولاد، لأنهم أقرب الناس إلى الإنسان، ولأن تعلق الإنسان بأولاده أشد من تعلقه بأى إنسان آخر.وقوله لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ جملة مستأنفة لا محل لها من الإعراب لأنها في موضع التفصيل والبيان لجملة يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ.وقد جعل- سبحانه- نصيب الذكر ضعف نصيب الأنثى، لأن التكليفات المالية على الأنثى تقل كثيرا عن التكليفات المالية على الذكر، إذ الرجل مكلف بالنفقة على نفسه وعلى أولاده وعلى زوجته وعلى كل من يعولهم بينما المرأة نصيبها من الميراث لها خاصة لا يشاركها فيه مشارك.وبهذا يتبين أن الإسلام قد أكرم المرأة غاية الإكرام حيث أعطاها هذا النصيب الخاص بها من الميراث بعد أن كانت في الجاهلية لا ترث شيئا.ولم يقل- سبحانه- للذكر ضعف نصيب الأنثى، لأن الضعف قد يصدق على المثلين فصاعدا، فلا يكون نصا.ولم يقل للأنثيين مثل حظ الذكر ولا للأنثى نصف حظ الذكر، لأن المقصود تقديم الذكر لبيان فضله ومزيته على الأنثى.وعبر بالذكر والأنثى دون الرجال والنساء، للتنصيص على استواء الكبار والصغار من الفريقين في الاستحقاق من غير دخل للبلوغ والكبر في ذلك أصلا، كما هو زعم أهل الجاهلية حيث كانوا لا يورثون الأطفال ولا النساء.وبعد أن بين- سبحانه- كيفية قسمة التركة إذا كان الورثة أولادا ذكورا وإناثا، عقب ذلك ببيان كيفية تقسيم التركة إذا كان الورثة من الأولاد الإناث فقط فقال- تعالى-: فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك.قال الآلوسى: الضمير للأولاد مطلقا، ولزوم تغليب الإناث على الذكور لا يضر، لأن ذلك مما صرحوا بجوازه مراعاة للخبر ومشاكلة له. ويجوز أن يعود إلى المولودات أو البنات اللاتي في ضمن مطلق الأولاد.. والمراد من الفوقية زيادة العدد لا الفوقية الحقيقية.والمعنى: فإن كانت المولودات أو البنات نساء خلصا زائدات على اثنتين بالغات ما بلغن فلهن ثلثا ما ترك المتوفى.وهذه الجملة الكريمة قد بينت بالقول الصريح نصيب الأكثر من البنتين وهو الثلثان إلا أنها لم تبين نصيب البنتين بالقول الصريح.وقد روى عن ابن عباس أنه قال: الثلثان فرض الثلاث من البنات فصاعدا وأما فرض البنتين فهو النصف. ودليله صريح منطوق الآية، فقد اشترطت أن أخذ ثلثى التركة للنساء يكون إذا كن فوق اثنتين أى ثلاثا فصاعدا، وذلك ينفى حصول الثلثين للبنتين.وقال جمهور العلماء: البنتان لاحقتان بالبنات، فلهما الثلثان إذا انفردتا عن البنين كما أن البنات لهن الثلثان كذلك.وقد بسط الفخر الرازي أدلة الجمهور على أن للبنتين الثلثين كالبنات فقال ما ملخصه:وأما سائر الأمة فقد أجمعوا على أن فرض البنتين الثلثان. قالوا: وإنما عرفنا ذلك بوجوه: أولها: من قوله- تعالى- لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وذلك لأن من مات وترك ابنا وبنتا فههنا يجب أن يكون نصيب الابن الثلثين لقوله- تعالى- لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، فإذا كان نصيب الذكر مثل نصيب الأنثيين. ونصيب الذكر هاهنا هو الثلثان، وجب لا محالة أن يكون نصيب الابنتين الثلثين.الثاني: إذا مات وترك ابنا وبنتا فههنا يكون نصيب البنت الثلث بدليل لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فإذا كان نصيب البنت مع الولد الذكر هو الثلث فبأن يكون نصيبها مع ولد آخر أنثى هو الثلث أولى، لأن الذكر أقوى من الأنثى وإذا كان للبنت الثلث مع أختها وللأخرى كذلك فقد صار لهما الثلثان.الثالث: أن قوله- تعالى- لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يفيد أن حظ الأنثيين أزيد من حظ الأنثى الواحدة، وإلا لزم أن يكون حظ الذكر مثل حظ الأنثى الواحدة وذلك خلاف النص.وإذا ثبت أن حظ الأنثيين أزيد من حظ الواحدة فتقول: وجب أن يكون ذلك هو الثلثان، لأنه لا قائل بالفرق والرابع: أنا ذكرنا في سبب نزول الآية أنه صلى الله عليه وسلم أعطى بنتي سعد بن الربيع الثلثين، وذلك يدل على ما قلناه.الخامس: أنه- سبحانه- ذكر في هذه الآية حكم الواحدة من البنات وحكم الثلاث فما فوقهن ولم يذكر حكم الثنتين وذكر في شرح ميراث الأخوات- في آخر السورة إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ ... فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ فهنا ذكر ميراث الأخت الواحدة والأختين دون الأخوات، فصارت كل واحدة من هاتين الآيتين مجملة من وجه ومبينة من وجه فنقول: لما كان نصيب الأختين الثلثين كانت البنتان أولى بذلك، لأنهما أقرب إلى الميت من الأختين.والوجوه الثلاثة الأول مستنبطة من الآية. والرابع مأخوذ من السنة. والخامس من القياس الجلى».هذا وقد صح عن ابن عباس أنه رجع إلى قول الجمهور فانعقد الإجماع على أن للبنتين الثلثين.ثم بين- سبحانه- الحكم فيما إذا ترك الشخص بنتا واحدة فقال: وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ.أى وإن كانت المولودة أنثى واحدة ليس معها أخ ولا أخت فلها النصف أى نصف ما تركه المتوفى.وإلى هنا تكون الآية قد ذكرت ثلاث حالات للأولاد في الميراث:الأولى: أن يترك الميت ذكورا وإناثا. وفي هذه الحالة يكون الميراث بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.الثانية: أن يترك الميت بنتين فأكثر وليس معهما أخ ذكر: وفي هذه الحالة يكون لهما أو لهن الثلثان خلافا لابن عباس في البنتين- كما سبق أن بينا.الثالثة: أن يترك الميت بنتا واحدة وليس معها أخ ذكر. وفي هذه الحالة يكون لها النصف.قال بعض العلماء: هذا توريث الأولاد. ويلاحظ ما يأتى:أولا: أن نصيب الأولاد إذا كانوا ذكورا وإناثا إنما يكون بعد أن يأخذ الأبوان والأجداد والجدات وأحد الزوجين أنصبتهم. فإذا كان للمتوفى أب وزوجة وأبناء وبنات، فان القسمة للذكر مثل حظ الأنثيين تكون بعد أخذ الأب والزوجة نصيبيهما.ثانيا: أن الأولاد يطلقون على كل فروع الشخص من صلبه: أى أبناؤه وأبناء أبنائه وبناته وبنات أبنائه. أما أولاد بناته فليسوا من أولاده. وقد خالف في ذلك الشيعة فلم يفرقوا في نسبة الأولاد بين من يكون من أولاد الظهور ومن يكون من أولاد البطون. أى: لا يفرقون بين من تتوسط بينه وبين المتوفى أنثى ومن لا تتوسط.ثالثا: أن أبناء المتوفى وبناته يقدمن على أبناء أبنائه وبنات ابنه. أى: أن الطبقة الأولى تمنع من يليها:رابعا: أن بنات الابن يأخذن حكم البنات تماما إذا لم يكن للشخص أولاد قط لا ذكور ولا إناث».وبعد أن بين- سبحانه- ميراث الأولاد أعقبه ببيان ميراث الأبوين فقال: وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ. فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ.وقد ذكر- سبحانه- هنا ثلاث حالات للأبوين.أما الحالة الأولى: فيشترك فيها الأب والأم بأن يأخذ كل واحد منهما السدس إذا كان للميت ولد. وقد عبر- سبحانه- عن هذه الحالة بقوله: وَلِأَبَوَيْهِ أى لأبوى الميت ذكرا كان أو أنثى: والضمير في لِأَبَوَيْهِ كناية عن غير مذكور. وجاز ذلك لدلالة الكلام عليه.والمراد بالأبوين: الأب والأم. والتثنية على لفظ الأب للتغليب.وقوله لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا بدل من قوله وَلِأَبَوَيْهِ بتكرير العامل وهو اللام في قوله لِكُلِّ. وفائدة هذا البدل أنه لو قيل: ولأبويه السدس لكان ظاهره اشتراكهما فيه.وقوله السُّدُسُ بيان للنصيب الذي يستحقه كل واحد من الأبوين.أى: أن لكل واحد من أبوى الميت السدس مما ترك من المال إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ أى: إن كان لهذا الميت ولد ذكرا كان أو أنثى واحدا كان أو أكثر قال القرطبي: فرض الله- تعالى- لكل واحد من الأبوين مع الولد السدس، وأبهم الولد فكان الذكر والأنثى فيه سواء. فإن مات رجل وترك ابنا وأبوين فلابويه لكل واحد منهما السدس وما بقي فللابن. فإن ترك ابنة وأبوين فللابنة النصف وللأبوين السدسان وما بقي فلأقرب عصبة وهو الأب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر، فاجتمع للأب الاستحقاق بجهتين التعصيب والفرض».والحالة الثانية: وهي ما إذا مات وورثه أبواه، وقد بين- سبحانه- حكمها بقوله: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ.أى فإن لم يكن للميت ولد ولا ولد ابن وورثه أبواه فقط، ففي هذه الحالة يكون لأم الميت ثلث التركة، ولأبيه الباقي من التركة وهو الثلثان، إذ لا وارث له سواهما. فإذا كان معهما أحد الزوجين كان للأم ثلث الباقي بعد نصيب الزوج أو الزوجة وثلثاه للأب وهذا رأى جمهور الصحابة وهو الذي اختاره الأئمة الأربعة وأكثر فقهاء الأمصار.أما الحالة الثالثة: وهي ما إذا مات الميت وترك الأبوين ومعهما إخوة أو أخوات فقد بين- سبحانه- حكمها بقوله: «فإن كان له إخوة فلأمه السدس أى: فإن كان للميت إخوة من الأب والأم. أو من الأب فقط، أو من الأم فقط ذكورا كانوا أو إناثا أو مختلطين ففي هذه الحالة يكون لأم الميت سدس التركة والباقي للأب ولا ميراث للإخوة لحجبهم بالأب وبهذا نرى أن إخوة الميت ينقصون الأم من الثلث إلى السدس وإن كانوا محجوبين بالأب.وإذ شرط الله في إنقاص نصيبها من الثلث إلى السدس الجماعة من الإخوة علم أن الأخ الواحد لا يحجبها عن الثلث بل يبقى لها الثلث.أما الأخوان فيرى جمهور الصحابة والعلماء المجتهدين أنهما ينقصانها من الثلث إلى السدس.لأنه قد ورد في اللغة إطلاق الجمع على الاثنين كما في قوله- تعالى- إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما.ولأن الشارع قد جعل الأختين كالثلاث في الميراث. وكذلك جعل البنتين كالثلاث. ولا فرق بين الذكور والإناث.ويروى عن ابن عباس أن الأخوين لا ينقصان الأم من الثلث إلى السدس فشأنهما شأن الأخ الواحد لأن الله- تعالى- قال فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ بصيغة الجمع، والجمع أقله ثلاثة بخلاف التثنية. والعمل على ما ذهب إليه الجمهور.وإلى هنا تكون الآية الكريمة قد بينت ميراث الأولاد والأبوين. ثم عقبت ذلك ببيان الوقت الذي تدفع فيه هذه الأموال إلى مستحقيها من الورثة فقالت: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ.أى هذه الفروض المذكورة إنما تقسم للورثة من بعد إنفاذ وصية يوصى بها الميت إلى الثلث.ومن بعد قضاء دين على الميت.فالجملة الكريمة متعلقة بما تقدم قبلها من قسمة المواريث فكأنه قال: قسمة هذه الأنصبة من بعد وصية يوصى بها لميت ومن بعد قضاء دين عليه.ثم بين- سبحانه- حكمة هذا التقسيم، وأكد وجوب تنفيذه فقال: آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً.قال الآلوسى: الخطاب للورثة. وقوله آباؤُكُمْ مبتدأ، وقوله وَأَبْناؤُكُمْ معطوف عليه.وقوله لا تَدْرُونَ مع ما في حيزه خبر له. وأىّ إما استفهامية مبتدأ. وقوله أَقْرَبُ خبره والفعل معلق عنها فهي سادة مسد المفعولين. واما موصولة، وقوله أَقْرَبُ خبر مبتدأ محذوف والجملة صلة الموصول. وأيهم مفعول أول مبنى على الضم لإضافته وحذف صدر صلته.والمفعول الثاني محذوف. وقوله نَفْعاً نصب على التمييز وهو منقول من الفاعلية. وجملة آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً اعتراضية مؤكدة لوجوب تنفيذ الوصية.والمعنى أن الله- تعالى- قد فرض لكم هذه الفرائض وقسم بينكم الميراث هذا التقسيم العادل فعليكم أن تلتزموا بتنفيذ قسمة الله التي قسمها لكم، ولا يصح لكم أن تحكموا أهواءكم في أموالكم، فإنكم لا تعلمون من أنفع لكم من أصولكم وفروعكم في دنياكم وآخرتكم.وقد صدر- سبحانه- الجملة الكريمة بذكر الآباء والأبناء لقوة قرابتهم واتحاد اتصالهم،ومع ذلك لا يدرون النافع منهم، لأن الله- تعالى- وحده هو العليم بأحوال عباده، وبما تسره وتعلنه نفوسهم.ثم أكد الله- تعالى- وجوب الانقياد لما شرعه لهم في شأن المواريث بتأكيدين:أولهما: قوله- تعالى- فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ.أى: فرض الله ذلك التقسيم للميراث فريضة، وقدره تقديرا فلا يجوز لكم أن تخالفوه، لأنه تقدير الله وقسمته، وليس لأحد أن يخالف قسمة الله وشرعه.وقوله فَرِيضَةً منصوب على أنه مصدر مؤكد لنفسه، على حد قولهم هذا ابني حقا، لأنه واقع بعد جملة لا محتمل لها غيره، فيكون فعله الناصب له محذوفا وجوبا. أى فرض ذلك فريضة من الله.وأما التأكيد الثاني: فهو قوله- تعالى-: إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً أى إن الله- تعالى- كان عليما بما يصلح أمر العباد في دنياهم وآخرتهم، حكيما فيما قضى وقدر من شئون وتشريعات، فعليكم أن تقفوا عند ما قضى وشرع لتفوزوا بمثوبته ورعايته ورضاه.قال الفخر الرازي ما ملخصه: ومناسبة هذا الكلام هنا أنه- تعالى- لما ذكر أنصباء الأولاد والأبوين، وكانت تلك الأنصباء مختلفة.. والإنسان ربما خطر بباله أن القسمة لو وقعت على غير هذا الوجه لكانت أنفع له وأصلح، لا سيما وقد كانت قسمة العرب للمواريث مخالفة لما جاء به الإسلام. لما كان الأمر كذلك أزال الله هذه الشبهة بأن قال: إنكم تعلمون أن عقولكم لا تحيط بمصالحكم، فربما اعتقدتم في شيء أنه صالح لكم وهو عين المضرة، وربما اعتقدتم فيه أنه عين المضرة وهو عين المصلحة، وأما الإله الحكيم الرحيم فهو عالم بمغيبات الأمور وعواقبها، فاتركوا تقدير المواريث بالمقادير التي تستحسنها عقولكم، وكونوا مطيعين لأمر الله في هذه التقديرات التي قدرها لكم، فقوله آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً إشارة إلى ترك ما يميل إليه الطبع من قسمة المواريث على الورثة. وقوله: فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إشارة إلى وجوب الانقياد لهذه القسمة التي قدرها الشرع وقضى بها».
78